مقدمة
يلعب التحكيم دورا هاما كآلية لفض المنازعات الناشئة بين الأفراد سواء على صعيد العلاقات الخاصة الدولية بل وعلى صعيد العلاقات الوطنية البحتة أيضا, وطرق الأفراد لباب التحكيم وعزوفهم عن اللجوء إلى القضاء الداخلي مبعثه المزايا التي يحققها هذا القضاء الخاص والذي يتسم بالسرية والتخصصية والتحرر من رقبة القواعد القانونية سواء كانت تلك القواعد موضوعية أو إجرائية ما لم تكن متصلة بالنظام العام الدولي في دولة مقر التحكيم أو الدولة التي يراد تنفيذ الحكم فيها
وقد أصبح دوره في الوقت الراهن أكبر فعالية بسبب العولمة والمنافسة الاقتصادية الحرة من جهة, وأمام ما يشكوه القضاء من انعدام النزاهة والتشعب في الإجراءات المسطرية المنظمة لرفع الدعوى والتي لا تصمد أمام مزايا التحكيم, إلا أن هذه الفوارق العديدة لا تنفى مبدأ التكامل والانسجام بين المؤسسين حيث وإن كان التحكيم ذو طبيعة اتفاقية يفرضها عنصر الانعقاد. فإنه يعد ذو طبيعة قضائية كذلك التي يفرضها عنصر الإلزام في مرحلة التنفيذ على مستوى الأحكام التي تصدرها هيئة التحكيم
ولعل عولمة الاقتصاد والتنافس هو ما دفع بالمشرع المغربي بإصدار قانون 05.08 المتعلق بالتحكيم, إلا أن موضوع التحكيم كوسيلة من وسائل تسوية المنازعات بين الأفراد والجماعات محاطة بمجموعة من الصعوبات والمشكلات العملية خاصة أن العديد من جوانب التحكم يوجد بشأنها اختلاف في وجهات النظر سواء في القانون الوضعي أو على مستوى الفقه والقضاء
وحتى يواكب المغرب التطورات الحاصلة ومواجهة تحديات العولمة الاقتصادية, إذ غالبا ما يعزى رفض المستثمرين الأجانب لاستثمار أموالهم في المغرب خوفهم من عدم وجود قضاء عادل يكون محل ثقة, وبالتالي حكمت الوضعية الجديدة على المشرع المغرب أن تتماشى ويتجاوب مع التطورات الاقتصادية وذلك بحدوث قوانين تتلاءم مع متطلبات العصر وتستجيب لطموحات الفاعلين الاقتصاديين بالمغرب. لهذا حرص المشرع المغربي على تنظيم العلاقة بين القضاء والتحكيم وذلك بإقراره لمبدأ الرقابة القضائية على أعمال المحكمين في إطار مزدوج يشمل المرحلة السابقة على صدور الحكم التحكيمي والمرحلة اللاحقة على صدوره, ذلك أن هيئة التحكيم لا تتمتع بسلطة الأمر المخولة لقضاء الدولة
فصدور القضاء لا يقتصر على هذا الشأن بل يقدم للعديد من صور المساعدة والإشراف على هيئات التحكم سواء قبل بدء الإجراءات وأثناء سيرها, كما يمارس مهمته الرقابية من خلال هذه المساعدة.
وارتباطا منا بعنوان العرض –دور القضاء في الإشراف على عمل هيئات التحكيم- تتجلى لنا أهمية الموضوع من خلال الفرصة التي تتاح لنا, انطلاقا من دور القضاء في تشكيل هيئة المحكمين وآليات تجريحهم (المبحث الأول) مظاهر الرقابة القضائية على إجراءات التحكيم (المبحث الثاني).
المبحث الأول : دورا لقضاء في تشكيل الهيئة التحكيمة وآليات تجريحها:
إن التحكيم كمؤسسة اختيارية تقوم على مبدأ سلطان الإرادة في كل مراحلها، يجعلها بشكل أو بأخر خاضعة لإرادة هؤلاء الأطراف مما يتولد عنه أحيانا نشوب نزاعات وخلافات حول تشكيل هيئة التحكيم أو استبدال المحكمين أو تجريحهم، وهنا لا يصح أن يعمل التحكيم نفسه في مثل هذه الأمور وإنما تكون الوصاية للقضاء ليعمل فيها، وعليه فالقضاء يتدخل في تشكيل هيئة التحكيم (المطلب الأول) وفي البت في المنازعات اعتقلته بتجريح المحكمين (المطلب الثاني
المطلب الأول: حدود تدخل القضاء في تشكيل هيئة التحكيم:
تكتسي مسألة اختيار المحكمين أهمية كبيرة لقيام التحكيم وتشكيل الهيئة التحكيمية، ويستند اختيار المحكمين بالدرجة الأولى على إرادة الأفراد مما يترك الباب مراجا لتقارب هذه الإرادات أحيانا حول شخص محكم دون آخر مما يستدعي التدخل لحسم النزاع، بيد أن هذا التدخل يميز بين حالة اختلاف الأطراف حول اختيار المحكم (الفقرة الأولى) وحالة الخلاف حول إجراءات اختيار المحكم (الفقرة الثانية
الفقرة الأولى: اختلاف الأطراف حول اختيار المحكم:
إن المشرع المغربي كغيره من التشريعات بات يأخذا هو الأخر في تشكيل الهيئة التحكيمية بنظام المحكم الفرد أو تعدد المحكمين، ويتعين ذكر أسماء المحكمين في وثيقة التحكيم وهو أمر عند مخالفته يعرض عقد التحكيم للبطلان بنص المادة 317 ق.م.م، ومن ثم فإن تشكيل واختيار الهيئة التحكيمية يخضع لإرادة، لأطراف وفقا لمبادئ سلطان الإرادة، إلا أن هذا المبدأ ليس على إطلاقه بل إن المشرع وضع حدودا له تتجلى في حالة اختلاف الأطراف على تعيين المحكم حيث يتم اللجوء لرئيس المحكمة الذي سيذيل الحكم التحكيمي بالقوة التنفيذية من أجل تعيين المحكم(الفصل 5 / 327 من ق.م.م.)، ونشير هنا إلى أن المحكمة التي تعين المحكم ينعقد لها الاختصاص في جميع إجراءات الخصومة التحكيمية .
إلا أن مسألة اختيار المحكمين بعد نشوب النزاع، تظل فكرة نسبية جدا بل وتفرغ التحكيم من محتواه القانوني، لأنه وببساطة شديد من النادر أن يتفق الأطراف بعد نشوب النزاع بينهم .
وفي نفس السياق دائما فإن المحكمة المختصة بالإشراف على الخصومة التحكيمية هي رئيس المحكمة التجارية أو الابتدائية حسب طبيعة النزاع، والتي تشرف أيضا على تعيين المحكم القضائي بطلب ممن له المصلحة في ذلك بمعنى آخر الشخص الذي يرغب في إجراء مسطرة التحكيم شريطة توفر شروط التقاضي من مصلحة وأهلية وصفة كما يشرط أن تتوفر في المقال جميع الشروط المتعلقة بالمقال الافتتاحي وفق نص الفصل 32 من ق.م.م. تحت طائلة عدم القبول .
هذا بالنسبة للخلاف حول تحديد المحكم الواحد، أما في حالة تعدد هؤلاء المحكمين فإن الأمر يختلف حيث يمكن التمييز في هذا الصدد بين حالة عدم قيام الأطراف بتعيين محكميهم وفي هذه الحالة يجوز للطرف المتضرر اللجوء للمحكمة المختصة لتعيين المحكمين عن الطرف الرافض لتعيين محكمين من جانبه أما الحالة الثانية فتتمثل في قيام الأطراف بتعيين محكميهم وفي هذه الحالة يقوم هؤلاء بتعيين المحكم المرجع والمحقق للإجماع بيد أن هذا الأمر بات متجاوزا في ظل انتشار التحكيم المؤسسي الذي تضطلع به المحاكم المتخصصة كالمركز الدولي للوساطة والتحكيم بالرباط ومركز التوفيق والتحكيم التجاري بمراكش وغيرها من المراكز الوطنية والدولية الأخرى .
الفقرة الثانية: التدخل القضائي لوجود خلاف في الإجراءات التحكيمية:
قد يثور نزاع بين الأطراف حول تحديد مدة معينة لاختيار المحكم أو اشتراط أن يكون المحكم من جنسية معينة وفي هذه الحالة يتم اللجوء للمحكمة للفصل في النزاع، هذا الأخير غالبا ما يكون نتيجة غموض في الألفاظ التي يستعملها الأطراف بسبب نقص خبر تهم ودرايتهم في هذا الميدان، ومن أجل تجاوز مثل هذه المشاكل عمدت مجموعة من التشريعات إلى هيكلة مجال التحكيم بصفة عامة وتحديد المصطلحات بدقة حيث اشترط المشرع السعودي في المادتين 5 و6.
عرض اتفاق التحكيم على القضاء قبل العملية التحكيمية، وذلك باعتماد وثيقة التحكيم والمصادقة عليها وصدور قرار قضائي مستقلا يتضمن موضوع النزاع وأسماء الخصوم والمحكمين.
كما يتسع نطاق تدخل القضاء ليشمل الإجراءات والأسس المتعلقة بتعيين المحكمين وكذلك إضطلاع المحكمة مهمة اختيار المحكمين في حالة عدم قيام الغير المعين من الأطراف بهذه المهمة، ونشير هنا إلى أن مجالات تدخل القضاء مرتبطة باختلاف الأطراف حول اختيار المحكمين أو إجراءات هذا الاختيار أما في حالة اتفاقهم فلا مسوغ لتدخل القضاء في الإجراءات التحكيمية .
مما سبق نخلص إلى أن تدخل القضاء في تشكيل الهيئة التحكمية يستدعي توافر مجموعة من الضوابط لعل أهمها وجود نزاع بين الخصوم حول اختيار المحكمين وهو ما يعني توفر المصلحة في طلب الأمر من القضاء بالتدخل، أضف إلى ذلك ضرورة صدور قرارات المحكمة على وجه السرعة وهو ما يكرس خصوصية وميزة التحكيم من حيث السرعة في البت في النزاعات علاوة على ذلك فقد ذهبت جل التشريعات إلى إقرار مبدأ عدم قابلية قرار المحكمة باختيار المحكمين للطعن ومنها التشريع المغربي في قانون 08-05 في مادته 327-04 وهو نفس المقتضى الذي أكده المشرع المصري في المادة 17 من القانون رقم 27 لسنة 1994 وكذلك المشرع السعودي في مادته 4 وذلك تحقيقا لمبدأ السرعة المتطلبة في التحكيم كمؤسسة بديلة لحل النزاعات .
المطلب الثاني: مفهوم التجريح وآلياته:
لقد رسم القانون للمحكم ما رسمه للقاضي بصدد حماية مظهر الحيادة الذي يجب أن يتحلى به، وإذا كان ـ كقاعدة عامةـ يتطلب من القاضي غير ما يتطلب من المحكم لأن الأول يحمي مظهر العدالة باسم الدولة. بينما الآخر يحمي أساسا الحيادة في نطاق الخصومة القائمة أمامه( ) وبما أن القاضي والمحكم يشتركان في التمسك بالمبادئ الأساسية للتقاضي, وتأسيسا على ذلك يجب على المحكم الابتعاد عن كل ما يمس بحياده واستقلاله( ) الأمر الذي يجعلنا علينا التعرض لمعالجة مفهوم التجريح بالنسبة للمحكمين (في الفقرة الأولى) وآليات ذلك التجريح (في الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: مفهوم تجريح المحكمين:
لم يتعرض المشرع المغربي لحالات تجريح
المحكمين, بل اكتفى بإمكانية تجريحهم المح لسبب نشأ بعد التعيين مما يعنى استبعاد السبب الذي كان موجودا قبل تعيين المحكم وكان الطرف الذي يتمسك على به( ) ويتضح من خلال الفصل 7-327 من قانون 05/08 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية حيث ينص على أنه: "يتعين على المحكم الذي يعلم بوجود أحد أسباب التجريح في نفسه أن يشعر الأطراف بذلك وفي هذه الحالة لا يجوز له قبول مهمته إلا بعد موافقة الأطراف"( ) إلا أن الفصل 323 من نفس القانون حصر أسباب التجريح في تسع حالات منها:" إذا كانت له ـ المحكم ـ ولزوجه أو لأصوله أو لفروعه مصلحة شخصية مباشرة أو غير مباشرة في النزاع أو كانت قرابة أمصاهرة ..."
فتجريح المحكمين وردت بشأنه عدة تعارف في أوساط الفقه, فمنها ما يقصد برد المحكم أن يعبر أحد الأطراف خصومة التحكيم عن إرادته طبقا لإجراءات معينة في عدم لامتثال أمام محكم معين في قضية معينة لتوافر أحد الأسباب التي حددها القانون وطبقا للشروط التي رسمها( )
ذلك أن المشرع المغربي أخذ بإعمال نفس أحكام تجريح القضاة ويتعين تبعا لسكوت المشرع عن بيان أسباب التجريح, فبالرجوع إلى مسطرة تجريح القضاة حيث نجد أنه إذا تعلق الأمر بقاض محكمة ابتدائية يرفع طلب التجريح إلى محكمة الاستئناف لكن الأسباب المبررة لتدخل محكمة الاستئناف باعتبارها أعلى درجة بالنسبة للقاضي المطلوب تجريحه لا تنطبق على تجريح المحكم، وبالتالي يمكن القول أن المحكمة الابتدائية هي المختصة بدلا عن المحكمة الاستئنافية في تجريح محكم ما( )
لكن بحدوث القانون الجديد أي القانون 05/08 يكون المشرع قد تلافى بعض النقض الذي كان يشوب أو يعترى مسار التحكيم وما يترتب عن ذلك من تجريح للمحكمين، هذا ويختص رئيس المحكمة بالبت في الصعوبات الناتجة عن تجريح أو عزل المحكمين بأمر رئيسي غير قابل للطعن في إطار مسطرة تواجهية( ) الفصل 8/327 من قانون 05/08 ( ).
ذلك أن الهدف من تدخل القضاء هو تشكيل هيئة التحكيم أو استكمال النقض فيها أو وضع حل للمحكمة التي تتعرض تشكيلها وعندما يقوم القضاء بتعيين الحالات التي يسمح له فيها القانون بذلك. فإنه يجب أن تتوافر في الحكم الذي يعينه الشروط التي يتطلبها القانون والتي اتفق عليها الأطراف( )
u[
الفقرة الثانية: آليات تجريح المحكمين:]u
يرى أحد الفقهاء أن طلب المحكم أو تجريحه ليسر له شكل خاص وبالتالي يمكن أن يتم عن طريق تقرير أو عريضة دعوى، أو طلب شرط أن يعلن وإذا كانت المحكمة قد انتهت إلى جواز الرد عن طريق الطلب أو التقرير فإنها قد وصلت إلى نتيجة سليمة وإن كانت أسبابها القانونية غير صحيحة( ) بينما يرى جانب آخر من الفقهاء أن الإجراءات الواجبة الإتباع في نظر الخصومة بطلب الرد أو عدم الصلاحية أو في الطعن فالحكم الصادر منها هي الإجراءات العامة والمعتادة لرفع الدعوى معتبرا طلب الرد يقدم بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوى( ).
ذلك أن طلب الرد أو التجريح بالنسبة للحكم أو المحكمين يوجب إيقاف إجراءات التحكيم شأنها شأن توقيف الخصومة أمام القاضي المطلوب رده وهو ما فضله أغلب الفقهاء من عدم السير في خصومة التحكيم لحين الفصل في طلب الرد من قبل المحكمة المختصة لعدة اعتبارات منها:
- أنه لن يستغرق الفصل في طلب رد المحكمين وقتا طويلا تخشى معه إطالة أمد الفصل في الدعوى.
- توفير الجهد والمال الذي يبذل في حال الاستمرار في الإجراءات ، والتي قد يصدر حكم التحكيم خلالها ومن تم تلغى من قبل المحكمة المختصة استنادا إلى حكم رد المحكم وهو ما سيحدث أضرارا بالغة لجميع أطراف خصومة التحكيم( ) وقد نحا القضاء المغربي في هذا الصدد المنحى نفسه من خلال قرار صادر من محكمة الاستئناف بالدار البيضاء رقم 1559 / 93 بتاريخ 1 / 08 / 1995حيث اعتبر أن تجريح المحكم يترتب عليه توقف الخصومة إلى حين الفصل في طلب التجريح وأن هذا الوقف يتم دون حاجة لحكم يقضى بذلك, كما يوقف الميعاد المقرر للتحكيم إلى حين البت في طلب التجريح بحكم نهائي، وأن صدور مقرر تحكيمي من هيئة تحكيم شارك فيها محكم تم تجريحه بمقتضى حكم أصبح نهائيا يجعله باطلا لا يمكن تصحيحه بحضور الخصوم أمامه أو الإدلاء بطلبات موضوعية( ).
ويبقى دور القضاء أساسيا فيما يصدره من أحكام المتعلقة برد أو تجريح المحكم أو المحكمين والتي يمكن حصرها في فرضين:
- أن تفرض المحكمة طلب الرد بعد أن تتأكد من حياد المحكم واستقلاله وبالتالي يستمر المحكم في أداء مهمته التي لم يتوقف عن أدائها.
- أن تقبل المحكمة طلب الرد ويترتب على ذلك اعتبار ما قد تم من إجراءات بما في ذلك حكم المحكمين الذي يعد كان لم يكن، وهذا الأمر يعكس حدود ولاية القضاء على التحكيم فيما يترتب على حكم المحكمة من آثار بعيدة المدى على العملية التحكيمية( ) على اعتبار أن مهمة وهدف القضاء وضع اتفاق التحكيم موضع التنفيذ الفعال هذا من جهة, ومن جهة أخرى فإن تدخل القضاء قد يكون أساسه تحقيق غاية أخرى تتمثل في ضمان فعالية التحكيم كتدخله في إصدار الإجراءات الوقتية والتحفظية والإجراءات الأخرى المتعلقة بفعالية إجراءات التحكيم.
المبحث الثاني : مظاهر الرقابة على إجراءات التحكيم
إذا كانت القاعدة العامة هي لجوء الأطراف للقضاء لفض ما ينشأ بينهم من نزاعات باعتباره الجهة التي أوكلت إليها مختلف التشريعات الحكم في الخصومات، فإن مميزات التحكيم المتجلية في سرعة البت واقتصاد النفقات وبساطة الإجراءات، والتخصص في النزاع المعروض جعلت البعض يفضل هذا النظام بدل قضاء الدولة ومساطره المتشعبة .
إلا أنه للقضاء دور مهم في تقديمه المساعدة لهيئة التحكيم، وذلك تيسير للأطراف وحماية لخصومه التحكيم، ويتجلى دور قضاء الدولة في المساعدة التي يقدمها أثناء مسطرة التحكيم من خلال تحديد المشروع المغربي مهلة لأنهاء مهمة الهيئة التحكمية بناء على طلب أحد الأطراف من أطراف الخصومة.
وسيتم التطرق في هذا المبحث إلى مطلبين :
المطلب الأول: الرقابة القضائية على الاجراءات المسطرية
المطلب الثاني : مظاهر الرقابة على إجراءات التحكيم
المطلب الأول: الرقابة القضائية على الاجراءات المسطرية
ومن خلال هذا المطلب سأتعرض لأهم صور الرقابة القضائية وذلك من خلال مساهمة القضاء في توفير أدلة الإثبات وتدخله عن طريق الإنابة القضائية كفقرة أولى والبث القضائي في الأمور الخارجة عن اختصاصات هيئة التحكيم كفقرة ثانية.
الفقرة الأولى: توفير القضاء لوسائل الإثبات
الإثبات هو تكوين اقتناع القاضي أو المحكم بشأن وجود أو عدم وجود واقعة قانونية متعلقة بالدعوى، والإثبات بمعناه القانوني هو إقامة الدليل أمام القضاء بالطرق التي حددها القانون، على وجود واقعة قانونية ترتب آثارها، وتظهر أهمية الإثبات أمام القضاء أو المحكم فإن استطاع صاحب الحق إثباته كان الحكم له .
ورغم الصلاحيات التي تتمتع بها الهيئات التحكيمية، والتي تمكنها من الحصول على أدلة الإثبات في موضوع النزاع المطروح عليها، فإنها تصطدم مع عدم تمتع هيئة التحكيم بسلطة الإلزام مما يجعلها دائما في حاجة إلى القضاء للحصول على أدلة الإثبات أثناء سير الخصومة (أولا) وكذلك طلب الهيئة التحكيمية من المحكمة الإنابة القضائية (ثانيا)
أولا: تدخل القضاء للمساهمة في توفير أدلة الإثبات
سيتم التطرق في هذا العنصر إلى حالتين الأولى تتجلى في استدعاء الشهود والحالة الثانية إجبار الخصم بتقديم مستند تحت يده أو يد غيره.
الحالة الأولى: استدعاء الشهود وسماعهم
في البداية لا بد من الإشارة إلى أن قانون المسطرة المدنية المغربية لم تتعرض لإجراءات الشهادة في ميدان التحكيم، وهذا على خلاف مشروع قانون 05-08 المتعلق بالتحكيم والذي تطرق إلى استدعاء الشهود وسماعهم من خلال الفصلين 10- 327 ، 11-327، 12-327.
ومن خلال هذه الفصول يتبين لنا بأن المشرع أعطى للهيئة التحكيمية صلاحية القيام بجميع إجراءات التحقيق وذلك بالاستماع إلى الشهود وتعيين الخبراء أو أي إجراء آخر .
إلا أن الإشكال المطروح ولم يتطرق إليه المشرع وهو في حالة امتناع الشاهد عن الحضور، أو حضوره وامتناعه عن الشهادة أو عدم إجابته عن الأسئلة التي توجهها إليه هيئة التحكيم، ففي هذه الحالة لا يكون أمام الهيئة سوى اللجوء إلى القضاء لالزام الشهود بالحضور أو توقيع الجزاءات المنصوص عليها في قانون الإثبات في حالة الامتناع عن الحضور والإجابة عن أسئلة الهيئة وهو ما أقره المشرع المصري وأغفله المشرع المغربي .
أما ما يتعلق بسماع الشهود فقد نص الفصل 10-327 من الفقرة الثانية ولا يحول ذلك دون ان تجتمع هيئة التحكيم في أي مكان تراه مناسبا للقيام بإجراءات التحكيم كسماع أطراف النزاع أو الشهود أو الخبراء أو الإطلاع على المستندات أو معاينة بضاعة أو أموال أو إجراء مداولة بين أعضائها أو غير ذلك.
فالمحكم يتمتع بسلطة واسعة في الإثبات فله أيضا الحق في سماع الشهود بناء على طلب الخصوم أو من تلقاء نفسه عملا بالفصول 10-11-12 من قانون 05-08.
وإذا اتفق الأطراف في التحكيم أو اتفاق مستقل على تحديد شهود بشخصيتهم كان المحكم ملزم بذلك ويستطيع المحكم سماع في غيبة الخصوم وإذا كان الأمر كذلك فعليه كتابة محضر بذلك وأن يمكن الخصوم من الإطلاع على موضوعها، إعلانهم بمضمون الشهادة وإلا كان ذلك إخلال بمبدأ المواجهة .
الحالة الثانية : إجبار الخصم الغير بتقديم مستند تحت يده
تعتبر المستندات من أهم وسائل الإثبات، نظرا لما تتضمنه من بيانات ومعلومات تعين المحكم على إظهار وجه الحق في النزاع المعروض عليه، ويحق للهيئة التحكيمية المضي قدما في إجراءات التحكيم وإصدار حكمها استنادا على الأدلة المطروحة إذا رأت كفايتها أمامها. شرط ألا يخل ذلك بحقوق الطرفين، خصوصا وقد أعطى مشروع قانون المسطرة المدنية رقم 05-08 المغربي الصلاحية لهيئة التحكيم بالقيام بجميع إجراءات التحقيق بالاستماع إلى الشهود أو بتعيين خبراء أو... كما وسع من صلاحية هيئة التحكيم بأن خول لها سلطة الأمر على الطرف الذي يملك وسيلة إثبات تحت يده .
إلا أن مشروع قانون 05-08 أغفل الحالة التي يمتنع فيها أحد الأطراف من الامتثال إلى أمر هيئة التحكيم ومع ذلك فإن واقع الحال لا يمنع هيئة التحكيم من طلب المساعدة من القضاء التحقيق هذا الأمر باعتبار أن سلطة الأمر الفعلية هي بيد القضاء، وتلك الممنوحة لهيئة التحكيم وفق نص الفصل 327/11 في واقع الأمر ما هي إ لا سلطة معنوية.
ثانيا: الإنابة القضائية
فالإنابة القضائية صورة من صور المساعدة القضائية التي يقدمها القضاء الرسمي لنظام التحكيم أثناء إجراءات مسطرة التحكيم
والمشرع المغربي لم يتعرض الإنابة القضائية في خصومة التحكيم بينما المشرع المصري نص عليها في المادة الثالثة تحكيم والتي تنص أنه يختص رئيس المحكمة المشار إليها في المادة التاسعة بالأمر بالإنابة القضائية بناء على طلب التحكيم .
الفقرة الثانية: البث القضائي في الأمور الخارجة عن اختصاصات هيئة التحكيم
قد تعترض المحكم أثناء مسطرة التحكيم مسألة خارجة عن حدود ولايته، إما لكونها غير قابلة للتحكيم أصلا، وإما لعدم شمولها في اتفاق التحكيم، وفي هذه الحالة يجوز أن يوقف إجراءات الخصومة أمامه حتى يتم الفصل فيها من قبل المحكمة المختصة .
ويترتب عن وقف سير الإجراءات سريان الميعاد المحدد لإصدار حكم التحكيم، والتطبيقات في هذه الحالة عديدة أبرزها كأن يعرض خلال مسطرة التحكيم مسائل جنائية كالطعن بالتزوير في ورقة قدمت لهيئة التحكيم أو اتخذت إجراءات جنائية على تزويرها أو عن فعل جنائي آخر وهذا ما سنحاول التطرق إليه في هذه الفقرة.
-تدخل القضاء عن طريق الأمر بإجراءات الطعن بالتزوير وتحقيق الخطوط
إذا حدث أثناء مسطرة التحكيم أن طعن أحد الأطراف بتزوير وثيقة ما، أو وقع حادث جنائي أخر، فإن المحكم ملزم بإيقاف البت في النازلة المعروضة عليه لحين بت المحاكم العادية في الدعوى المعروضة عليها بشأنه بصفة نهائية .
فالتساؤل المطروح، هل يحق للأطراف منح الهيئة التحكيمية في اتفاق التحكيم السلطة في إجراءات تحقيق الخطوط والإدعاء بالتزوير؟
للإجابة على هذا السؤال لابد من الإشارة إلى صورة الدعوى وهي الدعوى الأصلية، والدعوى الفرعية اللتين قد يتخذهما شكل الدعوى.
بالنسبة للدعوى الأصلية، فلا مجال لقيامها أمام هيئة التحكيم لأن ولاية هذه الهيئة قاصرة على النظر في النزاع على الحق الموضوعي أما ما يتعلق بالدعوى الفرعية فليس هناك نص في ق.م.م. أوفي قانون المسطرة المدنية المعدل 08-05 يجيز ذلك وقد كان المشرع المغربي صريحا لسد الباب أمام هيئة التحكيم بالقيام بإجراء من إجراءات تحقيق الدعوى ويتبين هذا من خلال المادة 313 ق.م.م التي تنص في فقرتها الثانية على أنه"...ويوقف المحكمون أشغالهم إذا وقع الطعن بالزور، ولو مدنيا أو طرأت أثناء التحكيم عوارض جنائية إلى أن تبت المحاكم العادية في المسألة العارضة ويوقف الأجل المحدد ولا يسري من جديد إلا من تاريخ البت فيها نهائيا".
إلا أن قانون المسطرة المدنية المغربي رقم 05-08 أعطى الصلاحية للمحكمين من خلال الفصل 11-327 لاتخاذ كل إجراءات التحقيق حيث جاء من آخر الفقرة عبارة "أو أي إجراء آخر" فإذا أخذنا هذه العبارة بالمفهوم الواسع فهذا يعين أن واضعي المشروع المغربي 05-08 لم يقيدوا الهيئة التحكمية فيما يتعلق بإجراءات التحقيق وبالتالي يمكن أن تدخل في إطارها الإجراءات المتعلقة بالزور الفرعي وتحقيق الخطوط، ولم ينص المشروع المغربي 05-08 من هذه الفقرة على أن قرارات المحكمين في هذه الحالة تخضع لرقابة القضاء الوطني وتذييلها بالصيغة التنفيذية.
المطلب الثاني : الرقابة القضائية على الحكم التحكيمي:
بحثا عن العدالة وعن الاستقرار القانوني نظم المشرع في جميع البلدان ذات النظم القانونية المعاصرة وسائل متعددة للطعن في أحكام المحكمين
والمشرع المغربي بدوره، وعلى غرار باقي التشريعات نظم طرقا معينة للطعن في أحكام المحكمين، والهدف من هذا الطعن هو استدراك ما قد يكون المحكم وقع فيه من خطأ بغية إصلاحه ورفعه عن المتضرر .
على الرغم من تنصيص المشرع في الفصل 34-324 من قانون م م المعدل بقانون التحكيم رقم 05-08 في فقرته الأولى على أنه لا يقبل الحكم التحكيمي أي طعن مع مراعاة مقتضيات الفصلين 35-327 و36-327 بعده".
إلا أن المشرع من خلال الفقرة الثانية من هذا الفصل وعملا بأحكام الفصل 35-327 من نفس القانون قد خول للخصوم ممارسة بعض طرق الطعن الغير عادية لاستيفاء حقوقهم حيث جعل أحكام المحكمين تقبل تعرض الغير الخارج عن الخصومة وطلب إعادة النظر.
ولهذا سنقسم هذا المطلبين إلى فقرتين، نتناول في الفقرة الأولى تعرض الغير الخارج عن الخصومة، بينما نخصص الفقرة الثانية لطلب إعادة النظر والتذييل بالصيغة التنفيذية.
الفقرة الأولى: تعرض الغير الخارج عن الخصومة:
تعرض الغير الخارج عن الخصومة طريق غير عادي للطعن في الأحكام، وضعه المشرع في متناول كل شخص مس بحقوقه حكم لم يكن طرفا، ولا ممثلا فيه، من أجل الحصول على مراجعة النظر في هذا الحكم .
والمشرع المغربي لم يأت بأحكام جديدة تتعلق بتعرض الغير الخارج عن الخصومة في ميدان التحكيم تتفق مع طبيعته ومكوناته بل أوجب تطبيق نفس المقتضيات المطبقة أمام المحاكم الرسمية، وهو ما نص عليه قانون م م المعدل بالقانون الجديد رقم 05/08 في الفصل 35-327 حيث نص على أنه"لا يواجه الأغيار بالأحكام التحكيمية ولو كانت مذيلة بالصيغة التنفيذية ويمكنهم أن يتعرضوا عليها تعرض الغير الخارج عن الخصومة طبقا للشروط المقررة في الفصول من 303 إلى 305 أملا أمام المحكمة التي كانت ستنظر في النزاع ولو لم يبرم اتفاق التحكيم".
فتعرض الغير الخارج عن الخصومة يمارسه الشخص الأجنبي عن طرفي النزاع وعن الدعوى كليا. ولا تربطه أي علاقة مع المحكمين، والذي تكون مصالحة قد تضررت نتيجة القرار لتحكيمي الصادر، وتمس بحقوقه طبقا للفصل 303 من قانون م.م نتيجة عدم استدعائه في الدعوى شخصيا أو بواسطة نائبه .
ويقدم هذا التعرض وفقا للقواعد المقررة للمقالات الافتتاحية والتي نص عليها المشرع في الفصلين 31 و32 من ق.م.م .
ولا يقبل تعرض الغير إذا لم يرفق بوصل يثبت إيداعه بكتابه ضبط المحكمة مبلغا مساويا للغرامة في حدها الأقصى والتي يحكم بها على الشخص الذي قد يقبل تعرضه بغرامة لا تتجاوز مائة درهم بالنسبة للمحاكم الابتدائية وثلاثمائة درهم بالنسبة لمحاكم الاستئناف وخمسمائة درهم بالنسبة للمجلس الأعلى دون مساس بتعويض الطرف الآخر عند الاقتضاء .
لكن الأشكال الذي يثار في هذه المسألة هو تحديد الجهة المختصة التي ينبغي التعرض أمامها هل هي المهيئة التحكيمية التي أصدرت الحكم؟ أم ينبغي التعرض أمام المحكمة المختصة؟
في غياب تحديد من طرف المشرع عن الجهة المختصة، فيمكن القول على أن الجهة المختصة للنظر في هذا التعرض من المحكمة الابتدائية باعتبارها المحكمة المختصة بالنظر في النزاع ولو لم يبرم اتفاق التحكيم .
أما إذا كان النزاع من اختصاص المحاكم التجارية، فإن تعرض الغير الخارج عن الخصومة يجب أن يقدم أمام المحاكم التجارية . أما في حالة وقوع الاتفاق على تحكيم في نزاع معروض على محكمة استئنافية, فيجب حسب مقتضيات الفصل 320 من ق.م.م أن يقدم التعرض بكتابة ضبط الاستئناف. كما أسند المشرع حسب الفصل 322 للرئيس الأول بهذه المحكمة اختصاص منح الصيغة التنفيذية لحكم المحكمين.
وبخصوص الحكم الصادر في تعرض الغير الخارج عن الخصوص فهنا:
-إذا يتبين للمحكمة أن الطلب غير مستوف للشروط الشكلية، حكمت بعدم قبوله شكلا مع وجوب دفع المتعرض الغرامة المحددة في الفصل 305 ق.م.م.
-أما إذا كان الطلب مقبولا شكلا، وفي الموضوع غير مؤسس، ولم يثبت ما يدعيه المتعرض، فإنها تحكم برفض الطلب، وبالحكم عليه بالغرامة المقررة قانونا.
-إما في الحالة التي يتبين لها أن ما يدعيه المتعرض صحيحا، وأن هذا الأخير أثبت الضرر الحاصل له من الحكم المتعرض عليه وحقه في ما يدعيه قضت المحكمة حسب ما يثبت لها وأمرت بإرجاع الغرامة المودعة إلى المتعرض وحملت المحكوم عليه الصائر .
كما أن الحكم الذي يصدر نتيجة تعرض الخارج عن الخصومة لا يكون قابلا للطعن بالنقض وهو ما يستخلص من مقتضيات الفصل 327 من ق.م.م الذي أجاز الطعن بالنقص في القرارات الصادرة انتهائيا في طلب المادة النظر في حكم المحكمين والتزم الصمت إزاء مصير الحكم الذي يصدر نتيجة تعرض الخارج عن الخصومة .
الفقرة الثانية : إعادة النظر والتذييل بالصيغة التنفيذية:
نتطرق أولا إلى طلب إعادة النظر في أحكام المحكمين وبعدها إلى تذييله ثانيا
أولا: طلب إعادة النظر في أحكام المحكمين
إن المشرع المغربي لم يأت بأية أحكام خاصة بطلب إعادة النظر في حكم المحكمين، وإنما اكتفى بالإحالة فقط على القواعد العامة المنصوص عليها في الفصول من 402 إلى 410 من قانون المسطرة المدنية المتعلقة بطلب إعادة النظر في أحكام المحاكم
ويقصد بالطعن بإعادة النظر أو الطعن بالتماس إعادة النظر هو ذالك الحكم النهائي أو الإنتهائي الذي لا يقبل الطعن فيه بطرق الطعن العادية كالتعرض أو الاستئناف وهو طعن يرفع أمام نفس المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون إذا ما توافرت فيه حالة من الحالات التى أوجب المشرع توافرها لقبول طلب إعادة النظر . وهو لا يرمي إلى إصلاح الحكم موضوع الالتماس وإنما يهدف إلى محو هذا الحكم ليعود مركز الملتمس في الخصومة إلى ما كان عليه قبل صدوره، وحتى يتمكن بذلك من مواجهة النزاع من جديد والحصول على حكم آخر بعد أن يكون قد تخلص من قوة الشيء المقضي به في الحكم محل الالتماس .
وهو نفس المسار الذي صار عليه المشرع المصري حيث نصت المادة 510 من قانون المرافعات المصري على أن "أحكام المحكمين لا تقبل الطعن فيها بالاستئناف ثم نصت المادة 511/1 مرافعات على أنه "فيما عدا الحالة الخامسة من المادة 241 يجوز الطعن في أحكام المحكمين بالتماس المادة النظر طبقا للقواعد المقررة لذلك فيما يتعلق بأحكام المحاكم ويرى الأستاذ الدكتور عمر ـ بأن الطاعن بالتماس إعادة النظر كطريق طعن غير عادي لا يستطيع بناء على طعنه على أي سبب كان إذ هو ملزم بناء الطعن على أحد الأسباب الواردة في القانون على سبيل الحصر.
كما أن قاضي محكمة الالتماس لا يستطيع أن ينظر أي سبب كان للطعن في الحكم بل هو مقيد بالأسباب الواردة في صحيفة الطعن والمحكمة المختصة بنظر التماس إعادة النظر في حكم المحكمين حسب قانون المرافعات المصري هي نفس المحكمة التي أصدت الحكم ويمكن أن ينظر فيه نفس القاضي .
وبالرجوع إلى القواعد العامة في القانون المغربي, فإنه يحق لكل من كان طرفا في نزاع صدر فيه حكم تحكيمي أن يطلب من المحكمة المختصة من حيث الأصل أن تعيد النظر فيه من جديد إذا توافر له سبب من الأسباب المنصوص عليها في الفصل 402 من ق.م.م. وهذه الأسباب واردة على سبيل الحصر فيما يلي:
1-إذا بث القاضي (المحكم) فيما لم يطلب منه أو حكم بأكثر مما طلب منه أو إذا أغفل البت في الطلبات.
2-إذا وقع تدليس أثناء تحقيق الدعوى
3-إذا بني الحكم على مستندات اعترف أو صرح بأنها مزورة وذلك بعد صدور الحكم.
4-إذا اكتشف بعد الحكم وثائق حاسمة كانت محتكرة لدى الطرف الآخر
5-إذا وجد تناقض بين أجزاء نفس الحكم
6-إذا قضت نفس المحكمة بين نفس الأطراف واستنادا لنفس الوسائل بحكمين انتهائيين ومتناقضين وذلك لعلة عدم الإطلاع على حكم سابق أو لخطأ واقعي
7-إذا لم يقع الدفاع بصفة صحيحة على حقوق إدارات عمومية أو حقوق القاصرين.
فإذا كانت الأسباب الخمس المذكورة لا تثير أي أشكال فإن السبب السادس والسابع من نص الفصل 402 ق.م.م لا يمكن تصورهما في الحكم التحكيمي على أساس :
-أن الحكم المحكمين لا يصدر إلا بناء على اتفاق الأطراف وبعد مجاراة مسطرة التحكيم ومسايرتها، وبالتالي يصعب على المحكم إصدار حكمين من نفس الأطراف واستنادا إلى نفس الوسائل ودون أن يتمسك أحد الأطراف بالحكم الذي سبق صدوره.
-كما أن السبب السابع يتعارض مع مقتضيات الفصل 306 من ق.م.م. الذي يمنع التحكيم في القضايا المتعلقة بالنظام العام ومنها قضايا شؤون القاصرين وكذلك النزاعات التي تكون فيها إدارة عمومية طرفا ما لم تكن تخضع لأحكام القانون الخاص.
وفي صدد تحديد المشرع المصري لأسباب الطعن بالتماس إعادة النظر طبقا للمادة 241 من قانون المرافعات فهي ذات الأسباب التي نص عليها المشرع المغربي باستثناء المادة الخامسة
من قانون المرافعات التي لا يجوز الطعن فيها بإعادة النظر والمتعلقة بالحكم بما لم يطلبه الخصوم أو بأكثر مما طلبوه كوجه من وجوه الطعن بالتماس إعادة النظر .
ويبرز فقه المرافعات استثناء هذه الحالة، ومن ثم عدم جواز بناء الطعن بالالتماس في حكم المحكمين عليها إلى أنه إذا حكم المحكم بما لم يطلبه الخصوم أو بأكثر مما طلبوه يكون قد خرج عن حدود لاتفاق على التحكيم ويمكن في هذه الحالة رفع دعوى أصلية ببطلان حكمه وفقا للمادة 512/1 مرافعات .
وهو ما أقره المشرع المغربي أيضا على أساس أن هناك أسبابا للطعن بإعادة النظر هي نفسها أسباب للطعن بالبطلان حسب صريح الفصل 36-327 من قانون التحكيم 05-08 في بنده الثالث.
فإذا بتت هينة التحكيم في مسائل لا يشملها التحكيم أو تجاوزت حدود الاتفاق: بمعنى أنها بتت فيما لم يطلب منها أو بتت في أكثر من الطلب ففي هذه الحالة وحسب زاي .د. محمد فاضل الليلي يكون للمتضرر الاختيار بين سلوك مسرة البطلان أو مسطرة طلب إعادة النظر إلا أن مسطرة البطلان تكون الأرجح باعتبارها مسطرة خاصة كما أن الحكم القاضي بالبطلان يمكن أن ينصب على جزء من الحكم فقط .
والمحكمة المختصة بنظر رفع التماس إعادة النظر هي المحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع ويجب أن يقدم طلب إعادة النظر داخل أجل 30 يوما من تاريخ تبليغ الحكم المطعون فيه مع تطبيق مقتضيات الفصول 136-137- 139 من ق.م.م بواسطة مقال افتتاحي تنطبق عليه شروط الشكلية المتطلبة في المقال الافتتاحي للدعوى وأن يؤدي طالب التماس إعادة النظر مبلغ الغرامة المنصوص عليه في الفصلين 403 و407 من ق.م.م وإلا اعتبر طلبه غير مقبول شكلا. وهذه الغرامة تنطبق حتى على طالب المساعدة القضائية أي أن المتمتع بالمساعدة القضائية لا يعفى من الغرامة المقررة في الفصل 407 من ق.م.م. كما قضى بذلك المجلس الأعلى .
ومن آثار قبول إعادة النظر أن يتم إبطال الحكم التحكيمي وإرجاع الأطراف إلى الحالة التي كانوا عليها قبل صدور الحكم التحكيمي على إرجاع المبالغ المودعة وكذا الأشياء التي قضي بها والتي قد يكون تم تسليمها بقصي الحكم التحكيمي .
وتجدر الإشارة إلى أن القرارات الصادرة انتهائنا في طلب إعادة النظر في أحكام المحكمين تقبل الطعن بالنقض متى توافرت الأسباب والشروط التي تبرز ذلك .
ثانيا: تذييل الحكم التحكيمي بالصيغة التنفيذية:
إن مهمة الهيئة التحكيمية تنتهي بإصدار لحكمها التحكيمي، وبعدها تبدأ رغبة الأطراف في تنفيذ الحكم التحكيمي.
وهذا التنفيذ قد يكون طوعيا أو اختياريا .
فالأصل والمادة أن أحكام التحكيم تنفيذ بكيفية رضائية وبدون إجبار على التنفيذ لأنها أصلا مؤسسة على عقد التحكيم أو شرط التحكيم المضمن في العقد الرابط بين الأطراف، فالحكم التحكيمي إنما هو امتداد لذلك العقد وأثر من آثاره، والتزام الأطراف بتنفيذ العقد أو شرط التحكيم يترتب عليه التزام بتنفيذ الحكم التحكيمي, والتنفيذ الاختياري والطوعي لا يتطلب أية شكلية معينة للقيام به .
ومع أن القاعدة العامة عدم ضرورة تذييل الأحكام التحكيمية بالصيغة التنفيذية إلا أن هناك استثناء أورده المشرع وذلك كلما تعلق الأمر بتنفيذ حكم تحكيمي بصورة جبرية، فقد نص الفصل 31-327 من قانون 05-08 على أنه "لا يفيد الحكم التحكيمي جبريا إلا بمقتضى أمر بتخويل الصيغة التنفيذية يصدره رئيس المحكمة الصادر الحكم في دائرتها". وعليه ينبغي التمييز بين الأحكام التحكيمية التي تنفذ اختياريا وتلك التي يستلزم تدخل القضاء جبرا في تنفيذها، فبالنسبة للأولى كما سلف الذكر لا حاجة لتذييلها بالصيغة التنفيذية أما الثانية فلا بد من سلوك مسطرة التذييل .
لهذا سنتعرض أولا إلى الأحكام المتمتعة بقوة الشيء المقضي به (أ) ثم إلى مسطرة طلب الصيغة التنفيذية والمحكمة المختصة (ب)
أ-الأحكام المتمتعة بقوة الشيء المقتضى به:
فطبقا لمقتضيات الفصلين 26-327 عن قانون 05-08 و31 ـ 327 من قانون 08ـ 05 فإنه بعدما كانت جميع الأحكام الصادرة في المادة التحكيمية لا تتمتع بأية قوة تنفيذية ما لم تكن مذيلة بالصيغة التنفيذية التي كان يمنحها رئيس المحكمة، أصبحت الأحكام التحكيمية كقاعدة عامة تتمتع بهذه القوة ولا تحتاج إلى أن تتمتع بالتذييل بالصيغة التنفيذية، وهذا ما أشار إليه الفصل 26-327 من فانون المسطرة المعدل بقانون 05 / 08 الذي يتحدث عن حجية الشيء المقضي به، كما ينص على أن الحكم التحكيمي بمجرد صدوره عن الهيأة التحكيمية أو المحكم يتمتع لا بالحجية وحسب، وإنما بقوة التنفيذ، إذ يمكن للمحكوم له أن يباشر التنفيذ سواء بطريقة اختيارية أو بشكل جبري بل ولو نمت ممارسة الطعن التي يسمع بها القانون أحيانا .
والأحكام التي تحتاج إلى التذييل بالقضية التنفيذية حسب الفصلين 26-327 في فقرته الثانية والفصل 31-327 هي الأحكام التي كان أحد أطراف النزاع فيها شخصا معنويا ومتى كان التنفيذ جبريا.
ب-طلب الصيغة التنفيذية والمحكمة المختصة
من أجل الحصول على الصيغة التنفيذية لا بد من سلوك إجراءات وهي كالتالي:
-إيداع الحكم التحكيمي بكتابة ضبط المحكمة لإعطاء الصيغة التنفيذية وهذا الإجراء يقوم به أحد المحكمين أو الأطراف داخل أجل 3 أيام من تاريخ صدور الحكم التحكيمي حسب الفصل 320 من ق.م.م و7 أيام حسب الفصل 31-327 من قانون التحكيم رقم 05-08
ـ إرفاق الحكم التحكيمي باتفاق التحكيم وذلك حسب مقتضيات الفصل 31-327 من القانون المذكور في فقرته الثانية على أنه " يودع أصل الحكم التحكيمي مصحوبا بنسخة من اتفاق التحكيم مع ترجمتها إلى اللغة العربية لدى كتابة ضبط المحكمة من لدن أحد المحكمين أو الطرف الأكثر استعجالا داخل أجل سبعة أيام كاملة تالية لتاريخ صدوره"
طلب موجه للسيد رئيس المحكمة من أجل إعطاء الصيغة التنفيذية للحكم التحكيمي وتخضع لكافة الشروط المتطلبة في المقالات والطلبات التي ترفع للسيد رئيس المحكمة ومنها ذكر أطراف النزاع والوقائع وموضوع الطلب بالإضافة إلى أداء الرسوم القضائية
إلا أن الحكم التحكيمي الصادر خارج المغرب، ولإعطائه الصيغة التنفيذية، فإن طالبه يكون ملزما بالإدلاء بأصل الحكم التحكيمي وكذا اتفاق التحكيم أو صورة مطابقة لهما. مع ترجمتها إلى اللغة العربية إذا كان مكتوبا بلغة أجنبية حسب ما جاء في الفصل 47-327 من قانون التحكيم رقم 05-08
والجهة المختصة بمنح الصيغة التنفيذية، هو رئيس المحكمة التي صدر في نفوذها الحكم التحكيمي أو التي يوجد نفوذها مكان تنفيذ الحكم التحكيمي وهو حسب الاختصاص رئيس المحكمة التجارية أو المحكمة الابتدائية أو المحكمة الإدارية أو الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف حسب الحالات .
خاتمة:
ما يمكن أن القانون الجديد رقم 05/08 قد جاء مستجيبا لمجموعة من النواقص التي كانت تعتري التشريع الملغى، ومن بينها التمييز بين التحكيم الداخلي والتحكيم الدولي، وهذه من أهم الإيجابيات التي جاء بها القانون الجديد، إلا أن هذا لا يمنع من القول بأنه بدونه لا يخلو من بعض العراقيل والصعوبات التي تعيق مساطر التحكيم بالمغرب وأهم هذه العراقيل التي تبقى عائقا بين طموحات المستثمرين الأجانب بالمغرب ومؤسسة التحكيم كوسيلة فعالة لتسويه منازعاتهم، وهي بسط الدولة لرقابتها على مجريات التحكيم، هذا دون شأن العائق التشريعي الذي تسجد في إدراج قانون 05-08 كملحق في قانون المسطرة المدنية عوض تخصيص مدونة مستقلة وخاصة للتحكيم، مما يدل على استمرار تحكم القضاء الرسمي في التحكيم والدليل على ذلك هو الإحالة بشأن مسطرة التحكيم على بنود المسطرة المدنية التي تتسم إجراءاتها بالتعقيد ولهذا وللخروج من هذه المعوقات وهذا العجز التشريعي وفي ظل الحديث عن إصلاح قضائي يبقى الأمل معلقا على المهتمين بالقطاع خاصة التجاري, والفاعلين الاقتصاديين والسياسيين للدفع قدما هذه المؤسسة (أي مؤسسة التحكيم)
لائحة المراجع :
الكتب:
حفيظة السيد الحداد الرقابة القضائية على أحكام التحكيم بين الازدواجية والوحدة 2005.
أحمد الورفلي: القضاء في الدول المغاربة والتحكيم التجاري الدول بين الرقابة والمساعدة المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية العدد41، / 2003
رضا السيد عبد الحميد، مسائل في التحكيمي-دار النهضة العربية الطبعة 1989 بيروت
محمد لفروجي، التجار والأعمال التجارية، طبعة 1997.
أستاذنا عبد العزيز حضري، المسطرة المدنية
أحمد أبو الوفاء: التحكيم في القوانين العربية 1996
محمد محمد بدران: المشاكل الخاصة باختيار المحكمين وردهم ، الطبعة 2004
أحمد عبد المنعم: حدود الرقابة القضائية على التحكم الداخلي في منازعات العقود
ليلى منجلون: التحكيم التجاري في القانون المغربي، طبعة 1994.
عبد المجيد اغميجة / قراءة مشروع مدونة التحكيم "مداخله في ندوة الطرف البديلة في لتسوية المنازعات منشورات جمعية نشر المعلومات القانونية والقضائية سلسلة، طبعة 2004.
عزمي عبد الفتاح: إجراءات رد المحكم، مجلة الحقوق الكويتية العدد الرابع، الطبعة الثانية 1994.
رضا السير عبد المجيد: مسائل في التحكيم ، ط1989
أحمد أبو الوفاء: التحكيم الاختياري والإجباري ، الطبعة 5 الإسكندرية 2000
نجيب أحمد عبد الله تابت الحنبلي: التحكيم في القوانين العربية، ط.2006
حفيظة السيد الحداد: الإجراءات الوقتية والتحفظية والمنازعات الخاصة الدولية ، مطبعة الانتصار، 1996
مروان كركبي: تدخل القضاء في المحاكمة التحكيمية الملتقي القضائي للتحكيم، المركز اللبناني للتحكيم، مطبعة صادر 2005
أحمد سعيد، يحي دور القضاء في معاونة التحكيم والرقابة عليه، مجلة التحكيم، العدد 50 أبريل 2004.
- أمال أحمد الفزايري-دور قضاء الدولة في تحقيق فاعلية التحكيم دراسة كأصلية مقارنة بين النظام القضائي-المغربي-السعودي-الفرنسي-الإيطالي –منشأة المعارف بالإسكندرية-دون ذكر الطبعة والسنة
الطيب الفصايلي، الوجيز في القانون القضائي الخاص الجزء الثاني، الطبعة الثانية 1993
نبيل اسماعيل عمر،الطعن بالتماس إعادة النظر في المواد المدنية والتجارية الطبعة الأولى، منشأة المعارف الاسكندرية سنة 1983
محمد فاضل الليلي-العلم والتحكيم والوسائل البديلة لحل النزاعات من خلال اجتهادات المجلس الأعلى –الندوة الجهوية الحادية عشر، قصر المؤتر بالعيون-بتاريخ 01-02 نونبر 2007
الرسائل:
عبد الله درميشر: التحكيم في المواد التجارية رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا الدار البيضاء، 1982، ص: 22.
رسالة الرقابة القضائية على التحكيم في التشريعي اليمني والمغربي، دراسة مقاربة: محمد النظاري جامعة محمد الأول، وجدة سنة 2006/07
فريد أوسي-تنفيذ قرارات التحكيم الأجنبية في المغرب بين مقتضيات القانون الدولي الاتفاق والقانون الداخلي-دراسة مقارنة-رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة-فرع القانون الخاص -بجامعة القاضي عياض بمراكش-السنة الجامعية 1999-2000.
الندوات :
محمد ناصر المتيوي: الندوات الدراسن العدد2-2004 ط.1، ص: 25.
الصلح والتحكيم والوسائل البديلة لحل النزاعات من خلال اجتهادات المجلس أما على، 2007.
المجلات والمقالات:
عبد الرحمان المصباحي، المادة التحكيمية أو قابلية النزاع للتحكيم، مجلة القضاء والقانون
مقال منشور لأستاذ شعيب المذكوري خصومة التحكيم الدولي قي المادة التجارية مجلة المحاكم المغربية عدد 72
إبراهيم بحماني-تنفيذ المقررات التحكيمية الوطنية والدولية، ندوة العمل القضائي والتحكيم التجاري
يلعب التحكيم دورا هاما كآلية لفض المنازعات الناشئة بين الأفراد سواء على صعيد العلاقات الخاصة الدولية بل وعلى صعيد العلاقات الوطنية البحتة أيضا, وطرق الأفراد لباب التحكيم وعزوفهم عن اللجوء إلى القضاء الداخلي مبعثه المزايا التي يحققها هذا القضاء الخاص والذي يتسم بالسرية والتخصصية والتحرر من رقبة القواعد القانونية سواء كانت تلك القواعد موضوعية أو إجرائية ما لم تكن متصلة بالنظام العام الدولي في دولة مقر التحكيم أو الدولة التي يراد تنفيذ الحكم فيها
وقد أصبح دوره في الوقت الراهن أكبر فعالية بسبب العولمة والمنافسة الاقتصادية الحرة من جهة, وأمام ما يشكوه القضاء من انعدام النزاهة والتشعب في الإجراءات المسطرية المنظمة لرفع الدعوى والتي لا تصمد أمام مزايا التحكيم, إلا أن هذه الفوارق العديدة لا تنفى مبدأ التكامل والانسجام بين المؤسسين حيث وإن كان التحكيم ذو طبيعة اتفاقية يفرضها عنصر الانعقاد. فإنه يعد ذو طبيعة قضائية كذلك التي يفرضها عنصر الإلزام في مرحلة التنفيذ على مستوى الأحكام التي تصدرها هيئة التحكيم
ولعل عولمة الاقتصاد والتنافس هو ما دفع بالمشرع المغربي بإصدار قانون 05.08 المتعلق بالتحكيم, إلا أن موضوع التحكيم كوسيلة من وسائل تسوية المنازعات بين الأفراد والجماعات محاطة بمجموعة من الصعوبات والمشكلات العملية خاصة أن العديد من جوانب التحكم يوجد بشأنها اختلاف في وجهات النظر سواء في القانون الوضعي أو على مستوى الفقه والقضاء
وحتى يواكب المغرب التطورات الحاصلة ومواجهة تحديات العولمة الاقتصادية, إذ غالبا ما يعزى رفض المستثمرين الأجانب لاستثمار أموالهم في المغرب خوفهم من عدم وجود قضاء عادل يكون محل ثقة, وبالتالي حكمت الوضعية الجديدة على المشرع المغرب أن تتماشى ويتجاوب مع التطورات الاقتصادية وذلك بحدوث قوانين تتلاءم مع متطلبات العصر وتستجيب لطموحات الفاعلين الاقتصاديين بالمغرب. لهذا حرص المشرع المغربي على تنظيم العلاقة بين القضاء والتحكيم وذلك بإقراره لمبدأ الرقابة القضائية على أعمال المحكمين في إطار مزدوج يشمل المرحلة السابقة على صدور الحكم التحكيمي والمرحلة اللاحقة على صدوره, ذلك أن هيئة التحكيم لا تتمتع بسلطة الأمر المخولة لقضاء الدولة
فصدور القضاء لا يقتصر على هذا الشأن بل يقدم للعديد من صور المساعدة والإشراف على هيئات التحكم سواء قبل بدء الإجراءات وأثناء سيرها, كما يمارس مهمته الرقابية من خلال هذه المساعدة.
وارتباطا منا بعنوان العرض –دور القضاء في الإشراف على عمل هيئات التحكيم- تتجلى لنا أهمية الموضوع من خلال الفرصة التي تتاح لنا, انطلاقا من دور القضاء في تشكيل هيئة المحكمين وآليات تجريحهم (المبحث الأول) مظاهر الرقابة القضائية على إجراءات التحكيم (المبحث الثاني).
المبحث الأول : دورا لقضاء في تشكيل الهيئة التحكيمة وآليات تجريحها:
إن التحكيم كمؤسسة اختيارية تقوم على مبدأ سلطان الإرادة في كل مراحلها، يجعلها بشكل أو بأخر خاضعة لإرادة هؤلاء الأطراف مما يتولد عنه أحيانا نشوب نزاعات وخلافات حول تشكيل هيئة التحكيم أو استبدال المحكمين أو تجريحهم، وهنا لا يصح أن يعمل التحكيم نفسه في مثل هذه الأمور وإنما تكون الوصاية للقضاء ليعمل فيها، وعليه فالقضاء يتدخل في تشكيل هيئة التحكيم (المطلب الأول) وفي البت في المنازعات اعتقلته بتجريح المحكمين (المطلب الثاني
المطلب الأول: حدود تدخل القضاء في تشكيل هيئة التحكيم:
تكتسي مسألة اختيار المحكمين أهمية كبيرة لقيام التحكيم وتشكيل الهيئة التحكيمية، ويستند اختيار المحكمين بالدرجة الأولى على إرادة الأفراد مما يترك الباب مراجا لتقارب هذه الإرادات أحيانا حول شخص محكم دون آخر مما يستدعي التدخل لحسم النزاع، بيد أن هذا التدخل يميز بين حالة اختلاف الأطراف حول اختيار المحكم (الفقرة الأولى) وحالة الخلاف حول إجراءات اختيار المحكم (الفقرة الثانية
الفقرة الأولى: اختلاف الأطراف حول اختيار المحكم:
إن المشرع المغربي كغيره من التشريعات بات يأخذا هو الأخر في تشكيل الهيئة التحكيمية بنظام المحكم الفرد أو تعدد المحكمين، ويتعين ذكر أسماء المحكمين في وثيقة التحكيم وهو أمر عند مخالفته يعرض عقد التحكيم للبطلان بنص المادة 317 ق.م.م، ومن ثم فإن تشكيل واختيار الهيئة التحكيمية يخضع لإرادة، لأطراف وفقا لمبادئ سلطان الإرادة، إلا أن هذا المبدأ ليس على إطلاقه بل إن المشرع وضع حدودا له تتجلى في حالة اختلاف الأطراف على تعيين المحكم حيث يتم اللجوء لرئيس المحكمة الذي سيذيل الحكم التحكيمي بالقوة التنفيذية من أجل تعيين المحكم(الفصل 5 / 327 من ق.م.م.)، ونشير هنا إلى أن المحكمة التي تعين المحكم ينعقد لها الاختصاص في جميع إجراءات الخصومة التحكيمية .
إلا أن مسألة اختيار المحكمين بعد نشوب النزاع، تظل فكرة نسبية جدا بل وتفرغ التحكيم من محتواه القانوني، لأنه وببساطة شديد من النادر أن يتفق الأطراف بعد نشوب النزاع بينهم .
وفي نفس السياق دائما فإن المحكمة المختصة بالإشراف على الخصومة التحكيمية هي رئيس المحكمة التجارية أو الابتدائية حسب طبيعة النزاع، والتي تشرف أيضا على تعيين المحكم القضائي بطلب ممن له المصلحة في ذلك بمعنى آخر الشخص الذي يرغب في إجراء مسطرة التحكيم شريطة توفر شروط التقاضي من مصلحة وأهلية وصفة كما يشرط أن تتوفر في المقال جميع الشروط المتعلقة بالمقال الافتتاحي وفق نص الفصل 32 من ق.م.م. تحت طائلة عدم القبول .
هذا بالنسبة للخلاف حول تحديد المحكم الواحد، أما في حالة تعدد هؤلاء المحكمين فإن الأمر يختلف حيث يمكن التمييز في هذا الصدد بين حالة عدم قيام الأطراف بتعيين محكميهم وفي هذه الحالة يجوز للطرف المتضرر اللجوء للمحكمة المختصة لتعيين المحكمين عن الطرف الرافض لتعيين محكمين من جانبه أما الحالة الثانية فتتمثل في قيام الأطراف بتعيين محكميهم وفي هذه الحالة يقوم هؤلاء بتعيين المحكم المرجع والمحقق للإجماع بيد أن هذا الأمر بات متجاوزا في ظل انتشار التحكيم المؤسسي الذي تضطلع به المحاكم المتخصصة كالمركز الدولي للوساطة والتحكيم بالرباط ومركز التوفيق والتحكيم التجاري بمراكش وغيرها من المراكز الوطنية والدولية الأخرى .
الفقرة الثانية: التدخل القضائي لوجود خلاف في الإجراءات التحكيمية:
قد يثور نزاع بين الأطراف حول تحديد مدة معينة لاختيار المحكم أو اشتراط أن يكون المحكم من جنسية معينة وفي هذه الحالة يتم اللجوء للمحكمة للفصل في النزاع، هذا الأخير غالبا ما يكون نتيجة غموض في الألفاظ التي يستعملها الأطراف بسبب نقص خبر تهم ودرايتهم في هذا الميدان، ومن أجل تجاوز مثل هذه المشاكل عمدت مجموعة من التشريعات إلى هيكلة مجال التحكيم بصفة عامة وتحديد المصطلحات بدقة حيث اشترط المشرع السعودي في المادتين 5 و6.
عرض اتفاق التحكيم على القضاء قبل العملية التحكيمية، وذلك باعتماد وثيقة التحكيم والمصادقة عليها وصدور قرار قضائي مستقلا يتضمن موضوع النزاع وأسماء الخصوم والمحكمين.
كما يتسع نطاق تدخل القضاء ليشمل الإجراءات والأسس المتعلقة بتعيين المحكمين وكذلك إضطلاع المحكمة مهمة اختيار المحكمين في حالة عدم قيام الغير المعين من الأطراف بهذه المهمة، ونشير هنا إلى أن مجالات تدخل القضاء مرتبطة باختلاف الأطراف حول اختيار المحكمين أو إجراءات هذا الاختيار أما في حالة اتفاقهم فلا مسوغ لتدخل القضاء في الإجراءات التحكيمية .
مما سبق نخلص إلى أن تدخل القضاء في تشكيل الهيئة التحكمية يستدعي توافر مجموعة من الضوابط لعل أهمها وجود نزاع بين الخصوم حول اختيار المحكمين وهو ما يعني توفر المصلحة في طلب الأمر من القضاء بالتدخل، أضف إلى ذلك ضرورة صدور قرارات المحكمة على وجه السرعة وهو ما يكرس خصوصية وميزة التحكيم من حيث السرعة في البت في النزاعات علاوة على ذلك فقد ذهبت جل التشريعات إلى إقرار مبدأ عدم قابلية قرار المحكمة باختيار المحكمين للطعن ومنها التشريع المغربي في قانون 08-05 في مادته 327-04 وهو نفس المقتضى الذي أكده المشرع المصري في المادة 17 من القانون رقم 27 لسنة 1994 وكذلك المشرع السعودي في مادته 4 وذلك تحقيقا لمبدأ السرعة المتطلبة في التحكيم كمؤسسة بديلة لحل النزاعات .
المطلب الثاني: مفهوم التجريح وآلياته:
لقد رسم القانون للمحكم ما رسمه للقاضي بصدد حماية مظهر الحيادة الذي يجب أن يتحلى به، وإذا كان ـ كقاعدة عامةـ يتطلب من القاضي غير ما يتطلب من المحكم لأن الأول يحمي مظهر العدالة باسم الدولة. بينما الآخر يحمي أساسا الحيادة في نطاق الخصومة القائمة أمامه( ) وبما أن القاضي والمحكم يشتركان في التمسك بالمبادئ الأساسية للتقاضي, وتأسيسا على ذلك يجب على المحكم الابتعاد عن كل ما يمس بحياده واستقلاله( ) الأمر الذي يجعلنا علينا التعرض لمعالجة مفهوم التجريح بالنسبة للمحكمين (في الفقرة الأولى) وآليات ذلك التجريح (في الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: مفهوم تجريح المحكمين:
لم يتعرض المشرع المغربي لحالات تجريح
المحكمين, بل اكتفى بإمكانية تجريحهم المح لسبب نشأ بعد التعيين مما يعنى استبعاد السبب الذي كان موجودا قبل تعيين المحكم وكان الطرف الذي يتمسك على به( ) ويتضح من خلال الفصل 7-327 من قانون 05/08 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية حيث ينص على أنه: "يتعين على المحكم الذي يعلم بوجود أحد أسباب التجريح في نفسه أن يشعر الأطراف بذلك وفي هذه الحالة لا يجوز له قبول مهمته إلا بعد موافقة الأطراف"( ) إلا أن الفصل 323 من نفس القانون حصر أسباب التجريح في تسع حالات منها:" إذا كانت له ـ المحكم ـ ولزوجه أو لأصوله أو لفروعه مصلحة شخصية مباشرة أو غير مباشرة في النزاع أو كانت قرابة أمصاهرة ..."
فتجريح المحكمين وردت بشأنه عدة تعارف في أوساط الفقه, فمنها ما يقصد برد المحكم أن يعبر أحد الأطراف خصومة التحكيم عن إرادته طبقا لإجراءات معينة في عدم لامتثال أمام محكم معين في قضية معينة لتوافر أحد الأسباب التي حددها القانون وطبقا للشروط التي رسمها( )
ذلك أن المشرع المغربي أخذ بإعمال نفس أحكام تجريح القضاة ويتعين تبعا لسكوت المشرع عن بيان أسباب التجريح, فبالرجوع إلى مسطرة تجريح القضاة حيث نجد أنه إذا تعلق الأمر بقاض محكمة ابتدائية يرفع طلب التجريح إلى محكمة الاستئناف لكن الأسباب المبررة لتدخل محكمة الاستئناف باعتبارها أعلى درجة بالنسبة للقاضي المطلوب تجريحه لا تنطبق على تجريح المحكم، وبالتالي يمكن القول أن المحكمة الابتدائية هي المختصة بدلا عن المحكمة الاستئنافية في تجريح محكم ما( )
لكن بحدوث القانون الجديد أي القانون 05/08 يكون المشرع قد تلافى بعض النقض الذي كان يشوب أو يعترى مسار التحكيم وما يترتب عن ذلك من تجريح للمحكمين، هذا ويختص رئيس المحكمة بالبت في الصعوبات الناتجة عن تجريح أو عزل المحكمين بأمر رئيسي غير قابل للطعن في إطار مسطرة تواجهية( ) الفصل 8/327 من قانون 05/08 ( ).
ذلك أن الهدف من تدخل القضاء هو تشكيل هيئة التحكيم أو استكمال النقض فيها أو وضع حل للمحكمة التي تتعرض تشكيلها وعندما يقوم القضاء بتعيين الحالات التي يسمح له فيها القانون بذلك. فإنه يجب أن تتوافر في الحكم الذي يعينه الشروط التي يتطلبها القانون والتي اتفق عليها الأطراف( )
u[
الفقرة الثانية: آليات تجريح المحكمين:]u
يرى أحد الفقهاء أن طلب المحكم أو تجريحه ليسر له شكل خاص وبالتالي يمكن أن يتم عن طريق تقرير أو عريضة دعوى، أو طلب شرط أن يعلن وإذا كانت المحكمة قد انتهت إلى جواز الرد عن طريق الطلب أو التقرير فإنها قد وصلت إلى نتيجة سليمة وإن كانت أسبابها القانونية غير صحيحة( ) بينما يرى جانب آخر من الفقهاء أن الإجراءات الواجبة الإتباع في نظر الخصومة بطلب الرد أو عدم الصلاحية أو في الطعن فالحكم الصادر منها هي الإجراءات العامة والمعتادة لرفع الدعوى معتبرا طلب الرد يقدم بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوى( ).
ذلك أن طلب الرد أو التجريح بالنسبة للحكم أو المحكمين يوجب إيقاف إجراءات التحكيم شأنها شأن توقيف الخصومة أمام القاضي المطلوب رده وهو ما فضله أغلب الفقهاء من عدم السير في خصومة التحكيم لحين الفصل في طلب الرد من قبل المحكمة المختصة لعدة اعتبارات منها:
- أنه لن يستغرق الفصل في طلب رد المحكمين وقتا طويلا تخشى معه إطالة أمد الفصل في الدعوى.
- توفير الجهد والمال الذي يبذل في حال الاستمرار في الإجراءات ، والتي قد يصدر حكم التحكيم خلالها ومن تم تلغى من قبل المحكمة المختصة استنادا إلى حكم رد المحكم وهو ما سيحدث أضرارا بالغة لجميع أطراف خصومة التحكيم( ) وقد نحا القضاء المغربي في هذا الصدد المنحى نفسه من خلال قرار صادر من محكمة الاستئناف بالدار البيضاء رقم 1559 / 93 بتاريخ 1 / 08 / 1995حيث اعتبر أن تجريح المحكم يترتب عليه توقف الخصومة إلى حين الفصل في طلب التجريح وأن هذا الوقف يتم دون حاجة لحكم يقضى بذلك, كما يوقف الميعاد المقرر للتحكيم إلى حين البت في طلب التجريح بحكم نهائي، وأن صدور مقرر تحكيمي من هيئة تحكيم شارك فيها محكم تم تجريحه بمقتضى حكم أصبح نهائيا يجعله باطلا لا يمكن تصحيحه بحضور الخصوم أمامه أو الإدلاء بطلبات موضوعية( ).
ويبقى دور القضاء أساسيا فيما يصدره من أحكام المتعلقة برد أو تجريح المحكم أو المحكمين والتي يمكن حصرها في فرضين:
- أن تفرض المحكمة طلب الرد بعد أن تتأكد من حياد المحكم واستقلاله وبالتالي يستمر المحكم في أداء مهمته التي لم يتوقف عن أدائها.
- أن تقبل المحكمة طلب الرد ويترتب على ذلك اعتبار ما قد تم من إجراءات بما في ذلك حكم المحكمين الذي يعد كان لم يكن، وهذا الأمر يعكس حدود ولاية القضاء على التحكيم فيما يترتب على حكم المحكمة من آثار بعيدة المدى على العملية التحكيمية( ) على اعتبار أن مهمة وهدف القضاء وضع اتفاق التحكيم موضع التنفيذ الفعال هذا من جهة, ومن جهة أخرى فإن تدخل القضاء قد يكون أساسه تحقيق غاية أخرى تتمثل في ضمان فعالية التحكيم كتدخله في إصدار الإجراءات الوقتية والتحفظية والإجراءات الأخرى المتعلقة بفعالية إجراءات التحكيم.
المبحث الثاني : مظاهر الرقابة على إجراءات التحكيم
إذا كانت القاعدة العامة هي لجوء الأطراف للقضاء لفض ما ينشأ بينهم من نزاعات باعتباره الجهة التي أوكلت إليها مختلف التشريعات الحكم في الخصومات، فإن مميزات التحكيم المتجلية في سرعة البت واقتصاد النفقات وبساطة الإجراءات، والتخصص في النزاع المعروض جعلت البعض يفضل هذا النظام بدل قضاء الدولة ومساطره المتشعبة .
إلا أنه للقضاء دور مهم في تقديمه المساعدة لهيئة التحكيم، وذلك تيسير للأطراف وحماية لخصومه التحكيم، ويتجلى دور قضاء الدولة في المساعدة التي يقدمها أثناء مسطرة التحكيم من خلال تحديد المشروع المغربي مهلة لأنهاء مهمة الهيئة التحكمية بناء على طلب أحد الأطراف من أطراف الخصومة.
وسيتم التطرق في هذا المبحث إلى مطلبين :
المطلب الأول: الرقابة القضائية على الاجراءات المسطرية
المطلب الثاني : مظاهر الرقابة على إجراءات التحكيم
المطلب الأول: الرقابة القضائية على الاجراءات المسطرية
ومن خلال هذا المطلب سأتعرض لأهم صور الرقابة القضائية وذلك من خلال مساهمة القضاء في توفير أدلة الإثبات وتدخله عن طريق الإنابة القضائية كفقرة أولى والبث القضائي في الأمور الخارجة عن اختصاصات هيئة التحكيم كفقرة ثانية.
الفقرة الأولى: توفير القضاء لوسائل الإثبات
الإثبات هو تكوين اقتناع القاضي أو المحكم بشأن وجود أو عدم وجود واقعة قانونية متعلقة بالدعوى، والإثبات بمعناه القانوني هو إقامة الدليل أمام القضاء بالطرق التي حددها القانون، على وجود واقعة قانونية ترتب آثارها، وتظهر أهمية الإثبات أمام القضاء أو المحكم فإن استطاع صاحب الحق إثباته كان الحكم له .
ورغم الصلاحيات التي تتمتع بها الهيئات التحكيمية، والتي تمكنها من الحصول على أدلة الإثبات في موضوع النزاع المطروح عليها، فإنها تصطدم مع عدم تمتع هيئة التحكيم بسلطة الإلزام مما يجعلها دائما في حاجة إلى القضاء للحصول على أدلة الإثبات أثناء سير الخصومة (أولا) وكذلك طلب الهيئة التحكيمية من المحكمة الإنابة القضائية (ثانيا)
أولا: تدخل القضاء للمساهمة في توفير أدلة الإثبات
سيتم التطرق في هذا العنصر إلى حالتين الأولى تتجلى في استدعاء الشهود والحالة الثانية إجبار الخصم بتقديم مستند تحت يده أو يد غيره.
الحالة الأولى: استدعاء الشهود وسماعهم
في البداية لا بد من الإشارة إلى أن قانون المسطرة المدنية المغربية لم تتعرض لإجراءات الشهادة في ميدان التحكيم، وهذا على خلاف مشروع قانون 05-08 المتعلق بالتحكيم والذي تطرق إلى استدعاء الشهود وسماعهم من خلال الفصلين 10- 327 ، 11-327، 12-327.
ومن خلال هذه الفصول يتبين لنا بأن المشرع أعطى للهيئة التحكيمية صلاحية القيام بجميع إجراءات التحقيق وذلك بالاستماع إلى الشهود وتعيين الخبراء أو أي إجراء آخر .
إلا أن الإشكال المطروح ولم يتطرق إليه المشرع وهو في حالة امتناع الشاهد عن الحضور، أو حضوره وامتناعه عن الشهادة أو عدم إجابته عن الأسئلة التي توجهها إليه هيئة التحكيم، ففي هذه الحالة لا يكون أمام الهيئة سوى اللجوء إلى القضاء لالزام الشهود بالحضور أو توقيع الجزاءات المنصوص عليها في قانون الإثبات في حالة الامتناع عن الحضور والإجابة عن أسئلة الهيئة وهو ما أقره المشرع المصري وأغفله المشرع المغربي .
أما ما يتعلق بسماع الشهود فقد نص الفصل 10-327 من الفقرة الثانية ولا يحول ذلك دون ان تجتمع هيئة التحكيم في أي مكان تراه مناسبا للقيام بإجراءات التحكيم كسماع أطراف النزاع أو الشهود أو الخبراء أو الإطلاع على المستندات أو معاينة بضاعة أو أموال أو إجراء مداولة بين أعضائها أو غير ذلك.
فالمحكم يتمتع بسلطة واسعة في الإثبات فله أيضا الحق في سماع الشهود بناء على طلب الخصوم أو من تلقاء نفسه عملا بالفصول 10-11-12 من قانون 05-08.
وإذا اتفق الأطراف في التحكيم أو اتفاق مستقل على تحديد شهود بشخصيتهم كان المحكم ملزم بذلك ويستطيع المحكم سماع في غيبة الخصوم وإذا كان الأمر كذلك فعليه كتابة محضر بذلك وأن يمكن الخصوم من الإطلاع على موضوعها، إعلانهم بمضمون الشهادة وإلا كان ذلك إخلال بمبدأ المواجهة .
الحالة الثانية : إجبار الخصم الغير بتقديم مستند تحت يده
تعتبر المستندات من أهم وسائل الإثبات، نظرا لما تتضمنه من بيانات ومعلومات تعين المحكم على إظهار وجه الحق في النزاع المعروض عليه، ويحق للهيئة التحكيمية المضي قدما في إجراءات التحكيم وإصدار حكمها استنادا على الأدلة المطروحة إذا رأت كفايتها أمامها. شرط ألا يخل ذلك بحقوق الطرفين، خصوصا وقد أعطى مشروع قانون المسطرة المدنية رقم 05-08 المغربي الصلاحية لهيئة التحكيم بالقيام بجميع إجراءات التحقيق بالاستماع إلى الشهود أو بتعيين خبراء أو... كما وسع من صلاحية هيئة التحكيم بأن خول لها سلطة الأمر على الطرف الذي يملك وسيلة إثبات تحت يده .
إلا أن مشروع قانون 05-08 أغفل الحالة التي يمتنع فيها أحد الأطراف من الامتثال إلى أمر هيئة التحكيم ومع ذلك فإن واقع الحال لا يمنع هيئة التحكيم من طلب المساعدة من القضاء التحقيق هذا الأمر باعتبار أن سلطة الأمر الفعلية هي بيد القضاء، وتلك الممنوحة لهيئة التحكيم وفق نص الفصل 327/11 في واقع الأمر ما هي إ لا سلطة معنوية.
ثانيا: الإنابة القضائية
فالإنابة القضائية صورة من صور المساعدة القضائية التي يقدمها القضاء الرسمي لنظام التحكيم أثناء إجراءات مسطرة التحكيم
والمشرع المغربي لم يتعرض الإنابة القضائية في خصومة التحكيم بينما المشرع المصري نص عليها في المادة الثالثة تحكيم والتي تنص أنه يختص رئيس المحكمة المشار إليها في المادة التاسعة بالأمر بالإنابة القضائية بناء على طلب التحكيم .
الفقرة الثانية: البث القضائي في الأمور الخارجة عن اختصاصات هيئة التحكيم
قد تعترض المحكم أثناء مسطرة التحكيم مسألة خارجة عن حدود ولايته، إما لكونها غير قابلة للتحكيم أصلا، وإما لعدم شمولها في اتفاق التحكيم، وفي هذه الحالة يجوز أن يوقف إجراءات الخصومة أمامه حتى يتم الفصل فيها من قبل المحكمة المختصة .
ويترتب عن وقف سير الإجراءات سريان الميعاد المحدد لإصدار حكم التحكيم، والتطبيقات في هذه الحالة عديدة أبرزها كأن يعرض خلال مسطرة التحكيم مسائل جنائية كالطعن بالتزوير في ورقة قدمت لهيئة التحكيم أو اتخذت إجراءات جنائية على تزويرها أو عن فعل جنائي آخر وهذا ما سنحاول التطرق إليه في هذه الفقرة.
-تدخل القضاء عن طريق الأمر بإجراءات الطعن بالتزوير وتحقيق الخطوط
إذا حدث أثناء مسطرة التحكيم أن طعن أحد الأطراف بتزوير وثيقة ما، أو وقع حادث جنائي أخر، فإن المحكم ملزم بإيقاف البت في النازلة المعروضة عليه لحين بت المحاكم العادية في الدعوى المعروضة عليها بشأنه بصفة نهائية .
فالتساؤل المطروح، هل يحق للأطراف منح الهيئة التحكيمية في اتفاق التحكيم السلطة في إجراءات تحقيق الخطوط والإدعاء بالتزوير؟
للإجابة على هذا السؤال لابد من الإشارة إلى صورة الدعوى وهي الدعوى الأصلية، والدعوى الفرعية اللتين قد يتخذهما شكل الدعوى.
بالنسبة للدعوى الأصلية، فلا مجال لقيامها أمام هيئة التحكيم لأن ولاية هذه الهيئة قاصرة على النظر في النزاع على الحق الموضوعي أما ما يتعلق بالدعوى الفرعية فليس هناك نص في ق.م.م. أوفي قانون المسطرة المدنية المعدل 08-05 يجيز ذلك وقد كان المشرع المغربي صريحا لسد الباب أمام هيئة التحكيم بالقيام بإجراء من إجراءات تحقيق الدعوى ويتبين هذا من خلال المادة 313 ق.م.م التي تنص في فقرتها الثانية على أنه"...ويوقف المحكمون أشغالهم إذا وقع الطعن بالزور، ولو مدنيا أو طرأت أثناء التحكيم عوارض جنائية إلى أن تبت المحاكم العادية في المسألة العارضة ويوقف الأجل المحدد ولا يسري من جديد إلا من تاريخ البت فيها نهائيا".
إلا أن قانون المسطرة المدنية المغربي رقم 05-08 أعطى الصلاحية للمحكمين من خلال الفصل 11-327 لاتخاذ كل إجراءات التحقيق حيث جاء من آخر الفقرة عبارة "أو أي إجراء آخر" فإذا أخذنا هذه العبارة بالمفهوم الواسع فهذا يعين أن واضعي المشروع المغربي 05-08 لم يقيدوا الهيئة التحكمية فيما يتعلق بإجراءات التحقيق وبالتالي يمكن أن تدخل في إطارها الإجراءات المتعلقة بالزور الفرعي وتحقيق الخطوط، ولم ينص المشروع المغربي 05-08 من هذه الفقرة على أن قرارات المحكمين في هذه الحالة تخضع لرقابة القضاء الوطني وتذييلها بالصيغة التنفيذية.
المطلب الثاني : الرقابة القضائية على الحكم التحكيمي:
بحثا عن العدالة وعن الاستقرار القانوني نظم المشرع في جميع البلدان ذات النظم القانونية المعاصرة وسائل متعددة للطعن في أحكام المحكمين
والمشرع المغربي بدوره، وعلى غرار باقي التشريعات نظم طرقا معينة للطعن في أحكام المحكمين، والهدف من هذا الطعن هو استدراك ما قد يكون المحكم وقع فيه من خطأ بغية إصلاحه ورفعه عن المتضرر .
على الرغم من تنصيص المشرع في الفصل 34-324 من قانون م م المعدل بقانون التحكيم رقم 05-08 في فقرته الأولى على أنه لا يقبل الحكم التحكيمي أي طعن مع مراعاة مقتضيات الفصلين 35-327 و36-327 بعده".
إلا أن المشرع من خلال الفقرة الثانية من هذا الفصل وعملا بأحكام الفصل 35-327 من نفس القانون قد خول للخصوم ممارسة بعض طرق الطعن الغير عادية لاستيفاء حقوقهم حيث جعل أحكام المحكمين تقبل تعرض الغير الخارج عن الخصومة وطلب إعادة النظر.
ولهذا سنقسم هذا المطلبين إلى فقرتين، نتناول في الفقرة الأولى تعرض الغير الخارج عن الخصومة، بينما نخصص الفقرة الثانية لطلب إعادة النظر والتذييل بالصيغة التنفيذية.
الفقرة الأولى: تعرض الغير الخارج عن الخصومة:
تعرض الغير الخارج عن الخصومة طريق غير عادي للطعن في الأحكام، وضعه المشرع في متناول كل شخص مس بحقوقه حكم لم يكن طرفا، ولا ممثلا فيه، من أجل الحصول على مراجعة النظر في هذا الحكم .
والمشرع المغربي لم يأت بأحكام جديدة تتعلق بتعرض الغير الخارج عن الخصومة في ميدان التحكيم تتفق مع طبيعته ومكوناته بل أوجب تطبيق نفس المقتضيات المطبقة أمام المحاكم الرسمية، وهو ما نص عليه قانون م م المعدل بالقانون الجديد رقم 05/08 في الفصل 35-327 حيث نص على أنه"لا يواجه الأغيار بالأحكام التحكيمية ولو كانت مذيلة بالصيغة التنفيذية ويمكنهم أن يتعرضوا عليها تعرض الغير الخارج عن الخصومة طبقا للشروط المقررة في الفصول من 303 إلى 305 أملا أمام المحكمة التي كانت ستنظر في النزاع ولو لم يبرم اتفاق التحكيم".
فتعرض الغير الخارج عن الخصومة يمارسه الشخص الأجنبي عن طرفي النزاع وعن الدعوى كليا. ولا تربطه أي علاقة مع المحكمين، والذي تكون مصالحة قد تضررت نتيجة القرار لتحكيمي الصادر، وتمس بحقوقه طبقا للفصل 303 من قانون م.م نتيجة عدم استدعائه في الدعوى شخصيا أو بواسطة نائبه .
ويقدم هذا التعرض وفقا للقواعد المقررة للمقالات الافتتاحية والتي نص عليها المشرع في الفصلين 31 و32 من ق.م.م .
ولا يقبل تعرض الغير إذا لم يرفق بوصل يثبت إيداعه بكتابه ضبط المحكمة مبلغا مساويا للغرامة في حدها الأقصى والتي يحكم بها على الشخص الذي قد يقبل تعرضه بغرامة لا تتجاوز مائة درهم بالنسبة للمحاكم الابتدائية وثلاثمائة درهم بالنسبة لمحاكم الاستئناف وخمسمائة درهم بالنسبة للمجلس الأعلى دون مساس بتعويض الطرف الآخر عند الاقتضاء .
لكن الأشكال الذي يثار في هذه المسألة هو تحديد الجهة المختصة التي ينبغي التعرض أمامها هل هي المهيئة التحكيمية التي أصدرت الحكم؟ أم ينبغي التعرض أمام المحكمة المختصة؟
في غياب تحديد من طرف المشرع عن الجهة المختصة، فيمكن القول على أن الجهة المختصة للنظر في هذا التعرض من المحكمة الابتدائية باعتبارها المحكمة المختصة بالنظر في النزاع ولو لم يبرم اتفاق التحكيم .
أما إذا كان النزاع من اختصاص المحاكم التجارية، فإن تعرض الغير الخارج عن الخصومة يجب أن يقدم أمام المحاكم التجارية . أما في حالة وقوع الاتفاق على تحكيم في نزاع معروض على محكمة استئنافية, فيجب حسب مقتضيات الفصل 320 من ق.م.م أن يقدم التعرض بكتابة ضبط الاستئناف. كما أسند المشرع حسب الفصل 322 للرئيس الأول بهذه المحكمة اختصاص منح الصيغة التنفيذية لحكم المحكمين.
وبخصوص الحكم الصادر في تعرض الغير الخارج عن الخصوص فهنا:
-إذا يتبين للمحكمة أن الطلب غير مستوف للشروط الشكلية، حكمت بعدم قبوله شكلا مع وجوب دفع المتعرض الغرامة المحددة في الفصل 305 ق.م.م.
-أما إذا كان الطلب مقبولا شكلا، وفي الموضوع غير مؤسس، ولم يثبت ما يدعيه المتعرض، فإنها تحكم برفض الطلب، وبالحكم عليه بالغرامة المقررة قانونا.
-إما في الحالة التي يتبين لها أن ما يدعيه المتعرض صحيحا، وأن هذا الأخير أثبت الضرر الحاصل له من الحكم المتعرض عليه وحقه في ما يدعيه قضت المحكمة حسب ما يثبت لها وأمرت بإرجاع الغرامة المودعة إلى المتعرض وحملت المحكوم عليه الصائر .
كما أن الحكم الذي يصدر نتيجة تعرض الخارج عن الخصومة لا يكون قابلا للطعن بالنقض وهو ما يستخلص من مقتضيات الفصل 327 من ق.م.م الذي أجاز الطعن بالنقص في القرارات الصادرة انتهائيا في طلب المادة النظر في حكم المحكمين والتزم الصمت إزاء مصير الحكم الذي يصدر نتيجة تعرض الخارج عن الخصومة .
الفقرة الثانية : إعادة النظر والتذييل بالصيغة التنفيذية:
نتطرق أولا إلى طلب إعادة النظر في أحكام المحكمين وبعدها إلى تذييله ثانيا
أولا: طلب إعادة النظر في أحكام المحكمين
إن المشرع المغربي لم يأت بأية أحكام خاصة بطلب إعادة النظر في حكم المحكمين، وإنما اكتفى بالإحالة فقط على القواعد العامة المنصوص عليها في الفصول من 402 إلى 410 من قانون المسطرة المدنية المتعلقة بطلب إعادة النظر في أحكام المحاكم
ويقصد بالطعن بإعادة النظر أو الطعن بالتماس إعادة النظر هو ذالك الحكم النهائي أو الإنتهائي الذي لا يقبل الطعن فيه بطرق الطعن العادية كالتعرض أو الاستئناف وهو طعن يرفع أمام نفس المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون إذا ما توافرت فيه حالة من الحالات التى أوجب المشرع توافرها لقبول طلب إعادة النظر . وهو لا يرمي إلى إصلاح الحكم موضوع الالتماس وإنما يهدف إلى محو هذا الحكم ليعود مركز الملتمس في الخصومة إلى ما كان عليه قبل صدوره، وحتى يتمكن بذلك من مواجهة النزاع من جديد والحصول على حكم آخر بعد أن يكون قد تخلص من قوة الشيء المقضي به في الحكم محل الالتماس .
وهو نفس المسار الذي صار عليه المشرع المصري حيث نصت المادة 510 من قانون المرافعات المصري على أن "أحكام المحكمين لا تقبل الطعن فيها بالاستئناف ثم نصت المادة 511/1 مرافعات على أنه "فيما عدا الحالة الخامسة من المادة 241 يجوز الطعن في أحكام المحكمين بالتماس المادة النظر طبقا للقواعد المقررة لذلك فيما يتعلق بأحكام المحاكم ويرى الأستاذ الدكتور عمر ـ بأن الطاعن بالتماس إعادة النظر كطريق طعن غير عادي لا يستطيع بناء على طعنه على أي سبب كان إذ هو ملزم بناء الطعن على أحد الأسباب الواردة في القانون على سبيل الحصر.
كما أن قاضي محكمة الالتماس لا يستطيع أن ينظر أي سبب كان للطعن في الحكم بل هو مقيد بالأسباب الواردة في صحيفة الطعن والمحكمة المختصة بنظر التماس إعادة النظر في حكم المحكمين حسب قانون المرافعات المصري هي نفس المحكمة التي أصدت الحكم ويمكن أن ينظر فيه نفس القاضي .
وبالرجوع إلى القواعد العامة في القانون المغربي, فإنه يحق لكل من كان طرفا في نزاع صدر فيه حكم تحكيمي أن يطلب من المحكمة المختصة من حيث الأصل أن تعيد النظر فيه من جديد إذا توافر له سبب من الأسباب المنصوص عليها في الفصل 402 من ق.م.م. وهذه الأسباب واردة على سبيل الحصر فيما يلي:
1-إذا بث القاضي (المحكم) فيما لم يطلب منه أو حكم بأكثر مما طلب منه أو إذا أغفل البت في الطلبات.
2-إذا وقع تدليس أثناء تحقيق الدعوى
3-إذا بني الحكم على مستندات اعترف أو صرح بأنها مزورة وذلك بعد صدور الحكم.
4-إذا اكتشف بعد الحكم وثائق حاسمة كانت محتكرة لدى الطرف الآخر
5-إذا وجد تناقض بين أجزاء نفس الحكم
6-إذا قضت نفس المحكمة بين نفس الأطراف واستنادا لنفس الوسائل بحكمين انتهائيين ومتناقضين وذلك لعلة عدم الإطلاع على حكم سابق أو لخطأ واقعي
7-إذا لم يقع الدفاع بصفة صحيحة على حقوق إدارات عمومية أو حقوق القاصرين.
فإذا كانت الأسباب الخمس المذكورة لا تثير أي أشكال فإن السبب السادس والسابع من نص الفصل 402 ق.م.م لا يمكن تصورهما في الحكم التحكيمي على أساس :
-أن الحكم المحكمين لا يصدر إلا بناء على اتفاق الأطراف وبعد مجاراة مسطرة التحكيم ومسايرتها، وبالتالي يصعب على المحكم إصدار حكمين من نفس الأطراف واستنادا إلى نفس الوسائل ودون أن يتمسك أحد الأطراف بالحكم الذي سبق صدوره.
-كما أن السبب السابع يتعارض مع مقتضيات الفصل 306 من ق.م.م. الذي يمنع التحكيم في القضايا المتعلقة بالنظام العام ومنها قضايا شؤون القاصرين وكذلك النزاعات التي تكون فيها إدارة عمومية طرفا ما لم تكن تخضع لأحكام القانون الخاص.
وفي صدد تحديد المشرع المصري لأسباب الطعن بالتماس إعادة النظر طبقا للمادة 241 من قانون المرافعات فهي ذات الأسباب التي نص عليها المشرع المغربي باستثناء المادة الخامسة
من قانون المرافعات التي لا يجوز الطعن فيها بإعادة النظر والمتعلقة بالحكم بما لم يطلبه الخصوم أو بأكثر مما طلبوه كوجه من وجوه الطعن بالتماس إعادة النظر .
ويبرز فقه المرافعات استثناء هذه الحالة، ومن ثم عدم جواز بناء الطعن بالالتماس في حكم المحكمين عليها إلى أنه إذا حكم المحكم بما لم يطلبه الخصوم أو بأكثر مما طلبوه يكون قد خرج عن حدود لاتفاق على التحكيم ويمكن في هذه الحالة رفع دعوى أصلية ببطلان حكمه وفقا للمادة 512/1 مرافعات .
وهو ما أقره المشرع المغربي أيضا على أساس أن هناك أسبابا للطعن بإعادة النظر هي نفسها أسباب للطعن بالبطلان حسب صريح الفصل 36-327 من قانون التحكيم 05-08 في بنده الثالث.
فإذا بتت هينة التحكيم في مسائل لا يشملها التحكيم أو تجاوزت حدود الاتفاق: بمعنى أنها بتت فيما لم يطلب منها أو بتت في أكثر من الطلب ففي هذه الحالة وحسب زاي .د. محمد فاضل الليلي يكون للمتضرر الاختيار بين سلوك مسرة البطلان أو مسطرة طلب إعادة النظر إلا أن مسطرة البطلان تكون الأرجح باعتبارها مسطرة خاصة كما أن الحكم القاضي بالبطلان يمكن أن ينصب على جزء من الحكم فقط .
والمحكمة المختصة بنظر رفع التماس إعادة النظر هي المحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع ويجب أن يقدم طلب إعادة النظر داخل أجل 30 يوما من تاريخ تبليغ الحكم المطعون فيه مع تطبيق مقتضيات الفصول 136-137- 139 من ق.م.م بواسطة مقال افتتاحي تنطبق عليه شروط الشكلية المتطلبة في المقال الافتتاحي للدعوى وأن يؤدي طالب التماس إعادة النظر مبلغ الغرامة المنصوص عليه في الفصلين 403 و407 من ق.م.م وإلا اعتبر طلبه غير مقبول شكلا. وهذه الغرامة تنطبق حتى على طالب المساعدة القضائية أي أن المتمتع بالمساعدة القضائية لا يعفى من الغرامة المقررة في الفصل 407 من ق.م.م. كما قضى بذلك المجلس الأعلى .
ومن آثار قبول إعادة النظر أن يتم إبطال الحكم التحكيمي وإرجاع الأطراف إلى الحالة التي كانوا عليها قبل صدور الحكم التحكيمي على إرجاع المبالغ المودعة وكذا الأشياء التي قضي بها والتي قد يكون تم تسليمها بقصي الحكم التحكيمي .
وتجدر الإشارة إلى أن القرارات الصادرة انتهائنا في طلب إعادة النظر في أحكام المحكمين تقبل الطعن بالنقض متى توافرت الأسباب والشروط التي تبرز ذلك .
ثانيا: تذييل الحكم التحكيمي بالصيغة التنفيذية:
إن مهمة الهيئة التحكيمية تنتهي بإصدار لحكمها التحكيمي، وبعدها تبدأ رغبة الأطراف في تنفيذ الحكم التحكيمي.
وهذا التنفيذ قد يكون طوعيا أو اختياريا .
فالأصل والمادة أن أحكام التحكيم تنفيذ بكيفية رضائية وبدون إجبار على التنفيذ لأنها أصلا مؤسسة على عقد التحكيم أو شرط التحكيم المضمن في العقد الرابط بين الأطراف، فالحكم التحكيمي إنما هو امتداد لذلك العقد وأثر من آثاره، والتزام الأطراف بتنفيذ العقد أو شرط التحكيم يترتب عليه التزام بتنفيذ الحكم التحكيمي, والتنفيذ الاختياري والطوعي لا يتطلب أية شكلية معينة للقيام به .
ومع أن القاعدة العامة عدم ضرورة تذييل الأحكام التحكيمية بالصيغة التنفيذية إلا أن هناك استثناء أورده المشرع وذلك كلما تعلق الأمر بتنفيذ حكم تحكيمي بصورة جبرية، فقد نص الفصل 31-327 من قانون 05-08 على أنه "لا يفيد الحكم التحكيمي جبريا إلا بمقتضى أمر بتخويل الصيغة التنفيذية يصدره رئيس المحكمة الصادر الحكم في دائرتها". وعليه ينبغي التمييز بين الأحكام التحكيمية التي تنفذ اختياريا وتلك التي يستلزم تدخل القضاء جبرا في تنفيذها، فبالنسبة للأولى كما سلف الذكر لا حاجة لتذييلها بالصيغة التنفيذية أما الثانية فلا بد من سلوك مسطرة التذييل .
لهذا سنتعرض أولا إلى الأحكام المتمتعة بقوة الشيء المقضي به (أ) ثم إلى مسطرة طلب الصيغة التنفيذية والمحكمة المختصة (ب)
أ-الأحكام المتمتعة بقوة الشيء المقتضى به:
فطبقا لمقتضيات الفصلين 26-327 عن قانون 05-08 و31 ـ 327 من قانون 08ـ 05 فإنه بعدما كانت جميع الأحكام الصادرة في المادة التحكيمية لا تتمتع بأية قوة تنفيذية ما لم تكن مذيلة بالصيغة التنفيذية التي كان يمنحها رئيس المحكمة، أصبحت الأحكام التحكيمية كقاعدة عامة تتمتع بهذه القوة ولا تحتاج إلى أن تتمتع بالتذييل بالصيغة التنفيذية، وهذا ما أشار إليه الفصل 26-327 من فانون المسطرة المعدل بقانون 05 / 08 الذي يتحدث عن حجية الشيء المقضي به، كما ينص على أن الحكم التحكيمي بمجرد صدوره عن الهيأة التحكيمية أو المحكم يتمتع لا بالحجية وحسب، وإنما بقوة التنفيذ، إذ يمكن للمحكوم له أن يباشر التنفيذ سواء بطريقة اختيارية أو بشكل جبري بل ولو نمت ممارسة الطعن التي يسمع بها القانون أحيانا .
والأحكام التي تحتاج إلى التذييل بالقضية التنفيذية حسب الفصلين 26-327 في فقرته الثانية والفصل 31-327 هي الأحكام التي كان أحد أطراف النزاع فيها شخصا معنويا ومتى كان التنفيذ جبريا.
ب-طلب الصيغة التنفيذية والمحكمة المختصة
من أجل الحصول على الصيغة التنفيذية لا بد من سلوك إجراءات وهي كالتالي:
-إيداع الحكم التحكيمي بكتابة ضبط المحكمة لإعطاء الصيغة التنفيذية وهذا الإجراء يقوم به أحد المحكمين أو الأطراف داخل أجل 3 أيام من تاريخ صدور الحكم التحكيمي حسب الفصل 320 من ق.م.م و7 أيام حسب الفصل 31-327 من قانون التحكيم رقم 05-08
ـ إرفاق الحكم التحكيمي باتفاق التحكيم وذلك حسب مقتضيات الفصل 31-327 من القانون المذكور في فقرته الثانية على أنه " يودع أصل الحكم التحكيمي مصحوبا بنسخة من اتفاق التحكيم مع ترجمتها إلى اللغة العربية لدى كتابة ضبط المحكمة من لدن أحد المحكمين أو الطرف الأكثر استعجالا داخل أجل سبعة أيام كاملة تالية لتاريخ صدوره"
طلب موجه للسيد رئيس المحكمة من أجل إعطاء الصيغة التنفيذية للحكم التحكيمي وتخضع لكافة الشروط المتطلبة في المقالات والطلبات التي ترفع للسيد رئيس المحكمة ومنها ذكر أطراف النزاع والوقائع وموضوع الطلب بالإضافة إلى أداء الرسوم القضائية
إلا أن الحكم التحكيمي الصادر خارج المغرب، ولإعطائه الصيغة التنفيذية، فإن طالبه يكون ملزما بالإدلاء بأصل الحكم التحكيمي وكذا اتفاق التحكيم أو صورة مطابقة لهما. مع ترجمتها إلى اللغة العربية إذا كان مكتوبا بلغة أجنبية حسب ما جاء في الفصل 47-327 من قانون التحكيم رقم 05-08
والجهة المختصة بمنح الصيغة التنفيذية، هو رئيس المحكمة التي صدر في نفوذها الحكم التحكيمي أو التي يوجد نفوذها مكان تنفيذ الحكم التحكيمي وهو حسب الاختصاص رئيس المحكمة التجارية أو المحكمة الابتدائية أو المحكمة الإدارية أو الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف حسب الحالات .
خاتمة:
ما يمكن أن القانون الجديد رقم 05/08 قد جاء مستجيبا لمجموعة من النواقص التي كانت تعتري التشريع الملغى، ومن بينها التمييز بين التحكيم الداخلي والتحكيم الدولي، وهذه من أهم الإيجابيات التي جاء بها القانون الجديد، إلا أن هذا لا يمنع من القول بأنه بدونه لا يخلو من بعض العراقيل والصعوبات التي تعيق مساطر التحكيم بالمغرب وأهم هذه العراقيل التي تبقى عائقا بين طموحات المستثمرين الأجانب بالمغرب ومؤسسة التحكيم كوسيلة فعالة لتسويه منازعاتهم، وهي بسط الدولة لرقابتها على مجريات التحكيم، هذا دون شأن العائق التشريعي الذي تسجد في إدراج قانون 05-08 كملحق في قانون المسطرة المدنية عوض تخصيص مدونة مستقلة وخاصة للتحكيم، مما يدل على استمرار تحكم القضاء الرسمي في التحكيم والدليل على ذلك هو الإحالة بشأن مسطرة التحكيم على بنود المسطرة المدنية التي تتسم إجراءاتها بالتعقيد ولهذا وللخروج من هذه المعوقات وهذا العجز التشريعي وفي ظل الحديث عن إصلاح قضائي يبقى الأمل معلقا على المهتمين بالقطاع خاصة التجاري, والفاعلين الاقتصاديين والسياسيين للدفع قدما هذه المؤسسة (أي مؤسسة التحكيم)
لائحة المراجع :
الكتب:
حفيظة السيد الحداد الرقابة القضائية على أحكام التحكيم بين الازدواجية والوحدة 2005.
أحمد الورفلي: القضاء في الدول المغاربة والتحكيم التجاري الدول بين الرقابة والمساعدة المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية العدد41، / 2003
رضا السيد عبد الحميد، مسائل في التحكيمي-دار النهضة العربية الطبعة 1989 بيروت
محمد لفروجي، التجار والأعمال التجارية، طبعة 1997.
أستاذنا عبد العزيز حضري، المسطرة المدنية
أحمد أبو الوفاء: التحكيم في القوانين العربية 1996
محمد محمد بدران: المشاكل الخاصة باختيار المحكمين وردهم ، الطبعة 2004
أحمد عبد المنعم: حدود الرقابة القضائية على التحكم الداخلي في منازعات العقود
ليلى منجلون: التحكيم التجاري في القانون المغربي، طبعة 1994.
عبد المجيد اغميجة / قراءة مشروع مدونة التحكيم "مداخله في ندوة الطرف البديلة في لتسوية المنازعات منشورات جمعية نشر المعلومات القانونية والقضائية سلسلة، طبعة 2004.
عزمي عبد الفتاح: إجراءات رد المحكم، مجلة الحقوق الكويتية العدد الرابع، الطبعة الثانية 1994.
رضا السير عبد المجيد: مسائل في التحكيم ، ط1989
أحمد أبو الوفاء: التحكيم الاختياري والإجباري ، الطبعة 5 الإسكندرية 2000
نجيب أحمد عبد الله تابت الحنبلي: التحكيم في القوانين العربية، ط.2006
حفيظة السيد الحداد: الإجراءات الوقتية والتحفظية والمنازعات الخاصة الدولية ، مطبعة الانتصار، 1996
مروان كركبي: تدخل القضاء في المحاكمة التحكيمية الملتقي القضائي للتحكيم، المركز اللبناني للتحكيم، مطبعة صادر 2005
أحمد سعيد، يحي دور القضاء في معاونة التحكيم والرقابة عليه، مجلة التحكيم، العدد 50 أبريل 2004.
- أمال أحمد الفزايري-دور قضاء الدولة في تحقيق فاعلية التحكيم دراسة كأصلية مقارنة بين النظام القضائي-المغربي-السعودي-الفرنسي-الإيطالي –منشأة المعارف بالإسكندرية-دون ذكر الطبعة والسنة
الطيب الفصايلي، الوجيز في القانون القضائي الخاص الجزء الثاني، الطبعة الثانية 1993
نبيل اسماعيل عمر،الطعن بالتماس إعادة النظر في المواد المدنية والتجارية الطبعة الأولى، منشأة المعارف الاسكندرية سنة 1983
محمد فاضل الليلي-العلم والتحكيم والوسائل البديلة لحل النزاعات من خلال اجتهادات المجلس الأعلى –الندوة الجهوية الحادية عشر، قصر المؤتر بالعيون-بتاريخ 01-02 نونبر 2007
الرسائل:
عبد الله درميشر: التحكيم في المواد التجارية رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا الدار البيضاء، 1982، ص: 22.
رسالة الرقابة القضائية على التحكيم في التشريعي اليمني والمغربي، دراسة مقاربة: محمد النظاري جامعة محمد الأول، وجدة سنة 2006/07
فريد أوسي-تنفيذ قرارات التحكيم الأجنبية في المغرب بين مقتضيات القانون الدولي الاتفاق والقانون الداخلي-دراسة مقارنة-رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة-فرع القانون الخاص -بجامعة القاضي عياض بمراكش-السنة الجامعية 1999-2000.
الندوات :
محمد ناصر المتيوي: الندوات الدراسن العدد2-2004 ط.1، ص: 25.
الصلح والتحكيم والوسائل البديلة لحل النزاعات من خلال اجتهادات المجلس أما على، 2007.
المجلات والمقالات:
عبد الرحمان المصباحي، المادة التحكيمية أو قابلية النزاع للتحكيم، مجلة القضاء والقانون
مقال منشور لأستاذ شعيب المذكوري خصومة التحكيم الدولي قي المادة التجارية مجلة المحاكم المغربية عدد 72
إبراهيم بحماني-تنفيذ المقررات التحكيمية الوطنية والدولية، ندوة العمل القضائي والتحكيم التجاري