لقد خلق الله سبحانه و تعالى الموت، و جعله سنة من سننه الكونية، فما من كائن حي إلا و مصيره الفناء، و يبقى جلت قدرته الوحيد المتفرد بالخلد و البقاء. و الإنسان بدوره غير شاذ أو خارج عن هذه القاعدة مصداقا لقوله تعالى "كل نفس ذائقة الموت"[1].
غير أن ذلك لا يعني مطلقا توقف أو نهاية الحياة التي تبقى سيرورتها و استمرارها سنة أيضا من سنن الله في خلقه و ناموسا من النواميس الإلهية الكونية، و لعل نظام الإرث يعتبر أهم سمة و أبرز تعبير عن هذه الاستمرارية و السيرورة.
فالمال، ونظرا لكونه يشكل عصب الحياة و أهم مقوماتها، إذ لا تستقيم هذه الأخيرة إلا به ولا تنتظم إلا معه. فقد وضعت له مختلف الحضارات الإنسانية على مر العصور، شرائع مختلفة للإرث تبين كيفية توزيعه و انتقاله من الأموات إلى الإحياء، متضمنة لقواعد و أنظمة تتعدد بتعدد الحضارات وتختلف باختلاف المرجعيات و الخلفيات التي تنهل منها.
فعند الأمم الشرقية القديمة التي سبقت قيام الرومان مثلا (كالكلدان و السريان و الفينيقيين...) كان الميراث هو حلول البكر من الأولاد محل الأب المتوفي، فإن لم يوجد البكر قام مقامه أرشد الذكور من الأولاد ثم الإخوة ثم الأعمام ثم الأصهار. أما عند العرب في الجاهلية، فلم يكن للمرأة حق في الإرث و إنما يرث الميت أخوه الأكبر أو ابن عمه أو ابنه الأكبر إذا كان بالغا.
و في الشريعة اليهودية، فأول من يرث الميت هو ولده الذكر، فإذا تعدد الذكور كان للبكر نصيب اثنين من إخوته، و إذا لم يكن للميت ولد ذكر فميراثه لابن ابنه و إذا لم يكن فميراثه لبنته. أما عند اليونان فلم يكن للمرأة حق الإرث، و إذا لم يجدوا للميت وارثاً بحثوا عن أرشد الذكور من أقربائه لتوريثه. في حين كان الميراث عند الرومان عبارة عن إقامة خلف للميت يقوم مقامه، و للرجل أن يختار من يخلفه من بين أبنائه أو أقاربه أو الأجانب.[2]
ليتوج عُقد الأنظمة الإرثية، بالنظام الذي وضعته الشريعة الإسلامية الغراء، والذي يعتبر بحق أسمى و أرقى و أدق الأنظمة التي شرعت للبشرية على الإطلاق، و لا غرابة أو غضاضة في ذلك إذا كان الله سبحانه وتعالى هو ذاته من تولى وتكفل بتقسيم التركة وتوزيع الأنصبة بين الورثة و تبيان مختلف القواعد الأساسية[3] التي تحكم هذا النظام.
فبعد أن كانت التركة في الجاهلية أو الحضارات السابقة تؤول في الغالب الأعم للذكور، فيما يحرم بالكلية غيرهم من الصغار أو النساء، جاء القرآن ليؤكد على مبدأ إشراك الجميع في التركة[4]، من خلال قوله عز و جل:
" لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً "[5]
في تأكيد و إرساء لأولى القواعد المُشَكِلة لصلب العمود الفقري لنظام الإرث في الإسلام، ألا و هي قاعدة المشاركة في الإرث و عدم إقصاء أيٍّ من ذوي الحقوق. لتتوالى فيما بعد السور و الآيات القرآنية التي يرُصُّ من خلالها الله عز و جل لبنات هذا النظام بدقة متناهية و منقطعة النظير، في توزيع قويم غاية في الإعجاز الرباني يتأسس في جوهره على العدالة و الإنصاف و الواقعية و التوازن و الانسجام و التكامل، لا على المساواة و المعادلة.
و لعل قائلا يقول بما تصدح به بعض الحناجر و الأصوات المدعية للحداثة و العصرنة[6]، بأن نظام الإرث الشرعي فيه إجحاف و ظلم بَيِّنان للمرأة التي لا تُعطى إلا نصف نصيب الرجل. و أن هذا النظام قد اصبح متجاوزا خصوصا في ظل الحياة العصرية التي أصبحت فيها المرأة شريكة للرجل و تشتغل مثله جنبا إلى جنب. بل أنها في بعض الأوساط الاجتماعية أو في بعض المناطق تشتغل المرأة اكثر من الرجل، مساهمة بذلك بشكل شخصي و مباشر في إنتاج و تكوين الثروة الأسرية التي ينازعها و يقاسمها فيها أشخاص أخرون بدعوى قربهم من الهالك.
الشيء الذي ينجم عنه – حسب ذات التيار – أوضاعا اجتماعية مزرية، خصوص اذا ما كان المتروك زهيدا. مما يعرض عائلة الهالك الصغيرة ذات الحاجة و الفاقة إلى الفقر و التشرذم و يزيد وضعيتها الاجتماعية تأزما و فاقة. الشيء الذي يحتم اعتماد نظام المساواة في توزيع الأنصبة الإرثية تماشيا مع الواقع، و لكون المرجعية النظرية و الفلسفية التي اعتمدتها الشريعة الإسلامية لم تعد موجودة - في ظل المجتمعات الباترياركية/الأبوية - إلا في كتب الفقه.
فعلى الرغم من وجاهة بعض مآخذ هذا التيار لاسيما في شقها المرتبط بتبرير بعض الأوضاع الاجتماعية المزرية التي تعيشها عدد الأسر التي تعيش تحت كفالة النساء أو تلك التي تصبح تحت كفالتهن بموت المسؤول عنها.
فيُرَد فعلى الأصوات و الأقلام التي انبرت للمناداة بمطلب المساواة، بأن نظام الإرث لا يجب أن يُنظر إليه بشكل مجزًّأ بمعزل عن الشرع كمنظومة عامة و كلية مُؤَطِّرة لحياة المسلم في مختلف مناحيها الإجتماعية و الإقتصادية و العقائدية و الأسرية... إذ يسعى الشرع الحنيف لإرساء و تنظيم هذه الحياة في بعدها المثالي من خلال ضمان تكامل و توافق و اندماج كل التشريعات و القواعد الحياتية مع بعضها البعض.
فالإسلام كرَّم المرأة في جميع الأحوال و الأوضاع و الأنظمة، و لا أدل على ذلك من انه لم يجعلها مكلفة بالإنفاق و لو على نفسها، و إنما جعلها مكفولة على الدوام. لذلك فالمناداة بمساواة المرأة مع نظيرها الرجل فيه نوع من الإحطاط و الإمتهان لمكانتها في الإسلام، فضلا عن أن هذه المساواة فيها إنقاص لنصيبها الذي فرضه الله لها في الإرث.
ففلسفة الميراث في الإسلام لا علاقة لها بالذكورة أو بالأنوثة [7]، إنما هي مرتبطة في جوهرها بوضع نظام مجتمعي و حياتي يرى فيه الشارع بانه الأقوم و الأمثل لصالح الحياة. ذلك أن المرأة ترث مثل الرجل، أو أكثر من الرجل، أو ترث و لا يرث الرجل في أكثر من 30 حالة من حالات الإرث. في حين أنها ترث نصف ما يرث الرجل في أربع حالات فقط [8].
و لمزيد من التوضيح و البيان، نسوق المثالين التاليين من الحالة التي يطلق عليها الفرضيون ب"مسألة الغراوين أو العمريتين":
المثال الأول: إذا مات رجل وترك زوجة و أما و أبا، فللزوجة الربع أي (12/3)، وللأم الثلث أي (12/4)، وللأب الباقي تعصيبا أي (12/5).
المثال الثاني: إذا ماتت امرأة، وتركت زوجا و أما و أبا، فللزوج النصف أي (6/3)، وللأم الثلث أي (6/2)، وللأب الباقي تعصيبا أي (6/1).
من خلال هذين المثالين، يتبين أن الأم ترث بنص القرآن ضعف الأب في المثال الثاني، والأب يرث أكثر منها بقليل في المثال الأول، وهذا التقسيم الفرَضي، تشبث به عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما، وأفتى بأخذ الأم نصيبها القرآني ولو كان أفضل من الأب/الذكر، أما زيد بن ثابت رضي الله عنه، فاجتهد بخلاف القرآن، ولم يستسغ حصول الأم/الأنثى على نصيب أفضلَ من نصيب الأب/الذكر، فأعطاها ثلث الباقي، وهو غير موجود في القرآن. وقال ابن مسعود : "ما كان الله ليراني أُفضل أمّاً على أب".
وأفضلية الرجل على المرأة ليست من القواعد المقطوع بها، والتي تخول للمجتهد الاعتماد و الاستناد عليها في تأويل النص وتفسيره، وقد رد ابن حزم على ابن مسعود رضي الله عنه ومن تبنى رأيه، وبيّن بالدليل أفضلية الأم على الأب، من حديث حُسْن الصحبة، حيث أجاب النبي صلى الله عليه وسلم السائلَ فقال : أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم أبوك. ثم بيّن بالدليل القرآني تسوية الله تعالى بين الأب والأم في 6/1 عند وجود الولد. الشيء الذي يؤكد بأن النص القرآني يفند مزاعم من يدعون دونية المرأة في الإسلام وتميز الرجل عليها.
فالمتأمل في نظام الإرث يخلص إلى أن فلسفة تحديد الورثة في الشريعة الإسلامية تقوم على أربع معايير أساسية:
- أولًا: جهة القرابة، فيقدم الوارث من الجهة الأقرب على الوارث من الجهة الأبعد، فمثلاً تقدم جهة البنوة على جهة الأخوة.
- ثانيًا: درجة القرابة، فإذا اتفق أكثر من وارث في الدرجة نفسها، فإن التقديم والمفاضلة بينهما يكون على أساس الدرجة، فعلى سبيل المثال الابن وابن الابن من جهة واحدة وهي
- البنوة، فعند ذلك نقدم الأقرب درجة وهو الابن، ومثل ذلك تقديم الأب على الجد.
- ثالثًا: قوة القرابة، يقدم الأقوى قرابة على غيره، فمثلاً يقدم الأخ الشقيق على الأخ لأب، ويقدم العم الشقيق على العم لأب.
- رابعًا: استقبال الحياة واستدبارها، ومن هنا كان تفضيل الابن على الأب في النصيب.. بسبب أن الأب مدبر عن الحياة، أما الابن فمقبل عليها؛ فكانت حاجته إلى المال أكبر من حاجة الأب، فالأجيال المقبلة على الحياة والمؤهّلة لتحمّل المسؤولية يكون نصيبها في الميراث أكثر من الأجيال التي بلغت سنّا كبيرة .[9]
فإذا كانت المرأة أو عدد من الأسر تعيش أوضاعا مجتمعية صعبة بعد وفاة معيلهن، فمرد ذلك ليس إلى نظام الإرث الذي وضعته الشريعة الإسلامية، إنما إلى عدم التزام المجتمع بهذه التعاليم و عدم اعتمادها نمطا متكاملا للحياة. فتجزيء هذه القواعد ينجم عنه و لا شك ظهور مثل هذه المفارقات و الظواهر التي يسعى الشرع في جوهره لمحاربتها و الحد من تفشيها. فالواقع المُعَاش لا يجب أن يكون منطلقا للتقييم و للحكم على تعاليم الدين الحنيف الذي تبقى غايته المثلى ضمان حياة مجتمعية كريمة للرجل و المرأة على حد سواء.
فقضية إرث المرأة – و على وجه الخصوص المساوة و التعصيب – تظل من بين القضايا الشائكة المطروحة على النقاش العام، الذي يأخذ غالبا صورة الجدال المفتوح الذي يعاد طرحه في كل مناسبة، فما يلبث أن يخبو و يخفت الحديث حولها إلا و يطفو على السطع مجددا دون أن يحسم، ويرسو في الغالب على ضرورة تعميق النقاش والبحث عن الإنصاف في جدل لا يكاد يخبو بين تيارين: احدهما محافظ يُنافح عن نظام الإرث الإسلامي و يتشبث بكون الموضوع قد حسم فيه النص القرآني، و آخر حداثي يدعو إلى التغيير استنادا على وثيقة دستورية تدعو لعدم التمييز على أساس الجنس.
تبعا لذلك، يتضح لنا بما لا يدع أي مجال للشك أو الريبة، دقة نظام الإرث في الشريعة الإسلامية. و كيف أن هذا النظام قد حدد بكل دقة و وضوح أنواع الورثة، مع تبيان طريقة ومقدار أنصبتهم. في دليل قاطع على أن ملكية الناس للمال ليست في الحقيقة ملكية مطلقة، وإنما هي نيابة و استخلاف.
و بهذا الانتقال للحقوق المالية يتحقق مبدأ الإستخلاف والتوكيل على المال الذي غالبا ما يتناساه الناس في أغلب أحوالهم، و لأن المال هو مال الله تعالى و الإنسان إنما هو مستخلف عليه فقط، يُختبر فيه، و مسؤول يوم القيامة على التصرف فيه[12]. و هو ذات المقتضى و المنحى الذي سلكه المشرع المغربي من خلال مدونة الأسرة المغربية التي تبنت ذات النظام المؤسس بأكمله على قواعد الشريعة الإسلامية بالنسبة للمغاربة المسلمين[13]، بِأن أقرت جملة من القواعد و الأحكام الشرعية على حرفيتها كما جاءت في القرآن الكريم، فيما استمدت باقي الأحكام من السنة النبوية الشريفة او من اجتهادات الصحابة الأجلاء أو المذاهب الفقهية المختلفة، ليقوم المشرع بصياغتها في اطار مواد قانونية ابتداء من المادة 321 إلى غاية المادة 368 أدرجت في الكتاب السادس من ذات المدونة.
زبدة الحديث و فصل المقال، التأكيد و لفت الانتباه إلى أن الله عز وجل قد استعمل في محكم كتابه العزيز جملة من العبارات و الكلمات الواضحة، الآمرة في معانيها، و القطعية في وُرودها في معرض تفصيله للورثة و لأنصبتهم في مختلف الآيات و السور، حري بكل ذي بال الوقوف عندها، لتأمل و افتحاص معانيها و تمعن عمق دلالالتها، من قبيل قوله تعالى "يوصيكم الله.."، و "فريضة من الله.."، و "تلك حدود الله.."، و"قل الله يفتيكم.."، و "يبين الله لكم أن تظلوا.."، فضلا عن قوله عز و جل "و ما كان لمؤمن و لا مؤمنة إذا قضى الله و رسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم"[14].
فحسبنا و نحن ندلي بدولنا في الموضوع، أن ننحو و نسلك مسلكا وسطا بالتأكيد على أن في ما سلف ذكره مدعاة لا مندوحة عنها للوقوف عند حدود الله و عند أحكامه الإرثية كما حددها و وضعها بمراده و حكمته، و التي يجب أن تبقى خارجة و في منأى عن أي جدال سوفيسطائي أو سجال سياسوي قد يحمل شعارات الحداثة و التغيير، مع الدعوة في نفس الوقت لإبقاء باب الاجتهاد مفتوحا حصراً في:
- الرجوع بجميع أحكام الإرث إلى النص القرآني.
- البحث عن باقي أحكام و حالات الإرث غير تلك المحسومة بنص قطعي من كتاب الله أو تلك التي سبق أن قضى فيها رسول الله (ص) بقضائه.
فكان بذلك حريا سلك منهج الوسطية و الاعتدال في المزاوجة بين الوقوف عند الأحكام القطعية للإرث كما فصلها الله عز و جل، و الاجتهاد فيما لا نص قطعي فيه من الحالات لضمان تكيف و مواكبة الشرع مع المتغير من الظروف و المستجدات الحياتية خصوصا في بلد كالمغرب يقوم نظامه السياسي على إمارة المؤمنين، و تستلهم الأحكام الشرعية فيه من الإسلام باعتباره الدين الرسمي للدولة و أحد أهم مصادر التشريع فيها.
الهوامش
[1]- سورة آل عمران، الآية 185.
[2]- مصطفى عاشور، "علم الميراث"، مكتبة القرآن للطبع و النشر، الطبعة الأولى 1988. ص 10-13 (بتصرف).
[3]- فيما قواعد أخرى هي مستمدة من السنة النبوية الشريفة أو هي نتاج للاجتهاد الفقهي بمختلف مشاربه.
[4]- سالم عبد الجليل، مقال تحت عنوان "الميراث في الإسلام اعدل الأنظمة"، منشور على الموقع الإلكتروني لجريدة الأهرام www.gate.ahram.org.eg. تاريخ الولوج 16/02/2022 على الساعة 16 و 50د.
[5]- سورة النساء، الآية 07.
[6]- برز هذا التيار ابتداء من سنة 2015 عندما طرح المجلس الوطني لحقوق الإنسان تقريرا يتضمن توصية حول المناصفة بين الرجل والمرأة في نظام الإرث، إضافة الى طرح نفس القضية أمام البرلمان من طرف إدريس لشكر، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي. لتتوالى بعد ذلك دعوات في ذات السياق أهمها عريضة المطالبة بالمساوة في الإرث التي وقعها عدد من المفكرين و الكتاب و المشاهير من بينهم أسماء لمرابط رئيسة "مركز الدراسات النسائية في الإسلام" التابع "للرابطة المحمدية لعلماء المغرب سابقا، محمد عبد الوهاب رفيقي، سهام بنشقرون، ليلى سليماني، رشيد بنزين...
[7]- محمد عماره، مناظرة في برنامج "القضية لم تحسم بعد" على قناة www.youtube.com. تاريخ الولوج 17/02/2022 الساعة 11و35د.
[8]- صلاح الدين سلطان، "ميراث المرأة و قضية المساواة"، الطبعة الأولى 1999، دار نهضة مصر للطباعة و النشر. ص10.
[9]- سالم عبد الجليل، نفس المرجع السابق.
10- علما أن سبب الإرث هو الزوجية و القرابة، و ليس الإسهام في الثروة من عدمه.
[11]- الذي يطلق عليه أيضا حق الشقا، وحق الجرية أو الجراية، وحريق اليد. و هذا الحق المالي كان موضوع لفتوى الفقيه العلامة الشفشاوني أحمد بن الحسن بن عرضون و التي تبناها فيها بعد عدد من فقهاء المالكية بالمغرب الذين دهب اغلبهم الى تعويض المرأة و إن اختلفوا في طريقة ذلك هل على أساس الشراكة أم الأجرة. حيث أصّلوا لهذا الحق و استدلوا عليه بقوله تعالى: (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يُرى) النجم: 38، وأن حرمان أحد الزوجين من حقه في السعي والكد في تكوين وتنمية ثروته، يدخل في باب أكل أموال الناس بالباطل، فقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) النساء: 29. كما واستدلوا عليه بحادثة مماثلة حكم فيها عمر بن الخطاب رضي الله عنه، في قصة عامر بن الحارث وزوجه حبيبة بنت رزق، أو بنت زريق. فقد كان عامر قصارا، وزوجته ترقم الأثواب، حتى اكتسبا مالا كثيرا، فمات عامر، وترك الأموال، فأخذ ورثته مفاتح المخازن والأجنة، واقتسموا المال، ثم قامت عليهم زوجته حبيبة، وادعت عمل يدها وسعايتها، فترافعت مع الورثة لعمر، فقضى بينهما بشركة المال نصفين، فأخذت حبيبة النصف بالشركة، والربع من نصيب الزوج بالميراث، لأنه لم يكن له أولاد يرثونه، وأخذ الورثة الباقي.
[12] - احمد بوشلطة، "الميراث في القانون المغربي"، مقال منشور على الموقع الإلكتروني www.bouchalta.blogspot.com. تاريخ الولوج 17/02/2022 الساعة 18و40د.
[13]- على أن نظام الإرث بالنسبة للمغاربة اليهود يبقى خاضعا لقواعد الأحوال الشخصية العبرية طبقا لما تنصع عليه المادة 2 من مدونة الأسرة: "..أما اليهود المغاربة فتسري عليهم قواعد الأحوال الشخصية العبرية المغربية".
[14] - سورة الأحزاب، الآية 36.