MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




الأراضي السلالية بين الواقع والقانون

     

د/ العربي محمد مياد



الأراضي السلالية  بين الواقع والقانون

بدعوة كريمة من اللجنة المشرفة على الندوة الوطنية في موضوع "أراضي الجموع وسؤال الحكامة " المنعقدة بتزنيت يومي 22 و 23 أبريل 2016، شاركت بمداخلة تحت عنوان " أية حكامة في تدبير الأراضي السلالية " .

وقد استخلصت بأنه من الصعب الحديث عن الحكامة بخصوص هذا النظام العقاري لجملة من الأسباب أهمها أن القانون المنظم للأراضي السلالية يعود في الواقع إلى سنة 1914 حيث كان هناك في منطقة الحماية الإسبانية قانونا ينظم هذه الأراضي ،كما أن هناك  قانونا آخرا صدر سنة 1931 المنطقة الدولية لطنجة . علما أن اول جريدة رسمية صدرت في المغرب تضمنت معاهدة الحماية ومنشور الصدر الأعظم يشير إلى الأراضي السلالية .

   وتم العمل في مجموع التراب الوطني بظهير 27 ابريل 1919 المتعلق بالوصاية الاداريةعلى الجماعات وضبط تدبير شؤون الأملاك الجماعية وتفويتها في كامل التراب الوطني انطلاقا من سنة 1959 بمناسبة توحيد التشريع المغربي على كامل التراب الوطني المحرر آنذاك .بعد أن كان سائدا في المنطقة التابعة للحماية الفرنسية.

    وعلى هذا الأساس ، نتساءل كيف يمكن التصدي للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن النزاعات المتعلقة بالأراضي السلالية بهذه المنطقة ، داخل مناطق كانت خاضعة لقانون آخر ، ناهيك عن أن الدولة بمفهومها الفلاحي وليس السياسي (الداخلية ـ الفلاحة ـ المالية ) لم تعد تقم بمهمتها المنصوص عليها في الفصل الأول من ظهير 1919 السالف الذكر ، وأوكلتها لمديرية الشؤون القروية  طبقا للمادة 35 من مرسوم 15 دجنبر 1997 في شأن اختصاصات وتنظيم وزارة الداخلية ، الذي أناط بالمديرية المذكورة ممارسة مهام الوصاية باسم وزير الداخلية على الجماعات السلالية وكذا ادارة ممتلكاتها والمحافظة عليها والدفاع عن مصالحها وإعادة هيكلة الأراضي الجماعية.

وهذا يعني أن مديرية الشؤون القروية هي المسير الفعلي للأراضي السلالية ، مع ما يترتب على ذلك من مسؤولية الحفاظ عليها وتدبيرها التدبير الرشيد .

   وفي هذا خرق صريح للقانون ، على اعتبار أنها جمعت بين الولاية والوصاية ، ، حيث الولاية تكون على الأراضي الجماعية  للدولة ، والوصاية على الجماعات السلالية  لوزير الداخلية  .

  ثم كيف يمكن الحديث عن الحكامة الجيدة في ظل نصوص متقادمة ومتهالكة ، مع كثرة المتدخلين وتعدد ذوي الحقوق وتعاقبهم وتصرفهم في بعض الاحيان تصرفات مزاجية من قبيل تفويت حقوقهم للغير، رغم أن يدهم على الأراضي السلالية يد منتفع وليس يد مالك باستثناء الأراضي السلالية المتواجدة في المناطق المسقية ، حيث يكونوا  مالكين على الشياع .
    وقد خلصت من خلال المداخلات المتنوعة،  بأن في السابق كان الصراع محتدما بين الوصاية وجماعة النواب من جهة ، والنساء السلاليات  من جهة أخرى ، حول الأحقية في الاستفادة من عائدات الانتفاع بالأراضي السلالية ، إلا انه في الوقت الراهن أصبح الصراع  مفتوحا بين الوصاية والقضاء ، حول الجهة المختصة للبت في بعض المنازعات التي تهم الأراضي السلالية ، والتي كانت حكرا على الجماعة النيابية من قبيل النزاعات المتعلقة بتقسيم الانتفاع .

   وقد نصت الفقرة الرابعة من الفصل الرابع من ظهير 27 ابريل 1919 السالف الذكر بأن مقررات جمعية المندوبين الخاصة بتقسيم الانتفاع لا يمكن الطعن فيها إلا أمام مجلس الوصاية الذي ترفع إليه القضية من طرف المعنيين بالأمر انفسهم أو من لدن السلطة المحلية ، وينظر المجلس كذلك في جميع الصعوبات المتعلقة بالتقسيم .

   غير أن جانبا من قضاة المحاكم الإدارية يتمسك بمقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 118 من الدستور التي تنص على أن " كل قرار اتخذ في المجال الاداري سواء كان تنظيميا أو فرديا يمكن الطعن فيه أمام الهيئة القضائية الادارية المختصة ."
   وهذا صحيح متى كانت القرارات المتخذة من طرف الجماعات النيابية قرارات ادارية ،وكذا الشأن بالنسبة لمجلس الوصاية ، لكن كل القرارات المتعلقة بمشاكل تقسيم الانتفاع ذات طابع مدني صرف، وصادرة عن جهة غير إدارية  بمفهوم القانون الإداري الصرف ، وإنما جهاز مدني عادي حتى لو كان يتضمن في عضويته أشخاصا إداريين ، فهذا الجهاز يخرج عن مراقبة رئيس الحكومة على اعتبار أنه أعلى تسلسل إداري ، كما أن بعض أفراده لا يدينون بالولاء لرئيس مجلس الوصاية. ثم حتى على فرض  أن الدستور يعتبر كل القرارات الإدارية قابلة للطعن ، فيتعين في البدء تعديل ظهير 1919 ليصبح مواكبا للدستور ، كما هو الشأن بالنسبة للفصل 124 من الدستور الذي نص على أن الأحكام تصدر وتنفذ باسم الملك وطبقا للقانون ، مما اضطرت معه وزارة العدل والحريات إلى اعداد مشروعي قانون من اجل مواكبة المسطرة المدنية والجنائية لهذا المستجد ،وبالتالي أصبح المشرع هو صاحب الاختصاص وليس القضاء ، لأن ذلك من اختصاصاته الدستورية ، ألم ينص الفصل 70 من الدستور على أنه يمارس  البرلمان السلطة التشريعية ، وأن الفصل 110 منه ينص على أنه لا يلزم قضاة الأحكام إلا بتطبيق القانون ؟

   والحاصل أن القضاء دستوريا يطبق القانون ولا ينشئه، وإلا وقع مس خطير باستقلال السلطة التشريعية، ذلك أنه منذ كنا ،ونحن نرافع بل ونناضل من أجل استقلال القضاء عن جميع السلط ، لكن في ذات الوقت نناضل ونرافع من أجل استقلال السلطة التشريعية لأنها هي التي تصدر القانون.

   هذا القانون الذي نص الفصل 6 من الدستور على أنه اسمى تعبير عن إرادة الأمة والجميع ، متساوون أمامه وملزمون بالامتثال له .

    وهنا نلاحظ بان المشرع الدستوري لم يميز بين الأفراد أو الأشخاص الاعتبارية بما فيه السلطات العمومية بمفهومها العام في الخضوع للقانون الصادر عن السلطة التشريعية .
 
  ومن تم نرى بأن ملف الأراضي السلالية له طابع حقوقي وسياسي واجتماعي وثقافي ، وهذا ما جعل المتناظرون من فقهاء وقضاة ومحامين ومسؤولين ترابيين ومنتخبين يجدون أنفسهم أمام ملف عصي عن الترويض ، ومتشابك ومعقد وله آثار مترامية في الماضي والحاضر والمستقبل

  وهذا ما حدى بجلالة الملك من خلال رسالته السامية الموجهة إلى المناظرة الوطنية حول السياسة العقارية للدولة ودورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية المنعقدة بتاريخ 8و9 دجنبر 2015 بالصخيرات إلى القول بأن جلالته يدعو إلى "الانكباب على اصلاح نظام الأراضي الجماعية ، التي نثمن حوار وطني بشأنها ، واستثمار وترصيد نتائج هذا الحوار ومخرجاته الأساسية ، لتأهيل أراضي
الجماعات السلالية ، لتساهم بنصيبها في النهوض بالتنمية ، وجعلها آلية إدماج ذوي الحقوق في هذه الدينامية الوطنية ، وذلك في اطار الحق والانصاف والعدالة الاجتماعية ، بعيدا عن كل الاعتبارات المتجاوزة ..."

   فكل مقاربة  إذن ، لهذا الملف تتطلب أخذ بعين الاعتبار  الانصاف والعدالة الاجتماعية والحكامة الجيدة .

  والجدير بالتنبيه أن أراضي الجماعات السلالية توزع حسب جهات المملكة على الشكل التالي :
 
الجهة المساحة بالهكتار
الدار البيضاء ـ سطات 272.209
الرباط ـ سلا ـ القنيطرة 346.380
الشرق 4.943.363
بني ملال ـ خنيفرة 287.531
درعة ـ تافيلالت 4.654.083
سوس ـ ماسة 1.348.703
طنجة ـ تطوان ـ الحسيمة 187.508
فاس ـ مكناس 1.555.907
كلميم ـ واد نون 9.466
مراكش ـ آسفي 1.046.563
المجموع 14.651.714
 
 
وهذا يعني أننا امام رصيد عقاري مهم يتجاوز الرصيد العقاري للملك الخاص للدولة الذي لا يتعدى مليون وسبعمائة هكتار ، والملك الغابوي الذي لم يصل إلى  10مللايين هكتار .

  ومهما يكون فقد استقر المتناظرون بالندوة الوطنية بإقليم تزنيت على صياغة التوصيات التالية :

·         1/ ضرورة اعتماد مقاربة تشاركية وتوافقية في مراجعة المنظومة القانونية المتعلقة بأراضي الجموع من منطلق إشراك مختلف المتدخلين والفاعلين والمهتمين بالموضوع. في أفق إصدار مدونة شاملة لضبط وضعية الأملاك الجماعية  ملاءمة للمبادئ الدستورية ذات الصلة في تدبير النزاعات الجماعية وللمتطلبات الاقتصادية والاجتماعية ، ودعم الإدماج العقار الجماعي في الاستثمار والتنمية المستدامة، مع الحفاظ على الأملاك الجماعية كثروة عقارية عريقة و تثمينها محليا بتوفير شروط و مستلزمات الاستقرار و الاستثمار.

·         2 / إسناد الرقابة القضائية على القرارات التي تصدر عن المجالس المختصة في تدبير النزاعات الجماعية لرئيس المحكمة الابتدائية لموقع العقار الجماعي لتذييلها بالصيغة التنفيذية لتصبح ذات قوة تنفيذية،

واعتماد آليات الوسائل البديلة لفض المنازعات ذات الارتباط بتصفية الوعاء العقاري الجماعي.

·         3 / العمل على ملاءمة النصوص القانونية لأراضي الجموع مع قوانين التعمير وذلك برفع كافة القيود الواردة على ملكية العقار الفلاحي بمجرد إدماجه الجزئي أو الكلي في المجال الحضري.

·         4 / تبسيط الإجراءات المرتبطة بتحفيظ أراضي الجموع، أخذا بعين الاعتبار المساحة المجالية والأبعاد السوسيوثقافية للعقارات الجماعية وأثرها على الأمن الاقتصادي والاجتماعي، واعتماد مسطرة التحفيظ الإجباري بشأن الأراضي الجماعية والمغطاة بوثائق التعمير، والنص صراحة على مبدأ فصل مسطرة التحديد الإداري وذلك بإحالة جميع التعرضات التأكيدية على القضاء في أجل محدد، وتتبع المصادقة على الوعاء العقاري الجماعي غير المشمول بهذه التعرضات بشكل تلقائي.

·         5 / الرقي بالسياسة العمومية المتصلة بمعالجة المنازعات المرتبطة بأراضي الجموع بالشكل الذي يساهم في تنمية المجال ويؤدي إلى تثمين الرصيد العقاري الجماعي، وتحسيس جميع المؤسسات المعنية بتدبير النزاع الجماعي بتحمل مسؤوليتها في إطار ربط المسؤولية بالمحاسبة وفقا لمبادئ الحكامة ذات الارتباط بالشفافية والنزاهة والمصداقية وتجويد وتعليل المقررات الإدارية ذات الصلة.

·         6 / تحديد اختصاصات المؤسسات ذات الارتباط بتدبير النزاع الجماعي بشكل دقيق ببيان حدود سلطاتها، والتخفيف من مبدأ تمركز السلطات في تدبير أراضي الجموع بالشكل الذي يعزز التدبير الجهوي كدعامة من دعامات الديموقراطية الجهوية والحكامة الجيدة وخلق مجالس وصاية جهوية أو إقليمية لتدبير المنازعات المرتبطة بالأراضي السلالية يحدد القانون اختصاصاتها وهياكلها التنظيمية ومسطرة اشتغالها وذلك تماشيا مع المتطلبات الجهوية ومبدأ تقريب الإدارة من المواطن و المساهمة في المعالجة الفعالة والسريعة لمختلف النزاعات المطروحة.

·         7 / الإبقاء على مؤسسة المجالس النيابية مع ضبط وتفصيل اختصاصاتها وشروط عضويتها مع التأكيد على من يتولى رئاستها وإعطاء إمكانية التجريح في أعضائها وهم بصدد النظر في الخصومات الجماعية، وإعادة النظر في طريقة انتخاب أعضاء المجالس النيابية بالشكل الذي يستجيب لمتطلبات الديموقراطية التمثيلية بعيدا عن المؤشرات الخارجية والسياسية. مع الإقرار الصريح بإعطاء المرأة الحق في تولي منصب نائب الجماعة السلالية وضرورة إحداث مؤسسة كتابة المجلس النيابي كمؤشر من مؤشرات النزاهة والمصداقية في القرارات الإدارية.

·         8 / وضع نظام تحفيزي لفائدة مندوبي أراضي الجموع بإقرار تعويضات مادية لفائدتهم عن أداء مهامهم التمثيلية، مع التأكيد على أهمية التأطير والتكوين ،والتكوين المستمر لنواب الجماعات وجميع الفاعلين والمهتمين والمتدخلين في تدبير النزاعات المرتبطة بالأراضي الجماعية وذلك من خلال عقد لقاءات وندوات علمية ودوراتتكوينية. في سبيل توحيد الرؤية والتطبيق السليم للمقتضيات القانونية ذات الارتباط بالمنازعات العقارية الجماعية

·         9 / إعداد دفتر تحملات خاص بشروط وكيفية استغلال أراضي الجموع بكيفية تراعي الظروف  والأوضاع الطبيعية و الاجتماعية و الاقتصادية لكل منطق.

·         10 / اعتماد معايير واضحة في كل ما يتعلق بضبط الجماعات السلالية، و ذوي الحقوق وإحصائهم وحصرهم بصفة دقيقة واعتماد آليات للتحيين الدوري.

·         11 / اعتماد آليات تحفيزية لاستغلال الأراضي الجماعية في إطار التعاونيات أو الشراكات مع إعطاء الأولوية للفئات الهشة والشباب الحاصلين على شهادات علمية تشجيعا للمبادرة الذاتية للمساهمة في الإنتاجية الاقتصادية والاجتماعية انسجاما مع الاستراتيجيات الوطنية أسوة بالنموذج المثال بالجماعة السلالية أهل تازروالت إقليم تزنيت في أفق تعميم هذه التجربة.

·         12 / إحداث لجنة محايدة لتحديد وتقويم أثمنة موضوعية لتفويت الأراضي الجماعية بدل تركها للتراضي بين ممثل الجماعة السلالية وسلطات الوصاية من جهة والإدارة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية من جهة أخرى وذلك حفاظا على حقوق المنتفعين وعلى الثروة المجالية.

·         13 / التدبير المعقلن للأراضي الجماعية ذات الطبيعة الرعوية وذلك بالحفاظ على جزء منها للاستغلال الجماعي وفتح الجزء الأكبر منها للاستثمار بغاية جلب الرساميل وتحقيق التنمية الجهوية.

·         14 / توفير الحماية القانونية لذوي الانتفاع الفعلي طويل الأمد وذلك بفتح المجال أمام الجماعات الترابية باقتناء جزء من الأراضي السلالية وإعدادها في شكل تعاونيات ووداديات سكنية وتفويتها لذوي الانتفاع الفعلي بشروط تفضيلية تحقيقا للعدالة العقارية والاجتماعية.

·          15 / شجيع تفويت الأراضي السلالية المشمولة بوثائق التعمير بالشكل الذي يضمن للمنتفعين من ذوي الحقوق امتيازاتهم وحقوقهم.

·         16 / توحيد العمل القضائي على مستوى محاكم الموضوع انسجاما مع المستجدات التشريعية و توجهات محكمة النقض الحديثة في تكريس الطابع الجماعي المفترض للأملاك الجماعية.
 




الاربعاء 27 أبريل 2016
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter