إن البشر عموما ينشدون الإصلاح والوصول بالأمم إلى مراتب الرقي والتقدم، ومن مقتضيات الإصلاح المحافظة على مكتسبات الأمم والشعوب وتحقيق التنمية الشاملة، ومكافحة الفساد بكل صورة وجميع أشكاله، وفي استبيان أجراه البنك الدولي في نهاية العقد الأخير من القرن الماضي على أكثر من 60 دولة من دول العالم و150 من المسئولين رفيعي المستوى أكدوا أن الفساد الإداري يمثل عقبة تحد بشكل كبير في عملية التنمية والإصلاح ويضعف قدرة الدولة على رفع التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وهو ما ركز عليه الكتيب الذي تناول الإجراءات العملية الواجب أتباعها لمكافحة الفساد والذي قدم للاجتماع الثامن للأمم المتحدة لمكافحة الجريمة والتعامل مع المجرمين وقد اتخذ المسئولون في اجتماعهم التمهيدي والذي ناقش موضوع "الجريمة والتنمية"، التوصيات التالية :
"لما كانت أعمال الفساد التي يرتكبها المسئولون في الحكومة من شأنها أن تدمر فعالية جميع أشكال البرامج الحكومية، وأن تعيق التنمية وبالتالي تجعل من الأفراد والجماعات ضحايا لهذا الفساد، فإنه من الأهمية البالغة أن تقوم جميع الأمم بابتكار آليات عمل إدارية وتنظيمية لمنع حدوث ممارسات فاسدة أو للحيلولة دون استخدام السلطة، ووضع التعليمات لمصادرة الأموال والممتلكات التي حصل عليها الموظفين الذين ثبت فسادهم، وتبني الإجراءات الكفيلة بالكشف والتحري والتحقيق وإدانة الموظفين الفاسدين.
ولذلك يجب التركيز على أولوية التعامل مع عنصر الوقاية قبل العلاج، وعلى ضرورة تبني اتفاقيات دولية وتطبيقها وتفعيلها لأجل محاربة الفساد الذي يشكل أكبر عائق للتنمية في البلدان النامية خاصة في اليمن.
لذلك سوف نركز في هذا المطلب على مفهوم ومظاهر الفساد الإداري (الفرع الأول) وأسباب الفساد الإداري وأثره في عرقلة مسيرة التنمية والإضرار بالأفراد والمجتمع (الفرع الثاني).
الفرع الأول: مفهوم ومظاهر الفساد الإداري
استحوذت ظاهرة الفساد الإداري ومواجهته على اهتمام دول العالم قاطبة، واهتمام المنظمات والهيئات الدولية والحكومية وغير الحكومية خصوصا في السنوات الأخيرة ،وأصبحت حديث الساعة على كافة الأجهزة والمستويات، كما حظيت ظاهرة الفساد الإداري باهتمام الكثيرين من أساتذة الإدارة بعد أن كان مجال الاهتمام منصبا على التنمية الإدارية والتطوير الإداري ومن ثم الثورة الإدارية، وعلى الرغم من الاعتراف بوجود ظاهرة الفساد الإداري إلا أن الاهتمام بمواجهة هذه الظاهرة على نطاق المنظمات العالمية لم يأت إلا متأخرا جدا، ذلك في عام 1975 بالتوصية التي اتخذتها الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة بإدانة الممارسات الفاسدة، وتزايد الاهتمام العلمي بهذه الظاهرة الخطرة، وبشكل واضح في بداية التسعينات من القرن الماضي .
هذا الاهتمام العالمي يعني أن المجتمعات كافة تحتوي على قدر معين وبدرجات متفاوتة، وأن الفساد ظاهرة موجودة في جميع دول العالم، إذ لا يوجد على وجه الأرض ذلك المجتمع الفاضل الذي يخلو من الفساد والمفسدين، فالفساد الإداري يوجد في جميع الدول النامية والدول المتقدمة، فهو ليس حكرا على الدول النامية دون المتقدمة، فجرائم الفساد في أمريكا وفرنسا وبريطانيا ليست خافية على أحد وفي كندا كان الفساد الإداري والمالي وراء العديد من التعديلات الوزارية عام 2002 التي راح ضحيتها وزير الدفاع ووزير الأشغال.
فالفساد الإداري من بين أهم القضايا والمشكلات التي أجمعت تقارير الخبراء الدوليين على ضرورة معالجتها في الأقطار النامية إذا أريد للتنمية إلا دارية أن تتحقق.
لذلك سوف نتطرق إلى مفهوم الفساد الإداري في (الفقرة الأولى) ومظاهر الفساد الاداري (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: مفهوم الفساد الإداري
اتفقت غالبية المعاجم اللغوية وفقهاء اللغة في تعريف الفساد فقيل أنه فسد الشيء يفسد فسادا وفسودا وهو فاسد وفسيد.
والفساد إلحاق الضرر والمفسدة: خلاف المصلحة. والاستفساد: خلاف الاستصلاح.
والفساد: التلف والعطب، والفساد: الاضطراب والخلل.
والفساد: الجدب والقحط والفساد أخذ المال ظلما.
ولا يختلف الأمر كثيرا في اللغات الآخرة: فالفساد في اللغة الانجليزية corruption وتعني السبب من التغير من الصالح إلى السئي cause to change form good to bad ويمكن أن تعني مضاد النزاهة dishonest، أو الأذى wiked أو سوء bad.
أما الفساد الإداري اصطلاحا هو أزمة خلقية في السلوك تعكس خللا من القيم وانحرافا في الاتجاهات على مستوى الضوابط والمعايير التي استقرت في حياة الجماعة وشكلت البناء القيمي في كيان الوظيفة العامة.
أما الفساد المالي اصطلاحا: هو سواء استخدام أو تحويل الأموال العامة من أجل مصلحة خاصة أو تبادل الأموال في مقابل خدمة أو تأثير معين .
وتتباين مفاهيم وتعاريف الفساد الإداري تباين واضحا، باختلاف وجهات النظر المختلفة وباختلاف الدراسات التي تمت في الحقول السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية.
لذا يجب أولا التعرف على مفهوم الفساد في الشريعة الإسلامية (أولا) ومفهوم الفساد عند أغلبية الفقهاء والمنظرين والاتفاقيات الدولية (ثانيا) لنقترب من الظاهرة موضوع الدراسة.
أولا: مفهوم الفساد في الشريعة الإسلامية
يستمد الفساد بشكل عام معاينة في الشريعة الإسلامية من القرآن الكريم(أ) والسنة النبوية(ب).
أ- مفهوم الفساد في القرآن الكريم
وردت مادة (فسد) في خمسين موضعا في القرآن الكريم، منها إحدى عشر موضعا ذكرت فيها كلمة فساد وتتعدد صور الفساد في القرآن منها.
قوله تعالى: ﴿ وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ .
وقال تعالى: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾ .
وقال تعالى: ﴿ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ﴾ .
وقال تعالى: ﴿ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ .
بهذا تعد الرشوة حرام بالإجماع سواء كانت للقاضي أو للعامل على الصدقة أو لغيرهما.
ويعتبر فساد كل ما خالف أوامر الشرع في الأقوال والأعمال والاعتقاد لقوله تعالى: ﴿وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ .
وقد وعد الله المتقين والذين يبتعدون عن الفساد، ولا يأكلون أموال الناس بالباطل الجنة لقوله تعالى: ﴿ تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ .
أما السنة النبوية فقد جاءت موضحة ومفسرة للفساد وأسباب الفساد وذلك في أحاديث النبي وسلوكيته وسلوكيات أصحابة رضوان الله عليهم.
ب- مفهوم الفساد في السنة النبوية
لا يخلو مجتمع من المجتمعات قديمها وحديثها من مظاهر الفساد الإداري. وعلى الرغم من مجتمع صدر الإسلام كان على درجة عالية من الطهارة والعفاف والنقاء والعفة، إلا أنه لم يسلم من مظاهر الفساد الإداري .
وذلك ما ورد عن أبي حميد ألمساعدي قال: استعمل النبي صلى الله علية وسلم رجلا من بني أسد يقال له ابن الآتية، على صدقة، فلما قدم قال: هذا الكم، وهذا لي، فقام النبي صلي الله علية وسلم على المنبر – قال سفيان أيضا فصعد المنبر- فحمد الله واثنا عليه، ثم قال "مال بال العامل نبعثه فيأتي فيقول:هذا لك وهذا لي؟ فهلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدي له أم لا؟ والذي نفس يده بيده لا يأتي بشيء إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته، إن كان بعير له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تعير، ثم رفع يديه حتى رأينا عفرتي أبطيه – إلا هل بلغت؟؟ ثلاثا
والرشوة حراما بالإجماع سواء كانت للقاضي أو العامل على الصدقة أو لغيره.
عن عبد الله بن عمر قال: لعن رسول الله صلى الله علية وسلم الراشي والمرتشي .
وتوضح لنا السنة النبوية شروط تولي الوظائف لقول رسول الله صلى الله علية وسلم "من ولى من أمر المسلمين شيئا فولى رجلا، وهو يجد من هو أصلح للمسلمين منه فقد خان الله ورسوله" .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم يهتمون اهتماما بالغا بتعريف الولاة بمسؤولياتهم، حتى لا يعفو من الأخطاء فيقول الرسول صلوات الله وسلمه عليه "من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفسه فإن حجيجه يوم القيامة".
على الرغم من أن الإسلام جاء بأحكام شاملة كاملة لكل زمان ومكان، إلا أن هناك مظاهر للانحراف الإداري ظهرت خلال ممارسة النظم الإدارية الإسلامية .
ثانيا: مفهوم الفساد في القانون والمنظمات الدولية
قدم كثير من الباحثين والأكاديميين الدارسين للفساد ومظاهره عدد من التعاريف، ويكاد هؤلاء يجمعون على أنه ليس هناك تعريف عام وشامل ومتفق عليه للفساد الإداري، واستعراضنا آراء علماء الإدارة والاقتصاد والاجتماع والسياسة وظهر عدة معان للفساد تعكس وجهات النظر المختلفة حول معنى الفساد الإداري ومفهومه إذ أن نظر الباحثين إلى الفساد أو محاولة تعريفه تتأثر من الحقل العلمي للباحث، لذلك توحد عدة تعريفات للفساد، فتختلف فيما بينها وفقا لطبيعة ظاهرة الفساد أو مدى شموليتها.
وسوف نشير هنا إلى مفهوم الفساد في القانون والمنظمات الدولية (أ) والعلاقة بين الفساد الإداري والمالي (ب).
أ- مفهوم الفساد في الاصطلاح القانون الدولي
يعرف البنك الدولي الفساد: "بأنه إساءة استعمال الوظيفة العامة للكسب الخاص، فالفساد يحدث عندما يقوم موظف بقول أو طلب، أو ابتزاز رشوة، لتسهيل عقد أو إجراء طرح لمنافسة عامة، كما يتم عندما يعرض وكلاء أو وسطاء لشركات أو أعمال خاصة، تقديم رشوة للاستفادة من سياسات، أو إجراءات عامة للتغلب على المنافسين وتحقيق أرباح خارج إطار القوانين المرعية، كما يمكن للفساد أن يحصل عن طريق استغلال الوظيفة العامة دون اللجوء إلى الرشوة، وذلك بتعين الأقارب أو سرقة أموال الدولة مباشرة" .
ويعرف مكتب السياسة الإنمائية الفساد: "بأنه إساءة استعمال القوة العمومية أو المنصب أو السلطة للمنفعة الخاصة، سواء عن طريق الرشوة أو الابتزاز، واستقلال النفوذ أو المحسوبية أو الغش أو تقديم إكراميات للتعجيل الخدمات أو عن طريق الاختلاس".
وتعرف منظمة الشفافية الدولية الفساد بأنه "سوء استخدام السلطة العامة للربح أو منفعة خاصة" .
وعرف القانون اليمني الفساد في المادة الثانية من قانون مكافحة الفساد 2006" بانة استغلال الوظيفة العمومية للحصول على منافع خاصة سؤ كان ذلك بمخالفة للقانون واستغلالة باستعمال الصلاحيات المنوطة بة"
وورد في تعريف الفساد الإداري في موسوعة العلوم الاجتماعية بأنه "سوء استخدام النفوذ العام لتحقيق أرباح ومنافع خاصة".
وعرف أوسترفيلد الفساد الإداري بأنه :
1- الأعمال التي يمارسها أفراد من خارج الجهاز الحكومي وتعود بالفائدة على الموظف العام لإغرائه للسماح بما يلي:
- التهرب من القوانين والسياسات المعمول بها.
- إجراء تغير في القوانين والسياسات، سواء باستحداث قوانين جديدة أو بإلغاء قوانين قائمة لتمكينهم من تحقيق مكاسب مباشرة فورية.
2- الأعمال التي يقوم بها العاملون في الجهاز الحكومي، بهدف الحصول على مكاسب لهم ولعائلتهم وأصدقائهم وذلك من خلال استخدام موقعهم لـ:
- طلب أو قبول منافع لهم من الأفراد مقابل تقديم خدمات مباشرة وفورية.
- استحداث أو إلغاء قوانين أو سياسات تتحقق عن طريقها مكاسب مباشرة لهم.
ويرى أحد الباحثين تعريفات الفساد الإداري تراوحت بين تعريفات متشددة يطرحها رجال القانون والإدارة التقليديون والمحافظون، وتعريفات أخرى متساهلة يطرحها أنصار الفلسفة الواقعية والميكافيلية.
حيث يعرف الفساد عند المحافظين التقليديون بأنه:
"مجموعة من الأعمال المخالفة للقوانين والهادفة إلى التأثير بسير الإدارة العامة أو قراراتها أو أنشطتها بهدف الاستفادة المادية المباشرة أو الانتفاع غير المباشر".
والفساد الإداري عند فئة أقل تشددا "تصرف استثنائي أفرزتها بعض الظروف"، حيث يعرفون الفساد الإداري بأنه: "طريقة بديلة لأداء الأشياء تغاير الطريقة المألوفة أو الطريقة المحددة رسميا".
إذاً فالفساد الإداري بإطاره التقليدي كان ولا يزال يعرف بأنه انحراف عن القيم والأخلاق الاجتماعية والدينية المستقرة والشائعة لدى أغلبية السكان .
إن الرؤية التقليدية تعزى الفساد الإداري إلى عوامل أخلاقية ودينية وشخصية، فالفساد هنا نتج عن التصدع في أخلاق المجتمع أو تشوه للإيمان الديني أو الحماس العقائدي والأيدلوجي والسياسي ومن ثم فإنه وفقا لهذا الرؤية، فإن مواجهة الفساد تكون من خلال الملاحقة الأمنية وإعادة بناء الإنسان وفق نموذج إيماني وعقائدي.
أما الفساد الإداري عند فئة المتساهلين بسبب تفهمهم لأسبابه وظروفه البيئية، فإن الفساد الإداري عند بعضهم "سلوك غير رسمي، بديل لسلوك الرسمي، تحتمه ظروف واقعية ويقتضيه التحول الاجتماعي والاقتصادي الذي تتعرض له المجتمعات" .
وهناك من يشبه الفساد الإداري بأنه "الزبدة التي توضع على القوانين" .
ويرى آخرون أن الفساد عبارة تطلق على الوضع المضطرب الذي يشوب العمل الإداري، سواء من حيث تفشي الرشوة بين الموظفين، أو من حيث التقاعس والإهمال في تسير المعاملات.
ويتضمن الفساد انتهاك للواجب العام وانحراف عن المعايير الأخلاقية في التعامل، ومن ثم يعد هذا السلوك غير مشروع من ناحية، وغير قانوني من ناحية أخرى .
ويرى أحد الباحثين بأن الفساد الإداري بأنه: تلك السلوكيات المخالفة للقوانين والأنظمة التي تتعارض مع القيم والأخلاقيات المجتمعية والوظيفية لتحقيق مصالح مادية أو معنوية على حساب المصلحة العامة، وبشكل متعمد ومقصود سواء تم ذلك بصورة سرية أو علنية .
لذا يعتبر كل محاولة لوضع المصلحة الشخصية فوق المصلحة العامة بصورة مشروعة أو غير مشروعة يعتبر فساد.
ب- العلاقة بين الفساد المالي والإداري
من خلال التعاريف السابقة لمفهوم الفساد المالي والإداري نرى أن مسألة المفاهيم والتعاريف مسألة معقدة وذلك الاختلاف وجهات النظر واختلاف الدراسات التي تناولت الفساد الإداري، ولكن نلاحظ أن هناك تداخلا وتشابها بين الفساد الإداري والفساد المالي، فمن المعروف أنه إذا فسدت الإدارة فسدت الأموال.
ويلاحظ أن بينهما علاقة، حيث أن طبيعة العمل الرقابي الإداري وكذلك العمل الرقابي المالي يظهر فيه التداخل والتشابك ذلك أن الخلل الإداري ينتج عن خلل مالي والخطأ المالي منتج عن خطأ إداري وهكذا، والفساد المالي بشكل عام سلوك شبه منحرف، يترتب عليه خسائر مادية كبيرة ويؤثر على تنمية الوطن، ومن ثم على الدولة بأكملها، مما يحملها أعباء قد تكون في غنى عنها كالديون، وقد تتدهور سياسة الدولة أن انتشر هذا الفساد، ولم تتحكم في المال العام .
أما الفساد الإداري بشكل عام هو تصرف إداري شاذ ينتج عنه هدر لحقوق الآخرين ومستحقاتهم وتقديم غير الفاصل على المفضول، وعدم احترام اللوائح والأنظمة الإجراءات الإدارية، ويتفق مع الفساد المالي أنه يدخل ضمن إساءة استعمال السلطة في الوظيفة العامة، حيث أن فساد الإدارة العليا والدنيا ينتج عنه هدر للمال العام وتسريف وتبذير للأموال العامة.
ويرى أحد الباحثين أن الفساد الإداري يختلف عن الفساد المالي من حيث إنه سلوك إداري صميم، أظهرته عوامل اجتماعية وشجعته فئات من المجتمع بالإضافة إلى أنه عمل لا أخلاقي وغير سوى ناتج عن ضعف الوازع الديني والأخلاقي ، أما الفساد المالي فهو القدرة على الإفلات من أجهزة الرقابة المالية عن المؤسسات والأجهزة الحكومية.
خلاصة القول، أن هناك علاقة بين الفساد المالي والإداري، إلا أن الفساد الإداري بتعدد صوره يعد أكثر شمولا من الفساد المالي، وكلاهما فساد والفساد الإداري تجتمع فيه في كثير من الأحيان جريمتي الفساد المالي والإداري .
الفقرة الثانية: مظاهر وأنماط الفساد الإداري
يعد عدم التوصل إلى تعريف شامل ومتفق عليه للفساد بصورة عامة والفساد الإداري وبصورة خاصة من المعضلات التي تواجه الباحثين وذلك عائد إلى العديد من الأسباب وفي مقدمة ذلك وجود أنواع مختلفة ومتنوعة للفساد الإداري .
هذه الأنماط تتنوع بتنوع المؤسسات والقطاعات التي تشيع وتنتشر فيها، واختلاف المتورطين فيها، إضافة إلى ما للأديان السماوية والقيم الأخلاقية والنصوص القانونية من تأثير كبير في تقرير ما يعد فاسدا، وتتباين أنماط الفساد الإداري في درجة خطورتها وعمق آثارها السلبية، لذا فإن العقوبات المفروضة عليها تتباين أيضا على مرتكبيها والأطراف المتورطة فيها، ورغم تعدد وتنوع أنماط الفساد الإداري إلا أن هناك تداخلا واضحا فيما بينها.
وسوف نقوم بتقييم هذه الأنواع والصور إلى الفساد في الوظائف الإدارية (أولا) والفساد في العمليات المالية (ثانيا).
أولا: الفساد في الوظائف الإدارية
لا يقتصر الفساد على شكل أو نمط بحد ذاته، بل يتوسع ليشمل عدة أشكال، وقد ثبت بالاستقراء أن الفساد ينمو في جو يسوده التحلل في الضمير حيث يرمي بظلاله على الهيئات والمؤسسات والإجراءات المالية والقيم والأساليب التنظيمية فضلا عن أنه يكمن في أداء الوظيفة العامة، وممارسها الموظف العام، الذي يستخدم المنصب العمومي للحصول على مكاسب خاصة.
وفيما يلي بعض أنواع الفساد في الوظائف الإدارية التي تتمثل في الانحرافات التنظيمية والانحرافات السلوكية التي يعاني منها القطاع العام في بلادنا،وتشيرا لانحرافات التنظيمية إلى المخالفات التي تصدر عن الموظف العام أثناء تأديته لمهام وظيفته والتي تتعلق بصفة أساسية بالعمل وانتظامه، ويمكن حصرها كالآتي:
1- عدم احترام وقت العمل
هناك صورا مختلفة لعدم احترام وقت العمل الرسمي للوظيفة العامة في غالبية الدول النامية، منها نظرة الموظف الحكومي إلى الكم فهو ينظر دائما إلى الزمن وكم قطع من الساعات ولم يبق له حتى يعود إلى منزله لصرف النظر عما قدمه من إنتاج وعمل، وهذا ما يؤدي إلى عدم الالتزام بتأدية الأعمال أثناء ساعات العمل الرسمية، والذي يترتب عليه انخفاض الإنتاج تدهور مستوى الخدمة العامة.
2- امتناع الموظف عن أداء العمل المطلوب منه
ومن أوضح صور امتناع الموظف عن أداء العمل المطلوب منه هو رفضه عن العمل المكلف به من قبل رؤسائه والامتناع عن القيام بأعمال وظيفتة أو مباشرتها على نحو غير صحيح أو التأخير في أدائها.
3- التراخي tardiness :
يميل منظم العاملين بأجهزة الإدارة العامة بالدول النامية التي التراخي، ومدلول التراخي في هذه الدراسة يعني التراخي من قبل القيادات الإدارية تجاه السلوكيات السلبية من جانب المرؤوسين بجانب التباطؤ والتكاسل من جانب الموظفين في انجاز الأعمال الموكولة إليهم، أو المطلوبة منهم وعدم بذل الجهد اللازم لانجازها في الوقت المحدد.
4- عدم الالتزام بأوامر وتعليمات الرؤساء
ترجع هذه الظاهرة نتيجة لبعض التصرفات التي قد يمارسها الرؤساء على الموظفين، مثل حرمان الموظف من علاوة أو مكافئة تشجيعية، أو تمييز في الترقيات والحوافز وقد يؤدي ذلك إلى إصابة الموظف بالعدوانية تجاه الرئيس.
5- السلبية Negatiivun
يقصد السلبية جنوح الموظف إلى عدم إبداء الرأي واللامبالاة، ولا يميل للتجديد والتطوير والابتكار ويعزف عن المشاركة في اتخاذ القرار، الأمر الذي يصل بالموظف القناعة بتلقي التعليمات من غير دون مناقشة، ويرجع ذلك إلى انخفاض الروح المعنوية للموظف وعدم ارتباطه بالعمل والإدارة وفقدانه الانتماء والولاء المنظمة الإدارية التي تعمل بها.
6- النكوص: Régression
المقصود النكوص هو إخلال الموظف بوعد قطعه على نفسه في أن يقوم بعمل معين في وقف كان من المفروض أن يكون إجازة رسميا، لهذا فإن نكوص الموظف مظهر واضح من مظاهر الإخلال والاستحقاق بالواجب وعدم الحرص على التعاون مع الإدارة.
7- عدم تحمل المسؤولية
قد يلجأ الموظف إلى محاولة تجنب المسؤولية، ويظهر ذلك عن خلال تحويل الأوراق من مستوى إداري إلى مستوى أقل أو العكس للتهرب من الاتصالات التوقعات لعدم تحمل المسؤولية، ونتيجة لذلك كلما قلت قدرة الموظف على تحمل المسؤولية كلما قل احتمال مشاركته في أداء العمل، وزاد احتمال سلبيته تجاه العمل.
-وتشير الانحرافات السلوكية إلى تلك المخالفات الإدارية التي يرتكبها الموظف العام وتتعلق بمسلكه الشخصي وتصرفاته ويمكن حصرها في:
1- سوء استعمال السلطة :
السلطة هي التي تعطي التنظيم الإداري شكله الرسمي وللقائمين عليه القوة التي تمكنهم من صنع القرارات من أجل تحقيق الأهداف وترجمتها إلى اللوائح، وقد يترك للموظف شتى من الحرية في ممارسة سلطاته ليقرر بمحض اختياره ما يراه محققا للصالح العام، ويسمى ذلك بالسلطة التقدير فإذا انحراف الموظف عند ممارسة هذه السلطة عن غاية المصلحة العامة وقام بالعمل لتحقق باعث آخر، كان تصرفه مشوبا بعيب الانحراف في استعمال السلطة .تناول الباب الرابع من قانون الجرائم والعقوبات اليمني نظم الجرائم الماسة بالوظيفة العمومية وفيما يتعلق باستغلال النفوذ فقد جرمها بنص المادة(159):(يعد في حكم المرتشي ويعاقب بالعقوبة في المادة(151)كل موظف طلب لنفسة او لغيرة أو قبل أو اخذ وعدا أو عطية لاستعمال نفوذ حقيقي او مزعوم،للحصول على أي سلطة عامة على أعمال آو أوامر آو أحكام آو قرارات أو نياشين أو ترخيص أو اتفاق توريد أو مقاولة أو على وظيفة آو خدمة آو أية مزية من أي نوع).
2- المحسوبية: تعني المحسوبية مجموعة علاقات بين الرعاة والزبائن يقدم فيها الرعاة الذي يتميزون بمركز عال وثروة ونفوذ الرعاية في شكل حماية، وتمكن من الوصول إلى المنافع المقدمة من الدولة، ولما كانت هذه المكافئات غالبا ما تنتهك القانون فإن المحسوبية ترتبط بالفساد ارتباط وثيقا .
ومن مفاهيم المحسوبية ما يسمى "المحاباة الشخصية" التي تعني اختيار الأقارب والأصدقاء وأبناء العشيرة الواحدة والمدينة الواحدة والطائفة الواحدة، والمحسوبية السياسية التي لا تتوقف عند حدود اختيار الموالين سياسيا فحسب، وإنما يمتد إلى معاقبة الخصوم السياسيين بحرمانهم بل وفصلهم عن الوظائف وعدم تعينهم دون النظر إلى اعتبارات الجدارة والكفاءة .
والمفهوم الشائع للمحسوبية هو تفضيل بعض المسئولين لأشخاص معنيين وإعطاؤهم ميزات معينة.
3- الوساطة: هذه الظاهرة منتشرة وشائعة خصوصا في الدول النامية.
ومن الأمثلة على هذه الظاهرة قيام الأشخاص النافذين في الدولة بالتوسط لدى المسئولين لتعين أقاربهم في مؤسسات الدولة بغض النظر عن مدى ملامتهم للعمل، وقد تكون الوساطة شكل من أشكال تبادل المصالح فصاحب الخدمة اليوم هو طالب الخدمة غدا .
4- الرشاوى:
ويعتبر حصول الموظف البيروقراطي على الرشاوي مقابل أداء العمل أو تقديم الخدمة من أهم المؤشرات الدالة على الفساد ، وقد نصت المادة 15 والمادة 16 من الاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد على تجريم رشوة الموطنين العموميين الوطنيين والأجانب .
وجرمت الرشوة بنص المادة(151) من قانون العقوبات اليمني(يعاقب بالحبس مدة لأتزيد على عشر سنوات كل موظف طلب آو قبل عطية آو مزية من اى نوع،ووعد وعدا بها لأداء عمل آو الامتناع عن عمل إخلالا بواجباته الوظيفية،ثم طلب أو قبل مالا أو منفعة ملحوظا فيها أنها مكافئة آو هدية له في مقابل ذلك ولو لم يكن هناك اتفاق سابق).
الرشوة هي من أخطر الجرائم الماسة بنزاهة الوظيفة العامة، وتعد من الجرائم المخلة بالشرف والأمانة، وفيها من الإضرار على الجهاز الإداري وعلى المجتمع من لا يمكن حصره، فهي وسيلة فساد وإفساد وظلم، بما تمثله من انتهاك لقيم عديدة ولما فيها من إعانة للظلم وتفويت الحق على صاحبه، ولما فيها من إعانة إشاعة للجور والحكم بغير الحق، وتتمثل الرشوة في انحراف الموظف في أدائه لأعمال وظيفته عن الغرض المستهدف من هذا الأداء وهو تحقيق المصلحة العامة" من أجل تحقيق مصلحة شخصية له . وقد جاء تعريف الرشوة في الفقه الإسلامي متنوعا لكن معظم التعريفات متفقة على مفهومها العام المتمثل في الإخلال بالواجب.
وقال صلى الله علية وسلم"لعن الله الراشي والمرتشي" كما تتفق جميع الأنظمة في كافة الدول على تجرم هذا الفعل واعتبارا انتهاكا صارخا لواجبات الوظيفة ونزاهتها.
لما يترتب عليها من إخلال بالثقة بين المواطنين والسلطة وأثار للمصلحة الخاصة على المصلحة العامة .
وسوف نقسم الفساد في الوظائف الإدارية إلى قسمين في نظرنا الفساد الكبير (أ)، والفساد الصغير (ب).
أ- الفساد الكبير
هو الفساد الذي يرتكبه رؤساء الدول والحكومات والوزراء، ومن في حكمهم مستغلين مناصبهم وسلطاتهم لمنافع ومكاسب شخصية ويمارس هذا النوع من الفساد بعض كبار مسئولي السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية مستغلين مناصبهم وسلطاتهم لتحقيق مكاسب شخصية .
وتبرر صور الفساد الكبير لكونه يرتكب من أعلى المستويات في الحكومة ليشمل التأثير السلبي على البرامج والمشروعات الحكومة الرئيسية .
وعندما تسود المنافسة غير المرضية عند كبار المسئولين والموظفين، تعد المبالغ المدفوعة لكسب العقود والامتياز الرئيسية حكرا على الشركات الكبيرة والمسئولين رفعي المستوى، وتحتل الحالات المهمة جزاء ملموسا من النفقات العامة وتترك أثر كبير على ميزانية الحكومة وعلى توجهات التنمية في البلاد.
بالإضافة إلى استغلال المنصب في تحقيق الصالح الخاص، وفي ظل عدم التميز بين الأموال العامة والأموال الخاصة، يوجد مسلك آخر يتيح للعديد من قيادات الدول النامية وعلى وجه التحديد تلك التي تتبنى سياسة إنمائية رأسمالية، فرص تكوين ثروات مالية ضخمة، ونعني بها تقاضي رشاوى وعمولات بشكل مباشر أو عن طريق وسطاء من الشركات الغربية الاحتكارية التي توصف بالشركات متعددة الجنسيات، من أجل تسهيل وحماية نشاطها الاستغلالية في الدول النامية .
ويتضمن عمليات الفساد الكبير شبكة معقدة من الترتيبات والإجراءات التي يصعب اكتشافها، وهي تظم عادة كبار المسئولين في الدولة ومن بينهم رئيس الدولة نفسها وهو الأمر الذي يضفي عليها طابع السرية والكتمان .
وتنتشر عادة في العديد من الدول النامية صورة أخرى للفساد الإداري توصف عادة الفساد الذاتي – الداخلي- بمعنى استغلال الإداريين وخاصة الكبار منهم- لمناصبهم استغلالا مباشرا بفرض تحقيق مصالحهم الخاصة ولو عن طريق تهريب السلاح والاتجار في العملات الأجنبية أو الاستيلاء على أراضي الدولة .
والفساد الكبير لا يقتصر على الدول النامية والدول الفقيرة فهناك فضائح المحسوبية والرشوة التي غالبا من ما تنخر في البلدان الصناعية، ففي ألمانيا ظهرت مسألة دفع الرشاوى في عملية كسب عقود بلغت قيمتها 205 بليون مرآك من أجل بناء الجناح رقم 2 لمطار فرانكفورت. وفي بلجيكا فيعتقد بأن 1.9 مليون دولار قد تم دفعها على شكل رشاوى لمسئولين كبار في الحزب الاشتراكي فيما يتعلق بعقود دفاعية .
ومن ذلك فإن مدى تورط المسئولين الكبار ومدى اتساع حجم الفساد يفرض إشكالا جديدا من القلق.
أولا: إذا أصبح المسئولون الكبار يضعون في اعتبارهم الرئيسية تحقيق أقصى قدر ممكن من المكاسب الشخصية، فإنهم في الحالة يحابون قدر معينا من الاستثمار دون مستوى الفعالية والمسار الزمني والتركيب.
ثانيا: قد تتأثر قرارات المستثمرين بحقيقة أنهم يتعاملون مع رؤساء وسياسيين فاسدين.
ب- الفساد الصغير
يشير هذا النمط من الفساد إلى تلك الأنماط المألوفة من الفساد التي يتعامل معها الأفراد ويتعايشون معها، والتي لا ترتبط بمستوى القمة بل تنصرف إلى المواطنين الحكوميين في المستويات المتوسطة والدنيا في الجهاز البيروقراطي ولذلك يطلق على هذا النمط من الفساد أيضا تسمية الفساد البيروقراطي أو الفساد العادي.
ثانيا: الفساد في العمليات المالية
ترصد الدولة الأموال العامة وتخصيصها لضمان سير المرافق العامة، فلابد من المحافظة عليها، وحمايتها ولا يتم التصرف فيها إلا بما يحقق المصلحة العامة، وإذا كانت الدولة تعهد إلى بعض من يمثلونها بمهمة الحفاظ على المال العام واستخدامه فيما هو مخصص له فإن ذلك يقتضي أن يلتزم هؤلاء الموظفون في الحدود المقررة لهذا المال .
ومن أمثلة الفساد في الوظائف والعمليات المالية لاختلاس والاستيلاء على المال العام (أ) والتبديد والتفريط بالمال العام (ب).
أ- الاختلاس والاستيلاء على المال العام
1- اختلاس المال العام
الاختلاس "هو عبث الموظف بما أو تمن عليه من مال عام بسبب سلطته الوظيفة".
ويطلق عليه أحيانا "الغلول" وهو خيانة الأمانة وأخذ الشيء في الخفاء.
والفرق بينه وبين السرقة أن السرقة تعتمد على الخفية، والاختلاس يعتمد على الاستغلال، ولهذا يعد الاعتداء على المال العام أقرب إلى الاختلاس منه إلى السرقة وتأخذ أشكالا مختلفة، منها قيام بعض الجباة بتحصيل أموال غير مستحقة توصفها من قبل الرسوم الغرامات أو الضرائب .
وفيما يتعلق بالاختلاس أو الإخلال بواجبات الوظيفة العمومية فقد نصت المادة(162) من قانون العقوبات اليمني على أنة"يعاقب بالحبس مدة لأتزيد عن سبع سنوات كل موظف عام اختلس مالا ووجد في حيازته،آو استغل وظيفته فاستولى بغير حق على مال الدولة آو إحدى الهيئات والمؤسسات العامة آو الوحدات التابعة لها أو سهل ذلك لغيرة".
2- الاستيلاء على المال العام
المال الذي يقع عليه الاستيلاء هو "كل ما يمكن حيازته أو الانتفاع به أيا كانت قيمته، وسواء كانت هذه القيمة مادية أم معنوية، وسواء استولى عليه الموظف بنفسه أم سهل لغيره الاستيلاء عليه، فالموظف العام يعد فاعلا للجريمة بكلا الحالتين، لأن التسهيل صورة من صور الاشتراك في الجريمة .
ب- التبذير والتفريط بالمال العام
1- تبذير المال العام
التبذير هو إحدى صور الاعتداء على المال العام، لأن التبذير يعد إضاعة للمال العام الذي يجب المحافظة عليه، والموظف يجب عليه أن يحترم هذا المال بصرفه على ما يحقق المصلحة العامة .
2- التفريط بالمال العام
وهو التهاون فيها وفي متطلباته بما يؤدي إلى إضاعته وعدم المحافظة عليه لأن ذلك، يتعارض مع المصلحة العامة، وسواء أكان هذا التفريط إيجابيا ، سلبا ، تحققت فيه مصلحة أم لم تتحقق، بل يكف لقيام المخالفة مجرد التفريط من قبل الموظف، ويستوي في ذلك المال النقدي، أو العيني كالسيارات والأثاث والأشياء المستعملة، ونحوها.
فمثل هذه الممارسات التي تتم بحكم السلطة الوظيفة، وإن لم يكن فيها نفع شخصي للموظف إلا أنها تعد من جرائم إساءة استعمال السلطة، لأنها إهمال متعمد، والسلوك فيها يؤدي إلى إحداث ضرر بالأموال والمصالح العامة التي هي محل الحماية الجنائية .
الفرع الثاني: أسباب الفساد الإداري وأثرها على التنمية
تشير خصائص وعلامات الفساد الإداري إلى وجوده وإمكانية حدوثه إلا أن هذا النوع من الفساد له أسباب وراء ظهوره، وهذه الأسباب والبواعث الكامنة حظيت باهتمام الباحثين ذلك أن الجهاز الإداري هو الذي يلقي عليه تبعات تنفيذ السياسة العامة للدولة من مختلف المجالات، ولما كانت الدولة سواء المتقدمة أو النامية في حالة تطور مستمر فقد اقتضى الحال تطوير الجهاز الإداري، بالقدر الذي يتعادل مع التطور الذي تمر به المجتمعات في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وإذا لم يحقق التطور البدائي لمتطلبات التغير، يترتب على ذلك التفاوت انتشار الفساد الإداري، وتعدد الأسباب المؤدية إلى الفساد والعوامل التي تؤدي إلى ظهوره (الفقرة الأولى).
حيث توحي كلمة الفساد الإداري عادة بالأضرار والآثار التي تلحق بالمجتمع وكذلك الإضرار الذي تلحق بالأفراد (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: أسباب الفساد الإداري
كتب عبد الرحمن بن خلدون في القرن التاسع عشر الميلادي قائلا "إن أساس الفساد هو الولع بالحياة المترفة بين أفراد الجماعة الحاكمة وقد لجأ أفراد الجماعة الحاكمة إلى الممارسات الفاسدة لتغطية النفقات التي يتطلبها الترف .
وذهب كولن ليز إلى أن من الأسباب التي تؤدي إلى الفساد الإداري.
1- ضعف فكرة المصلحة العامة، وما يرتبط بها من أهداف رسمية.
2- الباعث للفساد الإداري يتمثل أيضا فيما يعانيه المسئول الإدارة من حاجة من ناحية وضغط الأقارب عليهم من ناحية ثانية.
3- غياب وعي الأشخاص بالقواعد حتى لو توفر الوعي بين بعضهم فإنه لا يلتزمون بالقوانين.
ويذهب أحد الباحثين إلى أن أكثر العوامل والاعتبارات التي تؤدي إلى ظهور الفساد والانحراف الإداري .
1- تصميم هياكل بيروقراطية بطريقة لا تسند إلى الأسس والمقومات التنظيمية السليمة.
2- تخلف القيادات الإدارية وضعف تأثيرها على مجموعة التابعين.
3- ضعف المستوى المادي للوظيفة الحكومية.
4- عدم كفاية نظم الحوافز المادية المعنوية المعمول بها.
5- إحساس العاملين في الأجهزة البيروقراطية بأن هذه الأجهزة أداة سيطرة وتسلط وليست أداة لخدمة المجتمع.
ويمكن تصنيف أسباب الفساد أو العوامل التي تؤدي إلى انتشار الفساد إلى عوامل سياسية واقتصادية (أولا) وعوامل إدارية ونفسية (ثانيا).
أولا: العوامل السياسية والاقتصادية
تتأثر وظيفة أجهزة الإدارة العامة وتنظيماتها الداخلية وسلطاتها بالعديد من العوامل التي تتعلق بالبيئة السياسية السائدة (أ) وعدد من العوامل الاقتصادية (ب).
أ- العوامل السياسية المساعدة على الانحراف الإداري
تتأثر وظيفة أجهزة الإدارة العامة وتنظيماتها الداخلية وسلطاتها بالعديد من العوامل التي تتعلق بعناصر بالبيئة السياسية في الدولة أي بكل ما يتعلق بنظام الحكم وشكل الطبقة الحاكمة والأوضاع الحزبية أو الطبقية ودرجة الوعي السياسي.
وإذا كان النظام السياسي يرتبط بجميع الأنظمة الاجتماعية، وخاصة أن نظام الإدارة العامة هي أكثر الأنظمة ارتباطا وخضوعا على النظام السياسي فإنه قد يتضح لما أن عملية عدم الاستقرار السياسي قد تساعد بصورة أو بأخرى على انتشار الانحراف الإداري ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي :
1- أنه في ظل النظام السياسي غير المستقر فإن الهيكل التنظيمي للجهاز الإداري في الدولة لم يستقر حيث تلغى أو تدمج بعض الوزارات تبعا للأهواء والمصالح الشخصية للقيادات السياسية، مما يخلق فوضى إدارية نتيجة هذا الإلغاء والدمج وعدم التنسيق بين المقررات السياسية.
2- أنه في ظل النظام السياسي غير المستقر يتم إبعاد العناصر الإدارية غير المرغوب فيها سياسيا حتى يقوم كل عهد بتطهير الجهاز الإداري من الموظفين غير الموالين له، وهذا يعني أن التوظيف في الوظائف العامة يتم على أساس الولاء واتباع النظام الجديد وليس على أساس الكفاءة والجدارة وهذا يؤدي إلى انتشار الوساطة والمحسوبية والمحاباة .
3- إن استقرار السياسة الإدارية مفقودة في النظام السياسي غير المستقر وخاصة في الدول النامية التي تربط تغير خطة التنمية الإدارية بأشخاص الوزراء الذين يختارون الاعتبارات سياسة دون النظر إلى اعتبار مدى إدراكهم الأهمية التنمية الإدارية ومتطلباتها من جهة، وإلى سرعة تغيرهم الذي يؤدي إلى سرعة معدلات تغير السياسة الإدارية العامة وعدم ظهور نتائج إيجابية لأي منها من جهة أخرى، وهذا ما يؤدي إلى الإسراف العام.
هذا ويعد المنصب السياسي في العديد من الدول النامية مصدرا هاما من مصادر تحقيق الثروات الأمر الذي يجعل المسئولون في كثير من الأحيان يغتربون أو ينفصلون عن مهام مناصبهم الأساسية المتمثلة في خدمة الجماهير والسعي إلى تأمين وجودهم في السلطة بكافة الوسائل التي تقوم على القهر والقمع والتعسف وكذلك من استغلال المنصب العام لأغراض خاصة .
ب- العوامل الاقتصادية المساعدة على الانحراف الإداري
تشكل العوامل الاقتصادية تأثير فعالا على تفشي مظاهر الانحراف بأجهزة الإدارة العامة، إن تأثيرها يختلف كما وكيفا تبعا للظروف الاقتصادية المختلفة، حيث يلاحظ أن أغلب التصرفات الإنسانية تهدف إلى إشباع حاجات مالية للفرد، ويشكل التفاوت الاقتصادي بدوره عاملا مهما من عوامل تفشي مظاهر الفساد والانحراف الإداري .
وأفصحت معطيات البحوث والدراسات الميدانية التي تعهدت بها المنظمات الدولية والإقليمية والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة الشفافية الدولية وغيرها من حقائق قيمة ساعدت على إصلاحات في الهياكل الإدارية والنظم الرقابة المالية في كثير من دول العالم الثالث وكان من أبرز مخرجات الجهود الدولية في هذا المجال التعرف على العوامل الرئيسية المؤدية إلى تفاقم ظاهرة الفساد ومنها ضعف التحفيز في القطاع العام .
ويرى أحد الباحثين أن تفشي الفساد الإداري وتفاقم كافة أشكال لاستغلال الوظيفي يعود لعدة أسباب أهمها :
- ضعف الأجور والمرتبات وتطور متطلبات الحياة.
- ازدياد تدخلات الدولة.
- ارتفاع الكبير والمستمر للمشتريات العامة.
ولاشك أن الجهود العلمية كانت وراء الوضوح ولإجماع الذي تحقق على المستوى الدولي بشأن تحديد أسباب الفساد وإستراتيجية المواجهة.
ثانيا: العوامل الإدارية والنفسية المسببة للفساد الإداري
فتداخل العديد من العوامل والظروف الإدارية (أ) والعوامل الشخصية (ب) في منظمات الإدارة العامة في الدول النامية، تخلق بيئة مناسبة وجو يساعد على انتشار الفساد والانحراف الإداري.
أ- العوامل الإدارية المسببة للانحراف الفساد الإداري
من أهم العوامل الإدارية التي تساعد على انتشار الانحراف والفساد الإداري ما يلي:
1- تضخم الجهاز الإداري :
من لاشك فيه أن التضخم المستمر في حجم المنظمات والأجهزة والإدارات الأقسام الإدارية والزيادة الكبيرة في عدد العاملين، مع الثبات النسبي لحجم النشاط الذي تقوم به قد يؤدي إلى آثار سلبية، ويرجع هذا التضخم لأن الحكومة في البلدان النامية تقوم بإتباع سياسة التوظيف الارتجالية، ثم زيادة العمالة عن متطلبات العمل الحقيقية، وقد يؤدي تضخم الأجهزة الإدارية إلى بعض الآثار السلبية، أهمها تداخل الاختصاصات والتكرار وتعويق الخدمات الجماهيرية وأخيرا يؤدي إلى الإسراف في الإنفاق على المباني والأثاث والمعدات والأجور والمرتبات .
2- المركزية الشديدة وعدم تفويض السلطة وتعدد المستويات الإدارية : تتصف منظمات وأجهزة الإدارة العامة بالدول النامية المركزية الشديدة في اتخاذ القرارات وعدم تفويض السلطة للمستويات الوسطى والدنيا، حتى آن أدت بأنها تأخذ بأسلوب اللامركزية ونصت عليها قوانينها ولوائحها، فإن الممارسات العملية تثبت تركيز السلطة الإدارية بالمستويات العليا، كما أن المديرين الذين يتخذون القرارات عادة ما يكون بعيدين عن الموظفين الذين يقومون بالتنفيذ، بحيث يجد هؤلاء صعوبة في مراجعة هؤلاء المديرين بالنسبة لبعض القرارات غير السليمة وغير الواقعية التي تتخذ منها سبب تعدد المستويات الإدارية وطول خطوط الاتصال .
3- قد تتميز بعض الأجهزة الإدارية في الدول النامية بعدم وجود تخطيط شامل للقوى العاملة يحقق الربط بين الاحتياجات من التخصصات والنوعيات المعينة من الأفراد التي يتطلبها حاجات العمل من ناحية، وبين جهود التعلم والتدريب من ناحية أخرى، الأمر الذي أنتج مشكلة العمالة الزائدة وعدم تناسب مؤهلات وتخصصات الأفراد مع الوظائف الذين يمارسونها.
4- العيوب التي تصيب القواعد والقوانين واللوائح الإدارية التي تحكم وتنظم أعمال الجهاز الإداري في الدول النامية ون أهم هذه العيوب :
- تعدد مصادر القوانين والأنظمة، فالقوانين والقواعد واللوائح الإدارية السائدة في الدول النامية جاءت من مصادر متعددة وفي ظروف متباينة وعلى فترات متلاحقة.
- استمرار سريان بعض القوانين واللوائح رغم تخلفها.
- الإسراف في إصدار القوانين والتشريعات الخاصة بالأنظمة الإدارية.
- تناقض النصوص، فالأسلوب الغالب في تطوير القوانين هو التعديل الجزئي المتكرر، الأمر الذي أدى إلى كثير من التناقضات، حيث يقرر نص حق متخذ القرار، بينما تقييده نص آخر في نفس القانون، فأحيانا يحدد نص اختصاص جهاز بينما نجده قد منح نفس الاختصاصات لجهاز آخر .
ومن لاشك فيه، أن مثل هذه العيوب قد تؤدي إلى جعل بعض القوانين في بعض الأحيان غير ذات معنى وتأثير وإتاحة الفرصة بمخالفتها والانحراف عنها.
5- ضعف نظم الرقابة وتقييم الأداء وتعدد الأجهزة القائمة بها وعدم تكامل جهودها مما يضعف من تأثيرها، وكان من أبرز مخرجات الجهود الدولية في التعرف على العوامل المؤدية إلى تفاقم ظاهرة الفساد منها :
- عدم توفر نظام الرقابة الداخلية التي تكفل الشفافية والتحكم والمسألة في رسم وتنفيذ السياسات العامة.
6- عدم تناسب السلطة مع المسؤولية.
7- عدم ملائمة أماكن العمل.
ب- العوامل الشخصية المساعدة على الانحراف الإداري
تتعدد العوامل الشخصية التي تساعد الفرد على ارتكاب بعض مظاهر الانحراف الإداري وقد تكون هذه العوامل موروثة ومكتسبة :
1- العوامل الموروثة: وتتكون هذه العوامل من الدوافع المتعلقة بالحاجات الأساسية للإنسان والقدرات العامة والقدرات الفعلية الخاصة، وقد يختلف الأفراد في أسلوب إشباع حاجياتهم الفسيولوجية والفطرية وقد يؤدي التقصير في هذا الإشباع إلى إصابة الموظف بالقلق والتوتر والتفكير الدائم في كيفية إيجاد مصادر أخرى لإشباع النقص .
2- العوامل المكتسبة: وتتمثل في الرغبات والحاجات التي يريد الفرد إشباعها بحكم كونه عضو من جماعة، ولاشك أن الفرد الذي يسعى إلى إشباع رغبته في الظهور بمظهر متميز سوف يسلك أنواع من السلوك مختلف عن تلك السلوكيات التي يلجأ إليها شخص لا يشعر بنفس الحاجة، وإذا لم تتحقق للفرد فإن ذلك يخلق نوعا من التوتر والقلق.
الفقرة الثانية: آثار الفساد الإداري
للفساد آثار خطيرة، ونتائج سلبية على مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ويؤدي الفساد إلى انتهاكات لحقوق الإنسان، أن القرارات التي يفترض أن تحمي المصلحة العامة تأتي في الواقع بناء على الرغبة في الحصول على المكاسب الشخصية وتؤدي إلى سياسات ومشروعات تزيد من مستوى الفقر بدلا من خدمة المجتمع، وهذا يعد خرقا لمبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في العاشر من ديسمبر عام 1948، حيث تنص المادة الحادية والعشرون، والثاني والعشرون والثالثة والعشرون "على حق كل مواطن وكل فرد في تقلد الوظائف العامة في البلاد، وفي الضمانة الاجتماعية، والحق في العمل، وحق الحماية من البطالة".
وسوف نلقي الضوء على عواقب الفساد وآثارها المدمرة التي تنتهك حقوق الأفراد والمجتمع.
من خلال دراستنا للآثار الإدارية و السياسية للفساد (أولا)، والآثار الاجتماعية والاقتصادية للفساد (ثانيا).
أولا: الآثار الإدارية والسياسية للفساد
تناول هذا الفرع الآثار الإدارية (أ) والآثار السياسية (ب) للفساد الإداري في الدول النامية بشكل عام ومجتمعاتنا العربية وبلادنا بشكل خاص.
أ- الآثار الإدارية للفساد
هناك العديد من الآثار الإدارية السلبية للفساد الإداري التي يمكن أن تشملها النقاط التالية :
1- قد يؤدي الانحراف الإداري في الكثير من أجهزة الإدارة في الدول النامية إلى خلق علاقة سيئة بين طبقة الموظفين ورؤوسهم في العمل، حيث تقوم هذه العلاقة على استبداد الرؤساء للسلطة وعدم ثقتهم بمرؤوسيهم، وعدم تفويض السلطة، مما يترتب عليه تركيز السلطة واتخاذ القرار في أيدي قليلة من الأفراد، مما ينتج عن ذلك عدم المرونة في مواجهة المواقف وحل المشكلات الأمر الذي يؤدي إلى التعطيل والبط في تقديم الخدمات.
2- كما يؤدي الانحراف الإداري أيضا: إلى انعدام الكفاءة الإدارية في الأجهزة الإدارية في الدول النامية، فنجاح الإدارة وكفاءتها في أي دولة يتوقف أساسا على مراعاة الموضوعية وتوافر الخصائص المؤهلات والميزات المطلوبة عند التعيين والموضوعية عند اتخاذ القرارات، وهذا لا يتوفر في العديد من الدول النامية، حيث التعيين في الأجهزة الإدارية الحكومية تعمد على علاقات القرابة أو الصداقة .
وهذا هو أحد أسباب تعثر النشاط الإداري الحكومي في مجالات التنمية المختلفة وتدهور نوعية الإنتاجية وما يعنيه من انخفاض الكفاءة.
3- يساعد الانحراف الإداري المتفشي بين أجهزة الإدارة العامة في الدول النامية إلى هجر القيادات الإدارية وأصحاب الخبرات والكفاءات العلمية والفنية من الدول النامية إلى الدول المتقدمة والفنية.
4- يؤدي الانحراف الإداري في كثير من الأحيان إلى افتقاد أسس العدالة والموضوعية في تعامل الأجهزة الإدارية مع المواطنين، وتعمد الإساءة لشعورهم والسخرية منهم، وإيلامهم بطريقة تزيد من غضب المواطن ونفوره من هذه الأجهزة، وعدم ثقته بها، وعدم احترامه للنظام الإداري وتهربه من أداء التزامه نحوها.
نتيجة لكل ماسبق فقد حصلت اليمن في مؤشر مدركات الفساد2009 على الرتبة154 من بين180دولة في العالم،ومن بين20 دولة عربية احتلت كل من قطر والإمارات وسلطنة عمان والبحرين والأردن والسعودية وتونس والكويت الثمانية المراتب الاولى على المستوى العربي وكذ مراتب متقدمة نسبيا على المستوى العالمي(الرتب66،65،63،49،46،39،30،22على التوالي) تليهم المغرب89 ومصر المرتبة111 ثم سوريا126 ولبنان130وموروتانيا131 وجاءت اليمن في المرتبة17،على المستوى العربي،والرتبة154 على المستوى العالمي يليها العراق السودان الصومال التي جاءت في ذيل القائمة عربيا ودوليا .
ب- الآثار السياسية للفساد
يمكننا أن نجمل الآثار السلبية للفساد الإداري فيما يتعلق بالنواحي السياسية إلى آثار عديدة أهمها :
1- قد يساهم الانحراف الإداري في تعميق الفجوة بين الطبقات والجماعات الغنية، وبين الطبقات والجماعات الفقيرة في المجتمع، مما يؤدي ذلك إلى تزايد شعور الطبقات الجماعات الفقيرة بالحرمان، وقد لا تجد أمامها سوى الالتجاء إلى العنف والثورة على النظام القائم، وهذا الوضع مساعد على عدم الاستقرار السياسي وهو ما حصل في مصر.
2- إن انتشار الانحراف في الأجهزة الحكومية يسهل للقوى المعارضة الإطاحة بالنظام والاستيلاء على السلطة، ذلك لأن الاستياء الجماهيري من الحكم القائم والانحراف المنتشر داخل أجهزته ومنظماته الإدارية، يخلق فجوة بين الجماهير والحكومة، ويعمل على مساندة الجماهير للمعارضة للإطاحة بالنظام السياسي القائم وهو ما حصل في اليمن وليبيا.
3- يساهم الفساد الإداري في إضعاف المشاركة السياسية التي تقتصر فقط على الجماعات التي تملك الثروة وركائز القوة الاقتصادية، التي تمكنها من إقامة علاقات خاصة مع القيادات السياسية والإدارية .
4- يساهم تفشي الانحراف والفساد الإداري في الأجهزة الحكومية والإدارية في أن يقلل من شرعية النظام السياسي في نظر الجماهير، حيث يدرك المواطنون أن الموظفين الحكوميين على مستوياتهم المختلفة، مجرد عناصر متورطة في الفساد ولا يعنيها سوى تحقيق مصالحها الخاصة، ونتيجة لذلك الإدراك يكون النظام السياسي محروما من الناحية الواقعية من أي مساندة شعبية، بل تظهر السلبية وعدم إقبال المواطنين على التعاون مع النظام القائم وزيادة وتمسكت بولاته المحدودة كالأسرة والعشيرة لحمايته من ضغوط المجتمع، وفقدان المواطن للثقة في السياسات العامة واكتسابه المزيد من الميول والأنانية.
ثانيا: الآثار الاقتصادية والاجتماعي للفساد
للفساد الإداري أثار اقتصادية سلبية (أ) تؤثر على الاقتصاد القومي وعلى المواطنين، وآثار اجتماعية (ب) تؤثر على بينة المجتمع ككل.
أ- الآثار الاقتصادية للفساد الإداري
إن للفساد آثار اقتصادية في استغلال الموارد والأداء الاقتصادي، ومن المسلم به أن الآثار الاقتصادية كثيرة ومتعددة على مستوى الدولة أو المؤسسات أو الأفراد، وتتلخص أهم الآثار الاقتصادية للفساد الإداري فيما يلي :
1- تعطيل النمو الاقتصادي:
إن العقبات التي يؤثر عن طريقها الفساد في النمو الاقتصادي فيتمثل في التشوهات التي يحدثها هذا الفساد في و جهة النفقات الحكومية، فالدراسات تؤكد أن الحكومات التي ينشر فيها الفساد تكون أكثر ميلا إلى توجيه نفقاتها إلى مشروعات ووجوه إنفاق يسهل فيها الحصول على الرشوة وإخفائها، ذلك لصعوبة تحديد سعرها في السوق أو في إنتاجها أو شرائها، في حين يقل إنفاق هذه الحكومات على الخدمات التعليمية والصحية والتي تقل فيها غالبا فرص الفساد.
إن الحكومات تخسر دخولا ضخمة من الإيرادات المالية المستحقة لخزينة الدولة بسبب الرشاوى التي يتقاضها موظفو الدولة حتى يتجاهلوا جزاء من الإنتاج، والدخل والواردات، في تقيميهم للضرائب المستحقة على هذه الأنشطة الاقتصادية .
فضلا من ذلك فإن الفساد بسلب موارد الوطن ويساوم على دخوله أو تقليص إيراداته، ويشوه السياسات والحد من الاستثمار، فالفساد يضر بالاقتصاد ويعطل النمو ويعيق تقدمه.
2- سبب في ضياع أموال الدولة التي يمكن استغلالها في إقامة المشروعات التي تخدم المواطنين، بسبب سرقتها أو تبذيرها، أو إنفاقها من قبل الدولة على أجهزة العدالة والضبط والرعاية الاجتماعية .
وما يكلفها ذلك من توفير الأموال والأدوات، إذ أن التنظيم قد يصاب بعجز مالي يعطله نهائيا أو جزئيا في مجال الإنتاج الخدمات أو يعطل كفايته الاقتصادية.
3- تؤثر الفساد إلى الإخفاق في جذب الاستثمارات الخارجية، وإلى هروب رؤوس الأموال المحلية، وتسبب في هدر الموارد بسبب تعارض المصالح الشخصية مع المشروعات التنموية العامة ، ويؤدي أيضا إلى عدم الحصول على المساعدات الأجنبية وهجره الكفاءات الاقتصادية وذلك لغياب التقدير، وبروز المحسوبية والمحاباة في أشغال المناصب العامة وفي إقامة المشروعات الربحية، وقد لا تمنح الامتيازات والتراخيص إلى المشروعات الأعلى إنتاجية التي لا تقدم الرشاوى والعمولات، ويؤدي ذلك إلى ضعف في كفاءة القطاع الخاص في المساهمة في التنمية الاقتصادية، وتعاني وحدات الخدمة العامة في اليمن من تفتشي ظاهرة الفساد الإداري والمالي بكافة اشكالة وهو ما يمثل مرضا خطيرا،يكاد يفقد قدرة هذه الأجهزة عن ممارسة إعمالها الموكلة إليها قانونيا،ويؤثر على انجاز عمليات التنمية والنمو الاقتصادي بشكل عام،ناهيك عما يوثر ظاهرة الفساد بشكل مباشر على القدرة على تحقيق حاجيات المواطنين والمتعاملين مع هذه الأجهزة،مما يفقد الثقة بهذه الأجهزة وموظفيها،وأصبحت هذة الظاهرة تمثل عائقا إمام فرص الاستثمار المختلفة،وهو ما اكدتة التقارير المختلفة ،ومنها التقرير الاقتصادي الخليجي،اذ ينص على إن انتشار الفساد الإداري لا يزال من أهم المعوقات التي تقف إمام تحسين الأداء الاقتصادي في اليمن مما يؤثر على عمليات الاستثمار كما يعمل على تفاقم أزمات الفقر والبطالة وغيرها وبالتالي تأخير عملية التنمية الشاملة للمجتمع .
4- يؤثر الفساد في توزيع الدخول:
وإعادة توزيع الناتج القومي لصالح الأغنياء والطبقة القليلة الطفيلية التي اعتمدت في ترائها على مكسب غير المشروع، واستغلال ثغرات القانون لصالحها، الأمر الذي يؤدي إلى خلق فجوة بين فئات المجتمع الواحد، الذي ينقسم إلى مجتمعين في آن واحد، مجتمع للأغنياء ومجتمع للفقراء ومن ثم افتقاد كافة صور العدالة الاجتماعية .
ب- الآثار الاجتماعية للفساد:
إن آثار الفساد الإداري لا تمتد إلى الجوانب السياسة والاقتصادية والإدارية فحسب، ولكن قد تشمل الجانب الاجتماعي فالضرر والإحباط اللذان يصيبان جوانب معنوية في الإنسان، مثل الكرامة والسمو الروحي والتفاؤل يعدان عقبة تعثر في التنمية الاجتماعية والاقتصادية .
ويكن إجمال أهم الآثار الاجتماعية للفساد على النحو التالي :
1- يساهم الفساد في ارتفاع معدلات الجريمة:
ويخلق مجتمعا تكون فيه المؤسسات النظامية، والقضائية والتنفيذية غير فاعلة، وفي الأنظمة الفاسدة يتمكن المحتلون وبسهولة من الهروب من العقاب، والفساد لا يؤدي إلى الجريمة السياسية والمؤسسية فحسب بل هو مسئول أيضا عن تعزيز الجريمة المنظمة .
2- يساهم الفساد في إضعاف العدالة وانحسارها:
يؤدي الفساد إلى تفاقم الفقر وتوسيع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، حيث يعمل الفساد على تخفيض إمكانيات كسب الدخل لدى الفقراء بسبب تضاؤل الفرص المتاحة، وكذلك من خلال الحد من الإنفاق على خدمات القطاع العام، وحرمان بعض الناس من الحصول على الحقوق الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم، ويؤدي أيضا إلى زيادة كلفة الخدمات الحكومية وهذا بدوره يقلل من حجم هذه الخدمات وجودتها، مما ينعكس سلبا على الفئات الأكثر حاجة إلى هذه الخدمات .
3- يؤدي انتشار الفساد إلى تقليص القيم الإيجابية (قيم المصلحة العامة، قيم المشاركة، قيم الانتماء... الخ) واختزالها في قيمة واحدة، وهي قيمة المال الأمر الذي يؤدي إلى انتشار النوازع الفردية ويعمق مفهوم الحرية الفردية في السلوك الاجتماعي، والتمرد على النظم والأحكام الشرعية وهذا بدوره يؤدي إلى انتشار الرذائل والتحلل الخلقي، وخدش الحياة والكرامة والفطرة الإنسانية.
4- يؤثر الفساد تأثيرا مباشرا على الكفاءة والفعالية:
وذلك بخلقه سلوكا سلبيا حيث يؤدي إلى الحد من عملية الحراك الاجتماعي لانتشار الشعور باليأس والإحباط، وعدم إدانة المسئولين عن الفساد وحمايتهم، وعدم محاسبتهم، كما يؤدي إلى الانحلال الخلقي بانتشار طرائق الكسب غير المشروع وتفشي الأساليب ألا أخلاقية، والتهرب من المسؤولية، وضياع موازين الرقابة والإشراف، كما يؤدي الانحراف إلى المساس بالأمن والصحة العامة .
وللحد من ظاهرة الفساد الإداري في القطاع العام،فقد قام المشرع اليمني بإصدار العديد من التشريعات والقوانين اظافة إلى انشاء بعض الأجهزة المعنية بمكافحة الفساد ومن أهمها الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، والهيئة العليا لمكافحة الفساد،اظافة إلى مصادقة مجلس النواب على الاتفاقات الدولية لمكافحة الفساد في الخامس من يوليو للعام 2005 التي تعد الخطوة الأولى في طريق مكافحة الفساد في الجمهورية اليمنية،كما قامت الحكومة في شهر يونيو للعام 2006م حملة التوعية الوطنية لمكافحة الفساد،ان الاطار التشريعي والقضائي في اليمن المتعلق بقضايا المال العام ومكافحة الفساد والإجراءات التشريعية والتنظيمية التي تنظم إعمال مجاكم الأموال العامة يتوزع ما يزيد عن عشرين قانونا رئيسيا اهمها:
قانون الجرائم والعقوبات،القانون المدني، قانون الخدمة المدنية،القانون المالي، قانون البنوك، قانون المزايدات والمناقصات،قانون أراضي وعقارات الدولة، قانون الجمارك،القانون رقم 39 لسنة 2006 بشان مكافحة الفساد.
الخاتمة
تأثرت الإدارة العمومية وأجهزتها المختلفة بعدد من العوامل والأسباب والتحديات التي أثرت في عمل الأجهزة الإدارية، ويعتبر الفساد الإداري من الظواهر المرضية الخطيرة التي تصيب الجهاز الإداري للدولة،والمرافق العامة ابتداء من قمة الهرم الإداري حتى القاعدة، فالفسادالاداري هو الإضرار بالسير العادي للمرفق العام، فالعمل المضطرب الذي يشوب العمل الإداري سؤ بسبب سؤ أخلاق الموظف ،آو عدم احترامه للقانون، أو سؤ استعماله للسلطة العامة يعتبر فساد إداري ،هذا الأخير لا يمكن تصوره ألا في المرفق العام ،ولا يسلكه ألا موظف عمومي ، فكل تصرف إداري يقدم المصلحة الخاصة على المصلحة العامة يعتبر فساد،فالفساد الإداري له مظاهر مختلفة تتوزع بين مظاهر متعلقة بالعمل الإداري والتقصير على الواجب ومظاهر تتعلق بسلوك الموظف الشخصي وانحرافة عن تحقيق المصلحة العامة وسؤ استعمال السلطة، وهناك العديد من السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية التي تمس المرافق العامة وتتعايش مع الجهاز الإداري للدولة وخاصة في البلدان النامية، وبالتالي فان لها تأثير سلبي على برامج التنمية، وعلى استقرار النظام السياسي واستقرار السياسات الإدارية، وهجرة العقول للدول المتقدمة بحثا عن كسب العيش، وهجرة الاستثمار المحلى وعدم جذب المستثمر الاجنبى، تعتبر من الآثار السلبية للفساد الإداري ، وبالتالي التأثير على سمعة البلد إمام الرأي العام والمنظمات المانحة ، بالاظافة للعديد من الآثار الاجتماعية للفساد مثل انتشار الجريمة والفقر وغياب روح الولاء للوطن،وعلية نقترح بتفعيل النصوص القانونية التي تحارب الفساد الإداري والمالي، وخلق أجهزة متخصصة تحارب الفساد، وتخليق المرفق العام بوضع مدونة لاخلاقيات الوظيفة العمومية وتفعيل مبدأ الثواب والعقاب وإلزام الإدارة بتعليل قراراتها وتفعيل قانون الذمة المالية، وتفعيل آليات المحاسبة والشفافية والمسالة في تدبير الشؤون العامة.