قضت المحكمة الإدارية بالرباط في حكم لها ما يلي :
إن مرفق القضاء و باعتباره من المرافق العمومية للدولة شأنه باقي الإدارات العمومية يخضع لقواعد المسؤولية الإدارية على فرض ثبوتها،ولا يحد من المسؤولية أو يلغيها من حيث المبدأ استقلال القضاء أو خصوصية الأعمال القضائية ،لأن السلطة القضائية ليست فوق المحاسبة أو المسائلة طالما أن الشرعية أو المشروعية هي عماد المؤسسات وحصنها الأساسي لخضوع الجميع لمقتضياتها حاكمين و محكومين وواجب المحاسبة المكرس دستوريا في الفصل 154 هو المحكم الأصلي لإثبات وجودها وفعاليتها حماية حقوق المتقاضين و ضمانا لقواعد سير العدالة المكرسة دستوريا وصونا للأمن القانوني و القضائي.1
يثير حكم المحكمة الإدارية جوابا صريحا عن تساؤلات طرحة من قبل حول مدى اختصاص المحكمة الإدارية في طلبات التعويض عن الخطأ القضائي ، وعلى خلاف التوجهات السابق لهده المحكمة يأتي هدا الحكم لطرح النقاش حول مدى أهمية هدا التوجه في ترسيخ مبدأ دستوري مهم من جهة و تدعيم اختصاصات المحاكم الإدارية من جهة أخرى .
لنقاش ذلك لبد من استعراض وقائع و منطوق الحكم
الوقائع :
بموجب مقال الافتتاحي الذي تقدمت به المدعية بتاريخ 2012.4.2 تعرض فيه أنها كانت ضحية خطأ قضائي بمناسبة نظر القضية موضوع قرار محكمة النقض الغرفة المدنية عدد2355 المؤرخ 2008.6.18 ملف مدني عدد 2006.2.1.2443 ترتب عن ذلك عدة أضرار جسيمة نتيجة :
- عدم تأكد الهيئة الحاكمة من صحة البيانات المدونة عريضة النقض المراقبة صحة التبليغ لرجوع شهادة الاستدعاء ملاحظة أن اسم نادية لا وجود بالعائلة
- إشارة محضر الجلسة لجواب المدعية،فحين أنها لم تتقدم بأي جواب
- إشارة محضر الجلسة لإعفاء المقرر من تلاوة التقرير فيحين أن القرار يشير إلى تلاوة التقرير.
وبناء على دلك التمست المدعية طبقا للمادة 122 من الدستور و الفصل 391 من قانون المسطرة المدني ، و المادة 8 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية و استناد ا لنظرية المخاطر الحكم بمسؤولية الدولة عن الخطأ القضائي و بأدائها لفائدتها تعويضا قدره 30.000.00 درهم مع الفوائد القانونية و شمول الحكم بالنفاد المعجل .
وبناء على مذكرة جوابية المقدمة من طرف الوكيل القضائي و التي التمس فيها إخراج الأشخاص الذاتيين لكون الدعوى موجهة ضد شخص معنوي عام ، مع دفعه شكلا بعدم الاختصاص النوعي للمحكمة الإدارية في الطلب تأسيسا على مقتضيات الفصل 391 من ق.م.م ، وموضوعا أن الخطأ المدعي به لا يمكن اعتباره خطأ إداريا تسأل عنه الدولة لإمكانية إصلاح الحكم من خلال طرق الطعن ملتمسا بذلك رفض الطلب.
منطوق الحكم :
تأسيسا على مقتضيات المادة 122 من الدستور الذي نص على حق كل متضرر من خطأ قضائي من الحصول على التعويض تتحمله الدولة و المادة الثامنة من مقتضيات القانون 41.90 المحدث للمحاكم الإدارية تم تأسيس الحكم باختصاص المحكمة الإدارية نوعيا للنظر في الطلب.
التعليق :
يثير الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية بالرباط توجها هاما في أحكام القضاء الإداري المتعلقة بالاختصاص النوعي للمحاكم الإدارية في الخطأ القضائي ، على الاعتبار أن هده النقطة تعد من النقط التي عرفت نقاشا و الاختلاف بين المحاكم الإدارية للمملكة التي كانت تذهب في أحكامها مابين إقرار اختصاصها في البت في الدعاوي الناتجة عن الخطأ القضائي ، وبين عدم اختصاصها .
ومن من بين الأحكام الصادر في هده النقطة نجد الحكم إدارية فاس عدد 407 في ملف عدد 32 \6 \2012الذي أقر باختصاص النوعي للمحكمة الإدارية في هدا الطلب2 ، على خلاف حكم سابق للمحكمة الإدارية بالرباط عدد 3239 صادر بتاريخ 17 /09 /2012 و التي ذهبت فيه المحكمة إلى عدم اختصاصها في البت في هذا النوع من الدعاوي تأسيسا على عدم مسائلة الدولة عن أعمال السلطة القضائية ، واحترما لمبدأ حجية الإحكام و قوة الشيء المقضي به 3.
فعلى خلاف حكمها السابق أقرت المحكمة الإدارية بالرباط في هذا الحكم باختصاصها النوعي في الخطأ القضائي على أساس اعتبارها أن المرفق القضاء يعتبر من المرافق العمومية للدولة شأنه بذلك شأن باقي الإدارات العمومية و التي تخضع لقواعد المسؤولية الإدارية على افتراض ثبوتها ،اقتناعا بأن السلطة القضائية ليست فوق المحاسبة أو المساءلة طالما أن الشرعية أو المشروعية هي عماد المؤسسات و حصنها الأساسي لخضوع الجميع لمقتضياتها استنادا على الفصل 145من الدستور الذي يعتبر المحك الأصلي لإثبات و جوده وفعاليتها في حماية حقوق المتقاضين وضمنا للقواعد العدالة المكرسة في الدستور تحقيقا للأمن القانوني و القضائي .
وعلى أساس تعليل الحكم على مقتضيات المادة 122 من الدستور، حول حق كل متضرر من خطأ القضائي من حصول على تعويض تتحمله الدولة والمادة 8 من قانون المحدث للمحاكم الإدارية ، ففي رئينا قد تم تأسيس الحكم على التعليل الصحيح يخالف التعليل الذي سلكته المحكمة سابقا وهو الحكم الذي يعد إيجابيا في تأسيس الاتجاه الصحيح ورفع الإبهام حول مدلول المرفق القضائي ومدى انتمائه للمرافق العمومية ، على أساس توضيحه بأن المرفق القضائي يدخل ضمن المرافق العمومية للدولة و التي يعود للمحاكم الإدارية الاختصاص في الدعاوي مرفوعة إليها في هذا الصدد بمقتضى المادة الثامنة من القانون المنظم لها .
فعلى أساس المعطى الجديد الذي أتى به الدستور يتبين أن مسؤولية الدولة عن الأضرار الناتجة عن الأعمال القضائية قد ارتقى بها المشرع إلى حق دستوري لفائدة المتضرر من هذه الأعمال و جعل بذلك مسؤولية الدولة عن الأخطاء القضائي هي الأصل و القاعدة العامة ، عكس ما كان معروفا من قبل كون هذه المسؤولية لا تقوم إلا في حالتين المنصوص عليهما في الفصل 391 من قانون المسطرة المدنية وتلك المفصلة في المواد 573 -571-570 من قانون المسطرة الجنائية .
وتأسيسا على هذا التوجه فلم يعد هناك ما يمنع المتضرر من تقديم طلب التعويض عن الخطأ القضائي أمام المحاكم الإدارية خاصة في ظل غياب أي نص تنظيمي للفصل122
من الدستور الذي يحدد الجهة القضائية التي تتولى النظر في طلبات التعويض عن هذه الأخطاء الأمر الذي يجعل من تدعيم هدا التوجه في مختلف المحاكم الإدارية نقطة إيجابية في تضمين حق دستوري لكل متضرر من خطاء القضائي .
الهوامش 1 . حكم منشور بموقع العلوم القانونية
marocdroit.com
2. حكم غير منشور عن المحكمة الإدارية بفاس
3. حكم غير منشور عن المحكمة الإدارية بالرباط