كلمة الباحثة لتقديم موضوع الأطروحة أثناء المناقشة
بسم الله الرحمان الرحيم وصـلى الله وسـلم على سيدنا محمد وآله الطيبين. أحمد الله تعالى وأشكره لأنه أعانني على إتمام هذا العمل، هذا الأخير الذي حظي بإشراف أستاذ عظيم مهما قلت في حقه من كلمات فإنها لن تفيه قدره، أشكركم أستاذي الدكتور الحسين بلحساني على تعاملكم الراقي، تواضعكم، ودعمكم الذي ساهم في إنجاز هذه الأطروحة، وأقول لكم أستاذي أنه لي الفخر أن كانت أطروحتي تحت إشرافكم، فشكرا جزيلا لكم على كل شيء.
أتقدم بالشكر الجزيل أيضا لأستاذي الدكتور إدريس الفاخوري على كل التوجيهات التي قدمها لي خلال سنوات الدراسة والتي كان لها الأثر في تكويني في هذه الوحدة، وأشكره على جميع المراجع التي أمدني بها والتي ساهمت في إغناء موضوع البحث.
شكر جزيل أيضا للدكتورة دنيا امباركة لتحملها عناء السفر وقبولها أن تكون عضوا ضمن لجنة المناقشة.
أتوجه بالشكر الخالص أيضا لأستاذنا الدكتور آيت الحاج مرزوق لتفضله بقراءة الأطروحة، وكذا قبوله المشاركة مع اللجنة لمناقشة هذه الأطروحة.
شكر خاص للدكتورة وداد العيدوني التي لم تتردد في أن تكون عضوا في لجنة المناقشة.
فلكم جميعا مني كل كلمات الشكر والتقدير، وإنه لشرف لي اليوم أن تناقش أطروحة "أثر اختلاف الدين على الزواج المختلط في القانون المغربي" لجنة تضم أساتذة كبار مثلكم.
تقرير موجز عن الأطروحة:
إن موضوع اختلاف الدين في الزواج كان ولا يزال من الموضوعات المعقدة والحساسة المثيرة للكثير من الجدل على الصعيدين الفقهي والقانوني نظرا لتباين آراء الفقهاء حول تحديد مفاهيم "الشرك" و"الكفر" و"أهل الكتاب" الواردة في الآيات 221 من سورة البقرة، الآية 5 من سورة المائدة والآية 10 من سورة الممتحنة، وكذا بسبب اقتصار الفقهاء على اعتبار أهل الكتاب من المشركين إذا تعلق الأمر بزواج المسلمة من كتابي، واعتبارهم غير ذلك إذا تعلق الأمر بزواج المسلم من كتابية، وكأن معنى الشرك يقتصر على الكتابي فقط ولا يتعداه إلى الكتابية، مع أن المنطق يقتضي أنه إذا كان أهل الكتاب مشركين، فإن ذلك يقتضي أن يشمل لفظ الشرك جميع الكتابيين دون فرق بين رجل كتابي وامرأة كتابية. ولعل هذا الخلاف كان له الأثر في إقدام البعض على هذا النوع من الزواج سواء داخل المغرب أو خارجه، ففي داخل المغرب وأمام المنع القانوني لهذا الزواج والذي تترجمه مقتضيات المادة 39 من مدونة الأسرة قد يلجأ الطرفان إلى التحايل على القانون والتنكر تحت غطاء الدين الإسلامي لإتمام الزواج، أما في الخارج فإن المغاربة قد يجدون المكان الملائم لتجاوز المانع الديني الذي يفرضه القانون المغربي، فيكتفون بإبرام عقود زواجهم طبقا للصيغة المدنية دون تسجيلها بالقنصليات المغربية ببلد الإقامة الأمر الذي يجعل مثل هذه العقود تظل غير صحيحة وغير معترف بها من وجهة نظر القانون المغربي.
وإذا كانت خطورة زواج المسلمة بغير المسلم تكمن بشكل كبير في إمكانية إبرام هذا الزواج في الخارج لعدم وجود مثل هذا المانع في القوانين الأجنبية، ومن ثم صعوبة الاعتراف بهذا الزواج داخل المغرب، فإن خطورة زواج المسلم بغير المسلمة تكمن داخل المغرب وخارجه، وذلك لعدم اشتراط المشرع المغربي أي وثيقة أو شهادة تثبت ديانة المرأة الأجنبية التي يريد المسلم أن يتزوج بها، وعلى هذا الأساس يظل منع زواج المسلم بغير الكتابية منعا شكليا فقط ترجمته مقتضيات المادة 39 من مدونة الأسرة، في حين أن المنطق يفرض على المشرع وكما اشترط في زواج المسلمة بغير المسلم شرط اعتناق غير المسلم الإسلام وضرورة إدلائه بشهادة تثبت هذا الاعتناق، كان عليه أن يفعل الأمر نفسه في حالة زواج المسلم بغير المسلمة، فكان عليه أن يشترط ضرورة الإدلاء بشهادة تثبت أن غير المسلمة كتابية، وإلا كيف يمكن التأكد من دينها؟ وهل هي كتابية أم مشركة؟
تكمن أهمية هذا الموضوع في التزايد الهائل لهذا النوع من الزواج عند الشباب المغربي المقيم في الخارج خصوصا وأن الأمر لم يعد مقتصرا على الرجل المغربي فقط، بل إن المرأة المغربية أيضا اتجهت إلى هذا النوع من الزواج رغم وجود عوائق دينية وثقافية وهذا ما دفعني للاعتناء بهذا الموضوع ومعالجته معالجة دقيقة كمحاولة للإحاطة بجوانب هذا الموضوع وما يثيره من إشكالات على الصعيدين الفقهي والقانوني.
إنني حاولت من خلال هذا البحث أن أتتبع بعض إشكالات هذا الزواج والناتجة بالخصوص عن اصطدام المرجعية الدينية التي تميز قانون الأسرة المغربي مع المرجعية اللائكية والعلمانية للقوانين الأجنبية المنظمة للزواج ضمن مقتضيات القانون المدني باعتباره عقدا مدنيا، هذا الاصطدام الذي يؤدي إلى تنافس محتدم بين القانونين حول تحديد الأنسب لحكم العلاقة الزوجية.
وإذا كان المشرع المغربي وحرصا منه على الثوابت والقيم المغربية الإسلامية قد أحاط عقود الزواج بعناية تشريعية لها أثرها الإلزامي داخليا حيث سيادة الدولة الوطنية وتأثير نسبي على الصعيد الخارجي الذي يحكمه القانون الدولي الخاص خصوصا مبدأ النظام العام الذي تعتمده جل الدول في قوانين الأحوال الشخصية، فهل سيظل متشبثا بموقفه في ظل التغييرات الجديدة التي يعيشها المغرب خصوصا بعد صدور الدستور الجديد حيث احتلت الاتفاقيات الدولية في الترتيب التشريعي مكانة الصدارة على التشريع الداخلي وكذا بعد رفع التحفظات التي كانت موضوعة على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة أم أن المشرع سيقوم بمراجعة قانونية على ضوء هذه التغييرات؟ ما مدى إمكانية التنفيذ المباشر للاتفاقيات الدولية خصوصا المقتضيات التي تمنح حق الزواج دون تمييز بسبب الدين في القانون المغربي؟ وما هي الصيغة التي يمكن من خلالها الملائمة بين الاتفاقيات الدولية والتشريع الوطني الممثل في مدونة الأسرة؟
يثير التغيير في الدستور المغربي تساؤلات عديدة في التطبيق منها ما يتعلق بمدى إمكانية القاضي المغربي أن يستبعد تطبيق القانون الوطني ويعوضه بالقانون الأجنبي مستندا في ذلك وبشكل قانوني إلى مقتضيات الدستور المغربي وكذا إلى مبادئ الاتفاقيات الدولية وخصوصا المادة 16 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، التي تضمن على أساس المساواة بين الرجل والمرأة نفس الحق في عقد الزواج ونفس الحق في حرية اختيار الزوج، سيما بعد أن قامت الحكومة المغربية برفع التحفظات عن هذه الاتفاقية، ومدى إمكانية العودة من جديد إلى الحلول التي كانت قائمة خلال عهد الحماية، حيث كانت المحاكم العصرية تحكم بصحة الزواج المدني المبرم بين امرأة مغربية مسلمة ورجل أجنبي غير مسلم؟
إن الدستور الجديد جاء متضمنا قاعدتين متناقضتين تماما، قاعدة "سمو الاتفاقيات الدولية" وقاعدة "الإسلام دين الدولة"، وسواء طبق القاضي هاته القاعدة الدستورية أو تلك، فإنه لاشك سيكون خارقا في نفس الوقت لمقتضيات الدستور، لأنه بتطبيقه لقاعدة "سمو الاتفاقيات الدولية" سيكون قد خرق مقتضيات الفصل الثالث من الدستور الذي ينص على أن الإسلام دين الدولة، كما أنه بتطبيقه لقاعدة الإسلام دين الدولة، سيكون خارقا للتصدير الذي يشكل جزءا لا يتجزأ من الدستور والذي يجعل الاتفاقيات الدولية تسمو على التشريعات الوطنية.
الواقع أن الدستور الجديد وضع القاضي أمام حيرة قانونية، وسبب الحيرة هو صعوبة التوفيق بين القاعدتين، ولعل هذا ما سيزيد من فتح باب الجدل بدل غلقه نهائيا.
وإذا كان تعليل الحكومة المغربية سنة 1993 عند وضع التحفظات على هذه الاتفاقية هو تعارض بنودها مع أحكام الشريعة الإسلامية، فما هو السبب الكامن وراء رفع بعض هذه التحفظات، فما الذي تغير؟ هل تغيرت الشريعة؟ أم تغير المجتمع؟ أم تغيرت بنود الاتفاقية؟ وهل هذه الخطوة التي أقدمت عليها الحكومة المغربية يمكن أن تحل المشاكل العالقة منذ زمن، أم أنها ستزيد الأمر تعقيدا بسبب مقتضيات المادة 16 من هذه الاتفاقية وما ستشكله من تهديد لقانون الأسرة المغربي ومن ثم لنصوص الشريعة الإسلامية المستمد منها هذا القانون؟ مع أنه كان من الممكن تلافي كل هذا الإشكال مقدما من خلال وضع نص صريح في الاتفاقية يقضي بتفضيل أحد القاعدتين السالفتين الذكر، فكان من المنطقي مثلا لو وقع التنصيص في هذه الاتفاقية على حق الدول الأعضاء في الاتفاقية في استبعاد أي قانون أجنبي يتعارض مع "قاعدة الإسلام دين الدولة"، ومن تم قاعدة منع زواج المسلمة بغير المسلم ومنع زواج المسلم بغير الكتابية، وفي هذه الحالة لا يكون هناك مجال لقيام المشكلة من الأساس. إلا أنه أمام غياب هذا النص، وأمام النص على سمو الاتفاقيات الدولية على التشريع الوطني في الدستور الجديد، فإنه لا يمكن تفسير الأمر على أنه تنازل عن هاته القواعد مادام لا يوجد نص صريح ينص على ذلك، ومن تم فإنه يمكن للقاضي اللجوء إلى فكرة النظام العام لاستبعاد القانون الأجنبي كلما تعارض مع هاته القواعد، كوسيلة للدفاع عن المبادئ الأساسية التي يقوم عليها النظام القانوني المغربي.
انطلاقا من كل هذه الإشكالات، ارتأيت تقسيم هذا الموضوع إلى بابين تناولت في الباب الأول الموقف الشرعي من اختلاف الدين في الزواج، وفي الباب الثاني تطرقت إلى موقف القانون المغربي من هذا الاختلاف في الزواج.
وكمحاولة لإمكانية تجاوز بعض الإشكالات التي يطرحها الزواج المختلط على أساس الدين، فإنني حاولت التفكير في مجموعة من الاقتراحات أهمها:
- العمل على مراجعة دقيقة للاتفاقيات الدولية الحالية مراجعة لا تغفل القيم والقواعد الإسلامية والدستورية خصوصا قاعدة "الإسلام دين الدولة" باعتبارها أصل قاعدة منع زواج المسلمة بغير المسلم ومنع زواج المسلم بغير الكتابية.
- إمكانية إبرام اتفاقيات دولية ثنائية تكون واضحة في بنودها، إذ يمكن مثلا إدراج كبند من بنود الاتفاقية عدم اعتراف الدولة الأجنبية المعقودة معها الاتفاقية بزواج المسلمة بغير المسلم وبزواج المسلم بغير كتابية.
- كما أنه يمكن تحديد مفهوم النظام العام في هذا المجال بصورة تحول دون اعتماده كمانع من تطبيق القانون المغربي في حالة التنازع بين القوانين، فمثل هذا الاتفاق لا يضر بالدولة الطرف في الاتفاقية بل إنه يدخل في إطار احترام قوانين وذاتية كل دولة من دول العالم حسب ما تختص به من مقومات سياسية وحضارية ودينية.
وفي انتظار حدوث مثل هذه التغييرات، فإنه يمكن استخدام بعض المنافذ القانونية ومن جملة ذلك إمكانية اللجوء إلى إثبات عقد الزواج بكافة وسائل الإثبات والتي من بينها عقد الزواج المدني ورسم اعتناق الإسلام، كما يمكن اللجوء إلى تذييل عقود الزواج المدنية المبرمة بالخارج بالصيغة التنفيذية.
إنه رغم ارتكاز الدستور الجديد على مبدأ المساواة بين الجنسين، إلا أن ترجمة هذا المبدأ ضمن المقتضيات المتعلقة بالمانع الديني في الزواج سوف يكون صعبا إن لم نقل مستحيلا، لأن الحماية الممنوحة للمرأة في المواثيق الدولية لا ترتكز على الدين بينما حق المرأة في الزواج في قانون الأسرة ينطلق من روح الشريعة الإسلامية، وهذا يعني أن المساواة بين الجنسين في هذه المسألة سوف تظل نظرية تماما في النظام القانوني المغربي.
أخيرا، أود القول أنه رغم تخلي المشرع المغربي عن التحفظات التي سبق أن وضعها على اتفاقية القضاء على التمييز ضد المرأة بالإضافة إلى الأولوية التي خص بها الاتفاقيات الدولية على التشريع الوطني من خلال الدستور الجديد، فإنني أعتقد أنه من الصعب على المشرع أن يتنازل أو يتجاهل القيود ذات الطبيعة الدينية كمانع الدين في الزواج لأنها قيود نابعة من الجوهر الأصلي للإسلام وكذا تحصينا للثوابت الإسلامية وللطبيعة الدينية التي تتميز بها مدونة الأسرة، وإلا فكيف يمكن أن نفسر وجود القاعدة الدستورية "الإسلام دين الدولة"، لأنه في هذه الحالة لن يبقى لوجودها أي معنى، الأمر الذي يثير تساؤلا حول حقيقة أو أصل نية المشرع المغربي في هذه المسألة، ومدى إمكانية اتجاه نيته في حالة تجاهله لمثل هذه القيود وفي ظل التغييرات التي قام بها مؤخرا، إلى استبدال قاعدة "الإسلام دين الدولة" بقاعدة جديدة تكون فيها العلمانية أحد مواصفات الدولة المغربية؟
ومع ذلك يبقى المشرع حرا في اتخاذ الأحكام التي يراها صالحة ومناسبة لمجتمعه، وإذا كان مؤخرا قد قام ببعض التغييرات مبررا ذلك بأنها أصبحت متجاوزة بفعل التشريعات المتقدمة التي أقرتها بلادنا، فإن هذا لا يعني أنه مجبر على اتباع القوانين الأخرى والتخلي عن الثوابت الدينية أو الدستورية.
ولكل ذلك لا يجوز التعلل بمثل هذه المبررات أو غيرها لتبرير التخلي عن قاعدة "الإسلام دين الدولة".
وشكــــــــرا.
والله ولي التوفيق