MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




الآفاق الجديدة للعدالة الجنائية في ضوء إصلاح القضاء

     



الآفاق الجديدة للعدالة الجنائية في ضوء  إصلاح القضاء

الورقة التقديمية للندوة المنعقدة تحت عنوان الآفاق الجديدة للعدالة الجنائية في ضوء إصلاح القضاء بتاريخ 20و21 نونبر 2009

الإنسان هو مقياس كل شيء= الفيلسوف الإغريقي بروتاغوراس

صحيح أن الحركة الحقوقية هي أشـد الحركات الاجتماعية والمدنية طلبا للاستقامة الأخلاقـية... صحيح أيضا أن الفوارق النظرية بين التاريخ الفـكري والتاريخ القانـوني لمنظومة الـقيم مسألـة واقعية... لكن الأصـح يكمن في أن احترام القاعدة القانونية الأخلاقـية المجردة – التي توافقت عليها البشرية جمعاء- أمر لا يتماشى دون التفعيل الكامل للمنظومة الحقوقية.

فإذا كان القانون الجنائي يعتبر من أهم القوانين التي تتعرض للصـراع والتنـاقض بـين مختلف الحقوق والحريات وبين المصلحة العامة. فهذا التشـريع يتحمـل مسؤولـية تحقيق الـتوازن الذي يوقف هذا الصراع ويكفل حماية الحقوق والحريات والمصلحة العامة بقدر متناسب. فالقانون الجنائي من خلال التجريم والعقاب يحمي كل من حقوق المجنى عليه والمصلحة العامة بحكم الضرورة الاجتماعية التي تتطلب هذه الـحماية، ويفـرض الجزاء الجنائي المناسـب الذي لا يتنافى والحدود المنطقية التي ينبغي أن تكون إطارا له؛ فإن قانون الإجراءات الجنائية بما يضعه من قواعد تهدف إلى تحديد الإجراءات التي يتم بواسطتها استعمال حـق الدولة في العقاب ويـحمي حقوق كــل من المتهم والضحية ويكفل حماية المصلحة العامة. ونظرا إلى أن الإجراءات الجنائية من شأنها أن تطـال بعض الحقـوق والحريات، فإنه يتعين كفالتها بالضمانات المترجمة في شكل مبادئ مؤطرة للمحاكمة العادلة، ترسم للقاضي دوره في تأمين هذه الحماية والمحافظة عليها في إطار محاكمة منصفة باعتبار أنه لا يمكن معالجة موضوع منع الجريمة والقضاء الجنائي كمشكلتين منفصلتين تواجهان بأساليب مجزأة.

بذلك تبدو العلاقة الجدلية بين نظام العدالة الجنائية المنصوص عليه في التشريع الجنائي، وواقع المؤسسة القضائية باعتبارها الحارس الطبيعي للحريات، علاقـة ينبغي أن تنبني على حتمية التكامـل والتعاون لضمان استجابة نظـام العقوبات لقيم المجتمع وأهدافه الأساسـية، فوجود نظـام قضائـي جنائي عـادل ومنصف وإنساني شـرط ضروري لتـمتع مواطني جميع البلـدان بحـقوق الإنسـان الأساسية. وهو ما يطرح للنقاش إشكالية البحث في طبيعة تلك العلاقة ؟ ونوعية المعوقات التي قد تحول دون تفعيلها؟ وحجم التأثير الواقع على نظام العدالة الجنائية؟ ونوعية الاتجاهات والمناهـج الكفيلة بتطوير آليات وأدوات منع الجريمة؟ مع استحضار إشكالية التفاعل المطلوب بين المرجعيات الدولية والقوانين الوطنية؟

أيا كانت الظروف، والأسباب، والوقائع التي تتحكم في التشريع الجنائي المغربي، فـلا يجوز أن يغيب عن الـبال أن هـذا القانون جزء من النظام القانوني، تتحدد أحكامه في ضوء طبيعة العلاقة بين الـفرد والدولـة؛ علاقة يحكمها في السنوات الأخيرة السعي لتحقيق التوازن من خلال معيار التناسب بين ضرورة حماية الحقوق والحريات باعتبار أنه لا ينبغي للقانون أن يتنازل عن بعده الإنساني بل عليه أن يضع الفرد في دائرة اهتمامه الأساسي، وحتمية الحفاظ على المصلحة العامة.

كما لا ينبغي أن يغيب عن البال طبيعة العلاقة بين منع الجريمة والتنمية بحكم التكاليف الاجتماعية للجريمة، لذلك فإن المتغيرات في المجال الاقتصادي والاجتماعي والثقافي وظهور أشكال جديدة من الإجرام ،تتطلب أن تكون مصحوبة بإصلاحات ملائمة في القضاء الجنائي، لضمان استجابة نظام العقوبات لقيم المجتمع وأهدافه الأساسية المتمثلة في التنمية وحقوق الإنسان.

لكن وعلى الرغم من الجهود المبذولة بحكم تنامي الوعي الوطني، فإننا في أشد الحاجة لإعادة النظر الشاملة في تدابير القضاء الجنائي بوضع معالم خطط واستراتيجيات في مجال العدالة الجنائية غايتها مواجهة الجريمة، في أشكالها وأبعادها الجديدة وفق متطلبات حقوق الإنسان وقيم المحاكمة العادلة. وهو ما يتماشى والخطاب الملكي السامي لـ 20 غشت 2009 بمناسبة ثورة الملك والشعب، الذي جاء فيه:

" وإننا نعتبر القضاء عمادا لما نحرص عليه من مساواة المواطنين أمام القانون، وملاذا للإنصاف، الموطد للاستقرار الاجتماعي. بل إن قوة شرعية الدولة نفسها، وحرمة مؤسساتها من قوة العدل، الذي هو أساس الملك."

وقد حدد لذلك برنامجا سطر في ستة مجالات:
1. دعم ضمانات الاستقلالية :
o هيكلة المجلس الأعلى للقضاء مع التأكيد على تخصيص ثمتيلية نسوية في هذا الأخير
o مراجعة النظام الأساسي للقضاة.
o القانون الأساسي لكتاب الضبط
2. تحديث المنظومة القانونية: نهج سياسة جنائية جديدة، تقوم على مراجعة وملاءمة القانون والمسطرة الجنائية، ومواكبتهما للتطورات، بإحداث مرصد وطني للإجرام
3. تأهيل الهياكل القضائية والإدارية
4. تأهيل الموارد البشرية
5. الرفع من النجاعة القضائية، للتصدي لما يعانيه المتقاضون، من هشاشة وتعقيد وبطء العدالة.
6. تخليق القضاء: تحصينه من الرشوة واستغلال النفوذ.

في هذا الإطار فإن الآفاق الجديدة المتوقعة للعدالة الجنائية في ضوء إصلاح القضاء نراها مشرقة ومتميزة كما أرادها لها جلالة الملك من خلال الأهداف المسطرة لها:
" أما الأهداف المنشودة، فهي توطيد الثقة والمصداقية في قضاء فعال ومنصف، باعتباره حصنا منيعا لدولة الحق، وعمادا للأمن القضائي، والحكامة الجيدة، ومحفزا للتنمية، وكذا تأهيله ليواكب التحولات الوطنية والدولية، ويستجيب لمتطلبات عدالة القرن الحادي والعشرين."
مقتطف من خطاب 20 غشت 2009






الجمعة 11 مارس 2011

تعليق جديد
Twitter