نسخة للتحميل
مقدمة
تعد الأسرة ظاهرة اجتماعية فطرية لا انفكاك لأي حي عنها والإنسان في الاعتبار الأول في أمس الحاجة إليها من حيث كونه حيا عاقلا يرغب في الاستقرار والسكينة والتساكن قال تعالى «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة»[1].
وعلى اعتبار أن الإنسان اجتماعي بطبعه كونه لا يقوى على العيش منفردا في استقرار وطمأنينة، لأنه ميال لمساكنة الآخر من نوعه عن طريق الزواج. لذا يرى الإنسان إذ لم يكون أسرة وولي عنه زمانه، فإنه يصاب بالحسرة والندم، خصوصا عندما تغزوه الوحدة لا أصل ولا فرع ولا أمل في العودة إلى بسمة الشباب ذهب الكُل وبقي الكَلُ[2]، ومادام الأولاد هم ثمرة الحياة الزوجية وغايتها وهم بهجة الدنيا وزينتها فمن أجل ذلك عني الإسلام بشأنهم فشرع لهم من الحقوق ما يحفظهم من الانحلال والفساد، وضمن حقهم في الانتساب إلى آباء معينين، يشكلون امتدادا لهم، لذلك أولت الشريعة الإسلامية النسب مزيدا من العناية وأحاطته ببالغ الرعاية ولا أدل على ذلك من جعله في طليعة الضروريات الخمس التي اتفقت الشرائع السماوية على وجوب حفظها ورعايتها، ومن أجل ذلك عني الإسلامي أيما عناية بتنظيم العلاقة بين الرجل والمرأة ضمانا لحماية الأنساب وجعلها مبنية على أصول شرعية وحرم كل اتصال جنسي خارج إطار الشرعية ولم يبح إلا تلك القائمة على زواج شرعي بشروطه المعتبرة ومن مظاهر عناية الإسلام بالنسب أيضا أنه بالغ في التهديد للآباء والأمهات حين يقدمون على إنكار نسب أولادهم[3]، قال الرسول r «أيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله منه وفضحه على رؤوس الخلائق»[4]، كما حرم الإسلام على المرأة أن تنسب إلى زوجها من تعلم أنه ليس من صلبه، فقال r : «أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم، فليست من الله في شيء ولن يدخلها جنته»[5]، كما حرم على الأبناء الانتساب إلى غير آبائهم قال عليه الصلاة والسلام «من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام»[6]، وما ينبغي الإشارة إليه أن المشرع المغربي اهتم بدوره بموضوع النسب وأولاه العناية الخاصة سواء في مدونة الأحوال الشخصية الملغاة أو في مدونة الأسرة، حيث خصص له في هذه الأخيرة القسم الأول من الكتاب الثالث المتعلق بالولادة ونتائجها تحت عنوان " البنوة والنسب" وما يلاحظ أن الفقهاء المسلمين لم يعطوا تعريفا موحدا لمفهوم النسب، بل تحدثوا عن مسائله وعالجوا قضاياه، و قدعرفته مدونة الأسرة في المادة 150 «بأنه لحمة شرعية بين الأب وولده تنتقل من السلف إلى الخلف"[7]، لكن لا بأس من التطرق لمعانيه، فالنسب لغة، يعني القرابة وسميت القرابة نسبا لما بينهما من صلة واتصال، فيقال نسبت فلانا إلى أبيه أنسبه نسبا إذا رفعت في نسبه إلى جده الأكبر[8] أما معناه شرعا فهو علاقة الدم أو رباط السلالة أو النوع الذي يربط الإنسان بأصوله وفروعه وحواشيه، قال تعالى «وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا»[9].
ونظرا لأهمية النسب لارتباطه الوطيد بقضايا المجتمع على اعتبار أن قضايا النسب أصبحت تشكل أغلب الدعاوى المعروضة على القضاء الأسري وما يثيره ذلك من إشكالات عملية لتباين الأحكام القضائية بخصوص القضايا المتشابهة، ونظرا لاهتمامنا بمادة الأسرة، كلها عوامل دفعت بنا إلى اختيار موضوع البحث علنا نتمكن من سبر أغواره واستجلاء خفاياه من خلال التطرق بالدراسة والتحليل والمناقشة لوسائل إثبات النسب وكيفية تعامل القضاء معها وتبيان النقائص التي تعتري الأحكام الصادرة في الموضوع مع إبراز وجهات نظر الفقه المختلفة بخصوص أهم المستجدات التي جاءت بها مدونة الأسرة، شبهة الخطبة (المادة 156) والخبرة القضائية كوسيلة إثبات ونفي النسب (المادة 153-158) والعمل قدر المتيسر في إغناء هذا البحث بالاجتهاد القضائي المنشور منه وغير المنشور وتبعا لذلك، يتضح أن الإشكالية التي يتمحور حولها هذا البحث تتمثل في تعامل القضاء مع كل من الوسائل الشرعية التقليدية لإثبات النسب (فصل أول) والخبرة كوسيلة علمية حديثة لإثباته (فصل ثان)، فكيف إذن تعامل الاجتهاد القضائي مع كل هذه الوسائل؟ وما المعايير التي اعتمد عليها لإعمال هذه أو تلك؟
انطلاقا مما سبق، سنجيب عن هذا الإشكال من خلال تقسيم هذا البحث إلى الفصلين التاليين :
الفصل الأول : الوسائل الشرعية التقليدية لإثبات النسب
الفصل الثاني : الخبرة كوسيلة علمية لإثبات النسب
الفصل الأول
الوسائل الشرعية التقليدية
لإثبات النسب
لقد نصت المادة 158 من مدونة الأسرة على أنه «يثبت النسب بالفراش أو بإقرار الأب أو بشهادة عدلين أو ببينة السماع وبكل الوسائل الأخرى المقررة شرعا بما في ذلك الخبرة «
وجاء في المادة 152 من نفس المدونة أسباب لحوق النسب : الفراش الإقرار والشبهة»، ومن خلال هاتين المادتين، فالنسب يثبت بالفراش والإقرار و الشبهة والشهادة بنوعيها والخبرة « .
ويتبين من مقارنة نص المادة 158 أعلاه مع مقتضيات الفصل 89 من مدونة الأحوال الشخصية الملغاة، أن مدونة الأسرة قد جاءت بجديد يتمثل في الخبرة ، ويكون المشرع بذلك قد وسع من نطاق ثبوت النسب حفظا للأنساب ولحقوق الأطفال ومسايرة للتطور العلمي الحاصل في هذا الباب، كما أن تحديد وسائل الإثبات بدقة فيه تيسير مادام الشرع متشوف لثبوت النسب وكون القاعدة الفقهية تقضي " بأنه لا تعجيز في النسب"
وللإحاطة بالموضوع، سنتطرق لهذه الوسائل اتباعا من خلال المباحث الآتية :
المبحث الأول: الفراش
المبحث الثاني: الإقرار
المبحث الثالث: البينة
المبحث الأول : الفراش
يعتبر الفراش السبب الحقيقي لإثبات النسب[10] وباقي الوسائل الأخرى أسبابا ظاهرية ولاحقة بهذا السبب الأصلي لهذا يتعين تحديد المقصود بالفراش وشروطه.
مفهوم الفراش :
الفراش في الأصل ما يبسط للجلوس أو النوم عليه[11] ويطلق على المرأة التي يستمتع بها الزوج[12]، يقول تعالى «وفرش مرفوعة إنها أنشأناهن إنشاء فجعلناهن عربا أترابا لأصحاب اليمين»[13]. أما اصطلاحا فيقصد به كون المرأة معينة للولادة لشخص واحد وبذلك فالمراد بالفراش الزوجية الصحيحة القائمة بين الرجل والمرأة عند ابتداء حملها بالولد على أساس عقد زواج صحيح قائم مقام الاتصال بينهما[14]طبقا للحديث الشريف «الولد للفراش وللعاهر الحجر» وهذا الحديث يعتبر قاعدة عامة لثبوت النسب.
والسبب في ثبوت النسب بالفراش دون توقف على إقرار أو بينة هو كون الزواج الصحيح يجعل الزوجة مختصة بزوجها وحده دون غيره[15] وكل من تنسل من هذه العلاقة يلحق نسبه لمن ولد له واحتمال أنه من غيره احتمال مرفوض لأن الأصل حمل أحوال الناس على الصلاح حتى يثبت العكس بالطرق المحددة شرعا مادام إبرام عقد الزواج مظنة على الاتصال بين الزوجين دونما حاجة لإثبات وقوع الخلوة بينهما رعاية لحرمة فراش الزوجية واحتياطا للنسب[16].
وفي هذا الاتجاه سار المشرع المغربي في المادة 151 من مدونة الأسرة التي جاء فيها »يثبت النسب بالظن ولا ينتفي إلا بحكم قضائي « .
وإذا كان ثبوت النسب بالفراش أمرا قطعيا، فإن ذلك يتطلب توفر مجموعة من الشروط لخصتها المادة 154 من مدونة الأسرة في أنه : «يثبت نسب الولد بفراش الزوجية :
انطلاقا من هذه المعطيات، فالنسب يثبت بالفراش سواء في الزواج الصحيح
(مطلب أول( أو غير الصحيح- الباطل والفاسد- (مطلب ثان( وكذا في الوطء بشبهة(.مطلب ثالث (
المطلب الأول : ثبوت النسب بالفراش في الزواج الصحيح
الفقرة الأولى : مفهوم الزواج الصحيح
جاء في المادة 50 من مدونة الأسرة : «إذا توفرت في عقد الزواج سائر أركانه[18] وشروط صحته وانتفت الموانع، فيعتبر صحيحا وينتج جميع آثاره...» .
وقد بينت المادة العاشرة على أن الزواج ينعقد بإيجاب من أحد المتعاقدين وقبول من الآخر بألفاظ تفيد معنى الزواج لغة أو عرفا، في حين حددت المادة 13 من نفس المدونة الشروط الواجب توفرها في عقد الزواج حتى ينتج آثاره[19].
ولعل أهم هذه الآثار ثبوت نسب الأولاد الذين يولدون على فراش الزوجية لصاحب هذا الفراش[20].
الفقرة الثانية : شروط الفراش في الزواج الصحيح
لا يثبت النسب بمجرد قيام الزوجية على عقد صحيح مستجمع لكافة أركانه وشروطه، بل لابد من توفر شروط أخرى، إذا ما انتفى واحد منها أدى إلى عدم لحوق الولد بالفراش حال قيام الزوجية.
وقد نصت مدونة الأسرة في المادة 154 منها على هذه الشروط، والتي سنناقشها بتفصيل من خلال النقاط التالية :
أولا : وجود عقد زواج صحيح
بتوفر عقد الزواج الصحيح المستجمع لأركانه وشروط صحته، فإنه يرتب آثاره الشرعية وأهمها ثبوت نسب الأولاد الذين يولدون على فراش الزوجية لصاحب هذا الفراش[21] وتعد هذه القاعدة حجر الزاوية والأساس في إثبات النسب وهي قرينة قاطعة لا تحمتل إعمال ما جاء به أهل البصر[22]، وهذا ما أكده المجلس الأعلى، حيث جاء في قراره «الفراش في الزوجية إنما يثبت بالعقد...»[23] ولعل العمل القضائي دأب على اعتبار وجود عقد زواج صحيح كاف للقول بثبوت نسب الأبناء الذين ازدادوا خلال قيام العلاقة الزوجية، حيث جاء في قرار محكمة الاستئناف بالرباط «... وحيث إن الثابت من وثائق الملف أن البنت عتيقة ازدادت أثناء قيام العلاقة الزوجية بين المستأنف والمستأنف عليها وعلى فراش الزوجية، وحيث أن المستأنف الذي ينفي نسب البنت المذكورة إليه لم يسلك المسطرة المنصوص عليها قانونا بمجرد ظهور الحمل على زوجته.. مما يبقى معه طلبه غير مرتكز على أساس»، وجاء في قرار آخر «وحيث إن الثابت من وثائق الملف أن المستأنف عليها وضعت مولودها بتاريخ 21/08/2006 والزوجية قائمة وأن المستأنف الذي ينفي نسب الابن المذكور إليه لم يسلك المسطرة القانونية لذلك، كما أنه لم يدل بدلائل قوية على إدعائه كون زوجته خانته مع غيره حتى يتأتى اللجوء إلى إجراء خبرة جينية والحكم المستأنف لما قضى برفض طلبه والحكم عليه بتسجيل الابن بالحالة المدنية، قد بني على أساس من القانون ويتعين تأييده»[24].
ثانيا : مدة الحمل المعتبرة شرعا
لا يكفي لكي يلحق النسب بالزوج لدى جمهور الفقهاء وطبقا لأحكام مدونة الأسرة أن يكون عقد الزواج صحيحا أو فاسدا، بل لابد من تحقق مدة الحمل المفروضة شرعا، وهذا ما كانت تنص عليه مدونة الأحوال الشخصية الملغاة في الفصل 84 الذي جاء فيه «أقل مدة الحمل ستة أشهر وأكثرها سنة». وقد احتفظت المادة 154 من مدونة الأسرة بنفس المدة.
ولمدة الحمل من الناحية القانونية حد أدنى وآخر أقصى، ولم يختلف علماء الشريعة في أقل مدة الحمل، فإذا أتت المرأة بمولود في أقل من مدة الحمل الدنيا أو أكثر من القصوى فالولد لا يلحق نسبه بالزوج إن أنكره[25].
أ- أدنى مدة الحمل : اتفق علماء الإسلام على أن أقل مدة الحمل هي ستة أشهر نظرا لقوة الدليل النقلي الثابت بالنظر العقلي السليم لقوله سبحانه وتعالى : «وحمله وفصاله ثلاثون شهرا» [26] وقوله تعالى : «حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين»[27] وقوله جل وعلا: «والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة»[28] فبمقارنة هذه الآيات تكون مدة الحمل ستة أشهر من خلال طرح مدة الرضاع من مجموع المدتين (الحمل والفصال) وهذه المدة اعتبرها الفقهاء المدة الدنيا للحمل في الحد الأدنى لاستقراره في رحم المرأة، وبهذا أشار ابن عاصم في قوله : «وست الأشهر في الأقل».
وبهذا القول قال ابن عباس عندما أراد عثمان بن عفان (ض) إيقاع الحد على زوج ولدت بعد مضي ستة أشهر من يوم الزواج إذ قال ابن عباس (ض) إنها أي الزوجة لو خاصمتكم بكتاب الله لخصمتكم قال تعالى : « وحمله وفصاله ثلاثون شهرا» وقال «وفصاله في عامين» فلم يبق للحمل إلا ستة فمنع عثمان الحد عنها وأثبت نسب الولد من زوجها واشتهر هذا بين الصحابة ولم ينكره أي واحد منهم. [29]
ولعل هذا ما كرسه المجلس الأعلى من خلال قرارات متواترة عنه، إذ جاء في أحدها «الولد للفراش إن مضى على عقد الزواج أقل مدة الحمل وأمكن الاتصال بين الزوجين"[30] وفي قرار آخر «إذا ثبت للمحكمة أن المرأة أتت بالحمل لأكثر من ستة أشهر من تاريخ العقد ولأقل من سنة من تاريخ الطلاق فألحقته بأبيه فإن حكمها بذلك يكون مطابقا للقانون»[31].
وتجدر الإشارة أن فترة الستة أشهر تحتسب من تاريخ العقد المضمن بوثيقة الزواج التي يحررها العدلان وفي حالة تخلف الإشهاد، يحدد تاريخ العقد، الحكم الذي يصدر بثبوت الزوجية[32] وإذا كان العقد يحدد تاريخه، الحكم القاضي بثبوت الزوجية، فإنه لاخلاف فيما إذا كان الزوجان متفقان على تاريخ انعقاد زواجهما، أما إذا كان هذا التاريخ محل خلاف بينهما، كما لو قال الزوج لزوجته تزوجتك منذ خمسة أشهر وقالت الزوجة بخلافه تريد بذلك إثبات النسب، فالقول قولها لأن الظاهر يشهد لها بمعنى أن الزوجية قائمة، والولد للفراش فيكون الزوج مدعي خلاف الظاهر وعليه يقع عبء الإثبات، فإن أتى الزوج ببينة حكم له إلا إذا أتت الزوجة هي الأخرى ببينة تعارضها فيحكم حينئذ لصالحها لأن الحجة المثبتة مقدمة على النافية[33].
والملاحظ أن المشرع حينما حدد أقل مدة الحمل في ستة أشهر لم يبين ما إذا كانت ستة أشهر قمرية أو شمسية، وذلك سواء في مدونة الأحوال الشخصية الملغاة أو مدونة الأسرة، وإن كان المجلس الأعلى قد اعتد في أحد قراراته بالأشهر الشمسية. موضحا (أن التقويم المعتبر لدى الفقهاء لاحتساب أقل مدة الحمل هو التقويم الشمسي)[34] وإن تحديد أدنى مدة الحمل بالتقويم الشمسي فيه إضرار بحق الطفل في النسب إلى أبيه، على اعتبار أن الأشهر الشمسية أغلبها واحد وثلاثون يوما بخلاف الأشهر القمرية لذلك فمن الأحوط اعتماد التقويم الهجري. ولعل المشرع اللبناني قد أحسن صنعا لم حدد أقل مدة الحمل في مائة وثمانين يوما، إذ جاء في المادة 137 من القانون الصادر سنة 1948 «أقل مدة الحمل مائة وثمانون يوما وأكثرها ثلاثمائة يوم» في حين نجد القانون اليمني قد حددها بمقتضى المادة 37 في: «أقل مدة الحمل مائة وثمانون يوما وأكثرها سنة شمسية»[35].
ب- أقصى مدة الحمل : بخلاف أقل مدة الحمل فقد وقع الاختلاف بين الفقهاء حول أقصى مدة الحمل ومرد هذا الاختلاف انعدام الدليل الشرعي والنص الصريح سواء في القرآن أو السنة النبوية، فذهب الحنفية إلى أن أكثر مدة الحمل سنتان استنادا إلى ما روي عن عائشة (ض) أنها قالت «لا تزيد المرأة في الحمل على سنتين قدرها يتحول ظل عمود المغزل»[36]، تريد أن الجنين لا يبقى في بطن أمه أكثر من سنتين ولو لفترة يسيرة عبرت عنها بتحول ظل المغزل.
وقال الائمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد إن أكثر مدة الحمل هي أربع سنين واستدلوا على ذلك بما رواه الدارقطني عن مالك بن أنس أنه كان يقول «هذه جارتنا امرأة محمد ابن عجلان، امرأة صدق وزوجها رجل صدق فحملت ثلاثة أبطن في اثنتي عشرة سنة كل بطن أربع سنين»[37].
وقال محمد ابن عبد الحكم أحد فقهاء المالكية أن أقصاها سنة قمرية
ويقول ابن رشد في بداية المجتهد بعد حكاية هذه الأقوال، وقول ابن عبد الحكم والظاهرية هو الأقرب إلى المعتاد.
والمشرع المغربي سواء في مدونة الأحوال الشخصية الملغاة أو في مدونة الأسرة أخذ برأي محمد ابن عبد الحكم وهكذا نص في الفصل 84 من م.أ.ش الملغاة « أقل مدة الحمل ستة أشهر وأكثرها سنة»، ونصت المادة 154 من مدونة الأسرة «يثبت نسب الولد بفراش الزوجية إذا ولد خلال السنة من تاريخ الفراق» والاجتهاد القضائي بدوره سار على هذا المنوال، حيث جاء في قرار صادر عن المجلس الأعلى[38] «لكن حيث 15:29:17 انه طبقا للمادة 154 من مدونة الأسرة، يثبت نسب الولد بالفراش إذا ولد خلال سنة من تاريخ الطلاق أو ستة أشهر من تاريخ العقد وأمكن الاتصال والمحكمة عندما تبث لها من وثائق الملف ومن إقرار الطالب أن البنت(هـ) ازدادت بتاريخ 17/11/1987 وداخل سنة من تاريخ الطلاق الصادر منه بتاريخ 04/05/1997 وقبل مرور ستة أشهر من تاريخ زواج المطلوبة في النقض بالثاني المؤرخ في 02/09/1987 وألحقت نسبها بالطالب تكون قد طبقت الفصل المذكور التطبيق الصحيح ولا تأثير لفساد النكاح الثاني على فراش الطالب».
وجاء في قرار صادر عن محكمة الاسئناف بالرباط : «وحيث إن الثابت فقها وقضاء أن النسب يثبت بالفراش والإقرار والشبهةو في نازلة الحال فإن العلاقة الزوجية التي كانت تربط بين والدة المستأنفة والهالك (ع.ن) قد انتهت بالطلاق منذ 29/1/1985 وهو طلاق بائن حسبما هو واضح من رسم الطلاق المملك المدلى به في الملف وأن المستأنفة ازدادت بتاريخ 04-03 -1986 أي بعد مرور أقصى مدة الحمل والتي هي سنة ولم يثبت من محتويات الملف ما يفيد مراجعة الهالك لوالدة المستأنفة بعقد صحيح بعد زواجها من رجل آخر الشيء الذي ينتفي معه شرط الفراش...»[39].
وجاء في قرار محكمة الاستئناف بالقنيطرة «حيث تبث من وثيقة الطلاق الرجعي المؤرخ في 17-12-1969 أن الهالك (م.م) كان متزوجا بالمسماة (س) إلى وقت هذا الطلاق.
وحيث ثبت من وثيقة الرجعة المؤرخة في 27-10-1970 أن الهالك (م.م) راجع زوجته (س.ر) بصداق جديد بالتاريخ المذكور بعدما لم تتزوج من طلاقها الأول.
وحيث إن الولد للفراش وللعاهر الحجر.
وحيث إنه بالنظر إلى الطلاق الرجعي المؤرخ في 17/12/1969 يثبت بأن هذا الطلاق لم يعد بائنا إلا بمتم شهر مارس 1970.
وحيث أنه بمقارنة تاريخ ازدياد الابن (م-ع) الذي هو 15/1/1971 فإن تاريخ ازدياده يكون قد وقع داخل الأمد الشرعي وهو سنة من تاريخ الطلاق الأول»[40].
ومما تجدر الإشارة إليه، فإنه لابد لمدعي النسب من تحديد تاريخ ازدياد المراد إثبات نسبه بدقة حتى يتسنى مراقبة أمد الحمل المعتبر شرعا، وما يترتب عن ذلك من لحوق النسب من عدمه، وفي هذا الإطار ذهب المجلس الأعلى في أحد قراراته : «لابد في دعوى إثبات النسب من إثبات تاريخ ولادة المطلوب إلحاق نسبه ليعرف ما إذا كان الولد ازداد في الأجل الأقصى أو الأدنى للحمل أو خارجه»[41]
ولإثبات هل الوضع تم خلال الفترة المقررة قانونا أم خارجها، فيتم الاعتماد على عقد الزواج أو رسم الطلاق أو شهادة الولادة لإثبات الوضع وتاريخه.
وفي حال اختلاف الزوجين بخصوص تاريخ ازدياد المولود، وحرصا على إثبات نسبه من جهة وللتطبيق السليم للمقتضيات الشرعية ذات الصلة من جهة أخرى. فإن المحكمة ملزمة باعتماد جميع الوسائل المقررة شرعا لتحديد تاريخ الازدياد لمعرفة هل الابن من صلب الزوج أم لا، وهذا ما نص عليه المجلس الأعلى في قراره الذي جاء فيه «حيث صح ما عابه الطاعن على القرار المطعون فيه ذلك أنه وإن كان الفراش الشرعي قرينة قاطعة على إثبات النسب فإن ذلك مشروط بأن تكون الولادة ثابتة التاريخ وداخل الأمد المعتبر شرعا بشكل لا مراء فيه ولا جدال وبما أن موضوع الخصومة يدور حول إدعاء المطلوبة أنها طلقت من الطاعن بتاريخ 20/12/1989 ووضعت الابن سعيد المطلوب نفقته بتاريخ 1/1/1990 وقدمت شهادة ولادته محررة بتاريخ 20/07/2000 من قائد العنادرة بإفادة من الشيخ، وتصريح شرف منها، ونفى الطالب نسب الابن المذكور إليه لكونه لم يعلم بوجوده إلا بتاريخ 15/10/2002 أي بعد توصله بدعوى المطالبة بنفقته ولكونه أيضا عقيما، وأدلى بوثائق طبية لتأكيد ذلك والتمس إجراء خبرة طبية عليه وعلى الابن المذكور لتحديد سنة وتاريخ ازدياده وهل هو من صلبه أم لا، وأنه وأمام اختلاف الزوجين بشأن تاريخ ازدياد الابن المذكور فإنه كان على المحكمة أن تبحث بوسائل الإثبات المعتمدة شرعا ومنها الخبرة التي لا يوجد نص قانوني صريح يمنع المحكمة من الاستعانة بها، والمحكمة لما اكتفت بالقول ردا على ملتمس إجراء الخبرة بأن ما تمسك به الطالب يخالف أصول الفقه والحديث الشريف بدون اعتماد نص قاطع في الموضوع فإنها لم تضع لما قضت به أساسا وعرضت قرارها للنقض»[42].
ثالثا : إمكانية الاتصال بين الزوجين
إذا كانت قاعدة الولد للفراش قاعدة عامة لثبوت النسب فهي مقيدة بالإمكان العادي والشرعي معا[43] وعبارة إمكانية الاتصال نصت عليها مدونة الأسرة في المادة 154، وهذه العبارة يفسرها فقهاء المالكية بالخصوص بإمكانية الاتصال المادي وذلك ردا على رأي أبي حنيفة الذي يقول بثبوت نسب الولد الذي ازداد بعد ستة أشهر من العقد[44] ولو لم تتحقق إمكانية الاتصال بين الزوجين.
أ- إمكانية الاتصال المادي :
بمقتضى المادة 154 من مدونة الأسرة، فإن ثبوت النسب يقتضي انصرام أقل مدة الحمل على عقد الزواج مع إمكانية التلاقي بين الزوجين، فبدون توفر الشرطين معا لا يثبت النسب بالفراش[45]، والملاحظ أن المدونة تحدثت عن إمكانية الاتصال لا عن تحققه فعلا مادام أن الاتصال الجنسي بين الزوجين من الأمور التي لا يمكن للناس الاطلاع عليها[46] وأن من شأن اشتراط ثبوت الدخول المحقق (الوطء) فيه مضيعة كثيرة من الأنساب والشرع متشوف إلى لحوق نسب الحمل بالزوج في حدود الإمكان فإذا وجد مانع عادي يمنع من اختلاء الزوجين عن الغير منذ تاريخ الزوجية إلى ظهور الحمل فإن النسب لا يلحق بالزوج[47] ولا يكفي هنا مجرد العقد الشرعي، حتى لا يفتح باب النسب على مصراعيه ويترك لأهواء الأشخاص، وإن كانت الخلوة مفترضة بمجرد كتابة العقد فإن ذلك مرهون بإمكانية الاتصال وتقدير إمكانية الاتصال المادي من عدمها موكول لتقدير المحكمة في كل قضية حسب ظروفها وملابساتها والأساس الذي تراعيه دوما هو أنه متى كان الاتصال ممكنا وإن على وجه الاحتمال الضعيف، تعين الحكم بثبوت النسب[48]
وقد جاء في قرار المجلس الأعلى [49]«يتحقق إمكان الاتصال بعد ما ثبت أن الزوج المقيم بالخارج كان يتردد على المغرب حيث تقيم الزوجة خلال قيام العلاقة الزوجية»
كما جاء في حكم المحكمة الابتدائية بمراكش «وحيث إنه في نازلة الحال فإن الطرفين لم تكن بينهما إمكانية الاتصال ممكنة إذ أن الزوجة كانت خارج بيت الزوجية وأن إدعائها بأنها كانت تزوره يدحضه واقع حال الدعوى وتصريحاتها أعلاه لدى الضابطة القضائية وأن تواجدها خارج بيت الزوجية يؤكده الحكمان الصادران عن هذه المحكمة في موضوع النفقة الأول تحت عدد 1614 بتاريخ 14/6/99 والثاني تحت عدد : 3485 بتاريخ 14-11-2002، والذي أقرت فيهما بتواجدها خارج بيت الزوجية.
وحيث إنه وتبعا لذلك يكون نسب البنت... المزدادة بتاريخ 20/05/2003 غير لاحق بالمدعي ويتعين نفيه عنه»[50].
وتجدر الإشارة أن الخلوة وإن كانت ليست شرطا من شروط قيام العلاقة الزوجية وما ينتج عنها من آثار فإنها تعتبر مفترضة بمجرد كتابة العقد، كما سبقت الإشارة إلى ذلك[51].
فالخلوة الصحيحة وإقامة الزوجة مع زوجها أو سفرها معه تقوم مقام البناء بحيث يمكن معها الاتصال بينهما ومتى ثبتت الخلوة باعتبارها هي الأصل – ترتب على ذلك وقوع البناء وهو ما أقره المجلس الأعلى : «مرافقة الزوجة لزوجها في السفر والتنقل معها شاهدا عرفيا يؤيد التلقية المدلى بها لإثبات الخلوة والقول قولها في إدعاء المسيس بعد يمينها»[52].
وإذا كانت الخلوة مفترضة، فالزوج الذي ينفي الاتصال، هو المكلف بإثبات ذلك ولعل العمل القضائي من خلال مجموعة من القرارات اعتبر إمكانية الاتصال قائمة مادام أن الولادة تمت داخل الأمد المعتبر شرعا وهكذا جاء في قرار المجلس الأعلى «إن المحكمة لما عللت قضاءها بأن الوضع المتفق على حصوله في غشت 1990 قد جاء بعد عقد الزواج المؤرخ في 21/12/1989 أي بعد مرور أكثر من ستة أشهر أي داخل الأمد الذي يترتب عن الوضع خلاله ثبوت نسب المولود إلى الزوج طبقا للفصول 76-84-85 -89 من المدونة وبذلك يكون الاتصال قد حصل ولا حاجة لإثباته»[53].
ب- إمكانية الاتصال المعنوي (القدرة على الإنجاب)
اشترط الفقه المالكي للحوق النسب بالزوج أن يكون هذا الأخير ممن يتأتى الحمل منه بأن يكون بالغا أو مراهقا على الأقل[54] وألا يكون مجبوبا أو مخصيا لأن هذان العيبين مما يمنع الإنجاب عادة[55].
والملاحظ أن مدونة الأحوال الشخصية الملغاة ومعها الاجتهاد القضائي كانت تستبعد الخبرة الطبية لإثبات المانع بعلة أن التحاليل الطبية ليست من الوسائل المقررة شرعا لنفي النسب[56]، لكن هذا الأمر أصبح مستبعدا في ظل مدونة الأسرة التي جعلت من الخبرة وسيلة لإثبات ونفي النسب، حسبما تنص على ذلك المادة 153 من المدونة.
وقد يقوم المانع الشرعي الذي يحول دون انتساب الولد للزوج وذلك فيما إذا كانت المدة الفاصلة بين وضع الحمل وبين عقد الزواج أقل من ستة أشهر لأن المانع مكتسب من دليل شرعي. ما لم يقر الزوج بالمولود- فيلحق حينها بنسبه. كما جاء في قرار المجلس الأعلى[57]
المطلب الثاني : ثبوت النسب في الزواج غير الصحيح
جاء في المادة 56 من مدونة الأسرة «الزواج غير الصحيح يكون إما باطلا وإما فاسدا». لذلك سنتكلم عن كل نوع في فقرة مستقلة مع ترتيب آثارهما على ثبوت النسب.
الفقرة الأولى : الزواج الباطل
تطرقت لهذا النوع المادة 57 من مدونة الأسرة والتي نصت «يكون الزواج باطلا
وبخصوص ثبوت النسب في الزواج الباطل فقد نظمته المادة 58 من مدونة الأسرة التي جاء فيها: «تصرح المحكمة ببطلان الزواج تطبيقا لأحكام المادة 57 أعلاه بمجرد إطلاعها عليه أو بطلب ممن يعنيه الأمر».
يترتب على هذا الزواج بعد البناء الصداق والاستبراء، كما يترتب عليه عند حسن النية لحوق النسب وحرمة المصاهرة».
وهكذا وحسب نص المادة 58 فتترتب على الزواج الباطل آثار أهمها:
والعمل القضائي كرس هذه القاعدة، حيث جاء في قرار المجلس الأعلى[59] : «بمقتضى الفقرة الثانية من الفصل 37 من م ح ش فإن كل زواج مجمع على فساده يفسخ بدون طلاق قبل الدخول وبعده ويترتب عليه تعيين الاستبراء وثبوت النسب إن كان حسن القصد» وجاء في قرار محكمة الاستئناف بالدار البيضاء[60] «وحيث إنه لما كان الثابت من وثائق الملف أن عقد الزواج قد أبرم بين الطرفين بتاريخ 26/03/2003 ووضعت الزوجة الولد بتاريخ 19/07/2003 ونازع المستأنف عليه في انتسابه إليه ودعي لخبرة قضائية أسفرت عن أن هذا المولود من مائه، فإنه استنادا لهذا الواقع يكون الزواج قد تم الإشهاد عليه في وقت كان فيه رحم الزوجة مشغولا بحمل من زوجها المستأنف عليه فانتفى شرط حلية الزوجة للنكاح وخلوها من موانعه وقت الإشهاد والذي هو لازم لصحة هذا العقد ولازم لمشروعية العلاقة بين الزوجين طبقا للفقرة الأخيرة من المادة 13 من مدونة الأسرة والفقرة الأخيرة من المادة 39 ويكون بهذا من العقود المجمع على فسادها في الفقه الإسلامي والتي صنفتها مدونة الأسرة في خانة عقود الزواج الباطلة ويلحق فيها الولد طبقا للمادتين 57 و 58 منها».
الفقرة الثانية: الزواج الفاسد
ينقسم الزواج الفاسد طبقا للمادتين 60 و 61 من مدونة الأسرة إلى زواج فاسد لصداقه وفاسد لعقده ويستشف هذا التقسيم من خلال الإطلاع على المادة 59 من المدونة التي نصت على أنه «يكون الزواج فاسدا إذا اختل فيه شرط من شروط صحته طبقا للمادتين 60 و 61 بعده، وفيه ما يفسخ قبل البناء ويصحح بعده وفيه ما يفسخ قبل البناء وبعده. لذلك سنتكلم عن الزواج الفاسد لصداقه (أولا) ثم الزواج الفاسد لعقده (ثانيا).
أولا : الزواج الفاسد لصداقه
الزواج الفاسد لصداقه هو الذي حدد فيه الصداق إلا أنه فقد شرطا من شروط صحته[61] وهي أن يكون طاهرا – منتفعا – مقدورا على تسليمه- وأن يكون معلوما[62] ونصت على هذا النوع من الزواج، مدونة الأسرة في المادة 60 بقولها «يفسخ الزواج الفاسد قبل البناء ولا صداق فيه إذا لم تتوفر في الصداق شروطه الشرعية ويصحح بعد البناء بصداق المثل وتراعي المحكمة في تحديده الوسط الاجتماعي للزوجين» وعليه فإذا اطلع على الزواج الفاسد لصداقه قبل الدخول يفسخ ولا صداق فيه للزوجة أما إذا تم الدخول فيصحح بصداق المثل وفي هذا يقول ابن عاصم في التحفة.
وما فساده من الصداق *** فهو بمهر المثل باق
وهذا الزواج لا يطرح مشكلا على مستوى النسب، لأن الفسخ فيه يتم بمجرد الإطلاع وقبل الاستمتاع بالزوجة أما بعد البناء فيعتبر زواجا صحيحا وينتج آثاره بعد تصحيحه.
ثانيا : الزواج الفاسد لعقده
جاء في المادة 61 من مدونة الأسرة «يفسخ الزواج الفاسد لعقده قبل البناء وبعده وذلك في الحالات الآتية:
وقد نص ابن عاصم في التحفة على الزواج الفاسد لعقده بقوله
فما فساده يخص عقده *** ففسخه قبل البناء وبعده
أما فيما يتعلق بآثار الزواج الفاسد لعقده وهو الذي يهمنا- أن المشرع المغربي رتب على الزواج الفاسد لعقده آثار الزواج الصحيح متى تم البناء بالزوجة، ويلحق الولد بالزوج دون اعتبار لنيته خلافا للزواج الباطل، وهكذا نصت المادة 64 من مدونة الأسرة "الزواج الذي يفسخ تطبيقا للمادتين 60 و 61 لا ينتج أي أثر قبل البناء وتترتب عنه بعد البناء آثار العقد الصحيح إلى أن يصدر الحكم بفسخه».
المطلب الثالث: ثبوت النسب في الوطء بشبهة
الفقرة الأولى: الشبهة في مدونة الأحوال الشخصية الملغاة
أولا : مفهوم الشبهة
يقصد بالشبهة، الاتصال غير الشرعي بين رجل وامرأة مع اعتقاد الرجل حلية الاتصال نتيجة غلط في الواقع أو في الحكم الشرعي.[63]
ويتحقق الاتصال بشبهة في صورة غير مشروعة للاتصال الجنسي، وهذا الاتصال لا يكون زنا ولا ينبني على عقد نكاح صحيح أو فاسد.
ثانيا : أنواع الشبهة
والشبهة تتنوع إلى ثلاثة أنواع حسبما جاء في قرار المجلس الأعلى : «الشبهة التي يثبت بها النسب إما شبهة الملك وإما شبهة العقد وإما شبهة الفعل»[64]
وشبهة الملك، أي شبهة في حل المرأة، حيث يشتبه الحكم الشرعي على الرجل في الحل أو الملك وهي تقوم إذا وجد دليل شرعي يفيد حل الفعل الذي أتاه مع وجود دليل آخر يرجحه ويحرم الفعل نفسه ومثالها أن يواقع الرجل جارية ابنه معتقدا بأنها حلال عليه لقول الرسول r «أنت ومالك لأبيك»، أو أن يخالط الرجل مطلقته بائنا في عدتها ظنا منه أن ذلك جائز مستدلا بما يروى عن سيدنا عمر بن الخطاب «الكناية رواجع» فإن هذين الحديثين أوجبا شبهة، والحد فيهما يدرأ بها لقولهr : « أدرأوا الحدود بالشبهات ما استطعتم»[65].
وشبهة العقد هي التي وجدت بسبب وجود العقد صورة لا حقيقة كأن يعقد الرجل على امرأة ثم يتبين فساد العقد لسبب من الأسباب الموجبة للفساد.
أما شبهة الفعل أو الاشتباه، وتتحقق في نفس من اشتبه عليه الحل والحرمة بأن ظن الرجل ما ليس بدليل، دليلا مبيحا لفعله دون أن يكون كذلك في الواقع حيث يكون الاشتباه بحل الوطء ناشئا عن خطأ غير مقصود كما لو زفت امرأة إلى رجل على أساس أنها زوجته فوطئها وتبين له أنها ليست كذلك.
فمتى ثبتت الشبهة في الحالات الثلاث وازداد ولد من هذه الشبهة فإنه يثبت نسبه للمتصل إن ادعاه وإلا لم يثبت له نسب لأن الفراش في هذه الصورة لا يثبت النسب وإنما يثبته الإقرار.
ثالثا : موقف مدونة الأحوال الشخصية الملغاة من الشبهة
ومدونة الأحوال الشخصية الملغاة نصت في الفصل 87 «الخالية من الزوج إذا وطئت بشبهة وجاءت بولد ما بين أقل مدة الحمل وأكثرها يثبت نسبه إلى الواطئ».
فمن خلال هذا الفصل، إذا دخل الرجل بامرأة معتقدا أنها فراش صحيح له ثم ظهر له أنه اشتبه الأمر عليه وليست حلالا له، فيكون ذلك وقاعا منه بشبهة، فإن أتت الموطوءة بشبهة بولد ما بين أقل مدة الحمل وأكثرها، ينسب الولد للواطئ فمناط ثبوت النسب في هذه الحالة الاعتقاد بحلية الفراش كما سبق تبيانه أما علاقة الفساد فلا يترتب عنها ثبوت النسب حتى ولو جاءت المرأة بالولد خلال أمد الحمل المعتبرة شرعا وهذا ما أكده المجلس الأعلى في قراره الذي جاء فيه[66] :«لا يثبت النسب بعلاقة الفساد وإن اعترف بها».
الفقرة الثانية : الشبهة في مدونة الأسرة
تطرقت مدونة الأسرة إلى الشبهة في مادتين اثنتين المادة 155 و 156.
أولا : الشبهة في إطار المادة 155
نصت المادة المذكورة على أنه «إذا نتج عن الاتصال بشبهة حمل وولدت المرأة ما بين مدة الحمل وأكثرها ثبت نسب الولد من المتصل.
يثبت النسب الناتج عن الشبهة بجميع الوسائل المقررة شرعا»[67]
من خلال استقراء نص هذه المادة فإنها حافظت على مقتضيات الفصل 87 من مدونة الأحوال الشخصية الملغاة[68] ولعل الجديد الذي جاءت به يتمثل في التنصيص على وسائل إثبات النسب الناتج عن الشبهة[69].
كما نصت المادة 152 من مدونة الأسرة أن الشبهة تعتبر سببا من أسباب لحوق النسب والاتصال بشبهة عبارة عن واقعة مادية يمكن إثباتها بجميع وسائل الإثبات المقررة شرعا وتقديرها يخضع للسلطة التقديرية لمحاكم الموضوع.
وتجدر الإشارة أنه متى أثبتت المرأة واقعة الاتصال كان للمتصل أن يثبت انتفاءها أو عدم تحقق شروطها[70] ومن ذلك أن تأتي الزوجة بولد لأقل من ستة أشهر بعد وقوع الاتصال بها عن طريق الشبهة، فإذا كانت المرأة المتصل بها بشبهة ذات زوج – على اعتبار أن لفظ المرأة الوارد بالمادة المذكورة أعلاه جاء عاما- وكانت على اتصال بزوجها، فالنسب يلحق بالزوج لمظنة الفراش وإن كان للزوج أن ينفيه عن طريق الخبرة القضائية أو اللعان، متى اتضح له يقينا أن الحمل ليس منه مع التقيد ضرورة حتى يستجاب لطلبه بمقتضيات المادة 153 من مدونة الأسرة وإن كانت محاكم الموضوع في مثل هذه القضايا تعتد بالفراش الصحيح باعتباره الأساس في ثبوت النسب[71].
والملاحظ أن المادة 155 من مدونة الأسرة لم تشترط سوء أو حسن النية في المتصل بشبهة للقول بلحوق النسب به، إلا أنه من الثابت القول أنه لا يمكن لحوق النسب من المتصل بشبهة إلا إذا كان هذا الأخير حسن النية لأنه لا يعقل أن يجامع رجل امرأة بشبهة وهو يعلم أنها لا تحل له إذ نكون حينها أمام زنى محض وابن الزنا كما هو معلوم فقها وقانونا لا يلحق نسبه لأنه مقطوع النسب شرعا.
ولثبوت الاتصال بشبهة، فإنه يتعين إثبات الخلوة التي تعد قرينة على حصول الوطء وهذا ما أكده المجلس الأعلى في قراره الذي جاء فيه: «لا يستفيد الولد من شبهة النسب مادام لم يثبت الوطء أو الخلوة ببنية قائمة شرعا أو بالإقرار»[72].
والملاحظ من خلال مقارنة نص المادة 155 من مدونة الأسرة بمقتضيات الفصل 87 من مدونة الأحوال الشخصية الملغاة، نجد أن مدونة الأسرة قد جاءت بنص عام وتكون بذلك قد سدت الثغرة القانونية التي كان يطرحها الفصل 87 أعلاه الذي اقتصر على الخالية من الزوج فقط.
ثانيا : الشبهة بمفهوم المادة 156 من مدونة الأسرة (شبهة الخطبة)
عملت مدونة الأسرة على التوسع في مجال الأخذ بالشبهة[73] من خلال التنصيص على شبهة الخطبة في المادة 156 التي سمحت بشكل صريح بثبوت النسب الناتج عن الخطبة للشبهة، لذلك سنتطرق بالدراسة لهذه النقطة من خلال الحديث عن الشروط الواجب توفرها في الخطبة(أولا) ثم موقف الفقه (ثانيا) وموقف العمل القضائي خلال مدونة الأحوال الشخصية الملغاة (ثالثا) وموقف القضاء خلال مدونة الأسرة (رابعا) لنخلص في الأخير إلى أهم الإشكالات التي يطرحها الموضوع (خامسا).
أولا شروط الخطبة
جاء في المادة 156 من مدونة الأسرة إذا تمت الخطوبة وحصل الإيجاب والقبول وحالت ظروف قاهرة دون توثيق عقد الزواج وظهر حمل بالمخطوبة ينسب للخاطب للشبهة ادا توفرت الشروط التالية
-إذا اشتهرت الخطبة بين أسرتيهما ووافق ولي الزوجة عليها عند الاقتضاء
-إذا تبين أن المخطوبة حملت أثناء الخطبة
-إذا اقر الخطيبان أن الحمل منهما
تتم معاينة هده الشروط بمقرر قضائي غير قابل للطعن... "
من خلال هذه المادة لكي يلحق النسب بالخاطب فلا بد من توافر الشروط المشار إليها أعلاه فإذا انعدم واحد منها لم يلحق نسب الولد بالخاطب والملاحظ أن المشرع اشترط تمام الخطوبة دون توضيح لذلك ما إذا كان المقصود إتمام إجراءات العقد أم مجرد إتمام إجراءات الخطبة. كما لم يوضح مفهوم الظرف القاهر رغم التنصيص عليه في المادة 16، كما اشترط أن يكون الحمل قد ظهر بالمخطوبة في فترة الخطبة،فان ظهر قبلها اعتبر ابن زنا ولو اقر به الخاطب وعموما فإنه بتنصيص المدونة على هذا المستجد تكون قد وضعت حدا لكل الشد والجذب الذي عرفه موضوع نسب الحمل الظاهر بالمخطوبة، وجاءت بحل للإشكالات التي كانت مطروحة وسدت الفراغ التشريعي الذي عرفته مدونة الأحوال الشخصية الملغاة، لكن رغمها لم تترك الأمر لسلطة الأشخاص، وإنما قيدت النسب بتوافر الشروط أعلاه ومراقبة هده الشروط تتم بمقرر قضائي غير قابل للطعن حتى يتسنى القول لثبوت النسب وتسمع الدعوى من طرف القضاء والحقيقة أن المادة 156 لا تختلف في شيء عن أحكام عقد الزواج الصحيح[74]، ذلك أن لثبوت النسب للخاطب، يجب توافر عنصرين هما الإيجاب والقبول مع العلم أنهما ركنان في عقد الزواج، وكذا اشتهار الخطبة وموافقة ولي الزوجة[75] وهما شرطي صحة، إذ لا ينقص الخطبة والحالة هاته إلا تسمية الصداق والتوثيق لدى عدلين، لذلك كانت صياغة المادة المذكورة فيها نوع من التداخل في بعض محتوياتها مع بعض مواد المدونة
ثانيا : موقف الفقه من شبهة الخطبة
وشبهة الخطبة تلحق بشبهة الحل التي نص عليها الفقهاء لكون الخاطب يعتقد بحلية معاشرة مخطوبته مادام أن التوثيق هو مجرد إجراء لإتمام العقد وشبهة الخطبة محل خلاف بين الفقهاء، حيث يرى الأستاذ عبد الكريم شهبون[76] أن الشبهة هي توافر الشروط الواردة بالمادة المذكورة، في حين يرى الأستاذ يونس الزوهري[77] أن الشبهة المنصوص عليها في المادة 156 ذات معنى جديد غير ذاك الذي نظمه الفقه الإسلامي، في حين لا يرى الأستاذ محمد جوهر[78] أي وجود للشبهة بالمعنى الفقهي لكون الخطيب يعرف تمام المعرفة المخطوبة والعلاقة الجنسية التي أدت إلى الحمل ثم السعي لها من الطرفين عن وعي واقتناع، أما الأستاذ محمد التاويل[79] فله رأي آخر، إذا اعتبر «أن الاحتجاج بالخطوبة واعتبارها بمثابة وطء بشبهة يدرأ فيه الحد ويلحق فيه النسب هو احتجاج باطل وقياس فاسد وفهم خاطئ لوطء الشبهة وتوسع في مفهومه دون سند أو دليل لأن الوطء بشبهة محصور عند القائلين به في حالات معينة وأن من شروط الوطء بشبهة أن يعتقد الواطئ وجود السبب المبيح للوطء وهو ما لا يتوفر في حالة وطء الخطيبة وما يقال من سلامة القصد وحسن النية لا يبيحان الإقدام على حرام ولا يعذر بهما الخاطب كما أن الخطبة ليست زواجا بالإجماع وأن الإجماع منعقد على حرمة الاستمتاع بالخطيبة قبل العقد عليها».
أما الأستاذ محمد المهدي[80] فيرى أن الخاطب والمخطوبة في نص مدونة الأسرة يجمعها عقد شرعي بحكم الإيجاب والقبول اللذين صدرا منهما وظهور الحمل قبل الإشهاد يعني أنه حصل الدخول قبله ونكون أمام زواج مختل شرعا والحكم فيه كما يرى المالكية الفسخ ولا حد على الزوجين إن اشتهر زواجهما وحصلت الاستفاضة ولو علما بوجوب الإشهاد، أما إن لم يكن فاشيا فيجب عليهما الحد ولو كانا يجهلان وجوب الإشهاد.
ثانيا : موقف العمل القضائي من الموضوع
أ- موقف العمل القضائي في ظل مدونة الأحوال الشخصية الملغاة
لقد استقر العمل القضائي على عدم الاعتراف بالنسب الناتج عن الخطبة، وإن كانت بعض الاجتهادات القضائية اتخذت موقفا مغايرا، حيث جاء قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء[81] «إن العلاقة الجنسية بين الخاطب والمخطوبة لا تكون جريمة الفساد المنصوص عليها في الفصل 490 من ق.ج»، كما أن محكمة الاستئناف بفاس تبنت فتوى الفقيه محمد الجواد الصقلي حيث عللت قرارها بما يلي[82] : «إن الخلوة في العصر الحاضر تتم حق في حالة الخطوبة فأحرى بعد العقد الشرعي»، وفي قرار آخر لمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء[83] «إذا تبين للمحكمة الجنحية أن العلاقة القائمة بين رجل وامرأة قد تمت بينهما على نية الزواج وعلى أساسه وبواسطة ولي المرأة وحضر كافة أقاربها وأصدقاء الرجل وعلى مرأى ومسمع من العموم، فإن تهمة الفساد المنسوبة إليهما تنتفي انتفاء كليا وبقوة القانون، لأن القانون يعاقب على العلاقة الجنسية غير المشروعة التي تقع بغية الفساد في السر والخفاء».
والملاحظ أن هذا التوجه القضائي فقد الصفة غير المشروعة على العلاقة التي تقوم بين الخاطب والمخطوبة وهو تمهيد للاعتراف بالآثار المترتبة عن هذه العلاقة، وهو توجه حاول مسايرة الفتوى القائلة بلحوق النسب أثناء فترة الخطبة[84].
وبالمقابل نجد موقفا مغايرا لبعض المحاكم التي لم تعترف بالنسب الناتج عن الخطبة، حيث جاء في قرار لمحكمة الاستئناف بالرباط[85] «حيث بمقارنة عقد الزواج مع تاريخ الولادة يتبين أن المستأنف عليها أتت بالمولود في أربعة أشهر ويومين من تاريخ عقد الزواج أي خارج مدة الحمل الشرعية، حيث إن أقل مدة الحمل ستة أشهر.
وحيث أن الخطبة وعد بالزواج وليست بزواج ويدخل في حكمها قراءة الفاتحة وما جرت به المادة والعرف من تبادل الهدايا.
حيث إن العلاقات خارج إطار الزواج لا يترتب عنها شيء وهي محض زنا...» غير أن المجلس الأعلى اتخذ موقفا حاسما في الموضوع، حيث قرر رفض كل الأحكام التي حاولت إلحاق النسب بالأطفال المولودين في فترة الخطبة وإن استندت إلى بعض الأصول الفقهية[86] وفي هذا الإطار سبق له أن نقض الحكم الاستئنافي الذي تبنى النظرية الفقهية الحديثة حيث جاء في قراره[87] : «لما كانت المحكمة قد تأكدت من أن المرأة قد وضعت مولودها بعد الزواج بأربعة أشهر فقط وألحقت مع ذلك نسب هذا المولود بالزوج بناء على ما تبث لديها من أنه كان يعاشرها معاشرة الأزواج قبل أن يعقد عليها الخطيب ولحوق النسب بالخطيب إذا أمكن الاتصال تكون المحكمة بصنيعها هذا قد خالفت أصول الفقه المعمول به والحديث الشريف الولد للفراش»
ب- موقف العمل القضائي في ظل مدونة الأسرة
من خلال الإطلاع على نماذج من الأحكام القضائية، نلاحظ وجود نوع من التضارب، سيما في تعامل القضاء مع الشروط الواجب توفرها في الدعاوى المقدمة في إطار المادة 156 أعلاه.
وهكذا جاء في حكم صادر عن قسم قضاء الأسرة بسلا[88] «وحيث إنه من أسباب النسب إقرار الأب طبقا للمادة 152 من المدونة.
وحيث إن الفراش بشروطه صحة قاطعة على ثبوت النسب طبقا للمادة 153 من المدونة، وحيث إن الاتصال تم بين الطرفين بعد الخطوبة واشتهارها بين أسرتي الزوجين وبعد حصول الإنجاب والقبول وأن عدم توثيق عقد الزوج كان لظروف قاهرة خارجة عن إرادة الطرفين.
وحيث أن الاتصال المذكور أعلاه تم بين الطرفين بشبهة ونتج عنه ميلاد الطفل المهدي يثبت نسب الولد للمتصل طبقا للمواد 155 و 156 من المدونة فيكون الطلب مرتكز على أساس قانوني سليم ويتعين الاستجابة له في إطار المادة 156 من مدونة الأسرة* فالمحكمة لم تناقش الشروط الواجب توافرها وإنما اكتفت بإقرار الخطيبين بأن الحمل منهما وتعاملت بشيء من المرونة، والظاهر من خلال إطلاعنا على مجموعة من الأحكام الصادرة في الموضوع عن نفس المحكمة[89]، تبين أن التوجه العام الدي رسمته المحكمة هو التساهل، بل الأكثر من هذا لم تصرح ببطلان عقد الزواج في حالات عديدة أبرم فيها العقد والزوجة حامل مخالفة بذلك مقتضيات المادة 39 و 57 من المدونة.
لكن بالمقابل، فإنه لا يعتد بالشبهة في إطار المادة 156، إذا ما ثبتت للمحكمة أن الحمل ناتج عن علاقة غير شرعية، حيث جاء في حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بسلا[90] «وحيث إنه ومن جهة أخرى ومسايرة مع إدعاء المدعية فإن الحمل نتج والعلاقة التي كانت تربطها بالمدعى عليه علاقة غير شرعية وأن المدعى عليه أبرم عقد الزواج بها وهي حامل وقبل فترة الخطبة فتكون بذلك مقتضيات المادة 156 من المدونة غير متوافرة في النازلة ذلك أن المشرع وإن أجاز ثبوت النسب في فترة الخطبة استنادا للشبهة فإنه قيدها بعدة شروط وهي المنصوص عليها بالفصل المذكور أعلاه ومنها الإيجاب والقبول وتسمية الصداق وأن يكون المانع من توثيق الزواج ظرف قاهر وبالتالي فإن ظهور الحمل أثناء الخطبة وليس قبلها هو المعتد به شرعا لإثبات النسب باعتبار أن فراش الخليلين فراش زنى في نظر الشرع الحكيم يبوء صاحبه بالإثم ولا ثبت به النسب أبدا...» وهذا ما أكدته محكمة الاستئناف بالرباط في قرار لها جاء فيه : «لكن حيث إنه لا يمكن التحدث عن الشبهة إلا إذا كانت هناك خطبة من طرف الخاطب وحصل الإيجاب والقبول وحالت ظروف قاهرة دون إبرام عقد الزواج طبقا لمقتضيات الفصل 156 من مدونة الأسرة»[91].
في حين نجد اتجاها ثانيا متشددا شيئا ما[92] في وجوب توفر الشروط المنصوص عليها في المادة 156 من المدونة، حيث جاء في حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بمراكش «وحيث أنه فيما يخص مسألة ثبوت ابن المدعية للمدعى عليه لقيام علاقة الخطبة، فإن المشرع حدد في المادة 156 من مدونة الأسرة، الإطار القانوني لرفع هذه الدعوى والشروط التشريعية الواجب توافرها لقيامها وهذه الشروط هي حصول الإيجاب والقبول بين الطرفين ووجود ظروف قاهرة واستثنائية حالت دون قيام الإجراءات المسطرية المتعلقة بتوثيق عقد الزواج وأنه في هذه النازلة فإن المدعية وهي الملزمة قانونا بإثبات دعواها لم تدل بما يفيد قيام حالة الاستثناء المانعة من توثيق عقد الزواج الشيء الذي يجعل الشروط التشريعية المستلزمة لثبوت النسب وفق النموذج القانوني المحدد في المادة 156 من مدونة الأسرة غير متوافرة في النازلة ويلزم لذلك رفضه»[93].
وبموازاة مع ذلك فقد طرحت المادة 156 إشكالات عملية عديدة نتطرق لها بإيجاز فيما يلي:
الإشكاليات المطروحة :
تعارض مقتضيات المادة 156 ومقتضيات المادة 13 من المدونة
نعتقد أنه لا يوجد أي مبرر قانوني لاشتراط موافقة ولي الزوجة عند الاقتضاء على الخطبة لأن موافقة الولي شرط لصحة عقد الزواج وليست شرطا في الخطبة حسبما جاء في المادة 13 من مدونة الأسرة، فالخطبة هي تواعد على الزواج وليست بزواج وهذا ما أقره المجلس الأعلى في قرار له «حيث صح ما نعته الوسيلة ذلك أنه طبقا للمادة الخامسة من مدونة الأسرة تعتبر الخطبة وعد بالزواج يحق لكل من الطرفين العدول عنها ولا تنتهي بالزواج إلا حين الإشهاد على ذلك والمطلوبة في النقض صرحت في مقالها أنها حملت من الطالب في مرحلة الخطبة وأقامت دعواها على هذا الأساس فإن المحكمة لم تكن على صواب لما كيفت هذه العلاقة واعتبرتها زواجا صحيحا ورتبت عليه آثاره، لأن الزواج لا ينعقد إلا بإيجاب وقبول بألفاظ تفيد دلك لغة أو عرفا وهو ما لا يؤديه التعبير عن الخطبة، التي تبقى مجرد وعد بالزواج. وكل اتصال بالمخطوبة خلال هذه الفترة لا يعد زواجا وإن كان يثبت به النسب إن تحققت الشروط المنصوص عليها بالفصل 156 من نفس القانون»[94].
ثبوت النسب للخاطب في إطار المادة 156 م.أ. ومسطرة التعدد
بتقييد مسطرة التعدد بشروط حدت من تعدد الزوجات، فإن طالب التعدد في حالة رفض طلبه فإنه يلجأ إلى التعدد الفعلي عن طريق إجراء خطبة وتبادل الإيجاب والقبول مع المخطوبة وإنجاب الأبناء ثم يلجأ بعدها إلى إثبات نسبهم في إطار المادة 156 من مدونة الأسرة، ويعتبر عدم توثيق عقد الزواج هو تعذر حصول الخاطب على إذن بالتعدد لزواجه من أخرى، حيث يتم اعتماده ظرفا قاهرا[95]
تداخل مقتضيات المادة 156 من م.أ مع مقتضيات المادة 16 منها
نجد من خلال استقراء نص المادتين أنهما يتداخلان بخصوص الظرف القاهر[96]، فإنه إذا تمت الخطبة وحصل الإيجاب والقبول ونتج عن ذلك حمل أو ازدياد ابن فنكون أمام زواج غير موثق، مادام الغاية من الزواج هي تكثير سواد الأمة وإنجاب الأطفال وإن كان المشرع لا يشترط وجود خطبة في سماع دعوى الزوجية لأن الخطبة ليست لازمة في كل زواج توفرت فيه شكلية الكتابة، بينما ينص على ضرورة إتمام الخطبة بين الطرفين.
ومادام المشرع لم يحدد أجلا للخطبة تنتهي خلاله وإن حددها بإبرام عقد الزواج فإن ذلك لا يمنع من قيام الزوجية، على اعتبار أن الكتابة شرط إثبات وليست شرط صحة لقول المتحف:
الصيغــــة والزوجـان *** والولي جملـة الأركـان
وفي الدخول الحتم في الإشهاد *** وهو مكمل في الانعقاد
ولا ندري لما يلجأ غالبية المتقاضين إلى إبرام عقد الزواج رغم وجود إحدى موانعه والمحكمة ستصرح ببطلان عقد الزواج بمجرد الإطلاع عليه، ونرى أنه من الأفيد سلوك مسطرة المادة 16 من م.أ بعد الوضع أو خلال الحمل، وحفاظا على الاستقرار الاجتماعي وحتى ينمو الطفل بين أحضان والديه، لا أن يثبت نسبه والعلاقة بين والديه منتفية قانونا.[97]
موقف القضاء من الشكاية المقدمة من المخطوبة القاصر في مواجهة الخاطب طبقا لمقتضيات الفصول 485 -488 471 من القانون الجنائي.
يطرح هذا الإشكال بحدة على القضاء الزجري، من خلال تقديم المخطوبة القاصرة لشكاية ضد الخاطب من أجل هتك عرضها بالعنف نتج عنه افتضاض والتغرير بها في الحالة التي يتعذر عليه العقد عليها لعدم حصولها على الإذن بزواج القاصر لصغر سنها وتكون مراسيم الخطبة قد تمت وتعددت الخلوات بين الطرفين، نتج عنها حمل، فالقاصرة حفاظا على حقوقها تلجأ إلى القضاء، لكن الملاحظ أن قضاء التحقيق يأمر بمتابعة الخاطب طبقا لفصول المتابعة، وهذا في نظرنا فيه أثار على استقرار المجتمع، في حين فإن قضاء الموضوع له وجهة نظر أخرى في دلك، وهكذا نجد محكمة الاستئناف بالرباط- -غرفة الجنايات – قد قررت ما يلي [98] : «وحيث إن قاعدة التجريم الجنائية تصبح والعدم سواء متى أتى قانون جديد وأباح سلوكا كان جانحا في ظل قانون سابق.
وحيث إن المشرع المغربي في مدونة الأسرة خاصة في الباب المتعلق بالخطبة نص صراحة على أنه متى تمت الخطبة والإيجاب والقبول فإن الحمل ينسب للخاطب متى تحققت العلنية فبالأحرى متى كان هذا الأخير يقر بأن المشتكية خطيبته والولد الذي في أحشائها من صبله.
وحيث إن النص الخاص أي مدونة الأسرة أجاز اللقاء الجنسي بين الخاطب ومخطوبته متى تحقق الرضا فلم تعد الخطبة وعدا بالزواج بل هي زواج ينتج آثار الولادة بما فيها حقوق النسب[99].
وحيث أن هذا الواقع كان متحققا لحظة مثول الطرفين أمام الضابطة القضائية وقضاء التحقيق وقضاء الحكم وبالتالي فإن وقائع النازلة لا تشبه الحالات التي يعبر فيها المغتصب أو الهاتك للعرض عن رغبته في الزواج بمن اغتصبها أو هتك عرضها، حيث تصح المتابعة...»
المادة 156 من مدونة الأسرة وقانون الحالة المدنية :
السؤال الدى يطرح نفسه هنا، هل يمكن التصريح بازدياد الابن الناتج عن الخطبة أمام ضابط الحالة المدنية دون اللجوء إلى القضاء كما يرى بعض الفقه[100]، فالجواب عن دلك نجده في مقتضيات المادة 156 نفسها «تتم معاينة هذه الشروط بمقرر قضائي غير قابل للطعن» لأنه لا يمكن ترك الباب مشرعا أمام كل من هب ودب في التصريح بازدياد الأبناء المزدادين نتيجة علاقة الخطبة، لأن فيه سلب لاختصاص القضاء من جهة وتعارض مع مقتضيات قانون الحالة المدنية من جهة أخرى والذي جاء في المادة 17 من المرسوم رقم 665-99-2 لتطبيق القانون رقم 99-37 المتعلق بالحالة المدنية أنه «يعزز التصريح بالولادة بشهادة يسلمها الطبيب المولد أو المولدة الشرعية أو السلطة المحلية وبنسخة من عقد الزواج فيما يخص المغاربة المسلمين تثبت العلاقة الشرعية التي نتجت عنها الولادة» مما يعني أن نسب الحمل الناتج عن الخطبة لا يمكن تسجيله من طرف المصالح الإدارية إلا بعد استصدرا حكم قضائي بذلك.
المطلب الرابع: حجية الفراش
جاء في المادة 153 من مدونة الأسرة في الفقرة الثانية: «يعتبر الفراش بشروطه حجة قاطعة على ثبوت النسب لا يمكن الطعن فيه إلا من الزوج عن طريق اللعان أو بواسطة خبرة تفيد بشرطين.
إدلاء الزوج المعني بدلائل قوية على إدعائه
صدور أمر قضائي بهذه الخبرة».
وعليه فالقوة الثبوثية للفراش هي القاعدة (فقرة أولى) وترد عليها استثناءات (فقرة ثانية).
الفقرة الأولى: القاعدة
يعتبر الفراش حجة قاطعة على ثبوت النسب الناتج عن الفراش المستوفي لشروطه المنصوص عليها في المادة 154 من مدونة الأسرة وهي توفر أقل مدة الحمل من تاريخ العقد وإمكانية الاتصال والولادة خلال سنة من تاريخ الفراق.
وهكذا، فالقضاء يعتد بنسب الأبناء المزدادين خلال قيام العلاقة الزوجية ولا يتلفت إلى إدعاءات الزوج بأن الحمل أو الإبن ليس منه بدعوى أنه ناتج عن علاقة خيانة زوجية، أو أن الزوج عقيم، جاء في قرار المجلس الأعلى «إذا ثبت النسب بالفراش فلا يستجاب لإجراء طبي لنفيه»[101]
كما جاء في قرار آخر بتاريخ 28/6/2006 في الملف الشرعي عدد 188/2/1/2005 «الولد للفراش إن مضى على عقد الزواج أقل مدة الحمل وأمكن الاتصال بين الزوجين وبثبوت الخيانة الزوجية لا يترتب عنه ثبوت نفي النسب مادام الزوج لم يسلك الطرق المحددة قانونا لنفي النسب»[102] وهذا التوجه تسايره محكمة الاستئناف بالرباط حيث رفضت دعوى المستأنف الذي ينفي نسب البنت بعلة أنها ولدت نتيجة علاقة غير شرعية في إطار الخيانة الزوجية، وألحقت نسبها به مادام المستأنف لم يسلك المسطرة المنصوص عليها قانونا بمجرد ظهور الحمل ولم يدل بدلائل قوية على إدعائه[103].
الفقرة الثانية : الاستثناءات
وإنمـا للـزوج أن يلتعنـا * * * بنفـي حمل أو برؤية الزنـا[105]
والمادة 154 المشار إليها أعلاه لم تبين مفهوم اللعان أو تحدد مسطرته وأحكامه لذلك يتوجب على القاضي الرجوع إلى أحكام الفقه المالكي تطبيقا للمادة 400 من مدونة الأسرة التي جاء فيها «كل ما لم يرد به نص في هذه المدونة، يرجع فيه إلى المذهب المالكي والاجتهاد الذي يراعي فيه تحقيق قيم الإسلام في العدل والمساواة والمعاشرة بالمعروف».
لذلك على الزوج بمجرد علمه بأن الحمل الظاهر بزوجته ليس منه أو بأن الولد الذي وضعته ليس من صلبه أن يبادر إلى تقديم دعوى بناء على مقال مستقل للقضاء الأسري[106] وتكون حجته هي اللعان وفق ما بينه الله تعالى في سورة النور – الآيتان 6 و7 منها وصورتها أن يحلف الزوج أربع مرات إنه صادق في اتهامه لزوجته، سواء في رؤية الزنا أو نفي الحمل عنه والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين وإذا أصرت الزوجة على تكذيبه فتحلف بدورها أربع مرات بأنه كاذب في ادعائه وفي الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين وقد أوجز ابن عاصم هذه المسطرة في التحفة حيث قال :
ويبدأ الزوج بالالتعان لدفع حد أربع من الأيمان
إثباتا أو نفيا على ما وجبا مخمسا بلعنة إن كذبـا
وتحلف الزوجة بعده أربعا لتدرأ الحد بنفي ما ادعــا
تخميسها بغضب إن صدقا ثم إذا تم اللعان افترقا
وعلى القاضي قبل تطبيق مسطرة اللعان أن يتحقق من توفر الشروط الآتية :
أن يكون الحمل لاحقا بالملاعن، سواء كان الزواج صحيحا أو فاسدا أو في الاتصال بشبهة وسواء أكانت الزوجة في العصمة أو في العدة من طلاق رجعي.ألا يتصل الزوج بزوجته بعد استقراره على ملاعنتها وأن يقوم باستبرائها بحيضة واحدة جاء في التحفة :
مع إدعائه للاستبراء * * * وحيضة بينة الإجزاء
فإذا اتصل بها ووطئها بعد اتهامها بطلت دعوى اللعان، جاء في قرار المجلس الأعلى بهدا الخصوص: «وحيث إن الفقه المالكي يشترط لتمكين الزوج من ملاعنة زوجته ادعاؤه رؤية الزنا ونفي الحمل أن يتقدم ذلك استبراء الزوجة بالوسائل الشرعية وأنه ما لم يتم هذا الاستبراء فإنه لا يجوز الحكم بنفي نسب الولد»[107]
3- ألا يكون الولد غير لاحق شرعا بالزوج : فالزوجة التي تأتي بولد لأقل من ستة أشهر من تاريخ العقد أو لأكثر من سنة من تاريخ الفراق حسبما هو منصوص عليه في المادة 154 من المدونة، فإنه غير لاحق شرعا بالزوج ولا حاجة في نفيه عنه.
جاء في قرار المجلس الأعلى «الوضع لأقل من ستة أشهر ينفي النسب بغير لعان»[108].
4- ألا يقر الملاعن بالولد : سواء دلالة أو ضمنا كقبول التهنئة بالمولود أو الإسراع إلى تسجيله بالحالة المدنية.أو إقامة حفل العقيقة.
5- الإسراع في رفع دعوى اللعان بمجرد العلم : فبمجرد تأكد الزوج من واقعة زنا زوجته أو حدوث الولادة أن يرفع أمره إلى القضاء، فدعوى اللعان لا تستوجب التأخير وإن فعل لا تسمع دعواه جاء في قرار المجلس الأعلى: «أن الأب إنما يحق له نفي نسب الحمل في أول علمه به، أما إذا سكت بعد علمه به فلا يحق له ذلك»[109]
ثانيا: الخبرة
لا يلجأ إلى الخبرة إلا بوجود دلائل قوية تعضد ادعاءات الزوج، وقد أجازتها مدونة الأسرة ولم يكن معترفا بها في ظل مدونة الأحوال الشخصية الملغاة، ولعل المشرع لما اعتمدها، فإنه ساير بذلك التطور العلمي الحاصل في ميدان الطب والقضاء المغربي اعتمد الخبرة كوسيلة لإثبات ونفي النسب، جاء في قرار المجلس الأعلى «بمقتضى المادة 153 فإن الخبرة تعتبر من وسائل إثبات النسب»[110].
المبحث الثاني : الإقرار
يعد الإقرار من وسائل إثبات النسب، فإذا كان الفراش منشئا له، فإن الإقرار كاشف له وقد تعرض له المشرع في المادة 152 من مدونة الأسرة التي جاء فيها، أسباب لحوق النسب
: 1- الفراش 2- الإقرار، 3- الشبهة وكذلك في المادة 158 من نفس المدونة التي حددت وسائل إثبات النسب، وللإحاطة بالموضوع سنتطرق لمفهوم الإقرار وأركانه وأنواعه (مطلب أول) ثم لشروطه وإثباته وآثاره في (مطلب ثان) على أن نخصص المطلب الثالث للإقرار بالنسب والحالة المدنية.
المطلب الأول: مفهوم الإقرار، أركانه وأنوعه
الفقرة الأولى : مفهوم الإقرار
الإقرار لغة هو الإذعان للحق والاعتراف به[111] قال تعالى : «قال أقررتم وأخذتم على ذلك إصري، قالوا أقررنا»[112]، أما في الاصطلاح هو الإخبار عن ثبوت حق للغير على المخبر[113]، ويسمى الشهادة على النفس وعرفه ابن عرفة بأنه «خبر يوجب حكم صدقه على قائله فقط بلفظه أو لفظ نائبه»، وحقيقة الإقرار الإخبار عن أمر يتعلق به حق الغير وحكمه اللزوم وهو أبلغ من الشهادة[114].
والإقرار عند الفقهاء يطلق عليه لفظ الاستلحاق وعرفه ابن معجوز بأن يدعي الرجل أنه أبا لغيره بأن يقول هذا ابني أو فلان ابني حيا كان هذا المستلحق أو ميتا، ذكرا كان أو أنثى كان كبيرا أو صغيرا وسواء كان المستلحق صحيحا أو مريضا مرض الموت عند الاستلحاق»[115]
وقد نظمت مدونة الأسرة الإقرار في المواد من 160 إلى 162، حيث نجدها في المادة 160 قد استعملت لفظي الإقرار والاستلحاق بمعنى واحد[116].
والإقرار قانونا هو اعتراف شخص بحق عليه لآخر سواء قصد ترتيب هذا الحق أو لم يقصد ذلك.
الفقرة الثانية : أركان الإقرار
أركان الإقرار أربعة وهي: المقر- المقر له- المقر به والصيغة
أولا المقر: وهو الشخص الذي يعترف بنسب الابن إليه وهنا هو الأب ويشترط فيه شروط منها:
أن يكون مكلفا، أي عاقلا وبالغا لأنه لا يتصور إقرار الصبي والمجنون.
- لقول خليل: "ويؤخذ مكلف بلا حجر بإقراره».
أن يكون ذكرا وبمقتضى هذا الشرط فيجب أن يصدر الإقرار عن الزوج حسب فقهاء المالكية والشافعية لكون الاستلحاق من خصائص الذكورة ويثبت نسب الولد المقر له بإقرار الزوج وحده.
أن يكون قادرا على الوطء: لأنه يستحيل الإنجاب من غير البالغ
أن يكون طائعا غير مكره : فإن أكره المقر على الاعتراف بالولد واستلحقه لم يعتد بإقراره.
ثانيا: المقر له: وهو الولد المجهول النسب الذي لا يعرف له أب ينتسب إليه.
الفقرة الثالثة : أنواع الإقرار
ينقسم الإقرار إلى قسمين : إقرار مباشر وغير مباشر
أولا الإقرار المباشر : وهو إدعاء المقر أنه أب لغيره متى توفرت الشروط المنصوص عليها في المادة 160 من المدونة ومثاله أن يقول المقر هذا ابني أو أبي أو هذه ابنتي ويتعلق الأمر هنا بالإقرار بأصل النسب، وهذا النوع من الإقرار هو الذي يثبت به النسب ولا يمكن الرجوع فيه، من طرف من صدر عنه وهذا ما أكده المجلس الأعلى في قراره «الإقرار بالبنوة يلزم المقر ولا يقبل منه طلب نفي النسب بدعوى أنه اكتشف فيما بعد أنه عقيم، لأن الولد للفراش ولا ينتفي إلا بالشروط المحددة شرعا»[119]، مادام فيه إقرار بالنسب على نفس المقر ويقتصر على علاقة النسب بين المقر والمقر له.
ثانيا : الإقرار غير المباشر ويقصد به إقرار غير الأب بما فيه تحميل النسب عليه ويسمى بالإقرار بفرع النسب[120] كأن يقر شخص لآخر بأنه أخوه أو ابن ابنه أو بنت ابنه وهذا النوع من الإقرار فيه تحميل النسب على غير المقر، و لا يؤخذ به في إثبات النسب بصريح المادة 161 من مدونة الأسرة التي جاء فيها «لا يثبت النسب بإقرار غير الأب»[121]، والمقر له يشارك المقر في نصيبه في الإرث على اعتبار أن الإقرار حجة قاصرة لا تتعدى المقر إلى غيره، أي لا يلزم الورثة الآخرين به ما لم يوجد تصديق منهم على هدا الاقرار
الفرق بين الإقرار والتبني والتنزيل
والإقرار يختلف عن التبني والتنزيل في الأحكام والآثار، فإذا كان الإقرار كوسيلة من وسائل إثبات النسب متى توفرت شروطه وتترتب عليه آثار أهمها النسب والتوارث وحرمة المصاهرة إلخ، فإن التبني محرم شرعا بقوله تعالى : «وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلك قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل»[122] وقانونا بمقتضى المادة 149 من المدونة «يعتبر التبني باطلا ولا ينتج عنه أي آثر من آثار البنوة الشرعية» أما التنزيل فينصرف إلى المال لا النسب (.التنزيل او الوصية)
المطلب الثاني : شروط الإقرار إثباته وآثاره
الفقرة الأولى : شروط الإقرار
يشترط لصحة الإقرار حتى يفضي إلى لحوق النسب بالمقر جملة من الشروط نصت عليها مدونة الأسرة في المادة 160 فيما يلي :
إذا عين المستلحق الأم أمكنها الاعتراض بنفي الولد عنها أو الإدلاء بما يثبت عدم صحة الاستلحاق.
لكل من له مصلحة أن يطعن في صحة توفر شروط الاستلحاق المذكورة مادام المستلحق حيا.
وانطلاقا من نص هذه المادة، فشروط الإقرار الواجب توفرها لكي يكون صحيحا ومنتجا لآثاره القانونية هي كالتالي:
أولا : أن يكون الأب عاقلا : فالمشرع اشترط العقل والذكورة، فإذا صدر الإقرار حال جنون المقر أو فقدانه لعقله لأي سبب من الأسباب لم يصح إقراره[123]، والمادة 160 أعلاه تحدثت عن الأب بمعنى الزوج فإذا صدر عن الزوجة إقرار بكون الولد الفلاني هو ابنها من زوجها فلان، فإن هذا الإقرار لا يعتد به ويعتبر لاغيا ما لم يصدقها الزوج في ذلك، فإن صدقها واعترف ببنوته صح حينئذ إقرارها وعلى المستوى العملي، فإن الإقرار يصدر عن الزوج وتؤكده الزوجة[124]، ويترتب عليه لحوق النسب.
ثانيا أن لا يكون الولد المقر به معلوم النسب لأن الولد المعلوم نسبه لا يحتاج إلى إقرار ولا يمكن أن يجتمع للشخص نسبان في آن واحد لأن النسب لا يقبل الشركة فيه.
والمقصود بهذا الشرط أن يكون الولد المقر به مجهول النسب وهذا الشرط ينصرف إلى معنى كون الولد لا يكون له نسب معروف وثابت لشخص آخر غير المقر، ولذلك فلا يستلحق الولد المعلوم النسب وعلة ذلك أن النسب الثابت من شخص لا ينتقل إلى غيره لأن القول بخلاف ذلك من شأنه قطع النسب الحقيقي للولد وهذا غير جائز شرعا[125]، لقوله تعالى : «ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله» كما أنه لا يمكن الإقرار بابن الزنا لأنه مقطوع النسب شرعا ويدخل في هذا الإطار الابن المزداد قبل تاريخ إبرام العقد بين الزوجين، حيث دأب القضاء وعلى رأسه المجلس الأعلى برفض الإقرار الصادر عن الأب باستلحاق الابن المزداد قبل قيام العلاقة الزوجية جاء في قرار له بهذا الخصوص«إن الولد المزداد قبل إبرام عقد الزواج لا يمكن لحوق نسبه إلى الزوج ولو أقر ببنوته وكان من مائه لأنه ابن الزنى لا يصح الإقرار به»[126] وجاء في حكم صادر عن قسم قضاء الأسرة بالمحكمة الابتدائية بالعرائش[127] «وحيث إنه بالرجوع إلى مقتضيات المادة 152 من مدونة الأسرة فإن أسباب لحوق النسب تنحصر في 1- الفراش، 2- الإقرار، 3- الشبهة.
وحيث إنه بالرجوع إلى رسم الزواج المدلى به والرابط بين المدعي وأم الولد المطلوب إلحاق نسبه يتبين أن الزواج تم بتاريخ 02/05/2003 وأن ولادة الطفل بدر وقعت بتاريخ 20/02/2003 أي ثلاثة أشهر قبل إبرام عقد الزواج وهو ما يعني أن السبب الأول للحوق النسب وهو الفراش غير قائم وحيث إنه بخصوص السبب الثاني الذي هو الإقرار فإنه بالرجوع إلى الوثيقة المستدل بها وهي المعنونة "برسم الإقرار بنسب" المحرر من طرف عدلين يتبين أنها تشير إلى إقرار المدعي على أن الابن بدر ولد على فراشه من زوجته السيدة سعاد حاتم في حين أنه وكما سبق توضيحه في الحيثية السابقة فإن الفراش (الزواج) لم يثبت أن انعقد بين المدعي وأم الطفل إلا بعد ولادة هذا الأخير بحوالي ثلاثة أشهر وهو ما يجعل هذه الوثيقة تناقض الوثيقة الأولى والتي هي رسم الزواج وبالتالي يتعين عدم الأخذ بها».
3- أن لا يكذب المستلحق عقل أو عادة : والمقصود بذلك عدم وجود قرائن قوية تجعل الإقرار غير صحيح ويعبر عنه البعض بكون الولد محتمل الثبوت من نسب المقر[128] ولكي يكون إقرار المقر مقبولا يجب أن لا يكون مخالفا لمقتضيات العقل والعادة ومما يكذبه العقل كون الأب المستحلق أصغر سنا من الولد المستلحق بحيث لا يمكن معه أن يكون من صلب المقر بحيث يولد مثله لمثله، ومما تكذبه العادة أن يقر رجل بنسب ولد من مكان لم يسبق له أن أقام به أوزاره أو أن يثبت أن المقر لم يسبق له أن تزوج على الإطلاق وهو ما عبر عنه الشيخ خليل في المختصر : «إنما يستلحق الأب مجهول النسب إن لم يكذبه العقل لصغره أو العادة ...» [129] ويسري نفس الحكم إذا كان المقر خصيا أو مجبوبا لا يستطيع الإنجاب.
4- أن يوافق المستلحق –بفتح الحاء- إذا كان راشدا حين الاستلحاق : إذا كان الأمر يتعلق باستلحاق راشد فلابد من موافقته[130] وتصديقه على هذا الإقرار مادام يتمتع بالأهلية وكان عاقلا بالغا سن الرشد (18 سنة كاملة) لكونه أدرى بمصلحته، إما إذا كان المقر به صغيرا أو مجنونا فلا يشترط تصديقه، لذلك منحت المادة 160 من المدونة للمستلحق الحق في رفع دعوى نفي النسب بعد بلوغه سن الرشد .
5- حق الأم في الاعتراض بنفي النسب في حالة تعيينها من جانب المستلحق وهذه القاعدة استحدثها المشرع المغربي من خلال الفقرة ما قبل الأخيرة من المادة 160 من مدونة الأسرة والتي أعطت الحق للأم التي تم تعيينها من طرف المستلحق أن تعترض بنفي الولد عنها أو الإدلاء بما يفيد عدم صحة الاستلحاق[131] مادامت قد أصبحت ذات صفة ومصلحة في استعمال هذا الحق وهذه القاعدة تندرج عموما في تكريس حق المساواة بين الطرفين التي جاءت بها المدونة الحالية.
وبالرجوع إلى الفقرة الأخيرة من المادة 160 فإنها فتحت المجال لكل ذي مصلحة أن يطعن في صحة توفر شروط الإقرار لكن ذلك مقرون بأن يكون المقر لا يزال حيا مادام نفي النسب المجرد حق للأب وحده بواسطة حكم قضائي، فإن مات المقر فإن هذا الحق لا ينتقل إلى الورثة، إذ تصبح دعواهم مالية أو تؤول إلى المال وإن قدمت مجردة عن أي طلب آخر مترتب عنه فلا يمكن سماعها[132].
الفقرة الثانية : إقرار الأم بالنسب
جاء في المادة 147 من مدونة الأسرة إن البنوة بالنسبة للأم تثبت عن طريق واقعة الولادة أو بالإقرار طبقا لنفس الشروط المنصوص عليها في المادة 160 من المدونة التي تحدثنا عنها سابقا، وعليه فإذا صدر الإقرار من امرأة بأن فلانا ابنها فإن كانت خالية من الزوج وأقرت بالأمومة لولد يولد لمثلها وكان مجهول النسب وصدقها في هذا الإقرار فإن نسبه يثبت منها، ولا حاجة لشرط نفي النسب كونه ابن زنى لأن ابن الزنا مقطوع النسب بالنسبة للأب، أما الأم فهو ولدها ويثبت نسبه منها[133]. وهذا ما نصت عليه المادة 146 من المدونة : «تستوي البنوة للأم في الآثار التي تترتب عليها سواء كانت ناتجة عن علاقة شرعية أو غير شرعية».
الفقرة الثالثة : إثبات الإقرار
جاء في المادة 162 من مدونة الأسرة ما يلي : «يثبت الإقرار بإشهاد رسمي أو بخط يد المقر الذي لا يشك فيه» وهذا النص يوافق مقتضيات الفصل 95 من أ.ش الملغاة وبذلك فالإقرار يثبت بوسيلتين اثنتين :
أولا : الإشهاد الرسمي : ويقتضي إشهاد عدلين منتصبين للإشهاد وتوثيقه يثبت الإشهاد على إلحاق الولد بنسب المستلحق وتتم المخاطبة عليه من طرف قاضي التوثيق ليكتسب صفة الرسمية، إذ حينها لا يمكن الطعن فيه إلا بالزور وهذه الوسيلة هي الغالبة في الواقع العملي أمام قضاء الأسرة.
ثانيا : خط يد المقر : نجد المشرع في المادة 162 أعلاه، قد نص على ضرورة كتابة الإقرار بخط يد المقر دفعا لكل تحريف في مضمون الوثيقة أو تزويرها وذلك صيانة للحق في النسب سواء بالنسبة للأصل المستلحَق أو الفرع المستلحِق، وهذه الوسيلة نادرة عمليا إذ غالبا ما يلجأ إلى العدول أو الإقرار القضائي أمام المحكمة التي تتأكد من شروطه بجلسة البحث. أو حين اختلائها للمداولة بناء على ما ضمن بمحضر الجلسة.
الفقرة الرابعة : آثار الإقرار
بالرجوع إلى مقتضيات المادة 157 من مدونة الأسرة فإنه متى ثبت النسب بالاستلحاق ترتبت عليه جميع نتائج القرابة فيمنع الزواج بالمصاهرة وتستحق به النفقة والإرث أي جميع الآثار التي يرتبها الفراش، وإن كانا يختلفان من حيث وسيلة الإثبات[134].
والملاحظ أنه على المحكمة التقيد بالشروط التي حددها المشرع لكل وسيلة من وسائل إثبات النسب، فإذا كان موضوع الدعوى هو إثبات النسب بالإقرار فإنه ليس من حقها أن تنذر المدعي بالإدلاء بما يفيد وجود علاقة الزواج كشرط لقبول الدعوى وإن درج القضاء في المغرب على استنتاج الإقرار من قرائن عدة، فإن بعض المحاكم لها رأي مخالف وهكذا جاء في قرار لمحكمة الاستئناف بالرباط : «لكن حيث إن الإقرار الذي يثبت به النسب هو الذي يكون في ظل عقد الزواج الشرعي والصحيح أما في نازلة الحال فإن الثابت من وثائق الملف أن المستأنفة ازدادت بعد إبرام عقد زواج والديها بشهرين أي لمدة أقل من مدة الحمل وقد صدر حكم ابتدائي قضى بفسخ عقد الزواج أيد استئنافيا ...» [135]، في حين نجد المجلس الأعلى قد قرر قاعدة لها أصلها الفقهي، حيث جاء في قرار له يماثل النازلة التي بثت فيها محكمة الاستئناف بالرباط بمقتضى قرارها أعلاه، «الإقرار بالبنوة في رسم الطلاق يلزم المقر ويلحق به نسب الولد»[136].
المطلب الثالث : الإقرار بالنسب والحالة المدنية
للحالة المدنية دور هام في ضبط هوية الأشخاص من خلال جمع كافة المعلومات المتعلقة بهم ابتداء من تاريخ ولادتهم وأسمائهم وأسماء آبائهم، ومكان ازديادهم، ويظهر دورها كذلك في كل تخطيط للبلاد وتحديد هوية الأفراد والمساهمة في المحافظة على أصالة الأمة والتاريخ، وتعني الحالة المدنية الصفة التي تحدد نصيب الشخص من الحقوق والواجبات العائلية كما تحدد وضعيته بالنسبة للقانون الخاص لفترة ما بين الولادة والوفاة وبالرجوع إلى نص المادة الأولى من القانون رقم 99-37[137]، نجدها قد عرفت الحالة المدنية بأنها نظام يقوم على تسجيل وترسيم الوقائع المدنية الأساسية للأفراد من ولادة ووفاة وزواج وطلاق وضبط جميع البيانات المتعلقة بها من حيث نوعها وتاريخ ومكان حدوثها في سجلات الحالة المدنية».
وللإحاطة بهذا الموضوع سنتكلم عن دور الحالة المدنية في إثبات النسب (فقرة أولى) لننتقل بعدها إلى موقف مدونة الأسرة ومعها الاجتهاد القضائي من الحالة المدنية (فقرة ثانية).
الفقرة الأولى : دور الحالة المدنية في إثبات النسب
أحدث نظام الحالة المدنية بالمغرب بمقتضى ظهير صدر بتاريخ 04-09-1915 وتوالت عليه التعديلات إلى أن صدر الظهير الشريف رقم 239-02-1 بتاريخ 25 رجب 1423 الموافق ل 03/10/2002).
وبالرجوع إلى الجانب المتعلق بالنسب، نجد قانون الحالة المدنية قد نظم التصريح بالولادة في شقين : التصريح المباشر وآخر عن طريق حكم قضائي.
1- التصريح المباشر : تنص المادة 16 من قانون الحالة المدنية على أنه يقوم بالتصريح بالولادة لدى ضابط الحالة المدنية لمحل وقوعها أقرباء المولود حسب الترتيب:
- الأب أو الأم
- وصي الأب
- الأخ
- ابن الأخ
2- التقييد بناء على حكم تصريحي : تطرقت له المادة 30 من نفس القانون، حيث جاء فيها «إذا لم يقع التصريح بالولادة أو الوفاة داخل أجل يحدد بنص تنظيمي فلا يمكن تسجيل الرسم الخاص بالواقعة إلا بناء على حكم تصريحي بالولادة أو الوفاة تصدره المحكمة الابتدائية المختصة ويقدم الطلب بذلك من طرف أي شخص له مصلحة مشروعة أو من طرف النيابة العامة. [138]
أ- شهادة الميلاد
انطلاقا من النصين السابقين فالتقييد بسجلات الحالة المدنية يتم إما بناء على تصريح مباشر أو بناء على أمر قضائي بالتقييد، ومهما كان الأساس الذي اعتمد في التسجيل بكناش الحالة المدنية، فإنه يحق لكل مسجل بها استخراج شهادة الميلاد والتي تعد وثيقة رسمية لها حجيتها القاطعة طبقا للفصل 418 ق.ل.ع كونها صادرة عن موظف عمومي مختص وتتضمن بيانات هامة كاسم المولود واسم الأب والأم وتاريخ الولادة (الازدياد) ومكانها بهدف التمييز بين المواليد وهذه البيانات يتم تدوينها بناء على تصريح من الأشخاص المحددين في القانون، وما يهمنا هو تصريح الأب الذي يعتبر إقرارا منه خاصة وأنه غالبا ما يكون كتابيا[139]، وضابط الحالة المدنية عندما يتلقى هذا التصريح فهو غير ملزم بمراعاة قواعد النسب المنصوص عليها في مدونة الأسرة. لذلك فإذا حدث نزاع بخصوص ثبوت نسب الابن المصرح به من عدمه، فهل سيعتد بالتصريح ويتم التعامل معه كأنه إقرار، وفي حالة تعارضه مع قواعد النسب المنصوص عليها في المدونة، فمن هو الأولى بالتطبيق؟ يرى الأستاذ أحمد الخمليشي، أن سجل الحالة المدنية يشكل المصدر المعتمد رسميا في الوقائع التي يتضمنها بشأن الوضعية القانونية والمدنية لصاحب العقد وبالنسبة لجميع شؤون حياته العامة منها والخاصة، هذه الوضعية لسجلات الحالة المدنية كان ينبغي أن تراعى كذلك في النسب على الأقل كمبدأ أي تعتمد كوسيلة قانونية لإثباته وعلى من يدعي العكس إثبات ادعائه سواء عن طريق دعوى الزور أو الإدلاء بوسائل مقنعة تؤكد تدليس أو غش أو خطأ في التصريح المدلى به[140].
أما إذا تعارض التصريح المفضى به مع قواعد النسب، فإنه يتم إعمال هذه الأخيرة والقضاء المغربي وعلى رأسه المجلس الأعلى استبعد الأخذ بشهادة الولادة في إثبات النسب حيث اعتبر في قرار له «أن شهادة الولادة التي أخذت بها المحكمة غامضة وعبارة عن تصريح تلقاه ضابط الحالة المدنية من شخص غير معروف وحتى لو كان هذا الشخص معروفا فإنها مجرد إخبار يحتمل الصدق والكذب طالما لم تصدر عن المولدة أو الطبيب المشرف باليوم والساعة لتفيد اليقين»[141].
ب- حجية الأمر القضائي القاضي بتقييد مولود
إن الأحكام القضائية القاضية بتقييد مولود بسجلات الحالة المدنية من المفروض أن لا تصدر إلا بعد التمحص والنظر والتأكد من ثبوت نسب المولود إلى صاحب الكناش وذلك بالتحقق من هذا النسب من خلال تطبيق قواعد ثبوته المنصوص عليها حصرا بمدونة الأسرة[142] من خلال التأكد من صحة الزوجية وأن الولد ازداد خلال الأمد الشرعي، لذلك يعتبر الحكم الصادر بتقييد مولود عنوانا على حقيقة صحة النسب، لا سيما إذا كان مقدم الدعوى هو المنسوب إليه الولد ومع ذلك لم تورد مدونة الأسرة وقبلها مدونة الأحوال الشخصية الملغاة مثل هذه الحجة لإثبات النسب والتي تعد إقرارا من الأب بثبوت نسب الابن إليه.
لكن مادام التسجيل بالحالة المدنية يقضي بتسجيل الازدياد بناء على حكم لانصرام التصريح داخل الأجل (المادة 30 من القانون 99-37)، هذا الحكم الذي يبنى على أوراق ووثائق إدارية يسهل الحصول عليها، وكم هي كثيرة الحالات التي يتم فيها تسجيل أبناء متكفل بهم بسجلات الحالة المدنية على أنهم أبناء الصلب، مما يطرح مشاكل جمة أمام القضاء بعد وفاة الكافل، لذلك كان المشرع حريصا لما استبعد سجلات الحالة المدنية من مجال إثبات النسب لكونه يتعلق بالنظام العام واقتصر على الأسباب والوسائل الشرعية فقط احتياطا للنسب ومنعا لاختلاط الأنساب.
ج- موقف اقانون المغربي، الفقه والعمل القضائي إزاء الحالة المدنية
وحيث إن النسب يثبت بالإقرار الغير منتفية شروطه، المادة 158/160 وما يليهما، والمستأنف لم يدل بدليل أقوى يدحض به ما جاء في إقراره وبالتالي فالحكم الابتدائي مرتكز على أساس قانوني سليم ويتعين تأييده»[146]
المبحث الثالث : البينة
تعد البنية بنوعيها (شهادة عدلين وبينة السماع) من بين وسائل إثبات النسب، حيث نصت عليها مدونة الأحوال الشخصية الملغاة في الفصل 89[147] : ومدونة الأسرة الحالية في المادة 158 التي جاء فيها : «يثبت النسب بالفراش أو بإقرار الأب أو بشهادة عدلين أو بينة السماع وبكل الوسائل الأخرى المقررة شرعا...» لذلك سنتطرق لشهادة عدلين (مطلب أول) على أن تخصص المطلب الثاني لبينة السماع.
المطلب الأول : شهادة عدلين
الفقرة الأولى : مفهوم الشهادة العدلية وشروطها
أولا : مفهوم الشهادة العدلية.
الشهادة، مشتقة من المشاهدة وهي المعاينة، لأن الشاهد يخبر عما شاهده وعاينه ومعناها الإخبار عما علم بلفظ أشهد أو شهدت وهي مأخوذة من الإعلام[148] من قوله تعالى «شهد الله أنه لا إله إلا هو»[149] وتسمى أيضا بينة لأنها تبين ما التبس وتكشف الحق فيما اختلف فيه وعرفها ابن عرفة «الشهادة قول بحيث يوجب على الحاكم سماعه والحكم بمقتضاه وإن عدل قائله مع تعدده وحلف طالبه»
والأصل في شرعية الشهادة ما يؤكده الكتاب والسنة، فأصلها في الكتاب قوله تعالى «واشهدوا ذوي عدل منكم»[150] أما السنة، ما روي عن عمر بن شعيب عن أبيه عن أن النبي r قال «البينة على من ادعى واليمين على من أنكر»
والمادة 158 من مدونة الأسرة تكلمت عن شهادة عدلين والمقصود بذلك من ينسب إلى سلك العدول[151]. وليس الشاهد العدل بالمفهوم الفقهي الذي يحتاج إلى تزكية والشهادة العدلية هي التي يحررها عدلان وفق الضوابط المحددة في قانون خطة العدالة[152] ونظرا لأهمية الوثيقة العدلية فقد أحاطها الفقه والقانون بمجموعة من الشروط.
ثانيا : شروط الشهادة
يشترط في الشاهد عموما عدة شروط فصل فيها الفقهاء وأجملها أبو بكر بن عاصم الأندلسي في الأبيات الآتية :
هذه الشروط تطرق لها محمد بن يوسف الكافي[153] بتفصيل
والمشرع المغربي اعتمد نفس الشروط [154] اللازم توفرها في الشهادة، ويجب أن يدعى الشاهد عادة إلى مجلس القضاء بالطرق القانونية ليؤكد ما رآه أو ما سمعه من الوقائع المتعلقة بالدعوى بعد أداء اليمين وإن كانت شهادة العدلين حسبما جرى به العمل كتابية لا شفوية تماشيا مع القانون المنظم لخطة العدالة
وما تجدر الإشارة إليه أن الشهادة التي يثبت بها النسب هي شهادة رجلين في غير الزنا لقول المتحف :
ففــي الزنـا من الذكـور أربعـة * * * وما عـدا الـزنـا ففـي اثنيـن سعــه
ومادام نص المادة 158 تكلم عن شهادة العدلين فلا مجال للحديث عن شهادة رجل وامرأتين.
وتساءل ذ. أحمد الخمليشي على أن صياغة المادة 158 م أ، تؤكد أن شهادة العدلين يثبت بها النسب بقوة القانون وهو ما يتفق مع الاتجاه الفقهي الذي لا يخول القاضي السلطة التقديرية إزاء القيمة الإثباتية لشهادة العدل، وأن شهادة العدلين هي شهادة قطع وليست شهادة نقل، ويتعذر عليها القطع بنسب الولد إلى الأب دون العلم بالعلاقة التي كانت تربطه بأم الولد عند نشوئه. [155]
الفقرة الثانية : أنواع الشهادة وحجيتها
أولا : أنواع الشهادة
تتفرع الشهادة العدلية إلى نوعين
أ- الشهادة الأصلية : وهي التي يكون مضمنها وموضوعها من إملاء المشهود عليه ويقتصر فيها دور العدلين على تسجيل ما يسمعانه والشهادة عليه، كما هو الحال في الاعتراف بنسب الولد حيث يملي الأب على العدلين اعترافه بأبوته للولد المذكور ويشهد العدلان عليه بذلك ويدخل في هذا النوع شهادة ثبوت النسب ببينة السماع التي يتلقاها العدلان من اللفيف أما إذا أملاها العدلان من علمهم دون أن يشهد بها لديهما اللفيف، فنكون بصدد الشهادة العلمية[156].
ب- الشهادة الاسترعائية : وهي التي يكون موضوعها ومضمنها من إملاء العدل نفسه ويسندها إلى علمه ويطلق عليها الشهادة العلمية وتبتدئ بإحدى العبارات التالية" يشهد من يضع اسمه عقب تاريخه"
وصفوة القول أن النسب من المسائل التي لا تثبت بشاهد واحد أي بعدل أو ما يقوم مقامه (التلقية) لأن موضوعها ليس مالا أو ما يؤول إليه وإنما تلزم فيه شهادة عدلين أو ما يقوم مقامهما، لأن شهادة العدلين كافية لثبوت النسب دونما حاجة إلى تكملتها باليمين.
ثانيا : حجية الشهادة العدلية
تعتبر الشهادة وفق الفقه الإسلامي والمالكي منه على الخصوص حجة كافية في إثبات النسب وهي مرجحة على الإقرار كون الشهادة حجة متعدية إلى الغير والإقرار حجة قاصرة على المقر في حالة التعارض.
والملاحظ أنه رغم أهمية الشهادة فالمشرع المغربي لم ينظمها كما هو الحال بالنسبة للفراش أو الإقرار وإنما ترك الأمر للفقه المالكي الذي تحيل عليه المادة 400 من مدونة الأسرة
الفقرة الثالثة : موقف القضاء من الشهادة العدلية
نجد القضاء المغربي وعلى رأسه المجلس الأعلى قد تبنى شهادة العدلين كوسيلة لإثبات النسب وهكذا جاء في قراره[157] «الوسائل التي يثبت بها نسب الولد ثلاث الفراش والإقرار والبنية».
وفي قرار آخر[158] «يثبت النسب بالفراش أو بإقرار الأب أو بشهادة عدلين أو بينة السماع بأنه ابنه ولد على فراشه».
المطلب الثاني : إثبات النسب ببينة السماع
الفقرة الأولى : تعريف الشهادة وشروطها
أولا : تعريف
شهادة السماع دليل آخر من الأدلة العامة في إثبات النسب ومدونة الأسرة شأنها شأن مدونة الأحوال الشخصية الملغاة لم تعط تعريفا للبينة عموما وشهادة السماع على وجه الخصوص.
ويعرفها ابن عرفة «ما يصرح الشاهد فيه بإسناد شهادته لسماع من غير معين» ويقصد بها من الناحية الفقهية «إخبار الشاهد أمام القضاء أنه قد سمع سماعا فاشيا أو واقعة ما قد تحققت»[159].
وشهادة السماع أجيزت للضرورة على خلاف الأصل إذ الأصل أن الإنسان لا يشهد إلا بما تدركه حواسه، وتشترك شهادة السماع مع شهادة العدلين في أحكام كثيرة في مجال النسب وفي هذا الإطار يقول ابن عاصم الأندلسي في التحفة.
وأعملت شهادة السماع * * * في الحمل والنكاح والرضاع ...
ثانيا : شروط الشهادة
اشترط الفقه المالكي مجموعة من الشروط، حتى ترتب شهادة السماع آثارها القانونية، هذه الشروط لخصها ابن عاصم في التحفة بقوله
وشرطها استفاضة بحيث لا *** يحصر من عنه السماع نقلا
مع السلامة من ارتيــاب *** يفضي إلى تغليط وإكـذاب
وهي كالتالي :
1) الاستفاضة : ويقصد بها أن يكون من نقلت عنه الشهادة غير معين ولا محصور العدد وشهادة الاستفاضة تكون بكثرة الخبر وانتشاره حتى يحصل العلم ويرتفع الشك.
2- السلامة من الريبة : أو الارتياب المؤدي إلى تغليط أو كذب متعمد ومثاله بأن يشهد إثنان شهادة سماع وفي البلدة مائة من أصنافهما لا يعلمون شيئا من ذلك[160].
3- أداء اليمين : نظرا لضعف شهادة السماع فإن الفقه المالكي قد أوجب تكملتها بيمين التزكية وفي هذا الصدد جاء على لسان الفقيه ابن محرز «لا يقضي لأحد بشهادة السماع إلا بعد يمينه»[161]
4- عدم تعيين المنقول عنه : مادامت الاستفاضة شرط من شروط صحة شهادة السماع إلا في ضرر الزوجين فيجب عدم تعيين المنقول عنه، فإذا عين المنقول عنه كانت شهادة نقل ومنها أن يقول الشهود سمعنا أو لازلنا نسمع سماعا فاشيا من العدول وغيرهم بأن فلان ابن فلان يدنيه منه في مجلسه ويعامله معاملة الأبناء.
الفقرة الثانية : حجية شهادة السماع.
أجمع أهل العلم على صحة شهادة السماع في النسب كالولادة، واختلف فقهاء المالكية حول شهادة السماع إلى خمس أقوال : فمنهم من قال أنها لا تقبل في أي شيء ومنهم من قال أنها تقبل في كل شيء وقال البعض أنها تقبل في كل شيء إلا أربعة أشياء وهي النسب والقضاء والموت والنكاح بينما ذهب البعض الأخر أنها لا تقبل إلا في هذه الأمور الأربعة ورأي خامس ذهب إلى أنها لا تقبل إلا في أمور محددة وهي التي عددها ابن عاصم في التحفة[162].
الفقرة الثالثة : موقف القضاء من شهادة السماع
يخضع تقدير القوة الإثباتية لشهادة السماع للسلطة التقديرية للمحكمة والتي
لا تخضع لرقابة المجلس الأعلى.
والمجلس الأعلى كما سبقت الإشارة إلى ذلك أكد المقتضيات القانونية التي جاءت بها مدونة الأحوال الشخصية الملغاة وكذا مدونة الأسرة من خلال قراريه عدد 23 بتاريخ 31/10/1967 وعدد 12 بتاريخ 29/10/86[163]
أما محاكم الموضوع فبدورها سارت على نهجه حيث جاء في حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بسلا «وحيث إنه من وسائل إثبات النسب شهادة عدلين وبينة السماع وبكل الوسائل الأخرى المقررة شرعا.
وحيث أن المحكمة تبعا لذلك ترى جدية الطلب وترى الاستجابة إليه»[164]
وقد أشار ذ. أحمد الخمليشي إلى أن شهادة السماع هي اللفيف التي يشهد فيها اثنا عشر شاهدا بأنهم يسمعون سماعا فاشيا بين الناس بالواقعة موضوع الشهادة أي أنهم لا يشهدون بعملهم المباشر بالواقعة كما أنهم لا يروونها أو ينقلونها عن أشخاص معنيين وإنما يعتمدون فيما يشهدون به على السماع الفاشي والمنتشر بين الناس[165].
وشهادة اللفيف هذه يستند شهودها على المخالطة والإطلاع على الأحوال والمجاورة[166] جاء في حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بسلا[167] «وحيث عززت المدعية طلبها بموجب نسب مضمن تحت عدد 157 وتاريخ 29/1/2007 يشهد شهوده بأنهم يسمعون سماعا فاشيا بأن المدعية ... هي ابنة ... ولدت له على فراش الزوجية سنة 1956 من زوجته .... وأنها تنسب إليه وهو ينسبها لنفسه والناس كذلك ينسبونها إليه....»
وما تجدر الإشارة إليه أن الشهادة وإن أعملت بثبوت النسب، إلا أنه يجب مراعاة الترتيب الذي جاءت به صياغة المادة 158 في مدونة الأسرة، فتقدم شهادة العدلين على شهادة الليف حسبما أكده المجلس الأعلى[168].
الفصل الثاني
الخبرة كوسيلة علمية لإثبات النسب
لقد عرفت مدونة الأسرة توسعا في وسائل إثبات النسب، حيث جاءت بمستجد في هذا المجال تمثل في الاعتماد على الخبرة، وبذلك لم يعد المشرع المغربي يحيل في مجال الإثبات عموما والنسب على وجه الخصوص على أحكام الفقه الإسلامي أو على البينة الشرعية[169] وبذلك تكون المدونة الحالية قد عملت على الاستفادة من التطور العلمي الحاصل في ميدان النسب لاسيما بعد ظهور البصمة الوراثية، استجابة منها للنداءات الفقهية الداعية إلى اعتماد الخبرة في مجال النسب من جهة ولالتزامات المغرب الدولية
لاسيما تلك المتعلقة بحقوق الطفل من جهة ثانية وأهمها حقه في الانتساب إلى أب وبتنصيص مدونة الأسرة صراحة على الخبرة كوسيلة معتمدة في مجال النسب إثباتا ونفيا تكون قد ردت الاعتبار للطب وأبرمت الصلح بينه وبين القانون بعد خصام طويل.
وقد أثارت الخبرة وجهات نظر مختلفة سواء على مستوى الفقه أو القضاء لهذا سنتطرق للخبرة في الفقه الإسلامي (المبحث الأول) ثم دور الخبرة في إثبات النسب (المبحث الثاني) على أن ننتقل الحديث عن الخبرة في مدونة الأسرة (المبحث الثالث).
المبحث الأول : الخبرة في الفقه الإسلامي
المبحث الثاني : دور الخبرة الطبية في إثبات النسب
المبحث الثالث : مختلف المواقف بشأن الخبرة الطبية
المبحث الأول : الخبرة في الفقه الإسلامي
اعتمد فقهاء الإسلام الخبرة في إثبات النسب في حالة التنازع، هذه الخبرة تمثلت في القيافة، فالمقصود إذن بالقيافة وما سندها الشرعي ومدى مشروعية ثبوت النسب عن طريقها؟
المطلب الأول : القيافة ودورها في إثبات النسب
الفقرة الأولى : مفهوم القيافة
تعتبر القيافة في الفقه الإسلامي وسيلة هامة في إثبات النسب أو نفيه وهي نوع من الخبرة تحتاج إلى الدراية والمعرفة بأوجه الشبه التي يرثها الابن عن أبيه.
ويطلق على من يقوم بها اسم القائف ويجمع على قافه، والقائف لغة هو الذي يتبع الآثار ويتعرف منها على الذين سلوكها ويعرف شبه الرجل بأبيه[170].
أما في الاصطلاح الشرعي فهو الذي يعرف النسب بفراسته ونظره إلى أعضاء المولود نتيجة للدراية التي اكتسبها في التعرف على ملامح الشبه التي يعتمدها لإلحاق الولد بأبيه.
والقيافة اسم لنوع في الفراسة وهي من العلوم القديمة عند العرب وقد اشتهر بها فيهم على الخصوص بنو مدلج وهي بطن من بطون كنانة، وقد كانت شائعة أيضا عند بني أسد ومجالها إثبات النسب بالشبه[171]، بحيث إنه إذا قرر القائف منهم أن شخصا أبا لشخص آخر فإن نسبه يثبت بذلك ويزول ما يمكن أن يحوم حول ذاك النسب من الشك والريبة ويحسم ا لنزاع في الموضوع[172].
الفقرة الثانية : السند الشرعي للقيافة
تجد القيافة سندها الشرعي فيما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت «دخل رسول الله مسرورا تبرق أسارير وجهه فقال ألم تسمعي ما قال مجزز المدلجي لزيد وأسامة ورأى أقدامهما، فقال : إن هذه الأقدام بعضها من بعض»[173] فهذا الحديث يشهد لاعتبار القيافة وأن قول القائف يثبت به النسب ويحكم بإلحاق الولد الذي ألحقه لأنه لو لم يكن قول القائف حجة في هذا الموضوع لما سر النبيr بقول مجزز ولما سكت الناس عن التكلم في نسب أسامة لزيد، وقد عمل الصحابة بالقيافة، فقد روى مالك بن أنس عن سليمان بن يسار أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يلحق أولاد الجاهلية بمن ادعاهم في الإسلام عن طريق القيافة وبمحضر الصحابة، وقد أثبت الاحتجاج بالقيافة مالك والشافعي وابن حنبل وابن حزم الظاهري ورفضه الحنفية على اعتبار أن الأصل ألا يحكم لأحد المتنازعين في الولد إلا أن يكون هناك فراش[174] .
المطلب الثاني: مشروعية ثبوت النسب بالقيافة
لقد اختلفت المذاهب الفقهية بخصوص العمل بالقيافة بين رأي يقول بالأخذ بها وآخر استبعدها من مجال النسب، فضلا عن اختلافهم حول حجية القيافة ورأي القائف، حيث نجد من اشترط شروطا يجب توافرها في القائف حتى يمكن الأخذ برأيه والاعتماد عليه، وهذا ما سنوضحه من خلال الفقرات التالية :
الفقرة الأولى : الموقف الفقهي من القيافة
1- الاتجاه الرافض للقيافة
ذهب الحنفية إلى عدم الأخذ بالقيافة في إثبات النسب ومبررهم في ذلك أن قصة أسامة وزيد ليست دليلا لإثبات النسب. وأن النبيr لم يحتج في ذلك إلى قول أحد لأن أسامة كان نسبه ثابتا لأبيه قبل ذلك، وإنما تعجب لقول مجززالمدلجي، لأن الجاهلية كانت تقدح في نسب أسامة بسبب اللون، فلما قضى القائف بإلحاق نسبه وكانت العرب تعتمد قول القائف فَسُرَّ رسول الله r لكونه زجرا لهم على الطعن في النسب، وأن الحكم بالقيافة هو اعتماد على مجرد الشبه المبني على الظن والتخمين ومعلوم أن الشبه قد يوجد بين الأجانب وينتفي عن الأقارب، واستندوا في مبررهم هذا على قصة أسامة وزيد، فرغم اختلاف لونيهما لم يمكنه النبيr من نفيه وألحق نسبه به.
2- الاتجاه المؤيد للقيافة :
وهو رأي الجمهور مالك والشافعي وابن حنبل، فقد جاء في المدونة الكبرى للإمام مالك : «أرأيت إن وطئها في حال الاستبراء، ثم جاءت بولد وقد سبق أن وطئها آخر قبله أيضا، كيف يصنع بهذا الولد؟ قال مالك أرى أن القافة تدعى له، إذا ولدته لأكثر من ستة أشهر من وطئها من طرف الرجل الأخير، فإن ولدته لأقل من ستة أشهر لحق بالأول إذا أقر بالوطء، إلا أن يقبلها الثاني فهي وولدها له وإن وطئها في حال الاستبراء فجاءت بولد لأكثر من ستة أشهر، فألحقت القافة الولد بالثاني فإنها تصير أم ولده»[175].
وبالنسبة للفقه المالكي فإنه يقر الأخذ بالقيافة، إلا أنه حصرها في أولاد الإماء دون الحرائر لعدم تساوي فراش الأمة مع الحرة، إذ أن ولد الحرة ينتفي نسبه باللعان ولا يمكن أن تعارضه قرينة القيافة القائمة على الحرز والتخمين، بينما ولد الأمَة ينتفي نسبه بقول القائف، وفي ذلك يقول صاحب العمل المطلق :
وإنما القافة في الإماء * * * دون الحرائر من النساء[176]
ويشترط الفقهاء الذين يعتبرون القيافة وسيلة لإثبات النسب عدة شروط فيمن يقوم بهذه المهمة للعمل بقوله واعتماده، ومن هذه الشروط :
1) الإسلام : على اعتبار أن القائف بمثابة حاكم أو شاهد ولكل منهما ولاية ولا ولاية لغير المسلم على المسلم، وهذا الشرط اشترطه فقهاء الشافعية والحنابلة ولم يشترطه المالكية، لأن القيافة نوع من الخبرة يستند فيها على خبرة القائف وتجربته بغض النظر عن دينه.
2) العدالة : بحيث لا يعتد بقول الفاسق وعلى خلاف القائلين بها، يرى فقهاء المالكية، أنها ليست بشرط لأن القيافة علم يؤديه القائف في حدود اختصاصه
- الذكورة : وهذا الشرط قال به الحنابلة والشافعية على اعتبار أن القائف مثله مثل القاضي، والقاضي تشترط فيه الذكورة، ويرى المالكية أنه يجوز قبول قول المرأة كخبيرة بالقيافة، إذا كانت بين النساء.
الفقرة الثانية : حجية العمل بالقيافة
مما لاشك فيه أن ما ذهب إليه الجمهور من الحكم بالقيافة واعتبارها طريقا شرعيا في إثبات النسب هو الراجح لثبوت العمل بها عند عدد من الصحابة كما سبق تبيان ذلك.
وتعتبر القيافة أقوى من مجرد الدعوى والانتساب فلو ادعى شخص نسب طفل
لانفراده بالدعوى ثم أقام آخر دعوى نسب الطفل فألحقته القافة بهذا الأخير لحق به والقول مثله بخصوص الانتساب، فإذا انتسب شخص لآخر ونازع فيه شخص آخر، فالقول قول القافة، فبمن ألحقته لحق لأن قول القافة حكم وهو أقوى من مجرد الدعوى والانتساب[177]
وما تجب الإشارة إليه أن أكثر القائلين بالحكم بالقيافة قد ذهبوا إلى جواز الاكتفاء بقول قائف واحد والحكم بإثبات النسب بناء على قوله بينما ذهب آخرون إلى أنه لا يقبل في ذلك أقل من اثنين ومبنى الخلاف في ذلك هل القائف شاهد أم حاكم، فإن اعتبر شاهدا اعتبر العدد وهو اثنين وإن اعتبر كالحاكم اكتفي بواحد، ورجح آخرون الاكتفاء بقول الواحد وسندهم في ذلك أن النبي r سر بقول مجزز المدلجي وحده، كما اكتفى الصحابة بعده بقول القائف الواحد.
فالقيافة تبعا لما ذكر تبقى علما أقره الجمهور من الفقهاء وأوجبوا العمل بها في الانتساب والآثار، لكنها تبقى مجرد حدس وتخمين، والحدس لا تبنى عليه الأحكام في الشريعة الإسلامية[178]، لذا وجب الأخذ بالخبرة الطبية بعدما قطع العلم أشواطا كبيرة وتقدم الطب واكتشفت البصمة الوراثية كوسيلة جديدة وصورة حديثة للقيافة وهو ما سنتطرق له في المبحث الثاني.
المبحث الثاني : دور الخبرة في إثبات النسب
الخبرة كما هو معلوم إجراء من إجراءات التحقيق يعهد بمقتضاها القاضي إلى شخص مختص بإنجاز خبرة تدخل في إطار اختصاصه وقد نظمها المشرع المغربي في الفصول من 59 إلى 66 من قانون المسطرة المدنية، والخبرة مبدئيا مقررة من أجل الاستئناس فقط ولا تلزم المحكمة في شيء وإلا أحللنا الخبير مكانها للفصل في المنازعات المثارة بين الأفراد[179].
وفي إطار مدونة الأسرة تطرق المشرع إلى الخبرة القضائية كوسيلة من وسائل الإثبات عامة في مجال النسب، والمقصود بها الخبرة الطبية، التي لم تبق مقتصرة على الفحوصات الأولية فحسب، وإنما تطورت إلى فحص دم الفصيلة التي ينتسب إليها دم الزوجين والولد، حيث أفادت الحقائق العلمية المسلم بها في الطب الشرعي مؤخرا أن تحليل فصائل الدم قد تفيد في التحقق من انتفاء النسب عند المنازعة فيه، أما بشأن ثبوته فالأمر مجرد احتمالات واليوم تقدم العلوم البيولوجية الجديد فأصبح ممكنا عن طريق اختبارات علم الوراثة التحقق من ثبوت النسب لا انتفائه فقط[180]، وهو ما سنوضحه من خلال المطالب الآتية :
المطلب الأول : تحليل فصائل الدم
أظهرت الأبحاث العلمية المسلم بها منذ فترة طويلة أن دم الإنسان يتنوع إلى فصائل عدة، وأن لكل فصيلة خصائصها ومميزاتها المحددة وعن طريق فحص دم الفصيلة التي ينتسب إليها دم الزوج والزوجة والولد أمكن التوصل إلى إحدى الفرضيتين، وهو ما سنوضحه من خلال الفقرتين التاليتين :
الفقرة الأولى : اختلاف فصيلة دم الولد عن فصيلة الزوجين
إذا ظهرت فصيلة دم الطفل مخالفة لمقتضيات تناسل فصيلتي الزوجين فهذا معناه أن الزوج ليس هو الأب الحقيقي للطفل وذلك على وجه التأكيد، لذا يذهب بعض الرأي إلى القول بأن هذا النوع من التحليلات الطبية تفيد في نفي النسب فقط ولا تفيد في ثبوته.
الفقرة الثانية : تطابق فصيلة دم الولد مع فصيلة الزوجين
تظهر فيه فصيلة دم الطفل متوافقة لمقتضيات تناسل فصيلتي دم الزوجين، وهذا معناه أن الزوج قد يكون هو الأب الحقيقي للطفل، وقد لا يكون على اعتبار أن الفصيلة الدموية الواحدة يتقاطع فيها أكثر من شخص ويحتمل أن يكون الأب المدعى عليه واحدا منهم، وكنتيجة لهذه المعطيات العلمية المتاحة في ذلك الوقت، فإن نظام الفصائل الدموية غير كافية للجزم بثبوت نسب الولد إلى الأب، لكنها بالمقابل تفيد في الحصول على نفي قاطع[181]، وهكذا يكون واضحا أهمية هذا التحليل بالنسبة للطرف الذي يريد التوصل إلى دليل نفي، فهذا الفحص يفيده في دعواه، إذ قد يثبت من نتيجة التحليل أن الطفل لا يمكن أن ينسب إليه، أما بالنسبة للطرف الآخر الذي يريد التوصل إلى إثبات فلن يجدي معه هذا التحليل لأنه يبقى مجرد احتمالات غير مؤكدة لا تؤدي إلى أي اقتناع بصحة موقفه.
المطلب الثاني : تحليل البصمة الوراثية
على إثر اكتشاف حمض في جسم الإنسان أمكن اكتشاف جزء معين في تركيب هذا الحمض، ويتميز هذا الجزء بأنه يحمل الصفات الوراثية الخاصة بكل فرد[182]، بحيث لا يمكن أن يتشابه فيها مع غيره أشبه ما يكون ببصمة الأصابع في خصائصها، ولذا سميت هذه الصفات بالبصمة الوراثية[183] وللإحاطة بالموضوع سنناقشه من خلال الفقرات التالية:
الفقرة الأولى : مفهوم البصمة الوراثية وماهيتها
البصمة لغة مشتقة من البصم، ويقال رجل ذو بصم أي غليظ البصم وبصم بصما، إذا ختم بطرف إصبعه[184].
والبصمة أثر الختم بالأصبع لذلك فالبصمة ينصرف مدلولها عامة إلى بصمات الأصابع وهي الانطباعات والآثار التي تتركها.
وبالنسبة لتعريفها العلمي «فهي التركيب الوراثي الناتج عن فحص الحمض النووي لعدد واحدا أو أكثر من أنظمة الدلالات الوراثية»[185].
والملاحظ أن معرفة البصمة الوراثية لشخص ما يتم عن فحص الحمض النووي (ADN) الذي يحمله الإنسان بالوراثة عن أبيه وأمه إذ أن كل شخص يحمل في خليته الجينية (46) من صبغيات الكروموسومات، يرث نصفها وهي (23) كروموسوما عن أبيه بواسطة الحيوان المنوي والنصف الآخر (23)، يرثها عن أمه بواسطة البويضة، وكل واحد من هذه الكروموسومات والتي هي عبارة عن جينات الأحماض النووية المعروف باسم (ADN) ذات شقين ويرث الشخص شقا منها عن أبيه والشق الآخر عن أمه، فينتج عن ذلك كروموسومات خاصة به تختلف عن تلك التي يتوفر عليها والداه[186].
وفي مجال النسب، فقد أتاحت دراسة توافق الصفات المميزة الموجودة في الحمض النووي للأم وتلك الموجودة في الحمض النووي للطفل إلى تخريج تركيبة لا توجد إلا عند شخص واحد فقط وهو الأب الحقيقي أو البيولوجي للطفل[187]، حيث أكد علماء الطب الحديث أن نسبة النجاح في إثبات النسب أو نفيه عن طريق معرفة البصمة الوراثية، يصل في حالة النفي إلى حد القطع أي بنسبة 100% ، أما في حالة الإثبات فإنه يصل إلى قريب من القطع، وذلك بنسبة 99,99%.
الفقرة الثانية : حكم استخدام البصمة الوراثية في مجال النسب
نظرا لتشوف الشارع إلى ثبوت النسب وإلحاقه بأدنى سبب، فإن الأخذ بالبصمة الوراثية في مجال إثبات النسب في الحالات، التي يجوز فيها الحكم بثبوت النسب بناء على قول القافة، هو أمر ظاهر الصحة والجواز لأنه إذا جاز الحكم بثبوت النسب بناء على القيافة لاستنادها على علامات ظاهرة أو خفية مبنية على الفراسة والمعرفة والخبرة في إدراك الشبه بين الآباء والأبناء، فإن الأخذ بالبصمة الوراثية أولى منها في عصرنا الحالي لاعتمادها على أدلة خفية محسوسة من خلال الفحوصات المخبرية التي ثبت علميا صحة نتائجها الدالة على وجود الشبه بين الأصل والفرع، وهذا ما أكده المجمع الفقهي الإسلامي من كون البصمة الوراثية من الناحية العلمية وسيلة تكاد لا تخطئ في التحقق من الو الدية البيولوجية والتحقق من الشخصية وهي أقوى بكثير من القيافة العادية.
ولكن رغم ذلك، يجب التقيد بالضوابط الشرعية فيما يخص النسب[188] لأن تقنية البصمة الوراثية تساعد في التأكد من وجود أو عدم وجود العلاقة البيولوجية بين الأب والابن، أما طبيعة هذه العلاقة كونها شرعية أو غير شرعية، فذلك منوط بمهمة القضاء، وهكذا فإن البصمة الوراثية نعمة من نعم الله، قال الله تعالى : «سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد»[189].
وقد حدد المجمع الفقهي الإسلامي في دورته 16 المنعقد بمكة المكرمة، مجالات الاستفادة من البصمة الوراثية، حيث أكد على منع استخدامها بقصد التأكد من صحة الأنساب الثابتة، لأن النسب إذا ثبت بإحدى الطرق الشرعية فإنه لا يجوز نفيه البتة لاتفاق الشرائع السماوية على حفظ الضروريات للحياة الإنسانية وأهمها النسب والعرض، وأن من شأن منح إمكانية التأكد من الأنساب الثابتة فيه مفاسد كثيرة وقدح في أعراض الناس وأنسابهم وزرع للعداوة بين الأقارب والأرحام[190]، وفي ذلك فتنة كبيرة وفساد في الأرض، لذلك لا يمكن بأي حال من الأحوال إبطال النسب الثابت إلا عن طريق اللعان ويدل على ذلك ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : «جاء رجل من بني فزارة إلى رسول الله r ، فقال : ولدت امرأتي غلاما أسود وهو حينئذ يعرض بنفيه، فقال له النبي، فهل لك من إبل؟ قال نعم، قال فما ألوانها، قال حمر، قال : هل فيها من أورق؟ قال إن فيها لورقا، قال : فأنى أتاها ذلك؟ قال عسى أن يكون نزعه عرق، ولم يرخص له في الانتفاء منه».
وهذا الحديث يدل على عدم جواز نفي النسب بعد ثبوته، مهما ظهر من أمارات، قد تدل عليه، فلو فرضنا أن تحليل البصمة الوراثية أظهر خلاف المحكوم به شرعا، فإنه لا يجوز الالتفات إلى نتائجها، فإذا كان لا يجوز نفي النسب بعد ثبوته- بغير اللعان- فإنه لا يجوز أيضا استخدام أي وسيلة قد تدل على انتفاء النسب ونفيه عن صاحبه، لأن للوسائل حكم الغايات، فما كان وسيلة لغاية محرمة، فإن للوسيلة حكم الغاية. [191]
المبحث الثالث : مختلف المواقف بشأن الخبرة
لقد أسال موضوع الخبرة مداد الكثيرين واختلفت بشأنها آراء الفقهاء، وتضاربت بخصوصها الأحكام القضائية بين مؤيد ومعارض ومرد ذلك الفراغ التشريعي الذي عرفته مدونة الأحوال الشخصية الملغاة والتي لم يرد فيها أي نص قانوني يتيح إمكانية اللجوء إلى وسيلة التحليل الطبي (البصمة الوراثية) في إثبات النسب ونفيه.
وعلى خلاف ذلك فإن مدونة الأسرة اعتمدت الخبرة في مجال النسب مسايرة منها للتطور العلمي الحاصل في ميدان الطب الشرعي وظهور ما يسمى بالبصمة الوراثية كدليل قطعي في إثبات النسب ونفيه والتي أكدها العمل القضائي من خلال مجموعة من الاجتهادات، على اعتبار أن مدونة الأسرة لم تبين المقصود بالخبرة[192].
وموضوع اللجوء إلى الوسائل العلمية في مجال النسب لم يكن محل خلاف في المغرب فحسب بل كان ولازال قائما في جل الدول العربية بمختلف مذاهبها الفقهية، لذلك ولتسليط الضوء على الموقف إزاء الخبرة ، ارتأينا مناقشة الموضوع من خلال المطالب التالية :
المطلب الأول : الموقف من الخبرة في القانون المقارن
سنتطرق لموقف القانون المقارن (فقرة أولى) ثم موقف الفقه المقارن (فقرة ثانية)، على أن نخصص الفقرة الثالثة لموقف القضاء المقارن
الفقرة الأولى : موقف التشريع المقارن
أ- موقف التشريع المصري
بالرجوع إلى قانون الأحوال الشخصية المصري، رقم 1 لسنة 2000، فإنه لم يقر صراحة بنجاعة الخبرة الطبية في مجال النسب إثباتا ونفيا وإن اعتمدتها في تحديد أقصى أمد الحمل.
حيث جاء في المادة 3 من نفس القانون على أنه تصدر الأحكام طبقا لقوانين الأحوال الشخصية، والوقف المعمول بها ويعمل فيما لم يرد بشأنه نص في تلك القوانين بأرجح الأقوال من مذهب أبي حنيفة الذي يقوم على الكتاب والسنة والإجماع فيما يخص قبول الأدلة الشرعية لإثبات النسب.
ويكون بذلك القانون المصري قد حصر الوسائل المعتمدة في مجال النسب في الأدلة الشرعية فقط.
ب- موقف التشريع التونسي
تعد تونس من بين الدول الإسلامية التي اعتمدت تقنية البصمة الوراثية كدليل مؤكد لإثبات ونفي النسب وذلك من خلال قانون إثبات الهوية بتاريخ 28/10/1998 الذي ركز على مبدأ إثبات النسب بكل الوسائل العلمية المتاحة وعن طريق البصمات الوراثية أو التحليل الجيني على الخصوص وجعلتها من بين الوسائل الشرعية القائمة بذاتها.
ج- التشريع الكويتي :
لقد أخذ القانون الكويتي بصورة ضمنية بالوسائل العلمية في إثبات النسب ونفيه من خلال القانون 61 لسنة 1996 المعدل للقانون رقم 51 لسنة 1984 المتعلق بالأحوال الشخصية، حيث جاء في المادة 168 من القانون المذكور «لا يثبت النسب من الرجل إذا ثبت أنه غير مخصب أولا يمكن أن يأتي منه الولد لمانع خلقي أو مرضي وللمحكمة عند النزاع في ذلك أن تستعين بأهل الخبرة من المسلمين».[193]
د- موقف التشريع الإماراتي :
لقد حدد القانون رقم 28 لسنة 2005 المتضمن لقانون الأسرة أحكام النسب في المواد من 89 إلى 97 منه.
والقانون الإماراتي على خلاف باقي القوانين العربية نص صراحة على اعتماد الوسائل العلمية سواء في إثبات النسب أو نفيه وهكذا جاء في المادة 89 المتعلقة بوسائل إثبات النسب على أنه «يثبت النسب بالفراش أو بالإقرار أو بالبينة أو بالطرق العلمية إذا ثبت الفراش».
والملاحظ من خلال استقراء نص المادة أعلاه أن المشرع الإماراتي حصر وسائل الإثبات في الفراش والإقرار والبينة والطرق العلمية.
أما بخصوص نفي النسب فقد جاء في المادة 97 من نفس القانون أنه للمحكمة الاستعانة بالطرق العلمية لنفي النسب واشترطت المادة المذكورة ألا يكون النسب قد ثبت قبل ذلك، إذ حينها لا يمكن نفيه ولو باستعمال الوسائل العلمية.
الفقرة الثانية : موقف الفقه المقارن
لقد انقسم الفقه المقارن حول اعتماد البصمة الوراثية في مجال النسب إلى فريقين : فريق يرى الأخذ بالبصمة الوراثية مع مراعاة القواعد الشرعية وآخر ذهب إلى عدم الأخذ بها لوجود وسائل شرعية يجب إعمالها بدلا من البصمة الوراثية، لذلك وللإحاطة بموقف الفقه المقارن، سنتطرق أولا إلى الموقف المؤيد لاعتماد الخبرة الطبية (البصمة الوراثية) ثم الموقف المعارض (ثانيا).
أولا : الموقف المؤيد
لقد أثارت الفتوى التي أصدرها مفتي مصر الدكتور على جمعة والتي أجاز من خلالها إثبات النسب عن طريق تحليل الحامض النووي (ADN) جدلا واسعا بين علماء مجمع البحوث الإسلامية وخبراء القانون[194].
ويرى وكيل الأزهر السابق محمود عاشور أن إثبات النسب عن طريق استخدام البصمة الوراثية جائز في حالة وجود علاقة زوجية صحيحة ولا يمكن استخدامها في إثبات نسب أبناء الزنا لأن القاعدة الشرعية التي تبنى عليها الأحكام الشرعية الخاصة بالنسب هي قاعدة «الولد للفراش وللعاهر الحجر».
والبصمة الوراثية تعد وسيلة جديدة أقرها الإسلام وهي تقوم مقام القيافة، واتفق العلماء على أنها وسيلة دقيقة في إثبات النسب يتم اللجوء إليها في حالة إنكار الزوج لنسب الولد شريطة وجود عقد شرعي وعدم التدخل البشري في نتائجها ويرى الدكتور سعد الدين مسعد هلالي[195]، أن البصمة الوراثية كشف حديث يجري عليها حكم الأصل في الأشياء النافعة الإباحة استصحابا لبراءة الذمة وإقامة على مبدأ سلطان الإرادة وللبصمة الوراثية تمرتان أولهما أنها تحقق الهوية الشخصية بصفاتها الخاصة التي تميزها عن غيرها وثانيهما أنها تحقق الهوية الشخصية بصفاتها المرجعية مع الأصول والفروع ومن خلالها يمكن التعرف على الأبوين وأولادهم ويمكن الاعتماد عليها أيضا في مجال النسب إثباتا ونفيا.
وهناك جانب من الفقه جعل حق اللجوء إلى البصمة الوراثية للمرأة وليس للرجل، حيث يرى الدكتور يوسف القرضاوي أن في ذلك رعاية لحق المرأة في إثبات براءتها وحق ولدها في إثبات نسبه وعملا على إراحة ضمير زوجها وإزالة الشك عنه وأنه باللجوء إلى وسيلة علمية مقطوع بها تدفع بها التهمة عنها وعموما دعا الاجتهاد الفقهي إلى الأخذ بهذا المعطى العلمي الجديد الذي يمثل تطورا عصريا في مجال القيافة التي يذهب إليها جمهور الفقهاء في إثبات النسب المتنازع فيه.
ثانيا : الموقف المعارض
ذهب بعض الفقه عكس ما نحاه الرأي الأول في أنه إذا ثبت لدى الزوج خيانة زوجته أو أنها على علاقة برجل آخر، وغلب ظنه أن بعض ولده ليس منه فعليه سلوك مسطرة اللعان ولا يستجاب إلى طلبه الاحتكام إلى البصمة الوراثية لأنه يفوت على المرأة ما يوفره لها اللعان من الستر عليها وعلى ولدها وهذا الستر مقصود للشارع لما فيه مصلحتها ومصلحة ولدها[196] ويطبق الأمر نفسه فيما إذا طلبت المرأة اللجوء إلى البصمة الوراثية مادام الشرع قد جعل اللعان علاجا لمثل هذه الحالة. لذلك يجب الاقتصار عليه وعدم تعديه إلى غيره.
الفقرة الثالثة : موقف القضاء المقارن
كما سبقت الإشارة إلى ذلك عند مستهل الحديث عن الموقف من الخبرة الطبية فإن القضاء المقارن بدوره تضاربت مواقفه بخصوص اعتماد تحاليل البصمة الوراثية ولتوضيح هذه المواقف، سنتطرق للاجتهادات القضائية ذات الصلة في بعض البلدان العربية.
أ- موقف القضاء المصري
لقد تبنى القضاء المصري الأخذ بالتحاليل الطبية في مجال النسب، لكنه جعل ذلك مقتصرا على نفي النسب دون إثباته، ما لم يتعارض مع قاعدة شرعية كالفراش، وفي هذا الإطار سبق لمحكمة النقض المصرية أن قضت بأنه[197] « متى كانت الحقائق العلمية المسلم بها في الطب الشرعي الحديث تفيد أن تحليل فصائل الدماء قد تقطع نتيجته في نفي نسب الطفل عند المنازعة فيه وإن كان من غير اللازم أن تقطع في ثبوته واتحاد الفصائل أو اختلافها بين الأصول والفروع أيا كان الرأي العلمي فيه هو اعتبار عام لا ينهض في وجه ما تمسك به الطاعن في خصوص دعواه من أن الطفل لا يمكن نسبته إليه ولو بدليل محتمل، محتكما إلى الخبرة الفنية البحتة التي لا تستطيع المحكمة أن تشق طريقها فيها إلا بمعونة ذويها لما كان ذلك، وكان لا يعرف حاصل ما كان ينتهي إليه رأي المحكمة لو ثبت لها بيقين من نتيجة تحليل الفصائل أن الطفل لا يمكن أن يعزى إلى المتهم، وكان رد الدفاع يحدث في وجدان القاضي ما يحدثه دليل الثبوت لما كان ما تقدم فقد كان متعينا على المحكمة أن تحقق هذا الدفاع الجوهري عن طريق المختص فنيا وهو الطبيب الشرعي، أما وهي لم تفعل اكتفاء بما قالته من أنه ليس من اللازم أن تتحد فصائل دماء الأصول والفروع فإنها بذلك تكون قد أحلت نفسها محل الخبير الفني في مسألة فنية، ومن تم يكون حكمها معيبا بالإخلال بحق الدفاع، مما يتعين معه نقضه والإحالة دون التعرض لسائر الطعن».
وفي قضية أخرى ثبت من خلال التحاليل التي أجريت على الزوج المدعي استحالة أن يكون هو والد الطفل المطلوب إنكار نسبه، فقضت محكمة الجيزة الابتدائية للأحوال الشخصية، تبعا لنتيجة التحاليل بإنكار النسب، فطعنت الزوجة بالاستئناف في الحكم المذكور، فألغته محكمة الاستئناف معللة قرارها «بأنه لما كان ذلك وكانت الزوجية قائمة بين المستأنفة والمستأنف ضده بموجب عقد زواج صحيح في 28/10/1996 وأنه طلقها في 14/07/97 وأنها قامت بوضع مولودها في 15/10/1997 أي بعد مرور أكثر من ستة أشهر من وقت الزواج وكان الزوج ممن يتصور الحمل من مثله عادة وكان التلاقي قد أمكن بعد العقد بين الزوجين ومن تم فقد ثبت نسب الولد ولا يستطيع الزوج أن ينفيه إلا باللعان بشروطه السابقة»[198].
والملاحظ أن المحكمة ألحقت نسب الطفل بالمدعي رغم ثبوت نفي نسبه من خلال التحاليل الطبية، مطبقة في ذلك القواعد الشرعية مادام الفراش هو الأصل وقد ثبت لها ازدياد الابن داخل الأمد الشرعي وإمكانية الاتصال.
ب- موقف القضاء التونسي :
رغم أن مقتضيات الفصل 75 من المجلة التونسية لا تنص صراحة على اعتماد إجراء التحليل الطبي في قضايا النسب، إلا أن القضاء التونسي قبل اعتمادها في قضايا نفي النسب بخلاف القضاء المغربي قبل صدور مدونة الأسرة، حيث قضت محكمة الاستئناف بسوسة إلى أن «الاعتماد على التحاليل الطبية لنفي النسب – لا لإثباته- اعتماد على وسائل إثبات شرعية مادام الطب الحديث في استطاعته اليوم القطع بنفي أبوة شخص لآخر حسب تحاليل خاصة تؤدي إلى نتيجتها دون شك أو جدل»[199].
وجاء في قرار محكمة التعقيب بتونس عندما نقضت حكم قضاة الموضوع الذي رفض سماع دعوى نفي النسب بناء على التحليلات الطبية تغليبا للفراش واعتمادا على أن التحليلات الطبية لا تعتبر وسائل شرعية لنفي النسب «حيث اتضح من مراجعة القرار المطعون فيه أنه أسس قضاءه بإقرار حكم البداية القاضي برفض الدعوى على اعتبار أن إثبات عدم التلاقي بين الطرفين قبل الحمل لنفي نسب الطفل الوليد لا يمكن أن يكون مركزا أساسا على طريقة تحليل الدم التي لا تعد وسيلة إثبات شرعية، وحيث إن التعليل الذي انتهجته محكمة القرار غير مستساغ قانونا ولا يتماشى مع مظروفات الملف ومعارضا لما أقره الفصل 75 من مجلة الأحوال الشخصية الذي اقتضى أنه إذا نفى الزوج حمل زوجته أو الوليد اللازم له فلا ينتفي عنه إلا بحكم الحاكم وتقبل في هاته الصورة جميع وسائل الإثبات الشرعية وأن مدلول صيغة هذا النص يغير ما أورده المشرع بالفصل 68 من نفس المجلة الذي عين لثبوت النسب طرقا مخصوصة وصورا معينة جاءت بالحصر والذكر، ذلك أن نفي النسب في هذه الحالة يكون مع توفر الفراش والزواج الصحيح ولكن الولادة أو الحمل الذي جاءت به الزوجة هو موضوع الطعن والنفي بحسب ما يقدمه الزوج من وسائل الإثبات الشرعية والقانونية والتي لا تعد شهادة الشهود فيه كافية بل يجب الاعتماد على الأبحاث والاختبارات الطبية التي يكون لها تأثير سواء سلبي أو إيجابي ومن ذلك وسيلة تحليل دم كل من الزوج والزوجة والمولود المطالب بنفي نسبه وأنه لا شيء يمنع من اعتماد تلك الوسيلة التي حقق علماء الطب الشرعي صحتها والتي تعد طريقة علمية قاطعة وهو ما درج عليه فقه وقضاء هذه المحكمة، وأن عدم استجابة محكمة الموضوع لهذا الدفع يعتبر إفراطا في السلطة، وإهدارا لحق الدفاع مع سوء تأويل القانون»[200].
وورد في قرار آخر «بأن أحكام الفصلين 75و 76 من مجلة الأحوال الشخصية اقتضت إمكانية القيام بطلب نفي النسب استنادا إلى كافة وسائل الإثبات ومنها وسيلة تحليل الدم التي هي حجة قاطعة يمكن الاستناد إليها في طلب نفي النسب»[201].
ج- موقف القضاء الكويتي
بخلاف القضاء في تونس، نجد القضاء الكويتي بجميع درجاته استبعد الأخذ بالوسائل العلمية في نفي النسب، وفي هذا الإطار نجد المحكمة الكلية محكمة أول درجة قد استبعدت تقرير البصمة الوراثية رغم أنه أثبت كون الولدين ليسا من صلب المدعي، بعلة تعارض ذلك التقرير مع أدلة الشرع الأخرى، وهي الفراش والإقرار من الزوج باستخراج شهادة ميلاد الولدين وتأخره في النفي الفوري الذي كان على الزوج أن يقوم به خلال سبعة أيام من وقت الولادة أو العلم بها وأوجب اتخاذ إجراءات دعوى اللعان خلال خمسة عشر يوما من هذا التاريخ[202].
والملاحظ أن القضاء الكويتي لا يعترف البتة بتحاليل البصمة الوراثية في مجال النسب، كوسيلة من وسائل الإثبات والنفي ومرد ذلك أنه لازال متشبثا بالأدلة الشرعية المنصوص عليها في الكتاب والسنة.
د- موقف القضاء الإماراتي :
والقضاء الإماراتي مثله مثل القضاء الكويتي لم يعتد بالبصمة الوراثية باعتبارها ليست من الوسائل المعتبرة شرعا لإثبات النسب، وعلى هذا الأساس وضعت محكمة التمييز بإمارة دبي قاعدة قانونية تسير على منوالها وتطبقها باقي المحاكم حيث جاء في قرارها[203] «أن نتيجة تحليل الدم ليست من البينات المعتبرة شرعا لإثبات النسب ولا يعدو هذا التقرير أن يكون مجرد قرينة يخضع تقديرها لمحكمة الموضوع ولا تثريب على محكمة الاستئناف في عدم أخذها بنتيجة المختبر الجنائي في إثبات نسب الولد المتنازع عليه من الطاعن بعد تحليل الدم».
المطلب الثاني : موقف القانون المغربي بشأن الخبرة
أثار اعتماد الخبرة الطبية كوسيلة من وسائل إثبات النسب ونفيه نقاشا مستفيضا في أوساط الفقه القانوني المغربي ومرد هذا النقاش كون التشريع المغربي لا يتضمن قواعد صريحة في هذا المجال في ظل مدونة الأحوال الشخصية الملغاة، بل نجد جانبا من الفقه يرفض الركون إلى التحاليل الطبية رغم التنصيص على الخبرة في مدونة الأسرة، والقضاء المغربي استقر بدوره على عدم اعتبار الخبرة الطبية بكل أوجهها من بين وسائل الإثبات في مجال النسب وسنده في ذلك عدم وجود نص قانوني صريح في المدونة الملغاة يتيح إمكانية اللجوء إليها، أما بعد صدور مدونة الأسرة فنجد القضاء في كثير من أحكامه يساير هذه المقتضيات القانونية، وإن اختلفت التطبيقات.
لذلك وللإحاطة بالموضوع ارتأينا مناقشته من خلال الفقرات التالية :
الفقرة الأولى : موقف التشريع المغربي
سنعالج هذه النقطة من خلال التطرق لموقف مدونة الأحوال الشخصية الملغاة (أولا) ثم موقف مدونة الأسرة (ثانيا).
أولا : موقف مدونة الأحوال الشخصية الملغاة
بالرجوع إلى مقتضيات الفصل 89 من مدونة الأحوال الشخصية الملغاة، نجده عدد وسائل إثبات النسب في «الفراش أو إقرار الأب أو شهادة عدلين أو بينة السماع بأنه ابنه ولد على فراشه من زوجته»، كما نص الفصل 90 على أنه «لا ينتفي الولد من الرجل أو حمل الزوجة منه إلا بحكم القاضي، وجاء في الفصل 91 بعده «يعتمد القاضي في حكمه على جميع الوسائل المقررة شرعا في نفي النسب».
ويتبين من خلال هذه الفصول أن المدونة الملغاة لم تتضمن أي إشارة صريحة إلى إمكانية الاعتماد على الخبرة الطبية في مجال النسب، سواء في الإثبات أو النفي، خصوصا في وجهها المعتمد على الهندسة الوراثية[204]، وإن كان التنصيص في الفصلين 75 و 76 على إمكانية اللجوء إلى أهل الخبرة من الأطباء، فإن ذلك كان مقتصرا على المنازعات التي قد تحصل بخصوص إدعاء وجود حمل أو نفيه، حيث جاء في الفصل 75 «إذا ادعت المعتدة الريبة في الحمل ونوزعت في ذلك عرضت على أهل الخبرة».
وجاء في الفصل 76 : «أقصى أمد الحمل سنة من تاريخ الطلاق أو الوفاة فإذا انقضت السنة وبقيت الريبة في الحمل رفع من يهمه الأمر أمره إلى القاضي ليستعين ببعض الخبراء من الأطباء للتوصل إلى الحل الذي يفضي إلى الحكم بانتهاء العدة أو إلى امتدادها إلى أجل يراه الأطباء ضروريا لمعرفة ما في البطن هل هو علة أم حمل».
وهكذا ارتأت المدونة الملغاة الاحتكام إلى أهل الخبرة من الأطباء لتحديد أقصى مدة الحمل أو لمعرفة ما في بطن المرأة الحامل في حالة وجود ريبة في الحمل والخبرة المعتمدة بهذا الخصوص تبقى إجراء من إجراءات التحقيق المخولة للمحكمة بمقتضى قانون المسطرة المدنية (الفصول من 55 إلى 66)، يقتصر دورها على مساعدة القاضي في فهم أمور تقنية أو علمية ليست من مجال تخصصه، حتى يكون قناعته بصدق ادعاءات الأطراف ولإيجاد حلول للنزاع المثار أمامه من طرف من له المصلحة.
وأنه كان يتعين تفسير الوسائل المقررة شرعا ، في غياب نص صريح- بكل الوسائل المقررة في قواعد الإثبات وكل الوسائل المشروعة التي تنير طريق القاضي ومن بينها الخبرة الطبية.
ويرى الأستاذ محمد الكشبور[205] بأن «للفقه الإسلامي عذره فالملاحظ أنه عند نزول القرآن الكريم وتكوين السنة النبوية وحتى في العهد الذي بدأ فيه تدوين هذا الفقه لم تكن للطب مكانة ذات شأن في مجال النسب، فضلا على أن المشرع القرآني وهو الله عز وجل خاطب العرب عندئذ بقدر ما تستوعبه عقولهم وأن الطب وإن كان العرب من رواده فقد كان حينها مبنيا على الاحتمال، لذلك انصرف عنه أصحاب المذاهب الإسلامية ولم يأخذوا به.
ثانيا : موقف مدونة الأسرة
لقد أنهت مدونة الأسرة الجدل الذي كان قائما وبددت الغموض الذي كان يحوم حول قبول الخبرة الطبية والتحاليل الجينية في مجال النسب، حيث تم إدراج سند الأخذ بالخبرة الطبية كوسيلة إثبات في مواد عديدة[206] وجعلها من بين وسائل إثبات النسب ونفيه، وبذلك لم يعد المشرع المغربي يحيل بخصوص الأحكام المضمنة في مدونة الأسرة لاسيما ما يتعلق بإثبات النسب ونفيه على أحكام الفقه الإسلامي، بل أشار صراحة إلى الخبرة أو الخبرة القضائية دون تحديد للمقصود بها، وإن كان العمل القضائي استقر منذ دخول مدونة الأسرة حيز التطبيق (فبراير 2004) على اعتماد البصمة الوراثية، تفسيرا منه لمصطلح الخبرة الوارد في مدونة الأسرة فيما يتعلق بالنسب كما جاء في المادة 158 من المدونة «يثبت النسب بالفراش أو بإقرار الأب أو بشهادة عدلين أو ببينة السماع وبكل الوسائل المقررة شرعا بما في ذلك الخبرة القضائية».
والملاحظ من خلال الإطلاع على النصوص القانونية ذات الصلة، نجد أن مدونة الأسرة قد ميزت بخصوص اللجوء إلى الخبرة بين إثبات النسب ونفيه حيث جاء في المادة 153 «... يعتبر الفراش بشروطه حجة قاطعة على ثبوت النسب، لا يمكن الطعن فيه إلا من الزوج عن طريق اللعان أو بواسطة خبرة تفيد القطع بشرطين :
والأكثر من هذا فقيام العلاقة الزوجية تقوم مبررا للتشدد ورفض كل طلب يهدف إلى نفي النسب.
والملاحظ من خلال العمل القضائي وفق ما سنتطرق له لاحقا، أنه جعل من علة عدم إدلاء الزوج بدلائل قوية على ادعائه، قاعدة لرفض طلب اللجوء إلى الخبرة ومرد ذلك الغموض الذي جاءت به صياغة نص المادة 153 والتي لم توضح معنى الدلائل القوية، ولذلك أصبح تحديدها داخلا في إطار السلطة التقديرية لمحاكم الموضوع وتبقى فكرة الدلائل القوية مسألة واقع لا مسألة قانون وإن كانت تحتاج إلى تعليل منضبط دفعا لأي تعسف قد يمارس من جانب المحاكم[208] ويستشف من نص المادة 153 أعلاه أن اللجوء إلى الخبرة لنفي النسب مقيدة بشروط، هذه الشروط المتمثلة في :
«إذا تمت الخطوبة وحصل الإيجاب والقبول وحالت ظروف قاهرة دون توثيق عقد الزواج وظهر حمل بالمخطوبة ينسب للخاطب للشبهة إذا توافرت الشروط التالية :
أ- إذا اشتهرت الخطبة بين أسرتيهما، ووافق ولي الزوجة عليها عند الاقتضاء.
ب- إذا تبين أن المخطوبة حملت أثناء الخطبة.
ج- إذا أقر الخطيبان أن الحمل منهما.
تتم معاينة هذه الشروط بمقرر قضائي غير قابل للطعن إذا أنكر الخاطب أن يكون الحمل منه، أمكن اللجوء إلى جميع الوسائل الشرعية في إثبات النسب»[209].
انطلاقا من الفقرة الأخيرة من نص المادة 156 فإنه في حالة إنكار الخاطب أن يكون الحمل منه أمكن اللجوء إلى جميع الوسائل الشرعية المعتمدة لإثبات النسب ولعل المقصود بالوسائل الشرعية، الخبرة طالما أنه لا وجود للفراش، هذا من جهة، ومن جهة ثانية أنها –أي الخبرة - تعد من بين وسائل إثبات ونفي النسب طبقا للمادتين 158 و 153.
ولإثبات النسب الناتج عن الخطبة في حالة الإنكار، فإنه يجوز للمخطوبة طلب اللجوء إلى الخبرة، لكن ذلك مشروط بإثباتها توفر الشروط المذكورة في المادة 156، إذ من المفروض قانونا إثبات صحة الخطبة قبل إثبات النسب الناجم عنها.
ولما كان الأمر كذلك فإنه لا بأس من التطرق إلى هذه الشروط من خلال استقراء مضمون المادة 156 أعلاه نجدها تتضمن صنفين من الشروط، مباشرة وأخرى مباشرة.
وإذا اعتبرنا أن الخبرة وسيلة إثبات مستقلة يلحق بها النسب فإن ذلك يقتضي إلحاق أبناء الزنا بآبائهم وفي ذلك نسف للحديث الشريف[210] «الولد للفراش وللعاهر الحجر»، لأن اعتماد الخبرة كوسيلة مستقلة في إثبات النسب فيه مساس خطير بالنظام العام وبالعقيدة[211]، لأنها ستثبت الأبوة البيولوجية أي أن الولد من ماء الرجل، أما كونه ابن شرعي أم لا، فذلك مرهون بباقي القواعد الشرعية.
ولما كان العدل يقضي والحق يوجب نسبة الابن إلى أبيه الشرعي لا الطبيعي ودرءا لما قد يقع من مفاسد ومنكرات وتحليل لنظام التبني المحرم شرعا، فإن مدونة الأسرة قيدت اللجوء إلى الخبرة سواء في إثبات النسب أو نفيه بصدور أمر قضائي بهذه الخبرة، بحيث لا يمكن للمختبرات ومعامل التحليل الطبي القيام بالتحاليل بناء على طلب الأطراف، لما في ذلك من مخاطر على النسب.
والمجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي، أصدر قرارا بشأن البصمة الوراثية ومجالات الاستفادة منها في دورته السادسة عشر المنعقدة بمكة المكرمة في المدة من 21 إلى 26 أكتوبر 2003، حيث جاء من ضمن توصياته في البند السابع[212] :
أ- أن تمنع الدولة إجراء الفحص الخاص بالبصمة الوراثية إلا بطلب من القضاء وأن يكون في مختبرات الجهات المختصة وأن تمنع القطاع الخاص الهادف للربح من مزاولة هذا الفحص لما يترتب عن ذلك من مخاطر كبرى.
ب- تكوين لجنة خاصة بالبصمة الوراثية في كل دولة يشترك فيها المختصون الشرعيون والأطباء والإداريون وتكون مهمتها الإشراف على نتائج البصمة الوراثية واعتماد نتائجها.
ج- أن توضع آلية دقيقة لمنع الانتحال والغش ومنع التلوث وكل ما يتعلق بالجهد البشري في حقل مختبرات البصمة الوراثية حتى تكون النتائج مطابقة للواقع وأن يتم التأكد من دقة المختبرات وأن يكون عدد المورثات (الجينات) بالقدر الضروري دفعا للشك.
الفقرة الثانية : موقف الفقه المغربي من الخبرة
من خلال الإطلاع على بعض كتابات الفقهاء المغاربة، نجدهم قد انقسموا بخصوص الخبرة إلى فريقين، فريق يؤيد اللجوء إلى الخبرة وآخر يعارض في ذلك ولم يقتصر الأمر على ذلك خلال مدونة الأحوال الشخصية الملغاة، بل حتى بعد صدور مدونة الأسرة.
أولا : الاتجاه المؤيد لاعتماد الخبرة
من بين المؤيدين لاعتماد الخبرة ، نجد الأستاذ أحمد الخمليشي[213] الذي يرى «بأنه إذا كان الفقهاء المسلمون قد قبلوا مبدأ إثبات النسب بالقيافة، فيكون من باب أولى قبول الخبرة الطبية في الوقت الحاضر الذي اكتشفت فيه طرق تحليل أثبتت التجارب صدقها على أن تبقى للتحليل الطبي صفته كخبرة يقتصر دورها على مساعدة القاضي على فحص الوقائع والوصول إلى الحقيقة ويبقى للقاضي الاعتماد عليها في حكمه متى اطمأن إلى نتائجها وتيقن من صحة بياناتها وما ورد فيها تحليلا واستنتاجا على اعتبار أن التحليل الطبي يعد في الوقت الحاضر من بين الوسائل الشرعية في مجال النسب كونه يقوم على وسائل علمية يقينية تساعد على استصدار أحكام قضائية مبنية على الجزم واليقين ويرى الأستاذ رشيد مشقاقة[214]، أن اعتماد التحليل العلمي لاسيما نظام البصمة الوراثية في مجال النسب ليس فيه ما يتعارض مطلقا مع أحكام الفقه الإسلامي ولا مع نصوص المدونة، ومؤدى ذلك العناية الفائقة التي أبداها الطب في مجال الهندسة الوراثية والتي جعلته مؤهلا ليحظى بقيمة إثباتية وافرة على عكس ما كان عليه الأمر قديما وأن تفسير الفصل 91 من مدونة الأحوال الشخصية الذي جاء فيه «يعتمد القاضي في حكمه جميع الوسائل المقررة شرعا في نفي النسب».
يحب أن يكون منفذا خصبا للاستفادة من هذا التقدم العلمي، وأن اللعان يكتنفه من جانب الملاعن (الزوج) شك وارتياب في نسب الولد على اعتبار أن اللعان وسيلة ظنية وليست قطعية لذلك وجب الركون إلى التحليل العلمي، وذهب الأستاذ إدريس الفاخوري[215] إلى أن العقل والمنطق وتحقيق العدل وتثبيت الحقوق يقتضي اعتماد نتائج البحث العلمي في مجال الخبرة الطبية إذ لا يعقل أن يأخذ فقهاؤنا في الشريعة الإسلامية بالقيافة ولا يتم اللجوء إلى الخبرة الطبية التي تعتبر نتائج أبحاث علمية لفكر إنساني وعلوم ليس فيها ما يتنافى مع قواعد الشريعة الإسلامية.
في حين يرى الأستاذ محمد الكشبور[216] أن البصمة الوراثية حقيقة علمية لم تعد محل جدل إلا ممن ختم الله على قلوبهم، فهي تقنية علمية تثبت وتنفي النسب البيولوجي بين شخصين لما تمتاز به من الدقة، فضلا عن التقدم الذي أحرزه الطب في هذا المجال فأصبح ذلك مبنيا على اليقين، وأن استبعاد الأخذ به من طرف القضاء قد يضر بأحكام الشريعة الإسلامية عوض خدمتها.
ثانيا : الاتجاه المعارض لاعتماد الخبرة
تتجلى حجج المعارضين في كون الخبرة الطبية لم يرد النص عليها بالشريعة الإسلامية وأن الوسيلة الوحيدة لنفي النسب هي اللعان باعتباره المخرج الوحيد الذي وضعه الشرع الحكيم لصالح الزوج الذي يعوزه إثبات زنا زوجته بأربعة شهود، فضلا على أن تحاليل الدم ليست وسيلة ذات مصداقية مطلقة، فمن الممكن أن يتسرب إليها الخطأ ويعتريها القصور نتيجة الإهمال أو التدخل البشري، كما أن عدم الأخذ بهذه التحاليل الطبية فيه تكريس لمقاصد الشريعة الإسلامية في عدم قطع الأنساب وتشوفها إلى ثبوتها[217]. ولعل من أبرز الآراء المعارضة لاعتماد الخبرة في مجال النسب نفيا وإثباتا، نجد الأستاذ محمد التاويل[218] عضو اللجنة الملكية الاستشارية لمراجعة مدونة الأحوال الشخصية، الذي يرى أنه بالرغم من ترتيب بعض الآثار المرضية والنتائج الإيجابية للخبرة الطبية، إلا أنه بالرغم من ذلك فهي لا تصلح لإثبات النسب أو نفيه لأن نتائجها محتملة غير محققة الوقوع ولا مضمونة الحصول من جهة، ومن جهة ثانية أن الحدود الشرعية كفيلة بتحقيق تلك النتائج التي يبرر بها البعض دفاعه عن الخبرة الطبية وما يؤكد ذلك الواقع الإسلامي وتاريخه النظيف وأن الجرائم المشتكى منها اليوم لم تظهر في المجتمعات الإسلامية إلا بعد تعطيل الحدود وانتشار ثقافة الحداثة والانحلال وتقلص ثقافة العفة وانحسارها، كما أن في ذلك مخالفة للشريعة الإسلامية شكلا ومضمونا.
ويسير في نفس الاتجاه الأستاذ أحمد زوكاغي[219] في تعليقه على قرار المجلس الأعلى الصادر عن جميع الغرف عدد 658، حيث يرى أن الاتجاه الذي سار فيه المجلس الأعلى هو الذي ينسجم مع أحكام ومبادئ وأسس قانون الأحوال الشخصية الإسلامي، إذ مادامت وسائل إثبات النسب محددة انطلاقا من الحديث الشريف «الولد للفراش» فلا داعي لإضافة وسائل أخرى مستحدثة بدعوى التقدم العلمي أو التطور التكنولوجي إذ لا اجتهاد مع مورد النص واعتبارا لأن الرسول r «لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى»، داعيا المجلس الأعلى إلى إبداء نفس الحرص والصرامة والوضوح في أي حكم من أحكام مدونة الأسرة، يمكن احتمالا أن يكون مخالفا لنص شرعي قطعي الثبوت والدلالة.
لكن مهما كانت تبريرات القائلين بعدم جدوى الخبرة ، فإنها تبقى وسيلة ناجعة يجب الأخذ بها كونها تمتاز بالدقة ونتائجها تكاد تكون قطعية وهي أقوى بكثير من القيافة العادية، فضلا على ذلك أن الشريعة الإسلامية تحث على العلم وصالحة لكل زمان ومكان.
وأن عدم أخذ فقهاء الشريعة الإسلامية بما توصل إليه العلم من حقائق هو طعن في تلك الشريعة لأنه يظهرها بمظهر العاجزة عن مسايرة التقدم العلمي وطعن كذلك في كونها صالحة لكل زمان ومكان[220].
لذلك كان حريا بالمشرع أن يضع حدا للخصام الأبدي الذي عرفه الطب والقانون في مجال النسب، وفي هذا الإطار جاء تعديل مدونة الأحوال الشخصية.
الفقرة الثالثة : موقف القضاء المغربي من الخبرة
عرف موضوع اعتماد الخبرة في مجال النسب تطورا مشوبا بالتردد والحذر نتيجة غياب تشريع واضح في الموضوع وهو ما جعل الاجتهاد القضائي بدوره يفسر النصوص القانونية تفسيرا ضيقا إلى أن جاءت مدونة الأسرة[221]. التي أخذت بالدليل العلمي صراحة، وهو ما أدى إلى حصول تحول ملموس في موقف القضاء.
ولتوضيح هذا الموقف، سنقسم هذه الفقرة إلى قسمين وفق ما يلي :
أولا : موقف القضاء المغربي في ظل مدونة الأحوال الشخصية الملغاة
لقد استقر الاجتهاد القضائي المغربي قبل صدور مدونة الأسرة على رفض اعتماد الخبرة الطبية كوسيلة من وسائل إثبات أو نفي النسب وإن اعتد بها في ميادين أخرى، كحالة وجود الريبة في الحمل وفق ما بيناه سلفا عند حديثنا عن موقف التشريع المغربي (مدونة الأحوال الشخصية الملغاة).
ومبرره في ذلك غياب تشريع واضح وعدم أخذ مدونة الأحوال الشخصية صراحة بالخبرة الطبية، وبعلة أنها لم ترد في الفقه الإسلامي كدليل يعتد به، ضمن وسائل إثبات ونفي النسب.
فقد ورد في قرار المجلس الأعلى[222] «إن ما قضى به الحكم المطعون فيه يجد أساسه في الفصل 91 من مدونة الأحوال الشخصية الذي ينص على أن القاضي يعتمد في حكمه على جميع الوسائل المقررة شرعا في نفي النسب وليس من بين هاته الوسائل وسيلة التحليل الطبي وأن ما نص عليه الفصل 76 من المدونة خاص بما إذا بقيت الريبة في الحمل بعد انقضاء سنة من تاريخ الطلاق أو الوفاة لمعرفة ما في البطن هل علة أم حمل وبذلك تكون الوسيلة غير مبنية على أساس».
وجاء في حيثيات إحدى قراراته[223] «حيث إن قاعدة الولد للفراش لا يجوز دحضها إلا بالوسائل المقررة شرعا لنفي النسب وأنه إذا كان الشرع والقانون يعتدان برأي أهل الخبرة من الأطباء في عدة مسائل، فإنهما لم يعتدا برأيهم فيما يرجع لنفي النسب استنادا إلى عدم قابلية الزوج للإخصاب مادام في وسع ذلك الزوج نفي النسب عن طريق اللعان».
والمجلس الأعلى في أحد قراراته لم يعتد بالشواهد الطبية والتحليلات التي أثبتت أن الزوج عقيم، حيث أكد أن «التحليلات الطبية التي تثبت العقم لا يعتمد عليها في نظر الشرع»[224].
والملاحظ من خلال مجموعة من القرارات الصادرة عن القضاء في المغرب أنه كان يتشدد في اعتماد التحاليل الطبية فيما يخص نفي النسب رغم إدلاء الزوج الذي ينفي النسب عنه بدلائل قوية تعضد ادعاءاته، فلم يقبل الشكاية بالخيانة الزوجية لنفي النسب، مادام الزوج المشتكي لم يسلك مسطرة اللعان[225].
بل الأكثر من هذا أن المجلس الأعلى ظل على تشدده إلى حدود السنوات الأخيرة إلى درجة أن غرفه اجتمعت برمتها لتصدر قرارا يرفض الأخذ بتحاليل الحمض النووي (A.D.N) لنفي النسب رغم إدلاء الطاعن بقرار نهائي صادر عن القضاء الفرنسي ينفي عنه نسب البنت بعد الاعتماد على نتائج خبرة جينية، حيث جاء في قراره بهذا الخصوص[226]: «لكن حيث إن المحكمة المطعون في قرارها قد بنت قضاءها على أنه إذا ولدت الزوجة بعد فراق يثبت نسب الولد إذا جاءت به خلال سنة من تاريخ الفراق مع مراعاة ما ورد في الفصل 76 من مدونة الأحوال الشخصية المطبقة على النازلة والذي يتضمن أن أقصى أمد الحمل هو سنة من تاريخ الطلاق أو الوفاة وأنه ثبت أن الطالب قد طلق زوجه المطلوبة بمقتضى رسم الطلاق المؤرخ في 12 رمضان 1416 الموافق ل 2/2/1996، كما ثبت من عقد الازدياد رقم 004080/96 وتاريخ 17/9/1996 الصادر عن مكتب الحالة المدنية لمدينة مولهوز بفرنسا أن الطفلة أنيسة دنيا أمينة ولدت من أبويها محمد بلخديم وليلى إيجورك، لذلك فإنها قد ولدت داخل سنة من تاريخ الفراق، وأن نسبها ثابت لأبيها الطالب طبقا لمقتضيات الفصل 76 المذكور، مؤيدة الحكم الابتدائي، فيما قضى به، معللا بأن الحكم الأجنبي المحتج به الصادر عن محكمة المنازعات الكبرى بمولهوز بفرنسا بتاريخ 10/7/2000 حكم بأن المدعى عليه ليس أبا للطفلة أنيسة دنيا أمينة بلخديم المزدادة بتاريخ 13/9/1996 بمولهوز اعتمادا على دراسة الدم وتحليله لنفي نسب البنت المذكورة عن المدعى عليه إلا أن ذلك مخالف لمقتضيات الفصل 76 المذكور، كما أنه كان في وسع الزوج الطاعن نفي النسب عن طريق اللعان».
ثانيا : موقف القضاء المغربي بعد صدور مدونة الأسرة
لقد أنهت مدونة الأسرة الجدل الفقهي والقضائي وبددت الغموض الذي كان يحوم حول موضوع اعتماد الخبرة الطبية والتحاليل الجينية في مجال إثبات ونفي النسب[227]. حيث نص عليها مشرع مدونة الأسرة صراحة واعتمدها وسيلة من بين وسائل إثبات النسب ونفيه لاسيما في المواد 153 و 158
إلا أن التطبيق القضائي قد اختلف بخصوص الخبرة الطبية بالنظر إلى أن المشرع المغربي لم يفصل أحكام وضوابط العمل بالخبرة الطبية في مجال النسب من جهة ولاختلاف توجهات المحاكم عند فصلها في المنازعات ذات الصلة، وهذا ما سنبينه من خلال التوجهات القضائية سواء تلك الصادرة عن المجلس الأعلى أو محاكم الموضوع.
أ- موقف المجلس الأعلى :
يلاحظ من خلال مجموعة من القرارات الصادرة عن المجلس الأعلى، تراجعه عن مواقفه المتشددة إزاء الخبرة ، حيث لم يعد منتصرا لسلوك مسطرة اللعان، بل نجده يدعو إلى اعتماد الخبرة رغم أداء الزوج يمين اللعان، وهكذا جاء في قراره بهذا الخصوص[228] «حيث صح ما عابه السبب ذلك أن الفراش يكون حجة قاطعة على ثبوت النسب شرط تحقق الإمكانين العادي والشرعي والثابت من أوراق الملف أن الطاعن نازع في نسب الابن إليه وادعى أنه لم يتصل بالمطلوبة منذ ازدياد الابن الأول، أي أنه استبرأها بعد هذا الوضع وأدى يمين اللعان على ذلك في حين رفضت المطلوبة أداءها رغم توصلها كما رفضت الحضور أثناء أدائه اليمين ورفضت كذلك الخبرة، والتمس إجراء خبرة قضائية لإثبات عدم نسب المولود إليه وتمسك بها والمحكمة لما عللت قرارها بأن الخبرة ليست من وسائل نفي النسب شرعا في حين أن المادة 153 من مدونة الأسرة النافذة المفعول بتاريخ القرار المطعون فيه والواجبة التطبيق والتي تنص على أن الخبرة القضائية من وسائل الطعن في النسب إثباتا أو نفيا تكون قد أقامت قضاءها على غير أساس ولم تعلله تعليلا سليما مما يعرضه للنقض».
وعلى خلاف قرار المجلس الأعلى الصادر بتاريخ 15/9/1981[229]، الذي لم يعتد بالعقم لنفي النسب، نجده في قراره هذا نقض قرار محكمة الاستئناف بمراكش عدد 284 بتاريخ : 18/3/03 في الملف عدد 3781/8/2002 الذي لم يستجب لطلب الزوج بإجراء خبرة طبية عليه كونه عقيم، حيث جاء في حيثيات القرار[230] «حيث صح ما عابه الطاعن على القرار ذلك أنه لئن كانت المادة 153 من مدونة الأسرة تعتبر الفراش حجة قاطعة في ثبوت النسب فإنها قد أجازت دحضه عن طريق اللعان أو بواسطة طلب إجراء خبرة طبية المعزز بدلائل قوية والطالب نازع في نسب البنت إليه وادعى أنه عقيم واستدل بتحليل طبي على ذلك والمحكمة لما لم ترد على طلبه سلبا أو إيجابا في هذا الخصوص تكون قد أساءت تطبيق القانون، وجاء بذلك قرارها عديم التعليل مما يعرضه للنقض».
وما تجدر الإشارة إليه أن الاستجابة لطلب منكر النسب في الاعتماد على الخبرة الطبية مشروط بإدلائه "بدلائل قوية على إدعائه، بحيث إن اعتماده على مجرد القول بأن الولد ليس من صلبه لن يفيده في شيء، مادام الشرع قد أعطاه إمكانية نفيه بواسطة اللعان متى توفرت شروطه، بحيث نجد المجلس الأعلى على خلاف قراره السابق، قد رفض طلب النقض الذي تقدم به الطاعن ضد قرار محكمة الاستئناف ببني ملال الصادر بتاريخ 21/07/ 2005 عدد 482 في الملف عدد : 345/2005/11، لكون البنت المطلوب إنكار نسبها قد ازدادت داخل الأمد الشرعي، حيث جاء في قراره[231] «لكن حيث إنه إذا كانت المادة 153 من مدونة الأسرة أجازت للزوج الطعن في ثبوت النسب عن طريق اللعان أو بواسطة خبرة طبية تفيد القطع، فإن ذلك لا يتأتى إلا إذا أدلى الزوج بدلائل قوية على إدعائه... ».
هذا عن اعتماد الخبرة الطبية في نفي النسب، أما بخصوص اللجوء إليها في إثبات النسب فإن المجلس الأعلى أكد ذلك بمقتضى قراره الصادر بغرفتين والذي جاء فيه[232] «لا يوجد نص قطعي يمنع إثبات النسب بالخبرة الطبية ولما قالت المحكمة بان إثبات النسب بالخبرة يخالف أصول الفقه والحديث الشريف دون اعتماد نص قاطع في الموضوع، فإنها لم تجعل لما قضت به أساسا وعرضت قرارها للنقض».
ب- موقف قضاء الموضوع :
لقد سايرت المحاكم التوجه التشريعي الجديد المتمثل في مدونة الأسرة واعتمدت الخبرة الطبية سواء في ما يتعلق بالنسب الناتج عن الخطبة في حالة إنكار الخاطب[233] أو في حالة وجود منازعة في النسب سواء أكان العقد صحيحا أم فاسدا وعلى اعتبار أن الخبرة الطبية كما سبق القول أضحت من بين الوسائل المعتمدة في مجال النسب إما نفيا أو إثباتا، وما يبدو من خلال الإطلاع على مجموعة من القرارات والأحكام الصادرة بهذا الخصوص، أن القضاء المغربي يمارس سلطته التقديرية في اللجوء إلى الخبرة الطبية.
فبخصوص إنكار الخاطب لنسب المولود ورغم أن المشرع قد سكت صراحة عن ذكر الخبرة الطبية في المادة 156 من المدونة، فإن القضاء اعتمدها للتأكد من ثبوت النسب من عدمه، بعد التأكد من شروط الخطبة وفق ما هو منصوص عليه في المادة المنوه إليها أعلاه، حيث جاء في حكم صادر عن المحكمة الابتدائية ببركان[234] : «حيث تستهدف المدعية من دعواها إلى الحكم لها بإثبات نسب ابنها إلى المدعى عليه طبقا لمقتضيات المادة 156 من مدونة الأسرة، وحيث عززت المدعية دعواها بصورة شمسية لشهادة إدارية تفيد بأن المدعية متزوجة من المدعى عليه مدة أربع سنوات ولها منه طفل وشهادة الحياة الخاصة بالابن المذكور.
وحيث إن المحكمة وفي إطار إجراءات التحقيق المخولة لها قانونا أمرت بإجراء خبرة على المدعى عليه للقول ما إذا كان الابن من صلبه أم لا.
وحيث أسفر تقرير الخبرة المنجزة من طرف مختبر الشرطة العلمية على أن الابن هو من صلب المدعى عليه يقينا، وعليه فإن طلب المدعية يكون مبنيا على أساس قانوني ومن ثم يثبت نسب الابن إلى المدعى عليه».
وفي حكم آخر صادر عن المحكمة الابتدائية بالخميسات جاء فيه[235] «... وحيث إن المحكمة لم تكن تتوفر على العناصر الكافية للبث في الطلب مما أمرت تمهيديا بإجراء خبرة طبية أسندت للمختبر العلمي للدرك الملكي.
وحيث أسفر تقرير الخبرة المنجزة بتاريخ 30/03/2006 على أن المدعى عليه هو أب الطفل أحمد بنسبة أبوة تناهز 99,9999%.
وحيث إن إنكار المدعى عليه أن يكون الحمل منه رغم توفر الشروط المنصوص عليها في المادة 156 من مدونة الأسرة تفنده نتائج الخبرة القضائية التي تفيد القطع بوجود العلاقة البيولوجية بين المدعى عليه وبين الطفل أحمد.
وحيث إن البصمة الوراثية تتضمن البنية التفصيلية التي تدل على كل شخص بعينه ولا تكاد تخطئ في التحقق من الوالدية البيولوجية.
وحيث إنه والحالة هاته تبقى دفوع المدعى عليه غير جدية ويتعين ردها...» يتبين من خلال الحكمين السابقين أن القضاء اعتمد الخبرة الطبية للتأكد من صحة نسب الولد هل هو لاحق بالخاطب أم لا تطبيقا للفقرة الأخيرة من المادة 156 من مدونة الأسرة والتي لم تترك لحوق النسب لرغبة الخاطب، بل يجب التأكد كما سبق القول من توفر بقية الشروط قبل الأمر بإجراء الخبرة لأن غض الطرف عن تلك الشروط من شأنه أن يؤسس لنسب الابن غير الشرعي[236] مادامت الخبرة ستؤكد لا محالة بأن نسب الولد لاحق بأبيه الطبيعي.
وإذا كان هذا هو موقف الاجتهاد القضائي بخصوص الخبرة الطبية في إطار الخطبة فنجد موقفه يتضارب أحيانا في إنتاج الآثار القانونية بعد صدور الخبرة الطبية لا سيما فيما يتعلق بالزواج الباطل، وفي هذا الصدد جاء في قرار محكمة الاستئناف بالدار البيضاء[237] «وحيث إنه لما كان الثابت من وثائق الملف أن عقد الزواج قد أبرم بين الطرفين بتاريخ 26/03/2003 ووضعت الزوجة الولد بتاريخ 19/07/03 ونازع المستأنف عليه في انتسابه إليه ودعي لخبرة قضائية كان فيه رحم الزوجة مشغولا بحمل من زوجها المستأنف عليه فانتفى شرط حلية الزوجة للنكاح وخلوها من موانعه وقت الإشهاد والذي هو لازم لصحة هذا العقد ولازم لمشروعية العلاقة بين الزوجين طبقا للفقرة الأخيرة من المادة 13 من مدونة الأسرة والفقرة الأخيرة من المادة 39 ويكون بهذا من العقود المجمع على فسادها في الفقه الإسلامي والتي صنفتها مدونة الأسرة في خانة عقود الزواج الباطلة.
وحيث إن نتيجة الخبرة الجينية التي أمرت بها المحكمة جاءت قاطعة في الدلالة على أن الولد من ماء المستأنف عليه فكذبت وفندت إنكار المستأنف عليه المسيس والدخول بالمستأنفة لعقده عليها...» من خلال هذا القرار يتبين أنه رغم كون عقد الزواج الذي يجمع بين الطرفين باطل فإن المحكمة ألحقت نسب الولد بالمستأنف عليه مستمدة حسن النية والقصد من قرائن أخرى كإقامة الطرفين معا بفندق وموافقته لها بتسجيل الابن بجواز سفرها ... إلخ، وعلى النقيض من هذا التوجه نجد المحكمة الابتدائية ببركان (مركز القاضي المقيم بأحفير) رغم إثبات الخبرة الطبية لأبوة البنت، فإنها قضت بنفي نسبها بعلة أنها ازدادت دون مدة ستة أشهر، حيث جاء في حيثيات حكمها[238]: «...وحيث من جهة ثانية تنص المادة 58 أعلاه في فقرتها الثانية على أنه يترتب على الزواج الباطل بعد البناء الصداق والإستبراء، كما يترتب عليه عند حسن النية لحوق النسب وحرمة المصاهرة.
وحيث إن لحوق النسب الذي تتحدث عنه المادة المذكورة يكون في حالات الزواج الباطل الذي يزداد فيه الولد بعد أقل مدة الحمل، أي أن لا يخالف هذا الزواج مقتضيات المادة 154 من مدونة الأسرة.
وحيث إنه على فرض حسن نية الطرفين وكون الزواج باطلا فإن البنت ازدادت في مدة تقل عن ستة أشهر وهذا يتعارض مع مقتضيات المادة المذكورة.
وحيث إن المحكمة وإن ثبت لها من الخبرة أعلاه أن هناك علاقة بنوة بين المدعي فرعيا والبنت فإنه لا يمكن القول بلحوق نسبها له لأنها ازدادت خارج فراش الزوجية».
الفقرة الرابعة : الإشكالات التي تطرحها الخبرة الطبية
سنتطرق في هذه الفقرة لبعض الإشكالات المطروحة بخصوص الخبرة وموقف القضاء منها إن تيسر ذلك.
خاتمة
يعد موضوع النسب بحق من المواضيع المعقدة والشائكة والتي يصعب على كل مهتم ودارس مهما بلغ من العلم الإحاطة بجميع جوانبه والتدقيق في كل تفاصيله، ومن خلال بحثنا المتواضع هذا فقد حاولنا جهد الإمكان تسليط الضوء على وسائل إثبات النسب معتمدين في ذلك مقارنة بين نصوص مدونة الأحوال الشخصية الملغاة، وكذا مدونة الأسرة والقوانين المقارنة واتجاهات العمل القضائي ذات الصلة بالموضوع.
والملاحظ من خلال اطلاعنا على المواد المتعلقة بالنسب أن مدونة الأسرة قد أحدثت طفرة نوعية لما نصت صراحة على الخبرة القضائية كوسيلة إثبات ونفي في مجال النسب مسايرة منها لطابع الحداثة ومواكبة للتطور العلمي وخروجها عن المفهوم التقليدي الذي كانت تتسم به مدونة الأحوال الشخصية فضلا عن تدخل المشرع للحفاظ على الأنساب لاسيما في حالة ظهور حمل بالخطيبة من خلال التنصيص على ذلك في المادة 156، علاوة على التوسع في موضوع الإقرار حينما أخذت بالإقرار الصادر عن الأم.
لكن رغم ذلك وجب تسجيل بعض الملاحظات التي تمت ملامستها من خلال بحثنا في الموضوع :
وأول هذه الملاحظات أنه إذا كانت مدونة الأسرة قد توسعت في وسائل إثبات النسب من خلال تقنين نسب الحمل الظاهر بالمخطوبة بعلة أن المشرع متشوف للحوق الأنساب، فقد كان لزاما معالجة الإشكال الذي يطرحه نسب الأبناء المزدادين قبل توثيق عقد الزواج، بحيث نجد اتجاها ببعض المحاكم لازال متشبثا باجتهاد المجلس الأعلى الصادر في ظل مدونة الأحوال الشخصية الملغاة والذي صنفهم في خانة أبناء الزنا والحال أنه إذا كان ابن الخطيبة يلحق نسبه بالخاطب إذا أقربه، فمن باب أولى أن يلحق نسب هؤلاء بآبائهم، في حين نجد اتجاها آخر قد آخذ بإقرار المطلق رغم ازدياد الابن المقر به خارج أمد السنة من تاريخ الطلاق.
كما أن مدونة الأسرة لم تعط تعريفا موحدا لمفهوم الدلائل القوية المنصوص عليها في المادة 153، والقضاء من خلال البث في النوازل التي تعرض عليه يتعامل مع هذه الدلائل بشيء من التشدد بعلة أنه كان بوسع الزوج سلوك مسطرة اللعان، ولا ندري لما يتبرر القضاء باللعان والحال أن الخبرة أصبحت من بين الوسائل الشرعية المعتمدة في مجال النسب.
وما تجب الإشارة إليه كذلك أن القضاء لا يصرح ببطلان عقد الزواج رغم توافر موجبات ذلك، ومادام القضاء هو مرآة القانون، فيجب على المحاكم مسايرة الاجتهاد القضائي، لأنه من العيب أن يبقى قضاؤنا منكمشا حول نفسه بخصوص قضايا النسب التي تتسم بالخطورة بمكان مادام المجلس الأعلى بدوره قد تراجع عن مجموعة من القرارات مسايرة منه للتطور الذي عرفه المجتمع المغربي وتفعيلا للمقتضيات الجديدة التي جاءت بها مدونة الأسرة والهادفة إلى حماية الأنساب عملا بمبدأ كون «النسب يثبت بالظن ولا ينتفي إلا باليقين»، هذه بعض الملاحظات التي ارتأينا إثارتها في هذه الخاتمة مادام البحث يتضمن إشكالات أخرى، يمكن الرجوع إليها.
وحتى لا نطيل الكلام، فقد حاولنا قدر المتيسر وعلى طول صفحات هذا البحث إعطاء نظرة عامة حول الموضوع دون إغفال للإشكالات التي طفت على السطح من خلال التطبيق العملي لمدونة الأسرة والحقيقة التي يجب الاعتراف بها أنه يصعب الإلمام بمختلف جوانب الموضوع، نظرا لتشعبه، والباحث فيه كالباحث عن حبة خردل في بحر لُجَيّ.
وبقدر اهتمامنا ودراستنا لمختلف المراجع المعتمدة، وكذا الاجتهادات القضائية، بقدر ما كانت تنجلي أمامنا حقائق أخرى لم يسعف الوقت للإحاطة بها، لذلك لا ندعي أننا عالجنا الموضوع بالقدر الذي يستحق، لكن يمكن القول أننا عالجناه بالقدر الذي سمح به الوقت رغم رغبتنا الصادقة في ذلك.
فان تجد عيبا فسد الخللا***فجل من لاعيب فيه وعلا
وختاما لا يسعنا إلا أن نسأل الله التوفيق والسداد.
والله ولي التوفيق
قائمة المراجع
I- النصوص القانونية
II – الكتب الفقهية والقانونية
III – المجلات القانونية
V- المحاضرات :
-VI الجرائد
VII – مواقع إلكترونية
الفهرس
مقدمة...................................................................... 1
الفصل الأول : الوسائل الشرعية التقليدية لإثبات النسب........... 4
المبحث الأول: الفراش.............................................. 6
المطلب الأول : ثبوت النسب بالفراش في الزواج الصحيح.............. 7
المطلب الثاني : ثبوت النسب في الزواج غير الصحيح................. 19
المطلب الثالث : ثبوت النسب في الوطء بشبهة....................... 23
المطلب الرابع: حجية الفراش......................................... 36
المبحث الثاني: الإقرار .............................................. 41
المطلب الأول: مفهوم الإقرار، أركانه وأنوعه........................... 41
المطلب الثاني : شروط الإقرار إثباته وآثاره............................ 44
المطلب الثالث : الإقرار بالنسب والحالة المدنية........................ 50
المبحث الثالث: البينة................................................. 56
المطلب الأول : شهادة عدلين......................................... 56
المطلب الثاني : إثبات النسب ببينة السماع........................... 59
الفصل الثاني : الخبرة كوسيلة علمية لإثبات النسب.................................................................. 63
المبحث الأول : الخبرة في الفقه الإسلامي........................ 65
المطلب الأول : القيافة ودورها في إثبات النسب....................... 65
المطلب الثاني: مشروعية ثبوت النسب بالقيافة........................ 66
المبحث الثاني : دور الخبرة الطبية في إثبات النسب............ 69
المطلب الأول : تحليل فصائل الدم.................................... 69
المطلب الثاني : تحليل البصمة الوراثية............................... 70
المبحث الثالث : مختلف المواقف بشأن الخبرة الطبية........... 74
المطلب الأول : الموقف من الخبرة في القانون المقارن................ 74
المطلب الثاني : موقف القانون المغربي بشأن الخبرة.................. 82
خاتمة
الملحق...................................................................... 103
لائحة المراجع..................................................... 105
الفهرس................................................................. 110
.......................................
تعد الأسرة ظاهرة اجتماعية فطرية لا انفكاك لأي حي عنها والإنسان في الاعتبار الأول في أمس الحاجة إليها من حيث كونه حيا عاقلا يرغب في الاستقرار والسكينة والتساكن قال تعالى «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة»[1].
وعلى اعتبار أن الإنسان اجتماعي بطبعه كونه لا يقوى على العيش منفردا في استقرار وطمأنينة، لأنه ميال لمساكنة الآخر من نوعه عن طريق الزواج. لذا يرى الإنسان إذ لم يكون أسرة وولي عنه زمانه، فإنه يصاب بالحسرة والندم، خصوصا عندما تغزوه الوحدة لا أصل ولا فرع ولا أمل في العودة إلى بسمة الشباب ذهب الكُل وبقي الكَلُ[2]، ومادام الأولاد هم ثمرة الحياة الزوجية وغايتها وهم بهجة الدنيا وزينتها فمن أجل ذلك عني الإسلام بشأنهم فشرع لهم من الحقوق ما يحفظهم من الانحلال والفساد، وضمن حقهم في الانتساب إلى آباء معينين، يشكلون امتدادا لهم، لذلك أولت الشريعة الإسلامية النسب مزيدا من العناية وأحاطته ببالغ الرعاية ولا أدل على ذلك من جعله في طليعة الضروريات الخمس التي اتفقت الشرائع السماوية على وجوب حفظها ورعايتها، ومن أجل ذلك عني الإسلامي أيما عناية بتنظيم العلاقة بين الرجل والمرأة ضمانا لحماية الأنساب وجعلها مبنية على أصول شرعية وحرم كل اتصال جنسي خارج إطار الشرعية ولم يبح إلا تلك القائمة على زواج شرعي بشروطه المعتبرة ومن مظاهر عناية الإسلام بالنسب أيضا أنه بالغ في التهديد للآباء والأمهات حين يقدمون على إنكار نسب أولادهم[3]، قال الرسول r «أيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله منه وفضحه على رؤوس الخلائق»[4]، كما حرم الإسلام على المرأة أن تنسب إلى زوجها من تعلم أنه ليس من صلبه، فقال r : «أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم، فليست من الله في شيء ولن يدخلها جنته»[5]، كما حرم على الأبناء الانتساب إلى غير آبائهم قال عليه الصلاة والسلام «من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام»[6]، وما ينبغي الإشارة إليه أن المشرع المغربي اهتم بدوره بموضوع النسب وأولاه العناية الخاصة سواء في مدونة الأحوال الشخصية الملغاة أو في مدونة الأسرة، حيث خصص له في هذه الأخيرة القسم الأول من الكتاب الثالث المتعلق بالولادة ونتائجها تحت عنوان " البنوة والنسب" وما يلاحظ أن الفقهاء المسلمين لم يعطوا تعريفا موحدا لمفهوم النسب، بل تحدثوا عن مسائله وعالجوا قضاياه، و قدعرفته مدونة الأسرة في المادة 150 «بأنه لحمة شرعية بين الأب وولده تنتقل من السلف إلى الخلف"[7]، لكن لا بأس من التطرق لمعانيه، فالنسب لغة، يعني القرابة وسميت القرابة نسبا لما بينهما من صلة واتصال، فيقال نسبت فلانا إلى أبيه أنسبه نسبا إذا رفعت في نسبه إلى جده الأكبر[8] أما معناه شرعا فهو علاقة الدم أو رباط السلالة أو النوع الذي يربط الإنسان بأصوله وفروعه وحواشيه، قال تعالى «وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا»[9].
ونظرا لأهمية النسب لارتباطه الوطيد بقضايا المجتمع على اعتبار أن قضايا النسب أصبحت تشكل أغلب الدعاوى المعروضة على القضاء الأسري وما يثيره ذلك من إشكالات عملية لتباين الأحكام القضائية بخصوص القضايا المتشابهة، ونظرا لاهتمامنا بمادة الأسرة، كلها عوامل دفعت بنا إلى اختيار موضوع البحث علنا نتمكن من سبر أغواره واستجلاء خفاياه من خلال التطرق بالدراسة والتحليل والمناقشة لوسائل إثبات النسب وكيفية تعامل القضاء معها وتبيان النقائص التي تعتري الأحكام الصادرة في الموضوع مع إبراز وجهات نظر الفقه المختلفة بخصوص أهم المستجدات التي جاءت بها مدونة الأسرة، شبهة الخطبة (المادة 156) والخبرة القضائية كوسيلة إثبات ونفي النسب (المادة 153-158) والعمل قدر المتيسر في إغناء هذا البحث بالاجتهاد القضائي المنشور منه وغير المنشور وتبعا لذلك، يتضح أن الإشكالية التي يتمحور حولها هذا البحث تتمثل في تعامل القضاء مع كل من الوسائل الشرعية التقليدية لإثبات النسب (فصل أول) والخبرة كوسيلة علمية حديثة لإثباته (فصل ثان)، فكيف إذن تعامل الاجتهاد القضائي مع كل هذه الوسائل؟ وما المعايير التي اعتمد عليها لإعمال هذه أو تلك؟
انطلاقا مما سبق، سنجيب عن هذا الإشكال من خلال تقسيم هذا البحث إلى الفصلين التاليين :
الفصل الأول : الوسائل الشرعية التقليدية لإثبات النسب
الفصل الثاني : الخبرة كوسيلة علمية لإثبات النسب
الفصل الأول
الوسائل الشرعية التقليدية
لإثبات النسب
لقد نصت المادة 158 من مدونة الأسرة على أنه «يثبت النسب بالفراش أو بإقرار الأب أو بشهادة عدلين أو ببينة السماع وبكل الوسائل الأخرى المقررة شرعا بما في ذلك الخبرة «
وجاء في المادة 152 من نفس المدونة أسباب لحوق النسب : الفراش الإقرار والشبهة»، ومن خلال هاتين المادتين، فالنسب يثبت بالفراش والإقرار و الشبهة والشهادة بنوعيها والخبرة « .
ويتبين من مقارنة نص المادة 158 أعلاه مع مقتضيات الفصل 89 من مدونة الأحوال الشخصية الملغاة، أن مدونة الأسرة قد جاءت بجديد يتمثل في الخبرة ، ويكون المشرع بذلك قد وسع من نطاق ثبوت النسب حفظا للأنساب ولحقوق الأطفال ومسايرة للتطور العلمي الحاصل في هذا الباب، كما أن تحديد وسائل الإثبات بدقة فيه تيسير مادام الشرع متشوف لثبوت النسب وكون القاعدة الفقهية تقضي " بأنه لا تعجيز في النسب"
وللإحاطة بالموضوع، سنتطرق لهذه الوسائل اتباعا من خلال المباحث الآتية :
المبحث الأول: الفراش
المبحث الثاني: الإقرار
المبحث الثالث: البينة
المبحث الأول : الفراش
يعتبر الفراش السبب الحقيقي لإثبات النسب[10] وباقي الوسائل الأخرى أسبابا ظاهرية ولاحقة بهذا السبب الأصلي لهذا يتعين تحديد المقصود بالفراش وشروطه.
مفهوم الفراش :
الفراش في الأصل ما يبسط للجلوس أو النوم عليه[11] ويطلق على المرأة التي يستمتع بها الزوج[12]، يقول تعالى «وفرش مرفوعة إنها أنشأناهن إنشاء فجعلناهن عربا أترابا لأصحاب اليمين»[13]. أما اصطلاحا فيقصد به كون المرأة معينة للولادة لشخص واحد وبذلك فالمراد بالفراش الزوجية الصحيحة القائمة بين الرجل والمرأة عند ابتداء حملها بالولد على أساس عقد زواج صحيح قائم مقام الاتصال بينهما[14]طبقا للحديث الشريف «الولد للفراش وللعاهر الحجر» وهذا الحديث يعتبر قاعدة عامة لثبوت النسب.
والسبب في ثبوت النسب بالفراش دون توقف على إقرار أو بينة هو كون الزواج الصحيح يجعل الزوجة مختصة بزوجها وحده دون غيره[15] وكل من تنسل من هذه العلاقة يلحق نسبه لمن ولد له واحتمال أنه من غيره احتمال مرفوض لأن الأصل حمل أحوال الناس على الصلاح حتى يثبت العكس بالطرق المحددة شرعا مادام إبرام عقد الزواج مظنة على الاتصال بين الزوجين دونما حاجة لإثبات وقوع الخلوة بينهما رعاية لحرمة فراش الزوجية واحتياطا للنسب[16].
وفي هذا الاتجاه سار المشرع المغربي في المادة 151 من مدونة الأسرة التي جاء فيها »يثبت النسب بالظن ولا ينتفي إلا بحكم قضائي « .
وإذا كان ثبوت النسب بالفراش أمرا قطعيا، فإن ذلك يتطلب توفر مجموعة من الشروط لخصتها المادة 154 من مدونة الأسرة في أنه : «يثبت نسب الولد بفراش الزوجية :
- إذا ولد لستة أشهر من تاريخ العقد وأمكن الاتصال سواء كان العقد صحيحا أم فاسدا.
- إذا ولد خلال سنة من تاريخ الفراق[17]
انطلاقا من هذه المعطيات، فالنسب يثبت بالفراش سواء في الزواج الصحيح
(مطلب أول( أو غير الصحيح- الباطل والفاسد- (مطلب ثان( وكذا في الوطء بشبهة(.مطلب ثالث (
المطلب الأول : ثبوت النسب بالفراش في الزواج الصحيح
الفقرة الأولى : مفهوم الزواج الصحيح
جاء في المادة 50 من مدونة الأسرة : «إذا توفرت في عقد الزواج سائر أركانه[18] وشروط صحته وانتفت الموانع، فيعتبر صحيحا وينتج جميع آثاره...» .
وقد بينت المادة العاشرة على أن الزواج ينعقد بإيجاب من أحد المتعاقدين وقبول من الآخر بألفاظ تفيد معنى الزواج لغة أو عرفا، في حين حددت المادة 13 من نفس المدونة الشروط الواجب توفرها في عقد الزواج حتى ينتج آثاره[19].
ولعل أهم هذه الآثار ثبوت نسب الأولاد الذين يولدون على فراش الزوجية لصاحب هذا الفراش[20].
الفقرة الثانية : شروط الفراش في الزواج الصحيح
لا يثبت النسب بمجرد قيام الزوجية على عقد صحيح مستجمع لكافة أركانه وشروطه، بل لابد من توفر شروط أخرى، إذا ما انتفى واحد منها أدى إلى عدم لحوق الولد بالفراش حال قيام الزوجية.
وقد نصت مدونة الأسرة في المادة 154 منها على هذه الشروط، والتي سنناقشها بتفصيل من خلال النقاط التالية :
أولا : وجود عقد زواج صحيح
بتوفر عقد الزواج الصحيح المستجمع لأركانه وشروط صحته، فإنه يرتب آثاره الشرعية وأهمها ثبوت نسب الأولاد الذين يولدون على فراش الزوجية لصاحب هذا الفراش[21] وتعد هذه القاعدة حجر الزاوية والأساس في إثبات النسب وهي قرينة قاطعة لا تحمتل إعمال ما جاء به أهل البصر[22]، وهذا ما أكده المجلس الأعلى، حيث جاء في قراره «الفراش في الزوجية إنما يثبت بالعقد...»[23] ولعل العمل القضائي دأب على اعتبار وجود عقد زواج صحيح كاف للقول بثبوت نسب الأبناء الذين ازدادوا خلال قيام العلاقة الزوجية، حيث جاء في قرار محكمة الاستئناف بالرباط «... وحيث إن الثابت من وثائق الملف أن البنت عتيقة ازدادت أثناء قيام العلاقة الزوجية بين المستأنف والمستأنف عليها وعلى فراش الزوجية، وحيث أن المستأنف الذي ينفي نسب البنت المذكورة إليه لم يسلك المسطرة المنصوص عليها قانونا بمجرد ظهور الحمل على زوجته.. مما يبقى معه طلبه غير مرتكز على أساس»، وجاء في قرار آخر «وحيث إن الثابت من وثائق الملف أن المستأنف عليها وضعت مولودها بتاريخ 21/08/2006 والزوجية قائمة وأن المستأنف الذي ينفي نسب الابن المذكور إليه لم يسلك المسطرة القانونية لذلك، كما أنه لم يدل بدلائل قوية على إدعائه كون زوجته خانته مع غيره حتى يتأتى اللجوء إلى إجراء خبرة جينية والحكم المستأنف لما قضى برفض طلبه والحكم عليه بتسجيل الابن بالحالة المدنية، قد بني على أساس من القانون ويتعين تأييده»[24].
ثانيا : مدة الحمل المعتبرة شرعا
لا يكفي لكي يلحق النسب بالزوج لدى جمهور الفقهاء وطبقا لأحكام مدونة الأسرة أن يكون عقد الزواج صحيحا أو فاسدا، بل لابد من تحقق مدة الحمل المفروضة شرعا، وهذا ما كانت تنص عليه مدونة الأحوال الشخصية الملغاة في الفصل 84 الذي جاء فيه «أقل مدة الحمل ستة أشهر وأكثرها سنة». وقد احتفظت المادة 154 من مدونة الأسرة بنفس المدة.
ولمدة الحمل من الناحية القانونية حد أدنى وآخر أقصى، ولم يختلف علماء الشريعة في أقل مدة الحمل، فإذا أتت المرأة بمولود في أقل من مدة الحمل الدنيا أو أكثر من القصوى فالولد لا يلحق نسبه بالزوج إن أنكره[25].
أ- أدنى مدة الحمل : اتفق علماء الإسلام على أن أقل مدة الحمل هي ستة أشهر نظرا لقوة الدليل النقلي الثابت بالنظر العقلي السليم لقوله سبحانه وتعالى : «وحمله وفصاله ثلاثون شهرا» [26] وقوله تعالى : «حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين»[27] وقوله جل وعلا: «والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة»[28] فبمقارنة هذه الآيات تكون مدة الحمل ستة أشهر من خلال طرح مدة الرضاع من مجموع المدتين (الحمل والفصال) وهذه المدة اعتبرها الفقهاء المدة الدنيا للحمل في الحد الأدنى لاستقراره في رحم المرأة، وبهذا أشار ابن عاصم في قوله : «وست الأشهر في الأقل».
وبهذا القول قال ابن عباس عندما أراد عثمان بن عفان (ض) إيقاع الحد على زوج ولدت بعد مضي ستة أشهر من يوم الزواج إذ قال ابن عباس (ض) إنها أي الزوجة لو خاصمتكم بكتاب الله لخصمتكم قال تعالى : « وحمله وفصاله ثلاثون شهرا» وقال «وفصاله في عامين» فلم يبق للحمل إلا ستة فمنع عثمان الحد عنها وأثبت نسب الولد من زوجها واشتهر هذا بين الصحابة ولم ينكره أي واحد منهم. [29]
ولعل هذا ما كرسه المجلس الأعلى من خلال قرارات متواترة عنه، إذ جاء في أحدها «الولد للفراش إن مضى على عقد الزواج أقل مدة الحمل وأمكن الاتصال بين الزوجين"[30] وفي قرار آخر «إذا ثبت للمحكمة أن المرأة أتت بالحمل لأكثر من ستة أشهر من تاريخ العقد ولأقل من سنة من تاريخ الطلاق فألحقته بأبيه فإن حكمها بذلك يكون مطابقا للقانون»[31].
وتجدر الإشارة أن فترة الستة أشهر تحتسب من تاريخ العقد المضمن بوثيقة الزواج التي يحررها العدلان وفي حالة تخلف الإشهاد، يحدد تاريخ العقد، الحكم الذي يصدر بثبوت الزوجية[32] وإذا كان العقد يحدد تاريخه، الحكم القاضي بثبوت الزوجية، فإنه لاخلاف فيما إذا كان الزوجان متفقان على تاريخ انعقاد زواجهما، أما إذا كان هذا التاريخ محل خلاف بينهما، كما لو قال الزوج لزوجته تزوجتك منذ خمسة أشهر وقالت الزوجة بخلافه تريد بذلك إثبات النسب، فالقول قولها لأن الظاهر يشهد لها بمعنى أن الزوجية قائمة، والولد للفراش فيكون الزوج مدعي خلاف الظاهر وعليه يقع عبء الإثبات، فإن أتى الزوج ببينة حكم له إلا إذا أتت الزوجة هي الأخرى ببينة تعارضها فيحكم حينئذ لصالحها لأن الحجة المثبتة مقدمة على النافية[33].
والملاحظ أن المشرع حينما حدد أقل مدة الحمل في ستة أشهر لم يبين ما إذا كانت ستة أشهر قمرية أو شمسية، وذلك سواء في مدونة الأحوال الشخصية الملغاة أو مدونة الأسرة، وإن كان المجلس الأعلى قد اعتد في أحد قراراته بالأشهر الشمسية. موضحا (أن التقويم المعتبر لدى الفقهاء لاحتساب أقل مدة الحمل هو التقويم الشمسي)[34] وإن تحديد أدنى مدة الحمل بالتقويم الشمسي فيه إضرار بحق الطفل في النسب إلى أبيه، على اعتبار أن الأشهر الشمسية أغلبها واحد وثلاثون يوما بخلاف الأشهر القمرية لذلك فمن الأحوط اعتماد التقويم الهجري. ولعل المشرع اللبناني قد أحسن صنعا لم حدد أقل مدة الحمل في مائة وثمانين يوما، إذ جاء في المادة 137 من القانون الصادر سنة 1948 «أقل مدة الحمل مائة وثمانون يوما وأكثرها ثلاثمائة يوم» في حين نجد القانون اليمني قد حددها بمقتضى المادة 37 في: «أقل مدة الحمل مائة وثمانون يوما وأكثرها سنة شمسية»[35].
ب- أقصى مدة الحمل : بخلاف أقل مدة الحمل فقد وقع الاختلاف بين الفقهاء حول أقصى مدة الحمل ومرد هذا الاختلاف انعدام الدليل الشرعي والنص الصريح سواء في القرآن أو السنة النبوية، فذهب الحنفية إلى أن أكثر مدة الحمل سنتان استنادا إلى ما روي عن عائشة (ض) أنها قالت «لا تزيد المرأة في الحمل على سنتين قدرها يتحول ظل عمود المغزل»[36]، تريد أن الجنين لا يبقى في بطن أمه أكثر من سنتين ولو لفترة يسيرة عبرت عنها بتحول ظل المغزل.
وقال الائمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد إن أكثر مدة الحمل هي أربع سنين واستدلوا على ذلك بما رواه الدارقطني عن مالك بن أنس أنه كان يقول «هذه جارتنا امرأة محمد ابن عجلان، امرأة صدق وزوجها رجل صدق فحملت ثلاثة أبطن في اثنتي عشرة سنة كل بطن أربع سنين»[37].
وقال محمد ابن عبد الحكم أحد فقهاء المالكية أن أقصاها سنة قمرية
ويقول ابن رشد في بداية المجتهد بعد حكاية هذه الأقوال، وقول ابن عبد الحكم والظاهرية هو الأقرب إلى المعتاد.
والمشرع المغربي سواء في مدونة الأحوال الشخصية الملغاة أو في مدونة الأسرة أخذ برأي محمد ابن عبد الحكم وهكذا نص في الفصل 84 من م.أ.ش الملغاة « أقل مدة الحمل ستة أشهر وأكثرها سنة»، ونصت المادة 154 من مدونة الأسرة «يثبت نسب الولد بفراش الزوجية إذا ولد خلال السنة من تاريخ الفراق» والاجتهاد القضائي بدوره سار على هذا المنوال، حيث جاء في قرار صادر عن المجلس الأعلى[38] «لكن حيث 15:29:17 انه طبقا للمادة 154 من مدونة الأسرة، يثبت نسب الولد بالفراش إذا ولد خلال سنة من تاريخ الطلاق أو ستة أشهر من تاريخ العقد وأمكن الاتصال والمحكمة عندما تبث لها من وثائق الملف ومن إقرار الطالب أن البنت(هـ) ازدادت بتاريخ 17/11/1987 وداخل سنة من تاريخ الطلاق الصادر منه بتاريخ 04/05/1997 وقبل مرور ستة أشهر من تاريخ زواج المطلوبة في النقض بالثاني المؤرخ في 02/09/1987 وألحقت نسبها بالطالب تكون قد طبقت الفصل المذكور التطبيق الصحيح ولا تأثير لفساد النكاح الثاني على فراش الطالب».
وجاء في قرار صادر عن محكمة الاسئناف بالرباط : «وحيث إن الثابت فقها وقضاء أن النسب يثبت بالفراش والإقرار والشبهةو في نازلة الحال فإن العلاقة الزوجية التي كانت تربط بين والدة المستأنفة والهالك (ع.ن) قد انتهت بالطلاق منذ 29/1/1985 وهو طلاق بائن حسبما هو واضح من رسم الطلاق المملك المدلى به في الملف وأن المستأنفة ازدادت بتاريخ 04-03 -1986 أي بعد مرور أقصى مدة الحمل والتي هي سنة ولم يثبت من محتويات الملف ما يفيد مراجعة الهالك لوالدة المستأنفة بعقد صحيح بعد زواجها من رجل آخر الشيء الذي ينتفي معه شرط الفراش...»[39].
وجاء في قرار محكمة الاستئناف بالقنيطرة «حيث تبث من وثيقة الطلاق الرجعي المؤرخ في 17-12-1969 أن الهالك (م.م) كان متزوجا بالمسماة (س) إلى وقت هذا الطلاق.
وحيث ثبت من وثيقة الرجعة المؤرخة في 27-10-1970 أن الهالك (م.م) راجع زوجته (س.ر) بصداق جديد بالتاريخ المذكور بعدما لم تتزوج من طلاقها الأول.
وحيث إن الولد للفراش وللعاهر الحجر.
وحيث إنه بالنظر إلى الطلاق الرجعي المؤرخ في 17/12/1969 يثبت بأن هذا الطلاق لم يعد بائنا إلا بمتم شهر مارس 1970.
وحيث أنه بمقارنة تاريخ ازدياد الابن (م-ع) الذي هو 15/1/1971 فإن تاريخ ازدياده يكون قد وقع داخل الأمد الشرعي وهو سنة من تاريخ الطلاق الأول»[40].
ومما تجدر الإشارة إليه، فإنه لابد لمدعي النسب من تحديد تاريخ ازدياد المراد إثبات نسبه بدقة حتى يتسنى مراقبة أمد الحمل المعتبر شرعا، وما يترتب عن ذلك من لحوق النسب من عدمه، وفي هذا الإطار ذهب المجلس الأعلى في أحد قراراته : «لابد في دعوى إثبات النسب من إثبات تاريخ ولادة المطلوب إلحاق نسبه ليعرف ما إذا كان الولد ازداد في الأجل الأقصى أو الأدنى للحمل أو خارجه»[41]
ولإثبات هل الوضع تم خلال الفترة المقررة قانونا أم خارجها، فيتم الاعتماد على عقد الزواج أو رسم الطلاق أو شهادة الولادة لإثبات الوضع وتاريخه.
وفي حال اختلاف الزوجين بخصوص تاريخ ازدياد المولود، وحرصا على إثبات نسبه من جهة وللتطبيق السليم للمقتضيات الشرعية ذات الصلة من جهة أخرى. فإن المحكمة ملزمة باعتماد جميع الوسائل المقررة شرعا لتحديد تاريخ الازدياد لمعرفة هل الابن من صلب الزوج أم لا، وهذا ما نص عليه المجلس الأعلى في قراره الذي جاء فيه «حيث صح ما عابه الطاعن على القرار المطعون فيه ذلك أنه وإن كان الفراش الشرعي قرينة قاطعة على إثبات النسب فإن ذلك مشروط بأن تكون الولادة ثابتة التاريخ وداخل الأمد المعتبر شرعا بشكل لا مراء فيه ولا جدال وبما أن موضوع الخصومة يدور حول إدعاء المطلوبة أنها طلقت من الطاعن بتاريخ 20/12/1989 ووضعت الابن سعيد المطلوب نفقته بتاريخ 1/1/1990 وقدمت شهادة ولادته محررة بتاريخ 20/07/2000 من قائد العنادرة بإفادة من الشيخ، وتصريح شرف منها، ونفى الطالب نسب الابن المذكور إليه لكونه لم يعلم بوجوده إلا بتاريخ 15/10/2002 أي بعد توصله بدعوى المطالبة بنفقته ولكونه أيضا عقيما، وأدلى بوثائق طبية لتأكيد ذلك والتمس إجراء خبرة طبية عليه وعلى الابن المذكور لتحديد سنة وتاريخ ازدياده وهل هو من صلبه أم لا، وأنه وأمام اختلاف الزوجين بشأن تاريخ ازدياد الابن المذكور فإنه كان على المحكمة أن تبحث بوسائل الإثبات المعتمدة شرعا ومنها الخبرة التي لا يوجد نص قانوني صريح يمنع المحكمة من الاستعانة بها، والمحكمة لما اكتفت بالقول ردا على ملتمس إجراء الخبرة بأن ما تمسك به الطالب يخالف أصول الفقه والحديث الشريف بدون اعتماد نص قاطع في الموضوع فإنها لم تضع لما قضت به أساسا وعرضت قرارها للنقض»[42].
ثالثا : إمكانية الاتصال بين الزوجين
إذا كانت قاعدة الولد للفراش قاعدة عامة لثبوت النسب فهي مقيدة بالإمكان العادي والشرعي معا[43] وعبارة إمكانية الاتصال نصت عليها مدونة الأسرة في المادة 154، وهذه العبارة يفسرها فقهاء المالكية بالخصوص بإمكانية الاتصال المادي وذلك ردا على رأي أبي حنيفة الذي يقول بثبوت نسب الولد الذي ازداد بعد ستة أشهر من العقد[44] ولو لم تتحقق إمكانية الاتصال بين الزوجين.
أ- إمكانية الاتصال المادي :
بمقتضى المادة 154 من مدونة الأسرة، فإن ثبوت النسب يقتضي انصرام أقل مدة الحمل على عقد الزواج مع إمكانية التلاقي بين الزوجين، فبدون توفر الشرطين معا لا يثبت النسب بالفراش[45]، والملاحظ أن المدونة تحدثت عن إمكانية الاتصال لا عن تحققه فعلا مادام أن الاتصال الجنسي بين الزوجين من الأمور التي لا يمكن للناس الاطلاع عليها[46] وأن من شأن اشتراط ثبوت الدخول المحقق (الوطء) فيه مضيعة كثيرة من الأنساب والشرع متشوف إلى لحوق نسب الحمل بالزوج في حدود الإمكان فإذا وجد مانع عادي يمنع من اختلاء الزوجين عن الغير منذ تاريخ الزوجية إلى ظهور الحمل فإن النسب لا يلحق بالزوج[47] ولا يكفي هنا مجرد العقد الشرعي، حتى لا يفتح باب النسب على مصراعيه ويترك لأهواء الأشخاص، وإن كانت الخلوة مفترضة بمجرد كتابة العقد فإن ذلك مرهون بإمكانية الاتصال وتقدير إمكانية الاتصال المادي من عدمها موكول لتقدير المحكمة في كل قضية حسب ظروفها وملابساتها والأساس الذي تراعيه دوما هو أنه متى كان الاتصال ممكنا وإن على وجه الاحتمال الضعيف، تعين الحكم بثبوت النسب[48]
وقد جاء في قرار المجلس الأعلى [49]«يتحقق إمكان الاتصال بعد ما ثبت أن الزوج المقيم بالخارج كان يتردد على المغرب حيث تقيم الزوجة خلال قيام العلاقة الزوجية»
كما جاء في حكم المحكمة الابتدائية بمراكش «وحيث إنه في نازلة الحال فإن الطرفين لم تكن بينهما إمكانية الاتصال ممكنة إذ أن الزوجة كانت خارج بيت الزوجية وأن إدعائها بأنها كانت تزوره يدحضه واقع حال الدعوى وتصريحاتها أعلاه لدى الضابطة القضائية وأن تواجدها خارج بيت الزوجية يؤكده الحكمان الصادران عن هذه المحكمة في موضوع النفقة الأول تحت عدد 1614 بتاريخ 14/6/99 والثاني تحت عدد : 3485 بتاريخ 14-11-2002، والذي أقرت فيهما بتواجدها خارج بيت الزوجية.
وحيث إنه وتبعا لذلك يكون نسب البنت... المزدادة بتاريخ 20/05/2003 غير لاحق بالمدعي ويتعين نفيه عنه»[50].
وتجدر الإشارة أن الخلوة وإن كانت ليست شرطا من شروط قيام العلاقة الزوجية وما ينتج عنها من آثار فإنها تعتبر مفترضة بمجرد كتابة العقد، كما سبقت الإشارة إلى ذلك[51].
فالخلوة الصحيحة وإقامة الزوجة مع زوجها أو سفرها معه تقوم مقام البناء بحيث يمكن معها الاتصال بينهما ومتى ثبتت الخلوة باعتبارها هي الأصل – ترتب على ذلك وقوع البناء وهو ما أقره المجلس الأعلى : «مرافقة الزوجة لزوجها في السفر والتنقل معها شاهدا عرفيا يؤيد التلقية المدلى بها لإثبات الخلوة والقول قولها في إدعاء المسيس بعد يمينها»[52].
وإذا كانت الخلوة مفترضة، فالزوج الذي ينفي الاتصال، هو المكلف بإثبات ذلك ولعل العمل القضائي من خلال مجموعة من القرارات اعتبر إمكانية الاتصال قائمة مادام أن الولادة تمت داخل الأمد المعتبر شرعا وهكذا جاء في قرار المجلس الأعلى «إن المحكمة لما عللت قضاءها بأن الوضع المتفق على حصوله في غشت 1990 قد جاء بعد عقد الزواج المؤرخ في 21/12/1989 أي بعد مرور أكثر من ستة أشهر أي داخل الأمد الذي يترتب عن الوضع خلاله ثبوت نسب المولود إلى الزوج طبقا للفصول 76-84-85 -89 من المدونة وبذلك يكون الاتصال قد حصل ولا حاجة لإثباته»[53].
ب- إمكانية الاتصال المعنوي (القدرة على الإنجاب)
اشترط الفقه المالكي للحوق النسب بالزوج أن يكون هذا الأخير ممن يتأتى الحمل منه بأن يكون بالغا أو مراهقا على الأقل[54] وألا يكون مجبوبا أو مخصيا لأن هذان العيبين مما يمنع الإنجاب عادة[55].
والملاحظ أن مدونة الأحوال الشخصية الملغاة ومعها الاجتهاد القضائي كانت تستبعد الخبرة الطبية لإثبات المانع بعلة أن التحاليل الطبية ليست من الوسائل المقررة شرعا لنفي النسب[56]، لكن هذا الأمر أصبح مستبعدا في ظل مدونة الأسرة التي جعلت من الخبرة وسيلة لإثبات ونفي النسب، حسبما تنص على ذلك المادة 153 من المدونة.
وقد يقوم المانع الشرعي الذي يحول دون انتساب الولد للزوج وذلك فيما إذا كانت المدة الفاصلة بين وضع الحمل وبين عقد الزواج أقل من ستة أشهر لأن المانع مكتسب من دليل شرعي. ما لم يقر الزوج بالمولود- فيلحق حينها بنسبه. كما جاء في قرار المجلس الأعلى[57]
المطلب الثاني : ثبوت النسب في الزواج غير الصحيح
جاء في المادة 56 من مدونة الأسرة «الزواج غير الصحيح يكون إما باطلا وإما فاسدا». لذلك سنتكلم عن كل نوع في فقرة مستقلة مع ترتيب آثارهما على ثبوت النسب.
الفقرة الأولى : الزواج الباطل
تطرقت لهذا النوع المادة 57 من مدونة الأسرة والتي نصت «يكون الزواج باطلا
- إذا اختلت فيه أحد الأركان المنصوص عليها في المادة 10 أعلاه
- إذا وجد بين الزوجين أحد موانع الزواج المنصوص عليها في المواد 35 إلى 39 أعلاه.
- إذا انعدم التطابق بين الإيجاب والقبول».
وبخصوص ثبوت النسب في الزواج الباطل فقد نظمته المادة 58 من مدونة الأسرة التي جاء فيها: «تصرح المحكمة ببطلان الزواج تطبيقا لأحكام المادة 57 أعلاه بمجرد إطلاعها عليه أو بطلب ممن يعنيه الأمر».
يترتب على هذا الزواج بعد البناء الصداق والاستبراء، كما يترتب عليه عند حسن النية لحوق النسب وحرمة المصاهرة».
وهكذا وحسب نص المادة 58 فتترتب على الزواج الباطل آثار أهمها:
- أنه إذا تم البناء بالمرأة فتستحق الصداق لقول ابن عاصم
- إذا اطلع عليه قبل الدخول يفسخ بغير طلاق يقول المتحف بهدا الخصوص :
- يترتب عنه الاستبراء بعد الدخول
- عندما يثبت أنه وقع حفل زواج أو خطبة بالشهود
- وجود وثائق تفيد اتصال الزوجين بنية الزواج وتكون صادرة عنهما فعلا.
- إذا قام أحد الزوجين أو هما معا لدى المصالح الإدارية بإنجاز وثائق يقران فيها أو أحدهما بالزواج، كتسجيل الأبناء بمكتب الحالة المدنية مثلا.
والعمل القضائي كرس هذه القاعدة، حيث جاء في قرار المجلس الأعلى[59] : «بمقتضى الفقرة الثانية من الفصل 37 من م ح ش فإن كل زواج مجمع على فساده يفسخ بدون طلاق قبل الدخول وبعده ويترتب عليه تعيين الاستبراء وثبوت النسب إن كان حسن القصد» وجاء في قرار محكمة الاستئناف بالدار البيضاء[60] «وحيث إنه لما كان الثابت من وثائق الملف أن عقد الزواج قد أبرم بين الطرفين بتاريخ 26/03/2003 ووضعت الزوجة الولد بتاريخ 19/07/2003 ونازع المستأنف عليه في انتسابه إليه ودعي لخبرة قضائية أسفرت عن أن هذا المولود من مائه، فإنه استنادا لهذا الواقع يكون الزواج قد تم الإشهاد عليه في وقت كان فيه رحم الزوجة مشغولا بحمل من زوجها المستأنف عليه فانتفى شرط حلية الزوجة للنكاح وخلوها من موانعه وقت الإشهاد والذي هو لازم لصحة هذا العقد ولازم لمشروعية العلاقة بين الزوجين طبقا للفقرة الأخيرة من المادة 13 من مدونة الأسرة والفقرة الأخيرة من المادة 39 ويكون بهذا من العقود المجمع على فسادها في الفقه الإسلامي والتي صنفتها مدونة الأسرة في خانة عقود الزواج الباطلة ويلحق فيها الولد طبقا للمادتين 57 و 58 منها».
الفقرة الثانية: الزواج الفاسد
ينقسم الزواج الفاسد طبقا للمادتين 60 و 61 من مدونة الأسرة إلى زواج فاسد لصداقه وفاسد لعقده ويستشف هذا التقسيم من خلال الإطلاع على المادة 59 من المدونة التي نصت على أنه «يكون الزواج فاسدا إذا اختل فيه شرط من شروط صحته طبقا للمادتين 60 و 61 بعده، وفيه ما يفسخ قبل البناء ويصحح بعده وفيه ما يفسخ قبل البناء وبعده. لذلك سنتكلم عن الزواج الفاسد لصداقه (أولا) ثم الزواج الفاسد لعقده (ثانيا).
أولا : الزواج الفاسد لصداقه
الزواج الفاسد لصداقه هو الذي حدد فيه الصداق إلا أنه فقد شرطا من شروط صحته[61] وهي أن يكون طاهرا – منتفعا – مقدورا على تسليمه- وأن يكون معلوما[62] ونصت على هذا النوع من الزواج، مدونة الأسرة في المادة 60 بقولها «يفسخ الزواج الفاسد قبل البناء ولا صداق فيه إذا لم تتوفر في الصداق شروطه الشرعية ويصحح بعد البناء بصداق المثل وتراعي المحكمة في تحديده الوسط الاجتماعي للزوجين» وعليه فإذا اطلع على الزواج الفاسد لصداقه قبل الدخول يفسخ ولا صداق فيه للزوجة أما إذا تم الدخول فيصحح بصداق المثل وفي هذا يقول ابن عاصم في التحفة.
وما فساده من الصداق *** فهو بمهر المثل باق
وهذا الزواج لا يطرح مشكلا على مستوى النسب، لأن الفسخ فيه يتم بمجرد الإطلاع وقبل الاستمتاع بالزوجة أما بعد البناء فيعتبر زواجا صحيحا وينتج آثاره بعد تصحيحه.
ثانيا : الزواج الفاسد لعقده
جاء في المادة 61 من مدونة الأسرة «يفسخ الزواج الفاسد لعقده قبل البناء وبعده وذلك في الحالات الآتية:
- إذا كان الزواج في المرض المخوف لأحد الزوجين إلا أن يشفى المريض بعد الزواج.
- إذا قصد الزوج بالزواج تحليل المبثوتة لمن طلقها ثلاثا
- إذا كان الزواج بدون ولي في حالة وجوبه
- يعتد بالطلاق أو التطليق الواقع في الحالات المذكورة أعلاه، قبل صدور الحكم بالفسخ»
وقد نص ابن عاصم في التحفة على الزواج الفاسد لعقده بقوله
فما فساده يخص عقده *** ففسخه قبل البناء وبعده
أما فيما يتعلق بآثار الزواج الفاسد لعقده وهو الذي يهمنا- أن المشرع المغربي رتب على الزواج الفاسد لعقده آثار الزواج الصحيح متى تم البناء بالزوجة، ويلحق الولد بالزوج دون اعتبار لنيته خلافا للزواج الباطل، وهكذا نصت المادة 64 من مدونة الأسرة "الزواج الذي يفسخ تطبيقا للمادتين 60 و 61 لا ينتج أي أثر قبل البناء وتترتب عنه بعد البناء آثار العقد الصحيح إلى أن يصدر الحكم بفسخه».
المطلب الثالث: ثبوت النسب في الوطء بشبهة
الفقرة الأولى: الشبهة في مدونة الأحوال الشخصية الملغاة
أولا : مفهوم الشبهة
يقصد بالشبهة، الاتصال غير الشرعي بين رجل وامرأة مع اعتقاد الرجل حلية الاتصال نتيجة غلط في الواقع أو في الحكم الشرعي.[63]
ويتحقق الاتصال بشبهة في صورة غير مشروعة للاتصال الجنسي، وهذا الاتصال لا يكون زنا ولا ينبني على عقد نكاح صحيح أو فاسد.
ثانيا : أنواع الشبهة
والشبهة تتنوع إلى ثلاثة أنواع حسبما جاء في قرار المجلس الأعلى : «الشبهة التي يثبت بها النسب إما شبهة الملك وإما شبهة العقد وإما شبهة الفعل»[64]
وشبهة الملك، أي شبهة في حل المرأة، حيث يشتبه الحكم الشرعي على الرجل في الحل أو الملك وهي تقوم إذا وجد دليل شرعي يفيد حل الفعل الذي أتاه مع وجود دليل آخر يرجحه ويحرم الفعل نفسه ومثالها أن يواقع الرجل جارية ابنه معتقدا بأنها حلال عليه لقول الرسول r «أنت ومالك لأبيك»، أو أن يخالط الرجل مطلقته بائنا في عدتها ظنا منه أن ذلك جائز مستدلا بما يروى عن سيدنا عمر بن الخطاب «الكناية رواجع» فإن هذين الحديثين أوجبا شبهة، والحد فيهما يدرأ بها لقولهr : « أدرأوا الحدود بالشبهات ما استطعتم»[65].
وشبهة العقد هي التي وجدت بسبب وجود العقد صورة لا حقيقة كأن يعقد الرجل على امرأة ثم يتبين فساد العقد لسبب من الأسباب الموجبة للفساد.
أما شبهة الفعل أو الاشتباه، وتتحقق في نفس من اشتبه عليه الحل والحرمة بأن ظن الرجل ما ليس بدليل، دليلا مبيحا لفعله دون أن يكون كذلك في الواقع حيث يكون الاشتباه بحل الوطء ناشئا عن خطأ غير مقصود كما لو زفت امرأة إلى رجل على أساس أنها زوجته فوطئها وتبين له أنها ليست كذلك.
فمتى ثبتت الشبهة في الحالات الثلاث وازداد ولد من هذه الشبهة فإنه يثبت نسبه للمتصل إن ادعاه وإلا لم يثبت له نسب لأن الفراش في هذه الصورة لا يثبت النسب وإنما يثبته الإقرار.
ثالثا : موقف مدونة الأحوال الشخصية الملغاة من الشبهة
ومدونة الأحوال الشخصية الملغاة نصت في الفصل 87 «الخالية من الزوج إذا وطئت بشبهة وجاءت بولد ما بين أقل مدة الحمل وأكثرها يثبت نسبه إلى الواطئ».
فمن خلال هذا الفصل، إذا دخل الرجل بامرأة معتقدا أنها فراش صحيح له ثم ظهر له أنه اشتبه الأمر عليه وليست حلالا له، فيكون ذلك وقاعا منه بشبهة، فإن أتت الموطوءة بشبهة بولد ما بين أقل مدة الحمل وأكثرها، ينسب الولد للواطئ فمناط ثبوت النسب في هذه الحالة الاعتقاد بحلية الفراش كما سبق تبيانه أما علاقة الفساد فلا يترتب عنها ثبوت النسب حتى ولو جاءت المرأة بالولد خلال أمد الحمل المعتبرة شرعا وهذا ما أكده المجلس الأعلى في قراره الذي جاء فيه[66] :«لا يثبت النسب بعلاقة الفساد وإن اعترف بها».
الفقرة الثانية : الشبهة في مدونة الأسرة
تطرقت مدونة الأسرة إلى الشبهة في مادتين اثنتين المادة 155 و 156.
أولا : الشبهة في إطار المادة 155
نصت المادة المذكورة على أنه «إذا نتج عن الاتصال بشبهة حمل وولدت المرأة ما بين مدة الحمل وأكثرها ثبت نسب الولد من المتصل.
يثبت النسب الناتج عن الشبهة بجميع الوسائل المقررة شرعا»[67]
من خلال استقراء نص هذه المادة فإنها حافظت على مقتضيات الفصل 87 من مدونة الأحوال الشخصية الملغاة[68] ولعل الجديد الذي جاءت به يتمثل في التنصيص على وسائل إثبات النسب الناتج عن الشبهة[69].
كما نصت المادة 152 من مدونة الأسرة أن الشبهة تعتبر سببا من أسباب لحوق النسب والاتصال بشبهة عبارة عن واقعة مادية يمكن إثباتها بجميع وسائل الإثبات المقررة شرعا وتقديرها يخضع للسلطة التقديرية لمحاكم الموضوع.
وتجدر الإشارة أنه متى أثبتت المرأة واقعة الاتصال كان للمتصل أن يثبت انتفاءها أو عدم تحقق شروطها[70] ومن ذلك أن تأتي الزوجة بولد لأقل من ستة أشهر بعد وقوع الاتصال بها عن طريق الشبهة، فإذا كانت المرأة المتصل بها بشبهة ذات زوج – على اعتبار أن لفظ المرأة الوارد بالمادة المذكورة أعلاه جاء عاما- وكانت على اتصال بزوجها، فالنسب يلحق بالزوج لمظنة الفراش وإن كان للزوج أن ينفيه عن طريق الخبرة القضائية أو اللعان، متى اتضح له يقينا أن الحمل ليس منه مع التقيد ضرورة حتى يستجاب لطلبه بمقتضيات المادة 153 من مدونة الأسرة وإن كانت محاكم الموضوع في مثل هذه القضايا تعتد بالفراش الصحيح باعتباره الأساس في ثبوت النسب[71].
والملاحظ أن المادة 155 من مدونة الأسرة لم تشترط سوء أو حسن النية في المتصل بشبهة للقول بلحوق النسب به، إلا أنه من الثابت القول أنه لا يمكن لحوق النسب من المتصل بشبهة إلا إذا كان هذا الأخير حسن النية لأنه لا يعقل أن يجامع رجل امرأة بشبهة وهو يعلم أنها لا تحل له إذ نكون حينها أمام زنى محض وابن الزنا كما هو معلوم فقها وقانونا لا يلحق نسبه لأنه مقطوع النسب شرعا.
ولثبوت الاتصال بشبهة، فإنه يتعين إثبات الخلوة التي تعد قرينة على حصول الوطء وهذا ما أكده المجلس الأعلى في قراره الذي جاء فيه: «لا يستفيد الولد من شبهة النسب مادام لم يثبت الوطء أو الخلوة ببنية قائمة شرعا أو بالإقرار»[72].
والملاحظ من خلال مقارنة نص المادة 155 من مدونة الأسرة بمقتضيات الفصل 87 من مدونة الأحوال الشخصية الملغاة، نجد أن مدونة الأسرة قد جاءت بنص عام وتكون بذلك قد سدت الثغرة القانونية التي كان يطرحها الفصل 87 أعلاه الذي اقتصر على الخالية من الزوج فقط.
ثانيا : الشبهة بمفهوم المادة 156 من مدونة الأسرة (شبهة الخطبة)
عملت مدونة الأسرة على التوسع في مجال الأخذ بالشبهة[73] من خلال التنصيص على شبهة الخطبة في المادة 156 التي سمحت بشكل صريح بثبوت النسب الناتج عن الخطبة للشبهة، لذلك سنتطرق بالدراسة لهذه النقطة من خلال الحديث عن الشروط الواجب توفرها في الخطبة(أولا) ثم موقف الفقه (ثانيا) وموقف العمل القضائي خلال مدونة الأحوال الشخصية الملغاة (ثالثا) وموقف القضاء خلال مدونة الأسرة (رابعا) لنخلص في الأخير إلى أهم الإشكالات التي يطرحها الموضوع (خامسا).
أولا شروط الخطبة
جاء في المادة 156 من مدونة الأسرة إذا تمت الخطوبة وحصل الإيجاب والقبول وحالت ظروف قاهرة دون توثيق عقد الزواج وظهر حمل بالمخطوبة ينسب للخاطب للشبهة ادا توفرت الشروط التالية
-إذا اشتهرت الخطبة بين أسرتيهما ووافق ولي الزوجة عليها عند الاقتضاء
-إذا تبين أن المخطوبة حملت أثناء الخطبة
-إذا اقر الخطيبان أن الحمل منهما
تتم معاينة هده الشروط بمقرر قضائي غير قابل للطعن... "
من خلال هذه المادة لكي يلحق النسب بالخاطب فلا بد من توافر الشروط المشار إليها أعلاه فإذا انعدم واحد منها لم يلحق نسب الولد بالخاطب والملاحظ أن المشرع اشترط تمام الخطوبة دون توضيح لذلك ما إذا كان المقصود إتمام إجراءات العقد أم مجرد إتمام إجراءات الخطبة. كما لم يوضح مفهوم الظرف القاهر رغم التنصيص عليه في المادة 16، كما اشترط أن يكون الحمل قد ظهر بالمخطوبة في فترة الخطبة،فان ظهر قبلها اعتبر ابن زنا ولو اقر به الخاطب وعموما فإنه بتنصيص المدونة على هذا المستجد تكون قد وضعت حدا لكل الشد والجذب الذي عرفه موضوع نسب الحمل الظاهر بالمخطوبة، وجاءت بحل للإشكالات التي كانت مطروحة وسدت الفراغ التشريعي الذي عرفته مدونة الأحوال الشخصية الملغاة، لكن رغمها لم تترك الأمر لسلطة الأشخاص، وإنما قيدت النسب بتوافر الشروط أعلاه ومراقبة هده الشروط تتم بمقرر قضائي غير قابل للطعن حتى يتسنى القول لثبوت النسب وتسمع الدعوى من طرف القضاء والحقيقة أن المادة 156 لا تختلف في شيء عن أحكام عقد الزواج الصحيح[74]، ذلك أن لثبوت النسب للخاطب، يجب توافر عنصرين هما الإيجاب والقبول مع العلم أنهما ركنان في عقد الزواج، وكذا اشتهار الخطبة وموافقة ولي الزوجة[75] وهما شرطي صحة، إذ لا ينقص الخطبة والحالة هاته إلا تسمية الصداق والتوثيق لدى عدلين، لذلك كانت صياغة المادة المذكورة فيها نوع من التداخل في بعض محتوياتها مع بعض مواد المدونة
ثانيا : موقف الفقه من شبهة الخطبة
وشبهة الخطبة تلحق بشبهة الحل التي نص عليها الفقهاء لكون الخاطب يعتقد بحلية معاشرة مخطوبته مادام أن التوثيق هو مجرد إجراء لإتمام العقد وشبهة الخطبة محل خلاف بين الفقهاء، حيث يرى الأستاذ عبد الكريم شهبون[76] أن الشبهة هي توافر الشروط الواردة بالمادة المذكورة، في حين يرى الأستاذ يونس الزوهري[77] أن الشبهة المنصوص عليها في المادة 156 ذات معنى جديد غير ذاك الذي نظمه الفقه الإسلامي، في حين لا يرى الأستاذ محمد جوهر[78] أي وجود للشبهة بالمعنى الفقهي لكون الخطيب يعرف تمام المعرفة المخطوبة والعلاقة الجنسية التي أدت إلى الحمل ثم السعي لها من الطرفين عن وعي واقتناع، أما الأستاذ محمد التاويل[79] فله رأي آخر، إذا اعتبر «أن الاحتجاج بالخطوبة واعتبارها بمثابة وطء بشبهة يدرأ فيه الحد ويلحق فيه النسب هو احتجاج باطل وقياس فاسد وفهم خاطئ لوطء الشبهة وتوسع في مفهومه دون سند أو دليل لأن الوطء بشبهة محصور عند القائلين به في حالات معينة وأن من شروط الوطء بشبهة أن يعتقد الواطئ وجود السبب المبيح للوطء وهو ما لا يتوفر في حالة وطء الخطيبة وما يقال من سلامة القصد وحسن النية لا يبيحان الإقدام على حرام ولا يعذر بهما الخاطب كما أن الخطبة ليست زواجا بالإجماع وأن الإجماع منعقد على حرمة الاستمتاع بالخطيبة قبل العقد عليها».
أما الأستاذ محمد المهدي[80] فيرى أن الخاطب والمخطوبة في نص مدونة الأسرة يجمعها عقد شرعي بحكم الإيجاب والقبول اللذين صدرا منهما وظهور الحمل قبل الإشهاد يعني أنه حصل الدخول قبله ونكون أمام زواج مختل شرعا والحكم فيه كما يرى المالكية الفسخ ولا حد على الزوجين إن اشتهر زواجهما وحصلت الاستفاضة ولو علما بوجوب الإشهاد، أما إن لم يكن فاشيا فيجب عليهما الحد ولو كانا يجهلان وجوب الإشهاد.
ثانيا : موقف العمل القضائي من الموضوع
أ- موقف العمل القضائي في ظل مدونة الأحوال الشخصية الملغاة
لقد استقر العمل القضائي على عدم الاعتراف بالنسب الناتج عن الخطبة، وإن كانت بعض الاجتهادات القضائية اتخذت موقفا مغايرا، حيث جاء قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء[81] «إن العلاقة الجنسية بين الخاطب والمخطوبة لا تكون جريمة الفساد المنصوص عليها في الفصل 490 من ق.ج»، كما أن محكمة الاستئناف بفاس تبنت فتوى الفقيه محمد الجواد الصقلي حيث عللت قرارها بما يلي[82] : «إن الخلوة في العصر الحاضر تتم حق في حالة الخطوبة فأحرى بعد العقد الشرعي»، وفي قرار آخر لمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء[83] «إذا تبين للمحكمة الجنحية أن العلاقة القائمة بين رجل وامرأة قد تمت بينهما على نية الزواج وعلى أساسه وبواسطة ولي المرأة وحضر كافة أقاربها وأصدقاء الرجل وعلى مرأى ومسمع من العموم، فإن تهمة الفساد المنسوبة إليهما تنتفي انتفاء كليا وبقوة القانون، لأن القانون يعاقب على العلاقة الجنسية غير المشروعة التي تقع بغية الفساد في السر والخفاء».
والملاحظ أن هذا التوجه القضائي فقد الصفة غير المشروعة على العلاقة التي تقوم بين الخاطب والمخطوبة وهو تمهيد للاعتراف بالآثار المترتبة عن هذه العلاقة، وهو توجه حاول مسايرة الفتوى القائلة بلحوق النسب أثناء فترة الخطبة[84].
وبالمقابل نجد موقفا مغايرا لبعض المحاكم التي لم تعترف بالنسب الناتج عن الخطبة، حيث جاء في قرار لمحكمة الاستئناف بالرباط[85] «حيث بمقارنة عقد الزواج مع تاريخ الولادة يتبين أن المستأنف عليها أتت بالمولود في أربعة أشهر ويومين من تاريخ عقد الزواج أي خارج مدة الحمل الشرعية، حيث إن أقل مدة الحمل ستة أشهر.
وحيث أن الخطبة وعد بالزواج وليست بزواج ويدخل في حكمها قراءة الفاتحة وما جرت به المادة والعرف من تبادل الهدايا.
حيث إن العلاقات خارج إطار الزواج لا يترتب عنها شيء وهي محض زنا...» غير أن المجلس الأعلى اتخذ موقفا حاسما في الموضوع، حيث قرر رفض كل الأحكام التي حاولت إلحاق النسب بالأطفال المولودين في فترة الخطبة وإن استندت إلى بعض الأصول الفقهية[86] وفي هذا الإطار سبق له أن نقض الحكم الاستئنافي الذي تبنى النظرية الفقهية الحديثة حيث جاء في قراره[87] : «لما كانت المحكمة قد تأكدت من أن المرأة قد وضعت مولودها بعد الزواج بأربعة أشهر فقط وألحقت مع ذلك نسب هذا المولود بالزوج بناء على ما تبث لديها من أنه كان يعاشرها معاشرة الأزواج قبل أن يعقد عليها الخطيب ولحوق النسب بالخطيب إذا أمكن الاتصال تكون المحكمة بصنيعها هذا قد خالفت أصول الفقه المعمول به والحديث الشريف الولد للفراش»
ب- موقف العمل القضائي في ظل مدونة الأسرة
من خلال الإطلاع على نماذج من الأحكام القضائية، نلاحظ وجود نوع من التضارب، سيما في تعامل القضاء مع الشروط الواجب توفرها في الدعاوى المقدمة في إطار المادة 156 أعلاه.
وهكذا جاء في حكم صادر عن قسم قضاء الأسرة بسلا[88] «وحيث إنه من أسباب النسب إقرار الأب طبقا للمادة 152 من المدونة.
وحيث إن الفراش بشروطه صحة قاطعة على ثبوت النسب طبقا للمادة 153 من المدونة، وحيث إن الاتصال تم بين الطرفين بعد الخطوبة واشتهارها بين أسرتي الزوجين وبعد حصول الإنجاب والقبول وأن عدم توثيق عقد الزوج كان لظروف قاهرة خارجة عن إرادة الطرفين.
وحيث أن الاتصال المذكور أعلاه تم بين الطرفين بشبهة ونتج عنه ميلاد الطفل المهدي يثبت نسب الولد للمتصل طبقا للمواد 155 و 156 من المدونة فيكون الطلب مرتكز على أساس قانوني سليم ويتعين الاستجابة له في إطار المادة 156 من مدونة الأسرة* فالمحكمة لم تناقش الشروط الواجب توافرها وإنما اكتفت بإقرار الخطيبين بأن الحمل منهما وتعاملت بشيء من المرونة، والظاهر من خلال إطلاعنا على مجموعة من الأحكام الصادرة في الموضوع عن نفس المحكمة[89]، تبين أن التوجه العام الدي رسمته المحكمة هو التساهل، بل الأكثر من هذا لم تصرح ببطلان عقد الزواج في حالات عديدة أبرم فيها العقد والزوجة حامل مخالفة بذلك مقتضيات المادة 39 و 57 من المدونة.
لكن بالمقابل، فإنه لا يعتد بالشبهة في إطار المادة 156، إذا ما ثبتت للمحكمة أن الحمل ناتج عن علاقة غير شرعية، حيث جاء في حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بسلا[90] «وحيث إنه ومن جهة أخرى ومسايرة مع إدعاء المدعية فإن الحمل نتج والعلاقة التي كانت تربطها بالمدعى عليه علاقة غير شرعية وأن المدعى عليه أبرم عقد الزواج بها وهي حامل وقبل فترة الخطبة فتكون بذلك مقتضيات المادة 156 من المدونة غير متوافرة في النازلة ذلك أن المشرع وإن أجاز ثبوت النسب في فترة الخطبة استنادا للشبهة فإنه قيدها بعدة شروط وهي المنصوص عليها بالفصل المذكور أعلاه ومنها الإيجاب والقبول وتسمية الصداق وأن يكون المانع من توثيق الزواج ظرف قاهر وبالتالي فإن ظهور الحمل أثناء الخطبة وليس قبلها هو المعتد به شرعا لإثبات النسب باعتبار أن فراش الخليلين فراش زنى في نظر الشرع الحكيم يبوء صاحبه بالإثم ولا ثبت به النسب أبدا...» وهذا ما أكدته محكمة الاستئناف بالرباط في قرار لها جاء فيه : «لكن حيث إنه لا يمكن التحدث عن الشبهة إلا إذا كانت هناك خطبة من طرف الخاطب وحصل الإيجاب والقبول وحالت ظروف قاهرة دون إبرام عقد الزواج طبقا لمقتضيات الفصل 156 من مدونة الأسرة»[91].
في حين نجد اتجاها ثانيا متشددا شيئا ما[92] في وجوب توفر الشروط المنصوص عليها في المادة 156 من المدونة، حيث جاء في حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بمراكش «وحيث أنه فيما يخص مسألة ثبوت ابن المدعية للمدعى عليه لقيام علاقة الخطبة، فإن المشرع حدد في المادة 156 من مدونة الأسرة، الإطار القانوني لرفع هذه الدعوى والشروط التشريعية الواجب توافرها لقيامها وهذه الشروط هي حصول الإيجاب والقبول بين الطرفين ووجود ظروف قاهرة واستثنائية حالت دون قيام الإجراءات المسطرية المتعلقة بتوثيق عقد الزواج وأنه في هذه النازلة فإن المدعية وهي الملزمة قانونا بإثبات دعواها لم تدل بما يفيد قيام حالة الاستثناء المانعة من توثيق عقد الزواج الشيء الذي يجعل الشروط التشريعية المستلزمة لثبوت النسب وفق النموذج القانوني المحدد في المادة 156 من مدونة الأسرة غير متوافرة في النازلة ويلزم لذلك رفضه»[93].
وبموازاة مع ذلك فقد طرحت المادة 156 إشكالات عملية عديدة نتطرق لها بإيجاز فيما يلي:
الإشكاليات المطروحة :
تعارض مقتضيات المادة 156 ومقتضيات المادة 13 من المدونة
نعتقد أنه لا يوجد أي مبرر قانوني لاشتراط موافقة ولي الزوجة عند الاقتضاء على الخطبة لأن موافقة الولي شرط لصحة عقد الزواج وليست شرطا في الخطبة حسبما جاء في المادة 13 من مدونة الأسرة، فالخطبة هي تواعد على الزواج وليست بزواج وهذا ما أقره المجلس الأعلى في قرار له «حيث صح ما نعته الوسيلة ذلك أنه طبقا للمادة الخامسة من مدونة الأسرة تعتبر الخطبة وعد بالزواج يحق لكل من الطرفين العدول عنها ولا تنتهي بالزواج إلا حين الإشهاد على ذلك والمطلوبة في النقض صرحت في مقالها أنها حملت من الطالب في مرحلة الخطبة وأقامت دعواها على هذا الأساس فإن المحكمة لم تكن على صواب لما كيفت هذه العلاقة واعتبرتها زواجا صحيحا ورتبت عليه آثاره، لأن الزواج لا ينعقد إلا بإيجاب وقبول بألفاظ تفيد دلك لغة أو عرفا وهو ما لا يؤديه التعبير عن الخطبة، التي تبقى مجرد وعد بالزواج. وكل اتصال بالمخطوبة خلال هذه الفترة لا يعد زواجا وإن كان يثبت به النسب إن تحققت الشروط المنصوص عليها بالفصل 156 من نفس القانون»[94].
ثبوت النسب للخاطب في إطار المادة 156 م.أ. ومسطرة التعدد
بتقييد مسطرة التعدد بشروط حدت من تعدد الزوجات، فإن طالب التعدد في حالة رفض طلبه فإنه يلجأ إلى التعدد الفعلي عن طريق إجراء خطبة وتبادل الإيجاب والقبول مع المخطوبة وإنجاب الأبناء ثم يلجأ بعدها إلى إثبات نسبهم في إطار المادة 156 من مدونة الأسرة، ويعتبر عدم توثيق عقد الزواج هو تعذر حصول الخاطب على إذن بالتعدد لزواجه من أخرى، حيث يتم اعتماده ظرفا قاهرا[95]
تداخل مقتضيات المادة 156 من م.أ مع مقتضيات المادة 16 منها
نجد من خلال استقراء نص المادتين أنهما يتداخلان بخصوص الظرف القاهر[96]، فإنه إذا تمت الخطبة وحصل الإيجاب والقبول ونتج عن ذلك حمل أو ازدياد ابن فنكون أمام زواج غير موثق، مادام الغاية من الزواج هي تكثير سواد الأمة وإنجاب الأطفال وإن كان المشرع لا يشترط وجود خطبة في سماع دعوى الزوجية لأن الخطبة ليست لازمة في كل زواج توفرت فيه شكلية الكتابة، بينما ينص على ضرورة إتمام الخطبة بين الطرفين.
ومادام المشرع لم يحدد أجلا للخطبة تنتهي خلاله وإن حددها بإبرام عقد الزواج فإن ذلك لا يمنع من قيام الزوجية، على اعتبار أن الكتابة شرط إثبات وليست شرط صحة لقول المتحف:
الصيغــــة والزوجـان *** والولي جملـة الأركـان
وفي الدخول الحتم في الإشهاد *** وهو مكمل في الانعقاد
ولا ندري لما يلجأ غالبية المتقاضين إلى إبرام عقد الزواج رغم وجود إحدى موانعه والمحكمة ستصرح ببطلان عقد الزواج بمجرد الإطلاع عليه، ونرى أنه من الأفيد سلوك مسطرة المادة 16 من م.أ بعد الوضع أو خلال الحمل، وحفاظا على الاستقرار الاجتماعي وحتى ينمو الطفل بين أحضان والديه، لا أن يثبت نسبه والعلاقة بين والديه منتفية قانونا.[97]
موقف القضاء من الشكاية المقدمة من المخطوبة القاصر في مواجهة الخاطب طبقا لمقتضيات الفصول 485 -488 471 من القانون الجنائي.
يطرح هذا الإشكال بحدة على القضاء الزجري، من خلال تقديم المخطوبة القاصرة لشكاية ضد الخاطب من أجل هتك عرضها بالعنف نتج عنه افتضاض والتغرير بها في الحالة التي يتعذر عليه العقد عليها لعدم حصولها على الإذن بزواج القاصر لصغر سنها وتكون مراسيم الخطبة قد تمت وتعددت الخلوات بين الطرفين، نتج عنها حمل، فالقاصرة حفاظا على حقوقها تلجأ إلى القضاء، لكن الملاحظ أن قضاء التحقيق يأمر بمتابعة الخاطب طبقا لفصول المتابعة، وهذا في نظرنا فيه أثار على استقرار المجتمع، في حين فإن قضاء الموضوع له وجهة نظر أخرى في دلك، وهكذا نجد محكمة الاستئناف بالرباط- -غرفة الجنايات – قد قررت ما يلي [98] : «وحيث إن قاعدة التجريم الجنائية تصبح والعدم سواء متى أتى قانون جديد وأباح سلوكا كان جانحا في ظل قانون سابق.
وحيث إن المشرع المغربي في مدونة الأسرة خاصة في الباب المتعلق بالخطبة نص صراحة على أنه متى تمت الخطبة والإيجاب والقبول فإن الحمل ينسب للخاطب متى تحققت العلنية فبالأحرى متى كان هذا الأخير يقر بأن المشتكية خطيبته والولد الذي في أحشائها من صبله.
وحيث إن النص الخاص أي مدونة الأسرة أجاز اللقاء الجنسي بين الخاطب ومخطوبته متى تحقق الرضا فلم تعد الخطبة وعدا بالزواج بل هي زواج ينتج آثار الولادة بما فيها حقوق النسب[99].
وحيث أن هذا الواقع كان متحققا لحظة مثول الطرفين أمام الضابطة القضائية وقضاء التحقيق وقضاء الحكم وبالتالي فإن وقائع النازلة لا تشبه الحالات التي يعبر فيها المغتصب أو الهاتك للعرض عن رغبته في الزواج بمن اغتصبها أو هتك عرضها، حيث تصح المتابعة...»
المادة 156 من مدونة الأسرة وقانون الحالة المدنية :
السؤال الدى يطرح نفسه هنا، هل يمكن التصريح بازدياد الابن الناتج عن الخطبة أمام ضابط الحالة المدنية دون اللجوء إلى القضاء كما يرى بعض الفقه[100]، فالجواب عن دلك نجده في مقتضيات المادة 156 نفسها «تتم معاينة هذه الشروط بمقرر قضائي غير قابل للطعن» لأنه لا يمكن ترك الباب مشرعا أمام كل من هب ودب في التصريح بازدياد الأبناء المزدادين نتيجة علاقة الخطبة، لأن فيه سلب لاختصاص القضاء من جهة وتعارض مع مقتضيات قانون الحالة المدنية من جهة أخرى والذي جاء في المادة 17 من المرسوم رقم 665-99-2 لتطبيق القانون رقم 99-37 المتعلق بالحالة المدنية أنه «يعزز التصريح بالولادة بشهادة يسلمها الطبيب المولد أو المولدة الشرعية أو السلطة المحلية وبنسخة من عقد الزواج فيما يخص المغاربة المسلمين تثبت العلاقة الشرعية التي نتجت عنها الولادة» مما يعني أن نسب الحمل الناتج عن الخطبة لا يمكن تسجيله من طرف المصالح الإدارية إلا بعد استصدرا حكم قضائي بذلك.
المطلب الرابع: حجية الفراش
جاء في المادة 153 من مدونة الأسرة في الفقرة الثانية: «يعتبر الفراش بشروطه حجة قاطعة على ثبوت النسب لا يمكن الطعن فيه إلا من الزوج عن طريق اللعان أو بواسطة خبرة تفيد بشرطين.
إدلاء الزوج المعني بدلائل قوية على إدعائه
صدور أمر قضائي بهذه الخبرة».
وعليه فالقوة الثبوثية للفراش هي القاعدة (فقرة أولى) وترد عليها استثناءات (فقرة ثانية).
الفقرة الأولى: القاعدة
يعتبر الفراش حجة قاطعة على ثبوت النسب الناتج عن الفراش المستوفي لشروطه المنصوص عليها في المادة 154 من مدونة الأسرة وهي توفر أقل مدة الحمل من تاريخ العقد وإمكانية الاتصال والولادة خلال سنة من تاريخ الفراق.
وهكذا، فالقضاء يعتد بنسب الأبناء المزدادين خلال قيام العلاقة الزوجية ولا يتلفت إلى إدعاءات الزوج بأن الحمل أو الإبن ليس منه بدعوى أنه ناتج عن علاقة خيانة زوجية، أو أن الزوج عقيم، جاء في قرار المجلس الأعلى «إذا ثبت النسب بالفراش فلا يستجاب لإجراء طبي لنفيه»[101]
كما جاء في قرار آخر بتاريخ 28/6/2006 في الملف الشرعي عدد 188/2/1/2005 «الولد للفراش إن مضى على عقد الزواج أقل مدة الحمل وأمكن الاتصال بين الزوجين وبثبوت الخيانة الزوجية لا يترتب عنه ثبوت نفي النسب مادام الزوج لم يسلك الطرق المحددة قانونا لنفي النسب»[102] وهذا التوجه تسايره محكمة الاستئناف بالرباط حيث رفضت دعوى المستأنف الذي ينفي نسب البنت بعلة أنها ولدت نتيجة علاقة غير شرعية في إطار الخيانة الزوجية، وألحقت نسبها به مادام المستأنف لم يسلك المسطرة المنصوص عليها قانونا بمجرد ظهور الحمل ولم يدل بدلائل قوية على إدعائه[103].
الفقرة الثانية : الاستثناءات
- اللعـــان
وإنمـا للـزوج أن يلتعنـا * * * بنفـي حمل أو برؤية الزنـا[105]
والمادة 154 المشار إليها أعلاه لم تبين مفهوم اللعان أو تحدد مسطرته وأحكامه لذلك يتوجب على القاضي الرجوع إلى أحكام الفقه المالكي تطبيقا للمادة 400 من مدونة الأسرة التي جاء فيها «كل ما لم يرد به نص في هذه المدونة، يرجع فيه إلى المذهب المالكي والاجتهاد الذي يراعي فيه تحقيق قيم الإسلام في العدل والمساواة والمعاشرة بالمعروف».
لذلك على الزوج بمجرد علمه بأن الحمل الظاهر بزوجته ليس منه أو بأن الولد الذي وضعته ليس من صلبه أن يبادر إلى تقديم دعوى بناء على مقال مستقل للقضاء الأسري[106] وتكون حجته هي اللعان وفق ما بينه الله تعالى في سورة النور – الآيتان 6 و7 منها وصورتها أن يحلف الزوج أربع مرات إنه صادق في اتهامه لزوجته، سواء في رؤية الزنا أو نفي الحمل عنه والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين وإذا أصرت الزوجة على تكذيبه فتحلف بدورها أربع مرات بأنه كاذب في ادعائه وفي الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين وقد أوجز ابن عاصم هذه المسطرة في التحفة حيث قال :
ويبدأ الزوج بالالتعان لدفع حد أربع من الأيمان
إثباتا أو نفيا على ما وجبا مخمسا بلعنة إن كذبـا
وتحلف الزوجة بعده أربعا لتدرأ الحد بنفي ما ادعــا
تخميسها بغضب إن صدقا ثم إذا تم اللعان افترقا
وعلى القاضي قبل تطبيق مسطرة اللعان أن يتحقق من توفر الشروط الآتية :
أن يكون الحمل لاحقا بالملاعن، سواء كان الزواج صحيحا أو فاسدا أو في الاتصال بشبهة وسواء أكانت الزوجة في العصمة أو في العدة من طلاق رجعي.ألا يتصل الزوج بزوجته بعد استقراره على ملاعنتها وأن يقوم باستبرائها بحيضة واحدة جاء في التحفة :
مع إدعائه للاستبراء * * * وحيضة بينة الإجزاء
فإذا اتصل بها ووطئها بعد اتهامها بطلت دعوى اللعان، جاء في قرار المجلس الأعلى بهدا الخصوص: «وحيث إن الفقه المالكي يشترط لتمكين الزوج من ملاعنة زوجته ادعاؤه رؤية الزنا ونفي الحمل أن يتقدم ذلك استبراء الزوجة بالوسائل الشرعية وأنه ما لم يتم هذا الاستبراء فإنه لا يجوز الحكم بنفي نسب الولد»[107]
3- ألا يكون الولد غير لاحق شرعا بالزوج : فالزوجة التي تأتي بولد لأقل من ستة أشهر من تاريخ العقد أو لأكثر من سنة من تاريخ الفراق حسبما هو منصوص عليه في المادة 154 من المدونة، فإنه غير لاحق شرعا بالزوج ولا حاجة في نفيه عنه.
جاء في قرار المجلس الأعلى «الوضع لأقل من ستة أشهر ينفي النسب بغير لعان»[108].
4- ألا يقر الملاعن بالولد : سواء دلالة أو ضمنا كقبول التهنئة بالمولود أو الإسراع إلى تسجيله بالحالة المدنية.أو إقامة حفل العقيقة.
5- الإسراع في رفع دعوى اللعان بمجرد العلم : فبمجرد تأكد الزوج من واقعة زنا زوجته أو حدوث الولادة أن يرفع أمره إلى القضاء، فدعوى اللعان لا تستوجب التأخير وإن فعل لا تسمع دعواه جاء في قرار المجلس الأعلى: «أن الأب إنما يحق له نفي نسب الحمل في أول علمه به، أما إذا سكت بعد علمه به فلا يحق له ذلك»[109]
ثانيا: الخبرة
لا يلجأ إلى الخبرة إلا بوجود دلائل قوية تعضد ادعاءات الزوج، وقد أجازتها مدونة الأسرة ولم يكن معترفا بها في ظل مدونة الأحوال الشخصية الملغاة، ولعل المشرع لما اعتمدها، فإنه ساير بذلك التطور العلمي الحاصل في ميدان الطب والقضاء المغربي اعتمد الخبرة كوسيلة لإثبات ونفي النسب، جاء في قرار المجلس الأعلى «بمقتضى المادة 153 فإن الخبرة تعتبر من وسائل إثبات النسب»[110].
المبحث الثاني : الإقرار
يعد الإقرار من وسائل إثبات النسب، فإذا كان الفراش منشئا له، فإن الإقرار كاشف له وقد تعرض له المشرع في المادة 152 من مدونة الأسرة التي جاء فيها، أسباب لحوق النسب
: 1- الفراش 2- الإقرار، 3- الشبهة وكذلك في المادة 158 من نفس المدونة التي حددت وسائل إثبات النسب، وللإحاطة بالموضوع سنتطرق لمفهوم الإقرار وأركانه وأنواعه (مطلب أول) ثم لشروطه وإثباته وآثاره في (مطلب ثان) على أن نخصص المطلب الثالث للإقرار بالنسب والحالة المدنية.
المطلب الأول: مفهوم الإقرار، أركانه وأنوعه
الفقرة الأولى : مفهوم الإقرار
الإقرار لغة هو الإذعان للحق والاعتراف به[111] قال تعالى : «قال أقررتم وأخذتم على ذلك إصري، قالوا أقررنا»[112]، أما في الاصطلاح هو الإخبار عن ثبوت حق للغير على المخبر[113]، ويسمى الشهادة على النفس وعرفه ابن عرفة بأنه «خبر يوجب حكم صدقه على قائله فقط بلفظه أو لفظ نائبه»، وحقيقة الإقرار الإخبار عن أمر يتعلق به حق الغير وحكمه اللزوم وهو أبلغ من الشهادة[114].
والإقرار عند الفقهاء يطلق عليه لفظ الاستلحاق وعرفه ابن معجوز بأن يدعي الرجل أنه أبا لغيره بأن يقول هذا ابني أو فلان ابني حيا كان هذا المستلحق أو ميتا، ذكرا كان أو أنثى كان كبيرا أو صغيرا وسواء كان المستلحق صحيحا أو مريضا مرض الموت عند الاستلحاق»[115]
وقد نظمت مدونة الأسرة الإقرار في المواد من 160 إلى 162، حيث نجدها في المادة 160 قد استعملت لفظي الإقرار والاستلحاق بمعنى واحد[116].
والإقرار قانونا هو اعتراف شخص بحق عليه لآخر سواء قصد ترتيب هذا الحق أو لم يقصد ذلك.
الفقرة الثانية : أركان الإقرار
أركان الإقرار أربعة وهي: المقر- المقر له- المقر به والصيغة
أولا المقر: وهو الشخص الذي يعترف بنسب الابن إليه وهنا هو الأب ويشترط فيه شروط منها:
أن يكون مكلفا، أي عاقلا وبالغا لأنه لا يتصور إقرار الصبي والمجنون.
- لقول خليل: "ويؤخذ مكلف بلا حجر بإقراره».
أن يكون ذكرا وبمقتضى هذا الشرط فيجب أن يصدر الإقرار عن الزوج حسب فقهاء المالكية والشافعية لكون الاستلحاق من خصائص الذكورة ويثبت نسب الولد المقر له بإقرار الزوج وحده.
أن يكون قادرا على الوطء: لأنه يستحيل الإنجاب من غير البالغ
أن يكون طائعا غير مكره : فإن أكره المقر على الاعتراف بالولد واستلحقه لم يعتد بإقراره.
ثانيا: المقر له: وهو الولد المجهول النسب الذي لا يعرف له أب ينتسب إليه.
- ثالثا: المقر به وهي البنوة، أي صلة القرابة بين المقر والمقر له، بين الفرع والأصل مدعي الانتساب إليه ويتعلق الأمر بالإقرار المباشر بالنسب أما في الإقرار غير المباشر، فالمقر به يشمل على تفرع عن أصل النسب كالأخوة والعمومة[117].
الفقرة الثالثة : أنواع الإقرار
ينقسم الإقرار إلى قسمين : إقرار مباشر وغير مباشر
أولا الإقرار المباشر : وهو إدعاء المقر أنه أب لغيره متى توفرت الشروط المنصوص عليها في المادة 160 من المدونة ومثاله أن يقول المقر هذا ابني أو أبي أو هذه ابنتي ويتعلق الأمر هنا بالإقرار بأصل النسب، وهذا النوع من الإقرار هو الذي يثبت به النسب ولا يمكن الرجوع فيه، من طرف من صدر عنه وهذا ما أكده المجلس الأعلى في قراره «الإقرار بالبنوة يلزم المقر ولا يقبل منه طلب نفي النسب بدعوى أنه اكتشف فيما بعد أنه عقيم، لأن الولد للفراش ولا ينتفي إلا بالشروط المحددة شرعا»[119]، مادام فيه إقرار بالنسب على نفس المقر ويقتصر على علاقة النسب بين المقر والمقر له.
ثانيا : الإقرار غير المباشر ويقصد به إقرار غير الأب بما فيه تحميل النسب عليه ويسمى بالإقرار بفرع النسب[120] كأن يقر شخص لآخر بأنه أخوه أو ابن ابنه أو بنت ابنه وهذا النوع من الإقرار فيه تحميل النسب على غير المقر، و لا يؤخذ به في إثبات النسب بصريح المادة 161 من مدونة الأسرة التي جاء فيها «لا يثبت النسب بإقرار غير الأب»[121]، والمقر له يشارك المقر في نصيبه في الإرث على اعتبار أن الإقرار حجة قاصرة لا تتعدى المقر إلى غيره، أي لا يلزم الورثة الآخرين به ما لم يوجد تصديق منهم على هدا الاقرار
الفرق بين الإقرار والتبني والتنزيل
والإقرار يختلف عن التبني والتنزيل في الأحكام والآثار، فإذا كان الإقرار كوسيلة من وسائل إثبات النسب متى توفرت شروطه وتترتب عليه آثار أهمها النسب والتوارث وحرمة المصاهرة إلخ، فإن التبني محرم شرعا بقوله تعالى : «وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلك قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل»[122] وقانونا بمقتضى المادة 149 من المدونة «يعتبر التبني باطلا ولا ينتج عنه أي آثر من آثار البنوة الشرعية» أما التنزيل فينصرف إلى المال لا النسب (.التنزيل او الوصية)
المطلب الثاني : شروط الإقرار إثباته وآثاره
الفقرة الأولى : شروط الإقرار
يشترط لصحة الإقرار حتى يفضي إلى لحوق النسب بالمقر جملة من الشروط نصت عليها مدونة الأسرة في المادة 160 فيما يلي :
- أن يكون الولد المقر عاقلا.
- أن لا يكون الولد المقر به معلوم النسب.
- أن لا يكذب المستلحق – بكسر الحاء- عقل أو عادة
- أن يوافق المستلحق –بفتح الحاء- إذا كان راشدا حين الاستلحاق.
إذا عين المستلحق الأم أمكنها الاعتراض بنفي الولد عنها أو الإدلاء بما يثبت عدم صحة الاستلحاق.
لكل من له مصلحة أن يطعن في صحة توفر شروط الاستلحاق المذكورة مادام المستلحق حيا.
وانطلاقا من نص هذه المادة، فشروط الإقرار الواجب توفرها لكي يكون صحيحا ومنتجا لآثاره القانونية هي كالتالي:
أولا : أن يكون الأب عاقلا : فالمشرع اشترط العقل والذكورة، فإذا صدر الإقرار حال جنون المقر أو فقدانه لعقله لأي سبب من الأسباب لم يصح إقراره[123]، والمادة 160 أعلاه تحدثت عن الأب بمعنى الزوج فإذا صدر عن الزوجة إقرار بكون الولد الفلاني هو ابنها من زوجها فلان، فإن هذا الإقرار لا يعتد به ويعتبر لاغيا ما لم يصدقها الزوج في ذلك، فإن صدقها واعترف ببنوته صح حينئذ إقرارها وعلى المستوى العملي، فإن الإقرار يصدر عن الزوج وتؤكده الزوجة[124]، ويترتب عليه لحوق النسب.
ثانيا أن لا يكون الولد المقر به معلوم النسب لأن الولد المعلوم نسبه لا يحتاج إلى إقرار ولا يمكن أن يجتمع للشخص نسبان في آن واحد لأن النسب لا يقبل الشركة فيه.
والمقصود بهذا الشرط أن يكون الولد المقر به مجهول النسب وهذا الشرط ينصرف إلى معنى كون الولد لا يكون له نسب معروف وثابت لشخص آخر غير المقر، ولذلك فلا يستلحق الولد المعلوم النسب وعلة ذلك أن النسب الثابت من شخص لا ينتقل إلى غيره لأن القول بخلاف ذلك من شأنه قطع النسب الحقيقي للولد وهذا غير جائز شرعا[125]، لقوله تعالى : «ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله» كما أنه لا يمكن الإقرار بابن الزنا لأنه مقطوع النسب شرعا ويدخل في هذا الإطار الابن المزداد قبل تاريخ إبرام العقد بين الزوجين، حيث دأب القضاء وعلى رأسه المجلس الأعلى برفض الإقرار الصادر عن الأب باستلحاق الابن المزداد قبل قيام العلاقة الزوجية جاء في قرار له بهذا الخصوص«إن الولد المزداد قبل إبرام عقد الزواج لا يمكن لحوق نسبه إلى الزوج ولو أقر ببنوته وكان من مائه لأنه ابن الزنى لا يصح الإقرار به»[126] وجاء في حكم صادر عن قسم قضاء الأسرة بالمحكمة الابتدائية بالعرائش[127] «وحيث إنه بالرجوع إلى مقتضيات المادة 152 من مدونة الأسرة فإن أسباب لحوق النسب تنحصر في 1- الفراش، 2- الإقرار، 3- الشبهة.
وحيث إنه بالرجوع إلى رسم الزواج المدلى به والرابط بين المدعي وأم الولد المطلوب إلحاق نسبه يتبين أن الزواج تم بتاريخ 02/05/2003 وأن ولادة الطفل بدر وقعت بتاريخ 20/02/2003 أي ثلاثة أشهر قبل إبرام عقد الزواج وهو ما يعني أن السبب الأول للحوق النسب وهو الفراش غير قائم وحيث إنه بخصوص السبب الثاني الذي هو الإقرار فإنه بالرجوع إلى الوثيقة المستدل بها وهي المعنونة "برسم الإقرار بنسب" المحرر من طرف عدلين يتبين أنها تشير إلى إقرار المدعي على أن الابن بدر ولد على فراشه من زوجته السيدة سعاد حاتم في حين أنه وكما سبق توضيحه في الحيثية السابقة فإن الفراش (الزواج) لم يثبت أن انعقد بين المدعي وأم الطفل إلا بعد ولادة هذا الأخير بحوالي ثلاثة أشهر وهو ما يجعل هذه الوثيقة تناقض الوثيقة الأولى والتي هي رسم الزواج وبالتالي يتعين عدم الأخذ بها».
3- أن لا يكذب المستلحق عقل أو عادة : والمقصود بذلك عدم وجود قرائن قوية تجعل الإقرار غير صحيح ويعبر عنه البعض بكون الولد محتمل الثبوت من نسب المقر[128] ولكي يكون إقرار المقر مقبولا يجب أن لا يكون مخالفا لمقتضيات العقل والعادة ومما يكذبه العقل كون الأب المستحلق أصغر سنا من الولد المستلحق بحيث لا يمكن معه أن يكون من صلب المقر بحيث يولد مثله لمثله، ومما تكذبه العادة أن يقر رجل بنسب ولد من مكان لم يسبق له أن أقام به أوزاره أو أن يثبت أن المقر لم يسبق له أن تزوج على الإطلاق وهو ما عبر عنه الشيخ خليل في المختصر : «إنما يستلحق الأب مجهول النسب إن لم يكذبه العقل لصغره أو العادة ...» [129] ويسري نفس الحكم إذا كان المقر خصيا أو مجبوبا لا يستطيع الإنجاب.
4- أن يوافق المستلحق –بفتح الحاء- إذا كان راشدا حين الاستلحاق : إذا كان الأمر يتعلق باستلحاق راشد فلابد من موافقته[130] وتصديقه على هذا الإقرار مادام يتمتع بالأهلية وكان عاقلا بالغا سن الرشد (18 سنة كاملة) لكونه أدرى بمصلحته، إما إذا كان المقر به صغيرا أو مجنونا فلا يشترط تصديقه، لذلك منحت المادة 160 من المدونة للمستلحق الحق في رفع دعوى نفي النسب بعد بلوغه سن الرشد .
5- حق الأم في الاعتراض بنفي النسب في حالة تعيينها من جانب المستلحق وهذه القاعدة استحدثها المشرع المغربي من خلال الفقرة ما قبل الأخيرة من المادة 160 من مدونة الأسرة والتي أعطت الحق للأم التي تم تعيينها من طرف المستلحق أن تعترض بنفي الولد عنها أو الإدلاء بما يفيد عدم صحة الاستلحاق[131] مادامت قد أصبحت ذات صفة ومصلحة في استعمال هذا الحق وهذه القاعدة تندرج عموما في تكريس حق المساواة بين الطرفين التي جاءت بها المدونة الحالية.
وبالرجوع إلى الفقرة الأخيرة من المادة 160 فإنها فتحت المجال لكل ذي مصلحة أن يطعن في صحة توفر شروط الإقرار لكن ذلك مقرون بأن يكون المقر لا يزال حيا مادام نفي النسب المجرد حق للأب وحده بواسطة حكم قضائي، فإن مات المقر فإن هذا الحق لا ينتقل إلى الورثة، إذ تصبح دعواهم مالية أو تؤول إلى المال وإن قدمت مجردة عن أي طلب آخر مترتب عنه فلا يمكن سماعها[132].
الفقرة الثانية : إقرار الأم بالنسب
جاء في المادة 147 من مدونة الأسرة إن البنوة بالنسبة للأم تثبت عن طريق واقعة الولادة أو بالإقرار طبقا لنفس الشروط المنصوص عليها في المادة 160 من المدونة التي تحدثنا عنها سابقا، وعليه فإذا صدر الإقرار من امرأة بأن فلانا ابنها فإن كانت خالية من الزوج وأقرت بالأمومة لولد يولد لمثلها وكان مجهول النسب وصدقها في هذا الإقرار فإن نسبه يثبت منها، ولا حاجة لشرط نفي النسب كونه ابن زنى لأن ابن الزنا مقطوع النسب بالنسبة للأب، أما الأم فهو ولدها ويثبت نسبه منها[133]. وهذا ما نصت عليه المادة 146 من المدونة : «تستوي البنوة للأم في الآثار التي تترتب عليها سواء كانت ناتجة عن علاقة شرعية أو غير شرعية».
الفقرة الثالثة : إثبات الإقرار
جاء في المادة 162 من مدونة الأسرة ما يلي : «يثبت الإقرار بإشهاد رسمي أو بخط يد المقر الذي لا يشك فيه» وهذا النص يوافق مقتضيات الفصل 95 من أ.ش الملغاة وبذلك فالإقرار يثبت بوسيلتين اثنتين :
أولا : الإشهاد الرسمي : ويقتضي إشهاد عدلين منتصبين للإشهاد وتوثيقه يثبت الإشهاد على إلحاق الولد بنسب المستلحق وتتم المخاطبة عليه من طرف قاضي التوثيق ليكتسب صفة الرسمية، إذ حينها لا يمكن الطعن فيه إلا بالزور وهذه الوسيلة هي الغالبة في الواقع العملي أمام قضاء الأسرة.
ثانيا : خط يد المقر : نجد المشرع في المادة 162 أعلاه، قد نص على ضرورة كتابة الإقرار بخط يد المقر دفعا لكل تحريف في مضمون الوثيقة أو تزويرها وذلك صيانة للحق في النسب سواء بالنسبة للأصل المستلحَق أو الفرع المستلحِق، وهذه الوسيلة نادرة عمليا إذ غالبا ما يلجأ إلى العدول أو الإقرار القضائي أمام المحكمة التي تتأكد من شروطه بجلسة البحث. أو حين اختلائها للمداولة بناء على ما ضمن بمحضر الجلسة.
الفقرة الرابعة : آثار الإقرار
بالرجوع إلى مقتضيات المادة 157 من مدونة الأسرة فإنه متى ثبت النسب بالاستلحاق ترتبت عليه جميع نتائج القرابة فيمنع الزواج بالمصاهرة وتستحق به النفقة والإرث أي جميع الآثار التي يرتبها الفراش، وإن كانا يختلفان من حيث وسيلة الإثبات[134].
والملاحظ أنه على المحكمة التقيد بالشروط التي حددها المشرع لكل وسيلة من وسائل إثبات النسب، فإذا كان موضوع الدعوى هو إثبات النسب بالإقرار فإنه ليس من حقها أن تنذر المدعي بالإدلاء بما يفيد وجود علاقة الزواج كشرط لقبول الدعوى وإن درج القضاء في المغرب على استنتاج الإقرار من قرائن عدة، فإن بعض المحاكم لها رأي مخالف وهكذا جاء في قرار لمحكمة الاستئناف بالرباط : «لكن حيث إن الإقرار الذي يثبت به النسب هو الذي يكون في ظل عقد الزواج الشرعي والصحيح أما في نازلة الحال فإن الثابت من وثائق الملف أن المستأنفة ازدادت بعد إبرام عقد زواج والديها بشهرين أي لمدة أقل من مدة الحمل وقد صدر حكم ابتدائي قضى بفسخ عقد الزواج أيد استئنافيا ...» [135]، في حين نجد المجلس الأعلى قد قرر قاعدة لها أصلها الفقهي، حيث جاء في قرار له يماثل النازلة التي بثت فيها محكمة الاستئناف بالرباط بمقتضى قرارها أعلاه، «الإقرار بالبنوة في رسم الطلاق يلزم المقر ويلحق به نسب الولد»[136].
المطلب الثالث : الإقرار بالنسب والحالة المدنية
للحالة المدنية دور هام في ضبط هوية الأشخاص من خلال جمع كافة المعلومات المتعلقة بهم ابتداء من تاريخ ولادتهم وأسمائهم وأسماء آبائهم، ومكان ازديادهم، ويظهر دورها كذلك في كل تخطيط للبلاد وتحديد هوية الأفراد والمساهمة في المحافظة على أصالة الأمة والتاريخ، وتعني الحالة المدنية الصفة التي تحدد نصيب الشخص من الحقوق والواجبات العائلية كما تحدد وضعيته بالنسبة للقانون الخاص لفترة ما بين الولادة والوفاة وبالرجوع إلى نص المادة الأولى من القانون رقم 99-37[137]، نجدها قد عرفت الحالة المدنية بأنها نظام يقوم على تسجيل وترسيم الوقائع المدنية الأساسية للأفراد من ولادة ووفاة وزواج وطلاق وضبط جميع البيانات المتعلقة بها من حيث نوعها وتاريخ ومكان حدوثها في سجلات الحالة المدنية».
وللإحاطة بهذا الموضوع سنتكلم عن دور الحالة المدنية في إثبات النسب (فقرة أولى) لننتقل بعدها إلى موقف مدونة الأسرة ومعها الاجتهاد القضائي من الحالة المدنية (فقرة ثانية).
الفقرة الأولى : دور الحالة المدنية في إثبات النسب
أحدث نظام الحالة المدنية بالمغرب بمقتضى ظهير صدر بتاريخ 04-09-1915 وتوالت عليه التعديلات إلى أن صدر الظهير الشريف رقم 239-02-1 بتاريخ 25 رجب 1423 الموافق ل 03/10/2002).
وبالرجوع إلى الجانب المتعلق بالنسب، نجد قانون الحالة المدنية قد نظم التصريح بالولادة في شقين : التصريح المباشر وآخر عن طريق حكم قضائي.
1- التصريح المباشر : تنص المادة 16 من قانون الحالة المدنية على أنه يقوم بالتصريح بالولادة لدى ضابط الحالة المدنية لمحل وقوعها أقرباء المولود حسب الترتيب:
- الأب أو الأم
- وصي الأب
- الأخ
- ابن الأخ
2- التقييد بناء على حكم تصريحي : تطرقت له المادة 30 من نفس القانون، حيث جاء فيها «إذا لم يقع التصريح بالولادة أو الوفاة داخل أجل يحدد بنص تنظيمي فلا يمكن تسجيل الرسم الخاص بالواقعة إلا بناء على حكم تصريحي بالولادة أو الوفاة تصدره المحكمة الابتدائية المختصة ويقدم الطلب بذلك من طرف أي شخص له مصلحة مشروعة أو من طرف النيابة العامة. [138]
أ- شهادة الميلاد
انطلاقا من النصين السابقين فالتقييد بسجلات الحالة المدنية يتم إما بناء على تصريح مباشر أو بناء على أمر قضائي بالتقييد، ومهما كان الأساس الذي اعتمد في التسجيل بكناش الحالة المدنية، فإنه يحق لكل مسجل بها استخراج شهادة الميلاد والتي تعد وثيقة رسمية لها حجيتها القاطعة طبقا للفصل 418 ق.ل.ع كونها صادرة عن موظف عمومي مختص وتتضمن بيانات هامة كاسم المولود واسم الأب والأم وتاريخ الولادة (الازدياد) ومكانها بهدف التمييز بين المواليد وهذه البيانات يتم تدوينها بناء على تصريح من الأشخاص المحددين في القانون، وما يهمنا هو تصريح الأب الذي يعتبر إقرارا منه خاصة وأنه غالبا ما يكون كتابيا[139]، وضابط الحالة المدنية عندما يتلقى هذا التصريح فهو غير ملزم بمراعاة قواعد النسب المنصوص عليها في مدونة الأسرة. لذلك فإذا حدث نزاع بخصوص ثبوت نسب الابن المصرح به من عدمه، فهل سيعتد بالتصريح ويتم التعامل معه كأنه إقرار، وفي حالة تعارضه مع قواعد النسب المنصوص عليها في المدونة، فمن هو الأولى بالتطبيق؟ يرى الأستاذ أحمد الخمليشي، أن سجل الحالة المدنية يشكل المصدر المعتمد رسميا في الوقائع التي يتضمنها بشأن الوضعية القانونية والمدنية لصاحب العقد وبالنسبة لجميع شؤون حياته العامة منها والخاصة، هذه الوضعية لسجلات الحالة المدنية كان ينبغي أن تراعى كذلك في النسب على الأقل كمبدأ أي تعتمد كوسيلة قانونية لإثباته وعلى من يدعي العكس إثبات ادعائه سواء عن طريق دعوى الزور أو الإدلاء بوسائل مقنعة تؤكد تدليس أو غش أو خطأ في التصريح المدلى به[140].
أما إذا تعارض التصريح المفضى به مع قواعد النسب، فإنه يتم إعمال هذه الأخيرة والقضاء المغربي وعلى رأسه المجلس الأعلى استبعد الأخذ بشهادة الولادة في إثبات النسب حيث اعتبر في قرار له «أن شهادة الولادة التي أخذت بها المحكمة غامضة وعبارة عن تصريح تلقاه ضابط الحالة المدنية من شخص غير معروف وحتى لو كان هذا الشخص معروفا فإنها مجرد إخبار يحتمل الصدق والكذب طالما لم تصدر عن المولدة أو الطبيب المشرف باليوم والساعة لتفيد اليقين»[141].
ب- حجية الأمر القضائي القاضي بتقييد مولود
إن الأحكام القضائية القاضية بتقييد مولود بسجلات الحالة المدنية من المفروض أن لا تصدر إلا بعد التمحص والنظر والتأكد من ثبوت نسب المولود إلى صاحب الكناش وذلك بالتحقق من هذا النسب من خلال تطبيق قواعد ثبوته المنصوص عليها حصرا بمدونة الأسرة[142] من خلال التأكد من صحة الزوجية وأن الولد ازداد خلال الأمد الشرعي، لذلك يعتبر الحكم الصادر بتقييد مولود عنوانا على حقيقة صحة النسب، لا سيما إذا كان مقدم الدعوى هو المنسوب إليه الولد ومع ذلك لم تورد مدونة الأسرة وقبلها مدونة الأحوال الشخصية الملغاة مثل هذه الحجة لإثبات النسب والتي تعد إقرارا من الأب بثبوت نسب الابن إليه.
لكن مادام التسجيل بالحالة المدنية يقضي بتسجيل الازدياد بناء على حكم لانصرام التصريح داخل الأجل (المادة 30 من القانون 99-37)، هذا الحكم الذي يبنى على أوراق ووثائق إدارية يسهل الحصول عليها، وكم هي كثيرة الحالات التي يتم فيها تسجيل أبناء متكفل بهم بسجلات الحالة المدنية على أنهم أبناء الصلب، مما يطرح مشاكل جمة أمام القضاء بعد وفاة الكافل، لذلك كان المشرع حريصا لما استبعد سجلات الحالة المدنية من مجال إثبات النسب لكونه يتعلق بالنظام العام واقتصر على الأسباب والوسائل الشرعية فقط احتياطا للنسب ومنعا لاختلاط الأنساب.
ج- موقف اقانون المغربي، الفقه والعمل القضائي إزاء الحالة المدنية
- موقف مدونة الأحوال الشخصية الملغاة ومدونة الأسرة
- موقف قانون الحالة المدنية (قانون 99-37)
- موقف الفقه :
- موقف القضاء
وحيث إن النسب يثبت بالإقرار الغير منتفية شروطه، المادة 158/160 وما يليهما، والمستأنف لم يدل بدليل أقوى يدحض به ما جاء في إقراره وبالتالي فالحكم الابتدائي مرتكز على أساس قانوني سليم ويتعين تأييده»[146]
المبحث الثالث : البينة
تعد البنية بنوعيها (شهادة عدلين وبينة السماع) من بين وسائل إثبات النسب، حيث نصت عليها مدونة الأحوال الشخصية الملغاة في الفصل 89[147] : ومدونة الأسرة الحالية في المادة 158 التي جاء فيها : «يثبت النسب بالفراش أو بإقرار الأب أو بشهادة عدلين أو بينة السماع وبكل الوسائل الأخرى المقررة شرعا...» لذلك سنتطرق لشهادة عدلين (مطلب أول) على أن تخصص المطلب الثاني لبينة السماع.
المطلب الأول : شهادة عدلين
الفقرة الأولى : مفهوم الشهادة العدلية وشروطها
أولا : مفهوم الشهادة العدلية.
الشهادة، مشتقة من المشاهدة وهي المعاينة، لأن الشاهد يخبر عما شاهده وعاينه ومعناها الإخبار عما علم بلفظ أشهد أو شهدت وهي مأخوذة من الإعلام[148] من قوله تعالى «شهد الله أنه لا إله إلا هو»[149] وتسمى أيضا بينة لأنها تبين ما التبس وتكشف الحق فيما اختلف فيه وعرفها ابن عرفة «الشهادة قول بحيث يوجب على الحاكم سماعه والحكم بمقتضاه وإن عدل قائله مع تعدده وحلف طالبه»
والأصل في شرعية الشهادة ما يؤكده الكتاب والسنة، فأصلها في الكتاب قوله تعالى «واشهدوا ذوي عدل منكم»[150] أما السنة، ما روي عن عمر بن شعيب عن أبيه عن أن النبي r قال «البينة على من ادعى واليمين على من أنكر»
والمادة 158 من مدونة الأسرة تكلمت عن شهادة عدلين والمقصود بذلك من ينسب إلى سلك العدول[151]. وليس الشاهد العدل بالمفهوم الفقهي الذي يحتاج إلى تزكية والشهادة العدلية هي التي يحررها عدلان وفق الضوابط المحددة في قانون خطة العدالة[152] ونظرا لأهمية الوثيقة العدلية فقد أحاطها الفقه والقانون بمجموعة من الشروط.
ثانيا : شروط الشهادة
يشترط في الشاهد عموما عدة شروط فصل فيها الفقهاء وأجملها أبو بكر بن عاصم الأندلسي في الأبيات الآتية :
وشاهد صفته المرعية والعدل من يجتنب الكبائرا ومـا أبيـح وهــــــــــــــو فـي العيـــــــــان | تيقظ عدالة حرية ويتقي في الغالب الصغائرا يقـــــدح فـي مـــــــــــــروءة الإنســــــــــان |
والمشرع المغربي اعتمد نفس الشروط [154] اللازم توفرها في الشهادة، ويجب أن يدعى الشاهد عادة إلى مجلس القضاء بالطرق القانونية ليؤكد ما رآه أو ما سمعه من الوقائع المتعلقة بالدعوى بعد أداء اليمين وإن كانت شهادة العدلين حسبما جرى به العمل كتابية لا شفوية تماشيا مع القانون المنظم لخطة العدالة
وما تجدر الإشارة إليه أن الشهادة التي يثبت بها النسب هي شهادة رجلين في غير الزنا لقول المتحف :
ففــي الزنـا من الذكـور أربعـة * * * وما عـدا الـزنـا ففـي اثنيـن سعــه
ومادام نص المادة 158 تكلم عن شهادة العدلين فلا مجال للحديث عن شهادة رجل وامرأتين.
وتساءل ذ. أحمد الخمليشي على أن صياغة المادة 158 م أ، تؤكد أن شهادة العدلين يثبت بها النسب بقوة القانون وهو ما يتفق مع الاتجاه الفقهي الذي لا يخول القاضي السلطة التقديرية إزاء القيمة الإثباتية لشهادة العدل، وأن شهادة العدلين هي شهادة قطع وليست شهادة نقل، ويتعذر عليها القطع بنسب الولد إلى الأب دون العلم بالعلاقة التي كانت تربطه بأم الولد عند نشوئه. [155]
الفقرة الثانية : أنواع الشهادة وحجيتها
أولا : أنواع الشهادة
تتفرع الشهادة العدلية إلى نوعين
أ- الشهادة الأصلية : وهي التي يكون مضمنها وموضوعها من إملاء المشهود عليه ويقتصر فيها دور العدلين على تسجيل ما يسمعانه والشهادة عليه، كما هو الحال في الاعتراف بنسب الولد حيث يملي الأب على العدلين اعترافه بأبوته للولد المذكور ويشهد العدلان عليه بذلك ويدخل في هذا النوع شهادة ثبوت النسب ببينة السماع التي يتلقاها العدلان من اللفيف أما إذا أملاها العدلان من علمهم دون أن يشهد بها لديهما اللفيف، فنكون بصدد الشهادة العلمية[156].
ب- الشهادة الاسترعائية : وهي التي يكون موضوعها ومضمنها من إملاء العدل نفسه ويسندها إلى علمه ويطلق عليها الشهادة العلمية وتبتدئ بإحدى العبارات التالية" يشهد من يضع اسمه عقب تاريخه"
وصفوة القول أن النسب من المسائل التي لا تثبت بشاهد واحد أي بعدل أو ما يقوم مقامه (التلقية) لأن موضوعها ليس مالا أو ما يؤول إليه وإنما تلزم فيه شهادة عدلين أو ما يقوم مقامهما، لأن شهادة العدلين كافية لثبوت النسب دونما حاجة إلى تكملتها باليمين.
ثانيا : حجية الشهادة العدلية
تعتبر الشهادة وفق الفقه الإسلامي والمالكي منه على الخصوص حجة كافية في إثبات النسب وهي مرجحة على الإقرار كون الشهادة حجة متعدية إلى الغير والإقرار حجة قاصرة على المقر في حالة التعارض.
والملاحظ أنه رغم أهمية الشهادة فالمشرع المغربي لم ينظمها كما هو الحال بالنسبة للفراش أو الإقرار وإنما ترك الأمر للفقه المالكي الذي تحيل عليه المادة 400 من مدونة الأسرة
الفقرة الثالثة : موقف القضاء من الشهادة العدلية
نجد القضاء المغربي وعلى رأسه المجلس الأعلى قد تبنى شهادة العدلين كوسيلة لإثبات النسب وهكذا جاء في قراره[157] «الوسائل التي يثبت بها نسب الولد ثلاث الفراش والإقرار والبنية».
وفي قرار آخر[158] «يثبت النسب بالفراش أو بإقرار الأب أو بشهادة عدلين أو بينة السماع بأنه ابنه ولد على فراشه».
المطلب الثاني : إثبات النسب ببينة السماع
الفقرة الأولى : تعريف الشهادة وشروطها
أولا : تعريف
شهادة السماع دليل آخر من الأدلة العامة في إثبات النسب ومدونة الأسرة شأنها شأن مدونة الأحوال الشخصية الملغاة لم تعط تعريفا للبينة عموما وشهادة السماع على وجه الخصوص.
ويعرفها ابن عرفة «ما يصرح الشاهد فيه بإسناد شهادته لسماع من غير معين» ويقصد بها من الناحية الفقهية «إخبار الشاهد أمام القضاء أنه قد سمع سماعا فاشيا أو واقعة ما قد تحققت»[159].
وشهادة السماع أجيزت للضرورة على خلاف الأصل إذ الأصل أن الإنسان لا يشهد إلا بما تدركه حواسه، وتشترك شهادة السماع مع شهادة العدلين في أحكام كثيرة في مجال النسب وفي هذا الإطار يقول ابن عاصم الأندلسي في التحفة.
وأعملت شهادة السماع * * * في الحمل والنكاح والرضاع ...
ثانيا : شروط الشهادة
اشترط الفقه المالكي مجموعة من الشروط، حتى ترتب شهادة السماع آثارها القانونية، هذه الشروط لخصها ابن عاصم في التحفة بقوله
وشرطها استفاضة بحيث لا *** يحصر من عنه السماع نقلا
مع السلامة من ارتيــاب *** يفضي إلى تغليط وإكـذاب
وهي كالتالي :
1) الاستفاضة : ويقصد بها أن يكون من نقلت عنه الشهادة غير معين ولا محصور العدد وشهادة الاستفاضة تكون بكثرة الخبر وانتشاره حتى يحصل العلم ويرتفع الشك.
2- السلامة من الريبة : أو الارتياب المؤدي إلى تغليط أو كذب متعمد ومثاله بأن يشهد إثنان شهادة سماع وفي البلدة مائة من أصنافهما لا يعلمون شيئا من ذلك[160].
3- أداء اليمين : نظرا لضعف شهادة السماع فإن الفقه المالكي قد أوجب تكملتها بيمين التزكية وفي هذا الصدد جاء على لسان الفقيه ابن محرز «لا يقضي لأحد بشهادة السماع إلا بعد يمينه»[161]
4- عدم تعيين المنقول عنه : مادامت الاستفاضة شرط من شروط صحة شهادة السماع إلا في ضرر الزوجين فيجب عدم تعيين المنقول عنه، فإذا عين المنقول عنه كانت شهادة نقل ومنها أن يقول الشهود سمعنا أو لازلنا نسمع سماعا فاشيا من العدول وغيرهم بأن فلان ابن فلان يدنيه منه في مجلسه ويعامله معاملة الأبناء.
الفقرة الثانية : حجية شهادة السماع.
أجمع أهل العلم على صحة شهادة السماع في النسب كالولادة، واختلف فقهاء المالكية حول شهادة السماع إلى خمس أقوال : فمنهم من قال أنها لا تقبل في أي شيء ومنهم من قال أنها تقبل في كل شيء وقال البعض أنها تقبل في كل شيء إلا أربعة أشياء وهي النسب والقضاء والموت والنكاح بينما ذهب البعض الأخر أنها لا تقبل إلا في هذه الأمور الأربعة ورأي خامس ذهب إلى أنها لا تقبل إلا في أمور محددة وهي التي عددها ابن عاصم في التحفة[162].
الفقرة الثالثة : موقف القضاء من شهادة السماع
يخضع تقدير القوة الإثباتية لشهادة السماع للسلطة التقديرية للمحكمة والتي
لا تخضع لرقابة المجلس الأعلى.
والمجلس الأعلى كما سبقت الإشارة إلى ذلك أكد المقتضيات القانونية التي جاءت بها مدونة الأحوال الشخصية الملغاة وكذا مدونة الأسرة من خلال قراريه عدد 23 بتاريخ 31/10/1967 وعدد 12 بتاريخ 29/10/86[163]
أما محاكم الموضوع فبدورها سارت على نهجه حيث جاء في حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بسلا «وحيث إنه من وسائل إثبات النسب شهادة عدلين وبينة السماع وبكل الوسائل الأخرى المقررة شرعا.
وحيث أن المحكمة تبعا لذلك ترى جدية الطلب وترى الاستجابة إليه»[164]
وقد أشار ذ. أحمد الخمليشي إلى أن شهادة السماع هي اللفيف التي يشهد فيها اثنا عشر شاهدا بأنهم يسمعون سماعا فاشيا بين الناس بالواقعة موضوع الشهادة أي أنهم لا يشهدون بعملهم المباشر بالواقعة كما أنهم لا يروونها أو ينقلونها عن أشخاص معنيين وإنما يعتمدون فيما يشهدون به على السماع الفاشي والمنتشر بين الناس[165].
وشهادة اللفيف هذه يستند شهودها على المخالطة والإطلاع على الأحوال والمجاورة[166] جاء في حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بسلا[167] «وحيث عززت المدعية طلبها بموجب نسب مضمن تحت عدد 157 وتاريخ 29/1/2007 يشهد شهوده بأنهم يسمعون سماعا فاشيا بأن المدعية ... هي ابنة ... ولدت له على فراش الزوجية سنة 1956 من زوجته .... وأنها تنسب إليه وهو ينسبها لنفسه والناس كذلك ينسبونها إليه....»
وما تجدر الإشارة إليه أن الشهادة وإن أعملت بثبوت النسب، إلا أنه يجب مراعاة الترتيب الذي جاءت به صياغة المادة 158 في مدونة الأسرة، فتقدم شهادة العدلين على شهادة الليف حسبما أكده المجلس الأعلى[168].
الفصل الثاني
الخبرة كوسيلة علمية لإثبات النسب
لقد عرفت مدونة الأسرة توسعا في وسائل إثبات النسب، حيث جاءت بمستجد في هذا المجال تمثل في الاعتماد على الخبرة، وبذلك لم يعد المشرع المغربي يحيل في مجال الإثبات عموما والنسب على وجه الخصوص على أحكام الفقه الإسلامي أو على البينة الشرعية[169] وبذلك تكون المدونة الحالية قد عملت على الاستفادة من التطور العلمي الحاصل في ميدان النسب لاسيما بعد ظهور البصمة الوراثية، استجابة منها للنداءات الفقهية الداعية إلى اعتماد الخبرة في مجال النسب من جهة ولالتزامات المغرب الدولية
لاسيما تلك المتعلقة بحقوق الطفل من جهة ثانية وأهمها حقه في الانتساب إلى أب وبتنصيص مدونة الأسرة صراحة على الخبرة كوسيلة معتمدة في مجال النسب إثباتا ونفيا تكون قد ردت الاعتبار للطب وأبرمت الصلح بينه وبين القانون بعد خصام طويل.
وقد أثارت الخبرة وجهات نظر مختلفة سواء على مستوى الفقه أو القضاء لهذا سنتطرق للخبرة في الفقه الإسلامي (المبحث الأول) ثم دور الخبرة في إثبات النسب (المبحث الثاني) على أن ننتقل الحديث عن الخبرة في مدونة الأسرة (المبحث الثالث).
المبحث الأول : الخبرة في الفقه الإسلامي
المبحث الثاني : دور الخبرة الطبية في إثبات النسب
المبحث الثالث : مختلف المواقف بشأن الخبرة الطبية
المبحث الأول : الخبرة في الفقه الإسلامي
اعتمد فقهاء الإسلام الخبرة في إثبات النسب في حالة التنازع، هذه الخبرة تمثلت في القيافة، فالمقصود إذن بالقيافة وما سندها الشرعي ومدى مشروعية ثبوت النسب عن طريقها؟
المطلب الأول : القيافة ودورها في إثبات النسب
الفقرة الأولى : مفهوم القيافة
تعتبر القيافة في الفقه الإسلامي وسيلة هامة في إثبات النسب أو نفيه وهي نوع من الخبرة تحتاج إلى الدراية والمعرفة بأوجه الشبه التي يرثها الابن عن أبيه.
ويطلق على من يقوم بها اسم القائف ويجمع على قافه، والقائف لغة هو الذي يتبع الآثار ويتعرف منها على الذين سلوكها ويعرف شبه الرجل بأبيه[170].
أما في الاصطلاح الشرعي فهو الذي يعرف النسب بفراسته ونظره إلى أعضاء المولود نتيجة للدراية التي اكتسبها في التعرف على ملامح الشبه التي يعتمدها لإلحاق الولد بأبيه.
والقيافة اسم لنوع في الفراسة وهي من العلوم القديمة عند العرب وقد اشتهر بها فيهم على الخصوص بنو مدلج وهي بطن من بطون كنانة، وقد كانت شائعة أيضا عند بني أسد ومجالها إثبات النسب بالشبه[171]، بحيث إنه إذا قرر القائف منهم أن شخصا أبا لشخص آخر فإن نسبه يثبت بذلك ويزول ما يمكن أن يحوم حول ذاك النسب من الشك والريبة ويحسم ا لنزاع في الموضوع[172].
الفقرة الثانية : السند الشرعي للقيافة
تجد القيافة سندها الشرعي فيما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت «دخل رسول الله مسرورا تبرق أسارير وجهه فقال ألم تسمعي ما قال مجزز المدلجي لزيد وأسامة ورأى أقدامهما، فقال : إن هذه الأقدام بعضها من بعض»[173] فهذا الحديث يشهد لاعتبار القيافة وأن قول القائف يثبت به النسب ويحكم بإلحاق الولد الذي ألحقه لأنه لو لم يكن قول القائف حجة في هذا الموضوع لما سر النبيr بقول مجزز ولما سكت الناس عن التكلم في نسب أسامة لزيد، وقد عمل الصحابة بالقيافة، فقد روى مالك بن أنس عن سليمان بن يسار أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يلحق أولاد الجاهلية بمن ادعاهم في الإسلام عن طريق القيافة وبمحضر الصحابة، وقد أثبت الاحتجاج بالقيافة مالك والشافعي وابن حنبل وابن حزم الظاهري ورفضه الحنفية على اعتبار أن الأصل ألا يحكم لأحد المتنازعين في الولد إلا أن يكون هناك فراش[174] .
المطلب الثاني: مشروعية ثبوت النسب بالقيافة
لقد اختلفت المذاهب الفقهية بخصوص العمل بالقيافة بين رأي يقول بالأخذ بها وآخر استبعدها من مجال النسب، فضلا عن اختلافهم حول حجية القيافة ورأي القائف، حيث نجد من اشترط شروطا يجب توافرها في القائف حتى يمكن الأخذ برأيه والاعتماد عليه، وهذا ما سنوضحه من خلال الفقرات التالية :
الفقرة الأولى : الموقف الفقهي من القيافة
1- الاتجاه الرافض للقيافة
ذهب الحنفية إلى عدم الأخذ بالقيافة في إثبات النسب ومبررهم في ذلك أن قصة أسامة وزيد ليست دليلا لإثبات النسب. وأن النبيr لم يحتج في ذلك إلى قول أحد لأن أسامة كان نسبه ثابتا لأبيه قبل ذلك، وإنما تعجب لقول مجززالمدلجي، لأن الجاهلية كانت تقدح في نسب أسامة بسبب اللون، فلما قضى القائف بإلحاق نسبه وكانت العرب تعتمد قول القائف فَسُرَّ رسول الله r لكونه زجرا لهم على الطعن في النسب، وأن الحكم بالقيافة هو اعتماد على مجرد الشبه المبني على الظن والتخمين ومعلوم أن الشبه قد يوجد بين الأجانب وينتفي عن الأقارب، واستندوا في مبررهم هذا على قصة أسامة وزيد، فرغم اختلاف لونيهما لم يمكنه النبيr من نفيه وألحق نسبه به.
2- الاتجاه المؤيد للقيافة :
وهو رأي الجمهور مالك والشافعي وابن حنبل، فقد جاء في المدونة الكبرى للإمام مالك : «أرأيت إن وطئها في حال الاستبراء، ثم جاءت بولد وقد سبق أن وطئها آخر قبله أيضا، كيف يصنع بهذا الولد؟ قال مالك أرى أن القافة تدعى له، إذا ولدته لأكثر من ستة أشهر من وطئها من طرف الرجل الأخير، فإن ولدته لأقل من ستة أشهر لحق بالأول إذا أقر بالوطء، إلا أن يقبلها الثاني فهي وولدها له وإن وطئها في حال الاستبراء فجاءت بولد لأكثر من ستة أشهر، فألحقت القافة الولد بالثاني فإنها تصير أم ولده»[175].
وبالنسبة للفقه المالكي فإنه يقر الأخذ بالقيافة، إلا أنه حصرها في أولاد الإماء دون الحرائر لعدم تساوي فراش الأمة مع الحرة، إذ أن ولد الحرة ينتفي نسبه باللعان ولا يمكن أن تعارضه قرينة القيافة القائمة على الحرز والتخمين، بينما ولد الأمَة ينتفي نسبه بقول القائف، وفي ذلك يقول صاحب العمل المطلق :
وإنما القافة في الإماء * * * دون الحرائر من النساء[176]
ويشترط الفقهاء الذين يعتبرون القيافة وسيلة لإثبات النسب عدة شروط فيمن يقوم بهذه المهمة للعمل بقوله واعتماده، ومن هذه الشروط :
1) الإسلام : على اعتبار أن القائف بمثابة حاكم أو شاهد ولكل منهما ولاية ولا ولاية لغير المسلم على المسلم، وهذا الشرط اشترطه فقهاء الشافعية والحنابلة ولم يشترطه المالكية، لأن القيافة نوع من الخبرة يستند فيها على خبرة القائف وتجربته بغض النظر عن دينه.
2) العدالة : بحيث لا يعتد بقول الفاسق وعلى خلاف القائلين بها، يرى فقهاء المالكية، أنها ليست بشرط لأن القيافة علم يؤديه القائف في حدود اختصاصه
- الذكورة : وهذا الشرط قال به الحنابلة والشافعية على اعتبار أن القائف مثله مثل القاضي، والقاضي تشترط فيه الذكورة، ويرى المالكية أنه يجوز قبول قول المرأة كخبيرة بالقيافة، إذا كانت بين النساء.
الفقرة الثانية : حجية العمل بالقيافة
مما لاشك فيه أن ما ذهب إليه الجمهور من الحكم بالقيافة واعتبارها طريقا شرعيا في إثبات النسب هو الراجح لثبوت العمل بها عند عدد من الصحابة كما سبق تبيان ذلك.
وتعتبر القيافة أقوى من مجرد الدعوى والانتساب فلو ادعى شخص نسب طفل
لانفراده بالدعوى ثم أقام آخر دعوى نسب الطفل فألحقته القافة بهذا الأخير لحق به والقول مثله بخصوص الانتساب، فإذا انتسب شخص لآخر ونازع فيه شخص آخر، فالقول قول القافة، فبمن ألحقته لحق لأن قول القافة حكم وهو أقوى من مجرد الدعوى والانتساب[177]
وما تجب الإشارة إليه أن أكثر القائلين بالحكم بالقيافة قد ذهبوا إلى جواز الاكتفاء بقول قائف واحد والحكم بإثبات النسب بناء على قوله بينما ذهب آخرون إلى أنه لا يقبل في ذلك أقل من اثنين ومبنى الخلاف في ذلك هل القائف شاهد أم حاكم، فإن اعتبر شاهدا اعتبر العدد وهو اثنين وإن اعتبر كالحاكم اكتفي بواحد، ورجح آخرون الاكتفاء بقول الواحد وسندهم في ذلك أن النبي r سر بقول مجزز المدلجي وحده، كما اكتفى الصحابة بعده بقول القائف الواحد.
فالقيافة تبعا لما ذكر تبقى علما أقره الجمهور من الفقهاء وأوجبوا العمل بها في الانتساب والآثار، لكنها تبقى مجرد حدس وتخمين، والحدس لا تبنى عليه الأحكام في الشريعة الإسلامية[178]، لذا وجب الأخذ بالخبرة الطبية بعدما قطع العلم أشواطا كبيرة وتقدم الطب واكتشفت البصمة الوراثية كوسيلة جديدة وصورة حديثة للقيافة وهو ما سنتطرق له في المبحث الثاني.
المبحث الثاني : دور الخبرة في إثبات النسب
الخبرة كما هو معلوم إجراء من إجراءات التحقيق يعهد بمقتضاها القاضي إلى شخص مختص بإنجاز خبرة تدخل في إطار اختصاصه وقد نظمها المشرع المغربي في الفصول من 59 إلى 66 من قانون المسطرة المدنية، والخبرة مبدئيا مقررة من أجل الاستئناس فقط ولا تلزم المحكمة في شيء وإلا أحللنا الخبير مكانها للفصل في المنازعات المثارة بين الأفراد[179].
وفي إطار مدونة الأسرة تطرق المشرع إلى الخبرة القضائية كوسيلة من وسائل الإثبات عامة في مجال النسب، والمقصود بها الخبرة الطبية، التي لم تبق مقتصرة على الفحوصات الأولية فحسب، وإنما تطورت إلى فحص دم الفصيلة التي ينتسب إليها دم الزوجين والولد، حيث أفادت الحقائق العلمية المسلم بها في الطب الشرعي مؤخرا أن تحليل فصائل الدم قد تفيد في التحقق من انتفاء النسب عند المنازعة فيه، أما بشأن ثبوته فالأمر مجرد احتمالات واليوم تقدم العلوم البيولوجية الجديد فأصبح ممكنا عن طريق اختبارات علم الوراثة التحقق من ثبوت النسب لا انتفائه فقط[180]، وهو ما سنوضحه من خلال المطالب الآتية :
المطلب الأول : تحليل فصائل الدم
أظهرت الأبحاث العلمية المسلم بها منذ فترة طويلة أن دم الإنسان يتنوع إلى فصائل عدة، وأن لكل فصيلة خصائصها ومميزاتها المحددة وعن طريق فحص دم الفصيلة التي ينتسب إليها دم الزوج والزوجة والولد أمكن التوصل إلى إحدى الفرضيتين، وهو ما سنوضحه من خلال الفقرتين التاليتين :
الفقرة الأولى : اختلاف فصيلة دم الولد عن فصيلة الزوجين
إذا ظهرت فصيلة دم الطفل مخالفة لمقتضيات تناسل فصيلتي الزوجين فهذا معناه أن الزوج ليس هو الأب الحقيقي للطفل وذلك على وجه التأكيد، لذا يذهب بعض الرأي إلى القول بأن هذا النوع من التحليلات الطبية تفيد في نفي النسب فقط ولا تفيد في ثبوته.
الفقرة الثانية : تطابق فصيلة دم الولد مع فصيلة الزوجين
تظهر فيه فصيلة دم الطفل متوافقة لمقتضيات تناسل فصيلتي دم الزوجين، وهذا معناه أن الزوج قد يكون هو الأب الحقيقي للطفل، وقد لا يكون على اعتبار أن الفصيلة الدموية الواحدة يتقاطع فيها أكثر من شخص ويحتمل أن يكون الأب المدعى عليه واحدا منهم، وكنتيجة لهذه المعطيات العلمية المتاحة في ذلك الوقت، فإن نظام الفصائل الدموية غير كافية للجزم بثبوت نسب الولد إلى الأب، لكنها بالمقابل تفيد في الحصول على نفي قاطع[181]، وهكذا يكون واضحا أهمية هذا التحليل بالنسبة للطرف الذي يريد التوصل إلى دليل نفي، فهذا الفحص يفيده في دعواه، إذ قد يثبت من نتيجة التحليل أن الطفل لا يمكن أن ينسب إليه، أما بالنسبة للطرف الآخر الذي يريد التوصل إلى إثبات فلن يجدي معه هذا التحليل لأنه يبقى مجرد احتمالات غير مؤكدة لا تؤدي إلى أي اقتناع بصحة موقفه.
المطلب الثاني : تحليل البصمة الوراثية
على إثر اكتشاف حمض في جسم الإنسان أمكن اكتشاف جزء معين في تركيب هذا الحمض، ويتميز هذا الجزء بأنه يحمل الصفات الوراثية الخاصة بكل فرد[182]، بحيث لا يمكن أن يتشابه فيها مع غيره أشبه ما يكون ببصمة الأصابع في خصائصها، ولذا سميت هذه الصفات بالبصمة الوراثية[183] وللإحاطة بالموضوع سنناقشه من خلال الفقرات التالية:
الفقرة الأولى : مفهوم البصمة الوراثية وماهيتها
البصمة لغة مشتقة من البصم، ويقال رجل ذو بصم أي غليظ البصم وبصم بصما، إذا ختم بطرف إصبعه[184].
والبصمة أثر الختم بالأصبع لذلك فالبصمة ينصرف مدلولها عامة إلى بصمات الأصابع وهي الانطباعات والآثار التي تتركها.
وبالنسبة لتعريفها العلمي «فهي التركيب الوراثي الناتج عن فحص الحمض النووي لعدد واحدا أو أكثر من أنظمة الدلالات الوراثية»[185].
والملاحظ أن معرفة البصمة الوراثية لشخص ما يتم عن فحص الحمض النووي (ADN) الذي يحمله الإنسان بالوراثة عن أبيه وأمه إذ أن كل شخص يحمل في خليته الجينية (46) من صبغيات الكروموسومات، يرث نصفها وهي (23) كروموسوما عن أبيه بواسطة الحيوان المنوي والنصف الآخر (23)، يرثها عن أمه بواسطة البويضة، وكل واحد من هذه الكروموسومات والتي هي عبارة عن جينات الأحماض النووية المعروف باسم (ADN) ذات شقين ويرث الشخص شقا منها عن أبيه والشق الآخر عن أمه، فينتج عن ذلك كروموسومات خاصة به تختلف عن تلك التي يتوفر عليها والداه[186].
وفي مجال النسب، فقد أتاحت دراسة توافق الصفات المميزة الموجودة في الحمض النووي للأم وتلك الموجودة في الحمض النووي للطفل إلى تخريج تركيبة لا توجد إلا عند شخص واحد فقط وهو الأب الحقيقي أو البيولوجي للطفل[187]، حيث أكد علماء الطب الحديث أن نسبة النجاح في إثبات النسب أو نفيه عن طريق معرفة البصمة الوراثية، يصل في حالة النفي إلى حد القطع أي بنسبة 100% ، أما في حالة الإثبات فإنه يصل إلى قريب من القطع، وذلك بنسبة 99,99%.
الفقرة الثانية : حكم استخدام البصمة الوراثية في مجال النسب
نظرا لتشوف الشارع إلى ثبوت النسب وإلحاقه بأدنى سبب، فإن الأخذ بالبصمة الوراثية في مجال إثبات النسب في الحالات، التي يجوز فيها الحكم بثبوت النسب بناء على قول القافة، هو أمر ظاهر الصحة والجواز لأنه إذا جاز الحكم بثبوت النسب بناء على القيافة لاستنادها على علامات ظاهرة أو خفية مبنية على الفراسة والمعرفة والخبرة في إدراك الشبه بين الآباء والأبناء، فإن الأخذ بالبصمة الوراثية أولى منها في عصرنا الحالي لاعتمادها على أدلة خفية محسوسة من خلال الفحوصات المخبرية التي ثبت علميا صحة نتائجها الدالة على وجود الشبه بين الأصل والفرع، وهذا ما أكده المجمع الفقهي الإسلامي من كون البصمة الوراثية من الناحية العلمية وسيلة تكاد لا تخطئ في التحقق من الو الدية البيولوجية والتحقق من الشخصية وهي أقوى بكثير من القيافة العادية.
ولكن رغم ذلك، يجب التقيد بالضوابط الشرعية فيما يخص النسب[188] لأن تقنية البصمة الوراثية تساعد في التأكد من وجود أو عدم وجود العلاقة البيولوجية بين الأب والابن، أما طبيعة هذه العلاقة كونها شرعية أو غير شرعية، فذلك منوط بمهمة القضاء، وهكذا فإن البصمة الوراثية نعمة من نعم الله، قال الله تعالى : «سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد»[189].
وقد حدد المجمع الفقهي الإسلامي في دورته 16 المنعقد بمكة المكرمة، مجالات الاستفادة من البصمة الوراثية، حيث أكد على منع استخدامها بقصد التأكد من صحة الأنساب الثابتة، لأن النسب إذا ثبت بإحدى الطرق الشرعية فإنه لا يجوز نفيه البتة لاتفاق الشرائع السماوية على حفظ الضروريات للحياة الإنسانية وأهمها النسب والعرض، وأن من شأن منح إمكانية التأكد من الأنساب الثابتة فيه مفاسد كثيرة وقدح في أعراض الناس وأنسابهم وزرع للعداوة بين الأقارب والأرحام[190]، وفي ذلك فتنة كبيرة وفساد في الأرض، لذلك لا يمكن بأي حال من الأحوال إبطال النسب الثابت إلا عن طريق اللعان ويدل على ذلك ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : «جاء رجل من بني فزارة إلى رسول الله r ، فقال : ولدت امرأتي غلاما أسود وهو حينئذ يعرض بنفيه، فقال له النبي، فهل لك من إبل؟ قال نعم، قال فما ألوانها، قال حمر، قال : هل فيها من أورق؟ قال إن فيها لورقا، قال : فأنى أتاها ذلك؟ قال عسى أن يكون نزعه عرق، ولم يرخص له في الانتفاء منه».
وهذا الحديث يدل على عدم جواز نفي النسب بعد ثبوته، مهما ظهر من أمارات، قد تدل عليه، فلو فرضنا أن تحليل البصمة الوراثية أظهر خلاف المحكوم به شرعا، فإنه لا يجوز الالتفات إلى نتائجها، فإذا كان لا يجوز نفي النسب بعد ثبوته- بغير اللعان- فإنه لا يجوز أيضا استخدام أي وسيلة قد تدل على انتفاء النسب ونفيه عن صاحبه، لأن للوسائل حكم الغايات، فما كان وسيلة لغاية محرمة، فإن للوسيلة حكم الغاية. [191]
المبحث الثالث : مختلف المواقف بشأن الخبرة
لقد أسال موضوع الخبرة مداد الكثيرين واختلفت بشأنها آراء الفقهاء، وتضاربت بخصوصها الأحكام القضائية بين مؤيد ومعارض ومرد ذلك الفراغ التشريعي الذي عرفته مدونة الأحوال الشخصية الملغاة والتي لم يرد فيها أي نص قانوني يتيح إمكانية اللجوء إلى وسيلة التحليل الطبي (البصمة الوراثية) في إثبات النسب ونفيه.
وعلى خلاف ذلك فإن مدونة الأسرة اعتمدت الخبرة في مجال النسب مسايرة منها للتطور العلمي الحاصل في ميدان الطب الشرعي وظهور ما يسمى بالبصمة الوراثية كدليل قطعي في إثبات النسب ونفيه والتي أكدها العمل القضائي من خلال مجموعة من الاجتهادات، على اعتبار أن مدونة الأسرة لم تبين المقصود بالخبرة[192].
وموضوع اللجوء إلى الوسائل العلمية في مجال النسب لم يكن محل خلاف في المغرب فحسب بل كان ولازال قائما في جل الدول العربية بمختلف مذاهبها الفقهية، لذلك ولتسليط الضوء على الموقف إزاء الخبرة ، ارتأينا مناقشة الموضوع من خلال المطالب التالية :
المطلب الأول : الموقف من الخبرة في القانون المقارن
سنتطرق لموقف القانون المقارن (فقرة أولى) ثم موقف الفقه المقارن (فقرة ثانية)، على أن نخصص الفقرة الثالثة لموقف القضاء المقارن
الفقرة الأولى : موقف التشريع المقارن
أ- موقف التشريع المصري
بالرجوع إلى قانون الأحوال الشخصية المصري، رقم 1 لسنة 2000، فإنه لم يقر صراحة بنجاعة الخبرة الطبية في مجال النسب إثباتا ونفيا وإن اعتمدتها في تحديد أقصى أمد الحمل.
حيث جاء في المادة 3 من نفس القانون على أنه تصدر الأحكام طبقا لقوانين الأحوال الشخصية، والوقف المعمول بها ويعمل فيما لم يرد بشأنه نص في تلك القوانين بأرجح الأقوال من مذهب أبي حنيفة الذي يقوم على الكتاب والسنة والإجماع فيما يخص قبول الأدلة الشرعية لإثبات النسب.
ويكون بذلك القانون المصري قد حصر الوسائل المعتمدة في مجال النسب في الأدلة الشرعية فقط.
ب- موقف التشريع التونسي
تعد تونس من بين الدول الإسلامية التي اعتمدت تقنية البصمة الوراثية كدليل مؤكد لإثبات ونفي النسب وذلك من خلال قانون إثبات الهوية بتاريخ 28/10/1998 الذي ركز على مبدأ إثبات النسب بكل الوسائل العلمية المتاحة وعن طريق البصمات الوراثية أو التحليل الجيني على الخصوص وجعلتها من بين الوسائل الشرعية القائمة بذاتها.
ج- التشريع الكويتي :
لقد أخذ القانون الكويتي بصورة ضمنية بالوسائل العلمية في إثبات النسب ونفيه من خلال القانون 61 لسنة 1996 المعدل للقانون رقم 51 لسنة 1984 المتعلق بالأحوال الشخصية، حيث جاء في المادة 168 من القانون المذكور «لا يثبت النسب من الرجل إذا ثبت أنه غير مخصب أولا يمكن أن يأتي منه الولد لمانع خلقي أو مرضي وللمحكمة عند النزاع في ذلك أن تستعين بأهل الخبرة من المسلمين».[193]
د- موقف التشريع الإماراتي :
لقد حدد القانون رقم 28 لسنة 2005 المتضمن لقانون الأسرة أحكام النسب في المواد من 89 إلى 97 منه.
والقانون الإماراتي على خلاف باقي القوانين العربية نص صراحة على اعتماد الوسائل العلمية سواء في إثبات النسب أو نفيه وهكذا جاء في المادة 89 المتعلقة بوسائل إثبات النسب على أنه «يثبت النسب بالفراش أو بالإقرار أو بالبينة أو بالطرق العلمية إذا ثبت الفراش».
والملاحظ من خلال استقراء نص المادة أعلاه أن المشرع الإماراتي حصر وسائل الإثبات في الفراش والإقرار والبينة والطرق العلمية.
أما بخصوص نفي النسب فقد جاء في المادة 97 من نفس القانون أنه للمحكمة الاستعانة بالطرق العلمية لنفي النسب واشترطت المادة المذكورة ألا يكون النسب قد ثبت قبل ذلك، إذ حينها لا يمكن نفيه ولو باستعمال الوسائل العلمية.
الفقرة الثانية : موقف الفقه المقارن
لقد انقسم الفقه المقارن حول اعتماد البصمة الوراثية في مجال النسب إلى فريقين : فريق يرى الأخذ بالبصمة الوراثية مع مراعاة القواعد الشرعية وآخر ذهب إلى عدم الأخذ بها لوجود وسائل شرعية يجب إعمالها بدلا من البصمة الوراثية، لذلك وللإحاطة بموقف الفقه المقارن، سنتطرق أولا إلى الموقف المؤيد لاعتماد الخبرة الطبية (البصمة الوراثية) ثم الموقف المعارض (ثانيا).
أولا : الموقف المؤيد
لقد أثارت الفتوى التي أصدرها مفتي مصر الدكتور على جمعة والتي أجاز من خلالها إثبات النسب عن طريق تحليل الحامض النووي (ADN) جدلا واسعا بين علماء مجمع البحوث الإسلامية وخبراء القانون[194].
ويرى وكيل الأزهر السابق محمود عاشور أن إثبات النسب عن طريق استخدام البصمة الوراثية جائز في حالة وجود علاقة زوجية صحيحة ولا يمكن استخدامها في إثبات نسب أبناء الزنا لأن القاعدة الشرعية التي تبنى عليها الأحكام الشرعية الخاصة بالنسب هي قاعدة «الولد للفراش وللعاهر الحجر».
والبصمة الوراثية تعد وسيلة جديدة أقرها الإسلام وهي تقوم مقام القيافة، واتفق العلماء على أنها وسيلة دقيقة في إثبات النسب يتم اللجوء إليها في حالة إنكار الزوج لنسب الولد شريطة وجود عقد شرعي وعدم التدخل البشري في نتائجها ويرى الدكتور سعد الدين مسعد هلالي[195]، أن البصمة الوراثية كشف حديث يجري عليها حكم الأصل في الأشياء النافعة الإباحة استصحابا لبراءة الذمة وإقامة على مبدأ سلطان الإرادة وللبصمة الوراثية تمرتان أولهما أنها تحقق الهوية الشخصية بصفاتها الخاصة التي تميزها عن غيرها وثانيهما أنها تحقق الهوية الشخصية بصفاتها المرجعية مع الأصول والفروع ومن خلالها يمكن التعرف على الأبوين وأولادهم ويمكن الاعتماد عليها أيضا في مجال النسب إثباتا ونفيا.
وهناك جانب من الفقه جعل حق اللجوء إلى البصمة الوراثية للمرأة وليس للرجل، حيث يرى الدكتور يوسف القرضاوي أن في ذلك رعاية لحق المرأة في إثبات براءتها وحق ولدها في إثبات نسبه وعملا على إراحة ضمير زوجها وإزالة الشك عنه وأنه باللجوء إلى وسيلة علمية مقطوع بها تدفع بها التهمة عنها وعموما دعا الاجتهاد الفقهي إلى الأخذ بهذا المعطى العلمي الجديد الذي يمثل تطورا عصريا في مجال القيافة التي يذهب إليها جمهور الفقهاء في إثبات النسب المتنازع فيه.
ثانيا : الموقف المعارض
ذهب بعض الفقه عكس ما نحاه الرأي الأول في أنه إذا ثبت لدى الزوج خيانة زوجته أو أنها على علاقة برجل آخر، وغلب ظنه أن بعض ولده ليس منه فعليه سلوك مسطرة اللعان ولا يستجاب إلى طلبه الاحتكام إلى البصمة الوراثية لأنه يفوت على المرأة ما يوفره لها اللعان من الستر عليها وعلى ولدها وهذا الستر مقصود للشارع لما فيه مصلحتها ومصلحة ولدها[196] ويطبق الأمر نفسه فيما إذا طلبت المرأة اللجوء إلى البصمة الوراثية مادام الشرع قد جعل اللعان علاجا لمثل هذه الحالة. لذلك يجب الاقتصار عليه وعدم تعديه إلى غيره.
الفقرة الثالثة : موقف القضاء المقارن
كما سبقت الإشارة إلى ذلك عند مستهل الحديث عن الموقف من الخبرة الطبية فإن القضاء المقارن بدوره تضاربت مواقفه بخصوص اعتماد تحاليل البصمة الوراثية ولتوضيح هذه المواقف، سنتطرق للاجتهادات القضائية ذات الصلة في بعض البلدان العربية.
أ- موقف القضاء المصري
لقد تبنى القضاء المصري الأخذ بالتحاليل الطبية في مجال النسب، لكنه جعل ذلك مقتصرا على نفي النسب دون إثباته، ما لم يتعارض مع قاعدة شرعية كالفراش، وفي هذا الإطار سبق لمحكمة النقض المصرية أن قضت بأنه[197] « متى كانت الحقائق العلمية المسلم بها في الطب الشرعي الحديث تفيد أن تحليل فصائل الدماء قد تقطع نتيجته في نفي نسب الطفل عند المنازعة فيه وإن كان من غير اللازم أن تقطع في ثبوته واتحاد الفصائل أو اختلافها بين الأصول والفروع أيا كان الرأي العلمي فيه هو اعتبار عام لا ينهض في وجه ما تمسك به الطاعن في خصوص دعواه من أن الطفل لا يمكن نسبته إليه ولو بدليل محتمل، محتكما إلى الخبرة الفنية البحتة التي لا تستطيع المحكمة أن تشق طريقها فيها إلا بمعونة ذويها لما كان ذلك، وكان لا يعرف حاصل ما كان ينتهي إليه رأي المحكمة لو ثبت لها بيقين من نتيجة تحليل الفصائل أن الطفل لا يمكن أن يعزى إلى المتهم، وكان رد الدفاع يحدث في وجدان القاضي ما يحدثه دليل الثبوت لما كان ما تقدم فقد كان متعينا على المحكمة أن تحقق هذا الدفاع الجوهري عن طريق المختص فنيا وهو الطبيب الشرعي، أما وهي لم تفعل اكتفاء بما قالته من أنه ليس من اللازم أن تتحد فصائل دماء الأصول والفروع فإنها بذلك تكون قد أحلت نفسها محل الخبير الفني في مسألة فنية، ومن تم يكون حكمها معيبا بالإخلال بحق الدفاع، مما يتعين معه نقضه والإحالة دون التعرض لسائر الطعن».
وفي قضية أخرى ثبت من خلال التحاليل التي أجريت على الزوج المدعي استحالة أن يكون هو والد الطفل المطلوب إنكار نسبه، فقضت محكمة الجيزة الابتدائية للأحوال الشخصية، تبعا لنتيجة التحاليل بإنكار النسب، فطعنت الزوجة بالاستئناف في الحكم المذكور، فألغته محكمة الاستئناف معللة قرارها «بأنه لما كان ذلك وكانت الزوجية قائمة بين المستأنفة والمستأنف ضده بموجب عقد زواج صحيح في 28/10/1996 وأنه طلقها في 14/07/97 وأنها قامت بوضع مولودها في 15/10/1997 أي بعد مرور أكثر من ستة أشهر من وقت الزواج وكان الزوج ممن يتصور الحمل من مثله عادة وكان التلاقي قد أمكن بعد العقد بين الزوجين ومن تم فقد ثبت نسب الولد ولا يستطيع الزوج أن ينفيه إلا باللعان بشروطه السابقة»[198].
والملاحظ أن المحكمة ألحقت نسب الطفل بالمدعي رغم ثبوت نفي نسبه من خلال التحاليل الطبية، مطبقة في ذلك القواعد الشرعية مادام الفراش هو الأصل وقد ثبت لها ازدياد الابن داخل الأمد الشرعي وإمكانية الاتصال.
ب- موقف القضاء التونسي :
رغم أن مقتضيات الفصل 75 من المجلة التونسية لا تنص صراحة على اعتماد إجراء التحليل الطبي في قضايا النسب، إلا أن القضاء التونسي قبل اعتمادها في قضايا نفي النسب بخلاف القضاء المغربي قبل صدور مدونة الأسرة، حيث قضت محكمة الاستئناف بسوسة إلى أن «الاعتماد على التحاليل الطبية لنفي النسب – لا لإثباته- اعتماد على وسائل إثبات شرعية مادام الطب الحديث في استطاعته اليوم القطع بنفي أبوة شخص لآخر حسب تحاليل خاصة تؤدي إلى نتيجتها دون شك أو جدل»[199].
وجاء في قرار محكمة التعقيب بتونس عندما نقضت حكم قضاة الموضوع الذي رفض سماع دعوى نفي النسب بناء على التحليلات الطبية تغليبا للفراش واعتمادا على أن التحليلات الطبية لا تعتبر وسائل شرعية لنفي النسب «حيث اتضح من مراجعة القرار المطعون فيه أنه أسس قضاءه بإقرار حكم البداية القاضي برفض الدعوى على اعتبار أن إثبات عدم التلاقي بين الطرفين قبل الحمل لنفي نسب الطفل الوليد لا يمكن أن يكون مركزا أساسا على طريقة تحليل الدم التي لا تعد وسيلة إثبات شرعية، وحيث إن التعليل الذي انتهجته محكمة القرار غير مستساغ قانونا ولا يتماشى مع مظروفات الملف ومعارضا لما أقره الفصل 75 من مجلة الأحوال الشخصية الذي اقتضى أنه إذا نفى الزوج حمل زوجته أو الوليد اللازم له فلا ينتفي عنه إلا بحكم الحاكم وتقبل في هاته الصورة جميع وسائل الإثبات الشرعية وأن مدلول صيغة هذا النص يغير ما أورده المشرع بالفصل 68 من نفس المجلة الذي عين لثبوت النسب طرقا مخصوصة وصورا معينة جاءت بالحصر والذكر، ذلك أن نفي النسب في هذه الحالة يكون مع توفر الفراش والزواج الصحيح ولكن الولادة أو الحمل الذي جاءت به الزوجة هو موضوع الطعن والنفي بحسب ما يقدمه الزوج من وسائل الإثبات الشرعية والقانونية والتي لا تعد شهادة الشهود فيه كافية بل يجب الاعتماد على الأبحاث والاختبارات الطبية التي يكون لها تأثير سواء سلبي أو إيجابي ومن ذلك وسيلة تحليل دم كل من الزوج والزوجة والمولود المطالب بنفي نسبه وأنه لا شيء يمنع من اعتماد تلك الوسيلة التي حقق علماء الطب الشرعي صحتها والتي تعد طريقة علمية قاطعة وهو ما درج عليه فقه وقضاء هذه المحكمة، وأن عدم استجابة محكمة الموضوع لهذا الدفع يعتبر إفراطا في السلطة، وإهدارا لحق الدفاع مع سوء تأويل القانون»[200].
وورد في قرار آخر «بأن أحكام الفصلين 75و 76 من مجلة الأحوال الشخصية اقتضت إمكانية القيام بطلب نفي النسب استنادا إلى كافة وسائل الإثبات ومنها وسيلة تحليل الدم التي هي حجة قاطعة يمكن الاستناد إليها في طلب نفي النسب»[201].
ج- موقف القضاء الكويتي
بخلاف القضاء في تونس، نجد القضاء الكويتي بجميع درجاته استبعد الأخذ بالوسائل العلمية في نفي النسب، وفي هذا الإطار نجد المحكمة الكلية محكمة أول درجة قد استبعدت تقرير البصمة الوراثية رغم أنه أثبت كون الولدين ليسا من صلب المدعي، بعلة تعارض ذلك التقرير مع أدلة الشرع الأخرى، وهي الفراش والإقرار من الزوج باستخراج شهادة ميلاد الولدين وتأخره في النفي الفوري الذي كان على الزوج أن يقوم به خلال سبعة أيام من وقت الولادة أو العلم بها وأوجب اتخاذ إجراءات دعوى اللعان خلال خمسة عشر يوما من هذا التاريخ[202].
والملاحظ أن القضاء الكويتي لا يعترف البتة بتحاليل البصمة الوراثية في مجال النسب، كوسيلة من وسائل الإثبات والنفي ومرد ذلك أنه لازال متشبثا بالأدلة الشرعية المنصوص عليها في الكتاب والسنة.
د- موقف القضاء الإماراتي :
والقضاء الإماراتي مثله مثل القضاء الكويتي لم يعتد بالبصمة الوراثية باعتبارها ليست من الوسائل المعتبرة شرعا لإثبات النسب، وعلى هذا الأساس وضعت محكمة التمييز بإمارة دبي قاعدة قانونية تسير على منوالها وتطبقها باقي المحاكم حيث جاء في قرارها[203] «أن نتيجة تحليل الدم ليست من البينات المعتبرة شرعا لإثبات النسب ولا يعدو هذا التقرير أن يكون مجرد قرينة يخضع تقديرها لمحكمة الموضوع ولا تثريب على محكمة الاستئناف في عدم أخذها بنتيجة المختبر الجنائي في إثبات نسب الولد المتنازع عليه من الطاعن بعد تحليل الدم».
المطلب الثاني : موقف القانون المغربي بشأن الخبرة
أثار اعتماد الخبرة الطبية كوسيلة من وسائل إثبات النسب ونفيه نقاشا مستفيضا في أوساط الفقه القانوني المغربي ومرد هذا النقاش كون التشريع المغربي لا يتضمن قواعد صريحة في هذا المجال في ظل مدونة الأحوال الشخصية الملغاة، بل نجد جانبا من الفقه يرفض الركون إلى التحاليل الطبية رغم التنصيص على الخبرة في مدونة الأسرة، والقضاء المغربي استقر بدوره على عدم اعتبار الخبرة الطبية بكل أوجهها من بين وسائل الإثبات في مجال النسب وسنده في ذلك عدم وجود نص قانوني صريح في المدونة الملغاة يتيح إمكانية اللجوء إليها، أما بعد صدور مدونة الأسرة فنجد القضاء في كثير من أحكامه يساير هذه المقتضيات القانونية، وإن اختلفت التطبيقات.
لذلك وللإحاطة بالموضوع ارتأينا مناقشته من خلال الفقرات التالية :
الفقرة الأولى : موقف التشريع المغربي
سنعالج هذه النقطة من خلال التطرق لموقف مدونة الأحوال الشخصية الملغاة (أولا) ثم موقف مدونة الأسرة (ثانيا).
أولا : موقف مدونة الأحوال الشخصية الملغاة
بالرجوع إلى مقتضيات الفصل 89 من مدونة الأحوال الشخصية الملغاة، نجده عدد وسائل إثبات النسب في «الفراش أو إقرار الأب أو شهادة عدلين أو بينة السماع بأنه ابنه ولد على فراشه من زوجته»، كما نص الفصل 90 على أنه «لا ينتفي الولد من الرجل أو حمل الزوجة منه إلا بحكم القاضي، وجاء في الفصل 91 بعده «يعتمد القاضي في حكمه على جميع الوسائل المقررة شرعا في نفي النسب».
ويتبين من خلال هذه الفصول أن المدونة الملغاة لم تتضمن أي إشارة صريحة إلى إمكانية الاعتماد على الخبرة الطبية في مجال النسب، سواء في الإثبات أو النفي، خصوصا في وجهها المعتمد على الهندسة الوراثية[204]، وإن كان التنصيص في الفصلين 75 و 76 على إمكانية اللجوء إلى أهل الخبرة من الأطباء، فإن ذلك كان مقتصرا على المنازعات التي قد تحصل بخصوص إدعاء وجود حمل أو نفيه، حيث جاء في الفصل 75 «إذا ادعت المعتدة الريبة في الحمل ونوزعت في ذلك عرضت على أهل الخبرة».
وجاء في الفصل 76 : «أقصى أمد الحمل سنة من تاريخ الطلاق أو الوفاة فإذا انقضت السنة وبقيت الريبة في الحمل رفع من يهمه الأمر أمره إلى القاضي ليستعين ببعض الخبراء من الأطباء للتوصل إلى الحل الذي يفضي إلى الحكم بانتهاء العدة أو إلى امتدادها إلى أجل يراه الأطباء ضروريا لمعرفة ما في البطن هل هو علة أم حمل».
وهكذا ارتأت المدونة الملغاة الاحتكام إلى أهل الخبرة من الأطباء لتحديد أقصى مدة الحمل أو لمعرفة ما في بطن المرأة الحامل في حالة وجود ريبة في الحمل والخبرة المعتمدة بهذا الخصوص تبقى إجراء من إجراءات التحقيق المخولة للمحكمة بمقتضى قانون المسطرة المدنية (الفصول من 55 إلى 66)، يقتصر دورها على مساعدة القاضي في فهم أمور تقنية أو علمية ليست من مجال تخصصه، حتى يكون قناعته بصدق ادعاءات الأطراف ولإيجاد حلول للنزاع المثار أمامه من طرف من له المصلحة.
وأنه كان يتعين تفسير الوسائل المقررة شرعا ، في غياب نص صريح- بكل الوسائل المقررة في قواعد الإثبات وكل الوسائل المشروعة التي تنير طريق القاضي ومن بينها الخبرة الطبية.
ويرى الأستاذ محمد الكشبور[205] بأن «للفقه الإسلامي عذره فالملاحظ أنه عند نزول القرآن الكريم وتكوين السنة النبوية وحتى في العهد الذي بدأ فيه تدوين هذا الفقه لم تكن للطب مكانة ذات شأن في مجال النسب، فضلا على أن المشرع القرآني وهو الله عز وجل خاطب العرب عندئذ بقدر ما تستوعبه عقولهم وأن الطب وإن كان العرب من رواده فقد كان حينها مبنيا على الاحتمال، لذلك انصرف عنه أصحاب المذاهب الإسلامية ولم يأخذوا به.
ثانيا : موقف مدونة الأسرة
لقد أنهت مدونة الأسرة الجدل الذي كان قائما وبددت الغموض الذي كان يحوم حول قبول الخبرة الطبية والتحاليل الجينية في مجال النسب، حيث تم إدراج سند الأخذ بالخبرة الطبية كوسيلة إثبات في مواد عديدة[206] وجعلها من بين وسائل إثبات النسب ونفيه، وبذلك لم يعد المشرع المغربي يحيل بخصوص الأحكام المضمنة في مدونة الأسرة لاسيما ما يتعلق بإثبات النسب ونفيه على أحكام الفقه الإسلامي، بل أشار صراحة إلى الخبرة أو الخبرة القضائية دون تحديد للمقصود بها، وإن كان العمل القضائي استقر منذ دخول مدونة الأسرة حيز التطبيق (فبراير 2004) على اعتماد البصمة الوراثية، تفسيرا منه لمصطلح الخبرة الوارد في مدونة الأسرة فيما يتعلق بالنسب كما جاء في المادة 158 من المدونة «يثبت النسب بالفراش أو بإقرار الأب أو بشهادة عدلين أو ببينة السماع وبكل الوسائل المقررة شرعا بما في ذلك الخبرة القضائية».
والملاحظ من خلال الإطلاع على النصوص القانونية ذات الصلة، نجد أن مدونة الأسرة قد ميزت بخصوص اللجوء إلى الخبرة بين إثبات النسب ونفيه حيث جاء في المادة 153 «... يعتبر الفراش بشروطه حجة قاطعة على ثبوت النسب، لا يمكن الطعن فيه إلا من الزوج عن طريق اللعان أو بواسطة خبرة تفيد القطع بشرطين :
- إدلاء الزوج المعني بدلائل قوية على ادعائه
- صدور أمر قضائي بهذه الخبرة.
والأكثر من هذا فقيام العلاقة الزوجية تقوم مبررا للتشدد ورفض كل طلب يهدف إلى نفي النسب.
والملاحظ من خلال العمل القضائي وفق ما سنتطرق له لاحقا، أنه جعل من علة عدم إدلاء الزوج بدلائل قوية على ادعائه، قاعدة لرفض طلب اللجوء إلى الخبرة ومرد ذلك الغموض الذي جاءت به صياغة نص المادة 153 والتي لم توضح معنى الدلائل القوية، ولذلك أصبح تحديدها داخلا في إطار السلطة التقديرية لمحاكم الموضوع وتبقى فكرة الدلائل القوية مسألة واقع لا مسألة قانون وإن كانت تحتاج إلى تعليل منضبط دفعا لأي تعسف قد يمارس من جانب المحاكم[208] ويستشف من نص المادة 153 أعلاه أن اللجوء إلى الخبرة لنفي النسب مقيدة بشروط، هذه الشروط المتمثلة في :
- أن يكون الولد لاحقا شرعا بالأب.
- نفي النسب بواسطة حكم وهو ما نصت عليه المادة 151 من مدونة الأسرة.
- إدلاء الزوج بدلائل قوية على ادعائه.
- صدور أمر قضائي بإجراء الخبرة المذكورة.
- أن تكون الخبرة قطعية.
- إثبات النسب عن طريق الخبرة في مرحلة الخطبة
«إذا تمت الخطوبة وحصل الإيجاب والقبول وحالت ظروف قاهرة دون توثيق عقد الزواج وظهر حمل بالمخطوبة ينسب للخاطب للشبهة إذا توافرت الشروط التالية :
أ- إذا اشتهرت الخطبة بين أسرتيهما، ووافق ولي الزوجة عليها عند الاقتضاء.
ب- إذا تبين أن المخطوبة حملت أثناء الخطبة.
ج- إذا أقر الخطيبان أن الحمل منهما.
تتم معاينة هذه الشروط بمقرر قضائي غير قابل للطعن إذا أنكر الخاطب أن يكون الحمل منه، أمكن اللجوء إلى جميع الوسائل الشرعية في إثبات النسب»[209].
انطلاقا من الفقرة الأخيرة من نص المادة 156 فإنه في حالة إنكار الخاطب أن يكون الحمل منه أمكن اللجوء إلى جميع الوسائل الشرعية المعتمدة لإثبات النسب ولعل المقصود بالوسائل الشرعية، الخبرة طالما أنه لا وجود للفراش، هذا من جهة، ومن جهة ثانية أنها –أي الخبرة - تعد من بين وسائل إثبات ونفي النسب طبقا للمادتين 158 و 153.
ولإثبات النسب الناتج عن الخطبة في حالة الإنكار، فإنه يجوز للمخطوبة طلب اللجوء إلى الخبرة، لكن ذلك مشروط بإثباتها توفر الشروط المذكورة في المادة 156، إذ من المفروض قانونا إثبات صحة الخطبة قبل إثبات النسب الناجم عنها.
ولما كان الأمر كذلك فإنه لا بأس من التطرق إلى هذه الشروط من خلال استقراء مضمون المادة 156 أعلاه نجدها تتضمن صنفين من الشروط، مباشرة وأخرى مباشرة.
- الشروط المباشرة : وهي تلك الواردة بالفقرة الأولى من المادة 156
- تمام الخطوبة
- تطابق الإيجاب والقبول
- وجود ظروف قاهرة حالت دون توثيق عقد الزواج
- ظهور حمل بالمخطوبة.
- الشروط غير المباشرة : هذه الشروط نصت عليها الفقرة الثانية من المادة المذكورة بشكل صريح وتتمثل فيما يلي :
- اشتهار الخطبة بين الأسرتين
- موافقة الولي على الخطبة عند الاقتضاء
- حدوث الحمل أثناء الخطبة
- إقرار الخطيبين بالحمل.
وإذا اعتبرنا أن الخبرة وسيلة إثبات مستقلة يلحق بها النسب فإن ذلك يقتضي إلحاق أبناء الزنا بآبائهم وفي ذلك نسف للحديث الشريف[210] «الولد للفراش وللعاهر الحجر»، لأن اعتماد الخبرة كوسيلة مستقلة في إثبات النسب فيه مساس خطير بالنظام العام وبالعقيدة[211]، لأنها ستثبت الأبوة البيولوجية أي أن الولد من ماء الرجل، أما كونه ابن شرعي أم لا، فذلك مرهون بباقي القواعد الشرعية.
ولما كان العدل يقضي والحق يوجب نسبة الابن إلى أبيه الشرعي لا الطبيعي ودرءا لما قد يقع من مفاسد ومنكرات وتحليل لنظام التبني المحرم شرعا، فإن مدونة الأسرة قيدت اللجوء إلى الخبرة سواء في إثبات النسب أو نفيه بصدور أمر قضائي بهذه الخبرة، بحيث لا يمكن للمختبرات ومعامل التحليل الطبي القيام بالتحاليل بناء على طلب الأطراف، لما في ذلك من مخاطر على النسب.
والمجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي، أصدر قرارا بشأن البصمة الوراثية ومجالات الاستفادة منها في دورته السادسة عشر المنعقدة بمكة المكرمة في المدة من 21 إلى 26 أكتوبر 2003، حيث جاء من ضمن توصياته في البند السابع[212] :
أ- أن تمنع الدولة إجراء الفحص الخاص بالبصمة الوراثية إلا بطلب من القضاء وأن يكون في مختبرات الجهات المختصة وأن تمنع القطاع الخاص الهادف للربح من مزاولة هذا الفحص لما يترتب عن ذلك من مخاطر كبرى.
ب- تكوين لجنة خاصة بالبصمة الوراثية في كل دولة يشترك فيها المختصون الشرعيون والأطباء والإداريون وتكون مهمتها الإشراف على نتائج البصمة الوراثية واعتماد نتائجها.
ج- أن توضع آلية دقيقة لمنع الانتحال والغش ومنع التلوث وكل ما يتعلق بالجهد البشري في حقل مختبرات البصمة الوراثية حتى تكون النتائج مطابقة للواقع وأن يتم التأكد من دقة المختبرات وأن يكون عدد المورثات (الجينات) بالقدر الضروري دفعا للشك.
الفقرة الثانية : موقف الفقه المغربي من الخبرة
من خلال الإطلاع على بعض كتابات الفقهاء المغاربة، نجدهم قد انقسموا بخصوص الخبرة إلى فريقين، فريق يؤيد اللجوء إلى الخبرة وآخر يعارض في ذلك ولم يقتصر الأمر على ذلك خلال مدونة الأحوال الشخصية الملغاة، بل حتى بعد صدور مدونة الأسرة.
أولا : الاتجاه المؤيد لاعتماد الخبرة
من بين المؤيدين لاعتماد الخبرة ، نجد الأستاذ أحمد الخمليشي[213] الذي يرى «بأنه إذا كان الفقهاء المسلمون قد قبلوا مبدأ إثبات النسب بالقيافة، فيكون من باب أولى قبول الخبرة الطبية في الوقت الحاضر الذي اكتشفت فيه طرق تحليل أثبتت التجارب صدقها على أن تبقى للتحليل الطبي صفته كخبرة يقتصر دورها على مساعدة القاضي على فحص الوقائع والوصول إلى الحقيقة ويبقى للقاضي الاعتماد عليها في حكمه متى اطمأن إلى نتائجها وتيقن من صحة بياناتها وما ورد فيها تحليلا واستنتاجا على اعتبار أن التحليل الطبي يعد في الوقت الحاضر من بين الوسائل الشرعية في مجال النسب كونه يقوم على وسائل علمية يقينية تساعد على استصدار أحكام قضائية مبنية على الجزم واليقين ويرى الأستاذ رشيد مشقاقة[214]، أن اعتماد التحليل العلمي لاسيما نظام البصمة الوراثية في مجال النسب ليس فيه ما يتعارض مطلقا مع أحكام الفقه الإسلامي ولا مع نصوص المدونة، ومؤدى ذلك العناية الفائقة التي أبداها الطب في مجال الهندسة الوراثية والتي جعلته مؤهلا ليحظى بقيمة إثباتية وافرة على عكس ما كان عليه الأمر قديما وأن تفسير الفصل 91 من مدونة الأحوال الشخصية الذي جاء فيه «يعتمد القاضي في حكمه جميع الوسائل المقررة شرعا في نفي النسب».
يحب أن يكون منفذا خصبا للاستفادة من هذا التقدم العلمي، وأن اللعان يكتنفه من جانب الملاعن (الزوج) شك وارتياب في نسب الولد على اعتبار أن اللعان وسيلة ظنية وليست قطعية لذلك وجب الركون إلى التحليل العلمي، وذهب الأستاذ إدريس الفاخوري[215] إلى أن العقل والمنطق وتحقيق العدل وتثبيت الحقوق يقتضي اعتماد نتائج البحث العلمي في مجال الخبرة الطبية إذ لا يعقل أن يأخذ فقهاؤنا في الشريعة الإسلامية بالقيافة ولا يتم اللجوء إلى الخبرة الطبية التي تعتبر نتائج أبحاث علمية لفكر إنساني وعلوم ليس فيها ما يتنافى مع قواعد الشريعة الإسلامية.
في حين يرى الأستاذ محمد الكشبور[216] أن البصمة الوراثية حقيقة علمية لم تعد محل جدل إلا ممن ختم الله على قلوبهم، فهي تقنية علمية تثبت وتنفي النسب البيولوجي بين شخصين لما تمتاز به من الدقة، فضلا عن التقدم الذي أحرزه الطب في هذا المجال فأصبح ذلك مبنيا على اليقين، وأن استبعاد الأخذ به من طرف القضاء قد يضر بأحكام الشريعة الإسلامية عوض خدمتها.
ثانيا : الاتجاه المعارض لاعتماد الخبرة
تتجلى حجج المعارضين في كون الخبرة الطبية لم يرد النص عليها بالشريعة الإسلامية وأن الوسيلة الوحيدة لنفي النسب هي اللعان باعتباره المخرج الوحيد الذي وضعه الشرع الحكيم لصالح الزوج الذي يعوزه إثبات زنا زوجته بأربعة شهود، فضلا على أن تحاليل الدم ليست وسيلة ذات مصداقية مطلقة، فمن الممكن أن يتسرب إليها الخطأ ويعتريها القصور نتيجة الإهمال أو التدخل البشري، كما أن عدم الأخذ بهذه التحاليل الطبية فيه تكريس لمقاصد الشريعة الإسلامية في عدم قطع الأنساب وتشوفها إلى ثبوتها[217]. ولعل من أبرز الآراء المعارضة لاعتماد الخبرة في مجال النسب نفيا وإثباتا، نجد الأستاذ محمد التاويل[218] عضو اللجنة الملكية الاستشارية لمراجعة مدونة الأحوال الشخصية، الذي يرى أنه بالرغم من ترتيب بعض الآثار المرضية والنتائج الإيجابية للخبرة الطبية، إلا أنه بالرغم من ذلك فهي لا تصلح لإثبات النسب أو نفيه لأن نتائجها محتملة غير محققة الوقوع ولا مضمونة الحصول من جهة، ومن جهة ثانية أن الحدود الشرعية كفيلة بتحقيق تلك النتائج التي يبرر بها البعض دفاعه عن الخبرة الطبية وما يؤكد ذلك الواقع الإسلامي وتاريخه النظيف وأن الجرائم المشتكى منها اليوم لم تظهر في المجتمعات الإسلامية إلا بعد تعطيل الحدود وانتشار ثقافة الحداثة والانحلال وتقلص ثقافة العفة وانحسارها، كما أن في ذلك مخالفة للشريعة الإسلامية شكلا ومضمونا.
ويسير في نفس الاتجاه الأستاذ أحمد زوكاغي[219] في تعليقه على قرار المجلس الأعلى الصادر عن جميع الغرف عدد 658، حيث يرى أن الاتجاه الذي سار فيه المجلس الأعلى هو الذي ينسجم مع أحكام ومبادئ وأسس قانون الأحوال الشخصية الإسلامي، إذ مادامت وسائل إثبات النسب محددة انطلاقا من الحديث الشريف «الولد للفراش» فلا داعي لإضافة وسائل أخرى مستحدثة بدعوى التقدم العلمي أو التطور التكنولوجي إذ لا اجتهاد مع مورد النص واعتبارا لأن الرسول r «لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى»، داعيا المجلس الأعلى إلى إبداء نفس الحرص والصرامة والوضوح في أي حكم من أحكام مدونة الأسرة، يمكن احتمالا أن يكون مخالفا لنص شرعي قطعي الثبوت والدلالة.
لكن مهما كانت تبريرات القائلين بعدم جدوى الخبرة ، فإنها تبقى وسيلة ناجعة يجب الأخذ بها كونها تمتاز بالدقة ونتائجها تكاد تكون قطعية وهي أقوى بكثير من القيافة العادية، فضلا على ذلك أن الشريعة الإسلامية تحث على العلم وصالحة لكل زمان ومكان.
وأن عدم أخذ فقهاء الشريعة الإسلامية بما توصل إليه العلم من حقائق هو طعن في تلك الشريعة لأنه يظهرها بمظهر العاجزة عن مسايرة التقدم العلمي وطعن كذلك في كونها صالحة لكل زمان ومكان[220].
لذلك كان حريا بالمشرع أن يضع حدا للخصام الأبدي الذي عرفه الطب والقانون في مجال النسب، وفي هذا الإطار جاء تعديل مدونة الأحوال الشخصية.
الفقرة الثالثة : موقف القضاء المغربي من الخبرة
عرف موضوع اعتماد الخبرة في مجال النسب تطورا مشوبا بالتردد والحذر نتيجة غياب تشريع واضح في الموضوع وهو ما جعل الاجتهاد القضائي بدوره يفسر النصوص القانونية تفسيرا ضيقا إلى أن جاءت مدونة الأسرة[221]. التي أخذت بالدليل العلمي صراحة، وهو ما أدى إلى حصول تحول ملموس في موقف القضاء.
ولتوضيح هذا الموقف، سنقسم هذه الفقرة إلى قسمين وفق ما يلي :
أولا : موقف القضاء المغربي في ظل مدونة الأحوال الشخصية الملغاة
لقد استقر الاجتهاد القضائي المغربي قبل صدور مدونة الأسرة على رفض اعتماد الخبرة الطبية كوسيلة من وسائل إثبات أو نفي النسب وإن اعتد بها في ميادين أخرى، كحالة وجود الريبة في الحمل وفق ما بيناه سلفا عند حديثنا عن موقف التشريع المغربي (مدونة الأحوال الشخصية الملغاة).
ومبرره في ذلك غياب تشريع واضح وعدم أخذ مدونة الأحوال الشخصية صراحة بالخبرة الطبية، وبعلة أنها لم ترد في الفقه الإسلامي كدليل يعتد به، ضمن وسائل إثبات ونفي النسب.
فقد ورد في قرار المجلس الأعلى[222] «إن ما قضى به الحكم المطعون فيه يجد أساسه في الفصل 91 من مدونة الأحوال الشخصية الذي ينص على أن القاضي يعتمد في حكمه على جميع الوسائل المقررة شرعا في نفي النسب وليس من بين هاته الوسائل وسيلة التحليل الطبي وأن ما نص عليه الفصل 76 من المدونة خاص بما إذا بقيت الريبة في الحمل بعد انقضاء سنة من تاريخ الطلاق أو الوفاة لمعرفة ما في البطن هل علة أم حمل وبذلك تكون الوسيلة غير مبنية على أساس».
وجاء في حيثيات إحدى قراراته[223] «حيث إن قاعدة الولد للفراش لا يجوز دحضها إلا بالوسائل المقررة شرعا لنفي النسب وأنه إذا كان الشرع والقانون يعتدان برأي أهل الخبرة من الأطباء في عدة مسائل، فإنهما لم يعتدا برأيهم فيما يرجع لنفي النسب استنادا إلى عدم قابلية الزوج للإخصاب مادام في وسع ذلك الزوج نفي النسب عن طريق اللعان».
والمجلس الأعلى في أحد قراراته لم يعتد بالشواهد الطبية والتحليلات التي أثبتت أن الزوج عقيم، حيث أكد أن «التحليلات الطبية التي تثبت العقم لا يعتمد عليها في نظر الشرع»[224].
والملاحظ من خلال مجموعة من القرارات الصادرة عن القضاء في المغرب أنه كان يتشدد في اعتماد التحاليل الطبية فيما يخص نفي النسب رغم إدلاء الزوج الذي ينفي النسب عنه بدلائل قوية تعضد ادعاءاته، فلم يقبل الشكاية بالخيانة الزوجية لنفي النسب، مادام الزوج المشتكي لم يسلك مسطرة اللعان[225].
بل الأكثر من هذا أن المجلس الأعلى ظل على تشدده إلى حدود السنوات الأخيرة إلى درجة أن غرفه اجتمعت برمتها لتصدر قرارا يرفض الأخذ بتحاليل الحمض النووي (A.D.N) لنفي النسب رغم إدلاء الطاعن بقرار نهائي صادر عن القضاء الفرنسي ينفي عنه نسب البنت بعد الاعتماد على نتائج خبرة جينية، حيث جاء في قراره بهذا الخصوص[226]: «لكن حيث إن المحكمة المطعون في قرارها قد بنت قضاءها على أنه إذا ولدت الزوجة بعد فراق يثبت نسب الولد إذا جاءت به خلال سنة من تاريخ الفراق مع مراعاة ما ورد في الفصل 76 من مدونة الأحوال الشخصية المطبقة على النازلة والذي يتضمن أن أقصى أمد الحمل هو سنة من تاريخ الطلاق أو الوفاة وأنه ثبت أن الطالب قد طلق زوجه المطلوبة بمقتضى رسم الطلاق المؤرخ في 12 رمضان 1416 الموافق ل 2/2/1996، كما ثبت من عقد الازدياد رقم 004080/96 وتاريخ 17/9/1996 الصادر عن مكتب الحالة المدنية لمدينة مولهوز بفرنسا أن الطفلة أنيسة دنيا أمينة ولدت من أبويها محمد بلخديم وليلى إيجورك، لذلك فإنها قد ولدت داخل سنة من تاريخ الفراق، وأن نسبها ثابت لأبيها الطالب طبقا لمقتضيات الفصل 76 المذكور، مؤيدة الحكم الابتدائي، فيما قضى به، معللا بأن الحكم الأجنبي المحتج به الصادر عن محكمة المنازعات الكبرى بمولهوز بفرنسا بتاريخ 10/7/2000 حكم بأن المدعى عليه ليس أبا للطفلة أنيسة دنيا أمينة بلخديم المزدادة بتاريخ 13/9/1996 بمولهوز اعتمادا على دراسة الدم وتحليله لنفي نسب البنت المذكورة عن المدعى عليه إلا أن ذلك مخالف لمقتضيات الفصل 76 المذكور، كما أنه كان في وسع الزوج الطاعن نفي النسب عن طريق اللعان».
ثانيا : موقف القضاء المغربي بعد صدور مدونة الأسرة
لقد أنهت مدونة الأسرة الجدل الفقهي والقضائي وبددت الغموض الذي كان يحوم حول موضوع اعتماد الخبرة الطبية والتحاليل الجينية في مجال إثبات ونفي النسب[227]. حيث نص عليها مشرع مدونة الأسرة صراحة واعتمدها وسيلة من بين وسائل إثبات النسب ونفيه لاسيما في المواد 153 و 158
إلا أن التطبيق القضائي قد اختلف بخصوص الخبرة الطبية بالنظر إلى أن المشرع المغربي لم يفصل أحكام وضوابط العمل بالخبرة الطبية في مجال النسب من جهة ولاختلاف توجهات المحاكم عند فصلها في المنازعات ذات الصلة، وهذا ما سنبينه من خلال التوجهات القضائية سواء تلك الصادرة عن المجلس الأعلى أو محاكم الموضوع.
أ- موقف المجلس الأعلى :
يلاحظ من خلال مجموعة من القرارات الصادرة عن المجلس الأعلى، تراجعه عن مواقفه المتشددة إزاء الخبرة ، حيث لم يعد منتصرا لسلوك مسطرة اللعان، بل نجده يدعو إلى اعتماد الخبرة رغم أداء الزوج يمين اللعان، وهكذا جاء في قراره بهذا الخصوص[228] «حيث صح ما عابه السبب ذلك أن الفراش يكون حجة قاطعة على ثبوت النسب شرط تحقق الإمكانين العادي والشرعي والثابت من أوراق الملف أن الطاعن نازع في نسب الابن إليه وادعى أنه لم يتصل بالمطلوبة منذ ازدياد الابن الأول، أي أنه استبرأها بعد هذا الوضع وأدى يمين اللعان على ذلك في حين رفضت المطلوبة أداءها رغم توصلها كما رفضت الحضور أثناء أدائه اليمين ورفضت كذلك الخبرة، والتمس إجراء خبرة قضائية لإثبات عدم نسب المولود إليه وتمسك بها والمحكمة لما عللت قرارها بأن الخبرة ليست من وسائل نفي النسب شرعا في حين أن المادة 153 من مدونة الأسرة النافذة المفعول بتاريخ القرار المطعون فيه والواجبة التطبيق والتي تنص على أن الخبرة القضائية من وسائل الطعن في النسب إثباتا أو نفيا تكون قد أقامت قضاءها على غير أساس ولم تعلله تعليلا سليما مما يعرضه للنقض».
وعلى خلاف قرار المجلس الأعلى الصادر بتاريخ 15/9/1981[229]، الذي لم يعتد بالعقم لنفي النسب، نجده في قراره هذا نقض قرار محكمة الاستئناف بمراكش عدد 284 بتاريخ : 18/3/03 في الملف عدد 3781/8/2002 الذي لم يستجب لطلب الزوج بإجراء خبرة طبية عليه كونه عقيم، حيث جاء في حيثيات القرار[230] «حيث صح ما عابه الطاعن على القرار ذلك أنه لئن كانت المادة 153 من مدونة الأسرة تعتبر الفراش حجة قاطعة في ثبوت النسب فإنها قد أجازت دحضه عن طريق اللعان أو بواسطة طلب إجراء خبرة طبية المعزز بدلائل قوية والطالب نازع في نسب البنت إليه وادعى أنه عقيم واستدل بتحليل طبي على ذلك والمحكمة لما لم ترد على طلبه سلبا أو إيجابا في هذا الخصوص تكون قد أساءت تطبيق القانون، وجاء بذلك قرارها عديم التعليل مما يعرضه للنقض».
وما تجدر الإشارة إليه أن الاستجابة لطلب منكر النسب في الاعتماد على الخبرة الطبية مشروط بإدلائه "بدلائل قوية على إدعائه، بحيث إن اعتماده على مجرد القول بأن الولد ليس من صلبه لن يفيده في شيء، مادام الشرع قد أعطاه إمكانية نفيه بواسطة اللعان متى توفرت شروطه، بحيث نجد المجلس الأعلى على خلاف قراره السابق، قد رفض طلب النقض الذي تقدم به الطاعن ضد قرار محكمة الاستئناف ببني ملال الصادر بتاريخ 21/07/ 2005 عدد 482 في الملف عدد : 345/2005/11، لكون البنت المطلوب إنكار نسبها قد ازدادت داخل الأمد الشرعي، حيث جاء في قراره[231] «لكن حيث إنه إذا كانت المادة 153 من مدونة الأسرة أجازت للزوج الطعن في ثبوت النسب عن طريق اللعان أو بواسطة خبرة طبية تفيد القطع، فإن ذلك لا يتأتى إلا إذا أدلى الزوج بدلائل قوية على إدعائه... ».
هذا عن اعتماد الخبرة الطبية في نفي النسب، أما بخصوص اللجوء إليها في إثبات النسب فإن المجلس الأعلى أكد ذلك بمقتضى قراره الصادر بغرفتين والذي جاء فيه[232] «لا يوجد نص قطعي يمنع إثبات النسب بالخبرة الطبية ولما قالت المحكمة بان إثبات النسب بالخبرة يخالف أصول الفقه والحديث الشريف دون اعتماد نص قاطع في الموضوع، فإنها لم تجعل لما قضت به أساسا وعرضت قرارها للنقض».
ب- موقف قضاء الموضوع :
لقد سايرت المحاكم التوجه التشريعي الجديد المتمثل في مدونة الأسرة واعتمدت الخبرة الطبية سواء في ما يتعلق بالنسب الناتج عن الخطبة في حالة إنكار الخاطب[233] أو في حالة وجود منازعة في النسب سواء أكان العقد صحيحا أم فاسدا وعلى اعتبار أن الخبرة الطبية كما سبق القول أضحت من بين الوسائل المعتمدة في مجال النسب إما نفيا أو إثباتا، وما يبدو من خلال الإطلاع على مجموعة من القرارات والأحكام الصادرة بهذا الخصوص، أن القضاء المغربي يمارس سلطته التقديرية في اللجوء إلى الخبرة الطبية.
فبخصوص إنكار الخاطب لنسب المولود ورغم أن المشرع قد سكت صراحة عن ذكر الخبرة الطبية في المادة 156 من المدونة، فإن القضاء اعتمدها للتأكد من ثبوت النسب من عدمه، بعد التأكد من شروط الخطبة وفق ما هو منصوص عليه في المادة المنوه إليها أعلاه، حيث جاء في حكم صادر عن المحكمة الابتدائية ببركان[234] : «حيث تستهدف المدعية من دعواها إلى الحكم لها بإثبات نسب ابنها إلى المدعى عليه طبقا لمقتضيات المادة 156 من مدونة الأسرة، وحيث عززت المدعية دعواها بصورة شمسية لشهادة إدارية تفيد بأن المدعية متزوجة من المدعى عليه مدة أربع سنوات ولها منه طفل وشهادة الحياة الخاصة بالابن المذكور.
وحيث إن المحكمة وفي إطار إجراءات التحقيق المخولة لها قانونا أمرت بإجراء خبرة على المدعى عليه للقول ما إذا كان الابن من صلبه أم لا.
وحيث أسفر تقرير الخبرة المنجزة من طرف مختبر الشرطة العلمية على أن الابن هو من صلب المدعى عليه يقينا، وعليه فإن طلب المدعية يكون مبنيا على أساس قانوني ومن ثم يثبت نسب الابن إلى المدعى عليه».
وفي حكم آخر صادر عن المحكمة الابتدائية بالخميسات جاء فيه[235] «... وحيث إن المحكمة لم تكن تتوفر على العناصر الكافية للبث في الطلب مما أمرت تمهيديا بإجراء خبرة طبية أسندت للمختبر العلمي للدرك الملكي.
وحيث أسفر تقرير الخبرة المنجزة بتاريخ 30/03/2006 على أن المدعى عليه هو أب الطفل أحمد بنسبة أبوة تناهز 99,9999%.
وحيث إن إنكار المدعى عليه أن يكون الحمل منه رغم توفر الشروط المنصوص عليها في المادة 156 من مدونة الأسرة تفنده نتائج الخبرة القضائية التي تفيد القطع بوجود العلاقة البيولوجية بين المدعى عليه وبين الطفل أحمد.
وحيث إن البصمة الوراثية تتضمن البنية التفصيلية التي تدل على كل شخص بعينه ولا تكاد تخطئ في التحقق من الوالدية البيولوجية.
وحيث إنه والحالة هاته تبقى دفوع المدعى عليه غير جدية ويتعين ردها...» يتبين من خلال الحكمين السابقين أن القضاء اعتمد الخبرة الطبية للتأكد من صحة نسب الولد هل هو لاحق بالخاطب أم لا تطبيقا للفقرة الأخيرة من المادة 156 من مدونة الأسرة والتي لم تترك لحوق النسب لرغبة الخاطب، بل يجب التأكد كما سبق القول من توفر بقية الشروط قبل الأمر بإجراء الخبرة لأن غض الطرف عن تلك الشروط من شأنه أن يؤسس لنسب الابن غير الشرعي[236] مادامت الخبرة ستؤكد لا محالة بأن نسب الولد لاحق بأبيه الطبيعي.
وإذا كان هذا هو موقف الاجتهاد القضائي بخصوص الخبرة الطبية في إطار الخطبة فنجد موقفه يتضارب أحيانا في إنتاج الآثار القانونية بعد صدور الخبرة الطبية لا سيما فيما يتعلق بالزواج الباطل، وفي هذا الصدد جاء في قرار محكمة الاستئناف بالدار البيضاء[237] «وحيث إنه لما كان الثابت من وثائق الملف أن عقد الزواج قد أبرم بين الطرفين بتاريخ 26/03/2003 ووضعت الزوجة الولد بتاريخ 19/07/03 ونازع المستأنف عليه في انتسابه إليه ودعي لخبرة قضائية كان فيه رحم الزوجة مشغولا بحمل من زوجها المستأنف عليه فانتفى شرط حلية الزوجة للنكاح وخلوها من موانعه وقت الإشهاد والذي هو لازم لصحة هذا العقد ولازم لمشروعية العلاقة بين الزوجين طبقا للفقرة الأخيرة من المادة 13 من مدونة الأسرة والفقرة الأخيرة من المادة 39 ويكون بهذا من العقود المجمع على فسادها في الفقه الإسلامي والتي صنفتها مدونة الأسرة في خانة عقود الزواج الباطلة.
وحيث إن نتيجة الخبرة الجينية التي أمرت بها المحكمة جاءت قاطعة في الدلالة على أن الولد من ماء المستأنف عليه فكذبت وفندت إنكار المستأنف عليه المسيس والدخول بالمستأنفة لعقده عليها...» من خلال هذا القرار يتبين أنه رغم كون عقد الزواج الذي يجمع بين الطرفين باطل فإن المحكمة ألحقت نسب الولد بالمستأنف عليه مستمدة حسن النية والقصد من قرائن أخرى كإقامة الطرفين معا بفندق وموافقته لها بتسجيل الابن بجواز سفرها ... إلخ، وعلى النقيض من هذا التوجه نجد المحكمة الابتدائية ببركان (مركز القاضي المقيم بأحفير) رغم إثبات الخبرة الطبية لأبوة البنت، فإنها قضت بنفي نسبها بعلة أنها ازدادت دون مدة ستة أشهر، حيث جاء في حيثيات حكمها[238]: «...وحيث من جهة ثانية تنص المادة 58 أعلاه في فقرتها الثانية على أنه يترتب على الزواج الباطل بعد البناء الصداق والإستبراء، كما يترتب عليه عند حسن النية لحوق النسب وحرمة المصاهرة.
وحيث إن لحوق النسب الذي تتحدث عنه المادة المذكورة يكون في حالات الزواج الباطل الذي يزداد فيه الولد بعد أقل مدة الحمل، أي أن لا يخالف هذا الزواج مقتضيات المادة 154 من مدونة الأسرة.
وحيث إنه على فرض حسن نية الطرفين وكون الزواج باطلا فإن البنت ازدادت في مدة تقل عن ستة أشهر وهذا يتعارض مع مقتضيات المادة المذكورة.
وحيث إن المحكمة وإن ثبت لها من الخبرة أعلاه أن هناك علاقة بنوة بين المدعي فرعيا والبنت فإنه لا يمكن القول بلحوق نسبها له لأنها ازدادت خارج فراش الزوجية».
الفقرة الرابعة : الإشكالات التي تطرحها الخبرة الطبية
سنتطرق في هذه الفقرة لبعض الإشكالات المطروحة بخصوص الخبرة وموقف القضاء منها إن تيسر ذلك.
- الأثر القانوني المترتب عن تخلف الزوج (المدعى عليه) عن إجراء الخبرة
- مدى حجية الخبرة الطبية المأمور بها من طرف السيد قاضي التحقيق.
- التنازع بين الفراش والخبرة الطبية
- التنازع بين اللعان والخبرة الطبية
- تنازع الخبرة الطبية والإقرار بالنسب
- حجية الخبرة المثبتة للنسب
خاتمة
يعد موضوع النسب بحق من المواضيع المعقدة والشائكة والتي يصعب على كل مهتم ودارس مهما بلغ من العلم الإحاطة بجميع جوانبه والتدقيق في كل تفاصيله، ومن خلال بحثنا المتواضع هذا فقد حاولنا جهد الإمكان تسليط الضوء على وسائل إثبات النسب معتمدين في ذلك مقارنة بين نصوص مدونة الأحوال الشخصية الملغاة، وكذا مدونة الأسرة والقوانين المقارنة واتجاهات العمل القضائي ذات الصلة بالموضوع.
والملاحظ من خلال اطلاعنا على المواد المتعلقة بالنسب أن مدونة الأسرة قد أحدثت طفرة نوعية لما نصت صراحة على الخبرة القضائية كوسيلة إثبات ونفي في مجال النسب مسايرة منها لطابع الحداثة ومواكبة للتطور العلمي وخروجها عن المفهوم التقليدي الذي كانت تتسم به مدونة الأحوال الشخصية فضلا عن تدخل المشرع للحفاظ على الأنساب لاسيما في حالة ظهور حمل بالخطيبة من خلال التنصيص على ذلك في المادة 156، علاوة على التوسع في موضوع الإقرار حينما أخذت بالإقرار الصادر عن الأم.
لكن رغم ذلك وجب تسجيل بعض الملاحظات التي تمت ملامستها من خلال بحثنا في الموضوع :
وأول هذه الملاحظات أنه إذا كانت مدونة الأسرة قد توسعت في وسائل إثبات النسب من خلال تقنين نسب الحمل الظاهر بالمخطوبة بعلة أن المشرع متشوف للحوق الأنساب، فقد كان لزاما معالجة الإشكال الذي يطرحه نسب الأبناء المزدادين قبل توثيق عقد الزواج، بحيث نجد اتجاها ببعض المحاكم لازال متشبثا باجتهاد المجلس الأعلى الصادر في ظل مدونة الأحوال الشخصية الملغاة والذي صنفهم في خانة أبناء الزنا والحال أنه إذا كان ابن الخطيبة يلحق نسبه بالخاطب إذا أقربه، فمن باب أولى أن يلحق نسب هؤلاء بآبائهم، في حين نجد اتجاها آخر قد آخذ بإقرار المطلق رغم ازدياد الابن المقر به خارج أمد السنة من تاريخ الطلاق.
كما أن مدونة الأسرة لم تعط تعريفا موحدا لمفهوم الدلائل القوية المنصوص عليها في المادة 153، والقضاء من خلال البث في النوازل التي تعرض عليه يتعامل مع هذه الدلائل بشيء من التشدد بعلة أنه كان بوسع الزوج سلوك مسطرة اللعان، ولا ندري لما يتبرر القضاء باللعان والحال أن الخبرة أصبحت من بين الوسائل الشرعية المعتمدة في مجال النسب.
وما تجب الإشارة إليه كذلك أن القضاء لا يصرح ببطلان عقد الزواج رغم توافر موجبات ذلك، ومادام القضاء هو مرآة القانون، فيجب على المحاكم مسايرة الاجتهاد القضائي، لأنه من العيب أن يبقى قضاؤنا منكمشا حول نفسه بخصوص قضايا النسب التي تتسم بالخطورة بمكان مادام المجلس الأعلى بدوره قد تراجع عن مجموعة من القرارات مسايرة منه للتطور الذي عرفه المجتمع المغربي وتفعيلا للمقتضيات الجديدة التي جاءت بها مدونة الأسرة والهادفة إلى حماية الأنساب عملا بمبدأ كون «النسب يثبت بالظن ولا ينتفي إلا باليقين»، هذه بعض الملاحظات التي ارتأينا إثارتها في هذه الخاتمة مادام البحث يتضمن إشكالات أخرى، يمكن الرجوع إليها.
وحتى لا نطيل الكلام، فقد حاولنا قدر المتيسر وعلى طول صفحات هذا البحث إعطاء نظرة عامة حول الموضوع دون إغفال للإشكالات التي طفت على السطح من خلال التطبيق العملي لمدونة الأسرة والحقيقة التي يجب الاعتراف بها أنه يصعب الإلمام بمختلف جوانب الموضوع، نظرا لتشعبه، والباحث فيه كالباحث عن حبة خردل في بحر لُجَيّ.
وبقدر اهتمامنا ودراستنا لمختلف المراجع المعتمدة، وكذا الاجتهادات القضائية، بقدر ما كانت تنجلي أمامنا حقائق أخرى لم يسعف الوقت للإحاطة بها، لذلك لا ندعي أننا عالجنا الموضوع بالقدر الذي يستحق، لكن يمكن القول أننا عالجناه بالقدر الذي سمح به الوقت رغم رغبتنا الصادقة في ذلك.
فان تجد عيبا فسد الخللا***فجل من لاعيب فيه وعلا
وختاما لا يسعنا إلا أن نسأل الله التوفيق والسداد.
والله ولي التوفيق
قائمة المراجع
I- النصوص القانونية
- مدونة الأحوال الشخصية
- مدونة الأسرة
- قانون المسطرة المدنية
- قانون الحالة المدنية
II – الكتب الفقهية والقانونية
- أبو عبد الله الحطاب : مواهب الجليل لشرح مختصر خليل مطبعة السعادة، الطبعة الأولى، الجزء الخامس
- ابن منظور : لسان العرب – دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، الطبعة الثالثة (ت-ط-غ-م).
- أحمد الخمليشي : التعليق على قانون الأحوال الشخصية، الجزء الثاني، آثار الولادة والأهلية والنيابة القانونية، دار نشر المعرفة-الرباط-الطبعة الاولى 1994
- إبراهيم بحماني : العمل القضائي في قضايا الأسرة – مرتكزاته ومستجداته في مدونة الأحوال الشخصية ومدونة الأسرة، مكتبة دار السلام، الرباط، طبعة 2008.
- إدريس ملين : مجموعة قرارات المجلس الأعلى، الجزء الثاني، منشورات، جمعية تنمية البحوث والدراسات القضائية، مطبعة الأمنية، الرباط، (ت-ط-غ-م)
- إدريس الفاخوري : العمل القضائي الأسري- الجزء الأول، دار الآفاق المغربية، الدار البيضاء، الطبعة الأولى 2009.
- إدريس بلمحجوب : قرارات المجلس الأعلى بغرفتين أو بجميع الغرف، الجزء الثالث، مطبعة الثالث، مطبعة الأمنية، الرباط، الطبعة الأولى 2005.
- المعطي الجبوجي : القواعد الموضوعية والشكلية للإثبات وأسباب الترجيح بين الحجج، الطبعة الأولى 2002، مكتبة الرشاد سطات.
- محمد ابن معجوز : أحكام الأسرة في الشريعة الإسلامية وفق مدونة الأحوال الشخصية، في جزئين، مطبعة النجاح الجديدة، طبعة 1998.
- محمد ابن يوسف الكافي : إحكام الأحكام على تحفة الحكام، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1994.
- محمد الكشبور : شرح مدونة الأسرة، الجزء الثاني، انحلال ميثاق الزوجية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى 2006.
- محمد الكشبور : البنوة والنسب في مدونة الأسرة، قراءة في المستجدات البيولوجية، مطبعة النجاح الجديدة، طبعة 2007..
- عبد السلام الرفعي : الولد للفراش في فقه النوازل والاجتهاد القضائي المغربي، مطبعة إفريقيا الشرق، طبعة 2006.
- عبد المجيد غميجة : موقف المجلس الأعلى من ثنائية القانون والفقه في مسائل الأحوال الشخصية، منشورات، جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية، العدد الأول، مارس 2007.
- رشيد مشقاقة : قراءات وتعاليق، المعارف الجديدة، الرباط، طبعة 1998.
- رشيد مشقاقة : وجهة نظر قانونية : المعارف الجديدة، الطبعة الأولى 2005.
- خليفة علي الكعبي : البصمة الوراثية وآثارها على الأحكام الفقهية، دراسة فقهية مقارنة، دار الجامعة الجديدة للنشر، الإسكندرية، طبعة 2004.
- خالد بنيس : قاموس شرح مدونة الأحوال الشخصية، دار بابل للطباعة والنشر، الرباط، طبعة 1998.
- خليل بن اسحاق المالكي : المختصر المشهور بمختصر الشيخ خليل، تحقيق أحمد جاد، دار الحديث القاهرة، طبعة 205.
- عبد الكريم شهبون : شرح مدونة الأحوال الشخصية المغربية، الجزء الأول، الزواج، الطلاق، الولادة، ونتائجها، دار نشر المعرفة، الرباط، الطبعة الثانية 1987.
- عبد الكريم شهبون : الشافي في شرح مدونة الأسرة، الجزء الأول، الزواج، انحلال ميثاق الزواج وآثاره، الولادة ونتائجها، مكتبة الرشاد، سطات، الطبعة الأولى، 2006.
III – المجلات القانونية
- مجلة البحوث : العدد 4، سنة 2005.
- مجلة الدفاع : العدد 3، سنة 2002.
- مجلة ندوات محاكم فاس : العدد 1، سنة 2003
- مجلة الإشعاع : أعداد 5-14-32.
- مجلة الملف : أعداد 7-8-12.
- مجلة رابطة القضاة : عدد 14-15.
- مجلة قضاء المجلس الأعلى : أعداد 1-10- 27- 30- 40 -44-52 عدد مزدوج 59-60 عدد مزدوج 64-65 وعدد 67.
- مجلة القضاء والقانون : أعداد 92-121-130-149-152.
- مجلة المحاكم المغربية : أعداد 37-48، وعدد مزدوج 68-69.
- مجلة محاكمة عدد 1.
- مجلة محاكم مراكش، العدد 1، 2007.
- مجلة المناهج : عدد مزدوج 9-10.
- المحلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية عدد 50-71.
- المجلة المغربية للاقتصاد والقانون المقارن : عدد 40 – 50.
- مجلة القضاء والتشريع : عدد 8، السنة 1976.
- مجلة كتابة الضبط : عدد 16، سنة 2007.
- المجلة العربية للفقه والقضاء : أعداد 8-17-34.
- مجلة الحقوق الكويتية : العدد 1، السنة 20، مارس 1996.
- مجلة قضايا الأسرة من خلال اجتهادات المجلس الأعلى، مارس 2007.
- مجلة التقرير السنوي للمجلس الأعلى، 2005.
- مجلة قرارات المجلس الأعلى : أهم القرارات الصادرة عن غرفة الأحول الشخصية والميراث، الجزء الأول، 2007
- مجلة رسالة المحاماة : عدد 27.
- مجلة قضايا الأسرة : مجلة متخصصة، العدد 3.
رقم القرار أو الحكم | تاريخ صدوره | رقم الملف الشرعي | المصدر |
04 | 3/1/07 | 406/2/1/06 | المجلس الأعلى |
28 | 10/1/07 | 101/2/1/06 | المجلس الأعلى |
35 | 10/1/07 | 353/2/1/06 | المجلس الأعلى |
485 | 3/6/08 | 1011/07/22 ج أ | محكمة الاستئناف بالرباط غرفة الجنايات الابتدائية |
05 | 9/1/08 | 93/07/10 | محكمة الاستئناف بالرباط غرفة الأحوال الشخصية |
254 | 12/11/08 | 157/6/10 | محكمة الاستئناف بالرباط غرفة الأحوال الشخصية |
06 | 9/1/08 | 113/07/10 | محكمة الاستئناف بالرباط |
40 | 27/2/08 | 143/07/10 | محكمة الاستئناف بالرباط |
204 | 16/7/08 | 196/7/10 | محكمة الاستئناف بالرباط |
171 | 9/6/08 | 22/08/10 | محكمة الاستئناف بالرباط |
1618 | 19/7/06 | 1228/05 | محكمة الاستئناف بالدار البيضاء |
144 | 14/1/08 | 1593/07 | محكمة الاستئناف بالدار البيضاء |
341 | 25/2/06 | 300/05 | محكمة الاستئناف بالدار البيضاء |
1177 | 29/5/06 | 1698/03 | محكمة الاستئناف بالدار البيضاء |
948 | 30/11/04 | 36/04 ملف عقاري | محكمة الاستئناف بالقنيطرة |
98 | 22/12/06 | 07/05 | مركز القاضي المقيم بأحفير |
- | 26/12/06 | 425/06/05 | ق.ق .أ بالمحكمة الابتدائية بالعرائش |
301 | 29/06/06 | 386/05/05 | ق.ق .أ بالمحكمة الابتدائية بالعرائش |
- | 28/7/05 | 408/04 | ق.ق.أ بالمحكمة الابتدائية ببركان |
480 | 25/7/06 | 100/05 | ق.ق.أ بالمحكمة الابتدائية بالخميسات |
1657 | 20/11/07 | 808/07/1 | ق.ق.أ بالمحكمة الابتدائية بسلا |
171 | 9/06/08 | 22/08/1 | ق.ق.أ بالمحكمة الابتدائية بسلا |
1337 | 24/07/07 | 896/07/1 | ق.ق.أ بالمحكمة الابتدائية بسلا |
1618 | 19/07/7 | 895/07/1 | ق.ق.أ بالمحكمة الابتدائية بسلا |
1432 | 02/10/07 | 412/07/1 | ق.ق.أ بالمحكمة الابتدائية بسلا |
794 | 22/05/07 | 241/07/1 | ق.ق.أ بالمحكمة الابتدائية بسلا |
1601 | 23/11/07 | 1019/06/1 | ق.ق.أ بالمحكمة الابتدائية بسلا |
1472 | 24/06/08 | 614/06/1 | ق.ق.أ بالمحكمة الابتدائية بسلا |
1683 | 24/06/08 | 868/08/1 | ق.ق.أ بالمحكمة الابتدائية بسلا |
- حسن منصف : محاضرات في القانون العقاري (الحيازة وأسباب الترجيح بين الحجج) ألقيت بالمعهد العالي للقضاء
-VI الجرائد
- جريدة الصباح : - عدد 1877 السنة السابعة بتاريخ 21/04/2006
- جريدة المحجة : - عدد 256 بتاريخ 17/05/2006
VII – مواقع إلكترونية
- www.islamonline.net
- www.islamweb.net
- www.islam.select.net
الفهرس
مقدمة...................................................................... 1
الفصل الأول : الوسائل الشرعية التقليدية لإثبات النسب........... 4
المبحث الأول: الفراش.............................................. 6
المطلب الأول : ثبوت النسب بالفراش في الزواج الصحيح.............. 7
المطلب الثاني : ثبوت النسب في الزواج غير الصحيح................. 19
المطلب الثالث : ثبوت النسب في الوطء بشبهة....................... 23
المطلب الرابع: حجية الفراش......................................... 36
المبحث الثاني: الإقرار .............................................. 41
المطلب الأول: مفهوم الإقرار، أركانه وأنوعه........................... 41
المطلب الثاني : شروط الإقرار إثباته وآثاره............................ 44
المطلب الثالث : الإقرار بالنسب والحالة المدنية........................ 50
المبحث الثالث: البينة................................................. 56
المطلب الأول : شهادة عدلين......................................... 56
المطلب الثاني : إثبات النسب ببينة السماع........................... 59
الفصل الثاني : الخبرة كوسيلة علمية لإثبات النسب.................................................................. 63
المبحث الأول : الخبرة في الفقه الإسلامي........................ 65
المطلب الأول : القيافة ودورها في إثبات النسب....................... 65
المطلب الثاني: مشروعية ثبوت النسب بالقيافة........................ 66
المبحث الثاني : دور الخبرة الطبية في إثبات النسب............ 69
المطلب الأول : تحليل فصائل الدم.................................... 69
المطلب الثاني : تحليل البصمة الوراثية............................... 70
المبحث الثالث : مختلف المواقف بشأن الخبرة الطبية........... 74
المطلب الأول : الموقف من الخبرة في القانون المقارن................ 74
المطلب الثاني : موقف القانون المغربي بشأن الخبرة.................. 82
خاتمة
الملحق...................................................................... 103
لائحة المراجع..................................................... 105
الفهرس................................................................. 110
.......................................
[1] - سورة الروم، الآية 25.
[2] - عبد السلام الرفعي : الولد للفراش في فقه النوازل والاجتهاد القضائي المغربي، مطبعة إفريقيا الشرق 2006، ص10.
[3] - عبد الله الدرقاوي : إثبات النسب بين الشريعة والقانون على ضوء قانون الأسرة، مقال منشور بمجلة البحوث، العدد الرابع، السنة الثالثة، يونيو 2005، ص 104.
[4] - رواه أبو داوود والنسائي.
[5] - رواه أبو داوود والنسائي.
[6] - رواه البخاري ومسلم.
[7] - ابن منظور – لسان العرب ج 14- فعل نسب، ص 118-119.
[8] - النسب يكون بالآباء ويكون إلى البلاد ويكون في الصناعة وتنسب أي ادعى أن له نسبا وفي المثل «القريب من تقرب لا من تنسب» ويقال فلان يناسب فلانا أي نسيبه بمعنى القرابة قال امرؤ القيس.
أجارتنا إنا غريبـان ها هنا * * * وكل غريب للغريب نسيب
أجارتنا إنا غريبـان ها هنا * * * وكل غريب للغريب نسيب
[9] - سورة الفرقان، الآية 54.
[10] - هناك من يعتد بالفراش وحده كسبب للحوق النسب وأن الإقرار والشبهة وسيلتان لاسببان، أنظر في هذا الباب عبد السلام الرفعي الولد للفراش في فقه النوازل والاجتهاد القضائي المغربي، مطبعة إفريقيا الشرق 2006، ص 52.
[11] - الفراش : موقع اللسان في قعر الفم، ويقال لا مرأة الرجل هي فراشه وإزاره ولحافه، والمرأة تسمى فراشا لأن الرجل يفترشها ويطلق الفراش على الزوج وعلى المرأة والبيت والبساط وكذا عش الطائر، قال أبو كبير الهذلي:
... حيث انتهيت إلى فراش عزيزة
للمزيد أنظر لسان العرب لابن منظور : دار إحباء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع- بيروت-لبنان-ج العاشر- فعل فرش، ص 224-225.
... حيث انتهيت إلى فراش عزيزة
للمزيد أنظر لسان العرب لابن منظور : دار إحباء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع- بيروت-لبنان-ج العاشر- فعل فرش، ص 224-225.
[12] - يرى الدكتور عبد السلام الرفعي في مؤلفه المشار إليه سابقا، ص 53-54 بأن تشبيه المرأة بالفراش غير وجيه من أوجه تشبيه المرأة بالشيء فيه تجريد من إنسانيتها وامتهان له وأن القرآن الكريم لم يصف المرأة بالفراش، وإنما وصفها باللباس كما وصف الرجل بذلك لقوله تعالى في سورة البقرة الآية 187 «هن لباس لكم وأنتم لباس لهن».
[13] - سورة الواقعة الآية من 34 إلى 38.
[14] - جاء في حكم صادر عن محكمة الاستئناف العليا – دائرة التمييز بالكويت : «طبقا لمذهب مالك يثبت نسب الولد من أبيه بالفراش والإقرار والبنية ويراد بالفراش علاقة الزوجية التي بين الرجل وامرأته»، منشور بالمجلة العربية للفقه والقضاء عدد 17 أكتوبر 96، ص 125.
[15] - عبد القادر لطفي، الحالة المدنية وإثبات النسب، مقال منشور بمجلة الدفاع، العدد الثالث، فبراير 02، ص 46
- محمد الكشبور : البنوة والنسب في مدونة الأسرة – قراءة في المستجدات البيولوجية، مطبعة النجاح الجديدة 2007، ص 67.
- محمد الكشبور : البنوة والنسب في مدونة الأسرة – قراءة في المستجدات البيولوجية، مطبعة النجاح الجديدة 2007، ص 67.
[16] - أحمد الغازي الحسيني : الولد للفراش، مقال منشور بمجلة القضاء والقانون عدد 130 السنة 18 نونبر 1980، ص 32.
[17] - توافق مقتضى الفصل 85 من مدونة الأحوال الشخصية الملغاة الذي جاء فيه (الولد للفراش إن مضى على عقد الزواج أقل مدة الحمل وأمكن الاتصال وإلا فالولد المستند لهذا العقد غير لاحق»
[18] - الركن هو ما لا يوجد العقد إلا بتوفره ويترتب على تخلفه عدم وجود العقد ويعرف الركن بأنه ما كان داخلا في ماهية العقد أما الشرط فهو ما تتوقف صحة العقد على وجوده ويترتب على تخلفه فساد العقد. للمزيد أنظر في هذا الصدد محمد ابن معجوز، أحكام الأسرة في الشريعة الإسلامية وفق مدونة الأحوال الشخصية، ج II مطبعة النجاح الجديدة 1998، ص 33.
[19] - تنص المادة 13 من مدونة الأسرة «يجب أن تتوفر في عقد الزواج الشروط الآتية في 1-أهلية الزوج والزوجة، 2- عدم الاتفاق على إسقاط الصداق، 3-ولي الزواج عند الاقتضاء، 4- سماع العدلين التصريح بالإيجاب والقبول من الزوجين وتوثيقه، 5- انتفاء الموانع الشرعية.
[20] - خلود نوري: إثبات النسب في الفقه الإسلامي ومدونة الأسرة، م.س، ص 70.
[21] - محمد الكشبور، البنوة والنسب في مدونة الأسرة. قراءة في المستجدات البيولوجية، مطبعة دار النجاح الجديدة، طبعة 2007، ص 70.
[22] - عبد القادر لطفي، م.س، ص 48.لكن الآن فقد أصبحت الخبرة من وسائل الإثبات بصريح نصوص المدونة
[23] - قرار شرعي عدد 123 بتاريخ 13/10/1967 منشور بمجلة القضاء والقانون، عدد 92، السنة 10 أكتوبر 1968، ص 41.
- قرار عدد 6 بتاريخ 9/1/2008 في الملف عدد 113/2007/10 غير منشور.
- قرار عدد 6 بتاريخ 9/1/2008 في الملف عدد 113/2007/10 غير منشور.
[24] - قرار عدد 40 صادر عن محكمة الاستئناف بالرباط، غرفة قضايا الأسرة بتاريخ 27/2/2008 في الملف عدد 143/07/10 غير منشور.
[25] - أنظر قرار المجلس الأعلى عدد 213 بتاريخ 13-4-05.ورد بمؤلف إبراهيم بحماني العمل القضائي في قضايا الأسرة ص 379
.
.
[26] - سورة الاحقاف الآية 15.
[27] - سورة لقمان الآية 14.
[28] - سورة البقرة الآية 233.
[29] - أشار له عبد السلام الرفعي.م.س، ص 58.
[30] - قرار عدد 418 بتاريخ 28/06/2006 ملف شرعي عدد 188/2/05 منشور بمؤلف ذ. إبراهيم بحماني * العمل القضائي في قضايا الأسرة مرتكزاته ومستجداته في مدونة الأحوال الشخصية ومدونة الأسرة طبعة 2008، مكتبة دار السلام – الرباط، ص 23 وما يليها.
[31] - قرار عدد 41 بتاريخ 14/1/1972 منشور بمجلة القضاء والقانون، عدد 121 السنة 12، ص 341.
[32] - أحمد الخمليشي : التعليق على قانون الأحوال الشخصية، ج II الطبعةI دار نشر المعرفة، ص 35.
[33] - خالد بنيس، قاموس مدونة الأحوال الشخصية، مطبعة دار بابل، طبعة 1998، ص 26.
[34] - قرار صادر بتاريخ : 2 ذو القعدة 1391 منشور بمجلة قرارات المجلس الأعلى، مادة الأحوال الشخصية 1965-1989، ص 194-195.
وما تجدر الإشارة إليه أن المجلس الأعلى بدوره لم يستقر على رأي واحد بخصوص أمد الحمل، حيث جاء في قراره عدد 7 بتاريخ 18/1/1994 ملف عقاري 6251/92 «أن التقويم المعتبر لدى الفقهاء لاحتساب اقل مدة الحمل هوا لتقويم القمري لا التقويم الشمسي» ذكره خالد بنيس، قاموس مدونة الأحوال الشخصية... م.س. ص 16.
وما تجدر الإشارة إليه أن المجلس الأعلى بدوره لم يستقر على رأي واحد بخصوص أمد الحمل، حيث جاء في قراره عدد 7 بتاريخ 18/1/1994 ملف عقاري 6251/92 «أن التقويم المعتبر لدى الفقهاء لاحتساب اقل مدة الحمل هوا لتقويم القمري لا التقويم الشمسي» ذكره خالد بنيس، قاموس مدونة الأحوال الشخصية... م.س. ص 16.
[35] - إن قانون الأسرة اليمني الصادر بتاريخ 1947 حينما حدد أقل مدة الحمل بالأيام (180 يوما) وأقصاها سنة شمسية كاملة يكون قد احتاط كثيرا للنسب مادام أنه يمكن أن تصل المدة بين الأشهر القمرية والشمسية حوالي ثمانية أيام في ستة أشهر والأكثر من هذا فالمدة المعتبرة في القرآن الكريم ستة أشهر وهي الأشهر القمرية.
[36] - عبد الكريم شهبون : شرح مدونة الأحوال الشخصية المغربية، جI، الطبعة II مطبعة المعارف الجديدة، ص 347.
وما تجدر الإشارة إليه أن المجلس الأعلى بدوره لم يستقر على حال واحد بخصوص أمد الحمل، حيث جاء في قراره عدد 7 بتاريخ 18/1/1994 ملف عقاري 6251/92 «أن التقويم المعتبر لدى الفقهاء لاحتساب أقل مدة الحمل هو التقويم القمري لا التقويم الشمسي» ذكره خالد بنيس- قاموس مدونة الأحوال الشخصية- دار بابل، الرباط، طبعة 1998، ص 16.
وما تجدر الإشارة إليه أن المجلس الأعلى بدوره لم يستقر على حال واحد بخصوص أمد الحمل، حيث جاء في قراره عدد 7 بتاريخ 18/1/1994 ملف عقاري 6251/92 «أن التقويم المعتبر لدى الفقهاء لاحتساب أقل مدة الحمل هو التقويم القمري لا التقويم الشمسي» ذكره خالد بنيس- قاموس مدونة الأحوال الشخصية- دار بابل، الرباط، طبعة 1998، ص 16.
[37] - عبد الكريم شهبون : الشافي في شرح مدونة الأسرة، جI الطبعة الأولى 2006، مطبعة النجاح الجديدة- ص 372.
[38] - قرار عدد 3 بتاريخ : 03/01/2007، ملف شرعي عدد 62/2/1/2006 أورده ذ. إبراهيم بحماني في مؤلفه
م.س، ص 487 وما يليها.
كانت أقصى أمد الحمل المعتمدة قبل صدور مدونة الأحوال الشخصية، هو خمس سنوات، وفي ذلك يقول ابن عاصم: وخمسة الأعوام أقصى الحمل *** وستة الأشهر في الأقل. ولقول صاحب العمل المطلق :
ومنتهى ما تحمل النساء *** خمس سنين وبه القضاء. وقد أحسن المشرع صنعا حينما حدد أقصى مدة الحمل في سنة سواء من خلال مدونة الأحوال الشخصية الملغاة أو مدونة الأسرة. حفظا للأنساب
م.س، ص 487 وما يليها.
كانت أقصى أمد الحمل المعتمدة قبل صدور مدونة الأحوال الشخصية، هو خمس سنوات، وفي ذلك يقول ابن عاصم: وخمسة الأعوام أقصى الحمل *** وستة الأشهر في الأقل. ولقول صاحب العمل المطلق :
ومنتهى ما تحمل النساء *** خمس سنين وبه القضاء. وقد أحسن المشرع صنعا حينما حدد أقصى مدة الحمل في سنة سواء من خلال مدونة الأحوال الشخصية الملغاة أو مدونة الأسرة. حفظا للأنساب
[39] -قرار عدد 204 بتاريخ 16/07/2008 ملف عدد 196/07/10 غير منشور.
[40] - قرار عدد 348 بتاريخ 30/11/2004 ملف عقاري رقم 36/2004 غير منشور وبالإطلاع على وقائع القضية موضوع الملف رقم 36/2004، فإن أول ما يلاحظ عليه أن المحكمة لم تكن ملزمة قانونا بمناقشة أمد الحمل، مادام الأب (الهالك) قد أقر به وسجله بكناش الحالة المدنية ونسبه لنفسه وكان يعامله معاملة الأب لابنه، فضلا على أن نفي النسب هو حق للأب وحده ولا ينتقل لورثته من بعده كحق مجرد ولا يمكن الطعن فيه إلا من طرف الأصل مدعي الانتساب إليه، وهذا ما أكده المجلس الأعلى حين نظره في نفس القضية، حيث جاء في تعليلات قراره «لكن حيث أنه بمقتضى المواد 153-158-161 من مدونة الأسرة فإن النسب يثبت بالفراش أو بإقرار الأب كما لا يتثبت النسب بإقرار غير الأب ولا يطعن فيه إلا من الزوج بالشروط التي حددتها المدونة ولما كان الأمر كذلك، فإن المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه تبث لها من خلال تقديرها للوثائق المعروضة عليها أن نسب المطلوب مع النقض ثابت بفراش الزوجية مصرحة في تعليل قرارها بأن إرجاع الهالك امحمد المغراوي لزوجته حسب رسم الرجعة وازدياد الابن بعد هذه الرجعة قرينة على نسب الابن إليه وأبوته له وقد تبين من دفتر الحالة المدنية للهالك المذكور أن الابن عبد القادر مسجل بسجلاته دون أن يقع أي نزاع من تاريخ تسجيله إلى الوقت الراهن إلى أن توفي الهالك سنة 2003 وبذلك تكون المحكمة قد اعتبرت أن الذي من حقه إنكار النسب هو الأصل الذي نسب إليه الولد وأن هذا الإنكار مسألة شخصية محضة»، قرار عدد 21 بتاريخ18/1/06 ملف204/1/2002منشور بمؤلف
ذ. محمد الكشبور البنوة والنسب، م.س، ص 267 وما بعدها.
ذ. محمد الكشبور البنوة والنسب، م.س، ص 267 وما بعدها.
[41] - قرار عدد 686 بتاريخ: 28/10/1997 على الملف الشرعي عدد 2663/92 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 52، ص 126.
[42] - قرار المجلس الأعلى عدد 150 الصادر بغرفتين بتاريخ 9 مارس 2005 الملف الشرعي 2003/1/2/615
* منشور بمجلة قرارات المجلس الأعلى بغرفتين أو بجميع الغرف إعداد إدريس بالمحجوب الجزء الثالث، الطبعة الأولى، ص 269.
* وبمجلة الإشعاع الصادر عن هيئة المحامين بالقنيطرة العدد 32 يونيو 2007، ص 260 وما يليها.
* منشور بمجلة قرارات المجلس الأعلى بغرفتين أو بجميع الغرف إعداد إدريس بالمحجوب الجزء الثالث، الطبعة الأولى، ص 269.
* وبمجلة الإشعاع الصادر عن هيئة المحامين بالقنيطرة العدد 32 يونيو 2007، ص 260 وما يليها.
[43] - أحمد الغازي الحسيني – الولد للفراش، م.س، ص 34.
[44] - أحمد الخمليشي : التعليق على قانون الأحوال الشخصية، جII، ص 38.
[45] - - عبد الكريم شهبون : شرح مدونة الأحوال الشخصية المغربية ج I، الطبعة II، مطبعة المعارف الجديدة، طبعة 1987، ص 351.
[46] - محمد الكشبور،البنوة ... م.س، ص 99.
[47] - حددها ذ. أحمد الغازي الحسيني في مقاله الولد للفراش في أربعة مواضع :
1- ثبوت غيبة الزوج عن زوجته منذ تاريخ عقد الزواج إلى أن ظهر الحمل بها.
2- أن يقدم الزوج الغائب في بلد آخر قبل أن يظهر الحمل بزوجته ثم يظهر بها ويثبت وجوده قبل قدوم الزوج لأن المدة التي قضاها الزوج مع زوجته بعد قدومه من الغيبة لا يمكن أن ينشأ فيها الحمل الظاهر بالزوجة.
3- أن يعاشر الزوج زوجته منذ العقد عليها ويظهر بها الحمل، ويثبت بالطبيب الأخصائي أن عضوه التناسلي غير منتج لما قام به من العيب المانع من الحمل.
4- أن يعقد الزوج بنفسه على زوجته على لسان وليها ثم يطلقها إثر العقد وفي مجلسه ويظهر بها حمل فلا يلحق به.
1- ثبوت غيبة الزوج عن زوجته منذ تاريخ عقد الزواج إلى أن ظهر الحمل بها.
2- أن يقدم الزوج الغائب في بلد آخر قبل أن يظهر الحمل بزوجته ثم يظهر بها ويثبت وجوده قبل قدوم الزوج لأن المدة التي قضاها الزوج مع زوجته بعد قدومه من الغيبة لا يمكن أن ينشأ فيها الحمل الظاهر بالزوجة.
3- أن يعاشر الزوج زوجته منذ العقد عليها ويظهر بها الحمل، ويثبت بالطبيب الأخصائي أن عضوه التناسلي غير منتج لما قام به من العيب المانع من الحمل.
4- أن يعقد الزوج بنفسه على زوجته على لسان وليها ثم يطلقها إثر العقد وفي مجلسه ويظهر بها حمل فلا يلحق به.
[48] - أحمد الخمليشي، م.س، ص 39.
[49] - قرار عدد 488 مؤرخ في 519/2005 الملف الشرعي عدد 572 /2/2/95 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى، عدد مزدوج 59-60 السنة 24، ص 163.
[50] - حكم عدد 1307 بتاريخ 6/5/2004 الملف الشرعي عدد، 192/8/2004 منشور بمجلة المناهج عدد مزدوج 9-10 ، سنة 2006، ص 256.
[51] - قرار عدد 23 بتاريخ 31-10-1967 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 1 السنة الأولى، أكتوبر 1968،
ص 55.
ص 55.
[52]- قرار المجلس الأعلى عدد 84-99 بتاريخ 16/2/99 مشار إليه بمؤلف ذ. عبد السلام الرفعي الولد للفراش- م.س،ص 66.
- جاء في قرار المجلس الأعلى عدد 39 بتاريخ : 18/1/2006 الملف الشرعي عدد 253/2/1/2005 «بمقتضى المادة 153 فإن الخبرة تعتبر من وسائل إثبات النسب، لما أدعى الطاعن عدم اتصاله بالمطلوبة منذ غادرت بيت الزوجية والتمس إجراء الخبرة والمحكمة لم تجب عن ذلك فإن قضاءها جاء غير مبني على أساس مما عرض قرارها للنقض، أشار إليه ذ. إبراهيم بحماني في مؤلفه العمل القضائي في قضايا الأسرة....م.س، ص 419.
- جاء في قرار المجلس الأعلى عدد 39 بتاريخ : 18/1/2006 الملف الشرعي عدد 253/2/1/2005 «بمقتضى المادة 153 فإن الخبرة تعتبر من وسائل إثبات النسب، لما أدعى الطاعن عدم اتصاله بالمطلوبة منذ غادرت بيت الزوجية والتمس إجراء الخبرة والمحكمة لم تجب عن ذلك فإن قضاءها جاء غير مبني على أساس مما عرض قرارها للنقض، أشار إليه ذ. إبراهيم بحماني في مؤلفه العمل القضائي في قضايا الأسرة....م.س، ص 419.
[53]- قرار بتاريخ 16/2/1999 اورده محمد الكشبور في مؤلفه شرح مدونة الأسرة... م.س، ص 251.
[54]- أشارت مدونة الأسرة في المادة 13 الفقرة 1، على وجوب توفر أهلية الزوجين كشرط في عقد الزواج والأهلية لا تكتمل إلا باتمام الفتى والفتاة المتمتعين بقواهما العقلية 18 سنة شمسية كاملة حسب نص المادة 19 من المدونة.
[55] - محمد الكشبور. البنوة...، م.س، ص 101.
[56] - قرار عدد 527 بتاريخ 15/9/1981 أشار إليه ذ. أحمد الخمليشي، م.س، ص 40.
- المواد من 35 إلى 39 تتكلم عن موانع الزواج المؤبدة والمؤقتة.
- المواد من 35 إلى 39 تتكلم عن موانع الزواج المؤبدة والمؤقتة.
[57] - قرار عدد 213 بتاريخ 13/04/2005 ملف عدد 356/2/2004 منشور بمؤلف ذ. إبراهيم بحماني، م.س. ص 379 وما يليها.
[58] -إبراهيم الحماني : نسب الأبناء في الزواج الفاسد مقال منشور بمجلة القضاء والقانون السنة 31 العدد 149، ص 23 وما يليها.
* العمل القضائي في قضايا الأسرة مرتكزاته ومستجداته في مدونة الأحوال الشخصية ومدونة الأسرة طبعة 2008، مكتبة دار السلام – الرباط، ص 23 وما يليها.
* العمل القضائي في قضايا الأسرة مرتكزاته ومستجداته في مدونة الأحوال الشخصية ومدونة الأسرة طبعة 2008، مكتبة دار السلام – الرباط، ص 23 وما يليها.
[59] - قرار عدد 439 بتاريخ 28/9/2005 ملف 25/2/1/2005 منشور بمؤلف ذ. إبراهيم بحماني المرجه السابق، ص 15.
- جاء في قرار المجلس الأعلى عدد 63 بتاريخ 2/2/2005 ملف شرعي 544/2/1/2003 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 64-65 ص 96 «إن الإقرار بالولد لا يترتب عنه صحة الزواج الفاسد لأن الزواج الفاسد لعقده يترتب عنه ثبوت النسب إن كان حسن القصد ويفسخ قبل الدخول وبعده...».
52- قرار رقم 1618 بتاريخ 19/07/2006 ملف رقم 1228/2005 غير منشور.
- جاء في قرار المجلس الأعلى عدد 63 بتاريخ 2/2/2005 ملف شرعي 544/2/1/2003 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 64-65 ص 96 «إن الإقرار بالولد لا يترتب عنه صحة الزواج الفاسد لأن الزواج الفاسد لعقده يترتب عنه ثبوت النسب إن كان حسن القصد ويفسخ قبل الدخول وبعده...».
52- قرار رقم 1618 بتاريخ 19/07/2006 ملف رقم 1228/2005 غير منشور.
[60] - وجاء في حكم صادر عن المحكمة الابتدائية ببركان «وحيث إن العقد على المدعى عليها فرعيا وهي حامل يخالف مقتضيات الفقرة الخامسة من المادة 39 المذكورة إذ كان يجب عليها أن تستبرئ قبل العقد عليها الأمر الذي يتعين معه التصريح ببطلان عقد الزواج أعلاه تطبيقا لكل ما ذكر ولقول ابن عاصم في التحفة
وما فساده يخص عقده ففسخه قبل البناء وبعده
وحيث من جهة ثانية تنص المادة 58 أعلاه في فقرتها الثانية على أنه يترتب على الزواج الباطل بعد البناء الصداق والاستبراء، كما يترتب عليه عند حسن لحوق النسب وحرمة المصاهرة -حكم 98 بتاريخ 22/12/2006 ملف رقم 07/2005 غير منشور.
وما فساده يخص عقده ففسخه قبل البناء وبعده
وحيث من جهة ثانية تنص المادة 58 أعلاه في فقرتها الثانية على أنه يترتب على الزواج الباطل بعد البناء الصداق والاستبراء، كما يترتب عليه عند حسن لحوق النسب وحرمة المصاهرة -حكم 98 بتاريخ 22/12/2006 ملف رقم 07/2005 غير منشور.
[61] - محمد ابن معجوز : أحكام الاسرة في الشريعة الإسلامية وفق مدونة الأحوال الشخصية، الجزء الأول، 1998- مطبعة دار النجاح الجديدة الدار البيضاء، ص 106، وما يليها.
[62] - بخصوص شروط الصداق يستحسن الرجوع إلى مؤلف ذ محمد ابن معجوز المشار إليه أعلاه، ص 106، وما يليها.
[63] - أحمد الخمليشي : م.س، ص 51 وحسبه فالغلط في الواقع مثل التزوج بمن تحرم عليه نسبا أو رضاعا أو مصاهرة وهو لا يعلم الرابطة بينهما التي تشكل مانعا من موانع الزواج.
أما الغلط في الحكم الشرعي مثل العقد على امرأة في العدة أو بعد أن طلقها ثلاثا قبل أن تتزوج غيره جاهلا بذلك أن الشريعة تمنع هذا الزواج.
أما الغلط في الحكم الشرعي مثل العقد على امرأة في العدة أو بعد أن طلقها ثلاثا قبل أن تتزوج غيره جاهلا بذلك أن الشريعة تمنع هذا الزواج.
[64] - قرار عدد 23 صادر بتاريخ 31/10/1967 أورده ذ. عبد الكريم شهبون في كتابيه :
- الشافي في شرح مدونة الأسرة، جI ص 374
- شرح مدونة الأحوال الشخصية، م.س. ص 358.
- الشافي في شرح مدونة الأسرة، جI ص 374
- شرح مدونة الأحوال الشخصية، م.س. ص 358.
[65] - عبد الكريم شهبون الشافي، م.س، ص 374.
[66] - قرار المجلس الأعلى عدد 289/2/1/ 2006، المؤرخ في 10/5/06 أورده ذ/ إبراهيم بحماني في مؤلفه المرجع السابق،
ص 441.
ص 441.
[67] - هناك طائفة من الفقهاء من يميل إلى القول بعدم حرمان الطفل من نسبه إلى الأب في حالة ميلاده من علاقة غير شرعية
وسندهم في ذلك.
وسندهم في ذلك.
- مبدأ لا تزر وزرة وزر أخرى لأنه لا يمكن أن يستفيد الأب من التصرف المخالف للشريعة ويؤاخذ الطفل البريء بجريمة المذنب ويحرم من نسبه.
- عدم وجود نص صريح في الشريعة يحرم الولد غير الشرعي من حقوقه على الأب.
- الإجماع على ترتيب جميع آثار الولادة الشرعية على الولادة غير الشرعية بالنسبة للأم والتمييز بين الأب والأم فيه تعارض مع مبادئ شرعية بديهة فعقوبة الزنى في الشريعة واحدة بالنسبة للجنسين للتعمق أكثر أنظر: أحمد الخمليشي – الأصول الإسلامية لحقوق الطفل منشور بالمجلة العربية للفقه والقضاء عدد 34 أكتوبر 2006، ص 17 وما يليها.
[68] - أنظر الفقرة الأولى المشار إليها سابقا في ص 20.
[69] - بالرجوع إلى نص المادة 155 من مدونة الأسرة نجد أنها استبدلت مصطلح الخالية من الزوج بمصطلح المرأة والواطيء بمفهوم المتصل
[70] - محمد الكشبور : البنوة...، م.س، ص 237.
[71] - انظر قرار محكمة الاستئناف بالرباط تحت عدد 6 بتاريخ 19/1/2008 في الملف الشرعي عدد 113/2007/10 بالصفحة: 8
[72] - قرار المجلس الأعلى صادر بتاريخ 23/10/1967 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 1، ص 51
[73] - طرحت مسالة ثبوت النسب الناتج عن الخطبة لأول مرة بالمغرب في منتصف القرن 11 الهجري بمناسبة ماعرف حبنها بالانكحة الاغريسية حيث أفتى في ذلك الفقيه إبراهيم الجيلالي في كتابه"المسالة الشهية الامليسية في الانكحة المنعقدة على عوائد البلد الاغريسية" وكيف العلاقة التي تمت بين المخطوبة والخاطب الذي قضى في الحرب بأنها تقوم مقام العقد،ونجد الفقه الحديث قد أدلى بدلوه في الموضوع حيث أفتى الفقيه محمد جواد الصقلي بثبوت نسب حمل المخطوبة للخاطب لكون العقد الرضائي قد تحقق بين الخطيبين خصوصا عندما تتوالي الخلوات بينهما وتطول العشرة فكل ذلك دليل على كونهما زوجان.انظر في هذا الصدد عبد المجيد غميجة م س ص556 واحمد الغازي الحسيني م.س ص 32
[74] - عبد الرحمن اللمتوني، مرجع سابق، ص 128.
[75] - لا ندري لماذا أقحم المشرع لفظ الزوجة والحال أن الأمر يتعلق بالخطبة التي لا ترقى إلى رتبة الزواج بصريح المادة 5 من مدونة الأسرة.
[76] - عبد الكريم شهبون : الشافي، م.س، ص 376
[77] - يونس الزوهري : آثار الخطبة على ضوء مدونة الأسرة، مقال منشور بمجلة المنتدى، العدد الخامس، يونيو 2005، ص 94.
[78] - محمد جوهر : إثبات ونفي النسب بين الطب والعجب – مقال منشور بالمجلة المغربية القانون واقتصاد والتنمية عدد خاص باليوم الدراسي حول الأسرة المغربية بين الفقه المالكي والقانون الوضعي : العدد 50 سنة 2004، ص 153.
[79] - محمد التاويل : أحد أعضاء اللجنة الملكية الاستشارية المكلفة بمراجعة مدونة الأحوال الشخصية في مقال له بعنوان : الخبرة الطبية وأثرها في ثبوت النسب ونفيه في المنظور الإسلامي، منشور بجريدة المحجة، عدد 263، بتاريخ 16/10/2006 الحلقة الرابعة، ص 11.
[80] - محمد المهدي : أسباب لحوق النسب، .س، ص 73.
[81] - قرار صادر بتاريخ 24/01/1991 منشور بمجلة الأمن الوطني العدد 17 سنة 1996، ص 13.
[82] - قرار أورده عبد المجيد غمجية، م.س. ص 537 .
[83] - قرار صادر بتاريخ 26/10/1985 منشور بمجلة المحاكم المغربية عدد مزدوج 68-69 سنة 1994، ص 102 أنظر في هذا الإطار قرار محكمة الاستئناف بالجديدة المضمن بقرار المجلس الأعلى عدد 316 صادر بتاريخ 22-9-1988 مجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 27، ص 25.
[84] - الخليل الدعايكر النسب الناتج عن الخطبة مدونة الأسرة رسالة دبلوم الدراسات العليا، كلية الحقوق بطنجة 2006-2007، ص 69.
[85] - قرار صادر بتاريخ 13/2/1988 على الملف عدد 6917/5 منشور بمجلة الإشعاع العدد 5 السنة الثالثة يونيو 1991 ص 118-121.
[86] - عبد المجيد غميجة، م.س، ص 437 وما بعدها.
[87] - قرار عدد 622 صادر في الملف الشرعي عدد 4308 /85 منشور بمجلة قرارات المجلس الأعلى، مادة الأحوال الشخصية الجزء الثاني، من 1983 إلى 1995، ص 25.
[88] - حكم عدد 1432 ملف شرعي عدد 412/07/1 بتاريخ : 2/10/2007 غير منشور والملاحظ من خلال الإطلاع على وقائع وحيثيات هذا الحكم يتضح أن المحكمة اعتمدت جميع وسائل الإثبات الفراش والإقرار ثم الشبهة الناتجة عن الخطبة ولا ندري ما الدافع إلى اعتماد المحكمة لكل هذه الوسائل مع العلم أن النازلة تتعلق بالخطبة، فكان على المحكمة أن تتقيد بحدود الطلب وان تكيف القضية في إطارها القانوني مع ترتيب الآثار المترتبة على ذلك.
[89]- أنظر أيضا الحكم عدد 794 في الملف 241/0/1 بتاريخ 22/5/2007 غير منشور.
[90]- حكم عدد 1601 بتاريخ 13/11/2007 في الملف الشرعي عدد 1019/06/1غيرمنشور، انظر كذلك الحكم عدد 1472 في الملف الشرعي عدد 614/08/1الصادر عن نفس المحكمة.
[91] قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالرباط تحت عدد 5 في الملف عدد 93/2007/10 بتاريخ 9/01/2008 غير منشور.
[92] - جاء في حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بالعرائش «وحيث إنه بالرجوع إلى مقتضيات المادة 156 من مدونة الأسرة فإن الولد الذي يولد خلال فترة الخطبة ينسب للخاطب للشبهة إذا توفرت الشروط التالية :
- إذا اشتهرت الخطبة بين عائلتيهما.
- إذا تبين أن المخطوبة حملت خلال فترة الخطبة.
- إذا أقر الخطيبان أن الحمل منهما
وحيث إنه بالرجوع إلى البحث المنجز من طرف هذه المحكمة فقد حضر الطالب وزوجته وأكد أنهما قبل توثيق عقد الزواج بينهما كان في فترة خطبة وأقر أن الحمل وقع خلالها.
وحيث أكد كل من والدة الزوجة عائشة وشقيقها عبد السلام وكذا والد الزوج أحمد وأيضا ابن عمه عبد السلام أن الطلب خطب زوجته قبل توثيق عقد الزواج بحوالي أربعة أشهر وكانا يخرجان مع بعضهما وكانت المخطوبة تزوره بمنزله.
وحيث إنه وتبعا لذلك تكون الشروط المنصوص عليها في المادة المنوه لها متوفرة في الطلب مما يتعين معه الاستجابة له» حكم صادر بتاريخ 26/12/2006 في الملف الشرعي عدد 425/06/5 غير منشور، وهو حكم بدوره لم يرتب آثار البطلان على العقد تلقائيا رغم أن الزوج عقد على الزوجة وهي حامل، فالابن ازداد بتاريخ 08/03/99 والعقد تم بتاريخ 31/12/98 أي أن الابن ازداد بمرور 3 أشهر بعد العقد.
- إذا اشتهرت الخطبة بين عائلتيهما.
- إذا تبين أن المخطوبة حملت خلال فترة الخطبة.
- إذا أقر الخطيبان أن الحمل منهما
وحيث إنه بالرجوع إلى البحث المنجز من طرف هذه المحكمة فقد حضر الطالب وزوجته وأكد أنهما قبل توثيق عقد الزواج بينهما كان في فترة خطبة وأقر أن الحمل وقع خلالها.
وحيث أكد كل من والدة الزوجة عائشة وشقيقها عبد السلام وكذا والد الزوج أحمد وأيضا ابن عمه عبد السلام أن الطلب خطب زوجته قبل توثيق عقد الزواج بحوالي أربعة أشهر وكانا يخرجان مع بعضهما وكانت المخطوبة تزوره بمنزله.
وحيث إنه وتبعا لذلك تكون الشروط المنصوص عليها في المادة المنوه لها متوفرة في الطلب مما يتعين معه الاستجابة له» حكم صادر بتاريخ 26/12/2006 في الملف الشرعي عدد 425/06/5 غير منشور، وهو حكم بدوره لم يرتب آثار البطلان على العقد تلقائيا رغم أن الزوج عقد على الزوجة وهي حامل، فالابن ازداد بتاريخ 08/03/99 والعقد تم بتاريخ 31/12/98 أي أن الابن ازداد بمرور 3 أشهر بعد العقد.
[93] - حكم بتاريخ 14/7/2005 الملف 227 أوردته حفيظة توتة في مقالها قراءة في المادة 156.مقال منشور بمجلة محاكم مراكش، العدد الأول 2007.
[94] - قرار المجلس الأعلى عدد 4 بتاريخ 03/01/2007 في الملف الشرعي عدد 406/2/1/06 غير منشور.
[95] - للتعمق أكثر بخصوص الإشكالات المطروحة، أنظر – حفيظة تونة المادة 156 من مدونة الأسرة، م.س.
- وخليل الدعايكر : النسب الناتج عن الخطبة في مدونة الأسرة م.س، ص 117 وما يليها.
- عبد الرحمان اللمتوني. م.س ص 131. وما يليها
- وخليل الدعايكر : النسب الناتج عن الخطبة في مدونة الأسرة م.س، ص 117 وما يليها.
- عبد الرحمان اللمتوني. م.س ص 131. وما يليها
[96] - الظرف القاهر هو ما عرفه الأستاذ محمد الكشبور بأنه «كل عقبة مادية حالت دون توثيق عقد الزواج أمام العدلين المنتصبين للإشهاد»، شرح مدونة الأسرة الجزء الأول، الطبعة الأولى 2006، ص 277.
[97] - من خلال الإطلاع على مجموعة من الأحكام الصادرة عن قسم قضاء الأسرة بسلا، نجد أن المححكمة تصرح بثبوت النسب للشبهة ولا تصرح ببطلان عقد الزواج رغم توفر موجبات دلك عملا بمقتضيات المادة 57.
[98] - قرار عدد 485 ملف 11-07-22 بتاريخ 3-6-08 غير منشور.
[99] - يتبين من خلال حيثيات هذا القرار أن محكمة الجنايات اعتبرت الخطبة التي نتج عنها حمل هي زواج وليست وعدا بالزواج، ولعلها تكون قد أعطت وجهة نظرها في الموضوع، لكن مادامت المادة 5 من مدونة الاسرة قد نصت صراحة على أن الخطبة هي تواعد رجل و امراة على الزواج ادن –فلا اجتهاد مع وجود النص-لأن هدا القرار على علاته لن يغني الأطراف عن عدم سلوك المسطرة في اطار المادة 156.
[100] - يرى ذ. رشيد مشقاقة أنه يجوز تطبيق المادة 156 من مدونة الأسرة دون اللجوء إلى القضاء حيث يقول في هذا الصدد "مادام المشرع المغربي حدد شروطا معينة في المادة 156 لنسبة الولد للخاطب ومع عدم إنكاره فإن المصالح الإدارية من مستشفيات الولادة وضباط الحالة المدنية ملزمون بقوة القانون بتضمين اسم المولود واسم والده الخاطب دون المرور إلى المحكمة مادام ليس هناك نزاع وجهة نظر قانونية – الطبعة الأولى 2005، ص 215، وما بعدها.
[101] - قرار المجلس الأعلى عدد 304 ملف عدد 374/2/2/2001 بتاريخ 12/6/2003 أورده إبراهيم بحماني في مؤلفه، م.س. ص 329.
وجاء في قرار آخر « إن قرينة الولد للفراش لا يجوز دحضها إلا بالوسائل المقررة شرعا لنفي النسب» قرار عدد 96 بتاريخ 9/2/82 منشور بمجلة رابطة القضاة عدد 14-15، ص 71.
كما أن المجلس الأعلى بجميع غرفه في قراره عدد 658 بتاريخ : 30/12/2004 في الملف الشرعي 556/2/1/03 أكد على أن النسب المعتمد على فراش صحيح لا يمكن تفيه بالخبرة الطبية الصادرة عن القضاء الأجنبي وأنه كان بوسع الزوج أن ينفيه باللعان بعلة أن البنت ازدادت داخل أجل السنة من تاريخ الفراق. للإطلاع على نص القرار والتعليق عليه من طرف ذ. أحمد زوكاغي، أنظر جريدة الصباح عدد 1877 السنة 7 بتاريخ 21/04/2006 وكذا مجلة الملف عدد 7 أكتوبر 2005، ص 232.
ورسالة المحاماة عدد 27، ومجلة المناهج عدد مزدوج 9/10/2006.
وجاء في قرار آخر « إن قرينة الولد للفراش لا يجوز دحضها إلا بالوسائل المقررة شرعا لنفي النسب» قرار عدد 96 بتاريخ 9/2/82 منشور بمجلة رابطة القضاة عدد 14-15، ص 71.
كما أن المجلس الأعلى بجميع غرفه في قراره عدد 658 بتاريخ : 30/12/2004 في الملف الشرعي 556/2/1/03 أكد على أن النسب المعتمد على فراش صحيح لا يمكن تفيه بالخبرة الطبية الصادرة عن القضاء الأجنبي وأنه كان بوسع الزوج أن ينفيه باللعان بعلة أن البنت ازدادت داخل أجل السنة من تاريخ الفراق. للإطلاع على نص القرار والتعليق عليه من طرف ذ. أحمد زوكاغي، أنظر جريدة الصباح عدد 1877 السنة 7 بتاريخ 21/04/2006 وكذا مجلة الملف عدد 7 أكتوبر 2005، ص 232.
ورسالة المحاماة عدد 27، ومجلة المناهج عدد مزدوج 9/10/2006.
[102] - إبراهيم بحماني، م.س. ص 469.
[103] - قرار محكمة الاستئناف بالرباط عدد 6 بتاريخ 9/1/2008 الملف الشرعي رقم 113-2007-10 غير منشور.
[104] - محمد الكشبور، م.س.، ص 287.
[105] -محمد بن يوسف الكافي إحكام الأحكام على تحفة الحكام، ص 99، دار الكتب العلمية بيروت الطبعة I 1984.
[106] - جاء في قرار المجلس الأعلى عدد 145 ملف 436/2/1/2005 بتاريخ 1/3/2006 :
«طلب إجراء مسطرة اللعان أو الخبرة لإثبات النسب يجب أن يقدم بواسطة مقال مؤدى عنه طبقا للقانون ولا يكفي إثارة ذلك في إطار دفع» أورده إبراهيم بحماني في مؤلفه، م.س، ص 427.
ويثور التساؤل في الحالة التي يتقدم فيها الزوج بدعوى اللعان وأثناء جريان المسطرة يتنازل عن دعواه وتشهد المحكمة على هذا التنازل الصادر عنه، فهل يعتبر إقرارا منه بالنسب أم أن الولد لاحق بالفراش؟
نرى أن تنازل المدعي في مثل هذه الحالات لا يؤثر على فراش الزوجية (العقد الصحيح) مادام أن مسطرة اللعان مقيدة بمجرد العلم بالحمل أو رؤية الزنا وهي مجرد اسثتناء ، لذلك فنسب الولد ثابت بالفراش الذي هو الأصل.
«طلب إجراء مسطرة اللعان أو الخبرة لإثبات النسب يجب أن يقدم بواسطة مقال مؤدى عنه طبقا للقانون ولا يكفي إثارة ذلك في إطار دفع» أورده إبراهيم بحماني في مؤلفه، م.س، ص 427.
ويثور التساؤل في الحالة التي يتقدم فيها الزوج بدعوى اللعان وأثناء جريان المسطرة يتنازل عن دعواه وتشهد المحكمة على هذا التنازل الصادر عنه، فهل يعتبر إقرارا منه بالنسب أم أن الولد لاحق بالفراش؟
نرى أن تنازل المدعي في مثل هذه الحالات لا يؤثر على فراش الزوجية (العقد الصحيح) مادام أن مسطرة اللعان مقيدة بمجرد العلم بالحمل أو رؤية الزنا وهي مجرد اسثتناء ، لذلك فنسب الولد ثابت بالفراش الذي هو الأصل.
[107] - قرار عدد 128 بتاريخ 5/7/1971 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 23 السنة الرابعة، أكتوبر 71،ص 34.
[108] - قرار بتاريخ 3/2/1987 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 40، ص 167-168.
[109] - قرار اجتماعي عدد 15 بتاريخ 22/5/1972 منشور بمجلة القضاء والقانون عدد 121 السنة 12، ص 64.
وقد أشار الشيح خليل إلى هذا الشرط بقوله «وإن وطء وأخر اللعان بعد علمه بوضع أو حمل بلا عذر امتنع اللعان».
وجاء في تحفة ابن عاصم بهذا الخصوص
وساكت والحمل حمل بين * * * يحـد مطلقا ولا يلتعـن
ومثله الواطئ بعد الرؤية * * * ويلحق الولد حد الفـرية
وقد أشار الشيح خليل إلى هذا الشرط بقوله «وإن وطء وأخر اللعان بعد علمه بوضع أو حمل بلا عذر امتنع اللعان».
وجاء في تحفة ابن عاصم بهذا الخصوص
وساكت والحمل حمل بين * * * يحـد مطلقا ولا يلتعـن
ومثله الواطئ بعد الرؤية * * * ويلحق الولد حد الفـرية
[110] - قرار عدد 39 بتاريخ 18/1/2006 ملف شرعي عدد 353/2/1/2005 غير منشور.
[111] - جمال الدين ابن منظور – لسان العرب – جI.
[112] - الآية 81 من سورة آل عمران.
[113] - أبو عبد الله الحطاب : مواهب الجليل لشرح مختصر خليل- مطبعة السعادة الطبعة I، 1329هـ، ج الخامس، ص 216.
[114] - المعطي الجبوجي : القواعد الموضوعية والشكلية للإثبات وأسباب الترجيح بين الحجج، الطبعة الأولى، 2002،
مكتبة الرشاد بسطات، ص 33.
مكتبة الرشاد بسطات، ص 33.
[115] - محمد ابن معجوز : أحكام الأسرة في الشريعة الإسلامية وفق مدونة الأحوال الشخصية ج II – الولادة ونتائجها
– الأهلية والنيابة الشرعية، طبعة 1998، ص 47.
– الأهلية والنيابة الشرعية، طبعة 1998، ص 47.
[116] - جاء في قول النابغة الدبياني : إنا أناس لاحقون بأصلنا * * * فالحق بأصلك خارج بن سنان.
جاء في حكم محكمة الاستئناف العليا دائرة التمييز بالكويت تحت عدد 103 :
«الإقرار بالنسب مشروط في المذهب المالكي بأن يكون المقر له مجهول النسب أي لا يعلم له أب، وأن يكون سن المقر له بحيث يمكن أن يولد لمثله، وألا يصرح المقر بأنه من الزنا » منشور بالمجلة العربية للفقه والقضاء، عدد 17 أكتوبر 1996، ص 125.
جاء في حكم محكمة الاستئناف العليا دائرة التمييز بالكويت تحت عدد 103 :
«الإقرار بالنسب مشروط في المذهب المالكي بأن يكون المقر له مجهول النسب أي لا يعلم له أب، وأن يكون سن المقر له بحيث يمكن أن يولد لمثله، وألا يصرح المقر بأنه من الزنا » منشور بالمجلة العربية للفقه والقضاء، عدد 17 أكتوبر 1996، ص 125.
[117] - المشرع المغربي استبعد الرأي الذي يأخذ بإقرار الساكت، حينما نص في المادة 162 من مدونة الأسرة (الفصل 95 من مدونة الأحوال الشخصية الملغاة) «يثبت الإقرار بإشهاد رسمي أو بخط يد المقر الذي لا شك فيه».
- بخصوص الإقرار غير المباشر، أنظر الفقرة الثالثة: أنواع الإقرار.
- بخصوص الإقرار غير المباشر، أنظر الفقرة الثالثة: أنواع الإقرار.
[118] - يرى ذ. أحمد الخمليشي أنه في وقتنا الحاضر لا يبدو كافيا الاعتراف بالنسب عند إدعائه من طرف الأب وإنما ينبغي أن يلزم بهذا النسب كلما أمكن التعرف عليه، فالعلاقات غير الشرعية تكاد تكون عامة والعزوف عن الزواج ظاهرة متنامية بشكل خطير وعشرات آلاف من ا لأطفال يلقى بهم في الشوارع ومستشفيات الولادة، لذلك فإن إلزام الأب بانتساب ولده من الزنى إليه يحقق هدفا مزدوجا من ناحية الحماية لنسبة مهمة جدا من هؤلاء الأطفال الذين لا ذنب لهم وإنما حملوا جريمة ارتكبها آباؤهم العابثون بالدين والأخلاق وقيم المجتمع ومن جهة ثانية الحد من تزايد أطفال الشوارع فعندما يعلم آباء هؤلاء الأطفال أن النسب يلاحقهم ولو كانت العلاقة غير شرعية سيحتاط أغلبهم ويفضلون العيش داخل الشرعية والاحتماء بنظام الأسرة.
[119] - قرار عدد 492 بتاريخ 26/10/2005 في الملف الشرعي عدد 293/2/1/205 أورده ذ. إبراهيم بحماني في مؤلفه...، م.س، ص 401.
- و د/ محمد الكشبور في مؤلفه البنوة والنسب...، م.س. ص 237.
- و د/ محمد الكشبور في مؤلفه البنوة والنسب...، م.س. ص 237.
[120] - عبد الكريم شهبون : الشافي...، م.س، ص 388.
[121] - بالمقابل فإنه لا يمكن نفي النسب من غير الأب، فإذا توفي الأب فإن دعوى نفي النسب لا تسمع من الورثة إذا جاءت دعواهم مجردة عن حق آخر، جاء في قرار المجلس الأعلى عدد 495 بتاريخ 6/9/2006 الملف الشرعي، عدد 106/2/1/2005«دعوى نفي النسب لا يجوز سماعها من طرف الورثة إذا أقيمت مجردة عن حق أو مال طالما أن نفي النسب المجرد حق للاب المعني به، لا يجوز التعامل فيه من طرف الغير»، منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى، عدد 67، ص 100.
للتعمق أكثر في موضوع أنواع الإقرار أنظر د. محمد المهدي : أسباب لحوق النسب في ضوء مستجدات مدونة الأسرة- محاولة في التأصيل- مجلة الملف العدد 12 مارس 2008، ص 56 وما يليها.
للتعمق أكثر في موضوع أنواع الإقرار أنظر د. محمد المهدي : أسباب لحوق النسب في ضوء مستجدات مدونة الأسرة- محاولة في التأصيل- مجلة الملف العدد 12 مارس 2008، ص 56 وما يليها.
[122] - الآية 4 من سورة الأحزاب.
[123] - محمد المهدي، م.س، ص 70.
[124] - جاء في حكم المحكمة الابتدائية بسلا- قسم قضاء الأسرة- تحت عدد 1657 بتاريخ 20-11-207 ملف شرعي رقم 808/07/1 «وحيث إنه وطبقا لمقتضيات المادة 152 من المدونة فإن النسب يثبت بإقرار الأب ببنوة المقر به ولو في مرض الموت شريطة أن يكون الأب المقر عاقلا وأن لا يكون الولد المقر به معلوم النسب وألا يكذب المستلحق عقلا أو عادة، وحيث أقر المدعى عليه أمام المحكمة من أن المدعي هو ابنه ومن صلبه من زوجته الحاضرة بالجلسة نعيمة البهلولي والتي أكدت ذلك أمام المحكمة وذلك طبقا لمقتضيات المادة 160 من المدونة، وحيث أنه تبعا لذلك يكون نسب المدعي ثابت لأبيه ثبوتا شرعيا» حكم غير منشور.
[125] - محمد أكديد: الاستلحاق في الفقه والقانون : مقال منشور بمجلة الأيام الدراسية حول مدونة الأسرة، عدد 5 شتنبر 2004، ص 42.
[126] - قرار عدد 446 بتاريخ: 30/03/ 1983 في الملف عدد 54758 منشور بمجلة المحاكم المغربية عدد 48، ص 77.
[127] - حكم رقم 301 بتاريخ 29-6-2006 ملف شرعي عدد 386/05/5 غير منشور فبالرجوع إلى حيثيات هذا الحكم، نجد المحكمة قد ناقشت أسباب لحوق النسب كلها من فراش وإقرار وشبهة وهي المنصوص عليها في نص المادة 152 من المدونة، وكان عليها أن تقتصر على الإقرار وحده، مادام موضوع الدعوى يتعلق بالإقرار بالنسب هذا من جهة، ومن جهة أخرى فازدياد الابن قبل توثيق عقد الزواج مظنة على أن الفراش كان قائما بين الطرفين وإن تشدد محكمة العرائش هذا فيه تعدي على حق الطفل في النسب، في حين نجد محاكم أخرى في حالات مماثلة تتأكد من شروط الإقرار وترتب عليه الآثار القانونية ومنها لحوق النسب، أنظر بخصوص الاتجاه المخالف حكم المحكمة الابتدائية بفاس عدد 3080 المنشور بمجلة قضاء الأسرة عدد 3 دجنبر 2006 ص 179 ما يليها.
[128] - محمد أكديد، م.س. ص 47.
[129] - مختصر العلامة خليل، تحقيق أحمد جاد، دار الحديث القاهرة، طبعة سنة 2005 فصل في بيان أحكام الاستلحاق، ص 185.
[130] - عبد الكريم شهبون، الشافي...، م.س، ص 387.
[131] - محمد الكشبور البنوة والنسب، م.س. ص 113، وفي هذا الإطار جاء في حيثيات الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية بفاس «وحيث إنه طبقا لمقتضيات المادة 160 من مدونة الأسرة فإن المستلحق إذا عين أم الولد المستلحق أمكنها الاعتراض بنفي الولد عنها.
وحيث إن الأم المعنية في الإشهاد العدلي المشار إلى مراجعه أعلاه أكدت أمام هيئة المحكمة خلال جلسة 24/05/2006 إن الابن أيوب ابنها من المدعي ازداد على فراشهما، وحيث إنه تبعا لذلك فإن طلب استلحاق المدعي للابن أيوب بنسبه يكون قد استوفى كافة الشروط المتطلبة قانونا مما يتعين معه الاستجابة للطلب والحكم بلحوق الابن أيوب بنسب والده المدعي...« حكم رقم 3080 بتاريخ 10/07/2006 رقم 2757/1/05 منشور بمجلة قضاء الأسرة منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية العدد 3 دجنبر 2006، ص 180.
وحيث إن الأم المعنية في الإشهاد العدلي المشار إلى مراجعه أعلاه أكدت أمام هيئة المحكمة خلال جلسة 24/05/2006 إن الابن أيوب ابنها من المدعي ازداد على فراشهما، وحيث إنه تبعا لذلك فإن طلب استلحاق المدعي للابن أيوب بنسبه يكون قد استوفى كافة الشروط المتطلبة قانونا مما يتعين معه الاستجابة للطلب والحكم بلحوق الابن أيوب بنسب والده المدعي...« حكم رقم 3080 بتاريخ 10/07/2006 رقم 2757/1/05 منشور بمجلة قضاء الأسرة منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية العدد 3 دجنبر 2006، ص 180.
[132] - قرار محكمة الاستئناف بالقنيطرة صادر بتاريخ 04/05/1992 منشور بمجلة الإشعاع عدد 14، ص124
وجاء في قرار محكمة الاستئناف بالرباط "حيث إن دعوى نفي النسب حق للأب وابنه لا يمكن سماعها أو قبولهاالا من الأصل مدعي الانتساب إليه"قرارعدد254 بتاريخ 12/11/2008 في الملف عدد 157-2006-10 .
وجاء في قرار محكمة الاستئناف بالرباط "حيث إن دعوى نفي النسب حق للأب وابنه لا يمكن سماعها أو قبولهاالا من الأصل مدعي الانتساب إليه"قرارعدد254 بتاريخ 12/11/2008 في الملف عدد 157-2006-10 .
[133] - من بين الأصول الشرعية لحق الطفل في النسب "لا تزر وازرة وزر أخرى" ومقتضى هذا الأصل أن الطفل المولود من علاقة غير شرعية لا يحرم من حقوقه إزاء أبويه الذين يتحملان وحدهما وزر ما اقترفا، والتطبيق أخذ بالمبدأ إزاء الأم وزاد عليه استفادتها من التصرف اللاشرعي الذي ارتكبته وذلك بالاعتراف لها بحقوق الأم على الولد مثل النفقة، الإرث لكن إزاء الأب حرم الطفل من جميع حقوقه وحمله بذلك آثار خطأ ارتكبه غيره، أنظر في هذا الصدد أحمد الخمليشي : الأصول الإسلامية لحقوق الطفل مقال منشور بالمجلة العربية للفقه والقضاء العدد 34 أكتوبر 2006 من ص 17 إلى 28.
[134] - محمد الكشبور – البنوة والنسب...، م.س. ص 117.
[135] - قرار رقم 171 صدر بتاريخ : 9/6/2008 ملف شرعي رقم 22/2008/10 غير منشور.
هذا القرار أسس لقاعدة تفتقد للأساس الشرعي، لان تكليف المقر بإثبات العلاقة الزوجية فيه تعد على حقوق الطفل وحرمان للأب من حق مخول له شرعا والمشرع المغربي حدد وسائل إثبات النسب في الفراش أو إقرار الأب أو بشهادة عدلين أو بنية السماع ... إلخ.
فاستعمل (أو) وهي للاختيار وليس الجمع، فضلا على أن وقائع القضية تثبت أن والد المستأنفة أقر بها برسم الطلاق وأقام دعوى أمام القضاء من أجل تقييدها بكناش الحالة المدنية وصدرت في مواجهته أحكام نهائية بالنفقة، ومحكمة الاستئناف لما اعتمدت على الحكم الابتدائي والقرار الاستئنافي وكذا قرار المجلس الأعلى، فإن هذه الأحكام مجتمعة تتعلق بفسخ عقد الزواج الذي لا تأثير له على النسب وكان عليها أن تأخذ بالإقرار وترتب عليه الآثار القانونية.
هذا القرار أسس لقاعدة تفتقد للأساس الشرعي، لان تكليف المقر بإثبات العلاقة الزوجية فيه تعد على حقوق الطفل وحرمان للأب من حق مخول له شرعا والمشرع المغربي حدد وسائل إثبات النسب في الفراش أو إقرار الأب أو بشهادة عدلين أو بنية السماع ... إلخ.
فاستعمل (أو) وهي للاختيار وليس الجمع، فضلا على أن وقائع القضية تثبت أن والد المستأنفة أقر بها برسم الطلاق وأقام دعوى أمام القضاء من أجل تقييدها بكناش الحالة المدنية وصدرت في مواجهته أحكام نهائية بالنفقة، ومحكمة الاستئناف لما اعتمدت على الحكم الابتدائي والقرار الاستئنافي وكذا قرار المجلس الأعلى، فإن هذه الأحكام مجتمعة تتعلق بفسخ عقد الزواج الذي لا تأثير له على النسب وكان عليها أن تأخذ بالإقرار وترتب عليه الآثار القانونية.
[136] - قرار المجلس الأعلى عدد 332 بتاريخ 60/06/2007 ملف شرعي 398/2/1/2005 منشور بمؤلف إبراهيم بحماني، م.س، ص 503 وما يليها.
[137] - صدر المرسوم التطبيقي رقم 665-99-2 بتاريخ 9/10/2002.
[138] - لكن القضاء يلزم صاحب المصلحة بالإدلاء بالوثائق اللازمة وأهمها عقد الزواج أو حكم قضى بثبوت الزوجية أو بثبوت النسب، هذا فيما يخص معلوم النسب المتنسل من علاقة زواج صحيح أما بخصوص مجهول الأب، فهناك وثائق محددة يجب الإدلاء بها منها اختيار اسم عائلي من الأسماء العائلية المغربية واسم الأب من أسماء العبودية.
[139] - عبد القادر لطفي، م.س.، ص 54.
- خلود نوري، م.س، ص 269
- خلود نوري، م.س، ص 269
[140] - أحمد الخمليشي، م.س.، ص 37.
[141] - قرار المجلس الأعلى عدد 1461 بتاريخ 29/11/1988 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد : 44 ص 105
[142] - رغم أن الإقرار والشبهة بما فيها الحمل أثناء الخطبة (م 156 م أ) من وسائل ثبوت النسب وكذلك شهادة العدلين واللفيف، فإنه لا يمكن رغم ثبوت نسب الولد- طبقا للأسباب أعلاه، تسجيل الولد بالحالة المدنية لانعدام عقد الزواج بين الأب وأم الولد، لذا يلزم صاحب المصلحة باللجوء إلى القضاء. يرى ذ. أحمد الخمليشي أن استصدار حكم بثبوت النسب لا يفيد شيئا إزاء التسجيل بالحالة المدنية والعكس صحيح لكون الحكم الصادر بطلب التسجيل في الحالة المدنية تقتصر حجيته على ثبوت واقعة الولادة وليست له حجية في موضوع نسب الولد ولو ورد فيه اسم أبيه مادامت واقعة النسب لم تناقش أساسا ولم تكن في موضوع الطلب والحكم. أحمد الخمليشي، م.س.، ص 97-98.
[143] - أحمد الخمليشي، م.س، ص 100-101
- أحمد الخمليشي، نفس المرجع، ص 102.
- أحمد الخمليشي، نفس المرجع، ص 102.
[144] - قرار عدد 41 بتاريخ 18/1/2006 منشور بمجلة المناهج عدد مزدوج 9-10 سنة 2006 ص 241 وما يليها.
[145] - قرار المجلس الأعلى عدد 35 بتاريخ 10/1/2007 ملف 353/2/1/2006 عير منشور جاء في قرار المجلس الأعلى بغرفتين تحت عدد 74 بتاريخ 18/2/2004 ملف مدني عدد 352/2/1/2000 «التسجيل في سجلات المدنية من طرف الهالك لا يعد إقرارا يثبت به النسب» أورده ذ/ محمد الكشبور في البنوة والنسب. م.س. ص 228.
[146] - قرار عدد 144 بتاريخ 14/01/2008 ملف شرعي، عدد 1593/07 غير منشور.
[147] - جاء في الفصل 89 من مدونة الأحوال الشخصية الملغاة «يثبت النسب بالفراش أو بإقرار الأب أو بشهادة عدلين أو ببينة السماع بأنه ابنه ولد على فراشه من زوجته»
[148] - عبد الكريم شهبون، شرح مدونة الأحوال الشخصية، م.س.، ص 368.
[149] - سورة آل عمران، الآية 14.
[150] - سورة الطلاق الآية 2.
[151] - جاء في باب أحكام الشهادة بمختصر الشيخ خليل : العدل-حر-مسلم- عاقل- بالغ بلا فسق وحجر وبدعة، م.س، ص 22.
والملاحظة أن مهمة العدول مهمة رسمية منظمة قانونا بحيث لا يملك القاضي حق تجريد العدل من مهامه مادام يمارسها وإن لاحظ عليه بعض الأوصاف التي تتنافى مع صفة العدل
والملاحظة أن مهمة العدول مهمة رسمية منظمة قانونا بحيث لا يملك القاضي حق تجريد العدل من مهامه مادام يمارسها وإن لاحظ عليه بعض الأوصاف التي تتنافى مع صفة العدل
[152] - حسن منصف: محاضرات في القانون العقاري ألقيت بالمعهد العالي للقضاء بتاريخ 05/11/2007
[153] - محمد بن يوسف الكافي – أحكام الأحكام على تحفة الحكام- دار الكتب العلمية – بيروت لبنان الطبعة الأولى، 1994، ص 30 في باب الشهود وأنواع الشهادات وما يتعلق بها.
وأوردها الشيخ خليل في مختصره : العدل حر- مسلم عاقل- بالغ بلا فسق وحجر وبدعة
وأوردها الشيخ خليل في مختصره : العدل حر- مسلم عاقل- بالغ بلا فسق وحجر وبدعة
[154] - وهي نفس الشروط الواردة بالقانون رقم 03-16 المتعلق بخطة العدالة.
[155] - أحمد الخمليشي، م.س.، ص 60.
[156] - عبد الكريم شهبون : شرح مدونة الأسرة، م.س، ص 369.
[157] - قرار عدد 23 بتاريخ 31/10/ 1967 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 1، ص 49.
[158] - قرار المجلس الأعلى عدد 12 بتاريخ 29/10/1958 منشور بعملية قضاء المجلس الأعلى عدد 10 ص 49، تبنى صياغة الفصل 89 من مدونة الأحوال الشخصية الملغاة حرفيا.
[159] - - محمد الكشبور : البنوة والنسب ... م.س، ص 132- 133.
- شرح مدونة الأسرة م.س، ص 272.
- شرح مدونة الأسرة م.س، ص 272.
[160] - الكافي م.س.، ص 44.
[161] - محمد الكشبور : البنوة ... م.س، ص 134.
[162] - جاء في التحفة :
وأعملت شهادة السماع والحيض و الميراث والميلاد والجرح والتعديل والولاء وفي تملك لملك بيد وحبس من جاز من السنينا وعــزل حـاكـــم وفـي تقــديـمــه | *** *** *** *** *** *** | في الحمل والنكاح والرضاع وحال إسلام أو ارتداد والرشد والتسفيه والإيصاء يقام فيه بعد طول المدد عليه ما يناهز العشرينا وضــرر الـزوجـيـن مـــن تتمـيمــه |
[163] - أنظر مضمون القرارين بالفقرة الثالثة المخصصة لموقف القضاء من الشهادة العدلية، ص.
[164] - حكم عدد 1337 بتاريخ 24/7/2007 في الملف الشرعي عدد 896/07/1 (غير منشور)
[165] - أحمد الخمليشي المرجع السابق، ص 61.
[166] - بخصوص شهادة اللفيف يرجى الإطلاع على مجلة ندوات محاكم فاس( شهادة اللفيف العدلي) العدد الاول أكتوبر 2003.
[167] - حكم عدد 2037 بتاريخ 25-12-2007 ملف شرعي عدد 895-07-1 (غير منشور)
[168] - قرار عدد 215 بتاريخ 23/6/1982 أورده محمد الكشبور : البنوة والنسب، م.س، ص 137.
[169] - محمد الكشبور : شرح مدونة الأسرة ... ج الثاني، م.س، ص 307.
[170] - ابن منظور لسان العرب م.س.
[171] - عبد السلام بوزيدي : إشكالية الخبرة في إثبات النسب أو نفيه، منشور بندوة مدونة الأسرة بعد ثلاث سنوات من التطبيق الحصيلة والمعوقات، ص 188.
[172] - محمد ابن معجوز، أحكام الأسرة م.س، ص 43.
[173] - رواه البخاري ومسلم.
[174] - محمد الكشبور : البنوة...، م.س.، ص 182.
[175] - الإمام مالك : المدونة الكبرى، الجزء الثالث، ص 146.
[176] - عبد المجيد غميجة، المرجع السابق، ص 556.
[177] - خلود نوري – م.س.، ص 184.
[178] - محمد الكشبور : شرح مدونة الأسرة ...، ج الثاني ، ص 304.
[179] - محمد الكشبور : مركز الخبرة الطبية في مادة الأحوال الشخصية، منشور بمجلة المحاكم المغربية، عدد مزدوج 77/78، ص 45.
[180] - محمد محمد أبو زيد : دور التقدم البيولوجي في إثبات النسب، منشور بمحلة الحقوق الكويتية، السنة العشرون، العدد الأول، مارس، 1996، ص 272.
[181] - محمد محمد أبو زيد، م.س، ص 223.
[182] - محمد محمد أبو زيد، م.س، ص 279.
[183] - لم تعرف البصمة الوراثية حتى عام 1984، حينما نشر د/ آليك جيفريز عالم الوراثة بجامعة "ليستر" بلندن بحثا أوضح فيه أن المادة الوراثية قد تتكرر عدة مرات وتعيد نفسها في تتابعات عشوائية غير مفهومة، وواصل أبحاثه حتى توصل بعد عام واحد، إلى أن هذه التتابعات مميزة لكل فرد ولا يمكن أن تتشابه بين اثنين، بل إن احتمال تشابه بصمتين وراثيتين بين شخص وآخر هو واحد في التريليون، مما يجعل التشابه مستحيلا وسجل الدكتور آليك براءة اكتشافه عام 1985ن وأطلق عليه اسم البصمة الوراثية THE DNA FINGERPRINT
عن موقع – Byte COM و ALWFA تاريخ الإطلاع 17/11/08.
عن موقع – Byte COM و ALWFA تاريخ الإطلاع 17/11/08.
[184] - ابن منظور : لسان العرب : الجزء الأول.
[185] - محمد الكشبور : البنوة...، م.س.، ص 190.
[186] - عمر بن محمد السبيل : البصمة الوراثية ومدى مشروعية استخدامها في النسب والجناية، بحث منشور على الإنترنيت، تاريخ الإطلاع، 15/01/2009.
[187] - محمد محمد أبو زيد : م.س.، ص 280
[188] - عبد الرحمان سعد : الفقهاء والأطباء : البصمة الوراثية تثبت النسب شرعا، مقال منشور بالانترنيت، موقع إسلام أون لاين، تاريخ الإطلاع، 17/11/2008.
[189] - سورة فصلت، الآية 53.
[190] - عن موقع، إسلام سيلكيت، تاريخ الإطلاع : 02/03/2009.
[191] - عمر بن محمد السبيل : م.س.، ص 8.
[192] - بالرجوع إلى مدونة الأسرة نجدها مرة تتكلم عن الخبرة وفي أخرى عن الخبرة القضائية دون تبيان المقصود منها، لكن العمل القضائي كرسها على أساس أنها الخبرة الطبية في جانبها المتعلق بالبصمة الوراثية (ADN).
[193] - نقلا عن محمد الكشبور، البنوة والنسب، م.س. ص 185.
[194] - جريدة الشرق الأوسط، عدد 9971 بتاريخ 17/03/2006، مقال بعنوان : جدل بين علماء دين ورجال قانون حول إثبات النسب بفحص الحامض النووي.
[195] - الدكتور سعد الدين مسعد هلالي : ندوة مدى حجية استخدم البصمة الوراثية لإثبات البنوة، ملخص ورقة العمل عن البصمة الوراثية وعلائقها الشرعية المقدمة للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية أيام 9-8-2005، منشور بمجلة كتابة الضبط العدد 16 أكتوبر 2007 طبع ونشر مكتبة دار السلام، الرباط، ص 9 وما يليها.
[196] - عن موقع إسلام ويب : بحث بعنوان الاحتكام إلى البصمة الوراثية في منظار الشرع، تاريخ الإطلاع 17-11-2008.
[197] - نقض جنائي، طعن رقم 1217 لسنة 38 ق أورده الدكتور محمد محمد أبو زيد في بحث بعنوان : «دور التقدم البيولوجي في إثبات النسب، مجلة الحقوق الكويتية السنة العشرون، عدد 1، ص 277، وما بعدها.
[198] - خليفة علي الكعبي : البصمة الوراثية وآثارها على الأحكام الفقهية : دراسة فقهية مقارنة، دار الجامعة الجديدة للنشر الإسكندرية 2004، ص 63، وما يليها.
- جاء في قرار صادر عن محكمة التمييز السورية – قضية رقم 687 لعام 1986 «السفاح لا ينتج نسبا لأن الولد للفراش وللعاهر الحجر، والخبرة على الزمر الدموية لطرفي الدعوى والولد لا تصلح دليلا لإثبات النسب ولا لنفيه مهما كانت النتيجة التي انتهت إليها ولو جاءت بصيغة الجزم»، المجلة العربية للفقه والقضاء، عدد 8، ص 135.
- جاء في قرار صادر عن محكمة التمييز السورية – قضية رقم 687 لعام 1986 «السفاح لا ينتج نسبا لأن الولد للفراش وللعاهر الحجر، والخبرة على الزمر الدموية لطرفي الدعوى والولد لا تصلح دليلا لإثبات النسب ولا لنفيه مهما كانت النتيجة التي انتهت إليها ولو جاءت بصيغة الجزم»، المجلة العربية للفقه والقضاء، عدد 8، ص 135.
[199] - قرار استئنافي مدني عدد 3411 بتاريخ 17 يناير 1974 أورده إدريس الفاخوري، م.س،ص 67.
[200] - قرار مدني عدد 2777 بتاريخ ك 26/1/1993 منشور بالمجلة القانونية التونسية 1998 مركز النشر الجامعي، ص 155 وما بعدها أورده ذ/ محمد الكشبور، شرح مدونة الأسرة، ج II، م.س.، ص 301.
[201] - قرار مدني عدد 11005 بتاريخ : 27/7/1976 منشور بمجلة القضاء والتشريع، عدد 8 لسنة 1976، ص 72.
[202] - قضية عدد 697/98 أوردها ذ. محمد عزيوي. م.س.، ص 23.
[203] - محمد عزيوي، م.س.، ص 23 نقلا عن خليفة علي الكعبي، م.س.، ص 80.
وعلى خلاف الاجتهادات القضائية العربية، نجد القضاء الأردني اعتمد البصمة الوراثية قرينة قاطعة في إثبات النسب ونفيه في آن واحد، حيث جاء في حكم محكمة أول درجة بعمان بتاريخ 24/10/2002 «اعتمادا على تحليل البصمة الوراثية بإلحاق نسب البنت إلى أبيها وأمها الحقيقيين المدعى عليهم الأول والثاني ونفي نسبها من أبيها وأمها غير الحقيقيين» حكم أورده يوسف وهابي، م.س، ص 15.
وعلى خلاف الاجتهادات القضائية العربية، نجد القضاء الأردني اعتمد البصمة الوراثية قرينة قاطعة في إثبات النسب ونفيه في آن واحد، حيث جاء في حكم محكمة أول درجة بعمان بتاريخ 24/10/2002 «اعتمادا على تحليل البصمة الوراثية بإلحاق نسب البنت إلى أبيها وأمها الحقيقيين المدعى عليهم الأول والثاني ونفي نسبها من أبيها وأمها غير الحقيقيين» حكم أورده يوسف وهابي، م.س، ص 15.
[204] - خالد برجاوي : قواعد إثبات ونفي النسب في المغرب بين تطور العلم وجمود القانون، منشور بالمجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 50 ماي – يونيو 2003، ص 102.
[205] - محمد الكشبور : - شرح مدونة الأسرة جII م.س، ص 303.
- والبنوة والنسب، م.س.، ص 183.
- والبنوة والنسب، م.س.، ص 183.
[206] - أشارت مدونة الأسرة إلى الخبرة الطبية في المواد الآتية :
+ المادة 16 بخصوص سماع دعوى الزوجية «... إذ حالت أسباب قاهرة دون توثيق العقد في وقته تعتمد المحكمة في سماع دعوى الزوجية سائر وسائل الإثبات وكذا الخبرة...»
+ المادة 20 المتعلقة بالأهلية والولاية في الزواج.
+ المادة 23 : بخصوص زواج المعاق ذهنيا.
+ المادة 11 : «يستعان بأهل الخبرة من الأخصائيين في معرفة العيب أو المرض».
+ المادة 134 : المتعلقة بعدة الحامل.
+ المواد 153 -156-158 المتعلقة بالنسب.
+ المادة 222 المتعلقة بالحجر...
+ المادة 16 بخصوص سماع دعوى الزوجية «... إذ حالت أسباب قاهرة دون توثيق العقد في وقته تعتمد المحكمة في سماع دعوى الزوجية سائر وسائل الإثبات وكذا الخبرة...»
+ المادة 20 المتعلقة بالأهلية والولاية في الزواج.
+ المادة 23 : بخصوص زواج المعاق ذهنيا.
+ المادة 11 : «يستعان بأهل الخبرة من الأخصائيين في معرفة العيب أو المرض».
+ المادة 134 : المتعلقة بعدة الحامل.
+ المواد 153 -156-158 المتعلقة بالنسب.
+ المادة 222 المتعلقة بالحجر...
[207] - محمد جوهر، م.س.، ص 166.
[208] - محمد الكشبور : البنوة والنسب، م.س، ص 208.
يرى محمد الكشبور أن من باب الدلائل القوية أن يدلي المعني بالأمر مثلا –لنفي النسب- بشواهد طبية تثبت عقمه أو بمحاضر للشرطة القضائية تفيد أن زوجته تتعاطى بكيفية اعتيادية للخيانة الزوجية أو يتأكد أن الغير قد اتصل بها عن طريق الشبهة... .
نفس المرجع أعلاه، ص 207.
يرى محمد الكشبور أن من باب الدلائل القوية أن يدلي المعني بالأمر مثلا –لنفي النسب- بشواهد طبية تثبت عقمه أو بمحاضر للشرطة القضائية تفيد أن زوجته تتعاطى بكيفية اعتيادية للخيانة الزوجية أو يتأكد أن الغير قد اتصل بها عن طريق الشبهة... .
نفس المرجع أعلاه، ص 207.
[209] -انظر الفقرة المتعلقة بالشبهة في فترة الخطبة
[210] - عبد السلام بوزيدي : إشكالية الخبرة الطبية في إثبات النسب أو نفيه، منشور بمجلة : ندوة الأسرة بعد ثلاث سنوات من التطبيق الحصيلة والمعوقات، ص 196.
[211] - عبد السلام بوزيدي : المرجع السابق، الصفحة 196.
[212] - عمر بن محمد السبيل، م.س. ص 17.
[213] - أحمد الخمليشي- م.س.، ص 66، وما بعدها.
[214] - رشيد مشقاقة : قراءات وتعاليق، مطبعة المعارف الجديدة- طبعة 1998، ص 137 وما بعدها.
[215] - إدريس الفاخوري : نفي وإثبات النسب بالتحاليل الطبية – مقاربة تشريعية وقضائية وفقهية، منشور بالمجلة المغربية للاقتصاد والقانون المقارن، العدد 40-2003، ص 77.
[216] - محمد الكشبور : نفي النسب مشروط بوجود عقد زواج صحيح، مقال منشور بجريدة الصباح، عدد 2212، السنة الثامنة- الثلاثاء، 22/05/2007، ص 14.
[217] - الحسين بلحساني : قواعد إثبات النسب والتقنيات الحديثة : المجلة المغربية للاقتصاد والقانون المقارن، العدد : 40، 2003، ص 88.
[218] - محمد التاويل : الخبرة الطبية وأثرها في ثبوت النسب ونفيه في المنظور الإسلامي، جريدة المحجة، العدد 256، بتاريخ 17-5-2006، ص 5 العدد 257، بتاريخ 1/06/2006.
[219] - أحمد زوكاغي : قراءة في حكم الغرف المجتمعة بالمجلس الأعلى حول إثبات النسب، منشور :
- بجريدة الصباح، م.س.، الصفحة 7 (اجتهادات قضائية)،
- مجلة الملف، م.س، ص 232.
- بجريدة الصباح، م.س.، الصفحة 7 (اجتهادات قضائية)،
- مجلة الملف، م.س، ص 232.
[220] - محمد الكشبور : البنوة والنسب، م.س.، ص 202.
[221] - Abdelaziz yaaquobi :« La contestation de la filiation à l’appui de la preuve scientifique en droit marocain : évolution législative et jurisprudentielle »
مقال منشور بمجلة التقرير السنوي للمجلس الأعلى، 2005.
مقال منشور بمجلة التقرير السنوي للمجلس الأعلى، 2005.
[222] - قرار رقم 527، ملف اجتماعي، عدد 217/91 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى، عدد 30، ص 95.
[223] - قرار صادر بتاريخ 9/2/1982 منشور بمجلة المحاكم المغربية، عدد 37، ص 90.
[224] - قرار صادر بتاريخ 15/3/1981 ورد ذكره في مقال –خالد برجاوي، قواعد إثبات ونفي النسب، م.س.، ص 105.
[225] - قرار عدد 859 بتاريخ 21/07/1992 مشار إليه بكتاب إدريس بملحجوب : الاجتهاد القضائي، م.س. ص 52.
[226] - قرار عدد 658، صادر بجميع الغرف بتاريخ 30/12/2004 في الملف الشرعي 556/2/1/03 منشور بكتاب إدريس بلمحجوب قرارات المجلس الأعلى بغرفتين أو بجميع الغرف، الجزء الثالث، ص 223، وما يليها.
[227] - يوسف وهابي، م.س.، ص 17.
[228] - قرار المجلس الأعلى عدد 37 بتاريخ 18/1/2006 في الملف الشرعي عدد 108/2/1/2005 منشور بقرارات المجلس الأعلى، أهم القرارات الصادرة عن غرفة الأحوال الشخصية والميراث، نشر جمعية التكافل الاجتماعي لقضاة وموظفي المجلس الأعلى الجزء I، طبعة 2007، ص 172 وما يليها.
[229] - أنظر الصفحة 93 من هذا البحث.
[230] - قرار عدد 504 بتاريخ 06/09/2006 ملف شرعي عدد 393/2/1/2004 منشور بمؤلف إبراهيم بحماني، م.س.، ص 473 وما يليها.
- في قرار للمجلس، نجده يسير على نقيض ما ذهبت إليه محاكم الموضوع في تساهلها في إثبات النسب لاسيما في فترة الخطبة، حيث جاء فيه : «ولما كان الولد المطعون في نسبه للطالب المحدد في المادة 154، كما أن المطلوبة لم تثبت ما يفيد وجود خطوبة فيما بينها وبين الطالب، فضلا أن الحمل الذي ظهر بها خلال الفترة السابقة للعقد على فرض أنها خطوبة، فإنه لا يلحق بالطالب إلا بإقراره طبقا للمادة 156 من نفس القانون» قرار عدد 201 بتاريخ 8/3/2006 عدد 1216/05/2005 منشور بمجلة محاكمة العدد 1، شتنبر 2006، ص 132، وما يليها.
- في قرار للمجلس، نجده يسير على نقيض ما ذهبت إليه محاكم الموضوع في تساهلها في إثبات النسب لاسيما في فترة الخطبة، حيث جاء فيه : «ولما كان الولد المطعون في نسبه للطالب المحدد في المادة 154، كما أن المطلوبة لم تثبت ما يفيد وجود خطوبة فيما بينها وبين الطالب، فضلا أن الحمل الذي ظهر بها خلال الفترة السابقة للعقد على فرض أنها خطوبة، فإنه لا يلحق بالطالب إلا بإقراره طبقا للمادة 156 من نفس القانون» قرار عدد 201 بتاريخ 8/3/2006 عدد 1216/05/2005 منشور بمجلة محاكمة العدد 1، شتنبر 2006، ص 132، وما يليها.
[231] - قرار المجلس الأعلى صادر بتاريخ 10/1/2007 في الملف الشرعي، عدد 101/1/2006 ورد ذكره بكتاب العمل القضائي الأسري لمؤلفه إدريس الفاخوري، الجزء I، الطبعة الأولى 2009- دار الآفاق للنشر والتوزيع – الدار البيضاء، ص 308 وما يليها.
[232] - قرار المجلس الأعلى عدد 150، صادر بغرفتين بتاريخ : 09/03/2005 في الملف عدد، 615/2/1/2003 أورده إبراهيم بحماني، بكتابه العمل القضائي في قضايا الأسرة ... م.س. ص 363.
[233] - جاء في الفقرة الأخيرة من المادة 156 من مدونة الأسرة : «إذا أنكر الخاطب أن يكون ذلك الحمل منه أمكن اللجوء إلى جميع الوسائل الشرعية في إثبات النسب».
[234] - حكم عدد بتاريخ 28/07/2005 في الملف عدد 408/04 غير منشور.
[235] - حكم عدد 480 بتاريخ 25/07/2006 في الملف الشرعي 100/2005 غير منشور.
أنظر في نفس الصدد الحكم رقم 33/6 الصادر بتاريخ : 16/02/2006، ملف رقم 2/2005، الصادر عن المحكمة الابتدائية بأبي الجعد، منشور بمجلة قضاء الأسرة، العدد الثالث، ص 130 وما يليها.
أنظر في نفس الصدد الحكم رقم 33/6 الصادر بتاريخ : 16/02/2006، ملف رقم 2/2005، الصادر عن المحكمة الابتدائية بأبي الجعد، منشور بمجلة قضاء الأسرة، العدد الثالث، ص 130 وما يليها.
[236] - محمد أوزيان : التأسيس لنسب الابن غير الشرعي على ضوء الاجتهاد القضائي المغربي، مقال منشور بالمحلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 71- نونبر – دجنبر 2006، ص 181، وما يليها.
- أنظر كذلك الحكم عدد 58 الصادر بتاريخ 12/05/2005 في الملف عدد 443/04 المنشور بمجلة الملف، العدد الثامن- أبريل 2006، ص 108 وما يليها.
- أنظر كذلك الحكم عدد 58 الصادر بتاريخ 12/05/2005 في الملف عدد 443/04 المنشور بمجلة الملف، العدد الثامن- أبريل 2006، ص 108 وما يليها.
[237] - قرار عدد 1618 بتاريخ 19/7/2006 ملف عدد 1228/05 غير منشور.
[238] - حكم عدد 98 بتاريخ 22/12/2006 في الملف عدد 07/2005 غير منشور والملاحظ أن هذا الحكم هو مخالف تماما للقرار أعلاه، ولا ندري لماذا أمرت المحكمة بالخبرة الطبية لما كان اقتناعها متوجه إلى نفي النسب، مادامت تتوفر على كافة العناصر التي تستشف منها التعليلات التي بنت عليها حكمها (أمد الحمل).
[239] - قرار رقم 1177 في الملف رقم 1698/2003 بتاريخ 29/05/2006، غير منشور.
[240] - قرار رقم 341 بتاريخ 25/2/2006 ي الملف رقم 300/2005، غير منشور.
[241] - أنظر مضمون القرار، ص 94
[242] - أورده محمد الكشبور في كتابه البنوة والنسب، م.س. ص 214.
[243] - قرار عدد 492، صادر بتاريخ 26/10/2005 في الملف 293/2/1/2005 أورده إبراهيم بحماني، م.س.،
ص 401.
ص 401.
[244] - قرار صدر بتاريخ 20/3/في الملف عدد 139/2/1/2006 أورده إبراهيم بحماني، م.س.، ص 499.