الاستاذ ميمون خراط، إطار بوزارة التجهيز و النقل
تتميز الأملاك العمومية بخاصية فريدة تتمثل في كونها موضوعة رهن تصرف العموم وهذه الخاصية جعلت المشرع المغربي يضع نظاما خاصا لهذا القطاع وهكذا نص ظهير1 يوليوز 1914 في ديباجته على ما يلي: "نظرا لكون بعض الأملاك لا يمكن تملكها من طرف الخواص لأنها موضوعة رهن تصرف العموم، ولأن إدارتها موكولة للدولة، ونظرا لأن هذه الأملاك التي تكون الملك العمومي غير قابلة للتفويت، فإنه يتعين تحديد طبيعتها ووضعيتها القانونية".
وهكذا يلاحظ أن ظهير 1914 ركز على خاصيتين مرتبطتين ببعضهما:
• كون الملك العمومي موضوع أساسا رهن تصرف العموم.
• كون هذا الملك غير قابل للتفويت.
إلا أنه اتضح فيما بعد، أن هاتين الخاصيتين لا تتعارض وإمكانية فتح هذا الملك أمام استعمالات خاصة، بشروط تتضمن الحفاظ على الملكية العمومية، وحقوق العموم.
وهكذا نص ظهير 30 نونبر 1918 بشأنه الاحتلال المؤقت في ديباجته على ما يلي: "اعتبارا لكون الملك العمومي غير قابل للتفويت وللتقادم ولعدم إمكانية بيع جزء منه بصفة نهائية، إلا أنه لا يمكن أن يرفض تخويل الجماعات والخواص رخصا للاحتلال المؤقت لأجزاء منه ما دام هذا الاحتلال لا يمس الصالح العام".
وعليه يمكن القول بأن مبدأ الاحتلال المؤقت للملك العام بصفة عامة والترخيص باستعماله بصفة إنفرادية هو إستثناء للقاعدة الأساسية التي تحكم منطق الملكية العمومية والتي هي معدة للاستعمال الجماعي، ومن تم يجب أن لا يتعارض أو يؤثر سلبا على استعمال أو استغلال الملك العمومي في الغرض المرصود به، فلا يمكن مثلا الترخيص باحتلال جزء من الملك العام الطرقي ومزاولة نشاط تجاري أو صناعي أو اجتماعي من شأنه ومن طبيعته خلق تجمهر أمام المكان محل النشاط لما قد ينتج عن ذلك من عواقب سلبية على سلامة مستعملي الطرق.
والإشكال المطروح في هذا الإطار والذي سيتم البحث فيه في هذا المقال هو إلى أي حد نجح المشرع المغربي في التوفيق بين هذا النوعين من الاستعمال للملك العمومي؟ وما هي حدود استعمال
الملك العمومي من طرف الخواص؟
لمعالجة هذا الموضوع سيتم في البداية إلقاء نظرة على الاستعمال الجماعي للملك العمومي (المحور الأول) على أساس التطرق للاستعمال الخصوصي للملك العمومي في (المحور الثاني)، هذا مع تخصيص (المحور الثالث) للملك العام المائي وطرق استعماله.
المحور الأول:
الاستعمال الجماعي للملك العمومي
يعتبر الاستعمال الجماعي هو الأصل في الاستعمالات التي يكون الملك العمومي موضوعا لها، ذلك أن طبيعة الملك العمومي لا تتوافق من الناحية المبدئية إلا من وضعه رهن تصرف العموم، فالملك العمومي ضروري للحياة داخل المجتمع، بحيث لا يمكننا تصور هذا الأخير بدون طرق عمومية وشواطئ عمومية، وأنهار عمومية إلخ...
الفقرة الأولى: خصائص الاستعمال الجماعي للملك العام
إن الاستعمال الجماعي للملك العام يتميز بخصائص نوجزها فيما يلي :
أ- حرية الاستعمال، وتعني أن لكل شخص الاستفادة من الملك العمومي متى شاء، ولا يتم المساس بهذه الحرية هذه إلا ضرورة تقييده بالقوانين والأنظمة التي تنظم استعمالها.
وحرية الاستعمال لا تعني الفوضى، بحيث أنها تقف حيث تبدأ حرية الآخرين، وبالتالي فالاستعمال يجب أن يكون معقولا وبدون تعسف، ومتوافقا مع طبيعة الملك العمومي المستعمل، فالطريق مثلا لا يمكن استعمالها إلا للسير والجولان، والشاطئ للاستحمام، بل إن بعض الأملاك العمومية لا يمكن استعمالها بتاتا من طرف العموم كالتحصينات العسكرية مثلا.
وأكثر من هذا فإن حرية الاستعمال تمنع على السلطات العمومية وضع تقنين يكون من شأنه المنع المطلق ما عدا إذا كانت هناك ظروف تبيح ذلك. مع ملاحظة أن بعض الاستعمالات قد تخضع لترخيص أو تصريح.
ب- المساواة في الاستعمال: هذه الخاصية تنبع من المبدأ الدستوري القاضي بالمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين. فلكل مواطن الحق في نفس الاستعمال المخول لمواطن آخر، وأي تمييز بينهم يتيح إمكانية متابعة الإدارة قضائيا لإلغاء قرار التمييز وأحيانا لأداء تعويض للمواطن المتضرر.
إلا أن المساواة لا تعني مساواة مطلقة بين جميع أصناف المستعملين، فطبيعة الملك العمومي، وضرورة المحافظة عليه قد تقتضي أحيانا وضع نظم مختلفة تجاه أنواع المستعملين، فالطرق السيارة مثلا لا يمكن استعماله من طرف النقل الاستثنائي والوقوف على جوانب الطرق العمومية قد يكون مقننا فيمنع على بعض أصحاب السيارات ويخصص للبعض الآخر إلا أن هذه التفرقة النسبية لا تمس بالمبدأ العام للمساواة طالما أن التقنين والتنظيم لا يعني شخصا معينا، وإنما صنفا معينا من المستعملين، وطالما أن هذا التنظيم تستدعيه ضرورة المحافظة على السلامة العامة وحرمة الملك العمومي.
ج- المجانية: هذا المبدأ يقضي بأن يكون استعمال الملك العمومي بدون مقابل وذلك لأسباب منها:
• إن الملك العمومي هو في الواقع ملك للعموم، حيث هناك نظريات تقول بأن الملك العمومي ليس ملكا للإدارة المسيرة، وهناك من يقول بأنه ليس ملكا لأحد، وبالتالي فلا يمكن الأداء عن استعمال شيء نملكه أو قد لا يملكه أحد.
• إن الملك العمومي الاصطناعي خاصة ينشأ بواسطة موارد عمومية تتكون من الضرائب التي يؤديها المواطنون. أي أن هؤلاء هم الذين يمولون عملية تكوين الملك العمومي، وبالتالي فإذا طلب منهم أداء مقابل لاستعماله، فإن هذا سيعني إخضاعهم لضريبتين إحداهما غير عادلة ولا مستحقة.
• إن الملك العمومي ضروري وحيوي للحياة العادية للمواطنين ويجب ضمانه لهم كشرط أساسي لطمأنينتهم، فلو اعترضنا أن الأداء لازم لإمكانية الاستفادة من الملك العمومي، فهذا يعني أننا سنحرم الغالبية العظمى من المواطنين منه، وسيكون الاستعمال خاصا بالميسورين منهم، وهذا بالطبع غير معقول وسيهدد لا محالة الأمن الاجتماعي والسكينة العامة.
ومع ذلك فقد توجد اعتبارات خاصة تدعو السلطات العامة إلى الحد من مبدأ المجانية، وذلك بفرض رسوم على استعمال الملك العمومي، ومن بين هذه الاعتبارات:
• عقلنة استعمال الملك العمومي: من الملاحظ أن بعض مستعملي الملك العمومي يتعسفون في استعماله لاسيما من خلال إيقاف السيارات على جنبات الطرق لفترات طويلة، قد تدوم أياما، وللحد من هذه الظاهرة، فإن الإدارة قد تفرض رسوما على هذا الوقوف تتصاعد حسب المدة الزمنية التي يستغرقها الوقوف.
• مساهمة المواطن في تمويل إحداث الملك العمومي أو المحافظة عليه: لاسيما في ميدان الطرق السيار والمنشآت الفنية ذلك أن هذه المنشآت تتطلب تمويلا يفوق ما تقضيه الطرق العادية، وبالتالي فإنه من المتعارف عليه أن مستعملي هذه الطرق يؤدون أداء يستعمل في الحفاظ على جودتها أو لتمويل مشاريع مماثلة.
• الحصول على موارد مالية إضافية، هذه الظاهرة أصبحت تستفحل في السنين الأخيرة، لاسيما من طرف الجماعات المحلية التي تعمد في كثير من الأحيان إلى فرض رسوم على استعمال الملك العمومي، حتى وإن كان هذا الملك غير موضوع تحت تصرفها، ولعل خير دليل على ذلك هو ما نشاهد من خلال الرسوم المفروضة على استعمال المظلات في الشواطئ، ورسوم الدخول إلى حقينات بعض السدود والبحيرات، هذا علاوة على الرسوم المفروضة على إيقاف السيارات في الشوارع والساحات العمومية، بحيث أصبح من الصعب إيجاد مكان لا يؤدى عنه.
وعلى أي، ومهما كان التبرير المقدم لإحداث رسم أو أدء عن استعمال الملك العمومي، فإن هذا المقابل يجب أن يخضع لبعض المقاييس أهمها:
• المساواة: وتعني أن الرسوم يجب أن يلحق جميع المستعملين سواء من حيث المبدإ او من حيث المبلغ بشرط أن يكونوا في نفس الوضعية، فإذا اختلفت هذه الوضعية فإنه من المقبول أن يكون الرسم مختلفا.
• المعقولية: ومفاده أن الرسم يجب أن يكون مقبولا في مبلغه، وألا يكون من شأنه زجر المواطنين عن استعمال الملك العمومي.
• احترام الحد الأدنى للمجانية، ونعني به أن إحداث رسم يجب ألا يشمل كل أجزاء الملك العمومي، بحيث أن الإدارة يجب أن تضمن للمواطنين إمكانية استعمال بعض أجزاء الملك العمومي بصفة مجانية وهذا ما نلاحظه بشأن الطرق السيارة، حيث أن الدولة ملزمة بتوفر طريق عادي مجاني يؤدي إلى نفس الاتجاه الذي يؤدي إليه الطريق السيار.
الفقرة الثانية: الوضع رهن إشارة المؤسسات العمومية
بالإضافة لما سبق يمكن للدولة أن تضع رهن إشارة المؤسسات العامة إمكانية استغلالها لبعض الأملاك العمومية، ومن الضروري في هذا الإطار أن نفرق بين هذه المسطرة، ومسطرة الاحتلال المؤقت من طرف المؤسسات العامة، ففي هذه الأخيرة، تكون الإدارة من الناحية النظرية حرة في منح الاحتلال أو رفضه، أي أن المؤسسة هنا ينظر إليها كأنها مواطن عادي، باستثناء تبسيط مسطرة دراسة الطلب وإعفائها أحيانا من أداء الإتاوة.
أما في مسطرة الوضع، فإنها غالبا إن لم نقل دائما ما تكون مقررة بمقتضى القوانين المحدثة لهذه المؤسسات، (مكتب استغلال الموانئ).
إن هذا الوضع لا يعني أن الإدارة الوصية على الملك العمومي تتخلص نهائيا من امتيازاتها واختصاصاتها، بل على العكس من ذلك فإن تسيير الملك العمومي من طرف المؤسسات العامة يجب أن يكون تحت إشراف الوزارة صاحبة الملك العمومي.
لذلك نجد مثلا في قرارات وضع الملك العمومي تحت تصرف مكتب استغلال الموانئ فصلا يتضمن ضرورة حصول هذا الأخير على الموافقة المسبقة للوزارة على رخص الاحتلال المؤقت التي يمضيها، كما أن هذه الأخيرة تمارس رقابة أخرى للمكتب من خلال أجهزة هذا الأخير لاسيما اللجنة التقنية ولجن التسيير.
وأكثر من هذا، فإن ممارسة بعض الأنشطة داخل الميناء يجب أن تكون مرخصا بها من طرف الوزارة وهي الأنشطة التي تكتسي صبغة المرفق العمومي، ولا يمكن للمكتب في هذه الحالة رفضه الانصياع لقرارات الوزارة.
وفي كل الأحوال، فإن لهذه الأخيرة الحق في إسناد بعض الاختصاصات التي يقوم بها المكتب إلى جهات أخرى، وبالتالي حرمانه من منح رخص الاحتلال المؤقت بشأنها، إذا شاءت الإدارة أن تنزع منه هذا الاختصاص، فاستقلالية المكتب لا تعني إمكانية تجاوزه للنصوص المنظمة له ولوصاية الدولة عليه.
المحور الثاني:
الاستعمال الخاص للملك العام
ويقصد به انفراد شخص أو مجموعة من الأشخاص بالانتفاع واستغلال جزء من الملك العام ومنع غيرهم من استعماله، وما دام هذا الانتفاع يتم بشكل غير طبيعي أي في غير الغرض الذي خصص له الملك ولاعتبارات مخالفة لتلك التي تهم الاستعمال الجماعي، فإنه يقتضي الحصول على ترخيص من الإدارة ويكون بمقابل كقاعدة عامة. ولهذا السبب فإن قواعد تنظيم الاستعمال الخاص للملك العام تختلف عن قواعد تنظيم الاستعمال الجماعي.
عموما يتخذ الاستعمال الخاص إحدى صورتين: صورة الترخيص الذي يمنح بقرار إداري من جانب واحد وقد يتخذ شكل امتياز باتفاق تعاقدي بين الإدارة ومستغلي الملك العام.
الفقرة الأولى: قرار الترخيص بالاحتلال المؤقت كوسيلة لشغل الملك العام
يقتضي استعمال الملك العمومي من طرف الخواص الحصول على رخصة من طرف السلطات الإدارية المختصة.
وقد تم تنظيم هذا الاستعمال بواسطة ظهير 30 نونبر 1918 المتعلق بشغل الملك العمومي مؤقتا، إذ أنه ليس هناك ما يمنع الاستعمال الانفرادي للأملاك العمومية كلما كان ممكنا الإذن فيه دونما إضرار بالمصلحة العامة، يعني ما دام الاحتلال الانفرادي لا يتنافى والغرض المعدة له الأملاك العامة.
فهذا الظهير هو الذي يحدد طبيعة الاستعمال والجهات المختصة بتسليم الرخصة بشأنه، هكذا ينص الفصل الثاني من الظهير: "كل مطلب يتعلق بإشغال قطعة ما من الأملاك العمومية مؤقتا يوجه للمدير العام للأشغال العمومية ويضمن فيه تصريحا الغرض من إشغالها والتغييرات التي ينوي الطالب إحداثها بهيئتها وسعة الأبنية وغيرها من الأماكن التي يريد إنشائها مع كيفية تهيئتها ويجب عليه إذا دعي لذلك أن يتعهد كتابة بدفع واجب الكراء...".
عموما يجوز للخواص طلب رخصة من أجل الاحتلال المؤقت للملك العمومي بقصد تحقيق أغراض مختلفة (استخراج المواد، إنجاز القنوات ومزاولة النشاط التجاري، أرصفة المقاهي، منشآت الاستحمام وغيرها).
ويتخذ الاستعمال الخاص بناء على ترخيص إحدى صورتين:
• الاستعمال الذي لا يتطلب اتصالا دائما بالملك العام وصوره الشائعة: الإذن للعربات بالوقوف في مواضع معينة من الطرق العامة وللمقاهي بوضع كراسيها وموائدها على أرصفة الشوارع أو عرض بضائعهم في أجزاء من الملك العام أو وقوف السيارات في أماكن معينة. ففي جميع هذه الحالات لا يستدعي هذا الاستعمال إلا شغل جزء من الملك العام دون حفر فيه ولا بناء ويكون معلقا بسطح الأرض ولهذا فإنه يكون أقل دواما من الاستعمالات الأخرى.
• الاستعمال الذي يقتضي اتصالا أكثر دواما بالملك العام حيث يمتد إلى باطن الأرض مما يترتب عليه تغيير الحالة الطبيعية للملك العام كالترخيص بإنشاء محطات البنزين والترخيص لبعض شركات الامتياز بمد خطوط حديدية فوق الملك العام وحفر أنفاق ووضع الأسلاك تحت أرضية الشارع بقصد توصيل المياه والكهرباء...الخ .
وقد أحسن المشرع المغربي صنعا حينما ميز على مستوى تدبير الأملاك العمومية الجماعية بواسطة الظهير الشريف 3 أكتوبر 2002، مقتديا في ذلك بالتشريعين الفرنسي والمصري في ذلك، ما بين الاحتلال المؤقت بإقامة بناء والذي يعتبر من أعمال تدبير الملك الجماعي المشار إليه في الفصل 47 من قانون 08-17 المتعلق بالميثاق الجماعي، إذ يتم الترخيص به لممارسة نشاط تجاري أو صناعي أو مهني تطبيقا لمقتضيات الظهير الشريف الصادر في 30 نونبر 1918 وكذا مقتضيات القانون رقم 06-47 الذي يحدد بموجبه نظام للضرائب المستحقة للجماعات المحلية وهيئاتها كما تم تغييره وتتميمه وبين الاحتلال المؤقت بدون إقامة بناء، الذي يعتبر من أعمال الشرطة الإدارية.
ويتميز الاحتلال المؤقت للملك العام بإقامة بناء بأنه استغلال ثابت وقار للملك العام، بمعنى أن له أساس وعمق في الأرض يحدث تغييرات في الوعاء العقاري، ومثال ذلك: إقامة علامات الإشهار فوق الملك العام الطرقي أو مد قنوات التطهير بباطن الطريق العام أو مد أنابيب جر المياه فوق الطريق العام أو إحداث محطات الوقود والبنزين فوق الملك العام.
وتختلف الجهة المالكة للحق في الترخيص تبعا لما إذا كان الاستعمال متعلق بسطح الأرض أو بباطنها. ففي الحالة الأولى ينعقد الاختصاص لسلطة الضبط الإداري لأن المسألة تتعلق بالحفاظ على النظام العام بمدلولاته الثلاثة، فهذا الاستعمال لا خطر منه مبدئيا على الملك العام، وكل خطورته تنحصر في الحد من تخصيص الملك للنفع العام.
أما في الحالة الثانية، فإن حفظ الملك العام يقع على عاتق الشخص الإداري الذي يتبعه ولهذا كان له أن يقدر درجة الخطورة التي يتعرض لها الملك العام من جراء استعماله من طرف الخواص .
وعلى مستوى الجماعات المحلية أضحى الاحتلال المؤقت للملك العام بدون إقامة بناء يدخل في نطاق اختصاصات الشرطة الإدارية للحفاظ على النظام العام وفقا لأحكام الميثاق الجماعي، في حين أصبح الاحتلال المؤقت للملك العام بإقامة بناء يندرج ضمن اختصاصات شرطة المحافظة على الملك العام عملا بأحكام الفقرة 6 من المادة 37 من الميثاق الجماعي، وبالتالي فإن مسطرة الترخيص أصبحت تتميز بالتبسيط عما كان عليه الأمر سابقا.
فإذا كان المشرع المغربي يبيح الاستعمال الخاص للملك العام فإنه قد وضع لذلك قيودا وضوابط نظرا لما قد ينطوي عليه ذلك الاستعمال من مخاطر وخصوصا حرمان المستعملين الأصليين من حق الانتفاع (كمضايقة المارة في حالة وضع طاولات وكراسي المقاهي على الرصيف أو منع الاستحمام في بعض الشواطئ)، كما يؤدي في كثير من الحالات إلى إحداث تغييرات على الملك العام سواء بالحفر أو البناء (حالة بناء أكشاك بالأسمنت المسلح).
ولكل هذا، فإن الراغبين في إشغال الملك العمومي لابد وأن يخضعوا لمجموعة من القواعد حددها ظهير 1918، ذلك أن هذا الاستعمال الخاص لا يعتبر حرا ولا مجانيا ولا دائما.
فالرخصة تمنح لمدة عشر سنوات وبصفة استثنائية لمدة 20 سنة وهناك حالات حسب الفصل السادس من الظهير تسلم فيها الرخص دون تحديد المدة .
وسواء كانت المدة محددة أم لا، فإن الرخصة تكون دائما مؤقتة ويمكن إلغاؤها في حالتين: إذ يقرر إلغاؤها بحكم القانون إذا لم يحترم المحتل أحد الواجبات المفروضة عليه وذلك دون سابق إنذار ومن غير أي تعويض، غير أن الرخصة يمكن أن تلغى لأسباب تتعلق بالصالح العام تملك الإدارة وحدها سلطة تقديرية للنظر فيها، وحينئذ يجب على هاته الأخيرة أن توجه إنذارا لمدة ثلاثة اشهر إلى المحتل المؤقت . ويجوز في هذه الحالة للمحاكم المختصة مراقبة مدى مشروعية الغرض من سحب الرخصة والأسباب الداعية إلى ذلك.
ويترتب على الاحتلال المؤقت أداء وجيبة كرائية يعين قدرها في القرار المتعلق بذلك ويحسب هذا الكراء من يوم إعلام المرخص له بصدور القرار المذكور .
الفقرة الثانية: عقد الامتياز كوسيلة للاستعمال الخاص للملك العام
يمكن للإدارة في بعض الحالات الاستثنائية أن تلجأ إلى التعاقد مع الخواص ومنحهم بعض الامتيازات الخاصة على أملاكها العامة، ويجب أن يتضمن العقد شروط الاستعمال المسموح به، مدته، حق الإدارة في تعديله أو إلغائه والمقابل النقدي الذي يدفعه الفرد أو الشركة المتعاقدة.
هكذا نصت المادة 1 من القانون رقم 05-54 المتعلق بالتدبير المفوض للمرافق العامة على أنه : " يطبق هذا القانون على عقود التدبير المفوض للمرافق والمنشآت العمومية المبرمة من قبل الجماعات المحلية أو هيآتها والمؤسسات العامة" كما نص الفصل 39 (الفقرة الأخيرة) من الميثاق الجماعي لسنة 2008 على ما يلي: "المجلس الجماعي يقرر في طرق تدبير المرافق العمومية الجماعية عن طريق الوكالة المباشرة والوكالة المستقلة والامتياز وكل طريقة أخرى من طرق التدبير المفوض للمرافق العمومية طبقا للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل".
هكذا تتميز وضعية صاحب الامتياز بنوع من الاستقرار الناتج عن مدة الاحتلال ونظرا لأن الذي يحكم العلاقة بينه وبين السلطة المختصة هو عقد من العقود الإدارية، في حين أن المرخص له يكون استعماله للملك العام بناء على قرار إداري، وعلى ذلك، فإنه يتعين على الإدارة أن تحترم شروط العقد وحقوق المتعاقد معها وألا تتدخل لتعديل العقد أو إلغائه قبل إنهاء مدته إلا إذا تطلبت المصلحة العامة ذلك وعند الإلغاء يحصل المتعاقد على تعويض كامل في مقابل حرمانه من الانتفاع بالملك العام طوال المدة المقررة في العقد.
المحور الثالث: الملك العام المائي
تشكل الموارد المائية ملكا عاما هي بدورها لما تتميز بها هذه المادة الحيوية من أهمية في حياة الفرد والمجتمع لذلك خصها المشرع المغربي بمجموعة من النصوص والمقتضيات التي تهدف الى تنظيم طرق اكتسابه واستعماله وذلك في سبيل عدم تمكين فئة معينة من المجتمع من استغلال واستحواذها على هذا الملك المشترك وجعله في متناول الجميع.
الفقرة الأولى: الاطار القانوني للملك العام المائي
تنظم استعمال الملك العام المائي قواعد قانونية ذات مصادر مختلفة، غير أن أول نص قانوني يخص الماء في المغرب يعود تاريخه إلى سنة 1914، ويتعلق الأمر بالظهير الشريف الصادر في 7 شعبان 1332 (فاتح يوليوز 1914) حول الأملاك العامة والمتمم بظهيرين شريفين صدرا سنة 1919 و1925 الذي يدمج جميع المياه مهما كان شكلها في الأملاك العامة المائية. ومن ثم لا يمكن للموارد المائية أن تكون موضوع ملك خاص باستثناء المياه التي اكتسبت عليها حقوق مائية. وقد صدرت بعد ذلك نصوص أخرى لمواجهة الحاجيات الجديدة التي ظهرت وآخرها قانون رقم 10.95 المتعلق بالماء والذي أقر بأن الماء ملك عام، ولا يمكن أن يكون موضوع تملك خاص، ويدخل في عداد الملك العام المائي بمقتضى هذا القانون ما يلي :
أ) جميع الطبقات المائية، سواء كانت سطحية أو جوفية، ومجاري المياه بكل أنواعها والمنابع كيفما كانت طبيعتها؛
ب) البحيرات والبرك والسبخات وكذا البحيرات الشاطئية والمستنقعات المالحة والمستنقعات من كل الأنواع التي ليس لها اتصال مباشر مع البحر. وتدخل في هذه الفئة القطع الأرضية التي بدون أن تكون مغمورة بالمياه بصفة دائمة لا تكون قابلة للاستعمال الفلاحي في السنوات العادية، نظرا لإمكانياتها المائية؛
ج) الآبار الارتوازية والآبار والمساقي ذات الاستعمال العمومي المشيدة من طرف الدولة أو لفائدتها؛
د) قنوات الملاحة والري والتطهير المخصصة لاستعمال عمومي وكذلك الأراضي الواقعة في ضفافها الحرة والتي لا يجب أن يتجاوز عرضها خمسة وعشرين مترا لكل ضفة حرة؛
ه) الحواجز والسدود والقناطر المائية وقنوات وأنابيب الماء والسواقي المخصصة لاستعمال عمومي من أجل حماية الأراضي من المياه، والري وتزويد المراكز الحضرية والتجمعات القروية بالماء أو لاستخدام القوى المائية؛
و) مسيل مجاري المياه الدائمة وغير الدائمة وكذلك منابعها ومسيل السيول التي يترك فيها سيلان المياه آثارا بارزة؛
ز) الحافات إلى حدود المستوى الذي تبلغه مياه الفيضان، وكذا كل المساحات المغطاة بمد يبلغ معامله 120 في أجزاء مجاري الماء الخاضعة لتأثير هذا المد؛
ح) الضفاف الحرة انطلاقا من حدود الحافات.
ويتم الاعتراف بالحقوق المكتسبة على الملك العام المائي إما بمبادرة من الإدارة ومن قبلها أو بناء على طلب من المعنيين، بعد إجراء بحث علني، إذ تخضع حقوق الماء المعترف بها لأحكام استعمال الماء المضمنة في المخطط الوطني للماء والمخططات التوجيهية للتهيئة المندمجة للموارد المائية.
ولا يمكن تجريد الملاكين من حقوقهم التي تم الاعتراف لهم بها بصفة قانونية إلا عن طريق نزع الملكية وتتم عملية نزع الملكية هذه طبقا للشروط المنصوص عليها في القانون رقم 7.81 المتعلق بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة وبالاحتلال المؤقت .
الفقرة الثانية: الترخيصات والامتيازات المتعلقة بالملك العام
تمنح الترخيصات والامتيازات المتعلقة بالملك العام المائي وتقوم بإجراء البحث العلني لجنة خاصة يعهد إليها بتلقي مطالب المعنيين بالأمر. ولهذا الغرض، فإن مشروع الترخيص أو الامتياز ينبغي أن ينهى إلى علم العموم عن طريق الصحافة أو أية وسيلة أخرى للإشهار تكون ملائمة، خمسة عشرة يوما قبل بدء البحث العلني الذي لا يمكن أن تتجاوز مدته ثلاثين يوما. ويتعين على وكالة الحوض أن تبت في الطلب أو في أي تعرض من طرف الغير داخل أجل خمسة عشر يوما من تاريخ انتهاء البحث بعد أخذ رأي اللجنة.
أولا: الترخيص كوسيلة لاستعمال الملك العام المائي
تخضع لنظام الترخيص العمليات التالية :
1. أشغال البحث أو التقاط المياه الجوفية أو النابعة؛
2. حفر الآبار وإنجاز الأثقاب التي يتجاوز عمقها الحد المشار إليه في المادة 26 من القانون؛
3. أشغال التقاط واستعمال مياه العيون الطبيعية الواقعة في الملكيات الخاصة؛
4. إقامة منشآت لمدة لا تتجاوز خمس سنوات قابلة للتجديد، بهدف استعمال الملك العام المائي كالمطاحن المائية والحواجز والسدود أو القنوات، شريطة ألا تعرقل هذه المنشآت حرية سيلان المياه وحرية السير على الضفاف الحرة وأن لا تتسبب في تلوث المياه؛
5. جلب صيب من مياه الطبقة الجوفية كيفما كانت طبيعتها يفوق الحد الذي تحدده نصوص تنظيمية؛
6. مآخذ المياه المقامة على المجاري المائية أو القنوات المتفرعة عن الوديان؛
7. جلب المياه، كيفما كانت طبيعتها، من أجل بيعها أو من أجل استعمالها للعلاج الطبي،
8. استغلال المعديات أو الممرات على المجاري المائية.
يمنح الترخيص مع مراعاة حقوق الغير كما يمكن أن يخول الترخيص للمستفيد حق احتلال أجزاء من الملك العام المائي الضرورية للمنشآت وللعمليات المرخص بها .
وتحدد وكالة الحوض مدة الترخيص التي لا يمكن أن تتجاوز عشرين سنة قابلة للتجديد والتدابير التي يجب على المستفيد من الترخيص القيام بها لتجنب تدهور المياه التي يستعملها إما عن طريق الجلب أو الصرف ومبلغ وكيفيات أداء الإتاوة وشروط الاستغلال والتمديد الجديد المحتملين للترخيص وكذلك التدابير التي يجب على المستفيد من الترخيص أن يتخذها .
ويتم سحب الترخيص من طرف وكالة الحوض في أي وقت وبدون تعويض، وذلك بعد توجيه إنذار كتابي للمعني بالأمر في الحالات التالية :
• عدم احترام الشروط التي يتضمنها الترخيص؛
• إذا لم يشرع في استعمال الترخيص داخل أجل سنتين،
• إذا تم تفويت الترخيص أو تحويله للغير دون موافقة مسبقة من وكالة الحوض؛
• إذا لم يتم تسديد الإتاوات في الآجال المحددة؛
• إذا استعملت المياه لغرض غير مرخص به.
ويمكن لوكالة الحوض في أي وقت تغيير الرخصة أو تقليص مدتها أو سحبها من أجل المنفعة العامة بشرط توجيه إشعار للمستفيد لا تقل مدته عن ثلاثين يوما. ويخول هذا التغيير أو التقليص أو السحب الحق في التعويض لفائدة المستفيد من الترخيص إذا حصل له ضرر مباشر من جراء ذلك.
كما يمنح الترخيص بجلب المياه من أجل الري لفائدة عقار معين، إذ لا يمكن للمستفيد استعمال المياه لفائدة عقارات أخرى دون ترخيص جديد، وفي حالة تفويت العقار يحول الترخيص بقوة القانون إلى المالك الجديد، ويتعين على هذا الأخير أن يصرح بالتفويت إلى وكالة الحوض داخل أجل ثلاثة أشهر ابتداء من تاريخ انتقال الملكية.
ويعتبر كل تحويل للترخيص يتم بمعزل عن العقار الذي منح لفائدته باطلا ويؤدي إلى سحب الترخيص، وفي حالة تجزئة عقار المستفيد، فإن تقسيم المياه بين القطع يجب أن يكون موضوع ترخيصات جديدة تحل محل الترخيص الأصلي .
ثانيا: الامتياز كوسيلة لاستعمال الملك العام المائي
تخضع لنظام الامتياز العمليات التالية :
1. تهيئة العيون المعدنية والحارة وكذا استغلال مياه هذه العيون؛
2. إقامة منشآت فوق الملك العام المائي لمدة تفوق خمس سنوات، الهدف منها الحماية من الفيضانات أو تجميع وتحويل المياه وكذا استعمال هذه المياه؛
3. تهيئة البحيرات والبرك والمستنقعات؛
4. عمليات جلب الماء من الطبقة المائية ومآخذ الماء المقامة على مجاري المياه والقنوات المتفرعة عن الوديان أو العيون الطبيعية عندما يتعدى الصبيب المأخوذ الحد الذي تعينه وكالة الحوض أو إذا كانت مخصصة لاستعمال عمومي؛
5. جلب الماء من مجاري المياه والقنوات بهدف إنتاج الطاقة الهيدروكهربائية.
ويشكل الامتياز حقا عينيا لمدة محدودة ولا يخول للمستفيد منه أي حق للملكية على الملك العام المائي.
ويحدد عقد الامتياز على الخصوص ما يلي :
• الصبيب الممنوح؛
• نمط استعمال المياه؛
• تحملات صاحب الامتياز والتزاماته الخاصة؛
• الإتاوة التي يجب على صاحب الامتياز أن يؤديها؛
• مدة الامتياز التي لا يمكن أن تتعدى 50 سنة؛
• طبيعة المنشآت وأجل إنجاز مختلف أشطر المنشأت؛
• التدابير التي يجب اتخاذها من طرف المستفيد من الامتياز لتجنب تدهور جودة موارد المياه؛
• عند الاقتضاء، الشروط التي يمكن فيها تغيير الصبيب الممنوح أو تقليصه وكذا التعويض الذي يمكن أن يترتب عن هذا التغيير أو التقليص؛
• عند الإقتضاء، شروط استرجاع الامتياز وسحبه وسقوط الحق فيه وكذا شروط رجوع المنشآت إلى الدولة عند نهاية الامتياز.
ويخول عقد الامتياز لصاحبه الحق في:
1. إقامة كل منشأة مخصصة لاستعمال الصبيب المرخص به، وذلك بعد موافقة وكالة الحوض على مشاريع هذه المنشأة؛
2. احتلال أجزاء الملك العام اللازمة لمنشآته؛
3. الحلول محل وكالة الحوض في نزع الملكية أو الاحتلال المؤقت للأراضي اللازمة لمنشآت المستفيد من الامتياز.
كما يمكن أن يسقط الحق في الامتياز ودون الإخلال بالبنود الخاصة المنصوص عليها في عقد الامتياز في الحالات التالية:
• استعمال المياه لغرض مغاير للغرض الذي رخص به أو استعمالها خارج منطقة الاستعمال المحددة؛
• عدم أداء الإتاوات في الآجال المحددة؛
• عدم استعمال المياه موضوع الامتياز داخل الآجال المحددة في عقد الامتياز؛
• عدم احترام الالتزامات ذات الطبيعة الصحية ولاسيما في حالة العيون الحارة .
خاتمة عامة
إن ما يهم في المعطيات السابقة سواء دور الإدارة في ضمان الاستعمال الجماعي، ومراقبة الاستعمال الانفرادي، هو أن على الإدارة حماية الملك العمومي من كل تجاوزات، وصيانته بل وإحياءه وإحداثه وذلك من أجل تمكين العموم من استعماله. وفي حالة التقاعس، فإن لكل مواطن الحق في متابعتها قضائيا بسبب المسؤولية التقصيرية، وأحيانا بسبب الشطط (مثال الطعن في شرعية قرارات الترخيص أو الامتياز).
أما فيما يتعلق بالاستعمالات الانفرادية للملك العمومي، فإن مسؤولية الإدارة تكون جسيمة، وذلك على الأقل لسببين اثنين:
• من حيث ضرورة التأكد من عدم تعارض الاستعمال الانفرادي مع الاستعمال الجماعي للملك العمومي.
• من حيث ضرورة التأكد من احترام المرخص له باستعمال الملك العمومي لشروط الاستعمال الانفرادي.
فمنح رخصة الاحتلال المؤقت تحتم على الإدارة مراقبة المرخص له من حيث الاستعمال الخفي لرخصته وعدم تفويتها للغير واحترام موضوع الرخصة، ومدتها، وأداء الإتاوة إلخ...
وفي الامتياز، تراقب الأتاوة وكل الشروط اللصيقة بالمرافق العامة، كالاستثمار والمساواة بين مستعملي المرفق والشروط الأخرى التي يتضمنها كناش التحملات.
وفي حالة الوضع رهن إشارة المكاتب العمومية، تبقى الإدارة الوصية مسؤولة عن الملك العمومي موضوع الوضع رهن التصرف فتراقب مشروعية الرخص، شكلا ومضمونا، لاسيما فيما يتعلق بتلك التي لها صلة أو طابع المرفق العمومي الواقعي حيث أن منحها من طرف المكاتب يتطلب في بعض الأحيان المصادقة عليها من طرف الوزارة الوصية، بل قد يعود اختصاص منحها إلى الوزارة نفسها.
كما يمكن أن نلقي أيضا على عاتق الوزارة ضرورة التأكد من أداء المكاتب للأتاوة المترتبة عن وضع الملك العمومي رهن تصرفها.
وعلى العموم، يمكن القول بأن هذه المراقبة لا تطرح إشكالات مهمة، عكس ما هو الأمر بالنسبة لاستعمالات انفرادية غير مرخص بها. حيث يتطلب الأمر إجراءات معقدة، سواء من حيث التأكد من عدم المشروعية أو معرفة الترامي على الملك العمومي ومتابعته. وهذه مهمة صعبة بالنظر إلى قلة الإمكانيات المادية والبشرية اللازمة لهذا الغرض مما يحول دون القيام بحماية الملك العمومي بصفة جادة وفعالة وعلى الوجه المطلوب.
وهكذا يلاحظ أن ظهير 1914 ركز على خاصيتين مرتبطتين ببعضهما:
• كون الملك العمومي موضوع أساسا رهن تصرف العموم.
• كون هذا الملك غير قابل للتفويت.
إلا أنه اتضح فيما بعد، أن هاتين الخاصيتين لا تتعارض وإمكانية فتح هذا الملك أمام استعمالات خاصة، بشروط تتضمن الحفاظ على الملكية العمومية، وحقوق العموم.
وهكذا نص ظهير 30 نونبر 1918 بشأنه الاحتلال المؤقت في ديباجته على ما يلي: "اعتبارا لكون الملك العمومي غير قابل للتفويت وللتقادم ولعدم إمكانية بيع جزء منه بصفة نهائية، إلا أنه لا يمكن أن يرفض تخويل الجماعات والخواص رخصا للاحتلال المؤقت لأجزاء منه ما دام هذا الاحتلال لا يمس الصالح العام".
وعليه يمكن القول بأن مبدأ الاحتلال المؤقت للملك العام بصفة عامة والترخيص باستعماله بصفة إنفرادية هو إستثناء للقاعدة الأساسية التي تحكم منطق الملكية العمومية والتي هي معدة للاستعمال الجماعي، ومن تم يجب أن لا يتعارض أو يؤثر سلبا على استعمال أو استغلال الملك العمومي في الغرض المرصود به، فلا يمكن مثلا الترخيص باحتلال جزء من الملك العام الطرقي ومزاولة نشاط تجاري أو صناعي أو اجتماعي من شأنه ومن طبيعته خلق تجمهر أمام المكان محل النشاط لما قد ينتج عن ذلك من عواقب سلبية على سلامة مستعملي الطرق.
والإشكال المطروح في هذا الإطار والذي سيتم البحث فيه في هذا المقال هو إلى أي حد نجح المشرع المغربي في التوفيق بين هذا النوعين من الاستعمال للملك العمومي؟ وما هي حدود استعمال
الملك العمومي من طرف الخواص؟
لمعالجة هذا الموضوع سيتم في البداية إلقاء نظرة على الاستعمال الجماعي للملك العمومي (المحور الأول) على أساس التطرق للاستعمال الخصوصي للملك العمومي في (المحور الثاني)، هذا مع تخصيص (المحور الثالث) للملك العام المائي وطرق استعماله.
المحور الأول:
الاستعمال الجماعي للملك العمومي
يعتبر الاستعمال الجماعي هو الأصل في الاستعمالات التي يكون الملك العمومي موضوعا لها، ذلك أن طبيعة الملك العمومي لا تتوافق من الناحية المبدئية إلا من وضعه رهن تصرف العموم، فالملك العمومي ضروري للحياة داخل المجتمع، بحيث لا يمكننا تصور هذا الأخير بدون طرق عمومية وشواطئ عمومية، وأنهار عمومية إلخ...
الفقرة الأولى: خصائص الاستعمال الجماعي للملك العام
إن الاستعمال الجماعي للملك العام يتميز بخصائص نوجزها فيما يلي :
أ- حرية الاستعمال، وتعني أن لكل شخص الاستفادة من الملك العمومي متى شاء، ولا يتم المساس بهذه الحرية هذه إلا ضرورة تقييده بالقوانين والأنظمة التي تنظم استعمالها.
وحرية الاستعمال لا تعني الفوضى، بحيث أنها تقف حيث تبدأ حرية الآخرين، وبالتالي فالاستعمال يجب أن يكون معقولا وبدون تعسف، ومتوافقا مع طبيعة الملك العمومي المستعمل، فالطريق مثلا لا يمكن استعمالها إلا للسير والجولان، والشاطئ للاستحمام، بل إن بعض الأملاك العمومية لا يمكن استعمالها بتاتا من طرف العموم كالتحصينات العسكرية مثلا.
وأكثر من هذا فإن حرية الاستعمال تمنع على السلطات العمومية وضع تقنين يكون من شأنه المنع المطلق ما عدا إذا كانت هناك ظروف تبيح ذلك. مع ملاحظة أن بعض الاستعمالات قد تخضع لترخيص أو تصريح.
ب- المساواة في الاستعمال: هذه الخاصية تنبع من المبدأ الدستوري القاضي بالمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين. فلكل مواطن الحق في نفس الاستعمال المخول لمواطن آخر، وأي تمييز بينهم يتيح إمكانية متابعة الإدارة قضائيا لإلغاء قرار التمييز وأحيانا لأداء تعويض للمواطن المتضرر.
إلا أن المساواة لا تعني مساواة مطلقة بين جميع أصناف المستعملين، فطبيعة الملك العمومي، وضرورة المحافظة عليه قد تقتضي أحيانا وضع نظم مختلفة تجاه أنواع المستعملين، فالطرق السيارة مثلا لا يمكن استعماله من طرف النقل الاستثنائي والوقوف على جوانب الطرق العمومية قد يكون مقننا فيمنع على بعض أصحاب السيارات ويخصص للبعض الآخر إلا أن هذه التفرقة النسبية لا تمس بالمبدأ العام للمساواة طالما أن التقنين والتنظيم لا يعني شخصا معينا، وإنما صنفا معينا من المستعملين، وطالما أن هذا التنظيم تستدعيه ضرورة المحافظة على السلامة العامة وحرمة الملك العمومي.
ج- المجانية: هذا المبدأ يقضي بأن يكون استعمال الملك العمومي بدون مقابل وذلك لأسباب منها:
• إن الملك العمومي هو في الواقع ملك للعموم، حيث هناك نظريات تقول بأن الملك العمومي ليس ملكا للإدارة المسيرة، وهناك من يقول بأنه ليس ملكا لأحد، وبالتالي فلا يمكن الأداء عن استعمال شيء نملكه أو قد لا يملكه أحد.
• إن الملك العمومي الاصطناعي خاصة ينشأ بواسطة موارد عمومية تتكون من الضرائب التي يؤديها المواطنون. أي أن هؤلاء هم الذين يمولون عملية تكوين الملك العمومي، وبالتالي فإذا طلب منهم أداء مقابل لاستعماله، فإن هذا سيعني إخضاعهم لضريبتين إحداهما غير عادلة ولا مستحقة.
• إن الملك العمومي ضروري وحيوي للحياة العادية للمواطنين ويجب ضمانه لهم كشرط أساسي لطمأنينتهم، فلو اعترضنا أن الأداء لازم لإمكانية الاستفادة من الملك العمومي، فهذا يعني أننا سنحرم الغالبية العظمى من المواطنين منه، وسيكون الاستعمال خاصا بالميسورين منهم، وهذا بالطبع غير معقول وسيهدد لا محالة الأمن الاجتماعي والسكينة العامة.
ومع ذلك فقد توجد اعتبارات خاصة تدعو السلطات العامة إلى الحد من مبدأ المجانية، وذلك بفرض رسوم على استعمال الملك العمومي، ومن بين هذه الاعتبارات:
• عقلنة استعمال الملك العمومي: من الملاحظ أن بعض مستعملي الملك العمومي يتعسفون في استعماله لاسيما من خلال إيقاف السيارات على جنبات الطرق لفترات طويلة، قد تدوم أياما، وللحد من هذه الظاهرة، فإن الإدارة قد تفرض رسوما على هذا الوقوف تتصاعد حسب المدة الزمنية التي يستغرقها الوقوف.
• مساهمة المواطن في تمويل إحداث الملك العمومي أو المحافظة عليه: لاسيما في ميدان الطرق السيار والمنشآت الفنية ذلك أن هذه المنشآت تتطلب تمويلا يفوق ما تقضيه الطرق العادية، وبالتالي فإنه من المتعارف عليه أن مستعملي هذه الطرق يؤدون أداء يستعمل في الحفاظ على جودتها أو لتمويل مشاريع مماثلة.
• الحصول على موارد مالية إضافية، هذه الظاهرة أصبحت تستفحل في السنين الأخيرة، لاسيما من طرف الجماعات المحلية التي تعمد في كثير من الأحيان إلى فرض رسوم على استعمال الملك العمومي، حتى وإن كان هذا الملك غير موضوع تحت تصرفها، ولعل خير دليل على ذلك هو ما نشاهد من خلال الرسوم المفروضة على استعمال المظلات في الشواطئ، ورسوم الدخول إلى حقينات بعض السدود والبحيرات، هذا علاوة على الرسوم المفروضة على إيقاف السيارات في الشوارع والساحات العمومية، بحيث أصبح من الصعب إيجاد مكان لا يؤدى عنه.
وعلى أي، ومهما كان التبرير المقدم لإحداث رسم أو أدء عن استعمال الملك العمومي، فإن هذا المقابل يجب أن يخضع لبعض المقاييس أهمها:
• المساواة: وتعني أن الرسوم يجب أن يلحق جميع المستعملين سواء من حيث المبدإ او من حيث المبلغ بشرط أن يكونوا في نفس الوضعية، فإذا اختلفت هذه الوضعية فإنه من المقبول أن يكون الرسم مختلفا.
• المعقولية: ومفاده أن الرسم يجب أن يكون مقبولا في مبلغه، وألا يكون من شأنه زجر المواطنين عن استعمال الملك العمومي.
• احترام الحد الأدنى للمجانية، ونعني به أن إحداث رسم يجب ألا يشمل كل أجزاء الملك العمومي، بحيث أن الإدارة يجب أن تضمن للمواطنين إمكانية استعمال بعض أجزاء الملك العمومي بصفة مجانية وهذا ما نلاحظه بشأن الطرق السيارة، حيث أن الدولة ملزمة بتوفر طريق عادي مجاني يؤدي إلى نفس الاتجاه الذي يؤدي إليه الطريق السيار.
الفقرة الثانية: الوضع رهن إشارة المؤسسات العمومية
بالإضافة لما سبق يمكن للدولة أن تضع رهن إشارة المؤسسات العامة إمكانية استغلالها لبعض الأملاك العمومية، ومن الضروري في هذا الإطار أن نفرق بين هذه المسطرة، ومسطرة الاحتلال المؤقت من طرف المؤسسات العامة، ففي هذه الأخيرة، تكون الإدارة من الناحية النظرية حرة في منح الاحتلال أو رفضه، أي أن المؤسسة هنا ينظر إليها كأنها مواطن عادي، باستثناء تبسيط مسطرة دراسة الطلب وإعفائها أحيانا من أداء الإتاوة.
أما في مسطرة الوضع، فإنها غالبا إن لم نقل دائما ما تكون مقررة بمقتضى القوانين المحدثة لهذه المؤسسات، (مكتب استغلال الموانئ).
إن هذا الوضع لا يعني أن الإدارة الوصية على الملك العمومي تتخلص نهائيا من امتيازاتها واختصاصاتها، بل على العكس من ذلك فإن تسيير الملك العمومي من طرف المؤسسات العامة يجب أن يكون تحت إشراف الوزارة صاحبة الملك العمومي.
لذلك نجد مثلا في قرارات وضع الملك العمومي تحت تصرف مكتب استغلال الموانئ فصلا يتضمن ضرورة حصول هذا الأخير على الموافقة المسبقة للوزارة على رخص الاحتلال المؤقت التي يمضيها، كما أن هذه الأخيرة تمارس رقابة أخرى للمكتب من خلال أجهزة هذا الأخير لاسيما اللجنة التقنية ولجن التسيير.
وأكثر من هذا، فإن ممارسة بعض الأنشطة داخل الميناء يجب أن تكون مرخصا بها من طرف الوزارة وهي الأنشطة التي تكتسي صبغة المرفق العمومي، ولا يمكن للمكتب في هذه الحالة رفضه الانصياع لقرارات الوزارة.
وفي كل الأحوال، فإن لهذه الأخيرة الحق في إسناد بعض الاختصاصات التي يقوم بها المكتب إلى جهات أخرى، وبالتالي حرمانه من منح رخص الاحتلال المؤقت بشأنها، إذا شاءت الإدارة أن تنزع منه هذا الاختصاص، فاستقلالية المكتب لا تعني إمكانية تجاوزه للنصوص المنظمة له ولوصاية الدولة عليه.
المحور الثاني:
الاستعمال الخاص للملك العام
ويقصد به انفراد شخص أو مجموعة من الأشخاص بالانتفاع واستغلال جزء من الملك العام ومنع غيرهم من استعماله، وما دام هذا الانتفاع يتم بشكل غير طبيعي أي في غير الغرض الذي خصص له الملك ولاعتبارات مخالفة لتلك التي تهم الاستعمال الجماعي، فإنه يقتضي الحصول على ترخيص من الإدارة ويكون بمقابل كقاعدة عامة. ولهذا السبب فإن قواعد تنظيم الاستعمال الخاص للملك العام تختلف عن قواعد تنظيم الاستعمال الجماعي.
عموما يتخذ الاستعمال الخاص إحدى صورتين: صورة الترخيص الذي يمنح بقرار إداري من جانب واحد وقد يتخذ شكل امتياز باتفاق تعاقدي بين الإدارة ومستغلي الملك العام.
الفقرة الأولى: قرار الترخيص بالاحتلال المؤقت كوسيلة لشغل الملك العام
يقتضي استعمال الملك العمومي من طرف الخواص الحصول على رخصة من طرف السلطات الإدارية المختصة.
وقد تم تنظيم هذا الاستعمال بواسطة ظهير 30 نونبر 1918 المتعلق بشغل الملك العمومي مؤقتا، إذ أنه ليس هناك ما يمنع الاستعمال الانفرادي للأملاك العمومية كلما كان ممكنا الإذن فيه دونما إضرار بالمصلحة العامة، يعني ما دام الاحتلال الانفرادي لا يتنافى والغرض المعدة له الأملاك العامة.
فهذا الظهير هو الذي يحدد طبيعة الاستعمال والجهات المختصة بتسليم الرخصة بشأنه، هكذا ينص الفصل الثاني من الظهير: "كل مطلب يتعلق بإشغال قطعة ما من الأملاك العمومية مؤقتا يوجه للمدير العام للأشغال العمومية ويضمن فيه تصريحا الغرض من إشغالها والتغييرات التي ينوي الطالب إحداثها بهيئتها وسعة الأبنية وغيرها من الأماكن التي يريد إنشائها مع كيفية تهيئتها ويجب عليه إذا دعي لذلك أن يتعهد كتابة بدفع واجب الكراء...".
عموما يجوز للخواص طلب رخصة من أجل الاحتلال المؤقت للملك العمومي بقصد تحقيق أغراض مختلفة (استخراج المواد، إنجاز القنوات ومزاولة النشاط التجاري، أرصفة المقاهي، منشآت الاستحمام وغيرها).
ويتخذ الاستعمال الخاص بناء على ترخيص إحدى صورتين:
• الاستعمال الذي لا يتطلب اتصالا دائما بالملك العام وصوره الشائعة: الإذن للعربات بالوقوف في مواضع معينة من الطرق العامة وللمقاهي بوضع كراسيها وموائدها على أرصفة الشوارع أو عرض بضائعهم في أجزاء من الملك العام أو وقوف السيارات في أماكن معينة. ففي جميع هذه الحالات لا يستدعي هذا الاستعمال إلا شغل جزء من الملك العام دون حفر فيه ولا بناء ويكون معلقا بسطح الأرض ولهذا فإنه يكون أقل دواما من الاستعمالات الأخرى.
• الاستعمال الذي يقتضي اتصالا أكثر دواما بالملك العام حيث يمتد إلى باطن الأرض مما يترتب عليه تغيير الحالة الطبيعية للملك العام كالترخيص بإنشاء محطات البنزين والترخيص لبعض شركات الامتياز بمد خطوط حديدية فوق الملك العام وحفر أنفاق ووضع الأسلاك تحت أرضية الشارع بقصد توصيل المياه والكهرباء...الخ .
وقد أحسن المشرع المغربي صنعا حينما ميز على مستوى تدبير الأملاك العمومية الجماعية بواسطة الظهير الشريف 3 أكتوبر 2002، مقتديا في ذلك بالتشريعين الفرنسي والمصري في ذلك، ما بين الاحتلال المؤقت بإقامة بناء والذي يعتبر من أعمال تدبير الملك الجماعي المشار إليه في الفصل 47 من قانون 08-17 المتعلق بالميثاق الجماعي، إذ يتم الترخيص به لممارسة نشاط تجاري أو صناعي أو مهني تطبيقا لمقتضيات الظهير الشريف الصادر في 30 نونبر 1918 وكذا مقتضيات القانون رقم 06-47 الذي يحدد بموجبه نظام للضرائب المستحقة للجماعات المحلية وهيئاتها كما تم تغييره وتتميمه وبين الاحتلال المؤقت بدون إقامة بناء، الذي يعتبر من أعمال الشرطة الإدارية.
ويتميز الاحتلال المؤقت للملك العام بإقامة بناء بأنه استغلال ثابت وقار للملك العام، بمعنى أن له أساس وعمق في الأرض يحدث تغييرات في الوعاء العقاري، ومثال ذلك: إقامة علامات الإشهار فوق الملك العام الطرقي أو مد قنوات التطهير بباطن الطريق العام أو مد أنابيب جر المياه فوق الطريق العام أو إحداث محطات الوقود والبنزين فوق الملك العام.
وتختلف الجهة المالكة للحق في الترخيص تبعا لما إذا كان الاستعمال متعلق بسطح الأرض أو بباطنها. ففي الحالة الأولى ينعقد الاختصاص لسلطة الضبط الإداري لأن المسألة تتعلق بالحفاظ على النظام العام بمدلولاته الثلاثة، فهذا الاستعمال لا خطر منه مبدئيا على الملك العام، وكل خطورته تنحصر في الحد من تخصيص الملك للنفع العام.
أما في الحالة الثانية، فإن حفظ الملك العام يقع على عاتق الشخص الإداري الذي يتبعه ولهذا كان له أن يقدر درجة الخطورة التي يتعرض لها الملك العام من جراء استعماله من طرف الخواص .
وعلى مستوى الجماعات المحلية أضحى الاحتلال المؤقت للملك العام بدون إقامة بناء يدخل في نطاق اختصاصات الشرطة الإدارية للحفاظ على النظام العام وفقا لأحكام الميثاق الجماعي، في حين أصبح الاحتلال المؤقت للملك العام بإقامة بناء يندرج ضمن اختصاصات شرطة المحافظة على الملك العام عملا بأحكام الفقرة 6 من المادة 37 من الميثاق الجماعي، وبالتالي فإن مسطرة الترخيص أصبحت تتميز بالتبسيط عما كان عليه الأمر سابقا.
فإذا كان المشرع المغربي يبيح الاستعمال الخاص للملك العام فإنه قد وضع لذلك قيودا وضوابط نظرا لما قد ينطوي عليه ذلك الاستعمال من مخاطر وخصوصا حرمان المستعملين الأصليين من حق الانتفاع (كمضايقة المارة في حالة وضع طاولات وكراسي المقاهي على الرصيف أو منع الاستحمام في بعض الشواطئ)، كما يؤدي في كثير من الحالات إلى إحداث تغييرات على الملك العام سواء بالحفر أو البناء (حالة بناء أكشاك بالأسمنت المسلح).
ولكل هذا، فإن الراغبين في إشغال الملك العمومي لابد وأن يخضعوا لمجموعة من القواعد حددها ظهير 1918، ذلك أن هذا الاستعمال الخاص لا يعتبر حرا ولا مجانيا ولا دائما.
فالرخصة تمنح لمدة عشر سنوات وبصفة استثنائية لمدة 20 سنة وهناك حالات حسب الفصل السادس من الظهير تسلم فيها الرخص دون تحديد المدة .
وسواء كانت المدة محددة أم لا، فإن الرخصة تكون دائما مؤقتة ويمكن إلغاؤها في حالتين: إذ يقرر إلغاؤها بحكم القانون إذا لم يحترم المحتل أحد الواجبات المفروضة عليه وذلك دون سابق إنذار ومن غير أي تعويض، غير أن الرخصة يمكن أن تلغى لأسباب تتعلق بالصالح العام تملك الإدارة وحدها سلطة تقديرية للنظر فيها، وحينئذ يجب على هاته الأخيرة أن توجه إنذارا لمدة ثلاثة اشهر إلى المحتل المؤقت . ويجوز في هذه الحالة للمحاكم المختصة مراقبة مدى مشروعية الغرض من سحب الرخصة والأسباب الداعية إلى ذلك.
ويترتب على الاحتلال المؤقت أداء وجيبة كرائية يعين قدرها في القرار المتعلق بذلك ويحسب هذا الكراء من يوم إعلام المرخص له بصدور القرار المذكور .
الفقرة الثانية: عقد الامتياز كوسيلة للاستعمال الخاص للملك العام
يمكن للإدارة في بعض الحالات الاستثنائية أن تلجأ إلى التعاقد مع الخواص ومنحهم بعض الامتيازات الخاصة على أملاكها العامة، ويجب أن يتضمن العقد شروط الاستعمال المسموح به، مدته، حق الإدارة في تعديله أو إلغائه والمقابل النقدي الذي يدفعه الفرد أو الشركة المتعاقدة.
هكذا نصت المادة 1 من القانون رقم 05-54 المتعلق بالتدبير المفوض للمرافق العامة على أنه : " يطبق هذا القانون على عقود التدبير المفوض للمرافق والمنشآت العمومية المبرمة من قبل الجماعات المحلية أو هيآتها والمؤسسات العامة" كما نص الفصل 39 (الفقرة الأخيرة) من الميثاق الجماعي لسنة 2008 على ما يلي: "المجلس الجماعي يقرر في طرق تدبير المرافق العمومية الجماعية عن طريق الوكالة المباشرة والوكالة المستقلة والامتياز وكل طريقة أخرى من طرق التدبير المفوض للمرافق العمومية طبقا للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل".
هكذا تتميز وضعية صاحب الامتياز بنوع من الاستقرار الناتج عن مدة الاحتلال ونظرا لأن الذي يحكم العلاقة بينه وبين السلطة المختصة هو عقد من العقود الإدارية، في حين أن المرخص له يكون استعماله للملك العام بناء على قرار إداري، وعلى ذلك، فإنه يتعين على الإدارة أن تحترم شروط العقد وحقوق المتعاقد معها وألا تتدخل لتعديل العقد أو إلغائه قبل إنهاء مدته إلا إذا تطلبت المصلحة العامة ذلك وعند الإلغاء يحصل المتعاقد على تعويض كامل في مقابل حرمانه من الانتفاع بالملك العام طوال المدة المقررة في العقد.
المحور الثالث: الملك العام المائي
تشكل الموارد المائية ملكا عاما هي بدورها لما تتميز بها هذه المادة الحيوية من أهمية في حياة الفرد والمجتمع لذلك خصها المشرع المغربي بمجموعة من النصوص والمقتضيات التي تهدف الى تنظيم طرق اكتسابه واستعماله وذلك في سبيل عدم تمكين فئة معينة من المجتمع من استغلال واستحواذها على هذا الملك المشترك وجعله في متناول الجميع.
الفقرة الأولى: الاطار القانوني للملك العام المائي
تنظم استعمال الملك العام المائي قواعد قانونية ذات مصادر مختلفة، غير أن أول نص قانوني يخص الماء في المغرب يعود تاريخه إلى سنة 1914، ويتعلق الأمر بالظهير الشريف الصادر في 7 شعبان 1332 (فاتح يوليوز 1914) حول الأملاك العامة والمتمم بظهيرين شريفين صدرا سنة 1919 و1925 الذي يدمج جميع المياه مهما كان شكلها في الأملاك العامة المائية. ومن ثم لا يمكن للموارد المائية أن تكون موضوع ملك خاص باستثناء المياه التي اكتسبت عليها حقوق مائية. وقد صدرت بعد ذلك نصوص أخرى لمواجهة الحاجيات الجديدة التي ظهرت وآخرها قانون رقم 10.95 المتعلق بالماء والذي أقر بأن الماء ملك عام، ولا يمكن أن يكون موضوع تملك خاص، ويدخل في عداد الملك العام المائي بمقتضى هذا القانون ما يلي :
أ) جميع الطبقات المائية، سواء كانت سطحية أو جوفية، ومجاري المياه بكل أنواعها والمنابع كيفما كانت طبيعتها؛
ب) البحيرات والبرك والسبخات وكذا البحيرات الشاطئية والمستنقعات المالحة والمستنقعات من كل الأنواع التي ليس لها اتصال مباشر مع البحر. وتدخل في هذه الفئة القطع الأرضية التي بدون أن تكون مغمورة بالمياه بصفة دائمة لا تكون قابلة للاستعمال الفلاحي في السنوات العادية، نظرا لإمكانياتها المائية؛
ج) الآبار الارتوازية والآبار والمساقي ذات الاستعمال العمومي المشيدة من طرف الدولة أو لفائدتها؛
د) قنوات الملاحة والري والتطهير المخصصة لاستعمال عمومي وكذلك الأراضي الواقعة في ضفافها الحرة والتي لا يجب أن يتجاوز عرضها خمسة وعشرين مترا لكل ضفة حرة؛
ه) الحواجز والسدود والقناطر المائية وقنوات وأنابيب الماء والسواقي المخصصة لاستعمال عمومي من أجل حماية الأراضي من المياه، والري وتزويد المراكز الحضرية والتجمعات القروية بالماء أو لاستخدام القوى المائية؛
و) مسيل مجاري المياه الدائمة وغير الدائمة وكذلك منابعها ومسيل السيول التي يترك فيها سيلان المياه آثارا بارزة؛
ز) الحافات إلى حدود المستوى الذي تبلغه مياه الفيضان، وكذا كل المساحات المغطاة بمد يبلغ معامله 120 في أجزاء مجاري الماء الخاضعة لتأثير هذا المد؛
ح) الضفاف الحرة انطلاقا من حدود الحافات.
ويتم الاعتراف بالحقوق المكتسبة على الملك العام المائي إما بمبادرة من الإدارة ومن قبلها أو بناء على طلب من المعنيين، بعد إجراء بحث علني، إذ تخضع حقوق الماء المعترف بها لأحكام استعمال الماء المضمنة في المخطط الوطني للماء والمخططات التوجيهية للتهيئة المندمجة للموارد المائية.
ولا يمكن تجريد الملاكين من حقوقهم التي تم الاعتراف لهم بها بصفة قانونية إلا عن طريق نزع الملكية وتتم عملية نزع الملكية هذه طبقا للشروط المنصوص عليها في القانون رقم 7.81 المتعلق بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة وبالاحتلال المؤقت .
الفقرة الثانية: الترخيصات والامتيازات المتعلقة بالملك العام
تمنح الترخيصات والامتيازات المتعلقة بالملك العام المائي وتقوم بإجراء البحث العلني لجنة خاصة يعهد إليها بتلقي مطالب المعنيين بالأمر. ولهذا الغرض، فإن مشروع الترخيص أو الامتياز ينبغي أن ينهى إلى علم العموم عن طريق الصحافة أو أية وسيلة أخرى للإشهار تكون ملائمة، خمسة عشرة يوما قبل بدء البحث العلني الذي لا يمكن أن تتجاوز مدته ثلاثين يوما. ويتعين على وكالة الحوض أن تبت في الطلب أو في أي تعرض من طرف الغير داخل أجل خمسة عشر يوما من تاريخ انتهاء البحث بعد أخذ رأي اللجنة.
أولا: الترخيص كوسيلة لاستعمال الملك العام المائي
تخضع لنظام الترخيص العمليات التالية :
1. أشغال البحث أو التقاط المياه الجوفية أو النابعة؛
2. حفر الآبار وإنجاز الأثقاب التي يتجاوز عمقها الحد المشار إليه في المادة 26 من القانون؛
3. أشغال التقاط واستعمال مياه العيون الطبيعية الواقعة في الملكيات الخاصة؛
4. إقامة منشآت لمدة لا تتجاوز خمس سنوات قابلة للتجديد، بهدف استعمال الملك العام المائي كالمطاحن المائية والحواجز والسدود أو القنوات، شريطة ألا تعرقل هذه المنشآت حرية سيلان المياه وحرية السير على الضفاف الحرة وأن لا تتسبب في تلوث المياه؛
5. جلب صيب من مياه الطبقة الجوفية كيفما كانت طبيعتها يفوق الحد الذي تحدده نصوص تنظيمية؛
6. مآخذ المياه المقامة على المجاري المائية أو القنوات المتفرعة عن الوديان؛
7. جلب المياه، كيفما كانت طبيعتها، من أجل بيعها أو من أجل استعمالها للعلاج الطبي،
8. استغلال المعديات أو الممرات على المجاري المائية.
يمنح الترخيص مع مراعاة حقوق الغير كما يمكن أن يخول الترخيص للمستفيد حق احتلال أجزاء من الملك العام المائي الضرورية للمنشآت وللعمليات المرخص بها .
وتحدد وكالة الحوض مدة الترخيص التي لا يمكن أن تتجاوز عشرين سنة قابلة للتجديد والتدابير التي يجب على المستفيد من الترخيص القيام بها لتجنب تدهور المياه التي يستعملها إما عن طريق الجلب أو الصرف ومبلغ وكيفيات أداء الإتاوة وشروط الاستغلال والتمديد الجديد المحتملين للترخيص وكذلك التدابير التي يجب على المستفيد من الترخيص أن يتخذها .
ويتم سحب الترخيص من طرف وكالة الحوض في أي وقت وبدون تعويض، وذلك بعد توجيه إنذار كتابي للمعني بالأمر في الحالات التالية :
• عدم احترام الشروط التي يتضمنها الترخيص؛
• إذا لم يشرع في استعمال الترخيص داخل أجل سنتين،
• إذا تم تفويت الترخيص أو تحويله للغير دون موافقة مسبقة من وكالة الحوض؛
• إذا لم يتم تسديد الإتاوات في الآجال المحددة؛
• إذا استعملت المياه لغرض غير مرخص به.
ويمكن لوكالة الحوض في أي وقت تغيير الرخصة أو تقليص مدتها أو سحبها من أجل المنفعة العامة بشرط توجيه إشعار للمستفيد لا تقل مدته عن ثلاثين يوما. ويخول هذا التغيير أو التقليص أو السحب الحق في التعويض لفائدة المستفيد من الترخيص إذا حصل له ضرر مباشر من جراء ذلك.
كما يمنح الترخيص بجلب المياه من أجل الري لفائدة عقار معين، إذ لا يمكن للمستفيد استعمال المياه لفائدة عقارات أخرى دون ترخيص جديد، وفي حالة تفويت العقار يحول الترخيص بقوة القانون إلى المالك الجديد، ويتعين على هذا الأخير أن يصرح بالتفويت إلى وكالة الحوض داخل أجل ثلاثة أشهر ابتداء من تاريخ انتقال الملكية.
ويعتبر كل تحويل للترخيص يتم بمعزل عن العقار الذي منح لفائدته باطلا ويؤدي إلى سحب الترخيص، وفي حالة تجزئة عقار المستفيد، فإن تقسيم المياه بين القطع يجب أن يكون موضوع ترخيصات جديدة تحل محل الترخيص الأصلي .
ثانيا: الامتياز كوسيلة لاستعمال الملك العام المائي
تخضع لنظام الامتياز العمليات التالية :
1. تهيئة العيون المعدنية والحارة وكذا استغلال مياه هذه العيون؛
2. إقامة منشآت فوق الملك العام المائي لمدة تفوق خمس سنوات، الهدف منها الحماية من الفيضانات أو تجميع وتحويل المياه وكذا استعمال هذه المياه؛
3. تهيئة البحيرات والبرك والمستنقعات؛
4. عمليات جلب الماء من الطبقة المائية ومآخذ الماء المقامة على مجاري المياه والقنوات المتفرعة عن الوديان أو العيون الطبيعية عندما يتعدى الصبيب المأخوذ الحد الذي تعينه وكالة الحوض أو إذا كانت مخصصة لاستعمال عمومي؛
5. جلب الماء من مجاري المياه والقنوات بهدف إنتاج الطاقة الهيدروكهربائية.
ويشكل الامتياز حقا عينيا لمدة محدودة ولا يخول للمستفيد منه أي حق للملكية على الملك العام المائي.
ويحدد عقد الامتياز على الخصوص ما يلي :
• الصبيب الممنوح؛
• نمط استعمال المياه؛
• تحملات صاحب الامتياز والتزاماته الخاصة؛
• الإتاوة التي يجب على صاحب الامتياز أن يؤديها؛
• مدة الامتياز التي لا يمكن أن تتعدى 50 سنة؛
• طبيعة المنشآت وأجل إنجاز مختلف أشطر المنشأت؛
• التدابير التي يجب اتخاذها من طرف المستفيد من الامتياز لتجنب تدهور جودة موارد المياه؛
• عند الاقتضاء، الشروط التي يمكن فيها تغيير الصبيب الممنوح أو تقليصه وكذا التعويض الذي يمكن أن يترتب عن هذا التغيير أو التقليص؛
• عند الإقتضاء، شروط استرجاع الامتياز وسحبه وسقوط الحق فيه وكذا شروط رجوع المنشآت إلى الدولة عند نهاية الامتياز.
ويخول عقد الامتياز لصاحبه الحق في:
1. إقامة كل منشأة مخصصة لاستعمال الصبيب المرخص به، وذلك بعد موافقة وكالة الحوض على مشاريع هذه المنشأة؛
2. احتلال أجزاء الملك العام اللازمة لمنشآته؛
3. الحلول محل وكالة الحوض في نزع الملكية أو الاحتلال المؤقت للأراضي اللازمة لمنشآت المستفيد من الامتياز.
كما يمكن أن يسقط الحق في الامتياز ودون الإخلال بالبنود الخاصة المنصوص عليها في عقد الامتياز في الحالات التالية:
• استعمال المياه لغرض مغاير للغرض الذي رخص به أو استعمالها خارج منطقة الاستعمال المحددة؛
• عدم أداء الإتاوات في الآجال المحددة؛
• عدم استعمال المياه موضوع الامتياز داخل الآجال المحددة في عقد الامتياز؛
• عدم احترام الالتزامات ذات الطبيعة الصحية ولاسيما في حالة العيون الحارة .
خاتمة عامة
إن ما يهم في المعطيات السابقة سواء دور الإدارة في ضمان الاستعمال الجماعي، ومراقبة الاستعمال الانفرادي، هو أن على الإدارة حماية الملك العمومي من كل تجاوزات، وصيانته بل وإحياءه وإحداثه وذلك من أجل تمكين العموم من استعماله. وفي حالة التقاعس، فإن لكل مواطن الحق في متابعتها قضائيا بسبب المسؤولية التقصيرية، وأحيانا بسبب الشطط (مثال الطعن في شرعية قرارات الترخيص أو الامتياز).
أما فيما يتعلق بالاستعمالات الانفرادية للملك العمومي، فإن مسؤولية الإدارة تكون جسيمة، وذلك على الأقل لسببين اثنين:
• من حيث ضرورة التأكد من عدم تعارض الاستعمال الانفرادي مع الاستعمال الجماعي للملك العمومي.
• من حيث ضرورة التأكد من احترام المرخص له باستعمال الملك العمومي لشروط الاستعمال الانفرادي.
فمنح رخصة الاحتلال المؤقت تحتم على الإدارة مراقبة المرخص له من حيث الاستعمال الخفي لرخصته وعدم تفويتها للغير واحترام موضوع الرخصة، ومدتها، وأداء الإتاوة إلخ...
وفي الامتياز، تراقب الأتاوة وكل الشروط اللصيقة بالمرافق العامة، كالاستثمار والمساواة بين مستعملي المرفق والشروط الأخرى التي يتضمنها كناش التحملات.
وفي حالة الوضع رهن إشارة المكاتب العمومية، تبقى الإدارة الوصية مسؤولة عن الملك العمومي موضوع الوضع رهن التصرف فتراقب مشروعية الرخص، شكلا ومضمونا، لاسيما فيما يتعلق بتلك التي لها صلة أو طابع المرفق العمومي الواقعي حيث أن منحها من طرف المكاتب يتطلب في بعض الأحيان المصادقة عليها من طرف الوزارة الوصية، بل قد يعود اختصاص منحها إلى الوزارة نفسها.
كما يمكن أن نلقي أيضا على عاتق الوزارة ضرورة التأكد من أداء المكاتب للأتاوة المترتبة عن وضع الملك العمومي رهن تصرفها.
وعلى العموم، يمكن القول بأن هذه المراقبة لا تطرح إشكالات مهمة، عكس ما هو الأمر بالنسبة لاستعمالات انفرادية غير مرخص بها. حيث يتطلب الأمر إجراءات معقدة، سواء من حيث التأكد من عدم المشروعية أو معرفة الترامي على الملك العمومي ومتابعته. وهذه مهمة صعبة بالنظر إلى قلة الإمكانيات المادية والبشرية اللازمة لهذا الغرض مما يحول دون القيام بحماية الملك العمومي بصفة جادة وفعالة وعلى الوجه المطلوب.