بسم الله الرحمن الرحيم
وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167)الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمْ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (168( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169(فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمْ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ(173)
سورة آل عمران
مقدمة
" السلام في الشرق الاوسط"، "مؤتمر كامب ديفيد 1979"، " مؤتمر مدريد 1991"، "المصافحة التاريخية بين عرفات ورابين"، " اتفاق إعلان المبادئ في واشنطن1993"، السلام بين الأردن وإسرائيل 1994( اتفاقية وادي عربة)"، "انتفاضة الأقصى 2002"، انتخاب ابو مازن للرئاسة الفلسطينية 2005" ونجاح حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية2006 "، "الانقسام الفلسطيني"، "حصار غزة"، " العدوان على غزة أواخر 2008"، كل هذه العناوين الصحفية، والإذاعية، والتلفزيونية، تدل على الأهمية القطعية التي تكتسبها منطقة الشرق الأوسط عالمياً، وتظهر أيضاً بقوة النتائج " الإيجابية والسلبية" التي أفضت إليها السياسات الدولية لحل الخلاف القائم بين العرب والإسرائيليون، وذلك بدفع من القوى الغربية، خاصة الولايات المتحدة الامريكية .
وإذا كانت هذه الاحداث تشكل علامات يمكن وصفها بالمبشرة للسلام والاستقرار بالمنطقة، فإنها تظل رغم ذلك، جهود غير كافية ، خصوصاً وان عوامل التوتر ما تزال موجودة بين العرب والاسرائيلين. وجاهزة لاستغلال الظروف كي تتخذ أحياناً أشكالا "دراماتيكية".
ومن المؤشرات التي دلت على امكانية وصول حركة حماس الى السلطة ونجاحها في الانتخابات التشريعية 2006 ان المنطقة شهدت تدشين المرحلة الجديدة بروز الأصولية الاسلامية، بعد فشل القومية العربية في نظر الشعوب العربية، فالطرح الاسلامي يطفو على السطح، بعنوان جديدة " العودة الى فضاء الهوية الاسلامية". وقد رافق الطرح الاسلامي صعود قوى الاسلام السياسي في المنطقة واصبح لهم دورا فاعلا على المستوى السياسي .
وسواء تعلق الامر بالاحداث الراهنة التي اثرت في العلاقات العربية الاسرائيلية في الشرق الاوسط، او بتدفق امواج الاصولية الاسلامية، فان دراسة المعطيات الحالية للوضع السياسي في الشرق الاوسط بشكل عام، وفي احداث العدوان الاخير على غزة اواخر عام 2008 بشكل خاص، يتطلب الوقوف على شكل النظام العربي المعاصر، وتحديد العلاقات البينية بين الانظمة العربية ، وعلاقاتها الاقليمية والدولية وموقع اسرائيل من ذلك.
كشف العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة التباين في المواقف والتوجهات السياسية العرية والفلسطينية . فقد عرفت الساحة الفلسطينية كل هذه العوامل المتناقضة التي تحرك العالم العربي اليوم، بوصف القضية الفلسطينية أبرز قضايا الشرق الأوسط إن لم تكن قضيته الأولى، لم تكن استثناء من بين القضايا التي تأثرت بالمتغيرات العالمية التي بدأت في نهاية القرن الماضي،من انهيار الاتحاد السوفييتي، وترسيخ الأحادية القطبية، كان لهما آثارهما في توجيه أطراف الصراع نحو شكل جديد للحل، وبرؤية الأحادية التي أفرزها النظام العالمي الجديد.
لا يسعى البحث لمناقشة مجمل التغيرات العالمية وأثرها على القضية الفلسطينية، وإنما يهدف إلى إعطاء توضيح عملي للفكرة التي مفادها: أن التغيرات الداخلية في الدول والأمم تلقي بظلالها لا محالة على طبيعة النظام العالمي. وإذا كانت نهايات القرن الماضي حملت معها نهاية الاشتراكية، ونفوذ الرأسمالية، فإنها حملت تناميا واضحا لحركات الإسلام السياسي القائمة، وميلادا لأخرى جديدة، وإذا كانت التغييرات التي عصفت بالعالم العربي ألقت بآثارها على القضية الفلسطينية، فكيف يمكن تجاهل تغييرات ولدت من رحم المنطقة؟
في الأراضي الفلسطينية كان الأمر مميزا، فبالرغم من أن حركة الإخوان المسلمين كان لها امتدادها هناك، إلا أن خصوصية المنطقة دفعت نحو تأسيس حركة منفصلة عن الإخوان المسلمين، فكانت حركة المقاومة الإسلامية حماس هي امتداد للجسم السياسي، وبالرغم من أن هذه الحركة تعتبر من قبل المفكرين امتدادا للإخوان المسلمين، في الأراضي الفلسطينية، إلا أن لهذه الحركة ما يميزها عن حركتها الأم "الإخوان المسلمين."
نتذكر هنا أن ظهور حركة حماس في فلسطين نهاية العام 1987 كان مناسبة بالغة الأهمية لسائر الحركات الإسلامية التي كانت تعاني من غياب الفعل الإسلامي المقاوم في الملف الفلسطيني الذي كان ولا يزال الأكثر أهمية للأمة. وبالإمكان القول إن النموذج المتقدم والفريد في البطولة والعطاء الذي جسّدته حماس في ميدان المقاومة قد شكّل رافعة للعمل الإسلامي الحركي ، وقد حدث ذلك بسبب المكانة التي تحتلها القضية الفلسطينية، الأمر الذي يرد في بعض تجلياته إلى البعد الإسلامي الذي تتميز به.
ظهور حركة حماس ليس هو محور دراستنا هذه، لكن التطورات السريعة والمتلاحقة في منطقة الشرق الاوسط بعد اتفاق " اوسلو 1993"، والتي نجزم بأنها العامل القوي وراء ظهور حماس على الساحة السياسية الفلسطينية بعد فوزها في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني أواخر شهر كانون ثاني (يناير) من عام 2005.
ونظراً للنتيجة التي حققتها حماس في الانتخابات، ونظراً لمواقفها من السلام والاعتراف باسرائيل، فلم يكتب لها ان تعمل ببرنامجها الانتخابي، خصوصا في تباعد سياسات فتح عن حماس، وهو ما خلق انقساما في الصف الفلسطيني ، وهو ما اضطر حماس لحسم قطاع غزة لصالحها صيف 2007، وهو ما اثار ردود فعل سياسية سلبية عربيا ودولية، نظرا للطريقة التي تم بها الحسم لصالح حماس، الامر الذي خلق جدلاً واسعاً في المحيط العربي والاسلامي، فبالاضافة للانقسام الفلسطيني الذي حصل قبل وجراء هذا الحسم ، فقد انقسم الموقف العربي والاسلامي ايضا بين مع و ضد. هذا الانقسام لا يمكن قراءته بعيدأ عما يحصل في غزة ، اذ ان ما تمثله القضية الفلسطينة للشعوب العربية والاسلامية عكس نفسه على مواقف هذه الانظمة تجاه الاحداث في فلسطين. بحيث اصبحت المنطقة تمر في مرحلة مخاض وتغير الكثير من المعالم، كما تدل مجريات الأحداث.
ولن نضرب في الرمل إذا قلنا ان الحساسية الرسمية العربية حيال حركة حماس اصبحت جد واضحة، والسبب بالطبع يتمثل في تلك الفوائد التي جنتها حركات المعارضة الإسلامية من المعركة.
واذا ما عدنا للعدوان فالمواجهة الأخيرة في قطاع غزة، كان لها ولقيم الإيمان التي جسّدتها أثر كبير في استعادة الكثير من الحركات الإسلامية وهجها بعد أن ضاعت سنوات في سياق من الاستيعاب الديمقراطي الرسمي الكاذب الذي لم يعد ينطلي على الشعوب بشيء إيجابي يذكر.
فالعدوان الاخير على غزة كشف لنا بعض التوجهات الصريحة الهامة في محيطنا العربي، والتي تتطلب قدراً كافياً من الاشتغال البحثي والتحليل المهني من قبل النخب، كما هيأ لنا الكثير من المشاهد التي مكّنت حتى الإنسان البسيط من إنجاز عمليات "فرز" لمن هو مع، ولمن هو ضد مجرى الاحداث في المنطقة.
الإشكــاليــة
بدا واضحا ان النظام العربي الرسمي قد شهد انقساما بشأن القضية الفلسطينية، وبشأن رد العدوان الإسرائيلي عن أهل غزة العزل. كما ان القضية الفلسطينية بدورها تعرضت لانقسام داخلي، كان امتدادا لانقسامات خارجية سابقة لها ارتباطات عربية وإقليمية، منذ أن حسمت حركة حماس وحكومتها المقالة موقفها بالتفرد بحكم غزة صيف 2007.
تبرز اشكالية الموضوع في العلاقة بين الانقسامين العربي والفلسطيني، ومدى تلازمهما؟ بحيث يصعب أحيانا -إن لم يكن كثيرا- معرفة أيهما المتغير الثابت وأيهما المتغير التابع، وأيهما السبب وأيهما النتيجة؟
الفرضيــــة
ليس الخلل في تكامل النضال المسلح والعمل الدبلوماسي في اداء القيادات الفلسطينية خلال العدوان الصهيوني الاخير على غزة، الا تعبيرا عن الضعف البنيوي في النظام الاقليمي العربي، باعتباره الحاضن الطبيعي لقوى التحرر الفلسطيني، وهو ضعف يقتضي بالاساس الفصل بين اطاري النضال المسلح (قوى المقاومة المسلحة) والعمل السياسي ( الاطر السياسية الفلسطينية المعترف بها دوليا ) على اساس من الالتزام بالثوابت الوطنية الفلسطينية/العربية.
المنهجية
يوجد مدارس متعددة تتناول العلاقة بين النظام الدولي والنظام العربي، أهمها "مدرسة التبعية" والتي يرى أنصارها العلاقة بين النظامين باعتبارها علاقة ذات اتجاه واحد بين مراكز القيادة في النظام الدولي والنظم الإقليمية. وبالتالي، يركز أنصار هذه المدرسة على علاقات الاعتماد المتبادل غير المتكافئة بين بلاد المركز الرأسمالي الصناعي وبلاد الهامش، وغياب التنمية المستقلة .
وهذا يتضح من مقولات مدرسة التبعية التي تفترض:
- أن القوى الخارجية تحدد التغيرات الهامة في مجتمعات العالم الثالث، دون أن ينفـي
ذلك الدور الذي تلعبه الأبنية والعمليات الداخلية في هذه المجتمعات.
- لا يمكن دراسة المشاكل الحالية لتخلف التنمية في العالم الثالث بمعزل عن بيئتها التاريخية والعالمية، وبالتالي ترتبط هذه المشاكل وسبل مواجهتها بالنظام العالمي والتغير الذي يشهده.
- أن التغير الاقتصادي جزء من عملية مجتمعية عامة تعكس الأدوار التي تقوم بها الجماعات المختلفة على المستويين المحلي والدولي، وبالتالي لا يعتبر التغير الاقتصادي عملية آلية .
وفي مقابل هذه المدرسة التي تذهب إلى القول بوجود علاقة ذات اتجاه واحد بين النظام الدولي السائد وبين النظم الإقليمية، تبلورت منذ أوائل السبعينيات مدرسة "النظم الإقليمية" التي يمكن القول إنّ إضافتها الرئيسية في هذا الصدد تمثلت في التأكيد على أن واقع العلاقة بين هذه النظم الإقليمية وبين النظام الدولي السائد أكثر تعقيداً من أن تكون علاقة ذات اتجاه واحد. فالنظم الإقليمية تملك تفاعلاتها الذاتية التي تتم وفقاً لاعتبارات خاصة بها بعيداً عن الدول الكبرى في النظام الدولي. ومن ثم فان التفاعلات الإقليمية ليست مجرد انعكاس أو رد فعل أو امتداد لإرادة النظام الدولي السائد.
وبالتالي تؤكد هذه المدرسة على وجود تفاعلات إقليمية لها منطقها الذاتي بعيداً عن إرادة النظام الدولي القائد .
والتساؤل الآن: إذا كان التحليل السابق ينطبق على النظم الإقليمية، فهل ينطبق على النظام الإقليمي العربي؟ أم أن هناك خصوصية لهذا النظام قد تدفع للاعتقاد بضرورة توقع اختلاف في جوهر التحليل السابق.
التقسيم:
سيتم تقسيم هذه الدراسة الى قسمين، وفقا لمتطلبات الاشكالية والفرضية التي ارنو لاثباتها:
الفصل الاول : بُـنية الاطار السياسي للمشهد العربي/الفلسطيني.
الفصل الثاني : التحرر الوطني والاطار السياسي في ضوء احداث غزة ( اواخر عام 2008).
الفصل الاول : بُـنية الاطار السياسي للمشهد العربي/الفلسطيني.
أكد العدوان الاخير على قطاع غزة بأن الإطار السياسي للمشهد العربي الحالي لم يعد صالحاً أو ملائماً للقضية الفلسطينية. فبعد ان كان النظام العربي يمثل في وقت بعيد- ايام الناصرية والقومية العربية- إطاراً تكاملياً عملياً يدفع باتجاه ضبط بوصلة العمل الفلسطيني التحرري، بشقه السياسي والنضالي، نجد انه اصبح اطاراً سياسيا هشاً لا على المستوى العربي الخارجي والرسمي ولا على المستوى الفلسطيني الداخلي والخارجي، اطاراً بدأ يتصف بالتضعضع والضعف .
إن ضعف وارتباك النظام الإقليمي العربي ظهر جلياً أثناء العدوان على غزة، حيث انقسم هذا النظام إلى''معتدلين'' و''ممانعين''. وهذا ما زاد من دوائر قطرية القضايا العربية، وبالتالي تراجع التضامن العربي العربي. فالمثلث المصري- السعودي- السوري لم يعد قادراً على حل الأزمات وإحلال الاستقرار، بسبب اختلاف الظروف التي فرضت حسابات لكل طرف تختلف تماماً عن حسابات الأطراف الأخرى في أكثر الملفات الضاغطة. ونظراً لعدم إمكانية فصل التفاعلات في النظام الإقليمي العربي عن تأثيرات النظام الدولي الذي عمد إلى اختراق النظام العربي بهدف تعميق عجز أولوياته، وتطويع توازناته الداخلية لتتلاءم والمتطلبات الدولية .
اذن فلا جدال في أن الانعكاسات التي أفرزتها الحرب على غزة طفت تباعاً على المشهد الاستراتيجي العربي خاصة على صعيد العلاقات العربية الإسرائيلية، في ظل تماسك المقاومة الفلسطينية في غزة وعدم استسلامها رغم اختلاف موازين القوى. فقد حمل المشهد الإقليمي في طياته تغييرات بعيدة المدى تركت آثارها الاستراتيجية في مستقبل التوازنات العربية والفلسطينية، وكذلك في طبيعة العلاقات العربية مع الجوار الإقليمي. وهو ما سمح بتعاظم دور القوى الاقليمية غير العربية، مثل تركيا وايران ومنظمات المجتمع المدني. فالقضية الفلسطينية اصبحت تخضع لحالة استقطاب واحتقان سياسي بين القوى الإقليمية العربية وغير العربية، أو دول الجوار الإقليمي، مثل إيران وتركيا. ولكن الأهداف والسياسات تختلف من دولة إلى أخرى .
لا بد من الإشارة إلى عاملين أساسيين لعبا دوراً مهماً في حالة الاستقطاب هذه، الأول هو الاستقطاب الفلسطيني الداخلي، فالفلسطينيون منقسمون بين قوتين رئيسيتين هما فتح وحماس، وكل منهما ولدعم موقفها الداخلي تربط نفسها بقوة إقليمية متطلعة وطامحة للعب دور إقليمي، وهنا التوظيف قد يتعارض مع مصالح وأهداف كل دولة إقليمية، وهو ما يفسر التعثر والفشل مثلاً في ملف الانقسام الفلسطيني، والعامل الثاني الذي يفسر لنا هذا الاستقطاب الإقليمي هو تراجع الدور الإقليمي والمحوري للدول العربية في النظام العربي الاقليمي، بوصفها الحاضن الطبيعي للقوى الفلسطينية، وتعلم الاطراف الفلسطينية مدى حاجتها للحضن العربي والذي لا يمكن تعويضه بحضن اقليمي غير عربي ، كون حالة الاستقطاب تعكس عوامل كثيرة متنافرة ومتصادمة ، لكنها في النهاية ترتبط بضعف الموقف العربي من ناحية، وضعف الموقف الفلسطيني .
بالتأكيد ان الدور الطبيعي والمنطقي للدول العربية المحورية نفسها، يفترض أن القضية الفلسطينية هي أحد المكونات الرئيسية لأمنها القومي. فإذا صلح الحال الفلسطيني صلح الحال العربي والعكس صحيح، وهذا ما يدفع الى قراءة الاطار السياسي العربي الفلسطيني خلال العدوان الاخير على غزة من خلال:
• المبحث الاول: مشهد الاطار السياسي خلال العدوان الاخير على غزة.
• المبحث الثاني: ممارسات الاطار السياسي.
• المبحث الثالث: معوقات الاطار السياسي.
المبحث الاول: مشهد الاطار السياسي خلال العدوان الاخير على غزة.
يمر النظام العربي الرسمي في اللحظة الجارية بحالة هدوء سياسي نسبي قياساً إلى الفترة الصاخبة التي مر بها حتى انعقاد القمة العربية في قطر نهاية آذار/ مارس 2009، وهو هدوء وثيق الصلة بجهود المصالحة التي قادتها المملكة السعودية بين كل من مصر وسوريا وقطر منذ قمة الكويت الاقتصادية التي سبقت القمة العربية بثلاثة أيام ، وهذا لا يعني ان المشهد العربي مقبل على انفراج جوهري، نظرا لعدة معطيات:
• عدم التوافق حول المبادرة العربية بما يؤدي إلى محاصرة الطرف الفلسطيني.
• استمرار الاصطفاف العربي الحالي، وبالتالي استمرار الانقسام الفلسطيني. وعدم تفعيل مصالحة فلسطينية مدعومة عربياً وليس فقط مصرياً.
• عدم حصول تهدئة عربية تشمل الجبهة الفلسطينية، وتسهل عملية الحوار، ودون التوافق على حكومة وطنية.
إن حالة الهدوء النسبي السائدة عربياً تحجب وراءها سياسات ترقب عربية متبادلة لما ستتطور إليه بعض القضايا بفعل السياسات الأمريكية الجديدة، تجاه العراق وفلسطين وسوريا ولبنان من جانب، ومحصلة الحوار الوطنى الفلسطيني من جانب ثانٍ.
ويتميز المشهد الفلسطيني بدوره بعدد من السمات الهيكلية ، على النحو التالي:
1. انقسام سياسي وجغرافي ينذر بإعادة تعريف القضية الفلسطينية على نحو يضر بكونها قضية عادلة لشعب يناضل من أجل حقوقه المشروعة في دولة مستقلة وذات سيادة غير منقوصة.
2. يتمثل الانقسام الفلسطيني سياسياً في التباين حول رؤيتين؛ الأولى تمثلها السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس، وتؤمن بأن المفاوضات هي السبيل الوحيد للحصول على الدولة وعلى السيادة، وأن ميزان القوى مع "إسرائيل" لا يفسح أي مجال للعمل العسكري، وأن إدارة الرئيس أوباما تمثل فرصة مشجعة للضغط على الحكومة الإسرائيلية لقبول حل الدولتين وإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي. وتعد نقطة ضعف هذه الرؤية الرئيسة هي ضعف مردود المفاوضات التي أجرتها السلطة بالفعل مع الحكومة الإسرائيلية السابقة بقيادة أولمرت، وتنصل الحكومة الإسرائيلية الجديدة برئاسة نتنياهو من صيغة حل الدولتين والاكتفاء بعرض تحسين الأحوال الاقتصادية للفلسطينيين كأساس للمفاوضات المقبلة.
الرؤية الثانية تمثلها حركة حماس وحكومتها في غزة ومعها عدد من الفصائل الفلسطينية الأخرى وأبرزها الجهاد، وتشكك بداية في جدوى المفاوضات مع أي حكومة إسرائيلية، وتعتبر أن حل الدولتين ينهي القضية الفلسطينية ولا يعيد حقوق الشعب الفلسطيني، وأن نقطة البداية التي يجب معالجتها هي الاحتلال الإسرائيلي، وبالتالي فإن المقاومة هي الموقف العملي الوحيد للرد على هذا الاحتلال، وأن الأفضل بالنسبة لهم أن تكون هذه المقاومة مدعومة عربياً بصفةٍ رسميةٍ، وأنه لاعتبارات عملية فهم يحصلون على دعم من أي طرف يساند هذا الموقف، وفي المقدمة إيران وسوريا. ونقطة ضعف هذه الرؤية تتمثل في أن المقاومة المطروحة في شقها العسكري ليست فعالة في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وأن ثمن أي مواجهة عسكرية يكون باهظاً ويزيد المعاناة الفلسطينية، وهو ما حدث في القطاع إبان وبعد العدوان الإسرائيلي في كانون الثاني/ يناير 2009.
الفرع الاول: مشهد النظام العربي الاقليمي خلال العدوان الاخير على غزة.
زاد العدوان الاخير على غزة ( اواخر عام 2008) انقسام النظام العربي، الذي كان منقسا قبل بدأ العدوان وعند بدأ العدوان،وهو ما سمح ببروز ادوار اقليمية ودولية على حساب الدور العربي، بالرغم من المحاولات التي كانت تأمل بان تؤثر ايجابيا على مجريات الاحداث، الا ان الانقسام الفلسطيني الداخلي كان يزيد من سلبية دور النظام العربي، ولا يمكن القول بان الانقسام الفلسطيني الداخلي هو سبب انقسام النظام العربي الذي عرف بالانقسام منذ نشأته.
لكن الانقسام الفلسطيني الداخلي اثناء العدوان، كشف الضعف البنيوي في النظام العربي، بحيث كان التمييز قائما بين معسكر الاعتدال بزعامة السعودية ومصر، ومعسكر الممانعة بزعامة سوريا وقطر التي برزت كفاعل جديد في معسكر الممانعة .
فمعسكر الاعتدال اراد بان يعتبر من المناصرين للتسوية السلمية، من خلال الجهود التي بذلها في التخفيف من وتيرة الحرب، لكن جهودة كانت عقيمة بدرجة كبيرة، اما معسكر الممانعة فقد ظهر بمظهر المشجع للمقاومة الفلسطينية في غزة والمدافع عنها والداعي لدعمها، لكنه لم يستطع ان يفعل شيء على ارض الحرب،وكل ما كسبه هو نسبة كبيرة من تأييد الشارع العربي .
وعودة لمعسكر الاعتدال فان التأييد الشعبي الذي حصل عليه معسكر الاعتدال جراء موقفه من الحرب، جعل معسكر الاعتدال يبدأ بلعب دور المعارض غير الراض عن المقاومة كأداة لادارة الصراع، وهذا الدور لم يكن جديداً، فهو نفس الدور الذي لعبه ضد المقاومة اللبنانية في تموز 2006.
هذه المواقف التي اتخذها المعسكران،انعكست على شدة الانقسام العربي، فحروب القمم التي اشتعلت بين المعسكرين، فمنذ البداية طرحت فكرة عقد قمة عربية طارئة .وعندما انعقد مجلس الجامعة على المستوى الوزاري في 31/12/2008، أي في اليوم الخامس للعدوان، وأقر آلية التحرك عبر مجلس الأمن. كان واضحاً أنه لا توجد ممانعة لفكرة عقد القمة الطارئة في حد ذاتها، بدليل الاتفاق على تأجيلها إلى حين انعقاد جلسة مجلس الأمن، فإذا فشل التحرك العربي عبر المجلس لسبب أو لآخر فإن ذلك سيستتبع النظر في انعقادها بشكل عاجل للنظر في إجراءات عملية أخرى سقفها أعلى، ولا يستطيع سوى القادة العرب أن يتخذوها رداً على إسرائيل.
لكن القرار الذي صدر عن مجلس الأمن في التاسع من يناير/كانون الثاني 2009، أي في اليوم الرابع عشر للعدوان،والذي كان العرب يعول عليه كثيراً، بحيث ظن النظام العربي بانه من الممكن ان يأتي قرار يبين صحة العمل العربي عندما احالوه على مجلس الامن، كان قرار بلا التزام من الجانب إسرائيل، فلم تعر اسرائيل أي اهتمام للقرار، واستمرت فيعدوانها بحجة ايقاف صواريخ المقاومة والتي لم تتوقف هي الاخرى، فأعادت قطر الدعوة إلى عقد قمة طارئة تعقد في عاصمتها الدوحة ، وهنا انصب جهد معسكر الاعتدال العربي على الحيلولة دون عقد هذه القمة بحجة أن هناك قمة اقتصادية ستعقد بالكويت ستوفر إطاراً مناسباً لبحث موضوع العدوان على غزة. هذه القمة التي كان من المقرر أن تعقد يوم التاسع عشر من يناير، أي في اليوم الرابع والعشرين للعدوان، علماً بأن هذه الحجة لم تذكر أصلاً في البداية إبان انعقاد مجلس وزراء الخارجية العرب في31/12/2008.
وأضاف معسكر الاعتدال إلى مبرراته الرفض لعقد القمة الطارئة في الدوحة، أن هذا الانعقاد من شأنه أن يفسد أعمال قمة الكويت. مع أن "قيادة" معسكر الاعتدال دعت إلى قمتين أخريين قبل قمة الكويت: الأولى خليجية ودعا إليها الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود في الرياض ، محاولاً إثناء أمير قطر فيما يبدو عن دعوته، وتوحيد الصف الخليجي، والثانية دولية ودعا إليها الرئيس حسني مبارك في شرم الشيخ، الذي كان يبحث عن دور دولي بقيادة اوروبية لتثبيت وقف اطلاق النار . ولم تؤثر القمتان على انعقاد قمة الكويت في موعدها، علماً بأن قمة شرم الشيخ بالذات عقدت عشية انعقاد قمة الكويت.
فيما عقدت قمة الدوحة في السادس عشر من يناير، أي في اليوم الحادي والعشرين للعدوان، بحضور ممثلين عن 13 دولة عربية، أي أقل من النصاب بدولتين فقط، مع ملاحظة أن الرئيس الفلسطيني لم يحضر، وكذلك الرئيس اليمني الذي كان أحد دعاتها في البداية، فصارت قمة تشاورية وليست قمة رسمية طارئة، وأثيرت فيها أفكار أكثر جرأة على صعيد مواجهة العدوان لم تصل بطبيعة الحال إلى طرح بدائل للدعم العسكري للمقاومة، لكن التركيز وقع على إفلاس نهج التسوية السلمية واعتبار المبادرة العربية للسلام ميتة، وتجميد العلاقات مع إسرائيل، وإعادة إعمار قطاع غزة، واتفق على عرض قرارات قمة الدوحة على قمة الكويت بما يوحد "الشرعية العربية"، لكن هذه القمة بدورها اختلفت اختلافاً بيناً، رغم أجواء المصالحة التي دشنها الملك عبد الله بن عبد العزيز، حول قضايا جوهرية مثل آلية إعادة الإعمار في غزة، والمبادرة المصرية، ولذلك خرج بيانها ضعيفاً غير متناسب مع الكارثة التي وقعت في غزة.
قمة الكويت جاءت محاولةً رأب الصدع العربي، حيث بادر الملك عبد الله بن عبد العزيز، الى الحديث عن مسؤولية الجميع عما وقع، ودعا إلى مصالحة عربية شاملة، بدأها بدعوة قادة مصر وسورية وقطر بالإضافة إلى الملكين الأردني والبحريني إلى مأدبة غداء في مقر إقامته، لكن بيان القمة يعد أكبر دليل على عدم جدية كافة الأطراف؛ لأن ثمة تصادماً مهماً في المصالح بين الأطراف يحول دون إتمام المصالحة على نحو يستطيع ايقاف الحرب.
ولا شك أن هذا الانقسام قد كشف عن خلل جسيم في الممارسة الوظيفة القيادة داخل النظام العربي، فلم تعد هناك قيادة واضحة (فردية أو جماعية) تستطيع أن توجه حركة النظام منذ تراجع الدور القيادي المصري بعد هزيمة 1967 ، بحيث يمكن القول ان ضعف النظام ادى الى تردي قدرته على الاستقطاب الاقليمي، بمعنى شلله وعدم قدرته على العمل والتأثير ، ولربما يكون سببا في التجرؤ الاسرائيلي في الحرب.
فبينما الالة الاسرائيلية تقتل بالفلسطيين بصورة بشعة، وتدمر بناهم التحتية، كان المسؤولون العرب يتباحثون في امكانية وجدوى عقد قمة عربية طارئة، وان تحرك فان تحركه كان بشكل مبهم للغاية عندما اختار الية مجلس الامن لوقف الحرب، وهم على علم بحدود قدرة مجلس الامن على الحركة، خصوصاً عندما تكون اسرائيل طرفا في نزاع. وحتى عندما عقدت القمة العربية الطارئة في الدوحة، نجد ان البعض حاول افشالها.
بينما استخدم اخرون الاداة الدبلوماسية لعقاب اسرائيل، عندما قطعت قطر وموريتانيا علاقاتها مع اسرائيل وتجميدها، وقد طرحت ايضا مسألة مراجعة الموقف العربي من مبادرة السلام، بحيث ان العرب يفكرون في تبني بدائل اخرى، ان لم توقف اسرائيل حربها على غزة، لكن اسرائيل لم توقف حربها ولا العرب طرحوا افكارا بديل للمبادرة العربية للسلام، واكتفوا بالتلويح بامكانية سحبها.
ان مشهد وتوجه النظام العربي خلال الحرب على غزة، كان له اثر كبير على الكيفية التي جرت فيها الحرب ، فبالرغم من سلبيته يمكن استخلاص بعض النقاط:
• أخفق النظام العربي دون شك، فكان تواضع أدائه سبباً في تجرؤ إسرائيل على العدوان، ثم في استمرارها وإمعانها فيه، وأبعده هذا التواضع في الأداء عن موقع التأثير في الطريقة التي تم بها وقف إطلاق النار على الرغم من كل ما قيل.
• خلق الانقسام في النظام العربي مناخاً يسمح لقوى إقليمية مثل تركيا وإيران بأن يتعاظم دورها في الأزمة، ولقوى أوروبية بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية بطبيعة الحال بأن تلعب دوراً خطيراً، وبصفة خاصة في توفير دعم سياسي لإسرائيل.
• وضعت الحرب الاسرائيلية على غزة العرب امام موقف لا يحسد عليه، بحيث زادت الحرب من حدة الانقسام العربي، وهو ما اثر على شكل الانقسام الفلسطيتي الداخلي ، بحيث اصبح توجهه متماشيا مع توجه النظام العربي المنقسم.
الفرع الثاني : المشهد الفلسطيني خلال العدوان الاخير على غزة.
بدت بوادر العملية العسكرية الإسرائيلية ضد قطاع غزة مع اقتراب فترة التهدئة من نهايتها في2008/12/19 واضحة المعالم ، في حين ان الفصائل الفلسطينية قد شرعت في تقييم اتفاق التهدئة في أواخر تشرين ثاني/ نوفمبر 2008 ، وكان هناك اجماع لدى الفصائل الفسطينية بعدم تمديد الاتفاق ما لم يلتزم الجانب الإسرائيلي بكل شروطه، خاصة ما يتعلق برفع الحصار .
وقد أصرت معظم الفصائل الفلسطينية والحكومة المقالة في غزة على شروطها لإبرام أي اتفاق تهدئة جديد، ولم تقبل في هذا السياق المبادرة المصرية في صيغتها الأولية ، واشترطت إدخال تعديلات عليها،وهذا ما دفع إسرائيل لاتخاذ العديد من الخطوات السياسية والعسكرية لترسيخ مظاهر الانقسام الفلسطيني – الفلسطيني وضرب المشروع الوطني الفلسطيني عامة بهدف فرض واقع أمني مع قطاع غزة يضمن له حدود آمنة .
وفي السابع والعشرين من ديسمبر 2008، كان العدوان الاسرائيلي على غزة يفرض واقعاً آخر معاكس للتفكير الفلسطيني في قطاع غزة ، فقد بدأت إسرائيل بشن عدوانها الذي اختلف عن أي عدوان سابق فقد دمرت به إسرائيل البني التحتية للمجتمع الفلسطيني وللسلطة الفلسطينية تدميرا كليا، محددة اهداف العدوان امنيا وسياسية، وبغض النظر عن ما حققته اسرائيل من اهداف وما لم تحققه، فإنه بدأت تلوح في الأفق معركة سياسية لا تقل شراسة، تحمل عناوينها الرئيسية: فك الحصار، وفتح المعابر، وإعادة إعمار قطاع غزة. وفيما يلي المواقف السياسية لحركة حماس وحركة فتح خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على القطاع.
أ. حركة حماس:
في تصريح رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل والمؤرخ في 14/12/2008، اكدت حركة حماس على عدم تجديدها للتهدئة، نظرا لعدم مراعاة اسرائيل لعدة امور ، وبهذا فإن اتفاقية التهدئة انتهت ولا تجديد لها، ما لم تلتزم اسرائيل بشروط واستحقاقات التهدئة. واعلنت حركة حماس انها لن تمدد التهدئة مع اسرائيل، محملة اياها المسؤولية، واعلنت كتائب القسام في 19/ 12/2008 انتهاء اتفاق التهدئة، وعدم تمديده نتيجة تنكر الاحتلال لشروطه واستحقاقاته الاساسية. وذكرت كتائب القسام أنها رصدت 185 خرقًا إسرائيليًا لاتفاق التهدئة، موضحة في تقرير إحصائي لها أن 21 فلسطينيًا استشهدوا برصاص "إسرائيل" 22 خلال التهدئة، فيما أصيب 53 شخصًًا، واعتقل 38 آخرون. وأشارت إلى أن عدد التوغلات الإسرائيلية وصل إلى 15، إضافة إلى 51 حالة إغلاق للمعابر، عدا عن استهداف الاحتلال للصيادين،والمزارعين .
وعلى إثر الغارات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت المقرات الأمنية في غزة في اليوم الأول من العدوان، دعت حركة حماس الفلسطينيين إلى انتفاضة ثالثة ضد الاحتلال، واكدت ان على سكان الضفة الغربية التظاهر والتضامن مع " قطاع غزة"، كما دعت فصائل المقاومة إلى تنظيم وتوحيد الصفوف ""، وقد خص رئيس الحكومة المقالة في غزة حركة فتح بالذكر وسماها "فتح البندقية والانتفاضة والكفاح" .
وعلى الرغم من تعرض أغلب مقرات الأجهزة الأمنية التابعة للحكومة المقالة في قطاع غزة لقصف أدى إلى تدمير أغلبها، إلا أن الحكومة المقالة أعلنت أن كافة الوزارات "تمارس عملها على أكمل وجه"، واستمرار وجود كافة كوادر وقيادات الأمن على رأس أعمالهم لتقديم الخدمة للمواطنين".
وألقى العدوان الإسرائيلي بظلاله على العلاقة بين حماس والرئاسة الفلسطينية؛ فاتهمت حركة حماس الرئيس محمود عباس بعلمه المسبق بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. ورفضت دعوة عباس للحركة إلى التشاور في شأن
العدوان الإسرائيلي معتبرًا أنها "جاءت متأخرة جدًا لأنها تساهم في لفت النظر عما يجري من جرائم"، داعيًة عباس للبحث عن وسيلة أخرى لإثبات وطنيته ". فيما اتهمت السلطة حركة حماس بانها أنهت التهدئة، وجنحت إلى التصعيد تنفيذًا لأجندة إقليمية اشارة من حركة فتح الى الدور الايراني في الحرب.
وقد اكدت حماس على الدور العربي في الحرب وطالبته باتخاذ خطوات وإجراءات عملية تؤدي إلى وقف العدوان على القطاع، ولعلّ قطع العلاقات السياسية، التي تقيمها بعض الدول العربية مع الكيان الاسرائيلي، وفتح معبر رفح، يمّثلان الرد العملي على هذا العدوان.
واستنكرت حماس كذلك الدور المصري إزاء تهديدات وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني بتغيير الوضع في قطاع غزة من القاهرة، واتهمت مصر أن الغارات أتت بعد أن التقت ليفني بالرئيس المصري في26 2008/12/ ، وقد شكلت مسألة إغلاق مصر لمعبر رفح مشكلة حقيقية بين مصر وحماس وسط اتهامات متبادلة، إذ اتهمت مصر حماس بعدم السماح لمئات الجرحى الفلسطينيين من مغادرة قطاع غزة للعلاج، في حين نفت حماس أن تكون مصر قد فتحت معبر رفح في الأساس، وانتقدت حماس تصريحات الرئيس المصري حول قانونية فتح معبر رفح، إذ وصفتها ب"المؤلمة" مستغربًة أنتصدر تصريحات كهذه من زعيم أكبر دولة عربية .
وقد طرحت بعض الأطراف والهيئات العربية والإقليمية والدولية عددًا من الأفكار والمبادرات إزاء العدوان الإسرائيلي على القطاع، هدفت من خلالها إلى إيجاد مخرج سياسي للأزمة. ونعرض هنا موقف حركة حماس من هذه المبادرات ، وأبرزها قرار مجلس الأمن 1860 ، والمبادرة المصرية:.
قرار مجلس الامن رقم 1860: أدانت حماس موقف مجلس الأمن الدولي من العدوان على غزة، وبينت الحركة ان رفض المجلس في 2009/1/3 إصدار قرار يدين العدوان الإسرائيلي "مهزلة حقيقية"، موضحةً إن ما صدر عن مجلس الأمن في جلسته التي انعقدت في 3/1/2009 إنما يؤكد على انحيازه التام للكيان الاسرائيلي وأشارت إلى أن فشل مجلس الأمن في إصدار القرار يشكل غطاء للعدوان على غزة، ويعطي فرصة للاحتلال لاستكمال مجزرته فيها.
المبادرة المصرية التي طرحها الرئيس المصري في 6/1/ 2009: اعلنت حماس وجود بعض التحفظات عليها. وشددت على رفض وجود قوات دولية فاصلة، أيًا كان نوعها وشكلها وحجمها في القطاع، معتبرًة أن الهدف من وجود هذه القوات هو الوصول إلى "تهدئة كاملة مع العدو الإسرائيلي على حساب الشعب الفلسطيني ، واوضحت أن أي اتفاق دولي في مجلس الأمن أو غيره يوافق عليه الرئيس محمود عباس "غير ملزم للمقاومة الفلسطينية". وذكرت حماس على انها أبلغت المبعوثين التركي والروسي وغيرهما أنها لن تقبل أي مشروع قرار دولي لا ينص صراحة على فك الحصار، وفتح معبر رفح.
وفي 16/1/2009 حددت حركة حماس عبر رئيسها مكتبها السياسي خالد مشعل في كلمة ألقاها في الجلسة الافتتاحية لقمة غزة الطارئة التي أقيمت في الدوحة، مطالب القوى الفلسطينية للقبول بوقف إطلاق النار التي تم الاتفاق عليها ، وهي :
1. توقف العدوان الإسرائيلي.
2. وانسحاب العدو من غزة.
3. ورفع الحصار عن غزة بلا رجعة.
4. وفتح جميع المعابر وفي مقدمتها معبر رفح.
وفي الجهة الاخرى وبعد يومين من مؤتمر الدوحة عقد في شرم الشيخ مؤتمر دولي لبحث وقف النار في غزة ،وصرحت حمس بان مؤتمر شرم الشيخ الدولي لن يفلح في رسم أي خارطة جديدة تتعارض مع مصالح الشعب الفلسطيني، لأن من يرسم الخارطة هذه المرة هو المقاومة في الميدان.
ب. حركة فتح:
قبل الشروع في قراءة وتحليل " الأداء السياسي للسطلة الفلسطينية وحركة فتح وتداعياته" خلال العدوان الاسرائيلي على غزة، يجب ابراز نقطتين : الاولى: التمييز ما بين حركة فتح من جهة والسلطة ومنظمة الحرير الفلسطينية من جهة اخرى. الثانية: توضيح المسار الذي كانت عليه السلطة والاجواء التي سبقت العدوان.
htmlspecialchars_decode('"')
أولاً: التمييز بين موقف حركة فتح وموقف السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية. htmlspecialchars_decode('"')
ان الاهمية في التمييز بين الموقفين تنبع من ان السلطة بعد الانقسام ( 14/06/2006) لم تعد خاضعة مباشرة لحركة فتح مثلما كان الامر قبل " الحسم العسكري في غزة". لان الحكومة التي شكلها الرئيس محمود عباس برئاسة سلام فياض بصفة طارئة، وانتقلت لتصبح حكومة تسيير اعمال، لا تنمي لفتح، وهي في الحكم منذ اكثر من سنتين، وهي على خصومة مع فتح، وهذا ممكن بسبب الحالة التي وصلت فيها الحركة الى حد فقدان القيادة والبرنامج والتنظيم وتفجر الخلافات ما بين اجنحتها المختلفة.
htmlspecialchars_decode('"')
ثانيا: المسار الذي كانت عليه السلطة والاجواء التي سبقت العدوان. htmlspecialchars_decode('"')
ان المعطيات التي سبقت العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة كانت وبالا على السلطة وحركة فتج في مجالات عديدة، ابرزها: عدم قدرة حركة فتح على عقد مؤتمرها في اجواء ملائمة، مما ادى الى استمرار الصراع بين اجنحتها، وادى ايضا الى تفاقم عواقب الهزيمة وفي غزة الامر الذي نتج عنه في فقددانها لبوصلتها السياسية ووضعف قيادتها ومؤسساتها القادرة على قيادة حركة بحجم فتح.
وعلى إثر العدوان الإسرائيلي، أعلنت حركة فتح تعليق احتفالاتها بعيد انطلاقتها ال 44 تضامنًا مع الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وحدادًا على أرواح الشهداء. كما أدان مروان البرغوثي، أمين سر حركة فتح في الضفة الغربية، العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، مؤكدًا في رسالة إلى الشعب الفلسطيني، على أن هذا العدوان يأتي بهدف تدمير قطاع غزة، ومعاقبة الشعب الفلسطيني على صموده في وجه الحصار، واستغلال حالة الانقسام في الساحة الفلسطينية، بهدف تحقيق مكاسب انتخابية في "إسرائيل". على حساب الدم الفلسطيني .
ومن جهته، دعا رئيس اللجنة الحركية العليا لحركة فتح، قدورة فارس، جميع القادة الفلسطينيين ولا سيما في حركتي فتح وحماس إلى التعالي فوق الخلافات السياسية، والوقوف صفًا واحدًا ضد العدوان.
وطالب السلطة الفلسطينية بوقف "كل أشكال الاتصال والتفاوض مع إسرائيل، وإتاحة الفرصة للمواطن . الفلسطيني في الضفة الغربية ليعبر عن تضامنه مع أهله في قطاع غزة".
أما ممثل منظمة التحرير في لبنان عباس زكي، فقد قال:
"إن غزة لن تركع، وإن المقاومة ستنتصر، وإن الفتحاويين مشاريع شهادة عند دخول شعبنا في أي مواجهة، ونحن نخطط الآن لإشعال فتيل الانتفاضة في الضفة الغربية، ووقف كل أشكال التفاوض، أو . الحديث مع الإسرائيليين، وإلى بناء وحدة حقيقية في إطار منظمة التحرير" .
ودعت اللجنة القيادية العليا لحركة فتح في قطاع غزة، إلى إنهاء الانقسام الفلسطيني الداخلي فورًا، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تضطلع مباشرة بالإشراف على المساعدات التي تقدم للقطاع، وكذلك بالإشراف على إعادة إعماره وبناء ما دمره الاحتلال، مؤكدة أن ذلك يتطلب فتحًا سريعًا للمعابر كافة ليتسنى إدخال المواد اللازمة .
من جهة أخرى، انتقد هاني الحسن، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، أداء السلطة الفلسطينية والحكومة التابعة لها، فيما يخص عملها لإغاثة قطاع غزة بعد العدوان. وهنأ الحسن في بيان صحفي "حركة حماس والمقاومة في تصديها للعدوان، والنصر الذي حققته في دحر الاحتلال الاسرائيلي عن قطاع غزة.
أما أحمد عبد الرحمن الناطق الرسمي باسم فتح فقد انتقد تصريحات رئيس الحكومة المقالة إسماعيل هنية التي وصف ما جرى في غزة بأنه انتصار للفلسطينيين بقوله: "يتحدثون عن انتصارات وهمية وعليهم أن يخرجوا من جحورهم، ويروا ما حصل في قطاع غزة، هناك مجزرة غير مسبوقة في التاريخ، ودمار لم يحصل مثله في كل معاركنا مع إسرائيل" .
واتهمت فتح حركة حماس بتصفية بعض أفرادها في قطاع غزة، وو زعت كشفًا بأسماء 17 من كوادر ونشطاء حركة فتح، قالت إن حماس أعدمتهم . وفي سياق متصل قال عزام الأحمد إن حماس "تستغل حاجة أهالي غزة... لتحقيق أغراض سياسية"، وقال إن أفرادًا من حركة فتح قتلوا للأسف بيد مليشيا حماس.... وكان المسؤول عن ذلك سعيد صيام؛ لأنه تولى ما سمي الجبهة الداخلية، ولدينا بالتاريخ والمكان والساعة" ظروف مقتل هؤلاء الذين أشار إلى أن عددهم 28 شخصًا."
بعد ان اوضحنا مواقف السلطة والمنظمة وحركة فتح خلال العدوان كانت يجب ان نضع في الاعتبار عدة ملاحظات مهمة:
1. رغم ان القيادة الفلسطينية وعلى راسها حركة فتح ادانت العدوان الاسرائيلي وطالبت بوقفه الفوري الا انها كانت في موقف محرج ومرتبك للغاية فمن جهة كانت تعول كثيرا ان يستطيع العدوان اسقاط حماس او اضعافها بشكل كبير في غزة، وقد اكد هذا الطرح تصريحات نمر حماد مستشار الرئيس الفلسطيني محمود عباس، والتي حملت حماس المسؤولية ولو جزئيا عن العدوان متناسيا ان اسرائيل لم تكن في حاجة الى خلق الاعذار للقيام بعدوانها. حيث ان حماس وباقي فصائل المقاومة كانت قد ادت استعدادها لتمديد الهدنة شرط التزام اسرائيل بها.
يرجع موقف السلطة المرتبك من خشيتها من العدوان ونتائجه بالنسبة لها وللقضية الفلسطينية برمتها، فالسطة كانت خاسرة في الحالتين: سواء نجح العدوان ام فشل
أ. في حالة هزيمة حماس كانت السلطة تخشى انها سوف تظهر بمظهر المتعاون مع الاحتلال ، وخاصة ان تصريحات المسؤولين الاسرائيليين ومنهم شمعون بيريز وتسيبي ليفني كانت تصب في هذا الاتجاه. حيث قالت ليفني ان اسرائيل تخوض هذه الحرب بالنيابة عن معسكر الاعتدال الفلسطيني والعربي.
ب. في حالة صمود حماس كانت تخشى القيادة الفلسطينية من تعميق حالة الانقسام السياسي والجغرافي بين الضفة الغربية وقطاع غزة، كما كانت تخشى من ضعف موقفها التفاوضي مع اسرائيل نظرا للقوة التي ستكتسبها حمااس التي ترفض اتفاقية اوسلو والخيار التفاوضي في الاصل.
2. ادركت السلطة ان هذه الحرب مهما كانت نتائجها ستحدث تغيرات جوهرية على الخريطة السياسية الفلسطينية. فهذه اول حرب تقودها حماس بعد انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة وليس فتح، ولن يغير من هذه الحقيقة ان السلطة حاولت ان تسهم ي قطف ثمارها من خلال الايحاء بانها صاحبة زمام المبادرة والقيادة في وقف العدوان عبر الجهود العربية والدولية، وفي الاغاثة، والتحرك الشعبي ضده، ولو امسكت القيادة الفلسطينية بمقتضيات اللجظة التاريخية، واعتبرت ان هذه الحرب حربها، لانها كما كانت تقول حرب على الشعب الفلسطيني وضد اهدافه، وليس حربا ضد حماس لوحدها، لكانت قد دعت الى المشاركة في هذه الحرب عبر المقاومة في غزة، وتشجيع التحركات الشعبية في الضفة .
المبحث الثاني: ممارسات الاطار السياسي.
دخلت المنطقة العربية مرحلة حرجة اثناء العدوان على غزة، وهو ما يتطلب مراجعة شاملة لـ "عملية السلام". فإسرائيل تابعت سياسة القبضة الحديدية ضد الفلسطينيين، وتفرغت بشكل كامل لشن حربها على قطاع غزة. فأرادت اسرائيل هذه الحرب انتقاماً متعدد الأهداف: انتقاما للجندي الاسرائيلي " شاليط" الرهينة من قبل حماس، وانتقام مستكمل من قطاع غزة عامة وحركة حماس خاصة.
على رغم المواقف المتفاوتة التي قوبل بها الحصار والعدوان على قطاع غزة من جانب الدول العربية، تعاوناً أو تفهماً أو تواطؤاً أو سكوتاً، فإن اسرائيل لم تصادف أي إزعاج عربي في حملتها. وارادت مصممة على فصله تماماً عن العالم العربي.
فبالرغم من ان اسرائيل لم تنجح في ارجاع شاليط، او انهاء حكم حماس للقطاع، الا انها نجحت في ابعاده عن محيطه العربين عبر تشديد الحصار عليه، غير مبالية للاصوات الدولية التي نادت بفك الحصار اكثر من صوت النظام العربي، الذي اصبح يبدو كاهلا على فعل اي شيء، ومنشغلا بقضاياه ونزاعاته الداخلية والقطرية العربية العربية. وهو ما يدفع الى العديد من التساؤلات: لماذا هناك انقسام عربي خلال العدوان؟ وما هي اسباب الانقسام؟ وكيف اثر الانقسام على الاداء العربي الفلسطيني تجاه العدوان؟ وما هي تداعيات الانقسام على النظام العربي وعلى القضية الفلسطينية؟
الفرع الاول: كيفية تفاعل اطراف النظام العربي الاقليمي مع العدوان.
نستطيع ان نقول ان الانقسام العربي كان سببا ونتيجة للعدوان الاسرائيلي على قطاع غزة. لقد شجع هذا الانقسام العربي " اسرائيل" على شن العدوان، ثم ان ما حدث من تفاعلات عربية ازاء العدوان، انطلاقا من قاعدة الانقسام وليس التوحد ادت الى مزيد من الانقسام داخل النظام العربي الرسمي، ولا يمكننا تحليل موقف الأنظمة العربية في الحرب الأخيرة علي غزة بعيدا عن معرفة مواقف النظام في أزمات عربية سابقة فالنظام العربي واجه العديد من الأزمات والتي يصعب تفصيلها لكثرتها .
• حرب ١٩٤٨
وهي حرب خاضها العرب ضد العصابات الاسرائيلية لمنعها من قيام دولة إسرائيل وبالتالي قابل النظام العربي هزيمة ماحقة علي يد إسرائيل والولايات المتحدة وكانت أول مواجهة بين النظام العربي وقوي النظام العالمي ، حيث كان النظام العالمي في مجمله متماسك أي كان هناك توافق بين القوي العالمية علي قيام دولة صهيونية علي ارض فلسطين .
أما موقف النظام العربي من الحرب فقد كان غير متماسك أي كان مختلفا فيما بينه حول كيفية مواجهة إسرائيل ، بينما كانت أهدافه متحدة في ضرورة منع قيام دولة إسرائيل ، بينما لم يكن هناك تنسيق بين الدول وبالتالي وقعت الهزيمة ، و نتيجة الهزيمة العربية وجدت آليتين للإصلاح هما: الآلية الإصلاحية والآلية الثورية فاستخدم النظام العربي الآلية الإصلاحية من خلال قيام اتفاقية الدفاع العربي المشترك من خلال مجلس الدفاع العربي المشترك عام 1950 وهو مجلس تابع للجامعة العربية ولكن ميثاقه اقوي من بروتوكول جامعة الدول العربية حيث قرارات المجلس مأخوذة بموجب موافقة ثلثي الأعضاء في الجامعة العربية كذلك هي ملزمة لكافة الدول الأعضاء .
أما الآلية الثورية فتمثلت في ثورة يوليو 1952 في مصر والتي جاءت لتقضي علي الفساد في مصر وتصحح الأوضاع الاجتماعية في مصر وتنشئ نوع من العدالة الاجتماعية في المجتمع المصري .
• عدوان 1956
هي حرب وقعت أحداثها في مصر في 1956 م وكانت الدول التي اعتدت عليها هي بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على أثر قيام جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس، وقد كان موقف النظام العالمي تنافسي وغير توافقي حيث كان هناك تنافس وصراع بين القوتين انجلترا وفر نسا وكل منهما تعتبر نفسها قوي عظمي إلا أن الولايات المتحدة بدأت تظهر في الساحة الدولية ورغبت في أن تحل محل انجلترا في قمة النظام الدولي وتحل إمبراطوريتها العسكرية بالإمبراطورية الأمريكية الجديدة التي لا تقوم علي استخدام الآلة العسكرية البريطانية وإنما علي الدبلوماسية والمعونات والتبعية الاقتصادية ، وبالتالي وقفت الولايات المتحدة في وجه ذلك العدوان علي مصر كما كان هناك قوة الاتحاد السوفيتي التي وقفت ضد العدوان .
موقف النظام العربي كان النظام العربي متماسكا إلي حد ما بسبب سياسة عبد الناصر في تخطي الخلافات العربية من اجل التوحد في وجه الخطر الإسرائيلي وفي ذلك الوقت ، لم تكن هناك دولة عربية تتخذ موقفا مؤيدا أو محايدا للعدوان علي مصر ، وبالتالي رغم معارضة الكثير من الدول العربية لموقف الرئيس عبد الناصر إلا أن الدول العربية كلها وقفت بجانب مصر ضد العدوان و بالتالي فقد كانت آلية المواجهة العربية آلية إصلاحية حيث عقدت قمة بيروت لبحث المشكلات العربية .
• عدوان 1967
لم يكن عدوان يونيو 1967 هو العدوان الأول على مصر منذ قيام دولة إسرائيل، فقد سبقه مشاركتها مع بريطانيا وفرنسا في العدوان الثلاثي عام 1956 واحتلالها سيناء لمدة ستة أشهر تقريبا، وهو أمر يظهر النوايا العدوانية للدولة التي أقحمت على المنطقة، ويظهر أيضا سيادة المتطرفين على أمور الحكم فيها.
وإذا كانت الظروف قد أجبرت إسرائيل على الانسحاب من مصر في مارس آذار 1957 نتيجة إصرار الشعب المصري على المقاومة، وإنذار بولجانين رئيس الحكومة السوفيتية للحكومات المعتدية، وضغط الرئيس الأميركي ايزهاور على المعتدين بهدف وراثة المصالح البريطانية والفرنسية في المنطقة، فإن الموقف اختلف في عدوان 1967 الذي انفردت إسرائيل بالقيام به ، حيث كان موقف النظام العالمي توافقي أي عارضت كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي العدوان علي مصر.
بينما كان النظام العربي غير متماسك كعادته بسبب الخلافات العربية العربية أي الخلافات بين مصر والسعودية بسبب مساعدة مصر لثوار اليمن وكذلك عدم رضا بعض الدول العربية عن سياسات عبد الناصر وفشل محاولات الوحدة المصرية السورية .
أما عن آليات المواجهة العربية فقد عقدت قمة الخرطوم بعد العدوان وهي قمة إصلاحية وفاقية حيث خرجت قمة الخرطوم باتفاق جدة بين مصر والسعودية حيث عملت علي تسوية الخلاف بين البلدين بسبب دعم مصر لثوار اليمن من خلال تفعيل اتفاق 1965 الذي ينهي الخلاف اليمني رغم انف اليمنيين والاتفاق علي مواجهة إسرائيل .
• حرب أكتوبر 1973
حرب دارت بين كل من مصر وسوريا من جانب وإسرائيل من الجانب الآخر في عام 1973 م. بدأت الحرب في 6 أكتوبر 1973هجوم مفاجئ من قبل جيشي مصر وسوريا على القوات الإسرائيلية التي كانت مرابطة في سيناء وهضبة الجولان. وقف النار في 24 أكتوبر 1973 هي حرب لاسترداد شبه جزيرة سيناء والجولان التي سبق إن احتلتهما إسرائيل.انتهت الحرب رسميا بالتوقيع على اتفاقية فك الاشتبا ك في 31 مايو1974 حيث أذعنت إسرائيل بالموافقة على إعادة مدينة القنيطرة لسوريا وضفة قناة السويس الشرقية لمصر مقابل إبعاد القوات المصرية والسورية من خط الهدنة وتأسيس قوة خاصة للأمم المتحدة لمراقبة تحقيق الاتفاقية.
كان موقف النظام العالمي صراعي تنافسي أي بعد بروز قوة الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي في ظل نظام القطبية الثنائية وتواجد الاتحاد السوفيتي كقوة دولية فاعلة في السياسة الدولية ، حيث تدخلت الدولتان العظمى في ذلك الحين في سياق الحرب بشكل غير مباشر حيث زود الاتحاد السوفيتي بالأسلحة سوريا و مصر بينما زودت الولايات المتحدة إسرائيل بالعتاد العسكري.
بينما كان النظام العربي إلي حد كبير متماسك أي كان علي ظهر قلب ولسان رجل واحد لإدراك جميع الدول العربية لخطورة الوجود الإسرائيلي عليها وربما لارتياح بعض الأنظمة العربية من موت عبد الناصر 1970 بالإضافة إلى حنكة وحكمة السادات في نجاحه في تكوين شبكة علاقات عربية من اجل التوحد ضد الخطر الإسرائيلي من خلال :
• ساعة صفر واحدة علي الجبهتين مصر وسوريا
• التشاور مع دول الخليج العربي
• انتشار قوات عسكرية عربية علي الجبهتين المصرية والسورية
• حرب الخليج الثانية 1990
الغزو العراقي للكويت أو الحرب العراقية - الكويتية هي حرب بين العراق والكويت في 2 أغسطس 1990 استمرت يومان انتهت باستيلاء القوات العراقية على الكويت في 4 أغسطس واحتلال الكويت لمدة 7 شهور وانتهت بتحرير الكويت في 26 فبراير 1991 وأطلق عليها حرب الخليج الثانية.
موقف النظام العالمي كان إلي حد كبير متماسك وذلك بعد انتهاء الحرب الباردة وتحول النظام العالمي إلي أحادي القطبية وتحكم الولايات المتحدة في مجريات الأمور في السياسة الدولية ولم يعد الاتحاد السوفيتي مؤثرا في السياسة الدولية ، بينما كان النظام العربي غير متماسك وفي اشد حالات الانقسام و شبه مخترق إلي حد بعيد وزادت حدة الخلافات العربية- العربية .
وحدث انقسام عربي غير مسبوق ، حيث عقدت قمة القاهرة في 10 أغسطس 1990 و شهدت اكبر انقسام في النظام العربي ، وكانت آليات المواجهة العربية إصلاحية لتفادي الأزمة الحادثة بين البلدين .
• الاحتلال الأمريكي للعراق 2003
ركزت الولايات المتحدة في حربها على العراق بذريعتين وهما: امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل وعلاقة العراق بمنظمات الإرهاب (القاعدة) إلا أن حقائق الصراع كشفت الغايات الأساسية لسياسات الولايات المتحدة والمتمثلة في نقطتين هما:
١- السيطرة والاستحواذ على نفط الشرق الأوسط.
٢- إعادة رسم خرائط الشرق الأوسط.
كان النظام العالمي متوافق إلي حد بعيد حيث لا يجرؤ احد علي منافسة الولايات المتحدة في إرادتها للحرب علي العراق حتى مجلس الأمن نفسه لان الولايات المتحدة قامت بالحرب رغم انف مجلس الأمن ولم تلتزم بقراراته وبعدما تأكدت الولايات المتحدة من أن الظروف قد نضجت على كل الأصعدة وهيأت مسرح العمليات للحرب المنفردة بعدما فشلت في استصدار قرار من مجلس الأمن يؤيد الحرب على العراق وفشلت في جمع تحالف دولي وذلك بفقدان الحرب للمبررات القانونية والأخلاقية واتضاح إن المعركة حرب سياسية بين الولايات المتحدة ونظام يتعارض مع مشروعها في المنطقة ولا علاقة للحرب بالمبررات المعلنة من طرف الولايات المتحدة ، ولم تعد روسيا فاعلا في السياسة الدولية أي الولايات
المتحدة هي التي لها القدرة في التأثير علي مجريات السياسة العالمية مقارنة بالقطبية الثنائية ورغبة في سيطرتا علي النفط العربي لحماية المصالح الأمريكية واعتبرت الإدارة الأمريكية في عهد بوش إن لها مصالح في التحكم في ثروات العرب وخاصة النفط وكذلك اختارت العراق بما لديها من احتياطي نفط وكذلك وضعها الإقليمي والاستراتيجي وربما لتعارض سياسة صدام حسين مع الولايات المتحدة خاصة بعد شعوره بالقوة بعد ح ربه مع إيران كما أن الولايات المتحدة رأت أن صدام حسين أصبح خطرحقيقي عليها وانه اقترب من الخطوط الحمراء حيث لا تسمح الولايات المتحدة بوجود قيادة عربية إقليمية في المنطقة العربية حيث أعلن صدام حسين أن الولايات المتحدة تطمع في التحكم بمصالح العرب .
بينما كان النظام العربي يعاني اشد حالات الانقسام فالنظام العربي لم يشفي من أزمة حرب الخليج الثانية بالإضافة إلي تيقن الدول العربية أن التهديدات الأمريكية للعراق صحيحة ولم تكن تهديداتها للتخويف وبالتالي فان الدول العربية ربما يكون مصيرها نفس مصير العراق فالعالم العربي إلي حد كبير يعتمد علي الولايات المتحدة وينقسم في اعتماده عليها إلى ثلاث مجموعات .
المجموعة الأولي : تعتمد علي الولايات المتحدة في حماية أمنها وفق اتفاقيات معروفة ومعلنة .
اامجموعة الثانية : تعتمد علي الولايات المتحدة بدرجة اقل تتمثل في الحصول علي ق در من المساعدات الاقتصادية وبعض المساعدات العسكرية .
المجموعة الثالثة : لا تعتمد عليها أصلا في الناحيتين العسكرية أو الاقتصادية .
أما عن آليات المواجهة العربية ، فقد بدأ النظام العربي تكييف نفسه مع ما حدث في العراق فالنظام العربي تعرض للمرة الأولي للفعل المباشر للقوة الأولى في العالم عام 2003 من قبل الولايات المتحدة وهي التي تقوم بغزو دولة عربية لها وضعها الإقليمي والنفطي والاستراتيجي ولها ثقل عربي بحجم العراق وهو فعل غير مسبوق للولايات المتحدة فاتبع النظام العربي سياسة رد الفعل وقام مجلس الجامعة العربية بالاعتراف بمجلس الحكم الانتقالي "اعترافا مؤقتا " وهي صيغة جديدة ابتدعتها الجامعة لتعيين مندوب عن العراق عينته سلطة الاحتلال .
• العدوان الإسرائيلي علي لبنان 2006
هي العمليات القتالية التي بدأت في 12 تموز يوليو 2006 بين قوات من حزب ا لله اللبناني وقوات جيش الدفاع الإسرائيلي والتي استمرت 34 يوما في مناطق مختلفة من لبنان، خاصة في المناطق الجنوبية والشرقية وفي العاصمة بيروت، وفي شمالي إسرائيل، في مناطق الجليل، و الكرمل ومرج ابن عامر، و كان موقف النظام العالمي توافقي حيث لا توجد قوي موازية لقوة الولايات المتحدة وإسرائيل بينما كان النظام العربي منقسم إلي حد القول انه لا يوجد نظام عربي أصلا فلم يدع إلى قيام قمة طارئة رغم خطورة العدوان الإسرائيلي علي لبنان.
كما بادرت الدول العربية بالاعتراض علي المقاومة من قبل بيان ذكره مسئول سعودي رسمي وطالبت فيه بالتفريق بين المقاومة المشروعة والمغامرات غير المحسوبة التي تقومها عناصر داخل الدولة دون الرجوع إلى السلطة الشرعية في دولتها ، وانقسم النظام العربي وقتها إلى ثلاث جبهات :
الجبهة الأولى : تعارض المقاومة ويعتبرها عبث والعاب خطيرة وهي (مصر- السعودية – الكويت -الأردن –العراق ).
الجبهة الثانية : تؤيد المقاومة وهي (سوريا - لبنان- اليمن ).
الجبهة الثالثة : تؤيد المقاومة ولكنها كانت تري انه لابد من الرجوع والتنسيق مع السلطة الشرعية في الدولة وهي (المغرب- السودان – ليبيا) وبالتالي كان هناك اختلاف حول تأييد أو معارضة المقاومة اللبنانية فلم تعقد قمة طارئة لبحث العدوان واختلف الموقف الجماهيري الشعبي من العدوان الإسرائيلي علي لبنان عن الموقف العربي الرسمي.، وبالنسبة لآليات المواجهة العربية لم تكن هناك آلية واضحة رسمية في مواجهة العدو الإسرائيلي.
• موقف النظام العربي من العدوان الإسرائيلي على غزة
كان النظام العربي الرسمي بطيئا في رأي البعض، فلم يتخذ من الإجراءات الفورية ما من شأنه أن يوقف العدوان، وقد زادت أحداث غزة من الشرخ الذي كان موجودا قبلا، ولم يبد متماسكا أمام ما يحد ث ، وبدا الموقف الرسمي العربي من الحرب على غزة كأنه إعادة للمشهد العربي أثناء العدوان الإسرائيلي على لبنان صيف 2006 ، مع التأكيد على تراجع جديد في مضمون المواقف العربية، ومن المتصور أن يكون لهذه العملية العسكرية الإسرائيلية تداعياتا على حالة الاستقطاب العربية–العربية وحركة الأطراف الإقليمية المؤثرة .
وقد شهدت الأحداث المصاحبة للعدوان الإسرائيلي على غزة مزيدا من الانقسام العربي تجلى في العجز عن عقد قمة عربية طارئة والاكتفاء بانعقاد مجلس وزراء الخارجية العرب بعد شد وجذب، والذي اكتفى بدوره بإحالة القضية برمتها إلى مجلس الأمن الذي فشل في اتخاذ قرار في المسألة .
ووصل المشهد المأساوي إلى ذروته عندما عقدت ثلاث قمم عربية متزامنة يقود كل منها معسكر عربي منفصل عن الأخر ، حيث عقدت قمة الرياض الطارئة يوم الخميس الموافق 15يناير 2009 بحضور 6 دول من مجلس التعاون الخليجي رغم أنه كانت هناك قمة خليجية__ دورية قد عقدت لهذه الدول يوم 29 ديسمبر وبالتزامن مع بداية العدوان على غزة ، و اكتفت القمة الخليجية الدورية -التي انعقدت في مسقط– بإدانة غطرسة القوة التي تمارسها إسرائيل، ودعا القادة المجتمعون الرئيس الأمريكي المنتخب "باراك أوباما" إلى العمل من أجل حل مستقبلي لأزمة الشرق الأوسط .
وهكذا تمحور الموقف الخليجي ما بين إدانة إسرائيل ومناشدة حليفتها الكبرى بالتدخل لوقف عدوانها في تجاهل مستغرب للعلاقة الوثيقة بينهما، والتي تتعدى التنسيق إلى التحالف الإستراتيجي الكامل، بينما لم تسفر القمة الطارئة في الرياض عن شيء .
وبعد قمة الرياض الطارئة عقدت قمة الدوحة في اليوم التالي مباشرة بمشاركة 12 دولة عربية فقط إضافة إلى إيران وتركيا ، واختتمت بقرارات ربما يكون أه مها القرارين اللذين دعت فيهما القمة إلى "تعليق مبادرة السلام العربية" ووقف كل أشكال العلاقات مع "إسرائيل". و قرار إنشاء صندوق لإعادة إعمار غزة ، ما عدا ذلك من قرارات لم تتعدى الإدانة والشجب ، حيث لم تنص قرارات قمة الدوحة على دعم المقاومة الفلسطينية ولا على إدانة مواقف الدول الداعمة دون حدود للعدوان"الإسرائيلي". وخاصة الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية وغيرها ،
ويوم الاثنين الموافق 19 يناير 2009 عقدت قمة الكويت الاقتصادية بمشاركة كل الدول العربية وحضور عدد كبير من رؤساء الدول ، وخرجت ببيان ختامي أقرت فيه الالتزام بتقديم مختلف أنواع الدعم لإعادة إعمار قطاع غزة لكن دون الاتفاق على صندوق وآلية مشتركة لهذه الغاية .
وهكذا لم تخرج القمم الثلاث بما يشفي جراح الآلاف من أبناء غزة ، وما يهدئ من الرأي العام العربي الساخط على تلك الأوضاع والذي استمر في حالة احتجاج وتظاهر دائم طوال فترة العدوان ، بينما استمرت حكوماته وفضائياته وصحفه في حالة انقسام وتفسخ وتراشق بالاتهامات والتبرؤ من المسؤولية التاريخية عما حدث .
ولكن تلك الأحداث الجسام أكدت بما لا يدع مجالا للشك وجود شرخ هائل للعلاقات العربية على المستوى الرسمي ، وضعف لا محدود في مواجهة المتغيرات العالمية ، وقلة حيلة في مقابل التكتلات العالمية ، وقد أسهمت كل هذه الظروف في دخول لاعبين آخرين على الخط ، و انكشفت بالتدريج أبعاد وملامح جديدة في المشهدين العربي والإقليمي اللذين يشكلان الإطار الأوسع لفهم النتائج والتداعيات السياسية المترتبة على هذا العدوان الإسرائيلي الجديد ، ويكشف تحليل مواقف الأطراف العربية، الفردية والجمعية، ومواقف القوى الإقليمية ، عن تراجع واضح لكل من المحورين، المعتدل والراديكالي، والإعلان عن دور تركي جديد سيكون أكثر تأثيرا في الشرق الأوسط قريبا، وسوف نستعرض فيما يلي مواقف تفصيلية لبعض الدول العربية من الأزمة حتي يتسنى لنا التعرف على ممارسات المشهد الإقليمي بعد أحداث غزة:
1. جمهورية مصر العربية
تعد مصر أهم لاعب عربي في مجريات الأحداث في غزة، لسببين ، الأول أنها هي التي تتصدر دور الوساطة بين "حماس" وإسرائيل، فهي التي رعت اتفاق التهدئة بين الطرفين قبل ستة شهور، ونشطت من أجل تجديدها، كما انها الراعية للحوار الفلسطيني-الفلسطيني، والسبب الثاني هو أن مصر تسيطر على المعبر البري الوحيد الذي يعد رئة قطاع غزة، والنافذة الوحيد له إلى العالم الخارجي، وهو معبر رفح.
ومنذ بدء الغارات الإسرائيلية تعرضت مصر لحملة هجوم غير مبررة من أطراف سياسية فلسطينية وعربية، وتركزت الحملة على محورين هما زيارة وزيرة الخارجية الإسرائيلية للقاهرة قبل الحرب بيومين ، وامتناع مصر عن فتح المعبر ، ورغم ذلك فأن مصر هي التي استطاعت في النهاية بتحركاتها الدبلوماسية أن تسهم بفاعلية في إيقاف الحرب على غزة ، كما أن موقفها من المعبر كان له وجاهته ومنطقيته ، إذ أن فتح المعبر يرسخ لانفصال الضفة عن غزة وهذا ما تريده إسرائيل .
وقد صدر عن مصر تصريح في اليوم الثاني للعدوان رفضت من خلاله هذا العدوان ودعت إسرائيل إلى وقف ما تمارسه في القطاع، وقد أدانت في اليوم الثامن التوغل البري، واعتبرته تحد واضح لجهود السلام التي تبذل. كما سمح بفتح معبر رفح إلا إذا كان الإغلاق ضرور يا لأسباب الحرب، واستقبلت مصر عددا كبيرا من الجرحى الفلسطينيين قاربوا إل 500 جريح ، وأدخل دول عديدة المساعدات الإنسانية إلى القطاع عن طريق المعبر المشترك مع مصر .
ولا ننسي أهمية الطرح الذي قدمته مصر في بداية العدوان وهي المبادرة المصرية والتي تطرح حلا وتسوية للعدوان بين كل من فلسطين -خاصة فصائل المقاومة وحماس تحديد ا- وبين إسرائيل ووقف العدوان بوساطة مصرية تركية إلا أن تلك المبادرة تعرضت للهجوم من قبل بعض الدول وعلي رأسها إيران التي جيشت المشاعر العربية ضد الموقف المصري من إصرار الحكومة المصرية من عدم الاستجابة للرأي العام العربي من فتح معبر رفح للفلسطينيين وامام مصر بالتواطؤ مع إسرائيل ومساعدتها في العدوان علي غزة من خلال صفحات الصحافة الإيرانية وكذلك شاشات تليفزيونها .
وفي اليوم الثاني والعشرون دعت القاهرة لقمة في شرم الشيخ، لتثبيت وقف إطلاق النار حضرها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، والمستشارة الألمانية ميركل، والرئيس التركي عبد الله جول، رئيس الوزراء البريطاني براون. والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني.
2. المملكة العربية السعودية
مع أن السعودية أدانت الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة، وبادر عاهلها الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى الاتصال بالرئيس الأمريكي جورج بوش، مطالباً "أن تتحمل الدول الكبرى مسؤوليتها من أجل وقف الهجوم الإسرائيلي،" إلا أن موقف المملكة - بنظر مراقبين - لا يرقى إلى مواقفها السابقة تجاه القضية الفلسطينية. وفسر هؤلاء المراقبين هذا التغيير بقيادة السعودية لما يسمى "محور الاعتدال" في المنطقة.
ورغم أن السعودية رحبت في البداية بعقد قمة عربية "للبحث بتداعيات العدوا ن"، فإن وزير خارجيتها الأمير سعود الفيصل عاد لاحقاً وصرح بأنه "لا جدوى من حضور قمة بيانات عربية لا تتوفر لها شروط النجاح والتأثير." وتوج الموقف السعودي بتوجيه وزير الخارجية انتقاداً مبطناً لحركة "حما س"، وذلك حين حمل الانقسام الفلسطيني مسؤولية ما يجري في غزة، قائلا عقب اجتماع وزراء الخارجية العرب بالقاهرة"إن هذه المجزرة الرهيبة ما كانت لتقع لو كان الشعب الفلسطيني يقف موحداً خلف قيادة واحدة."
3. المملكة الأردنية
رغم أن الأردن إحدى الدول المحسوبة على محور الاعتدال، فإن مراقبين ومحللين لاحظوا في موقفه من التعاطي والهجوم الحالي على قطاع غزة، ابتعاداً عن موقفه السابق في الحرب الإسرائيلية على لبنان في صيف 2006 . وقد ساير الموقف الرسمي الموقف الشعبي الغاضب على إسرائيل، فاستدعت وزارة الخارجية القائم بأعمال سفارة إسرائيل، وقدمت له "احتجاجا شديد اللهجة." وأكد العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، أن "العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة يجب أن يتوقف فوراً." بل إن رئيس الوزراء السابق نادر الذهبي ألمح في لقاء مع النواب إلى إمكانية اتخاذ بلاده إجراءات دبلوماسية ضد إسرائيل، قائلا إن حكومته "في ضوء ما يجري في المنطقة وحفاظاً على مصالحها العليا تحتفظ بحقها في التعامل مع الخيارات كافة، بما فيها إعادة النظر في العلاقات مع كل دول المنطقة، بما فيها إسرائيل."
4. دولة قطر
كانت دولة قطر من أوائل الدول العربية التي سارعت إلى التنديد بالهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة، والدعوة إلى عقد قمة عربية طارئة. كما كانت من أوائل الدول التي أرسلت طائرات محملة بالمساعدات لفلسطيني غزة، عبر مطار العريش المصري، إلا أنها لم تقترب في موقفه ا من الولايات المتحدة الداعم الأكبر لإسرائيل رغم وجود أكبر قاعدة أمريكية في المنطقة بقطر .
5. الجمهورية السورية
يكمن الثقل السوري فيما يخص الأحداث الجارية في غزة، في أنها تستضيف على أراضيها القيادات السياسية للفصائل الفلسطينية المعارضة، وخصوصاً قيادة حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، التي تسيطر على القطاع، وتتصدر مقاومة الهجمات الإسرائيلي ة. كما أن سوريا قائدة ما يسمى بمحور الممانعة المناهض للسياسات الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة .
وأدانت سوريا، ما أسمتها "الجريمة الآثمة"، وطالبت "بوقف العدوان فوراً ، وفتح كافة المعابر." ونظراً إلى انها تترأس القمة العربية في دورتها السابقة، فقد شاركت سوريا الموقف القطري الداعي إلى عقد قمة عربية طارئة "لبحث الوضع الخطير في غزة." كما أعلنت عن "تعليق المفاوضات غير المباشرة بينها وبين إسرائيل، احتجاجاً على العملية العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة ،إلا أن موقف سوريا أيضا تلخص في المقاومة " الكلامية " دون فعل شيء ملموس يعضد موقف المقاومة .
6. الجماهيرية الليبية
ليبيا هي العضو العربي في مجلس الأمن الدولي حالياً، لذا فإنها تمثل الواجهة لتحركات النظام الرسمي العربي في إطار مجلس الأمن. ولهذا، فقد سارعت إلى تقديم مشروع قرار - نيابة عن المجموعة العربية - يطالب بالوقف الفوري للأعمال العسكرية الإسرائيلية على غزة وإزاء الحصار، إلا أن المشروع أجهضته الدول الغربية، وخصوصاً الولايات المتحدة. ثم تقدمت ليبيا بمشروع بيان آخر لمجلس الأمن،كما سارعت ليبيا بتلبية الدعوة القطرية إلى عقد قمة عربية طارئة.
بعد تلك المقارنة بين النظام العربي منذ أول أزماته في حرب 1948 وحتى الآن كانت المواقف متشابهة في حالات كثيرة مثلا تشابهت مواقف النظام العربي الرسمية مع ماحدث من احتلال أمريكي للعراق وكذلك ما حدث في العدوان الإسرائيلي الأخير علي لبنان حرب صيف 2006 فقد كان تحرك النظام العربي بطيئا ومتخاذلا إزاء تلك الأزمات وكان لايرقي إلى مستوي التأثير أو القدرة علي التأثير وبالتالي شلل وتوقف تام لتأثير قرارات جامعة الدول العربية كذلك بالنظر إلى تلك الأحداث والأزمات التي ذكر ناها نري إن تلك الأزمات لم تعقد لها قمم عربية طارئة علي الرغم من أن بروتوكول الجامعة يجيز حالة عقد قمم عربية في حالة "حدوث مستجدات " ونجد أن الخبرات الماضية تتيح لنا معرفة انه تم عقد قمم عربية في حالات كثيرة لا ترقي إلى مستوي الاعتداء علي دولة واحتلالها مث ل الاحتلال الأمريكي للعراق أو العدوان الإسرائيلي علي لبنان أو حتي ماحدث مؤخرا من العدوان الإسرائيلي الغاشم علي غزة فتلك الأحداث لم يري النظام العربية ما يستدعي قيام قمة عربية طارئة لبحث المشكلات وبعد أن يتدارك النظام العربي الموقف يدعو إلى عقد قمة تأتي قرا راتها غير ملزمة وفاقدة للتأثير وتذهب مثل الريح كما أن قرارات الجامعة أصبحت استهلاك للوقت والورق فقط دون ادني خروج تلك القرارات الورقية إلى النور أو إلى حيز التنفيذ .
والأخطر من ذلك أصبح النظام العربي يتمتع بسلوك "رد الفعل " أي أن النظام العربي أصبح مشاهد ومراقب جيد لما يحدث من اعتداءات أخيرة علي النظام العربي وافتقد مجلس الدفاع العربي أهميته في التأثير أو حماية دوله أي ينتظر بعد وقوع الأزمة أو العدوان ثم يبدأ بالرد حيث اختفت قيمة " المبادرة " وقتلها النظام العربي بسلبيته وعدم تأثيره في مجريات السياسة العالمية أو حتي الدفاع عن نفسه وبالتالي فالدول العربية انتظرت حتي مر بضعة أيام من العدوان الإسرائيلي حتي تفكر في عقد قمة وتقديم مبادرات للتسوية.
الفرع الثاني: كيفية تفاعل الاطراف الدولية والاقليمية مع العدوان .
1.الولايات المتحدة الأمريكية
لم تغير الولايات المتحدة في موقفها إزاء أحداث غزة عن موقفها التقليدي الداعم لإسرائيل. فمنذ البداية حملت "حماس" المسؤولية، واعتبرت الهجوم الإسرائيلي "دفاعاً عن النفس ،" الأمر الذي دفع منظمة العفو الدولية إلى إرسال خطاب للرئيس بوش ت ته م فيه الولايات المتحدة "باتخاذ موقف غير متوازن" من الهجوم الإسرائيلي. وحالت الولايات المتحدة مرتين دون إصدار قرار من مجلس الأمن يطالب بوقف فوري للأعمال العسكرية في قطاع غز ة. ففي المرة الأولى وصف السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة، زلماي خليل زاد، مشروع القرار الذي تقدمت به ليبيا بأنه "غير مقبو ل"، في حين أن نائب زاد، أليخاندرو وولف، قال بخصوص المشروع الليبي الثاني إن "الولايات المتحدة تسعى لهدنة دائمة في غزة، وهذا يعني لا للمزيد من الهجمات الصاروخية،" مضيفاً أن "حق إسرائيل في الدفاع عن النفس غير قابل للتفاوض ، بينما اكتفت في المرة الثالثة التي صدر فيها القرار 1860 بالامتناع عن التصويت ، ولا ننسى أن كل تصريحات بوش ووزيرة خارجيته كانت تركز على نقد حماس وتحميلها مسئولية الهجوم ، كذلك الرئيس الأمريكي المنتخب وقتها باراك أوباما ركز في مطالبته بوقف إطلاق النار على نقد موقف حماس دون الالتفات لمجازر إسرائيل .
2.الاتحاد الأوروبي
اتسم موقف الاتحاد الأوربي بالارتباك والافتقار إلى موقف موحد، ولاسيما في الأيام الأولى للهجوم الإسرائيلي. وكان لافتاً تراجع رئاسة الاتحاد ا لأوروبي التشيكية عن موقف سابق اعتبرت فيه الهجوم الإسرائيلي "دفاعياً"، قائلة إنه "لا يحق لأي دولة، حتى في إطار حقها في الدفاع عن النفس، أن تقوم بأعمال تطال المدنيين بشكل واسع." وقد اتضح الموقف الأوروبي بعد العملية البرية، إذ طالب إسرائيل بوقف عمليتها العسكرية، كما طالب "حما س" بوقف إطلاق الصواريخ ، إلا أن دول الاتحاد الأوروبي لم تصوت على قرار مجلس حقوق الإنسان بإدانة إسرائيل بينما صوتت على قرار مجلس الأمن 1860 بالموافقة .
وبخصوص أهم الدول النافذة في الاتحاد، أي دول الترويكا الأوربية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا)، فبينما اتهم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي حركة حماس "بإنتهاء التهدئة واستئناف إطلاق الصواريخ على إسرائيل"، و حملها المسؤولية ، دعا وزير خارجيته، برنار كوشنير، إلى "وقف دائم للأعمال العدائية يتم الالتزام به من الطرفين، مع توفير ممرات آمنة للأغراض الإنسانية،" وطرح هدنة إنسانية مدتها 48 ساعة.
وفي إثر الهجوم البري الإسرائيلي، أكدت الخارجية الفرنسية أنها "تدين الهجوم البري الإسرائيلي على غزة، كما تدين استمرار إطلاق الصواريخ." أما ألمانيا، فكانت أكثر تحيزاً للموقف الإسرائيل ي. فقد أيدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وقفاً لإطلاق النار في أسرع وقت، ولكن على أن يضمن "أمن إسرائيل في الأمد الطويل"، وشددت على ضرورة "وضع حد لإطلاق صواريخ حماس وتهريب الأسلحة إلى قطاع غز ة."
من جهته، طالب رئيس الوزراء البريطاني، جوردن براون، بوقف فوري لإطلاق النار في غزة، مشدداً على "ضرورة أن تصل المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، بالتزامن مع التأكيد لإسرائيل أنها لن تتعرض لإطلاق الصواريخ."
3.تركيا
يمكن القول إن الموقف الأبرز في أحداث غزة كان التركي، إذ وجهت الحكومة التركية انتقاداً شديد اللهجة لإسرائيل، إلى حد أن رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، وصف الهجوم الإسرائيلي بأنه "إساءة لن ا". ويأتي ذلك لاستقبال أنقرة لرئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت قبل يوم واحد من بدء العملية الإسرائيلية، ولم يخطر المسئول الإسرائيلي الأتراك بالعملية، بل إن أردوغان عرض على أولمرت التوسط مع "حماس" من أجل التوصل إلى هدئة جديدة .
وتعبيراً عن الغضب التركي من السلوك الإسرائيلي، أعلن " أردوجان " أنه من الآن فصاعداً ليس هناك جدوى من القيام بمساع دبلوماسية مع إسرائيل من أجل السلا م." و حمل بشكل واضح المسؤولية لإسرائيل عن وصول الوضع إلى ما هو عليه الآن، لأنها الطرف الذي لم يلتزم بالتهدئة، ولأنها رفضت عرضاً تركياً للوساطة ومع هذا الموقف المتقدم " لأرد وجان " ، رافقه موقف شع بي متفاعل بشدة مع الهم الفلسطيني في تركيا،ووحد كل القوميات والمذاهب في تركيا خل ف موقفه ، ووجد هذا ذروته في المظاهرات المليونية للأتراك، وهتا فهم (الموت لإسرائي ل(، ودعوة بعض المتظاهرين إلى إرسال الجيش التركي للدفاع عن غزة، مثلما جرى مع القبارصة الأتراك، عندما أرسلت تركيا جيشها لحماي ته م من الانقلابيين اليونان الذين كانو ا يرتكبون مجازر بح قه م كالتي تجري في غزة، وكان ذروة هذه الأحداث مهاجمة الجماهير التركية لفريق كرة سلة صهيوني كان في تركيا، وتخليصه من قبل الشرطة بشق الأنفس .
4.إيران
نظراً إلى انطواء إيران تحت ما يسمى ب "محور الممانعة" في المنطقة، واصطفافها المعروف إلى جانب فصائل المقاومة الفلسطينية، فقد أدانت الهجوم الإسرائيلي على قطاع غز ة. ووجه وزير ا لخارجية " منوشهر متقي " انتقاداً للمجتمع الدولي الذي "لم يفعل الكثير لمواجهة حملة القتل الإسرائيلية على قطاع غزة،" ودعا إلى الوقف الفوري لإطلاق النار، وإنهاء الحصار الإسرائيلي ، كما حضر الرئيس الإيراني أحمدي نجاد قمة الدوحة التي شاركت فيها 12 دولة عربية لبحث الأوضاع في غزة .
ولكن إيران مع ذلك لم تقدم مساعدة ملموسة للفلسطينيين في غزة واكتفت بالخطب النارية والحماسية والعزف على أوتار الانقسام العربي ومهاجمة بعض الدول ومنها مصر والمملكة العربية السعودية وانتقاد مواقفها ، ومما يدلل على أن الموقف الإيراني لم يرتقي لدرجة الفعل أن إيران أعلنت في اليوم الذي سبق العدوان أنها سترسل سفينة محملة بالمساعدات لأهل غزة، رغم أنه كان هناك متسع لإرسال هذه السفينة في وقت مبكر وربما يكون سبب ذلك أن إيران أرادت أن تحصد كسبا إعلاميا دون أن تضطر إلى الدخول في نزاع حقيقي مع إسرائيل إذا ما وصلت السفينة إلى شواطئ غزة.
المبحث الثالث: محدودية الاطار السياسي العربي
إن اتجاهات السياسة الدولية في القرن الحادي والعشرين تعتمد بشكل اساسي على التكتلات السياسية والاقتصادية التي تقوم بانشائها الدول ذات المصالح المشتركة والجغرافية الواحدة ، كما هو واضح في اوربا «اليورو» وفي اسيا «الاسيان» وغيرها من التكتلات الاقتصادية والعسكرية.
الجامعة العربية كمشروع قام بهدف دفع العمل العربي المشترك منذ خمسينيات القرن الماضي، الا ان الفلسفة التي انبنى عليها هذا المشروع آنذاك ارتكزت على روابط الدم واللغة والثقافة كمرتكزات رئىسية، بينما جعلت التعاون الاقتصادي والمصالح الاستراتيجية بمختلف انواعها الأمنية والعسكرية وغيرها كأهداف ثانوية ، بدليل ضعف الاستثمار العربي داخل البلدان العربية رغم ان الاجواء مهيئة لذلك ، واتجاه رأس المال العربي نحو اوربا وامريكا ، وعلى المستوي الامني لم تشهد هذه الجامعة حتي الآن اجتماع وزراء الدفاع العربي رغم الحاجة الماسة لذلك في اكثر من مناسبة ، بينما نشهد اتفاقيات دفاع مشترك بين دول عربية ودولة غربية، وهو ما يستدعي ضرورة معرفة اسباب هذا الضعف؟، على الرغم من الامكانيات الهائلة التي يملكها هذا التكتل العربي، حيث فرط بثواتبه الوطنية والشرعية على حساب البقاء.
الفرع الاول:النظام العربي الاقليمي ... الضعف البنيوي.
تاريخيا بدأ النظام العربي يغوص في الهم الفلسطيني منذ نكبة 1948، وحتى اليوم هناك تشابك عضوى بين حال النظام العربي الرسمي وحال القضية الفلسطينية، فلا يتصور وجود النظام العربي كهيكلية وتفاعلات وتحالفات وانكسارات متتالية بدون القضية الفلسطينية، وعلى الرغم من الضعف الشديد الذي ضرب النظام الرسمي العربي ، وحالة التفكك والتباعد بين أجزائه ، إلاّ أن هذا النظام عمل جاهدا على الحفاظ على بقائه واستمراريته، على الأقل أمام العالم الخارجي وأمام شعوبهم. وحاول المحور ( المصري، السعودي، السوري) قيادة هذا النظام إلى حفظ تماسكه على الأقل عند المستوى الأدنى، الذي يمنع ظهور حالة التفكك إلى العلن، وتحوُّل النظام إلى جزء من التراث.
وهو ما يستدعي تناول طبيعة النظام العربي والظروف التاريخية والإكراهات الواقعية التي ولد فيها وتحرك في إطارها ، وشكلت الشروط العملية المحددة لطبيعة حركته وقدراته الذاتية ، والتي يمكن كذلك أن تفسر لنا كثيرا من مواقفه وسلوكه . وبالتالي يمكن الوصول من خلال ذلك إلى استنتاج فيما إذا كان هذا النظام قادرا على البقاء أم أنه آيل إلى الزوال .
1. من "الاستقطاب" إلى "الأزمة"
أنشئت الجامعة العربية برعاية بريطانية، من أجل ضمان استمرارية واستقرار النظم الجديدة في هذه الدول، حرصا على حمايتها من أخطار قيام نظم راديكالية معادية للغرب ، وقد وضع ميثاق الجامعة بطريقة تتلاءم مع طبيعة الظروف والأهداف التي أنشئت من أجلها بحيث تكون هذه المؤسسة قائمة فعلا .
ومنذ تأسيس الجامعة العربية ، بدأت حالة الاستقطاب بين الدول الأعضاء ، وشكلت كل من الأردن والعراق – في البداية – محورا [ هاشميا ] يسعى إلى الهيمنة على النظام مقابل المحور المصري السعودي . إلاّ أنه مع ظهور شخصية عبد الناصر على الساحة العربية ، تحولت محاور الاستقطاب لتشهد تنافسا شديدا بين الأنظمة القومية المتحالفة مع الاتحاد السوفيتي [ سابقا ] وبين ما سمي بالدول المحافظة ذات الطابع الملكي أو الوراثي ، وقد هيمنت شخصية عبد الناصر ذات الكارزما الشعبية الكبيرة على الجامعة العربية ،وبالتالي تمتعت مصر في هذه الفترة بقيادة النظام العربي إلى حين وفاة عبد الناصر والفترات الأولى من حكم السادات .
وشكل عام 1978 نقطة تحول، إذ استطاعت العراق أن تقوم بدور فاعل في قيادة النظام العربي بدلا من مصر، التي خرجت من الصف العربي عمليا على أثر اجتماع بغداد [ في نفس العام ] الذي رفض معاهدة كامب ديفيد وقرر مقاطعة مصر مع إسرائيل ، ولم يشهد النظام العربي في الثمانينات تحديات تذكر سوى التضامن العربي مع العراق ضد إيران ، ونجاح الجهود الأردنية في نهاية الثمانينات بالعودة بمصر إلى الجامعة العربية ، الأمر الذي ترافق مع عودة الطموح المصري بقيادة النظام العربي .
لكن نهاية الثمانينات وبداية التسعينات بدأت إرهاصات مرحلة جديدة ترافقت مع انهيار الاتحاد السوفيتي، وتفكك المنظومة الشيوعية، وزوال حالة الاستقطاب العالمية. فألقت هذه المتغيرات ظلالها على النظام العربي ، والذي وجد نفسه أمام مشروع أمريكي متحفز لإعادة صياغة المنطقة، من خلال إعادة تعريف المصالح الأمريكية ومصادر التهديد ، وشكلت حرب الخليج الثانية مفتاح التدخل الأمريكي الفعلي في هذه المنطقة، كما أظهرت عدم قدرة النظام العربي وعجزه عن التفاعل مع المتغيرات الجديدة .
مثّلت قمة القاهرة عام 1990 نقطة تحول أخرى في النظام العربي ، وقد شهدت القمة حالة من الاستقطاب الشديد بين الدول العربية المؤيدة للتدخل الأمريكي والغربي والدول الرافضة ، بيد ان الأمر حسم مع نهاية الحرب العراقية ، وانتصار دول التحالف ، وكل هذا وذاك كان يشكل بداية عملية لإجراء صياغة استراتيجية جديدة للمنطقة . غابت مؤسسة القمة العربية ستة أعوام ، بعد " الشرخ الكبير " الذي أحدثته حرب الخليج ، وشكل المحور " المصري ، السعودي ، السوري " محاولة جديدة لإعادة الروح للنظام العربي من خلال هذه القيادة الثلاثية المشتركة ، وشهدت نهاية التسعينات وبداية القرن الجديد غياب زعماء لهم حضورهم ودورهم في النظام العربي ، وظهور جيل جديد من الزعماء يحمل تصورات ومفاهيم جديدة في السياسة والحكم .
وجدير بالقول: أن حرب الخليج الثانية لم تكن فقط نقطة تحول في العلاقات العربية – العربية، وإنما شكلت خطا نهائيا لمرحلة الحرب الباردة التي ولد معها النظام العربي الحالي وتكيّف بسلوكه مع مفاهيمها ومقتضياتها ، وبالتالي وجد نفسه مع نهاية تلك الحقبة في "أزمة" حقيقية بين تجديد ذاته من خلال إصلاحات بنيوية حقيقية تتلاءم مع المتغيرات الكبرى، وإما الاستقالة. بيد لا هذا ولا ذاك حصل ، وإنما استمر النظام العربي محافظا على هيكله الرسمي وصورته الخارجية في الوقت الذي كان يشهد فيه تمزقا داخليا، يلغي كل معنى فعلي لوجود هذا النظام وبقاؤه .
لم تكن حرب الخليج الثانية سوى انعكاس جانبي لحجم التغير في النظام العالمي ، بل ولكثير من النظريات والمعطيات السياسية السابقة ، فلم تعد كثير من المفاهيم السياسية التي حكمت سلوك النظام العربي سابقا قائمة. ولم يقف سؤال الشرعية عند حدود النظام الإقليمي العربي ، بل مسّ جوهر النظم القطرية القائمة ، وبدت معالم الضعف والهزل تصيب هذه النظم مع ظهور عجزها أمام التدخل الخارجي ، وفقدانها كل عناصر الممانعة والمقاومة، وكثيرا ما أريق "ماء حيائها" على عتبة البيت الأبيض إلى درجة ربط بها وزير الخارجية القطري العلاقات العربية مع الولايات المتحدة بعامل "التوسل". كما ظهرت هذه الأنظمة عاجزة امام الخطر الاسرائيلي الذي طالما استمدت شرعيتها من حجة مقاومته ، ناهيك عن ظهور فشل هذه الأنظمة في إدارة شؤون الحكم والتنمية ، وظهور قضية الفساد السياسي بشكل فاضح ، ولم يبق من حجج الشرعية التي تتمسك بها هذه الأنظمة سوى شرعية " العصا والجزرة " ومنطق الغلبة على المستوى الداخلي ، أما على المستوى الخارجي استمدت مشروعيتها من مصلحة الولايات المتحدة بدعمها لعدم قيام نظم راديكالية بديلة ذات صبغة أصولية معادية للغرب ، إذ اتجه الفكر السياسي الأمريكي بعد حقبة الحرب الباردة إلى اعتبار الحركات الإسلامية أبرز مصادر التهديد للوجود للمصالح الأمريكية .
2.أحداث أيلول : من " الأزمة " إلى الانهيار
أدت أحداث أيلول إلى تعميق أزمة النظام العربي برمته ، والأنظمة القطرية المشكلة له ، وتمثل جوهر الأزمة بما يطلق عليه " أزمة الشرعية المزدوجة " ؛ إذ أنّ هذه الدول قد فقدت كل مبررات الشرعية على المستوى الداخلي، فلم تبق لا شرعية دينية شكلية ( حالة الأردن ، السعودية ، المغرب ) ولا شرعية تاريخية مرتبطة بالأحلام القومية والصراع العربي – الإسرائيلي ( حالة الأسد الأب وعرفات )، ولا شرعية الإنجاز الاقتصادي والتنمية ( فشل جميع الدول العربية )، ولم تكن بالطبع تمتلك أية شرعية شعبية / قانونية.
في ذات الوقت الذي فقدت هذه الدول شرعيتها على المستوى الخارجي من خلال ما سمي بدرس أيلول الأمريكي، والذي عبر عنه مارتن إنديك وغيره من المحللين والقادة الأمريكان ، إذ يقول إنديك " إنّ خطأ واشنطن الوحيد في الشرق الأوسط هو دعم نظم فشلت على نحو مستمر في تلبية الاحتياجات الأساسية لشعوبها، إن هذه النظم فضَّلت التعامل مع مشكلة حرية التعبير عن الرأي السياسي في بلدانها عن طريق توجيه المعارضة ضدنا"، فهذه الرؤية الأمريكية باتت تنظر إلى أن دعم الولايات المتحدة للأنظمة العربية القمعية في المرحلة السابقة كان خطأ كبيراً دفعت واشنطن ثمنه في الحادي عشر من سبتمبر، وفي هجوم الحركات الجهادية على مصالحها في أنحاء العالم. إذ أنّ الدول العربية التي تمتاز بظروف من التهميش الاقتصادي والاضطهاد السياسي هي الحاضنة للإرهاب، كما أنها من الدول الهشة التي لا تمتلك أية شرعية سياسية قانونية وتؤدي لذلك إلى تفريخ الإرهابيين .
ووفقا لرؤية وتفسير المحافطين الجدد فإن أحداث سبتمبر هي نتيجة للصراع المحتدم بين الأنظمة العربية المستبدة الفاسدة وبين شعوبها ، وقد أصبح هذا الصراع قضية أمريكية بعد أن تحوّل الإحباط لدى الشباب العربي الذي فشلت أنظمته في تعليمه وتوظيفه إلى غضب مضغوط ما لبث أن تفجّر .
وانطلاقا من التفسير السابق فإن التوجه الجديد للولايات المتحدة في الشرق الأوسط قام على النقيض من سياستها في الحرب الباردة ، والتي كانت تقوم على الحفاظ على الوضع الراهن ، فالفلسفة أو الرؤية أصبحت تقوم على أن الولايات المتحدة نفسها ستعمل على التغيير السياسي والاقتصادي والثقافي في الشرق الأوسط، وقد تجلَّت هذه الرؤية في مبادرة الشراكة الشرق أوسطية التي أطلقها وزير الخارجية كولن باول ، ثم في مشروع الشرق الأوسط الكبير ، الذي يرفع شعار الإصلاح أمام النظم العربية . فوجدت نفسها أمام استحقاقات كبيرة ، وقد زاد من سوء وضع هذه النظم وأزمتها عاملان أساسيان :
الأول / التطور الكبير في دور مؤسسات الإعلام والمجتمع المدني وتقلص دور السلطة وهيمنتها على الحياة السياسية والاقتصادية والرمزية ، الأمر الذي اعبتره عدد من المنظرين العالميين الكبار انتهاء عصر الدولة القومية ( التي تشكلت على أثر معاهدة وستفاليا عام 1668 ) بل وتغير في مفهوم الدولة ذاته ، وبالتالي زاد الوعي الشعبي العربي ، واتسعت مساحة الحرية والتعبير - من خلال الشبكات والاتصالات والمؤسسات الجديدة – ولم تستطع حتى أكثر الدول انغلاقا ممانعة هذه الموجة الجديدة ، وفقدت كثير من النظم القطرية العربية كثيرا من قدراتها في التأثير على الرأي العام وتججيم قوته ودوره ، واضطرت للسماح للمؤسسات غير الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني بممارسة دور كبير بضغط من الخارج والداخل ، الأمر الذي يعني منطقيا تقليص أهمية مؤسسات السلطة وخطورتها .
الثاني / حكومات الليكود الإسرائيلية ، خاصة حكومة شارون ، والذي مارس أقصى درجات الاستفزاز للشارع العربي ، وقام بمذابح ، وتحدى العالم العربي والإسلامي بقتله للفلسطينيين بدم بارد ، وبمباركة أمريكية ضمنية ، وفي موازاة حالة عجز تام من قبل هذه الأنظمة التي طالما تبجحت بالقضية الفلسطينية ، لتظهر هذه الأنظمة - على ضوء المشهد الفلسطيني – أمام شعوبها أنظمة ضعيفة عاجزة بائسة غير قادرة حتى على القيام بمهمة " التوسل " - التي نظر لها وزير الخارجية القطري – من الولايات المتحدة الأمريكية . ومثلت الانتفاضة خطرا على الحكومات العربية بمقدار ما شكلت تهديدا للكيان الاسرائيلي .
ثم جاءت الحرب العراقية ، والتي مثلت على أكثر من مستوى ضربة قاصمة للنظام الرسمي العربي بشقيه الإقليمي والقطري ؛ فدرس العراق قد استوعبته الشعوب العربية جيدا ، فظهر عجز النظام العربي عن اتخاذ أي موقف إيجابي أم سلبي ضد العدوان الأمريكي في الوقت الذي وقفت فيه كل من فرنسا وألمانيا موقفا صلبا ، واستطاعت فرنسا منع إصدار قرار من المنظمة الدولية يعطي الشرعية للعدوان . وخرجت المظاهرات والمسيرات في كل العالم منددة بالعدوان ، بينما خاف الحكام العرب من السماح لشعوبهم بالتظاهر .
إن القراءة السابقة للنظام الرسمي العربي تبين بشكل كبير أن هذا النظام قد فقد كل مقوماته وشروط بقائه فقد عجز عن حماية نفسه وشعوبه من الاختراق الخارجي ، وعجز عن إدارة شؤون الحياة السياسية والاقتصادية ، فتتسبب بوضع كارثي لهذه الشعوب ، كما أنّ المؤسسة الأمنية التي كان يتمسك بها حفاظا على مصالح النخب الحاكمة ، قد فقدت كثيرا من هيبتها مع سقوط بغداد . ومما لا شك فيه أن أزمة الجامعة العربية مرتبطة عضويا بأزمة النظم العربية المشكلة لها .
لم تعد هناك مصادر تهديد توحد النظم العربية سوى الشعوب ، ولم تعد هناك مصلحة مشتركة لها سوى البقاء من خلال الاندماج في المشروع الأمريكي في المنطقة ، وبالتالي هناك احتمالان :
الأول / انهيار النظام العربي ، وأفوله ، وتغير سمات الأنظمة الحالية ، وانهيار جامعة الدول العربية ، وهذا الأمر هو محصلة طبيعية لانتهاء الأسباب والشروط التي كانت تقف خلف النظام العربي الرسمي القديم بشقيه الإقليمي والقطري . ولعل هذه النتيجة هي ذاتها التي وصلت إليها توقعات وكالة المخابرات الأمريكية من خلال مراكز الدراسات التابعة لها ، والتي تقوم بوضع مقاربات لاستراتيجيات بعيدة المدى ، فقد وضع عدد من الخبراء الأمريكيون المتخصصون في شؤون الشرق الأوسط مشروعا يستشرفون فيه طبيعة المرحلة القادمة منذ الآن إلى عام 2020 . وقد وصل الخبراء إلى أن الشرق الأوسط سيشهد تغيرا سياسيا كبيرا في طبيعة النظم السياسية إما أن يأخذ هذا التغير طابعا سلميا وإما أن يأخذ طابعا ثوريا ؛ فالفجوة بين الحكام والمحكومين في هذه المنطقة تتسع بشكل كبير ، بسبب السخط الشعبي من عجز وفساد الأنظمة ، وبسبب الدور المتزايد لوسائل الإعلام في تقوية دعائم الرأي العام ودوره ، إلاّ أن المشروع يرفض التكهن بطبيعة التغيرات الجدية واتجاهاتها .
الثاني / التحاق النظام العربي واندماجه بالمشروع الأمريكي ، سعيا من النخب الحاكمة الحالية على مصالحها المرتبطة ببقاء هذا النظام .
الفرع الثاني: فقدان ادوات الضغط والثوابت الوطنية.
أ. المبادرات ومشاريع التسوية:
منذ اندلاع الصراع العربي الاسرائيلي، ظهرت عدة مبادرات ترمي لحل النزاع القائم، وعلى الرغم من فشلها جميعها ، الا انه من الضروري تسليط الضوء على اهم مبادرات ومشاريع التسوية التي قدمت للطريفين العربي والاسرائيلي .
• مشروع خالد الحسن 1982 :
قدَّم خالد الحسن عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، ورئيس لجنة العلاقات الخارجية في المجلس الوطني الفلسطيني في عام 1982 مشروعاً سماه أفكاراً للنقاش لحل النـزاع، حيث دعا إلى انسحاب الكيان الإسرائيلي من الأراضي المحتلة سنة 1967، وإقامة الدولة الفلسطينية على تلك الأراضي، وأن تكون أحكام الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة هي المرجع القانوني.
واقترب الحسن بطرحه هذا كثيراً من المشروعات العربية التي رفضتها منظمة التحرير دائماً وبإصرار هذه المشروعات التي تعترف ضمناً ب"إسرائيل" وتقبل ما اغتصبته من أرض سنة 1948.
كان طرح الحسن (الذي ظهر وكأنه مشروعه الخاص) يعكس حالة النقاش الدائرة في صفوف القيادة الفلسطينية، وارتفاع أصوات التيار "الواقعي" المتراجع عن الثوابت ضمن منظمة التحرير وكان أقرب إلى بالون اختبار لجس نبض الشارع الفلسطيني والعربي وردود الفعل الدولية.
• مشروع ريغان 1982:
مثَّل الاجتياح "الإسرائيلي" للبنان، وتدميرُ معظم البنية التحتية لـ منظمة التحرير وإجبارُ نحو عشرة آلاف من مقاتليها على الخروج من لبنان في صيف 1982، مرحلةً جديدة في مسار التسوية السلمية. إذ وجدت القيادة الفلسطينية نفسها في تونس معزولة عن فلسطين، محرومة من أي قاعدة استراتيجية أو لوجستية في دول المواجهة مع "إسرائيل"، وساعد هذا الوضع على إيجاد أجواء عربية وفلسطينية جديدة تسير باتجاه متابعة منحنى التسوية الذي اختطته مصر. وأسهمت حالة العجز العربي وعدم جدية أو فاعلية برامج المقاومة والتحرير التي تُعلنها في طرح مشاريع تسوية تلقى قبولاً وتبنياً رسمياً عربياً، وتتضمن التنازل عن أرض فلسطين المحتلة عام 1948، والتعايش السلمي مع "إسرائيل" .
كان مشروع الرئيس الأمريكي رونالد ريغان الذي أعلنه عام 1982 من أوائل المشاريع التي طرحت إثر الاجتياح "الإسرائيلي" للبنان. وقد دعا إلى عدم تقسيم مدينة القدس والاتفاق على مستقبلها عن طريق المفاوضات. وتعهد بحماية أمن "إسرائيل". ويبدو أن هذا المشروع كان مقدمة لاستثمار الظروف السياسية التي نتجت عن الاجتياح الإسرائيلي للبنان، وهو لا يختلف كثيراً عن الشق الفلسطيني في اتفاقية كامب ديفيد وتم رفضه من قبل المجلس الوطني الفلسطيني.
مشروع السلام العربي (مشروع فاس) 1982:
وكان في أصله مشروعاً طرحه ولي العهد السعودي حينها الأمير فهد بن عبد العزيز، وتبناه مؤتمر القمة العربية المنعقد في مدينة فاس بالمغرب في أيلول 1982، إثر الخروج الفدائي الفلسطيني من بيروت. وقد تضمن النقاط التالية :
1. انسحاب "إسرائيل" من جميع الأراضي العربية التي احتلتها عام 1967 بما فيها القدس.
2. إزالة المستوطنات التي أقامتها "إسرائيل" في الأراضي المحتلة عام 1967.
3. ضمان حرية العبادة وممارسة الشعائر الدينية لجميع الأديان في الأماكن المقدسة.
4. تأكيد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره بقيادة منظمة التحرير وتعويض من لا يرغب بالعودة.
5. إخضاع الضفة الغربية وقطاع غزة لمرحلة انتقالية تحت إشراف الأمم المتحدة لبضعة أشهر.
6. قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
7. يضع مجلس الأمن الدولي ضمانات سلام بين جميع دول المنطقة بما فيها الدولة الفلسطينية المستقلة.
8. يقوم مجلس الأمن الدولي بضمان تنفيذ تلك المبادئ.
مثَّل مشروع فاس الخط السياسي العربي العام الذي ساد حقبة الثمانينات والذي يجمع بين الاعتراف الضمني ب"إسرائيل" وإقامة الدولة الفلسطينية على الضفة والقطاع.
مشروع بريجينيف للسلام 1982:
يمثل هذا المشروع التصور السوفييتي للتسوية. وقد طرحه الرئيس ليونيد بريجينيف في 15 أيلول 1982. وركز على حق شعب فلسطين في تقرير مصيره وإقامة دولة مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة بما فيها القدس الشرقية. وأكد على حق جميع دول المنطقة في الوجود والتطور السلميين والأمنيين، وعلى إنهاء حالة الحرب، وإحلال السلام بين الدول العربية و"إسرائيل"، وعلى إيجاد ضمانات دولية للتسوية .
رحبت منظمة التحرير والدول العربية بهذا المشروع الذي لا يختلف في جوهره عن مشروع فاس.
مشروع الكونفدرالية الأردنية - الفلسطينية 1984 - 1985:
طرح الملك حسين لدى افتتاحه الدورة السابعة عشر للمجلس الوطني الفلسطيني المنعقدة في عمَّان عام 1984 الخطوط العريضة لمبادرة أردنية - فلسطينية مشتركة مبنية على قرار 242 كأساس للتسوية، وعلى مبدأ الأرض مقابل السلام، في إطار مؤتمر دولي تحت إشراف الأمم المتحدة.
جرت مباحثات أردنية - فلسطينية مشتركة تم في ختامها إقرار الاتفاق الأردني - الفلسطيني في 11 شباط 1985، وكان من أبرز أفكاره :
1. يتم التحرك الأردني - الفلسطيني على أسس الشرعية الدولية التي تمثلها قرارات الأمم المتحدة، التي تنص على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني مع مراعاة قرارات 242 و338.
2. يجب أن تتم عملية السلام من خلال مؤتمر دولي تشارك فيه منظمة التحرير الفلسطينية.
3. الاعتراف بمبدأ الأرض مقابل السلام، وانسحاب "إسرائيل" الكامل من الأرضي المحتلة عام 1967، وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.
4. تكون العلاقة المستقبلية بين الأردن و منظمة التحرير علاقة كونفدرالية فيما إذا قامت الدولة الفلسطينية.
5. الاتفاق أنه في حالة نجاح مفاوضات الملك السعودي فهد بن عبد العزيز في واشنطن وقبول الإدارة الأمريكية بمقترحاته، أن تقوم منظمة التحرير بخطوات متقدمة نحو الاقتراح الأمريكي القاضي بالاعتراف المتبادل (مع إسرائيل).
عَكَس هذا الاتفاق تحسُّن العلاقة بين منظمة التحرير والأردن، والتي شابها التوتر الحاد معظم فترة السبعينيات. كما عكس استجابة أكثر من منظمة التحرير للتعامل مع الضغوط الدولية (الأمريكية و"الإسرائيلية" بالذات) التي تفضل التعامل مع قضية فلسطين من خلال البوابة الأردنية، فضلاً عن تراجع منظمة التحرير عن إصرارها على إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. وعلى أي حال، فلم يكتب لهذا المشروع النجاح إذ لقي معارضة فلسطينية داخلية من بعض الفصائل. وقام الملك حسين بإيقاف المشروع بعد عام واحد فقط من الاتفاق عليه.
مثلت السنوات التي تلت عام 1987 مرحلة دخول منظمة التحرير التسويات التي كانت ترفض دخولها من قبل وتعدها من المحرمات والكبائر. ولقد سارت الأنظمة العربية خطوات من التراجع والتنازل حتى وجدت نفسها في مربع التسوية الذي ذهب إليه نظام الحكم في مصر منذ أمد. وكيَّفت نفسها مع الشروط الأمريكية - الإسرائيلية للدخول في المفاوضات.
عانت منظمة التحرير خلال عامي 1986 - 1987 حالة من الاستضعاف السياسي، ومحاولات متزايدة من التهميش. غير أن اندلاع الانتفاضة الأولى أواخر عام 1987 وفَّر لها رافعة سياسية كبيرة، وكرَّس من جديد الهوية الفلسطينية.
• خارطة الطريق:
إن هذه المبادرة ليست معاهدة رسمية ، بل هي خطة عملٍ تتطلّب من السلطة الفلسطينية ومن اسرائيل القيام بأعمالٍ عدةٍ في المجالات الأمنية و الإنسانية من أجل تهدئة الأوضاع و تحسين عوامل الثقة بين الطرفين من أجل العودة إلى المفاوضات ، و تتكوّن خارطة الطريق من ثلاث مراحل رئيسة :
المرحلة الأولى : استتباب الأمن للكيان الاسرائيلي بالقضاء على من يسمونهم بـ (الإرهابيين) - المقاومة الفلسطينية - حيث تعلن السلطة الفلسطينية عدم شرعية المقاومة و تعتبر المقاومين (إرهابيين) خارجين عن القانون يجب محاربتهم و اجتثاثهم بالقوة من المجتمع الفلسطيني و القضاء عليهم كلية , وعليها كذلك أن تمنع و توقف جميع مظاهر التحريض ضد الكيان في أجهزة الإعلام و خطب المساجد و المناهج الدراسية التي ستُبدل إلى منهاجٍ جديدٍ شبيهٍ بالمنهاج الأميركي المُصمّم لمدارس العراق , و تشمل هذه المرحلة أيضاً إصلاحاتٍ جذريةٍ في جميع المؤسسات الحكومية الفلسطينية لكي تتعاون تماماً مع الكيان الاسرائيلي في جميع مجالات الأمن (أمن الكيان الاسرائيلي ) , و بعد أن تقوم السلطة الفلسطينية بجميع هذه الأعمال تقوم دولة الكيان بتقديم التسهيلات الإنسانية المعيشية للفلسطينيين و تفكيك مستوطنات ما بعد 28 أيلول 2000م و تجميد عمليات اغتصاب الأراضي و بناء المستعمرات عليها .
المرحلة الثانية : قيام دولة فلسطينية في غضون عامين أي عام 2005 م ، قابلة للاستمرار و للنمو حسب تصوّر الرئيس الأميركي جورج بوش ، وهانحن في بداية عام 2006 م ولم ترى هذه الدولة النور بعد !! .
المرحلة الثالثة : و تعتبر المرحلة النهائية للصراع الفلسطيني الاسرائيلي حيث يقوم الطرفان بالمفاوضات النهائية من أجل إحلال سلامٍ شاملٍ في المنطقة .
• المبادرة العربية 2000
هذه المبادرة في الأصل مبادرة سعودية ( مبادرة الأمير عبد الله بن عبد العزيز عندما كان ولياً للعهد ) ثم سميت بالمبادرة العربية بعد أن تبنتها قمة بيروت وهذه المبادرة لم تأخذ مجمل الحقوق الفلسطينية بعين الاعتبار بل حصرت الحقوق في الانسحاب الإسرائيلي من الضفة والقطاع إلى حدود عام 1967 م وفي الدولة الفلسطينية، ونلاحظ كذلك أن الكيان الاسرائيلي عندما رحب بهذه المبادرة لم يأخذ منها إلا جانب التطبيع والاعتراف العربي الذي سيحصل عليه، أما ما يترتب عليها من التزامات، وهو الانسحاب الكامل والاعتراف بالدولة المستقلة لم يشر إليه الترحيب اليهودي بل عندما أشار إليه ، قال إن ذلك يأتي عبر المفاوضات ، ومن أبرز بنود هذه المبادرة :-
1- إقامة علاقات كاملة بين الكيان الاسرائيلي وكل الدول العربية الأعضاء بالجامعة العربية .
2- العمل طبقاً لأسس وبنود قرارات مجلس الأمن الدولي أرقام 242، 338،425 .
3- الالتزام بالقرار 194 لمجلس الأمن خاصة فيما يتعلق بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين منذ عام 1948 م .
4- ضرورة توافر ضمانات كتابية أمريكية لنجاح المبادرة والتزام الكيان الاسرائيلي في حالة قبولها .
5- تحديد وضع القدس باعتبارها أراضي عربية احتلت صباح يوم 5 يونيو 1967م، وبهذا ينطبق عليه قرارات مجلس الأمن الداعية لانسحاب إسرائيل الكامل إلى حدود 4 يونيو 1967 م .
6- اعتبار الحدود الدولية هي الحدود التي كانت على أرض الواقع يوم 4 يونيو1967م.
7- تطبيق مبدأ الأرض مقابل السلام وهو ما جاءت به قرارات مؤتمر مدريد للسلام 1991 م .
وقد اعتبر "شيمون بيريز" وزير الخارجية الإسرائيلي المبادرة "مرنة" بشأن القدس، ومواضيع أخرى، وقال لشبكة "فرانس - 2" التلفزيونية ، الأربعاء 26-2-2002م: إن تقاسم المدينة المقدسة سوف يتضمن الإبقاء على مواقع إسرائيلية في القدس الشرقية، حيث ستبقى بعض القطاعات بين يدي إسرائيل , وأضاف أن الحلول التي تطرحها المبادرة تقوم على "تبادل أراض" بين الإسرائيليين والفلسطينيين، مع اعترافها في الوقت نفسه بأن وضع المستوطنات اليهودية يشكِّل واقعًا من الصعب جدًّا تغييره, واستبعد إجراء أي "اتصال مباشر" مع المسئولين السعوديين في الوقت الراهن,وكانت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية قد نشرت في 26-2-2002م: إن المبادرة السعودية تنطوي على أهمية كبيرة لإسرائيل، تتمثل في اعتراف 22 دولة أعضاء في الجامعة العربية بها، وإقامة علاقات كاملة معها .
ب: أدوات الضغط الفلسطينية.... المفاوضات والانتفاضة
• المفاوضات
منذ بداية المفاوضات بين الطرفين الفلسطيني ـ الإسرائيلي بدا المفاوض الفلسطيني انه عرضة للانهيار الذاتي على طاولة المفاوضات، وتقديم التنازلات اللامتناهية وذلك لأسباب كثيرة منها ضيق الخيارات المتوفرة للطرف الفلسطيني، لاستثمارها كضاغط مؤثر على الطرف الإسرائيلي، إضافة لأسباب أخرى منها ماله علاقة بعدم الاستفادة من التجارب التحررية الأخرى في المفاوضات كعلم وممارسة، التجارب الأخرى مثل الفيتنامية كثورة وتحرر ، أو الايرلندية وتجربة الحكم الذاتي .
ومع المقاومة المسلحة والانتفاضة الفلسطينية الكبرى التي اندلعت عام 1987، وبسببٍ من محاولة استثمارها قبل أن تحقق أهدافها، كان من الطبيعي جرّ الطرف الفلسطيني لمفاوضات تسوية تفتقد إلى مرجعية أممية وقرارات الشرعية الدولية في العودة وتقرير المصير، وتصب في مصلحة اليمين الإسرائيلي خاصة .
ولعل ما يجري اليوم عقب اللقاءات الثلاثية (عباس، أوباما، نتنياهو) لم يكن غريبا ، فاللقاءات لم تسفر إلا عن تغطية مشرعنة لاستمرار الاستيطان ، وتهويد القدس واستمرار الحصار لقطاع غزة ، تحت مسميات كثيرة منها تقليص عمليات البناء الاستيطاني في الضفة والقدس ، كما أن الرئيس أوباما لم ينجح من خلال هذه اللقاءات في الضغط على نتنياهو بتجميد الاستيطان ، وهذا يبرهن على مدى ضعف المفاوض الفلسطيني ممثلاً بالسلطة الفلسطينية وفريقها المفاوض، حيث قدم المفاوض الفلسطيني أولى التنازلات بعد اللقاء مع اوباما بطلب رسمي تقدمت به السلطة بتأجيل طرح تقرير القاضي الدولي غولدستون بإدانة جرائم الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، هذا الطلب الذي تجاهل أو تناسى ماتمثله هذه الجرائم في كونها جرائم دولية إنسانية، استهدفت الشعب الفلسطيني بكل مكوناته وشرائحه الاجتماعية والسياسية .
فالمتتبع للعملية السياسية في الشأن الفلسطيني يلحظ مع مرور الوقت والمماطلة الإسرائيلية لكسب الوقت وفرض الأمر الواقع تحت مسمى "وقائع مادية" أي اغتصاب الأرض؛ انحسار الخيارات أكثر فأكثر أمام المفاوض الفلسطيني، فالفلسطيني الذي دخل يوماً ما إلى مقر الأمم المتحدة حاملاً غصن السلام في يد وبندقية المقاومة والنضال في اليد الأخرى، لاسترداد حقوقه الوطنية المشروعة بات اليوم أمام خيار وحيد هو المفاوضات دون أي داعم فعلي جماهيري مقاوم يجعل منه مفاوض ضاغط متقدم .
أما الحالة التي يتسم بها المفاوض الفلسطيني هي حالة مفاوض يمارس عليه سياسة التدمير الذاتي، ذلك بسبب ما أسلفنا من انحسار الخيارات والأوراق الضاغطة، إضافة إلى أن المفاوض الفلسطيني يدخل إلى أي عملية تفاوضيـة على خلفية انعـدام موقف عربي موحد، وانقسـام عربي ـ عربي ممول لانقسام فلسـطيني ـ فلسطيني، وهو ما يتذرع به الإسرائيليون دوماُ بحجة غياب الشريك الفلسطيني، والمطلوب هنا لتدعيم دور المفاوض الفلسطيني هو وحدة وطنية فلسطينية، وإنهاء الانقسام الفلسطيني المدمر وموقف عربي موحد، وانتخابات ديمقراطية تقوم على نظام التمثيل النسبي الكامل لكافة المؤسسات الفلسطينية (مجلس وطني ـ مجلس تشريعي)، إضافة لإحياء وتفعيل هيئات منظمة التحرير الفلسطينية.
• دور الانتفاضة في برنامج التحرر الفلسطيني
مثلت الانتفاضات الفلسطينية معلماً أساسياً من معالم التحول النضالي والكفاحي لشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الاسرائيلي، والتي كانت ذروتها باندلاع الانتفاضة الفلسطينية الكبرى الأولى في ديسمبر 1987، والتي قدمت صورة حقيقية لواقع الاحتلال وإجرامه وممارساته اللاإنسانية ووفرت للقضية الفلسطينية ولأول مرة محضناً شعبياً متكاملاً وموحداً داخل فلسطين المحتلة.
وبرغم التطور الذي أصاب هذه الانتفاضة خلال مسيرته طوال السنوات الماضية متواصلة غير أن حجم الأحداث والتحولات الإقليمية والدولية تسبب بإشكالات عديدة لها ، ناهيك عن الخلاف الفلسطيني حول طبيعة التحولات المطلوبة لتحقيق أهدافها بالتحرر والاستقلال بين الاستثمار السياسي غير الناضج الذي تبنته حركة فتح وتوسيع دائرتها ودعمها بخط المقاومة المسلحة الذي تبنته حركة حماس وفرضته مع بواكير العام 1992 بانطلاقة جناحها العسكري تحت اسم " كتائب القسام".
فقد فرضت الأجندة السياسية نسقها ليتمخض عن جهود احتواء الانتفاضة انطلاق مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 بعد انهيار النظام العربي والاتحاد السوفياتي ومنظومته الاشتراكية إبان الحرب الأميركية على العراق، ثم توقيع اتفاقات أوسلو ومعاهدة وادي عربة، واللتان شكلتا اختراقاً كبيراً لصالح الاحتلال الإسرائيلي، فيما قدمتا مكاسب محدودة للجانبين الفلسطيني والأردني، وبذلك أجهضت الانتفاضة وحرف اتجاهها لتصبح ورقة رهان بيد اللاعبين السياسيين عبر مفاوضات مباشرة مع الاحتلال .
وبرغم مرور السنين على توقيع اتفاقات أوسلو وقيام سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني غير أن الشعب الفلسطيني الذي عانا تحت سلطة أوسلو واتفاقاتها مع الاحتلال ما عاناه . قرر إشعال انتفاضة ثانية كبرى كانت شرارتها المسجد الأقصى في سبتمبر 2000، لتتحول من انتفاضة الحجر إلى انتفاضة السلاح والمقاومة وخوض حروب العصابات مع الاحتلال.
ورغم التباين الكبير في ظروف الانتفاضتين غير أنهما شكلتا معا إطاراً ناظماً لطبيعة الكفاح الفلسطيني طوال العقدين الماضيين ، وأصبحت الانتفاضة سلاحاً بيد الفلسطينيين يهددون به الاحتلال، وكما أصبحت وسيلةً مهمةً لمحاصرة القوى التي تعتقد باستراتيجية خط التفاوض وعبثية خط المقاومة، كما شكلت كل منهما حاضنة مهمة لتحولات استراتيجية في عمليات المقاومة ونوعيتها وكذلك في تطوير التعاون بين الأجهزة العسكرية للفصائل الفلسطينية، وفعالياتها الميدانية، وكانتا المدخل لتطوير الوعي الفلسطيني ولإحداث التحول الاجتماعي والسياسي والفصائلي اللازم لتشكيل رافعة فلسطينية لمواجهة الاحتلال، وبينما تسببت الأولى بتكريس قيادة حركة فتح للشعب الفلسطيني عبر السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، فيما شكلت البوابة التي ولج منها التيار الإسلامي للمشاركة في قيادة العمل الوطني والكفاحي الفلسطيني ضد الاحتلال تحت اسم حركة حماس، غير أن الثانية كانت آلية ومدخلاً لتكريس تراجع حركة فتح شعبياً وسياسياً وعسكرياً، فيما كانت سبباً لتسليم حركة حماس قيادة الشعب الفلسطيني في الداخل.
إن الظروف والدوافع والإنجازات التي مثلتها الانتفاضة الأولى، اختلفت إلى حد كبير عنها في الثانية، خصوصاً في ظل توسع دائرة الخلاف الفلسطيني قبيل الثانية، فيما كانت الأولى سبباً للتفكير الجاد ببرامج الوحدة الوطنية لولا اتفاقات أوسلو التي فرقت ما جمعته الانتفاضة بين الفصائل .
ونظرا لما قام به النظام الدولي والإقليمي العربي والفلسطيني المؤمن باستراتيجية الخط التفاوضي مع إسرائيل من حصار وتشجيع للفلتان الأمني ومنع الحكومة الفلسطينية بقيادة حركة حماس من استلام زمام أمور الحكومة المختلفة وتحقيق أهدافها المعلنة بالإصلاح والبناء ومحاربة الفساد ودعم المقاومة ، فقد أعلنت حركة حماس على لسان زعيمها السيد خالد مشعل في القاهرة "بأن أمام العالم ستة شهور ( أي حتى بداية الصيف القادم 2007 ) ليتحقق الانسحاب الإسرائيلي الكامل ويعترف بالدولة الفلسطينية المستقلة على الأراضي المحتلة عام 1967، وفي حال عدم قدرته على ذلك فإن حركة حماس سوف تدعو الشعب الفلسطيني وتقوده إلى جانب حلفائها في انتفاضة ثالثة لتحقيق هذا الهدف"، وهو الأمر الذي أخذته الأوساط الإسرائيلية على محمل الجد وشرعت تفكر وتخطط لكيفية منع اندلاع هذه الانتفاضة من جهة ولكيفية مواجهتها حال اندلاعها من جهة ثانية، كما جاء هذا الإعلان من قائد حماس بين يدي الموافقة الإسرائيلية الفجائية على وقف إطلاق النار في غزة برغم إعلان الحكومة الإسرائيلية لموقف سابق برفض هذه التهدئة المقترحة من الفلسطينيين .
وبهذا نجد ان الانتفاضة شكلت ضغطا مهما في مسار احداث القضية الفلسطينية، ولعبت دورا مهماً في الحفاظ على وزن المفاوض الفلسطيني ، بحيث يمكن استنتاج ذلك من خلال المفاوضات التي كان يقوم الراحل ياسر عرفات حين كان يستخدمها كورقة ضغط مهمة يمكن بها تحويل مجرى الاحداث. وهو ما يطرح عدة تساؤلات هامة:
1. اذا كانت الانتفاضة سلاح قوي في المفاوضات، لماذا لا يستعملها المفاوض الفلسطيني؟.
2. واذا كان الخط التحرري لفلسطين هو خط تفاوضي يتماشى مع المقاومة الفلسطينية، فاين هو المفاوض الفلسطيني المقاوم؟.
3. مثلت الانتفاضة الفلسطينية عامل مهم في تحقيق التوحد في الصف الفلسطيني، فلماذا لاتكون الانتفاضة اساس للمصالحة الفلسطينية؟.
4. ألم يسهم الكفاح المسلح بدور رئيسي وحاسم، في انبعاث الحركة الوطنية المستقلة للشعب الفلسطيني، وإحياء شخصيته الوطنية. واقترنت باليقظة المتجددة للوعي الوطني الفلسطيني، والنهضة المعاصرة للثورة الفلسطينية، أين هو الكفاح المسلح من منطق المفاوض الفلسطيني؟
الفصل الثاني : التحرر الوطني والاطار السياسي في ضوء احداث غزة ( اواخر عام 2008).
بعد ان تناولنا في الفصل الاول مشهد الاطار السياسي العربي والفلسطيني، واستطعنا من خلال قراءة المشهد الاستدلال على المشاكل التي كانت تواجه المقاومة الفلسطينية خلال العدوان، وكيف كان لها اثر كبير على تحويل مجرى الاحداث. وكيف كانت الوضعية العربية بصفتها اطارا سياسيا ناظما للحراك الفلسطيني الداخلي، ومدى قدرة هذا الاطار على التأثير في منحوى احداث الانقسام الفلسطيني، الان سنحاول ربط العلاقة بالناظمة بين الاطار السياسي العربي والمشهد الفلسطيني الداخلي من خلال :
• المبحث الاول: الانقسام الفلسطيني واشكالية اعادة الاعمار في غزة.
• المبحث الثاني: فك الحصار ومشروعية المقاومة.
• المبحث الثالث : عملية السلام في ضوء المبادرة العربية.
المبحث الاول: الانقسام الفلسطيني واشكالية اعادة الاعمار في غزة.
شكلت حالة الانقسام التي شهدتها الساحة الفلسطينية، حالة من الخلط في اوراق المنطقة، ففوز حماس في انتخابات 2006، وعدم قدرتها على العمل النيابي نظرا للموقف الدولي الرافض للتعامل معها ككمثل للشعب الفلسطيني، تستمد شرعيتها من صناديق الانتخابات، وسيطرت حماس على قطاع غزة عام 2007. والحصار المفروض على غزة، ثم العدوان على غزة ، خلق نوع جديد من التحديات التي لم تمر على الشعب الفلسطيني.
فالانقسام الفلسطيني خلق اشكالية في شرعية المرجعية الفلسطينية ( منظمة التحرير الفلسطيني)، وضرورة اعادة بناءها، او ايجاد مرجعية جديدة للشعب الفلسطيني، وخلق العدوان على غزة اشكالية اعادة اعمار غزة ، بحيث اصبح النقاش الدائر في الاوساط الفلسطينية حول : من له الاحقية في اعادة الاعمار؟ وعن الية الاعمار؟ وتمويل الاعمار.
فبعد ان كانت القضية الفلسطينة تعاني من التحديات الخارجية المفروضة عليها، اصبحت تعاني الان من تحديات داخلية لم تكن في حسبان القادة الفلسطييين.
الفرع الاول : اشكالية المرجعية الوطنية الفلسطينية.
باتت الساحة الفلسطينية، بعد الانتخابات2006، عرضة لتجاذبات بين فتح وحماس في الشارع والأجهزة، وفي المجلس التشريعي، وبين مؤسستي الرئاسة في الحكومة والمنظمة، وأيضاً بين كياني المنظمة والسلطة، ولا شك أن من شأن هذه التجاذبات خلقت حالة أزمة في النظام السياسي الفلسطيني السائد. وخاصة فيما يسمى " بالمرجعية الفلسطينية"، "وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية" .
فحركتا حماس والجهاد الإسلامي اللتان لم يكونا ضمن هذا الإطار السياسي الكبير الذي جمع الفصائل الفلسطينية منذ أن شكلت منظمة التحرير الفلسطينية ، كان رأيهما متوافقا إلى حد كبير لاسيما إنهما أيضا ذوا فكر إسلامي مشترك، في ضرورة إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية. نظراً لأهمية إعادة بناء المرجعية الوطنية الفلسطينية ( منظمة التحرير الفلسطينية) كإطار جامع للشعب الفلسطيني على أسس جديدة تحيي دورها الوطني الأصيل، وتعززه وتسنده، لا سيما في ظل الشلل التام في هياكل المنظمة ومؤسساتها والاستخدام الفئوي لها بما لا ينسجم مع ميثاقها الوطني الأصيل، وعدم قدرة القوى السياسية على تفعيل توافقاتها السابقة عملياً بإعادة بناء (م ت ف) كما جرى في اتفاق القاهرة 2005 وما بعده .
ويذكر هنا ان رئاسة منظمة التحرير الفلسطيني تعاقب عليها العديد من الشخصيات، كان أبرزها أ.احمد الشقيري، وبتقديم استقالته نتيجة الضغوط العربية عليه، تم تعيين يحيى حمودة رئيسا لها، وفي دورة المجلس الوطني الخامسة تولى رئاستها الرئيس الراحل ياسر عرفات،إلى ذلك الوقت لم تكن التيارات الإسلامية مشكلة كحركتي حماس والجهاد الإسلامي.
فقد أسهمت منظمة التحرير الفلسطيني منذ انشاءها بكفاحها المسلح بدور رئيسي وحاسم، في انبعاث الحركة الوطنية المستقلة للشعب الفلسطيني، وإحياء شخصيته الوطنية. واقترنت اليقظة المتجددة للوعي الوطني الفلسطيني، والنهضة المعاصرة للثورة الفلسطينية، لكن تغيب دور منظمة التحرير بعد الشروع في المفاوضات السرية، وعقد اتفاق "أوسلو"في العام 1993، كان له اثر كبير في تفكيك الراية التي تجمع الفصائل الفلسطينية، فقد انعقد المجلس الوطني الفلسطيني في 21 دورة بمعدل دورة واحدة كل سنتين، بخلاف النظام الأساسي الذي ينص على انعقاد دورة واحدة سنوياً .
ولكن عند الاطلاع على تواريخ انعقاد الدورات نجد إن تواريخ الانعقاد أخذت تتباعد زمنياً مع مرور الوقت.
ففي السنوات العشر الأولى من عمر المجلس (1964-1973) انعقدت 11 دورة، وفي السنوات العشر الثانية (1974-1983) انعقدت خمس دورات، وفي السنوات العشر الثالثة (1984-1993) انعقدت أربع دورات، ثم لم تنعقد في السنوات الـ13 التالية (1993-2010) سوى دورتين، أي أن المجلس فَقَد فعلياً دوره التشريعي والرقابي -خصوصاً منذ اتفاقية أوسلو 1993- وجرى عزله وتهميشه عن صناعة القرار الوطني الفلسطيني .
هذا ما دفع حماس وفصائل اخرى للمطالبة بمرجعية جديدة او اعادة بناء الاطار السياسي الفلسطيني الكبير " منظمة التحرير الفلسطيني ، ولا يمكن القول بان حماس ليست جزءا من الاطار السياسي الفلسطيني، فالنظام الأساسي للمنظمة الملحق بالميثاق الوطني الفلسطيني على أن “الفلسطينيين جميعاً أعضاء طبيعيون في منظمة التحرير الفلسطينية يؤدون واجبهم في تحرير وطنهم قدر طاقاتهم وكفاءاتهم والشعب الفلسطيني هو القاعدة الكبرى لهذه المنظمة“ ، فشرعية منظمة التحرير كممثلٍّ وحيدٍ للشعب الفلسطينيّ شرعيةٌ مكتسبةٌ من كون قاعدتها ممثلة بالشعب الفلسطيني بأكمله. اي ان حماس جزء من المنظمة ايضا، لكن الاشكال الذي تطرحه حماس هو في شكل النظام الفلسطيني بوجود قوة غير قوة فتح على الساحة الداخلية الفلسطينية، والذي لم يكن مستعدا بما يكفي لوجود حماس على ساحته، اي ان التساؤل المفروض هنا هو :
إلى أي حد يعكس المجلس الوطني بصفته اطارا سياسيا للشعب الفلسطيني العدالة في التمثيل الشعبي الفلسطيني؟
تكمن هذه الإشكالية في خمسة محاور:
الأول- صعوبة وربما استحالة إجراء انتخابات حرة مباشرة لكافة أبناء الشعب الفلسطيني، وخصوصاً في البلدان التي تتعامل بحساسية شديدة مع هذا الموضوع كالأردن، أو تلك البلدان التي لا ترحب أصلاً بفكرة الانتخابات الحرة على أراضيها.
الثاني- عدم مشاركة تيارات وتنظيمات فلسطينية ذات شعبية واسعة -خصوصاً حماس- في منظمة التحرير ومجلسها الوطني، واشتراطها إعادة بناء المنظمة على أسس جديدة قبل أن توافق على المشاركة.
الثالث- عدم ظهور إرادة حقيقية جادة حتى الآن لدى قيادة منظمة التحرير لإعادة تفعيلها وفق أسس تمثيل شعبي حقيقي. ووجود قوة داخل التيار السائد في المنظمة لا تزال ترغب في الاستئثار بالسلطة واحتكار عملية صناعة القرار.
الرابع- طريقة تمثيل ومشاركة أبناء فلسطين المحتلة عام 1948، وهم يمثلون نحو 11.2% من مجموع الفلسطينيين في العالم. غير أن ظروفهم الموضوعية الخاصة واحتمالات تعامل اسرائيل معهم في مثل هذه الحالة تحتاج إلى دراسة وتمحيص.
الخامس- صعوبة عمل إحصائية دقيقة لأعداد الفلسطينيين في الخارج، وإن كان ممكنا توفير أرقام تقريبية.
وقد كان اتفاق الفصائل الفلسطينية في القاهرة منتصف مارس/آذار 2005 محطة مفصلية باتجاه تفعيل وإعادة بناء منظمة التحرير. ولكن قيادة المنظمة لم تف بتعهداتها في اتفاق القاهرة فيما يتعلق بها، ولم تتم دعوة القيادات الفلسطينية للاجتماع حول هذا الموضوع، وانقضى أكثر من عام على الاتفاق دون اتخاذ أية خطوات ملموسة على الأرض، وهو ما يوحي بعدم جدية قيادة المنظمة في تناول الموضوع .
وخلال العام 2005 كان هناك توافق فلسطيني وشبه إجماع على أن يكون عدد أعضاء المجلس الوطني في حدود 300 عضو بحيث يكون نصفهم من الضفة والقطاع والنصف الثاني من الشتات (الخارج).
غير أن فوز حماس بأغلبية كبيرة (74 مقعداً مقابل 45 لفتح) في انتخابات المجلس التشريعي في الضفة والقطاع يوم 25/1/2006، صدم التيار الرئيسي الذي يقود منظمة التحرير ويسيطر على المجلس الوطني -تيار فتح.
ومن جهة أخرى ففي معظم دورات المجلس الوطني كان تركُّز العضوية وعملية صناعة القرار بيد فلسطينيي الخارج. وفي الفترة التي تلت الاحتلال الإسرائيلي للضفة والقطاع وحتى اتفاق أوسلو (1967-1993) تقرّر أن يُضاف إلى عضوية المجلس نحو 100 من الضفة والقطاع دون التصريح بأسمائهم، وفي عام 1981 تم رفع هذا العدد إلى 180 عضواً. ولكن هؤلاء الأعضاء لم يكونوا يحتسبون في النصاب، وبالتالي ظل الداخل عملياً مستبعداً من صناعة القرار .
أما في الدورة الحادية والعشرين التي تلت اتفاق أوسلو ونشوء السلطة الفلسطينية فقد تحوّل الثقل فيها إلى الداخل، وجرت عمليات إضافة وتغيير واسعة أدت إلى تشكل مجلس جديد بلغ عدد أعضائه من الضفة والقطاع نحو 520 من أصل 787 عضواً، يمثلون 66% من أعضاء المجلس في حين لا يمثل أبناء الضفة والقطاع سوى 37.6% فقط من مجموع الشعب الفلسطيني، إذا ما احتسبت أعداد فلسطينيي الـ48، أما إذا لم تحتسب أعداد هؤلاء فإن نسبتهم ستكون بحدود 42.2% .
وقد أدى ذلك إلى اختلال كبير في بنية المجلس وإضعاف دور الخارج بشكلٍ أثار المخاوف من حصر تمثيل الفلسطينيين في الضفة والقطاع فقط، ومن احتمال الوصول إلى حلول نهائية قد تستثني اللاجئين الفلسطينيين. وعلى سبيل المثال فإن عدد أعضاء المجلس الوطني من المقيمين في الأردن هو 63 عضواً أي 8% من أعضاء المجلس، بينما يمثل فلسطينيو الأردن نحو 30% من مجمل الشعب الفلسطيني.
وتقتضي عدالة التمثيل في المجلس إعادة النظر في أحجام التيارات الفلسطينية الممثلة لفلسطينيي الخارج من خلال آلية انتخابية حرة وشفافة كلما أمكن ذلك، ما قد يؤدي إلى تغيير حقيقي في موازين القوى لصالح التيار الإسلامي الفلسطيني الذي يتمتع بقوة كبيرة في الأردن توازي قوته في الداخل الفلسطيني حسبما تشير معطيات الانتخابات النيابية والاتحادات والنقابات.
كما أن مؤشرات استطلاعين للرأي أجراهما مركز الزيتونة الأول في نوفمبر/تشرين الثاني 2005 والثاني في مايو/أيار 2006 في أوساط اللاجئين الفلسطينيين بلبنان، تُظهر أن حماس وفتح يتمتعان بثقل متقارب مع تصاعد في شعبية حماس في الاستطلاع الثاني عنه في الأول .
اذن هل المطلوب إعادة إحياء منظمة التحرير بعد أن ترهلت وتحولت إلى هيكل مفرغ، ام إن الحاجة باتت ملحة لاستبدال المنظمة بمرجعية فلسطينية جديدة بعد أن فقدت الأولى وزنها السياسي فلسطينياً ودولياً وباتت “عقبة” في وجه مشروع المقاومة؟
الفرع الثاني: الدعم العربي واشكالية اعادة الاعمار في غزة.
ان قضية إعمار قطاع غزة بعد التدمير الهائل الذي أحدثته الحرب الإسرائيلية على القطاع تعتبر صعبة و متشابكة، حيث يتقاطع عندها عناصر متعددة فالإنساني بالسياسي والاقتصادي، والمحلي بالإقليمي والدولي، هكذا بدت القضية منذ أن وضعت الحرب أوزارها وظهور حجم الدمار الهائل الذي لحق في جميع مناحي الحياة في قطاع غزة.
إن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة قد جاءت بعد حصار شديد و خانق على قطاع غزة منذ يونيو من عام 2007 مما أوصل الوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي إلي أسوأ حالاته، فالاقتصاد الفلسطيني منذ نهاية العام 2000، وهو ينتقل من سيء إلي أسوأ حتى وصل حجم الخسائر وحسب التقديرات الدولية إلي أكثر من 15 مليار دولار بنهاية العام 2005. سياسيا كذلك تأتي قضية الإعمار في ظل انقسام فلسطين حاد ألقى بظلاله علي كافة القضايا و العلاقات...فلسطينيا وعربيا .
هناك العديد من المعيقات تعترض سبيل تنفيذ مهمة الإعمار ، من هذه المعيقات:
1. معيقات تقنية (فنية)
• ضخامة المهمة:
لقد شهدت مدن قطاع غزة دمارا كبيرا، فقد تم تدمير كافة مباني الوزارات والمؤسسات المدنية والعسكرية والأمنية والشرطية، ومنازل خاصة، ومزارع ومصانع، وشوارع وسيارات ومرافق عامة وبني تحتية، كل ذلك في بقعة جغرافية محدودة نسبيا وفي مناطق ذات كثافة سكانية مرتفعة جدا (الأعلى في العالم ) وفقيرة جدا وتعاني من مشكلات عديدة أخري. قدرت الخسائر التي سببتها الحرب على قطاع غزة والي تواصلت ثلاثة أسابيع منذ 27 من ديسمبر 2008 وحتى 17 من يناير 2009 بثلاثة مليارات دولار.
• تنسيق المسارات:
إن ضخامة المهمة واتساعها، يفرض تحديد الأولويات، وهو أمر مختلف عليه، نتيجة الأبعاد المتشابكة للقضية، إنسانيا يجب أن يسكن المواطنين الذين دمرت منازلهم فورا، وفنيا هناك العديد من الإجراءات والخطوات اللازمة. كذلك علي صعيد تنسيق المسارات هناك تباين الأرقام واختلافها في تقدير حجم الخسائر بسبب اختلاف مناهج التقييم المتبعة.
• عدم كفاية التمويل واستمراره:
هناك تخوف كبير من قضية توفير التمويل اللازم والكافي وفي الوقت المناسب فالتجربة السابقة، للدول المانحة تشير دوما إلي فجوة كبيرة بين الالتزام والتنفيذ في التمويل ناهيك عن عدم وضوح حجم التمويل المطلوب للإعمار والذي سيتم رصده واعتماده من قبل المانحين والمجتمع الدولي والعربي.
2 المعيقات السياسية :
o المعابر :
فرضت إسرائيل إغلاقا كاملا على المعابر الستة التي تربط قطاع غزة بالعالم الخارجي ومن بينها معبر رفح الذي يربط قطاع غزة بجمهورية مصر العربية والذي ينظمه اتفاق المعابر و الحركة AMA و الذي وقع في أكتوبر 2005 بين خمس جهات هي : السلطة الفلسطينية، إسرائيل، الولايات المتحدة، مصر، الاتحاد الأوروبي. يعتمد قطاع غزة بشكل كامل على إسرائيل في استيراد كل ما يلزم. لذا فإن فتح المعابر جميعها وبشكل كامل هو الشرط الثاني الضروري لعملية إعادة الإعمار التي تحتاج لمواد البناء وكل متطلبات الإعمار.
o المصالحة والوضع السياسي :
بات واضحا أن المجتمع الدولي لن يغير من موقفه المعلن بعدم التعامل مع حكومة حماس في غزة. هذا الموقف اتخذه المجتمع الدولي بعد فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية في يناير 2006 و تشكيلها حكومة. كذلك يدرك المجتمع الدولي أن السلطة الفلسطينية المتواجدة في الضفة الغربية فقط لن تتمكن من تنفيذ أي مشاريع إعمار في قطاع غزة بسب عدم وجودها هناك بعد الحسم على أيدي حركة حماس في الاقتتال الداخلي الذي شهده قطاع غزة خلال عامي 2006 -2007 و الذي انتهى بسيطرة حماس على مقاليد الأمور في قطاع غزة في 14 يونيو 2007. لذا فمن الصعب أن تبدأ عملية إعمار غزة في ظل هذا الانقسام الحاد في الوضع الفلسطيني، وعليه فان المصالحة الوطنية تمثل شرطا ضروريا لبدء عملية إعادة الإعمار التي ينتظرها على سبيل المثال و ليس الحصر أكثر من خمسة آلاف عائلة دون مأوى بعد دمرت منازلها كليا وخمسة عشر ألف عائلة دمرت بيوتها جزئيا و آلاف الأطفال الذين فقدوا معيليهم و مئات المزارعين الذين تضررت مزارعهم وحوالي 600 صاحب مصنع دمرت كليا.
من هنا فإن قضية إعمار قطاع غزة يجب التعامل معها كمشروع وطني تنموي يشمل ليس الترميم الإسكاني و الاقتصادي فقط بل يجب أن يتعداه ليشمل الترميم السياسي و الوطني لكل ما سببه الانقسام و الاقتتال الداخلي و الانفصال الجغرافي و الوجداني الذي حدث بسبب الانقسام الذي جعل حركة حماس التي تحكم قطاع غزة بشكل كامل منذ يونيو 2007 و السلطة الفلسطينية التي تحكم الضفة الغربية. إن إعادة إعمار ما دمرته الحرب يجب أن تأتي في إطار جديد وفلسفة جديدة شاملة، تجب معها كل ما خلفه العدوان و الحصار و الانقسام و تأتي بكل ما هو جديد على المستوى الوطني و الاجتماعي و السياسي و العلاقات الداخلية الفلسطينية. مستلهمة تجارب الإعمار السابقة والمهمات التي كان يجب أن تنفذ مسبقا ولم يتحقق ذلك، إضافة لمعالجة أوجه التشوه والخسائر التي مني بها الاقتصاد الفلسطيني خلال السنوات السابقة.
المبحث الثاني: فك الحصار ومشروعية المقاومة.
الفرع الاول: مشروعية المقاومة.
اجتازت المقاومة الفلسطينية داخل الأراضي المحتلة وخارجها بين الاعوام 1948 و2010 مراحل عدة تاريخية وسياسية وميدانية، بحيث ظهرت وكأنها تتجه بالضفة الغربية وقطاع غزة نحو ثورة شعبية حقيقية، بدأت بالتظاهرات التي شملت فيما بعد كافة المناطق المحتلة طولاً وعرضًا، ودخلت الشوارع والأحياء والأزقة، مثلما اجتاحت المدن والقرى والمخيمات، وضمت كافة قطاعات السكان، صغارًا وكبارًا، رجالاً ونساءً، مسلمين ومسيحيين، وباتت ثورة شاملة ضد الاحتلال.
وعلى صعيد المواجهة الميدانية، وفي الوقت الذي تراجع فيه الزخم الجماهيري نسبيًّا، مقابل تطور ونمو الأعمال الفردية، ارتفع معدل الهجوم بزجاجات المولوتوف الحارقة، والاشتباكات التكتيكية وأعمال الحرائق، التي مثلت محاولة تكتيكية للضغط على سلطات الاحتلال، وتخفيف حدة هجماتها.
ونجحت المقاومة الفلسطينية بشقيها، المدني والمسلح، في تحقيق جملة من الأهداف على مختلف الأصعدة، أهمها :
1- تحولها إلى جزء من الذاكرة التاريخية الجماعية للشعب الفلسطيني، فلن يسجلها التاريخ تجربة فاشلة أو هزيمة، لأن الفلسطينيين بعد نكبة عام 1948 نفضوا عن أنفسهم مفهوم "الضحية" .
2- عبرت المقاومة عن فهم عميق لمتطلبات كل مرحلة نضالية بعينها، فامتنع آلاف العمال عن الذهاب لأعمالهم في مصانع الاحتلال، مما ترك أثره المباشر على اقتصاده، وعبرت الدعوة للعصيان المدني والإضراب الشامل ومقاطعة منتجاته عن أساليب جديدة في مسار النضال الوطني لتحقيق الاستقلال.
3- شكلت المقاومة صدمة عنيفة للكيان الإسرائيلي الذي لم يتوقع أن يتحرك الفلسطينيون ضده، بعد أن وجه كل اهتمامه وجهده لسحقهم، وبالتالي أعادت للشعب الفلسطيني ثقته بنفسه وبقدرته على مواجهة الاحتلال، وخلقت حاجزًا نفسيًّا بين الفلسطينيين ومحتليهم، بعد أن كادت سنون من الاحتلال تقضي عليه، وتستبدل به التعايش الطبيعي غير المقبول، بين الجاني والضحية، كما شكلت محضنًا وطنيًّا لجيل المقاومة الذي خاض غمار مختلف مراحلها.
4- أفرزت المقاومة، مجموعات عسكرية منظمة تطورت لتشكل أذرعًا عسكرية ضاربة، أسهمت مساهمة كبيرة في تغيير تاريخ المنطقة وصياغته من جديد، وعززت بشكل كبير مشروع المقاومة على كافة الأصعدة، وأبرزته خيارا أساسيا ورئيسا أمام الشعب الفلسطيني، وفتحت أبوابًا عديدة لأشكال مختلفة من العمل المقاوم انخرطت فيها شرائح مختلفة من الشعب الفلسطيني .
5- حركت المقاومة، الشارعين العربي والإسلامي بشكل غير مسبوق، وبعثت فيهما الروح والحياة من جديد، فاستعادت القضية عمقها، وظهرت بوادر تململ واسعة من المواقف الرسمية تحت ضغط المواقف الشعبية، بحيث أعادت الاعتبار للبعد القومي تجاه القضية الفلسطينية، ورفعت السقف السياسي لجماهير الشعب وقواه، وترسخ الهدف: لا أقل من تحرير الأرض وإنهاء الاحتلال.
نجحت المقاومة الفلسطينية خلال العقود الستة الماضية في تحقيق عدد من الإنجازات على صعيد الجمع بين ما كان يعرف على أنه "متناقضات" أو "تعارضات" مختلقة، من خلال :
أ- أمست أساليب المقاومة، لاسيما المسلحة منها، شكلاً جماهيريًّا، ليس مقتصرًا على أفراد المنظمات الفدائية، بفضل تشكيل القوات الضاربة التي نقلته من نطاق التنظيم الواحد إلى مختلف التنظيمات الموجودة في ساحة المقاومة، إضافة لانخراط عدد لا بأس به من الجماهير غير المنظمة في صفوفها، من خلال استخدامها لأدوات الحجر، المقلاع، السكين.
ب- الربط بين طابعي المقاومة، السري والعلني، بين الزخم الجماهيري في المظاهرات الهجومية، وأعمال المقاومة السرية العنيفة، بين الاعتصام والتوقف عن العمل، واللقاءات السرية ذات الطابع التخطيطي، بين اللقاءات السياسية المسموح بها نسبيًّا، وإعداد نداءات المقاومة.
ت- الجمع بين عمليتي الهدم والبناء، الفك والتركيب، ضرب ركائز الاحتلال ومحاولة تدميرها، وعملية العمران القائمة على قدم وساق في الأرض المحتلة، وبناء الاقتصاد الوطني وتعزيز مواقع وهيكلية سلطة الشعب، كما تبين أن العصيان المدني شكل من أشكال المقاومة المهمة في حال تكامله مع أشكالها الأخرى، خصوصًا المسلحة منها، وفي حال توفير المقومات المادية الضرورية لنجاحه، التنظيمية والاقتصادية والتعبوية.
ث- أكدت يوميات المقاومة في عقودها الستة، أن أفق العمل المسلح المرافق للمقاومة الشعبية السلمية، ينبغي أن يكون مفتوحًا دائمًا، لكونه الوحيد الذي يكلف الاحتلال، من الناحية البشرية، ومع أن الاعتبارات الاقتصادية والإعلامية مهمة، لكنها ليست حاسمة في هزيمة مشروع الاحتلال، وبالتالي ينبغي ألا تطغى على العامل الحاسم المتمثل بضربه في خاصرته البشرية الرخوة، ولذلك ينبغي تمتين التكتيكات المسلحة وتطويرها.
ج- المزج بين الشعارين المطلبي والسياسي، مع أولوية السياسي، بحيث ارتبط بين إدامة المقاومة واستمراريتها، وبين توزيع الحمل النضالي وثقله، على المدن والمخيمات والقرى والأحياء، بحيث لا تتحمل منطقة أعباء إضافية، ترهق كاهلها.
ح- المزج بين المقاومتين السلمية والمسلحة في آن واحد، وتكاملهما مع بعضهما، والجمع بين الفعل المسلح الكلاسيكي، والنضال الجماهيري، وعلى هذا الصعيد بالذات، أثبتت المقاومة قدرة في ابتكار مختلف أسلحة المواجهة، البدائية منها كالحجر والسكين والحرائق، والأسلحة النارية واستخدام الكمائن المسلحة، واستهداف المواقع العسكرية والمستوطنين، واتفقت المقاومتان، السلمية والمسلحة، على قواسم مشتركة عديدة أهمها:
1- انخراط الجماهير في المقاومة، بشكليها معًا، بما يستدعي وجود حالة من الانضباط والنظام، والسعي لإشاعة أجواء الثقة في نفوس الجماهير المنضوية في إطارهما.
2- احتاجتا لتشكيل الأجهزة واللجان المرتبطة بهما: الإعلامية، السياسية، الاجتماعية، التحريضية، وتطلبتا المرونة العالية في أساليب المواجهة، وعدم حصرها في جبهة محددة، بحيث تصبح مساحة الأرض المحتلة كلها، ساحة للمواجهة مع الاحتلال.
3- نجحتا في ضرب مرتكزات سلطة الاحتلال، أيًّا كان شكلها، التنظيمية والإدارية والسياسية، فضلاً عن إضعاف وتحطيم معنويات جنوده، من خلال تحقيق انتصارات هنا وهناك، وبشكل يومي وشبه يومي، لتعزيز روح المقاومة، وشل فعالية أجهزة الاحتلال.
• نقاط الضعف في المقاومة الفلسطينية
شهدت بعض مراحل الثورة الفلسطينية موجات من التراجع النسبي، ولم يكن ذلك نتيجة الممارسات العسكرية الإسرائيلية فحسب، بل هناك عوامل ذاتية أسهمت في إضعاف المقاومة، إلى جانب مظاهر خلل وقصور في التنظيمات العاملة، ومن أبرزها :
أ- عدم توحُّد القوى الفدائية: بالرغم من اتفاقها على مبدأ تحرير فلسطين من الاحتلال، والاتفاق على وسيلة تحقيقه عبر الكفاح المسلح باعتباره طريقا وحيدة للتحرير، إلا أنها اختلفت فيما بينها، بسبب وجود تناقضات سياسية بينها، مما أدى إلى التنافس السلبي، وطغيان الذاتية المريضة بين المنظمات، وولادة الكثير من الخلافات، وإفساح المجال لمحاولات الدس والتفريق، والتسبب في النفور والشقاق بين القوى المقاومة.
كما سيطرت الذاتية على التنظيمات، وبدأت تبحث عن مواقع أقوى داخل الساحة الفلسطينية، مما قاد إلى ضعف المواجهة مع الأعداء، وأدى فشل مساعي الوحدة بين التنظيمات إلى عدم تبادل الخبرات والتجارب والمعلومات في جميع المجالات، ووقوع الثوار في أخطاء سبق لرفاقهم أن وقعوا فيها.
ب- الضعف الأيديولوجي والسياسي: فقد أدى هذا "الفقر الفكري" إلى بطء شديد في نمو كوادر مسلحة بأفق أيديولوجي واسع، وبمراس كفاحي مكثف، مما يعني أن ضربات العدو وحملات الاعتقال والاغتيال أفقدت التنظيمات عناصر قيادية، دون قدرتها على إيجاد البديل المناسب سريعًا، مما يؤدي إلى ضعف تدريجي في القيادة حتى يؤول الأمر لأشخاص عاديين لا يصلحون لتولي المهمة.
وركز المقاومون على العمل الفدائي العسكري دون الاهتمام بالعمل السياسي، مما أفقد المقاومة الكثير من فاعليتها، ونتج ذلك عن قصور في الوعي والإدراك لجوانب العمل المقاوم، ولو وُجدت فرصة للتوعية السياسية فإنها كانت تنحرف باتجاه الشحن الانفعالي والأيديولوجي ضد تيارات سياسية منافسة في الثورة الفلسطينية، ونالت التوعية السياسية باتجاه المعركة مع العدو أصغر نصيب من الاهتمام.
وهو ما أدى بدوره إلى فقدان الفدائي للرؤية الحقيقية للوقائع، والقدرة على التحليل، وبعد النظر، وتبني الخط السياسي والعسكري الصحيح؛ لضمان تحقيق الانتصارات، وتجنب الهزائم، بل أخذ يتحرك بمغامرة وانفعال عفوي، ويتعامل مع الأحداث بردود الفعل، مما ساهم في زيادة الأخطاء، وأكثر من احتمالات التعرض لخطر الاعتقال أو الاغتيال.
ج- ضعف الاهتمام بالجماهير: قام الأهالي بمساعدة الفدائيين في الأراضي المحتلة، وحمايتهم، وإخفاء أسلحتهم، وتوفير المأوى والطعام والشراب لهم، وإعطائهم الإشارة بوجود الجيش الإسرائيلي، وفي المقابل لم تكن درجة اهتمام الفدائيين بهم في المستوى المطلوب.
صحيح أن تفجُّر الثورة أدى إلى التفاف الجماهير حولها، لكنها هي من طوّرت الثورة، ودعمتها وأمدتها بالفدائيين والأموال والتموين والسلاح، والثورة الناجحة هي التي تستفيد من الجماهير بتسليحها وتنظيمها وتشجيعها على النقد، وبذلك تصبح "ثورة الجماهير"، مما يحميها ويحرسها ويطوّرها، أما إذا نظر الفدائيون إلى الجماهير بازدراء وتعالٍ وغرور، واعتبروها قطعانًا تساق بلا وعي ولا إرادة، وأنها مغفلة يمكن خداعها بسهولة، ونعتها بالجهل والغوغائية والطفولية والعاطفية، فإن ذلك يعني انفصال الجماهير عنهم، وعدم قدرتهم على الاستمرار طويلاً.
د- التهويل الإعلامي: لجأت إسرائيل إلى الحرب النفسية، وتجنيد العملاء، وأجهزة الإعلام، وكل الطاقات والمؤهلات لتحطيم معنويات المقاومين، وتمزيق وحدة الشعب ونشر البلبلة، وازدادت خطورتها عندما انتشرت بين الفدائيين بعض الأمراض الخطيرة التي استغلها العدو كالثرثرة التي تؤدي إلى التباهي والاستعراض، مما أدى إلى إفشاء أسرار الثورة، وأصبح من السهل على المندسين ومروجي الشائعات القيام بمهمتهم، ومما أفقد الجماهير الثقة بإعلام المقاومة، ولجوء بعض التنظيمات إلى التهويل والتضخيم، وأن النصر أصبح على الأبواب، والإشعار بالاطمئنان المبالغ فيه بقوة الثورة، ومناعتها أمام هجمات العدو.
وأدى التهويل والتضخيم إلى التعارض والاختلاف بين تنظيمات الأرض المحتلة، وأصبح أكثر من تنظيم يتبنى عملية واحدة، مما أدى إلى المزيد من الاختلافات بينها، وتحولت العملية الواحدة إلى سباق مرير للادعاء والمفاخرة.
ومن أمثلة التهويل إعلان التنظيمات عن القيام بعمليات أدت إلى "إبادة جميع أفراد الدورية"، و"مقتل وجرح جميع من في الآلية"، و"تدمير الآلية وقتل جميع ركابها"، و"تدمير الآلية وقتل من فيها، وعند وصول النجدة تم نسف العربات بألغام مزروعة"، و"قيام الكمين باشتباك أدى إلى قتل وجرح عشرات الجنود، وعودة الفدائيين لقاعدتهم سالمين".
• ايجابيات المقاومة:
1- ألغت المقاومة، من القاموس الإسرائيلي مصطلح "الحدود الآمنة"، حيث وقف جيش الاحتلال عاجزًا أمام ابتكارات المقاومين، مما دفع بقادته لأن يعلنوا عدم امتلاكهم حلولاً سحرية لقمعها، ونجحت في فرض المعاناة المباشرة على الإسرائيليين نتيجة سياسات حكوماتهم المتعاقبة.
2- بينت أن اختلال موازين القوى لصالح المحتل، لم يحقق له الحل الذي أراد، على العكس، فقد فاقمت من أزمة نظامه السياسي، وأقنعت الأحزاب الحاكمة طوال ستة عقود بأن سياستها القائمة على الضم والإلحاق وأرض "إسرائيل" الكاملة اصطدمت بعقبات جدية، برغم تبنيها لشعار الأمن أولاً! وعدم التفاوض في ظل العنف!
3- كشفت المقاومة حقيقة الكيان الإسرائيلي، وساعدت في تعرية أسطورة "الجيش الذي لا يقهر"، كالتعليقات التي راجت على ألسنة كبار المحللين العسكريين، حيث تناولت الصحف على صدور صفحاتها الأولى، وفي التحليلات والمقالات والافتتاحيات، يوميات وعمليات المقاومة بمختلف أشكالها، وأجمعت على تميزها بـ"جرأة مذهلة" و"ثقة ذاتية لدى نواة المقاتلين".
4- عكست المقاومة، حالة تدهور الوضع الأمني للكيان، خاصة الجرأة المتزايدة للمقاومين، مما أشار إلى تخطيط واستعداد لمواجهة مباشرة مع قوات الأمن، بعد أن لوحظ تغير في أساليب عمل خلاياها، التي أصبحت توجه مجهوداتها ضد قوات الاحتلال، ولا يرتدعون عن خوض صدامات مباشرة معها، وبات واضحًا أن هذه العمليات سبقتها نشاطات استخبارية وتخطيط وجمع معلومات.
5- شهدت المقاومة خلال مختلف مراحلها وفي جميع جبهاتها، في الداخل والخارج، صراعًا داميًّا مع جيش الاحتلال، واشتد الصراع من الناحيتين الكمية والنوعية، حيث استمات المقاومون في الصدام، على اعتبار أن موتهم سيزيد حدة المواجهة، ولم تكن سوى مجموعات مسلحة لا يزيد عدد أفراد الواحدة منها عن أصابع اليد، تنطلق للاصطياد ولديها سلاح، مصدره الأساسي من جيش الاحتلال!
6- أوصلت المحتل إلى اقتناع جاء على لسان أحدهم بقوله: "حظي أعداؤنا بنجاح عسكري، ولاشك أن هذا النجاح سيثير شهيتهم لإحراز نجاحات جديدة، لقد ولدت الحرب الاحتلال، والاحتلال ولد المقاومة، والمقاومة ولدت الخطوات الوقائية والقيود والاعتقالات والتحقيقات، ومقابلها الردود، والردود على الردود، وحسابات الدم متواصلة، وأحلام الانتقام، وما نضج مجددًا هو روح الكراهية المتبادلة، وولدت الانتفاضة والمقاومة الواسعة".
الفرع الثاني : الموقف المصري تجاه قطاع غزة وفتح معبر رفح.
لو ان مصر واسرائيل في حالة عداء، هل يمكن لقطاع غزة ان يبقى محاصرا، هذه الفرضية اثارت جدلا واسعاً بعد حصار غزة، فقد بدأ الحصار منذ مارس 2006م وظل مستمراً حتى الآن، ولكنه أخذ في التفاقم منذ يونيو 2007م، بعد تولي حماس مقاليد الحكم في غزة. فمصر الان تواجه موقفاً حرجاً في ظل انسداد الأفق أمام الفلسطينيين لتلقي الخدمات الحيوية والمساعدات الإنسانية الأساسية.
وبالرغم من ذلك فهي لم تقم بفتح معبر رفح، فهي ترى أن عليها التعامل وفق التزاماتها الدولية العامة من جهة، ووفق التزامها بالتسوية السياسية، خصوصاً قيود اتفاقيات كامب ديفيد لعام 1978م، كما ترى أن اتفاقية المعابر (بما في ذلك الجزء الخاص بمعبر رفح) يمثل جزءاً من هذه الالتزامات الدولية، ولذلك فهي تسعى للوفاء بالتزاماتها هذه أمام المجتمع الدولي، علماً أن اتفاقية المعابر قد انتهت ولم تُعدّ قائمة من ناحية، كما أنها غير مقرة دستورياً في مؤسسات السلطة الفلسطينية، إضافة إلى أن مصر ليست طرفاً فيها، وبذلك فهي لا تقع ضمن التزامات مصر الدولية، ولكن مصر تساعد في تشغيلها بناءً على طلب الأطراف الموقعة عليها.
وقد ازداد الموقف المصر حرجاً بعد بدء تدفق الغاز المصري إلى إسرائيل، وهي لا تقبل بيع قطاع غزة الوقود ولا الغاز ولا الكهرباء، وذلك رغم المناشدات الإنسانية من القطاع، ولذلك أصبحت مصر بحاجة لتقديم شيء للفلسطينيين لتغطي على هذه الحالة المحرجة المستجدة. وهو ما يستدعي قراءة المحددات الموقف المصري الخاصة بفتح معبر رفح والحصار على غزة.
اولاً:محددات الموقف المصري
1- المحدد الفلسطيني
• الحرص على استمرار الدور القيادي لمنظمة التحرير، وفى الوضع الحالي تُعطي مصر أولوية لدعم محمود عباس، ولا يتضح وجود توجه لتطوير منظمة التحرير لتكون مظلّة للفصائل الفلسطينية.
• أن الدور المصري يأتي في سياق أدوار أخرى أكثر فاعلية، ولذا نلحظ تراجع الدور المصري في تسيير شؤون القضية الفلسطينية عما كان عليه سابقاً، حيث تبين أن له حدود أمام اتفاقيات كامب ديفيد، وأمام أدوار الأطراف الأخرى.
• أن مصر ليس من صالحها أن تُحدث كارثة إنسانية أو مجاعة في قطاع غزة.
• أن مصر تتجنب الدخول في مواجهة مع الفلسطينيين المتدفقين عبر الحدود، وهو ما يدعم نفوذها وأدوارها ليس فقط تجاه القضية الفلسطينية ولكن أيضاً لدى الفلسطينيين بشكل عام.
• العلاقة الخاصة التاريخية لمصر مع قطاع غزة (إدارة قطاع غزة تحت إشراف الحاكم العسكري المصري)، ولم يتغير ذلك إلاّ بالاحتلال الإسرائيلي للقطاع عام 1967م، وبالتالي فإن مصر حريصة على عدم خسارة علاقات الغزّيين المميزة مع مصر في اتخاذ موقفها إزاء إنهاء حصار القطاع وفتح المعبر.
• أن الوضع الفلسطيني الداخلي والخلافات بين حركتي حماس وفتح تلعب دوراً في تشكيل الموقف المصري، أو تشكل له إطاراً ومبرراً.
• تحاول مصر ألا تقطع الاتصالات مع أي الفصائل الفلسطينية، على الأقل على المستوى الرسمي.
• التعامل المصري مع القضية الفلسطينية يقوم على أولوية السلام مع إسرائيل، وتتعايش مع وجود مقاومة فلسطينية في الأراضي المجاورة لحدودها بحيث لا تؤدي لنشوب حرب تمتد آثارها للأراضي المصرية.
• في التعامل مع حماس تتأثر مصر بموقفها العام من الظاهرة الإسلامية، وبهذا المعنى لا ترحب بهيمنة حماس على القرار الفلسطيني، ولكنها قد تقبل بدور فاعل لحماس دون السيطرة، وذلك انطلاقاً من تخوفات تثيرها قطاعات حساسة تجاه التيارات الإسلامية بشكل عام.
2- المحدد المصري الداخلي
• أن النظام المصري ليس على استعداد للدخول في أزمات خارجية في الوقت الراهن، ويتوقف دوره تجاه قطاع غزة على حدوث تغير في التوازن الداخلي في الحزب الوطني الحاكم أو مؤسسات الحكم المنبثقة عنه لمصلحة ترجيح أولوية الأمن القومي المصري على الاعتبارات الأخرى، بغض النظر عن تغير الظروف سلماً أو حرباً.
• ثمة قلق لدى مصر يتعلق بالساحة في سيناء كمصدر من مصادر الدخل القومي للاقتصاد المصري في حال تفاقم أزمة القطاع.
• القلق المصري من إمكانية التلاقي بين جماعة الإخوان المسلمين في مصر وحركة حماس على برنامج عمل مشترك يتعلق بالشؤون الداخلية المصرية، وذلك برغم نفي التجربة العملية لمثل هذا الاحتمال، علماً بأن الحكومة المصرية تخوض مع جماعة الإخوان في مصر مواجهة إعلامية وأمنية حادة في هذه الظروف.
• تفاعل الموقف الشعبي المصري المؤيد والمتضامن مع أهل غزة، وتحذيره الحكومة من تحوله للعمل ضد سياستها، وحرص حكومة مصر على خفض هذا التأييد باستخدام وسائل الإعلام والمثقفين.
• مصر ترفض مقترحاً إسرائيلياً لإعادة القطاع للإدارة المصرية كما كان سابقاً، وتخشى مصر أن توصل تفاقمات الحالة القائمة إليه، كما تتخوف مصر من إلقاء القطاع تحت مسؤوليتها دولياً أو عبر التسوية.
• تآكل المظلة الإقليمية للدور المصري وانكماش تأثير مصر الإقليمي، رغم تزايد مصادر التوتر داخل مصر ومحيطها، بل وفي المنطقة عموماً.
3- المحدد الدولي والإسرائيلي
• احترام الالتزامات القانونية المصرية إزاء الاتفاقات الموقعة مع إسرائيل، حيث تسعى مصر لإبقاء مسؤولية إسرائيل والتزاماتها قائمة تجاه القطاع لا أن تتحملها مصر.
• مصر حريصة على ترتيب موضوع الحدود والمعبر دون استثناء أي من إسرائيل والمجتمع الدولي، لاعتبارات استراتيجية وسياسية أبعد من موضوع المعبر ترتبط بالحفاظ على استمرار الوضع القائم، وتربط حل مشكلة المعبر والحصار بحل الخلافات الفلسطينية الداخلية، وكذلك بمشاركة كل من إسرائيل والاتحاد الأوروبي في وضع التصور الجديد للمعبر، إضافة إلى ربطه بالتهدئة من قبل فصائل المقاومة.
• كانت أزمة المعبر سابقاً سبباً لزيادة توتر العلاقات المصرية- الإسرائيلية، وتخشى مصر من تزايد ذلك التوتر في ظل حدوث أي انفلات جديد على المعبر في ضوء سياساتها ومحدداتها الأخرى.
ثانيا: افاق خيارات الموقف المصري
ثمة أربعة خيارات أمام صانع القرار المصري
1- أن تقوم مصر بتقديم شكوى ضد إسرائيل لخرقها القانون الدولي واتفاقيات جنيف بحصار الشعب الفلسطيني، ودعوة الأطراف الموقعة على اتفاقيات جنيف لمساندة موقف مصر، حيث يمكن أن تستند هذه الشكوى إلى أن مصر لا يمكنها أن تراعي التزاماتها تجاه إسرائيل على حساب التزاماتها تجاه المجتمع الدولي، خاصة أن مصر ليست طرفا في اتفاقية المعابر بل تساعد في تشغيله.
2- خيار فتح المعبر وإتاحة حرية الانتقال للأفراد والبضائع وفق المعايير الدولية، وتحمل الأعباء السياسية لهذه الخطوة، وفى هذه الحالة تحتاج مصر إلى توفير مظلة دعم من المنظمات الأهلية والرأي العام والدول العربية الرئيسة، والذي يمكن تحقيقه في حال تحركت مصر لبلورته.
3- تبني خيار الحل الإنساني وفتح المعبر للغايات الإنسانية، ولحماية مصالح مصر وتثبيط انفجار الأوضاع في القطاع، وهو ما يمكن أن يتبلور في الاتصالات مع حركة حماس بعيداً عن المواقف السياسية المسبقة، وقد يقتضى ذلك السعي لجمع حركتي حماس وفتح للاتفاق وحل الخلاف الداخلي، على الأقل فيما يتعلق بالمعبر.
4- رفض تنسيق فتح المعبر، وبالتالي اضطرار سكان القطاع للاندفاع نحو فتح معبر رفح جماهيرياً، ولمصر- هنا- خيارات محدودة، أهمها:
• السماح بالعبور المتدفق والاعتماد على نجاح التجربة السابقة مع توفير السلع والحاجات للشراء في كلٍّ من رفح والعريش.
• السماح بالعبور مع تنسيقه مع حكومة حماس في غزة.
• منع العبور بحواجز الأمن والبوابات دون استخدام العنف، وتحمل ضغط الحشود وتظاهراتها، وهو ما لا يمكنه منع تدفق الحشود البشرية المحاصرة دون توترات خطرة على حياتهم.
• تزويد القطاع بحاجاته الغذائية والدوائية والخدمات الحيوية الأساسية كالكهرباء والوقود والغاز، خصوصاً أن أطرافاً عربية تتعهد بتغطية تكاليف فاتورة القطاع لصالح مصر، والبالغة قرابة 200 مليون دولار سنوياً، وذلك بالتنسيق مع حكومة حماس- بهدف منع تدفق السكان أصلاً- إلى حين إنهاء إجراءات ترتيب فك الحصار وفتح المعبر نهائياً.
وفي كل الأحوال السابقة فإن ذلك يعني أن مصر تستطيع أن تفتح المعبر بغطاء قانوني دولي إنساني دون تحملها أي تبعات قانونية إزاء ذلك، وفي الوقت نفسه تحقيق فك الحصار بشكل منضبط يمنع التحرك الجماهيري دون تنسيق مسبق بين مصر وحكومة حماس في غزة.
المبحث الثالث : عملية السلام في ضوء المبادرة العربية.
الفرع الاول: المبادرة العربية من قمة بيروت الى اعادة احياءها في قمة الكويت.
لقد جاءت مبادرة السلام العربية عبر اقتراح من العاهل السعودي الملك عبد الله، ولي العهد آنذاك، في قمة بيروت عام 2002 واعتمدتها الجامعة العربية بعد شهور من أحداث 11 سبتمبر حيث أن الموقف العربي كان ضعيف للغاية آنذاك وكانت الولايات المتحدة قد كشرت عن أنيابها ضد العرب والمسلمين شعوبا وحكام .
في سياق كهذا، لا بد من تحليل المبادرة واستعراض المواقف وردود الفعل عليها، فلا شك أن هناك إجماعاً عريباً على تبني المبادرة السعودية الصادرة عن قمة بيروت التي تقوم على إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل مقابل انسحابها من الأراضي العربية المحتلة، وقيام دولة فلسطينية مع ضمان إيجاد الحلول لمشكلة اللاجئين بما يتناسب وقرار194، ونذكر هنا أن الأمير السعودي في كلمته التي ألقاها، في قمة بيروت، لم يذكر "حق العودة"، ولا قضية اللاجئين. إلا أنَّ هذه القضية تعرضت لها مبادرته؛ وجاء نصه: " أنَّ الدول العربية تطالب إسرائيل بـ "التوصُّل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، يُتَّفَق عليه، وِفْقاً لقرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة الرقم 194".
وبالتالي إمكانية القبول بأي مقترح يمكن أن يراه البعض مناسبا، وهنا يمكن الاتفاق على صيغة محددة لحق العودة، وان كانت لا تتناسب مع الحقوق الفلسطينية، والرأي في هذا المجال ان بإمكان الفلسطينيين العودة إلى «دولتهم» عندما تقوم، ومن غير الممكن لإسرائيل التخلي عن هذا الشرط. وفي هذا المجال ترتفع من حين لآخر الأصوات التي تحذّر من توطين الفلسطينيين من منطلق «أن إسرائيل لن تقبل عودتهم إليها». وهي تريد حصر عودتهم بالدولة الفلسطينية. فما هو مصير اللاجئين في لبنان وفي غيره من الدول العربية والأجنبية التي انتشرت فيها الشتات الفلسطينية؟ هل تتسع الدولة الفلسطينية لكل العائدين أو كل الراغبين في العودة؟ ثم يأتي موضوع التعويض على الفلسطينيين، وهذا أمر ترى فيه الولايات المتحدة ذلك الاحتمال لتقديم بعض «الارضاءات التشجيعية للفلسطينيين»، لذا لوحظ تركيز الرئيس بوش على الإكثار من الكلام عن إنشاء صناديق جديدة للتعويض على الفلسطينيين، إن جوهر المبادرة العربية نقطتين:
• الأولى: التأكيد على السلام خيار استراتيجي ووحيد للعرب.
• والثانية: الأرض مقابل السلام، إذن نستطيع القول إنه لا توجد احتمالات أخرى مثل الحرب أو مقاطعة شاملة لإسرائيل. والأهم لا يملكون شيئا من القوة ليجعلوا خيار الرفض الإسرائيلي مكلف ومؤذ للإسرائيليين أنفسهم.
ربما يرى البعض أن الرفض الإسرائيلي نفسه مكلف لناحية تكريسه الحرب عاجلا أو آجلا كما حدث مع مبادرة روجرز أيام عبد الناصر، إلا أننا لا نستطيع المقارنة هنا، وذلك لأن خيارات عبد الناصر الاستراتيجية ومنها الحرب، أما هنا امام خيار وحيد وهو السلام . لقد صرح رئيس حزب الليكود بنيامين نتنياهو أن المبادرة العربية التي أقرت عام 2002 في بيروت "غير واقعية لكونها تطالب بانسحاب إسرائيل كامل دون أي مقابل".
لم تكتف إسرائيل بالإفصاح عن نيتها بمقاطعة الحكومة الفلسطينية بل تبدي الملاحظات حول المبادرة العربية التي اتفق عليها العرب في قمة بيروت 2002 والقاضية بتطبيع كامل مع إسرائيل بشرط الانسحاب من الجولان السوري والأراضي الفلسطينية إلى ما وراء حدود 67.
ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه؛ وهو: ماذا ستكسب إسرائيل في حال قبولها المبادرة العربية سوى خسارتها لأراضي 67، في الضفة الغربية ولكتلها الاستيطانية؟
في الوقت الذي يؤكد فيه العرب أن السلام هو خيارهم الاستراتيجي والوحيد لهم، أي أنهم غير مستعدين لفعل أي شيء، إن رفضت إسرائيل خيارهم السلمي سوى إعلانهم للعالم أن إسرائيل وحدها الرافضة للسلام.
وبما أن مصر والأردن احتفظتا بعلاقاتهما مع إسرائيل رغم الرفض السابق للمبادرة ورغم الجرائم الإسرائيلية اليومية تجاه الفلسطينيين وحربها الأخيرة على غزة جعل السلام خيارا استراتيجيا ووحيدا معناه عدم رغبة أو استعداد العرب لفعل شيء حيال الرفض الإسرائيلي الأكثر من متوقع، وهو المعلن قبل وخلال القمة العربية.
إنَّ اللافت للنظر التهافت العربي على المبادرة العربية التي تفتقد إلى القبول الدولي حتى من قبل إسرائيل التي رفضتها سابقا وعملت على تهميشها، وفي أفضل الأحوال فإنها تطالب بإجراء تعديلات تتناسب وتطلعاتها، بينما قرارات صادرة عن الأمم المتحدة المؤسسة التي تمثل جميع دول العالم وتعترف بها إسرائيل، بل وقيامها جاء بناء على قرار منها، وهي لا تقدم أي مقابل للدولة العبرية في حال تطبيقها للقرارات.
الفلسطينيون قدموا إستراتيجيتهم ورؤيتهم لحل الصراع من خلال وثيقة الاستقلال التي تستند إلى هذه الشرعية، وهذه الوثيقة التي تعمل منظمة التحرير على الترويج لها فلسطينيا وعربيا وإسرائيليا ودوليا.
وإذا ألقينا نظرة على الوضع العربي بعامة والوضع والفلسطيني بخاصة نلاحظ الاعتراف بإسرائيل كدولة، وتردي الأوضاع السياسية في الوطن العربي وانهيار الأمن القومي وتمزق الموقف العربي. وتقسيم العالم العربي. ونبذ الكفاح المسلح كوسيلة لإعادة الحق المسلوب، وانشقاقات وصراعات داخل البيت الفلسطيني، ومفاوضات لا تنتهي، كلما تغيرت حكومة إسرائيلية عادت المفاوضات إلى الصفر من جديد.
إن إدارة الصراع عربيا انطلاقا من مبدأ الحفاظ على المصالح العربية بحدودها الدنيا كفيل بتحقيق الأهداف وإرغام الإسرائيليين على الانسحاب من الأراضي المحتلة. فالمفروض على الأنظمة العربية أن تدعم المقاومة دعماً غير محدود وتساندها بإدخال السلاح والعتاد وفتح المعابر وقطع العلاقات مع إسرائيل أو على الأقل التهديد بذلك بمد يد العون والدعم لغزة المحاصرة، وإضافة إلى كل ذلك؛ التأكيد على حق الشعب الفلسطيني على مقاومة الاحتلال ما دام الاحتلال موجود ويحتل أراضيه، كان بإمكان الساسة العرب أن يستغلوا المقاومة الفلسطينية التي أثبتت أن الشعوب لا يمكن أن تنكسر إرادتها. فاذا كانت إسرائيل، بدعم غير محدود من الإدارة الأمريكية، تسمح لنفسها بارتكاب المجازر بحق الشعب الفلسطيني فمن حق هذا الشعب أن يدافع عن نفسه بكل الأسلحة المتاحة.
وإذا كانت إسرائيل تحاصر غزة وتمنع عن الأطفال الحليب والدواء وتستبيح كل المحرمات وتجتاح كل الاتفاقات والعهود الدولية. لا مناص أمام النظام الرسمي العربي من السعي بجدية إلى إعادة ترتيب أوراقه لمرحلة دقيقة من مراحل تطور النظامين الدولي والإقليمي تستدعي منه أكبر قدر من اليقظة.
الفرع الثاني: المبادرة العربية خالية من وسائل ضغط.
تطرح المفاوضات على العالم العربي التحدي نفسه الذي طرح من قبل، وهو ما الوسائل الفعالة التي سيستخدمها العرب أو يمكن أن يستخدموها لتعزيز موقفهم في هذه المفاوضات أمام المفاوض الإسرائيلي لإجباره على الاستمرار في هذه المفاوضات بروح جدية من جهة ولفرض الموقف العربي وضمان تحقيق المصالح العربية فيها من جهة ثانية؟. فالمبادرة العربية الجديدة للسلام تعاني كسابقاتها جميعا من عطب جوهري هو أنها لا تملك وسائل دعمها وآليات تحقيقها .
فالمفاوضات بدون وسائل ضغط لن تحقق الحد الادنى من المطلوب، فبدون وسائل يمكن الضغط بها على الطرف الاسرائيلي والامريكي لن تحقق اي شيء، الا اذا كان المفاوض العربي يرنو من وراء المبادرة العربية الضغط على الطرف الفلسطيني، لم اقل هنا بان المبادرة العربية هي وسيلة ضغط على الطرف الفلسطيني، لكن هذه المبادرة خالية من اي اداة يمكن بها تحقيق السلام في المنطقة. نظرا لعدم منطيقتها والاحداث الجارية.
ولا نقصد هنا ان تكون وسائل الضغط امريكية، فالانتفاضة والمقاومة حققت للطرف الفلسطيني الكثير، فكيف لو كانا بغطاء عربي داخل الجامعة العربية، لكن عدم قدرة الجامعة العربية على الازمات العربية، وعدم قدرتها على فرض رؤى وحدوية ، نظرا لغياب الارادة السياسية في تفعيل دور الجامعة العربية.
لكن جامعة الدول العربية بصفتها منظمة اقليمية، يناط بها حل الازمات الاقليمية في دائرتها ضمن المعنى الوارد في الفصل الثامن من الميثاق الدولي المادة (52/1) والمادة (53/1) التي تشجع المنظمات الاقليمية لاداء دورها في المحافظه على الامن والسلم وعدم العدوان مهما كانت اشكاله لذلك فالتعاون والاحترام وعدم التدخل يبعد الصراعات والشكوك المتبادلة .
وانطلاقا من ذلك وعلى ضوءه يمكن استقراء المعايرالتالية :
• ان التفسير الموضوعي لنصوص ميثاق الجامعه العربية يؤشر الى وجود نواقص وعجز في هذه النصوص سواء كانت الاجرائية والموضوعية حيث يعتريها الغموض لعدم وجود التزامات صارمة لتسويه النزاعات ومنع التدخل في شؤون الدول العربية الاخرى .
• كما ان غياب سلطة مركزية حقيقية تستند في اعمالها على نصوص الميثاق وعدم وجود صلاحيات الزامية للدول الاعضاء جعلها منظمة مفككه ونصوصها القانونية تعتمد على ( التشاور والتعاون ) وهذه نصوص لا ترقى الى درجه الالزام كما تشير الى ذلك المادة (7) التي تنص ( ما يقرره المجلس بالاجماع يكون ملزم للجميع وما يقرره بالاكثرية ملزما لمن يقبله ) وفي كلتا الحالتين فان تنفيذ القرارات في كل دولة يكون وفقا لنظامها السياسي وان كل عضو بامكانه ان يمارس الفيتو ضد القرار بالرغم من عدم وجود هذا الحق .
• المادة (18) اجازت حق الانسحاب من الجامعة لمن يروم ذلك وان يكون قبل تنفيذ هذا الانسحاب بسنه حتى ولو لم ينفذ التزاماته بموجب الميثاق كما ان المادة (19) تبيح للعضو ان لا يقبل التعديل وله حق الانسحاب عند تنفيذه دون التقيد باحكام المادة (18) اعلاه.
• لم يتضمن الميثاق ايقاف العضويه او تجميدها الا ان المادة (18) اقرت بان للدولة العضو في الجامعة لا تنفذ التزاماتها المقررة في الميثاق تعتبر منفصله بقرار يصدر بالاجماع .
• المادة (5) هي النص الوحيد الذي يعالج تسوية المنازعات وهي مادة مقتبضه ولم تحدد اليه لذلك ولم يصار الى اللجوء الى القواعد الدولية لتسوية المنازعات كالتفاوض او الوساطة او التحقيق او التوثيق او التحكيم وكما سار عليه الفقه الدولي والمواثيق الدولية كالاتفاقية الدولية في لاهاي (1907) بشان تسوية المنازعات سلمياً وكما ورد في عهد عصبة الامم (1919) وميثاق الامم المتحدة مادة (2/3) كما لم يرد في الميثاق بالزام الاطراف احالة الموضوع الى مجلس الجامعة عند اخفاقهم بالحل الامر الذي يؤدي الى الالتجاء الى مجلس الامن طبقا للفصل السادس ألمادة (33) من الميثاق ولم يتضمن ميثاق الجامعة العربية وجود جهاز لتحديد طبيعية المنازعات .
• الجامعه العربية تتمتع بالشخصية القانونية وفقا لاحكام المادة (14) وتمتلك الاهلية القانونية والمسؤولية ولوحدها وبصورة مستقله عن الاعضاء وتتحمل هذه المسؤولية اتجاه الدول الاخرى او الهيئات والمنظمات وفقا لاتفاقية الحصانه التي صدقت عليها الجامعة في 9/ ايار / 1953 المادة (1) كما تتحقق مسؤوليتها التعاقدية سواء كان مع دول المقر او اي دولة اجنية .
ويمكن استناج ان المبادرة العربية غير كفيلة بحل النزاع العربي الاسرائيلي، اذا لم تكن داخل اطار وغطاء قوي يتمثل في الجامعة العربية، والتي لا يمكن الاستغناء عنها او البحث عن غطاء اقليمي اخر يحل محلها، فالقضية الفلسطينية لا يمكن لا ان ترمي خارج حضن الاطار السياسي العربي، الذي يعتبر الحاضن الطبيعي للقضية الفلسطينية.
الملاحق
نص إعلان بيروت الصادر في ختام القمة العربية الرابعة عشرة الخميس 28 مارس/ آذار 2002 وضمنه بنود مبادرة السلام العربية
نحن ملوك ورؤساء وأمراء الدول العربية المجتمعين كمجلس لجامعة الدول العربية على مستوى القمة (الدورة العادية الرابعة عشرة) في بيروت عاصمة الجمهورية اللبنانية يومي 13 و14 محرم 1423 هـ الموافق 27 و28 مارس/آذار 2002 م، تدارسنا المتغيّرات الإقليمية والدولية الخطيرة التي أدّت إلى تداعيات مقلقة والتحدّيات المفروضة على الأمة العربية والتهديدات التي تواجه الأمن القومي العربي، وأجرينا تقييماً شاملاً لهذه المتغيّرات والتحدّيات وبخاصّة تلك المتعلقة بالمنطقة العربية ولا سيّما الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقيام إسرائيل بشنّ حرب تدميرية شاملة بذريعة محاربة الإرهاب مستغلة أحداث سبتمبر/أيلول المأساوية والإدانة العالمية لهذه الأحداث. وتباحثنا بما آلت إليه عملية السلام وممارسات إسرائيل الرامية إلى تدميرها وإغراق الشرق الأوسط بالفوضى وعدم الاستقرار، وتابعنا باعتزاز كبير انتفاضة الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة، وناقشنا المبادرات العربية الهادفة إلى تحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة، وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي والقضية الفلسطينية.
- وانطلاقاً من المسؤولية القومية وإيماناً بمبادئ وأهداف ميثاق جامعة الدول العربية وميثاق الأمم المتحدة، نعلن ما يلي:
• متابعة العمل على تعزيز التضامن العربي في جميع المجالات صوناً للأمن القومي العربي ودفعاً للمخططات الأجنبية الرامية إلى النيل من السلامة الإقليمية العربية.
• توجيه تحية الاعتزاز والإكبار إلى صمود الشعب الفلسطيني وانتفاضته الباسلة في وجه الاحتلال الإسرائيلي وآلته العسكرية التدميرية وقمعه المنهجي والمجازر التي يرتكبها باستهداف الأطفال والنساء والشيوخ دون تمييز أو رادع إنساني.
• الوقوف بإجلال وإكبار أمام شهداء الانتفاضة البواسل، وتأكيد الدعم الثابت للشعب الفلسطيني بمختلف الأشكال تأييداً لنضاله البطولي المشروع في وجه الاحتلال حتى تتحقق مطالبه العادلة المتمثلة بحقّ العودة وتقرير المصير وقيام دولته المستقلة وعاصمتها القدس.
• التضامن مع لبنان لاستكمال تحرير أراضيه وتقديم الدعم له لإنمائه وإعادة إعماره.
• الاعتزاز بالمقاومة اللبنانية وبالصمود اللبناني الرائع الذي أدّى إلى اندحار القوات الإسرائيلية من معظم جنوب لبنان وبقاعه الغربي، والمطالبة بالإفراج الفوري عن المعتقلين اللبنانيين في السجون الإسرائيلية خلافاً للقوانين والمواثيق الدولية، وإدانة العدوان الإسرائيلي المتكرّر على سيادة لبنان المتمثل بخرق الطائرات والبوارج الإسرائيلية للأجواء والمياه الإقليمية اللبنانية ممّا ينذر بعواقب وخيمة لما يشكّله من تحرّش واستفزاز وعدوان قد يؤدي إلى تفجير الوضع على الحدود الجنوبية اللبنانية تتحمّل إسرائيل مسؤوليته الكاملة.
• توجيه التحية إلى صمود المواطنين العرب السوريين في الجولان السوري المحتلّ، مشيدين بتمسّكهم بهويتهم الوطنية ومقاومتهم للاحتلال الإسرائيلي ومؤكدين التضامن مع سوريا ولبنان في وجه التهديدات العدوانية الإسرائيلية التي تقوّض الأمن والاستقرار في المنطقة واعتبار أيّ اعتداء عليهما اعتداءً على الدول العربية جمعاء.
• يؤكد القادة في ضوء انتكاسة عملية السلام، التزامهم بالتوقف عن إقامة أية علاقات مع إسرائيل، وتفعيل نشاط مكتب المقاطعة العربية لإسرائيل، حتى تستجيب لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، ومرجعية مؤتمر مدريد للسلام، والانسحاب من كافة الأراضي العربية المحتلة حتى خطوط الرابع من حزيران/يونيو 1967.
• التأكيد على أنّ السلام في الشرق الأوسط لن يُكتب له النجاح إن لم يكن عادلاً وشاملاً تنفيذاً لقرارات مجلس الأمن رقم 242 و338 و425 ولمبدأ الأرض مقابل السلام، والتأكيد على تلازم المسارين السوري واللبناني وارتباطهما عضوياً مع المسار الفلسطيني تحقيقاً للأهداف العربية في شمولية الحلّ.
• وفي إطار تبني المجلس للمبادرة السعودية كمبادرة سلام عربية يطلب المجلس من إسرائيل إعادة النظر في سياساتها، وأن تجنح للسلم معلنة أن السلام العادل هو خيارها الإستراتيجي أيضا.
- كما يطالبها القيام بما يلي :
أ - الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة بما في ذلك الجولان السوري وحتى خط الرابع من يونيو/حزيران 1967، والأراضي التي مازالت محتلة في جنوب لبنان.
ب- التوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يتفق عليه وفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194.
ج- قبول قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ الرابع من يونيو/حزيران 1967 في الضفة الغربية وقطاع غزة وتكون عاصمتها القدس الشرقية.
- عندئذ تقوم الدول العربية بما يلي :
أ - اعتبار النزاع العربي الإسرائيلي منتهيا، والدخول في اتفاقية سلام بينها وبين إسرائيل مع تحقيق الأمن لجميع دول المنطقة.
ب- إنشاء علاقات طبيعية مع إسرائيل في إطار هذا السلام الشامل. ضمان رفض كل أشكال التوطين الفلسطيني الذي يتنافى والوضع الخاص في البلدان العربية المضيفة.
- يدعو المجلس حكومة إسرائيل والإسرائيليين جميعاً إلى قبول هذه المبادرة المبينة أعلاه حماية لفرص السلام وحقناً للدماء بما يمكن الدول العربية وإسرائيل من العيش في سلام جنباً إلى جنب ويوفر للأجيال القادمة مستقبلا آمناً يسوده الرخاء والاستقرار.
- يدعو المجلس المجتمع الدولي بكل دوله ومنظماته إلى دعم هذه المبادرة.
- يطلب المجلس من رئاسته تشكيل لجنة خاصة من عدد من الدول الأعضاء المعنية والأمين العام لإجراء الاتصالات اللازمة بهذه المبادرة والعمل على تأكيد دعمها على كافة المستويات وفي مقدمتها الأمم المتحدة ومجلس الأمن والولايات المتحدة والاتحاد الروسي والدول الإسلامية والاتحاد الأوروبي.
- الترحيب بتأكيدات جمهورية العراق على احترام استقلال وسيادة وأمن دولة الكويت وضمان سلامة ووحدة أراضيها بما يؤدي إلى تجنب كل ما من شأنه تكرار ما حدث في عام 1990 ويدعون إلى تبني سياسات تؤدي إلى ضمان ذلك في إطار من النوايا الحسنة وعلاقات حسن الجوار. وفي هذا الإطار يدعو القادة إلى أهمية وقف الحملات الإعلامية والتصريحات السلبية تمهيدا لخلق أجواء إيجابية تطمئن البلدين بالتمسك بمبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
- المطالبة باحترام استقلال وسيادة العراق وأمنه ووحدة أراضيه وسلامته الإقليمية.
- مطالبة العراق بالتعاون لإيجاد حل سريع ونهائي لقضية الأسرى والمرتهنين الكويتيين وإعادة الممتلكات وفقا لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، وتعاون الكويت فيما يقدمه العراق عن مفقوديه عن طريق اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
- الترحيب باستئناف الحوار بين العراق والأمم المتحدة الذي بدأ في جو إيجابي وبناء استكمالا لتنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
- المطالبة برفع العقوبات عن العراق وإنهاء معاناة شعبه الشقيق بما يؤمن الاستقرار والأمن في المنطقة.
- رفض التهديد بالعدوان على بعض الدول العربية وبصورة خاصة العراق وتأكيد الرفض المطلق لضرب العراق أو تهديد أمن وسلامة أية دولة عربية باعتباره تهديداً للأمن القومي لجميع الدول العربية.
- التأكيد على سيادة دولة الإمارات العربية المتحدة على جزرها الثلاث وتأييد كافة الإجراءات والوسائل السلمية الكفيلة باستعادة سيادتها عليها وفقاً لمبادئ وقواعد القانون الدولي والقبول بإحالة النزاع إلى محكمة العدل الدولية.
- إدانة الإرهاب الدولي بما في ذلك الهجوم الإرهابي الذي تعرّضت له الولايات المتحدة الأميركية في الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001 واستغلال الحكومة الإسرائيلية لهذا الهجوم من أجل استمرارها في ممارسة إرهاب الدولة وشنّ حرب عدوانية تدميرية شاملة على الشعب الفلسطيني.
- التشديد على التمييز ما بين الإرهاب الدولي وبين الحقّ المشروع للشعوب في مقاومة الاحتلال الأجنبي وعلى ضرورة التوصّل إلى اتفاق دولي في إطار الأمم المتحدة يضع تعريفاً دقيقاً للإرهاب الدولي ويحدّد أسبابه وسُبُل معالجتها.
- التأكيد على أهمية التفاعل ما بين الثقافات والحضارات انطلاقاً ممّا تدعو إليه الأديان السماوية والقيم الإنسانية من نبذ جميع أشكال التفرقة العنصرية، والحضّ على التسامح والتعايش على أساس الاحترام المتبادل وصيانة الحقوق المشروعة، وتثمين الجهود العربية والإسلامية وغيرها الرامية إلى توضيح الحقائق عن الثقافة والحضارة العربية والإسلامية، وتفنيد المزاعم الباطلة حولها.
- الإسراع بإنجاز منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى في ضوء تنامي ظاهرة التكتلات الاقتصادية العالمية وقرب انتهاء الفترة المحدّدة لتطبيق اتفاقية منظمة التجارة العالمية.
- الإعراب عن التقدير البالغ للجمهورية اللبنانية وفخامة الرئيس إميل لحود رئيس الجمهورية على الرعاية والعناية والإعداد المميّز لانعقاد هذه القمة والشكر العميق لفخامة الرئيس إميل لحود على قيادته الناجحة لإدارة أعمال القمة العربية بأعلى درجات الحنكة السياسية والحكمة الناضجة والمسؤولية الواعية.
نص المبادرة المصرية للمصالحة الفلسطينية
1ـ وقف كافة الحملات التحريضية من إعلامية وغيرها.
2 ـ إطلاق سراح كافة المعتقلين من حماس وفتح في وقت واحد وبإشراف لجنة عربية تقودها القاهرة.
3 ـ السماح بعودة المواطنين الذين غادروا قطاع غزة بدون التعرض لهم.
4 ـ إلغاء الحظر المفروض على عدد من الجمعيات والمؤسسات في الضفة والقطاع.
5 ـ الالتزام بوحدانية وشرعية تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية لكافة شرائح الشعب الفلسطيني، وفي هذا السياق يصار إلى (أ) البدء بالإصلاح وإعادة هيكلة منظمة التحرير مع انطلاق الحوار الفلسطيني، على أن يتم الانتهاء من ذلك خلال أربعة أشهر. وبحسب المصادر الفلسطينية رفضت فتح هذه الفقرة. فيما تحمل الفقرة (ب) اقتراحا باعتماد مقاييس انتخابية عامة ومؤسساتية واستطلاعية لتحديد نسب التمثيل في مؤسسات المنظمة. 6 ـ أن تقوم حركة حماس بإخلاء وجودها وعناصرها من مؤسسات ومقرات السلطة في قطاع غزة السياسية منها والأمنية وعودة هذه المواقع الى السلطة الشرعية. 7 ـ تجميد عمل القوة التنفيذية التابعة لحركة حماس.
8 ـ الإبقاء على عمل الشرطة برقابة مؤقتة من لجنة عربية محايدة.
9 ـ تولي فريق أمني عربي بقيادة مصرية الإشراف على ترتيب وحل المسائل الخلافية المتعلقة بالأجهزة الأمنية. (هذا البند لم توافق عليه حماس وفصائل فلسطينية أخرى).
10 ـ إرسال قوة عربية بقيادة مصرية إلى قطاع غزة للمساهمة في حفظ الأمن قوامها ثلاثة آلاف عنصر (رفض من حماس).
11 ـ تشكيل حكومة انتقالية مهمتها الإعداد لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية قبل مارس (آذار) من العام المقبل على قاعدة الالتزام ببرنامج منظمة التحرير الفلسطينية (رفضته حماس وفصائل اخرى).
12 ـ المطالبة بالتزام كافة الفصائل بالاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها السلطة والتزمت بها (رفضته حماس وفصائل اخرى). 13 ـ التزام الفصائل بالحل السياسي عبر التفاوض وفي حال فشل هذا الخيار يجري التشاور والاتفاق على اعتماد وانتهاج خيار آخر. 14 ـ الدعوة للانخراط في مؤسسات السلطة بما يعني الالتزام ببرنامجها ويحق للأحزاب السياسية خارج إطار السلطة معارضة ذلك سلميا.
مؤتمر شرم الشيخ الذي عُقد لإعادة إعمار قطاع غزة
: "بمبادرة من جمهورية مصر العربية، عقد «المؤتمر الدولي لدعم الاقتصاد الفلسطيني لإعادة إعمار قطاع غزة» في شرم الشيخ يوم 2 مارس 2009، برئاسة مصر ومشاركة من النرويج بهدف الاستجابة لاحتياجات الإغاثة الفورية وإعادة الإعمار للشعب الفلسطيني في قطاع غزة في أعقاب الهجوم العسكري الإسرائيلي.
وأعرب المشاركون عن قلقهم لعدم التوصل حتى الآن إلى اتفاق حول تثبيت التهدئة في غزة، كما أعربوا عن دعمهم للجهود المصرية المتواصلة لتثبيت الوقف الهش لإطلاق النار ولتحقيق تهدئة طويلة الأمد. وأكد المشاركون على أهمية تحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية بما يتماشى وقرارات الجامعة العربية، وأعربوا عن دعمهم للجهود التي تبذلها مصر في هذا الشأن. واعتبروا أن تحقيق المصالحة والتهدئة متطلبان ضروريان لإنجاح جهود إعادة الإعمار التي تضطلع بها الدول المانحة.
وفي حين شدّد المشاركون على أن قطاع غزة يعد جزءا لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية التي احتلت عام 1967 التي ستقام عليها الدولة الفلسطينية مستقبلا، فقد أعادوا التأكيد على أن إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة يستلزم، ضمن أمور أخرى، دعما متواصلا من المجتمع الدولي، كما نادى المشاركون بزيادة الدعم المالي والاقتصادي المقدم للسلطة الوطنية الفلسطينية. وأكد عديد من المشاركين على أهمية حرية النفاذ لنجاح عملية الإغاثة وإعادة الإعمار، وفي هذا الإطار، طالبوا بالفتح الفوري والدائم وغير المشروط لكافة معابر إسرائيل مع قطاع غزة، وذلك لإتاحة حرية الحركة للأشخاص والبضائع إلى داخل غزة بشكل يمكن الفلسطينيين من استعادة الحياة الطبيعية وإعادة بناء ما تم تدميره. وشدّد المشاركون على الضرورة الملحة لكسر دائرة التدمير والإعمار في غزة، وطالبوا إسرائيل بالاحترام الكامل للقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي ووقف استهداف أو تدمير البنية التحتية المدنية والاقتصادية لغزة أو اتخاذ أي إجراء يؤثر بالسلب على حياة الفلسطينيين في غزة.
ورحّب المشاركون بالتجاوب المكثف من جانب المجتمع الدولي للاحتياجات الإنسانية الفورية للشعب الفلسطيني في غزة التي تسببت فيها الأعمال العدائية العسكرية، وحثوا المانحين على الاستمرار في توفير الدعم لهذه المتطلبات الضرورية، من خلال الآلية الموحدة لنداءات الأمم المتحدة.
وأكد المشاركون على الحاجة إلى أن يكون ضخ هذه المساعدات وفق المبادئ الإنسانية الرئيسية من عدالة ونزاهة ووفق الاستقلالية العملياتية.
ورحب المشاركون كذلك بالخطة الفلسطينية الوطنية للإغاثة المبكرة وإعادة الاعمار لغزة، حيث تمثل الاستجابة التي تمت بالتنسيق بين السلطة الوطنية الفلسطينية وشركائها المحليين والدوليين إزاء الدمار الذي لحق بالفلسطينيين في غزة، كما أكدوا أن الخطة سترتبط بشكل واضح بالأولويات التي عرضت في الخطة الفلسطينية للإصلاح والتنمية التي تم إطلاقها في مؤتمر باريس للمانحين الذي عقد في ديسمبر 2007 ، وشدّدوا على أن الخطة ستمثل الأساس لحشد موارد وجهود المجتمع الدولي والمانحين للاستجابة للاحتياجات التي عرضتها السلطة الوطنية الفلسطينية لعامي 2009 ـ 2010.
ولهذا الغرض تعهد المشاركون بمبلغ 4.481 مليار دولار للعامين المقبلين والتزموا بالبدء في توزيع هذه التعهدات في أسرع وقت ممكن من أجل سرعة التأثير على الحياة اليومية للفلسطينيين.
وأعرب المشاركون عن نيتهم في ضخ مساعداتهم للخطة من خلال «حساب الخزانة الموحد»، وكذلك من خلال الآليات والصناديق الدولية والإقليمية القائمة بالفعل، وبالأخص آلية المفوضية الأوروبية وصندوق البنك الدولي لخطة الإصلاح والتنمية الفلسطينية، وبنك التنمية الإسلامي والآلية الموحدة لنداءات الأمم المتحدة. كما رحبوا باستعداد الاتحاد الأوروبي لوضع آلية المفوضية الأوروبية، التي تقدم دعما مستهدفا للسلطة الفلسطينية لمواجهة تكاليفها المتجددة المحددة، ولإنعاش القطاع الخاص وتنمية الاستثمار العام، تحت تصرف مجتمع المانحين الدوليين.
وأكد المشاركون على أهمية التنسيق الشامل لعملية إعادة الاعمار بهدف تعظيم توظيف الموارد المتعهد بها والمتوفرة، وتجنب ازدواجية الجهود أو استخدام المساعدات بشكل لا يلبي الأولويات التي حدّدتها السلطة الوطنية الفلسطينية.
وفي هذا الصدد، نوهوا بالدور الهام الذي تلعبه اللجنة المؤقتة لتنسيق المساعدات للشعب الفلسطيني وأبرزوا المهمة المنوطة باجتماعها المقبل الذي سيوفر للمانحين الرئيسيين الفرصة لمزيد من التنسيق ومواءمة سياساتهم مع الاحتياجات الفلسطينية. وشجع المشاركون الطرفين وأعربوا عن أملهم في قيام الفلسطينيين والإسرائيليين بسرعة استئناف محادثات سلام جادة بينهما بهدف إنهاء احتلال الأراضي الفلسطينية وتنفيذ حل الدولتين.
واتفق المشاركون على الحاجة إلى متابعة الالتزامات التي تم الإعلان عنها خلال المؤتمر."
نص البيان الختامي الصادر عن قمة غزة الطارئة في الدوحة مساء
إن اصحاب الفخامة والسمو وممثلي الدول العربية المشاركين في قمة غزة الطارئة التي عقدت في الدوحة اليوم الجمعة الموافق 16 يناير 2009 حول العدوان العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة وهم يتابعون بمزيد من الغضب استمرار إسرائيل - القوة المحتلة - في عدوانها الغاشم على قطاع غزة الذي أسفر حتى الآن عن آلاف الشهداء والجرحى من المدنيين بمن فيهم النساء والأطفال وتدمير هائل لمرافق الحياة المدنية في القطاع.
وإذ يعبرون عن القلق الشديد من قيام إسرائيل وبشهادة العديد من منظمات حقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية والإنسانية باستخدام الأسلحة المحظورة والعشوائية الضرر في انتهاك صارخ للقوانين الدولية المتعلقة بالنزاعات المسلحة. وإذ يلاحظون بجزع شديد ان الوضع الإنساني في قطاع غزة بلغ حدا خطيرا للغاية خلافا لكل الشرائع القانونية والأخلاقية ومما يملي تدارك الوضع بإجراءات فورية فعالة.
وإذ يؤكدون على حق الشعوب الرازحة تحت الاحتلال في تقرير مصيرها ومقاومة الاحتلال وفقا للقواعد المستقرة في القانون الدولي . وإذ يعبرون عن بالغ التقدير للرأي العام العربي والإسلامي وللمواقف التضامنية المناصرة للشعب الفلسطيني التي عبرت عنها العديد من دول وشعوب العالم.
وحيث أن إسرائيل قد رفضت الامتثال لقرار مجلس الأمن 1860 (2009) الصادر بتاريخ 8 يناير كانون الثاني 2009 م واستمرت في عدوانها بخرق فاضح وجسيم لقواعد الشرعية الدولية وبعد التداول حول الوضع الراهن اتفقوا على النقاط المذكورة أدناه لعرضها على القمة القادمة التي ستعقد في دولة الكويت:
1- إدانة إسرائيل بشدة لعدوانها الوحشي على قطاع غزة واستمرارها فيه.
2- مطالبة إسرائيل بالوقف الفوري لجميع اشكال العدوان في قطاع غزة وبالانسحاب الفورة وغير المشروط والشامل لقوات الاحتلال.
3- تحميل إسرائيل المسئولية الجنائية الدولية بموجب القانون الدولي عن ارتكاب العدوان وجرائم الحرب وابادة الجنس البشري والمسئولية المدنية بدفع التعويضات والتأكيد على العزم بالسعي في السياقات القضائية الدولية والوطنية لملاحقة إسرائيل ومسئوليها تنفيذا لهذه المسئولية والتعاون في توفير وسائل الدعم اللازمة لذلك.
4- التأكيد على الفتح الفوري والدائم لكافة المعابر للأفراد ومواد المساعدات الإنسانية بما في ذلك الغذاء والوقود والعلاج الطبي وتوزيعها دون عراقيل في جميع أنحاء القطاع.
5- التأكيد على ضرورة رفع الحصار غير المشروع عن قطاع غزة بما فيه إنهاء كافة القيود على حركة الأشخاص والأموال والبضائع وفتح المعابر والمطار وميناء غزة البحري ودعوة جميع الدول للاتخاذ ما يلزم من الإجراءات لتحقيق ذلك.
6- دعوة جميع الدول لتقديم مواد الإغاثة الإنسانية العاجلة لسكان قطاع غزة والتأكيد على دعم وحماية منظمات الإغاثة الإنسانية الدولية والوطنية العاملة في هذا المجال وتحميل إسرائيل أية انتهاكات للقانون الدولي الإنساني ذات الصلة.
7- دعوة الدول العربية والدول المحبة للسلام لاتخاذ الإجراءات اللازمة لتشكيل جسر بحري لنقل مواد الإغاثة الإنسانية إلى قطاع غزة والسعي لتحقيق أوسع اشتراك ممكن من أعضاء المجتمع الدولي في ذلك.
8- إنشاء صندوق لإعادة إعمار غزة وتثمين تبرع دولة قطر لهذا الصندوق.
9- دعوة الأطراف الفلسطينية إلى التوافق وتحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية.
10- دعوة الدول العربية لتعليق المبادرة العربية للسلام التي أقرت في القمة العربية المنعقدة في بيروت عام 2002 ووقف كافة أشكال التطبيع بما فيها إعادة النظر في العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية (*).
11- الإشادة بالدول التي اتخذت مواقف ايجابية لمناهضة العدوان على غزة ورفع الحصار عنها ودعم القضية الفلسطينية . وقد أشادت القمة بالموقف الذي اتخذته كل من دولة قطر والجمهورية الإسلامية الموريتانية بتجميد علاقاتهما مع إسرائيل.
المراجع
- د. جمال الشلبي، " محمد حسنين هيكل: استمرارية أم تحول"، ترجمة حياة الحويك عطية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر،1999.
- ايمن السيد عبد الوهاب، "حركات الإسلام السياسي ونمط جديد من التفاعلات العربية"، السياسة الدولية، القاهرة، الأهرام، العدد 113، 1993م.
- زياد ابو عمرو، اصول الحركات السياسية في قطاع غزة: 1948- 1967 ( عكا : دار الاسوار، 1987).
- عبد المنعم سعيد (محرر) العرب ومستقبل النظام العالمي، مشروع إستشراق مستقبل الوطن العربي، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، 1987م،
- بهجت قرني، علي الدين هلال، النظام العالمي والسياسات الخارجية العربية، في: بهجت قرني، على الدين هلال (محرران)، السياسات الخارجية للدول العربية، القاهرة، مركز البحوث والدراسات السياسية، 1994م.
- أحمد يوسف، النظام الدولي والنظام العربي، بحث في أنماط الارتباط، في: الوطن العربي والمتغيرات العالمية، القاهرة، معهد البحوث والدراسات العربية، 1995م.
- محمد عبدالقادر، "الدور الإقليمي لتركيا وإيران من حصاد غزة"، مختارات إيرانية، العدد 103، فبراير 2009، مركز الدراسات للنشر والتوزيع، القاهرة، 2009.
- علي الدين هلال :" الوحدة والامن القومي العربي"، الفكر العربي، السنة 2، العددان 11-12( اب/اغسطس- ايلول/ سبتمبر 1979).
- مركز الزيتونة للدراسات، العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة، مركز الزيتونة للدراسات بيروت 2009.
- مركز الزيتونة للدراسات، دراسات في العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة ( عملية الرصاص المصبوب)، مركز الزيتونة للدراسات بيروت 2009.
- جورج جقمان، "الفلسطينيون والمعضلات الثلاث"، دراسات فلسطينية، العدد 76، خريف 2008، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، 2008. .
- هاني المصري،. الخارطة السياسية الفلسطينية الجديدة، في: مستقبل النظام السياسي الفلسطيني والآفاق السياسية الممكنة، تحرير): وسام رفيدي، جامعة بيرزيت: معهد أبو لغد. للدراسات الدولية(، أيار 2005 ،
- أيمن طلال يوسف، النظام السياسي الفلسطيني: من الأحادية إلى الاستقطاب الثنائي، المستقبل العربي) 1996-. 2006) / ع 334 ، 12كانون الأول2006.
- عبد الإله بلقزيز،. الانتقال الد يمقراطي في الوطن العربي : العوائق والممكنات، في : المسألة الديمقراطية في الوطن العربي، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2000.
- منير الهور وطارق الموسى، مشاريع التسوية للقضية الفلسطينية 1947-1985، ط2 (عمان (الأردن): دار الجليل، 1986.
- جواد الحمد، "مشاريع التسوية السلمية للصراع العربي-الإسرائيلي وعملية السلام في الشرق الأوسط"، في المدخل إلى القضية الفلسطينية.
- منير شفيق، أوسلو "1" "2": المسار والمآل (لندن: فلسطين المسلمة، 1997).
- جواد الحمد، عملية السلام في الشرق الأوسط: وتطبيقاتها على المسارين الفلسطنيي والأردني (عمان (الأردن): مركز دراسات الشرق الأوسط)، 1996،
- أسعد عبد الرحمن، منظمة التحرير الفلسطينية، الموسوعة الفلسطينية، ج4،.
- نافذ ابو حسنة، تطور الوعي الفلسطيني بمنظمة التحرير، في منظمة التحرير الفلسطينية تقييم التجربة وإعادة البناء، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، بيروت 2007.
- سويد محمود، التجربة النضالية الفلسطينية-حوار شامل مع جورج حبش (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1998).
- احمد غنيم واخرون، النظام السياسي الفلسطيني " مرحلة متحولة"، مركز البراق للبحوث والثقافة، رام الله، 2006، ص20.
- الفكر السياسي الفلسطيني: 1964 ـ 1974: دراسة للمواثيق الرئيسية لمنظمة التحرير الفلسطينية (بيروت: مركز الأبحاث (م.ت.ف)، 1980)1989.
- محسن صالح، تقرير معلومات منظمة التحرير الفلسطينية والمجلس الوطني الفلسطيني، تعريف، وثائق، قرارات، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، بيروت 2007.
- يزيد صايغ ، الحركة الوطنية الفلسطينية 1947-1993، الكفاح المسلح والبحث عن الدولة، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، 2003،
مجلية السياسية الدولية:
- د. أسامة الغزالي حرب، القمة الثانية والعشرون، السياسة الدولية، العدد 180، ابريل 2010، مركز الاهرام للنشر والتوزيع، 2010.
- عدنان أبو عامر، "ماذا تبقى من قدرات حماس العسكرية"، السياسة الدولية، العدد 175، أبريل 2009، مركز الأهرام للنشر والتوزيع، القاهرة، 2009.
- وحيد عبدالمجيد، "التفاعلات العربية الإقليمية تجاه الحرب على غزة"، السياسة الدولية، العدد 175، أبريل 2009، مركز الأهرام للنشر والتوزيع، القاهرة، 2009.
- سامية بيبرس، إعادة إعمار غزة بين الوعود والتنفيذ، العدد 175، أبريل 2009، مركز الأهرام للنشر والتوزيع، القاهرة، 2009.
- سامح راشد، العدوان على غزة.. ابعاد الموقف المصري. العدد 175، أبريل 2009، مركز الأهرام للنشر والتوزيع، القاهرة، 2009.
- غزة والامن الفومي المصري، العدد 175، أبريل 2009، مركز الأهرام للنشر والتوزيع، القاهرة، 2009.
- محمد جمعة ،فتح وحماس والاتفاق على ادارة الانقسام، العدد 175، أبريل 2009، مركز الأهرام للنشر والتوزيع، القاهرة، 2009.
- د. جورج جقمان، تراجع السلطة الفلسطينية وعودة خيار المقاومة. العدد 175، أبريل 2009، مركز الأهرام للنشر والتوزيع، القاهرة، 2009.
- احمد السمان ،اسرائيل وادارة الام الحرب على غزة. العدد 175، أبريل 2009، مركز الأهرام للنشر والتوزيع، القاهرة، 2009.
مجلة المستقبل العربي
- لامن العربي والصراع الاستراتيجي في منطقة البحر الاحمر"، المستقبل العربي، السنة 2، العدد9 ( ايلول/ سبتمبر 1979).
مجلة كراسات استراتيجية:
- حسن توفيق إبراهيم، "العدوان الإسرائيلي على غزة"، كراسات إستراتيجية، العدد 197، مارس 2009، مركز الأهرام للنشر والتوزيع، القاهرة، 2009.
رسائل وبحوث علمية:
- عبد أحمد محمود برهم، إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية " اشكالية الهيكلة والبرنامج"، رسالة ماجستير، جامعة النجاح ، جنين 2008.
- أنغام زكريا محمد مسعود، الاطار القانوني في الضفة الغربية وقطاع غزة في التنمية السياسية منذ 1994وحتى 2004، رسالة ماجستير،جامعة النجاح، جنين 2007.
- بلال محمود محمد الشوبكي، التغيير السياسي من منظور حركات الاسلام السياسي في الضفة الغربية وقطاع غزة" حركة حماس نموذجا"، رسالة ماجستير، جامعة النجاح، جنين 2007.
- تيسير فائق محمد عزام، التجربة السياسية لحركة المقاومة الاسلامية حماس واثرها على الخيار الديمقراطي في الضفة والقطاع للفترة 1993-2007، رسالة ماجستير، جامعة النجاح 2007.
- محمد عبدالله ابو مطر، السلطة الفلسطينية واشكالية الاصلاح، رسالة ماجستير ، كلية الحقوق اكدال جامعة محمد الخامس،اكدال 2005.
- علاء فوزي ابو طه، السياسة الخارجية للسلطة الفلسطينية، رسالة ماجستير، كلية الحقوق اكدال، جامعة محمد الخامس اكدال 2005.
- ابراهيم ابراش، حركة القوميين العرب والقضية الفلسطينية، رسالة ماجستير، كلية الحقوق اكدال جامعة محمد الخامس 1980.
الصحف والجرائد:
الغد الاردنية
- التغطية الخاصة لحرب غزة خلال 1_20/01/2010.
القدس العربي
- مقالات نشرت في فترة العدوان على غزة 28/12/2009- 19/1/2010
مواقع الكترورنية متخصصة
- الجزيرة نت
- بي بي سي
- العربية نت
- المركز الاعلامي الفلسطيني
روابط الكترونية الكترونية
- ^ http://www.madarcenter.org/almash-had/viewarticle.asp?articalid=4374
- ^ http://www.timesonline.co.uk/tol/news/world/middle_east/article5470047.ece
- ^ http://www.ntis.gov/search/index.aspx?frm_qry_Search=ADA269205&SimpleSearch=yes
- ^ http://www.qudsnet.com/arabic/news.php?maa=PrintMe&id=90467
- ^ http://www.mehrnews.com/ar/NewsDetail.aspx?NewsID=807247
- ^ http://www.ahram.org.eg/Index.asp?CurFN=MHFZ1.HTM&DID=9812
- ^ http://www.palpress.ps/arabic/index.php?maa=ReadStory&ChannelID=48223
- ^ http://kofiapress.com/arabic/?action=detail&id=24700
- ^ http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/middle_east_news/newsid_7570000/7570213.stm
- ^ http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/middle_east_news/newsid_7823000/7823109.stm
- http://www.tinjah.org/ar/news.php?action=view&id=1484
- . تقرير صادر عن اللجنة العربية لحقوق الإنسان، آذار 2002. www.home-swipnet-ce
الفهرس
مقدمة.............................................................................................................2
الفصل الاول : بُـنية الاطار السياسي للمشهد العربي/الفلسطيني.......................................................8
المبحث الاول: مشهد الاطار السياسي خلال العدوان الاخير على غزة.............................................10
الفرع الاول: مشهد النظام العربي الاقليمي خلال العدوان الاخير على غزة.......................11
الفرع الثاني : المشهد الفلسطيني خلال العدوان الاخير على غزة..................................14
أ. حركة حماس..................................................................................................15
ب. حركة فتح..................................................................................................18
المبحث الثاني: ممارسات الاطار السياسي..........................................................................21
الفرع الاول: كيفية تفاعل اطراف النظام العربي الاقليمي مع العدوان............................21
الفرع الثاني: كيفية تفاعل الاطراف الدولية والاقليمية مع العدوان ..............................32
المبحث الثالث: محدودية الاطار السياسي العربي...................................................................35
الفرع الاول:النظام العربي الاقليمي ... الضعف البنيوي.........................................35
1. من "الاستقطاب" إلى "الأزمة"................................................................................36
2.أحداث أيلول : من " الأزمة " إلى الانهيار..................................................................... 37
الفرع الثاني: فقدان ادوات الضغط والثوابت الوطنية..............................................................40
أ. المبادرات ومشاريع التسوية....................................................................................40
ب: أدوات الضغط الفلسطينية.... المفاوضات والانتفاضة....................................... 45
الفصل الثاني : التحرر الوطني والاطار السياسي في ضوء احداث غزة ( اواخر عام 2008)........................50
المبحث الاول: الانقسام الفلسطيني واشكالية اعادة الاعمار في غزة................................................51
الفرع الاول : اشكالية المرجعية الوطنية الفلسطينية...............................................................51
الفرع الثاني: الدعم العربي واشكالية اعادة الاعمار في غزة........................................................56
1. معيقات تقنية (فنية)..........................................................................................57
2 المعيقات السياسية ............................................................................................ 58
المبحث الثاني: فك الحصار ومشروعية المقاومة....................................................................60
الفرع الاول: مشروعية المقاومة................................................................60
• نقاط الضعف في المقاومة الفلسطينية.....................................................................63
• ايجابيات المقاومة........................................................................................65
الفرع الثاني : الموقف المصري تجاه قطاع غزة وفتح معبر رفح.....................................66
اولاً:محددات الموقف المصري.....................................................................................67
ثانيا: افاق خيارات الموقف المصري...............................................................................69
المبحث الثالث : عملية السلام في ضوء المبادرة العربية....................................................................................72
الفرع الاول: المبادرة العربية من قمة بيروت الى اعادة احياءها في قمة الكويت....................72
الفرع الثاني: المبادرة العربية خالية من وسائل ضغط.............................................75
الملاحق.........................................................................................................78
المراجع..........................................................................................................84
وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167)الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمْ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (168( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169(فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمْ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ(173)
سورة آل عمران
مقدمة
" السلام في الشرق الاوسط"، "مؤتمر كامب ديفيد 1979"، " مؤتمر مدريد 1991"، "المصافحة التاريخية بين عرفات ورابين"، " اتفاق إعلان المبادئ في واشنطن1993"، السلام بين الأردن وإسرائيل 1994( اتفاقية وادي عربة)"، "انتفاضة الأقصى 2002"، انتخاب ابو مازن للرئاسة الفلسطينية 2005" ونجاح حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية2006 "، "الانقسام الفلسطيني"، "حصار غزة"، " العدوان على غزة أواخر 2008"، كل هذه العناوين الصحفية، والإذاعية، والتلفزيونية، تدل على الأهمية القطعية التي تكتسبها منطقة الشرق الأوسط عالمياً، وتظهر أيضاً بقوة النتائج " الإيجابية والسلبية" التي أفضت إليها السياسات الدولية لحل الخلاف القائم بين العرب والإسرائيليون، وذلك بدفع من القوى الغربية، خاصة الولايات المتحدة الامريكية .
وإذا كانت هذه الاحداث تشكل علامات يمكن وصفها بالمبشرة للسلام والاستقرار بالمنطقة، فإنها تظل رغم ذلك، جهود غير كافية ، خصوصاً وان عوامل التوتر ما تزال موجودة بين العرب والاسرائيلين. وجاهزة لاستغلال الظروف كي تتخذ أحياناً أشكالا "دراماتيكية".
ومن المؤشرات التي دلت على امكانية وصول حركة حماس الى السلطة ونجاحها في الانتخابات التشريعية 2006 ان المنطقة شهدت تدشين المرحلة الجديدة بروز الأصولية الاسلامية، بعد فشل القومية العربية في نظر الشعوب العربية، فالطرح الاسلامي يطفو على السطح، بعنوان جديدة " العودة الى فضاء الهوية الاسلامية". وقد رافق الطرح الاسلامي صعود قوى الاسلام السياسي في المنطقة واصبح لهم دورا فاعلا على المستوى السياسي .
وسواء تعلق الامر بالاحداث الراهنة التي اثرت في العلاقات العربية الاسرائيلية في الشرق الاوسط، او بتدفق امواج الاصولية الاسلامية، فان دراسة المعطيات الحالية للوضع السياسي في الشرق الاوسط بشكل عام، وفي احداث العدوان الاخير على غزة اواخر عام 2008 بشكل خاص، يتطلب الوقوف على شكل النظام العربي المعاصر، وتحديد العلاقات البينية بين الانظمة العربية ، وعلاقاتها الاقليمية والدولية وموقع اسرائيل من ذلك.
كشف العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة التباين في المواقف والتوجهات السياسية العرية والفلسطينية . فقد عرفت الساحة الفلسطينية كل هذه العوامل المتناقضة التي تحرك العالم العربي اليوم، بوصف القضية الفلسطينية أبرز قضايا الشرق الأوسط إن لم تكن قضيته الأولى، لم تكن استثناء من بين القضايا التي تأثرت بالمتغيرات العالمية التي بدأت في نهاية القرن الماضي،من انهيار الاتحاد السوفييتي، وترسيخ الأحادية القطبية، كان لهما آثارهما في توجيه أطراف الصراع نحو شكل جديد للحل، وبرؤية الأحادية التي أفرزها النظام العالمي الجديد.
لا يسعى البحث لمناقشة مجمل التغيرات العالمية وأثرها على القضية الفلسطينية، وإنما يهدف إلى إعطاء توضيح عملي للفكرة التي مفادها: أن التغيرات الداخلية في الدول والأمم تلقي بظلالها لا محالة على طبيعة النظام العالمي. وإذا كانت نهايات القرن الماضي حملت معها نهاية الاشتراكية، ونفوذ الرأسمالية، فإنها حملت تناميا واضحا لحركات الإسلام السياسي القائمة، وميلادا لأخرى جديدة، وإذا كانت التغييرات التي عصفت بالعالم العربي ألقت بآثارها على القضية الفلسطينية، فكيف يمكن تجاهل تغييرات ولدت من رحم المنطقة؟
في الأراضي الفلسطينية كان الأمر مميزا، فبالرغم من أن حركة الإخوان المسلمين كان لها امتدادها هناك، إلا أن خصوصية المنطقة دفعت نحو تأسيس حركة منفصلة عن الإخوان المسلمين، فكانت حركة المقاومة الإسلامية حماس هي امتداد للجسم السياسي، وبالرغم من أن هذه الحركة تعتبر من قبل المفكرين امتدادا للإخوان المسلمين، في الأراضي الفلسطينية، إلا أن لهذه الحركة ما يميزها عن حركتها الأم "الإخوان المسلمين."
نتذكر هنا أن ظهور حركة حماس في فلسطين نهاية العام 1987 كان مناسبة بالغة الأهمية لسائر الحركات الإسلامية التي كانت تعاني من غياب الفعل الإسلامي المقاوم في الملف الفلسطيني الذي كان ولا يزال الأكثر أهمية للأمة. وبالإمكان القول إن النموذج المتقدم والفريد في البطولة والعطاء الذي جسّدته حماس في ميدان المقاومة قد شكّل رافعة للعمل الإسلامي الحركي ، وقد حدث ذلك بسبب المكانة التي تحتلها القضية الفلسطينية، الأمر الذي يرد في بعض تجلياته إلى البعد الإسلامي الذي تتميز به.
ظهور حركة حماس ليس هو محور دراستنا هذه، لكن التطورات السريعة والمتلاحقة في منطقة الشرق الاوسط بعد اتفاق " اوسلو 1993"، والتي نجزم بأنها العامل القوي وراء ظهور حماس على الساحة السياسية الفلسطينية بعد فوزها في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني أواخر شهر كانون ثاني (يناير) من عام 2005.
ونظراً للنتيجة التي حققتها حماس في الانتخابات، ونظراً لمواقفها من السلام والاعتراف باسرائيل، فلم يكتب لها ان تعمل ببرنامجها الانتخابي، خصوصا في تباعد سياسات فتح عن حماس، وهو ما خلق انقساما في الصف الفلسطيني ، وهو ما اضطر حماس لحسم قطاع غزة لصالحها صيف 2007، وهو ما اثار ردود فعل سياسية سلبية عربيا ودولية، نظرا للطريقة التي تم بها الحسم لصالح حماس، الامر الذي خلق جدلاً واسعاً في المحيط العربي والاسلامي، فبالاضافة للانقسام الفلسطيني الذي حصل قبل وجراء هذا الحسم ، فقد انقسم الموقف العربي والاسلامي ايضا بين مع و ضد. هذا الانقسام لا يمكن قراءته بعيدأ عما يحصل في غزة ، اذ ان ما تمثله القضية الفلسطينة للشعوب العربية والاسلامية عكس نفسه على مواقف هذه الانظمة تجاه الاحداث في فلسطين. بحيث اصبحت المنطقة تمر في مرحلة مخاض وتغير الكثير من المعالم، كما تدل مجريات الأحداث.
ولن نضرب في الرمل إذا قلنا ان الحساسية الرسمية العربية حيال حركة حماس اصبحت جد واضحة، والسبب بالطبع يتمثل في تلك الفوائد التي جنتها حركات المعارضة الإسلامية من المعركة.
واذا ما عدنا للعدوان فالمواجهة الأخيرة في قطاع غزة، كان لها ولقيم الإيمان التي جسّدتها أثر كبير في استعادة الكثير من الحركات الإسلامية وهجها بعد أن ضاعت سنوات في سياق من الاستيعاب الديمقراطي الرسمي الكاذب الذي لم يعد ينطلي على الشعوب بشيء إيجابي يذكر.
فالعدوان الاخير على غزة كشف لنا بعض التوجهات الصريحة الهامة في محيطنا العربي، والتي تتطلب قدراً كافياً من الاشتغال البحثي والتحليل المهني من قبل النخب، كما هيأ لنا الكثير من المشاهد التي مكّنت حتى الإنسان البسيط من إنجاز عمليات "فرز" لمن هو مع، ولمن هو ضد مجرى الاحداث في المنطقة.
الإشكــاليــة
بدا واضحا ان النظام العربي الرسمي قد شهد انقساما بشأن القضية الفلسطينية، وبشأن رد العدوان الإسرائيلي عن أهل غزة العزل. كما ان القضية الفلسطينية بدورها تعرضت لانقسام داخلي، كان امتدادا لانقسامات خارجية سابقة لها ارتباطات عربية وإقليمية، منذ أن حسمت حركة حماس وحكومتها المقالة موقفها بالتفرد بحكم غزة صيف 2007.
تبرز اشكالية الموضوع في العلاقة بين الانقسامين العربي والفلسطيني، ومدى تلازمهما؟ بحيث يصعب أحيانا -إن لم يكن كثيرا- معرفة أيهما المتغير الثابت وأيهما المتغير التابع، وأيهما السبب وأيهما النتيجة؟
الفرضيــــة
ليس الخلل في تكامل النضال المسلح والعمل الدبلوماسي في اداء القيادات الفلسطينية خلال العدوان الصهيوني الاخير على غزة، الا تعبيرا عن الضعف البنيوي في النظام الاقليمي العربي، باعتباره الحاضن الطبيعي لقوى التحرر الفلسطيني، وهو ضعف يقتضي بالاساس الفصل بين اطاري النضال المسلح (قوى المقاومة المسلحة) والعمل السياسي ( الاطر السياسية الفلسطينية المعترف بها دوليا ) على اساس من الالتزام بالثوابت الوطنية الفلسطينية/العربية.
المنهجية
يوجد مدارس متعددة تتناول العلاقة بين النظام الدولي والنظام العربي، أهمها "مدرسة التبعية" والتي يرى أنصارها العلاقة بين النظامين باعتبارها علاقة ذات اتجاه واحد بين مراكز القيادة في النظام الدولي والنظم الإقليمية. وبالتالي، يركز أنصار هذه المدرسة على علاقات الاعتماد المتبادل غير المتكافئة بين بلاد المركز الرأسمالي الصناعي وبلاد الهامش، وغياب التنمية المستقلة .
وهذا يتضح من مقولات مدرسة التبعية التي تفترض:
- أن القوى الخارجية تحدد التغيرات الهامة في مجتمعات العالم الثالث، دون أن ينفـي
ذلك الدور الذي تلعبه الأبنية والعمليات الداخلية في هذه المجتمعات.
- لا يمكن دراسة المشاكل الحالية لتخلف التنمية في العالم الثالث بمعزل عن بيئتها التاريخية والعالمية، وبالتالي ترتبط هذه المشاكل وسبل مواجهتها بالنظام العالمي والتغير الذي يشهده.
- أن التغير الاقتصادي جزء من عملية مجتمعية عامة تعكس الأدوار التي تقوم بها الجماعات المختلفة على المستويين المحلي والدولي، وبالتالي لا يعتبر التغير الاقتصادي عملية آلية .
وفي مقابل هذه المدرسة التي تذهب إلى القول بوجود علاقة ذات اتجاه واحد بين النظام الدولي السائد وبين النظم الإقليمية، تبلورت منذ أوائل السبعينيات مدرسة "النظم الإقليمية" التي يمكن القول إنّ إضافتها الرئيسية في هذا الصدد تمثلت في التأكيد على أن واقع العلاقة بين هذه النظم الإقليمية وبين النظام الدولي السائد أكثر تعقيداً من أن تكون علاقة ذات اتجاه واحد. فالنظم الإقليمية تملك تفاعلاتها الذاتية التي تتم وفقاً لاعتبارات خاصة بها بعيداً عن الدول الكبرى في النظام الدولي. ومن ثم فان التفاعلات الإقليمية ليست مجرد انعكاس أو رد فعل أو امتداد لإرادة النظام الدولي السائد.
وبالتالي تؤكد هذه المدرسة على وجود تفاعلات إقليمية لها منطقها الذاتي بعيداً عن إرادة النظام الدولي القائد .
والتساؤل الآن: إذا كان التحليل السابق ينطبق على النظم الإقليمية، فهل ينطبق على النظام الإقليمي العربي؟ أم أن هناك خصوصية لهذا النظام قد تدفع للاعتقاد بضرورة توقع اختلاف في جوهر التحليل السابق.
التقسيم:
سيتم تقسيم هذه الدراسة الى قسمين، وفقا لمتطلبات الاشكالية والفرضية التي ارنو لاثباتها:
الفصل الاول : بُـنية الاطار السياسي للمشهد العربي/الفلسطيني.
الفصل الثاني : التحرر الوطني والاطار السياسي في ضوء احداث غزة ( اواخر عام 2008).
الفصل الاول : بُـنية الاطار السياسي للمشهد العربي/الفلسطيني.
أكد العدوان الاخير على قطاع غزة بأن الإطار السياسي للمشهد العربي الحالي لم يعد صالحاً أو ملائماً للقضية الفلسطينية. فبعد ان كان النظام العربي يمثل في وقت بعيد- ايام الناصرية والقومية العربية- إطاراً تكاملياً عملياً يدفع باتجاه ضبط بوصلة العمل الفلسطيني التحرري، بشقه السياسي والنضالي، نجد انه اصبح اطاراً سياسيا هشاً لا على المستوى العربي الخارجي والرسمي ولا على المستوى الفلسطيني الداخلي والخارجي، اطاراً بدأ يتصف بالتضعضع والضعف .
إن ضعف وارتباك النظام الإقليمي العربي ظهر جلياً أثناء العدوان على غزة، حيث انقسم هذا النظام إلى''معتدلين'' و''ممانعين''. وهذا ما زاد من دوائر قطرية القضايا العربية، وبالتالي تراجع التضامن العربي العربي. فالمثلث المصري- السعودي- السوري لم يعد قادراً على حل الأزمات وإحلال الاستقرار، بسبب اختلاف الظروف التي فرضت حسابات لكل طرف تختلف تماماً عن حسابات الأطراف الأخرى في أكثر الملفات الضاغطة. ونظراً لعدم إمكانية فصل التفاعلات في النظام الإقليمي العربي عن تأثيرات النظام الدولي الذي عمد إلى اختراق النظام العربي بهدف تعميق عجز أولوياته، وتطويع توازناته الداخلية لتتلاءم والمتطلبات الدولية .
اذن فلا جدال في أن الانعكاسات التي أفرزتها الحرب على غزة طفت تباعاً على المشهد الاستراتيجي العربي خاصة على صعيد العلاقات العربية الإسرائيلية، في ظل تماسك المقاومة الفلسطينية في غزة وعدم استسلامها رغم اختلاف موازين القوى. فقد حمل المشهد الإقليمي في طياته تغييرات بعيدة المدى تركت آثارها الاستراتيجية في مستقبل التوازنات العربية والفلسطينية، وكذلك في طبيعة العلاقات العربية مع الجوار الإقليمي. وهو ما سمح بتعاظم دور القوى الاقليمية غير العربية، مثل تركيا وايران ومنظمات المجتمع المدني. فالقضية الفلسطينية اصبحت تخضع لحالة استقطاب واحتقان سياسي بين القوى الإقليمية العربية وغير العربية، أو دول الجوار الإقليمي، مثل إيران وتركيا. ولكن الأهداف والسياسات تختلف من دولة إلى أخرى .
لا بد من الإشارة إلى عاملين أساسيين لعبا دوراً مهماً في حالة الاستقطاب هذه، الأول هو الاستقطاب الفلسطيني الداخلي، فالفلسطينيون منقسمون بين قوتين رئيسيتين هما فتح وحماس، وكل منهما ولدعم موقفها الداخلي تربط نفسها بقوة إقليمية متطلعة وطامحة للعب دور إقليمي، وهنا التوظيف قد يتعارض مع مصالح وأهداف كل دولة إقليمية، وهو ما يفسر التعثر والفشل مثلاً في ملف الانقسام الفلسطيني، والعامل الثاني الذي يفسر لنا هذا الاستقطاب الإقليمي هو تراجع الدور الإقليمي والمحوري للدول العربية في النظام العربي الاقليمي، بوصفها الحاضن الطبيعي للقوى الفلسطينية، وتعلم الاطراف الفلسطينية مدى حاجتها للحضن العربي والذي لا يمكن تعويضه بحضن اقليمي غير عربي ، كون حالة الاستقطاب تعكس عوامل كثيرة متنافرة ومتصادمة ، لكنها في النهاية ترتبط بضعف الموقف العربي من ناحية، وضعف الموقف الفلسطيني .
بالتأكيد ان الدور الطبيعي والمنطقي للدول العربية المحورية نفسها، يفترض أن القضية الفلسطينية هي أحد المكونات الرئيسية لأمنها القومي. فإذا صلح الحال الفلسطيني صلح الحال العربي والعكس صحيح، وهذا ما يدفع الى قراءة الاطار السياسي العربي الفلسطيني خلال العدوان الاخير على غزة من خلال:
• المبحث الاول: مشهد الاطار السياسي خلال العدوان الاخير على غزة.
• المبحث الثاني: ممارسات الاطار السياسي.
• المبحث الثالث: معوقات الاطار السياسي.
المبحث الاول: مشهد الاطار السياسي خلال العدوان الاخير على غزة.
يمر النظام العربي الرسمي في اللحظة الجارية بحالة هدوء سياسي نسبي قياساً إلى الفترة الصاخبة التي مر بها حتى انعقاد القمة العربية في قطر نهاية آذار/ مارس 2009، وهو هدوء وثيق الصلة بجهود المصالحة التي قادتها المملكة السعودية بين كل من مصر وسوريا وقطر منذ قمة الكويت الاقتصادية التي سبقت القمة العربية بثلاثة أيام ، وهذا لا يعني ان المشهد العربي مقبل على انفراج جوهري، نظرا لعدة معطيات:
• عدم التوافق حول المبادرة العربية بما يؤدي إلى محاصرة الطرف الفلسطيني.
• استمرار الاصطفاف العربي الحالي، وبالتالي استمرار الانقسام الفلسطيني. وعدم تفعيل مصالحة فلسطينية مدعومة عربياً وليس فقط مصرياً.
• عدم حصول تهدئة عربية تشمل الجبهة الفلسطينية، وتسهل عملية الحوار، ودون التوافق على حكومة وطنية.
إن حالة الهدوء النسبي السائدة عربياً تحجب وراءها سياسات ترقب عربية متبادلة لما ستتطور إليه بعض القضايا بفعل السياسات الأمريكية الجديدة، تجاه العراق وفلسطين وسوريا ولبنان من جانب، ومحصلة الحوار الوطنى الفلسطيني من جانب ثانٍ.
ويتميز المشهد الفلسطيني بدوره بعدد من السمات الهيكلية ، على النحو التالي:
1. انقسام سياسي وجغرافي ينذر بإعادة تعريف القضية الفلسطينية على نحو يضر بكونها قضية عادلة لشعب يناضل من أجل حقوقه المشروعة في دولة مستقلة وذات سيادة غير منقوصة.
2. يتمثل الانقسام الفلسطيني سياسياً في التباين حول رؤيتين؛ الأولى تمثلها السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس، وتؤمن بأن المفاوضات هي السبيل الوحيد للحصول على الدولة وعلى السيادة، وأن ميزان القوى مع "إسرائيل" لا يفسح أي مجال للعمل العسكري، وأن إدارة الرئيس أوباما تمثل فرصة مشجعة للضغط على الحكومة الإسرائيلية لقبول حل الدولتين وإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي. وتعد نقطة ضعف هذه الرؤية الرئيسة هي ضعف مردود المفاوضات التي أجرتها السلطة بالفعل مع الحكومة الإسرائيلية السابقة بقيادة أولمرت، وتنصل الحكومة الإسرائيلية الجديدة برئاسة نتنياهو من صيغة حل الدولتين والاكتفاء بعرض تحسين الأحوال الاقتصادية للفلسطينيين كأساس للمفاوضات المقبلة.
الرؤية الثانية تمثلها حركة حماس وحكومتها في غزة ومعها عدد من الفصائل الفلسطينية الأخرى وأبرزها الجهاد، وتشكك بداية في جدوى المفاوضات مع أي حكومة إسرائيلية، وتعتبر أن حل الدولتين ينهي القضية الفلسطينية ولا يعيد حقوق الشعب الفلسطيني، وأن نقطة البداية التي يجب معالجتها هي الاحتلال الإسرائيلي، وبالتالي فإن المقاومة هي الموقف العملي الوحيد للرد على هذا الاحتلال، وأن الأفضل بالنسبة لهم أن تكون هذه المقاومة مدعومة عربياً بصفةٍ رسميةٍ، وأنه لاعتبارات عملية فهم يحصلون على دعم من أي طرف يساند هذا الموقف، وفي المقدمة إيران وسوريا. ونقطة ضعف هذه الرؤية تتمثل في أن المقاومة المطروحة في شقها العسكري ليست فعالة في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وأن ثمن أي مواجهة عسكرية يكون باهظاً ويزيد المعاناة الفلسطينية، وهو ما حدث في القطاع إبان وبعد العدوان الإسرائيلي في كانون الثاني/ يناير 2009.
الفرع الاول: مشهد النظام العربي الاقليمي خلال العدوان الاخير على غزة.
زاد العدوان الاخير على غزة ( اواخر عام 2008) انقسام النظام العربي، الذي كان منقسا قبل بدأ العدوان وعند بدأ العدوان،وهو ما سمح ببروز ادوار اقليمية ودولية على حساب الدور العربي، بالرغم من المحاولات التي كانت تأمل بان تؤثر ايجابيا على مجريات الاحداث، الا ان الانقسام الفلسطيني الداخلي كان يزيد من سلبية دور النظام العربي، ولا يمكن القول بان الانقسام الفلسطيني الداخلي هو سبب انقسام النظام العربي الذي عرف بالانقسام منذ نشأته.
لكن الانقسام الفلسطيني الداخلي اثناء العدوان، كشف الضعف البنيوي في النظام العربي، بحيث كان التمييز قائما بين معسكر الاعتدال بزعامة السعودية ومصر، ومعسكر الممانعة بزعامة سوريا وقطر التي برزت كفاعل جديد في معسكر الممانعة .
فمعسكر الاعتدال اراد بان يعتبر من المناصرين للتسوية السلمية، من خلال الجهود التي بذلها في التخفيف من وتيرة الحرب، لكن جهودة كانت عقيمة بدرجة كبيرة، اما معسكر الممانعة فقد ظهر بمظهر المشجع للمقاومة الفلسطينية في غزة والمدافع عنها والداعي لدعمها، لكنه لم يستطع ان يفعل شيء على ارض الحرب،وكل ما كسبه هو نسبة كبيرة من تأييد الشارع العربي .
وعودة لمعسكر الاعتدال فان التأييد الشعبي الذي حصل عليه معسكر الاعتدال جراء موقفه من الحرب، جعل معسكر الاعتدال يبدأ بلعب دور المعارض غير الراض عن المقاومة كأداة لادارة الصراع، وهذا الدور لم يكن جديداً، فهو نفس الدور الذي لعبه ضد المقاومة اللبنانية في تموز 2006.
هذه المواقف التي اتخذها المعسكران،انعكست على شدة الانقسام العربي، فحروب القمم التي اشتعلت بين المعسكرين، فمنذ البداية طرحت فكرة عقد قمة عربية طارئة .وعندما انعقد مجلس الجامعة على المستوى الوزاري في 31/12/2008، أي في اليوم الخامس للعدوان، وأقر آلية التحرك عبر مجلس الأمن. كان واضحاً أنه لا توجد ممانعة لفكرة عقد القمة الطارئة في حد ذاتها، بدليل الاتفاق على تأجيلها إلى حين انعقاد جلسة مجلس الأمن، فإذا فشل التحرك العربي عبر المجلس لسبب أو لآخر فإن ذلك سيستتبع النظر في انعقادها بشكل عاجل للنظر في إجراءات عملية أخرى سقفها أعلى، ولا يستطيع سوى القادة العرب أن يتخذوها رداً على إسرائيل.
لكن القرار الذي صدر عن مجلس الأمن في التاسع من يناير/كانون الثاني 2009، أي في اليوم الرابع عشر للعدوان،والذي كان العرب يعول عليه كثيراً، بحيث ظن النظام العربي بانه من الممكن ان يأتي قرار يبين صحة العمل العربي عندما احالوه على مجلس الامن، كان قرار بلا التزام من الجانب إسرائيل، فلم تعر اسرائيل أي اهتمام للقرار، واستمرت فيعدوانها بحجة ايقاف صواريخ المقاومة والتي لم تتوقف هي الاخرى، فأعادت قطر الدعوة إلى عقد قمة طارئة تعقد في عاصمتها الدوحة ، وهنا انصب جهد معسكر الاعتدال العربي على الحيلولة دون عقد هذه القمة بحجة أن هناك قمة اقتصادية ستعقد بالكويت ستوفر إطاراً مناسباً لبحث موضوع العدوان على غزة. هذه القمة التي كان من المقرر أن تعقد يوم التاسع عشر من يناير، أي في اليوم الرابع والعشرين للعدوان، علماً بأن هذه الحجة لم تذكر أصلاً في البداية إبان انعقاد مجلس وزراء الخارجية العرب في31/12/2008.
وأضاف معسكر الاعتدال إلى مبرراته الرفض لعقد القمة الطارئة في الدوحة، أن هذا الانعقاد من شأنه أن يفسد أعمال قمة الكويت. مع أن "قيادة" معسكر الاعتدال دعت إلى قمتين أخريين قبل قمة الكويت: الأولى خليجية ودعا إليها الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود في الرياض ، محاولاً إثناء أمير قطر فيما يبدو عن دعوته، وتوحيد الصف الخليجي، والثانية دولية ودعا إليها الرئيس حسني مبارك في شرم الشيخ، الذي كان يبحث عن دور دولي بقيادة اوروبية لتثبيت وقف اطلاق النار . ولم تؤثر القمتان على انعقاد قمة الكويت في موعدها، علماً بأن قمة شرم الشيخ بالذات عقدت عشية انعقاد قمة الكويت.
فيما عقدت قمة الدوحة في السادس عشر من يناير، أي في اليوم الحادي والعشرين للعدوان، بحضور ممثلين عن 13 دولة عربية، أي أقل من النصاب بدولتين فقط، مع ملاحظة أن الرئيس الفلسطيني لم يحضر، وكذلك الرئيس اليمني الذي كان أحد دعاتها في البداية، فصارت قمة تشاورية وليست قمة رسمية طارئة، وأثيرت فيها أفكار أكثر جرأة على صعيد مواجهة العدوان لم تصل بطبيعة الحال إلى طرح بدائل للدعم العسكري للمقاومة، لكن التركيز وقع على إفلاس نهج التسوية السلمية واعتبار المبادرة العربية للسلام ميتة، وتجميد العلاقات مع إسرائيل، وإعادة إعمار قطاع غزة، واتفق على عرض قرارات قمة الدوحة على قمة الكويت بما يوحد "الشرعية العربية"، لكن هذه القمة بدورها اختلفت اختلافاً بيناً، رغم أجواء المصالحة التي دشنها الملك عبد الله بن عبد العزيز، حول قضايا جوهرية مثل آلية إعادة الإعمار في غزة، والمبادرة المصرية، ولذلك خرج بيانها ضعيفاً غير متناسب مع الكارثة التي وقعت في غزة.
قمة الكويت جاءت محاولةً رأب الصدع العربي، حيث بادر الملك عبد الله بن عبد العزيز، الى الحديث عن مسؤولية الجميع عما وقع، ودعا إلى مصالحة عربية شاملة، بدأها بدعوة قادة مصر وسورية وقطر بالإضافة إلى الملكين الأردني والبحريني إلى مأدبة غداء في مقر إقامته، لكن بيان القمة يعد أكبر دليل على عدم جدية كافة الأطراف؛ لأن ثمة تصادماً مهماً في المصالح بين الأطراف يحول دون إتمام المصالحة على نحو يستطيع ايقاف الحرب.
ولا شك أن هذا الانقسام قد كشف عن خلل جسيم في الممارسة الوظيفة القيادة داخل النظام العربي، فلم تعد هناك قيادة واضحة (فردية أو جماعية) تستطيع أن توجه حركة النظام منذ تراجع الدور القيادي المصري بعد هزيمة 1967 ، بحيث يمكن القول ان ضعف النظام ادى الى تردي قدرته على الاستقطاب الاقليمي، بمعنى شلله وعدم قدرته على العمل والتأثير ، ولربما يكون سببا في التجرؤ الاسرائيلي في الحرب.
فبينما الالة الاسرائيلية تقتل بالفلسطيين بصورة بشعة، وتدمر بناهم التحتية، كان المسؤولون العرب يتباحثون في امكانية وجدوى عقد قمة عربية طارئة، وان تحرك فان تحركه كان بشكل مبهم للغاية عندما اختار الية مجلس الامن لوقف الحرب، وهم على علم بحدود قدرة مجلس الامن على الحركة، خصوصاً عندما تكون اسرائيل طرفا في نزاع. وحتى عندما عقدت القمة العربية الطارئة في الدوحة، نجد ان البعض حاول افشالها.
بينما استخدم اخرون الاداة الدبلوماسية لعقاب اسرائيل، عندما قطعت قطر وموريتانيا علاقاتها مع اسرائيل وتجميدها، وقد طرحت ايضا مسألة مراجعة الموقف العربي من مبادرة السلام، بحيث ان العرب يفكرون في تبني بدائل اخرى، ان لم توقف اسرائيل حربها على غزة، لكن اسرائيل لم توقف حربها ولا العرب طرحوا افكارا بديل للمبادرة العربية للسلام، واكتفوا بالتلويح بامكانية سحبها.
ان مشهد وتوجه النظام العربي خلال الحرب على غزة، كان له اثر كبير على الكيفية التي جرت فيها الحرب ، فبالرغم من سلبيته يمكن استخلاص بعض النقاط:
• أخفق النظام العربي دون شك، فكان تواضع أدائه سبباً في تجرؤ إسرائيل على العدوان، ثم في استمرارها وإمعانها فيه، وأبعده هذا التواضع في الأداء عن موقع التأثير في الطريقة التي تم بها وقف إطلاق النار على الرغم من كل ما قيل.
• خلق الانقسام في النظام العربي مناخاً يسمح لقوى إقليمية مثل تركيا وإيران بأن يتعاظم دورها في الأزمة، ولقوى أوروبية بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية بطبيعة الحال بأن تلعب دوراً خطيراً، وبصفة خاصة في توفير دعم سياسي لإسرائيل.
• وضعت الحرب الاسرائيلية على غزة العرب امام موقف لا يحسد عليه، بحيث زادت الحرب من حدة الانقسام العربي، وهو ما اثر على شكل الانقسام الفلسطيتي الداخلي ، بحيث اصبح توجهه متماشيا مع توجه النظام العربي المنقسم.
الفرع الثاني : المشهد الفلسطيني خلال العدوان الاخير على غزة.
بدت بوادر العملية العسكرية الإسرائيلية ضد قطاع غزة مع اقتراب فترة التهدئة من نهايتها في2008/12/19 واضحة المعالم ، في حين ان الفصائل الفلسطينية قد شرعت في تقييم اتفاق التهدئة في أواخر تشرين ثاني/ نوفمبر 2008 ، وكان هناك اجماع لدى الفصائل الفسطينية بعدم تمديد الاتفاق ما لم يلتزم الجانب الإسرائيلي بكل شروطه، خاصة ما يتعلق برفع الحصار .
وقد أصرت معظم الفصائل الفلسطينية والحكومة المقالة في غزة على شروطها لإبرام أي اتفاق تهدئة جديد، ولم تقبل في هذا السياق المبادرة المصرية في صيغتها الأولية ، واشترطت إدخال تعديلات عليها،وهذا ما دفع إسرائيل لاتخاذ العديد من الخطوات السياسية والعسكرية لترسيخ مظاهر الانقسام الفلسطيني – الفلسطيني وضرب المشروع الوطني الفلسطيني عامة بهدف فرض واقع أمني مع قطاع غزة يضمن له حدود آمنة .
وفي السابع والعشرين من ديسمبر 2008، كان العدوان الاسرائيلي على غزة يفرض واقعاً آخر معاكس للتفكير الفلسطيني في قطاع غزة ، فقد بدأت إسرائيل بشن عدوانها الذي اختلف عن أي عدوان سابق فقد دمرت به إسرائيل البني التحتية للمجتمع الفلسطيني وللسلطة الفلسطينية تدميرا كليا، محددة اهداف العدوان امنيا وسياسية، وبغض النظر عن ما حققته اسرائيل من اهداف وما لم تحققه، فإنه بدأت تلوح في الأفق معركة سياسية لا تقل شراسة، تحمل عناوينها الرئيسية: فك الحصار، وفتح المعابر، وإعادة إعمار قطاع غزة. وفيما يلي المواقف السياسية لحركة حماس وحركة فتح خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على القطاع.
أ. حركة حماس:
في تصريح رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل والمؤرخ في 14/12/2008، اكدت حركة حماس على عدم تجديدها للتهدئة، نظرا لعدم مراعاة اسرائيل لعدة امور ، وبهذا فإن اتفاقية التهدئة انتهت ولا تجديد لها، ما لم تلتزم اسرائيل بشروط واستحقاقات التهدئة. واعلنت حركة حماس انها لن تمدد التهدئة مع اسرائيل، محملة اياها المسؤولية، واعلنت كتائب القسام في 19/ 12/2008 انتهاء اتفاق التهدئة، وعدم تمديده نتيجة تنكر الاحتلال لشروطه واستحقاقاته الاساسية. وذكرت كتائب القسام أنها رصدت 185 خرقًا إسرائيليًا لاتفاق التهدئة، موضحة في تقرير إحصائي لها أن 21 فلسطينيًا استشهدوا برصاص "إسرائيل" 22 خلال التهدئة، فيما أصيب 53 شخصًًا، واعتقل 38 آخرون. وأشارت إلى أن عدد التوغلات الإسرائيلية وصل إلى 15، إضافة إلى 51 حالة إغلاق للمعابر، عدا عن استهداف الاحتلال للصيادين،والمزارعين .
وعلى إثر الغارات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت المقرات الأمنية في غزة في اليوم الأول من العدوان، دعت حركة حماس الفلسطينيين إلى انتفاضة ثالثة ضد الاحتلال، واكدت ان على سكان الضفة الغربية التظاهر والتضامن مع " قطاع غزة"، كما دعت فصائل المقاومة إلى تنظيم وتوحيد الصفوف ""، وقد خص رئيس الحكومة المقالة في غزة حركة فتح بالذكر وسماها "فتح البندقية والانتفاضة والكفاح" .
وعلى الرغم من تعرض أغلب مقرات الأجهزة الأمنية التابعة للحكومة المقالة في قطاع غزة لقصف أدى إلى تدمير أغلبها، إلا أن الحكومة المقالة أعلنت أن كافة الوزارات "تمارس عملها على أكمل وجه"، واستمرار وجود كافة كوادر وقيادات الأمن على رأس أعمالهم لتقديم الخدمة للمواطنين".
وألقى العدوان الإسرائيلي بظلاله على العلاقة بين حماس والرئاسة الفلسطينية؛ فاتهمت حركة حماس الرئيس محمود عباس بعلمه المسبق بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. ورفضت دعوة عباس للحركة إلى التشاور في شأن
العدوان الإسرائيلي معتبرًا أنها "جاءت متأخرة جدًا لأنها تساهم في لفت النظر عما يجري من جرائم"، داعيًة عباس للبحث عن وسيلة أخرى لإثبات وطنيته ". فيما اتهمت السلطة حركة حماس بانها أنهت التهدئة، وجنحت إلى التصعيد تنفيذًا لأجندة إقليمية اشارة من حركة فتح الى الدور الايراني في الحرب.
وقد اكدت حماس على الدور العربي في الحرب وطالبته باتخاذ خطوات وإجراءات عملية تؤدي إلى وقف العدوان على القطاع، ولعلّ قطع العلاقات السياسية، التي تقيمها بعض الدول العربية مع الكيان الاسرائيلي، وفتح معبر رفح، يمّثلان الرد العملي على هذا العدوان.
واستنكرت حماس كذلك الدور المصري إزاء تهديدات وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني بتغيير الوضع في قطاع غزة من القاهرة، واتهمت مصر أن الغارات أتت بعد أن التقت ليفني بالرئيس المصري في26 2008/12/ ، وقد شكلت مسألة إغلاق مصر لمعبر رفح مشكلة حقيقية بين مصر وحماس وسط اتهامات متبادلة، إذ اتهمت مصر حماس بعدم السماح لمئات الجرحى الفلسطينيين من مغادرة قطاع غزة للعلاج، في حين نفت حماس أن تكون مصر قد فتحت معبر رفح في الأساس، وانتقدت حماس تصريحات الرئيس المصري حول قانونية فتح معبر رفح، إذ وصفتها ب"المؤلمة" مستغربًة أنتصدر تصريحات كهذه من زعيم أكبر دولة عربية .
وقد طرحت بعض الأطراف والهيئات العربية والإقليمية والدولية عددًا من الأفكار والمبادرات إزاء العدوان الإسرائيلي على القطاع، هدفت من خلالها إلى إيجاد مخرج سياسي للأزمة. ونعرض هنا موقف حركة حماس من هذه المبادرات ، وأبرزها قرار مجلس الأمن 1860 ، والمبادرة المصرية:.
قرار مجلس الامن رقم 1860: أدانت حماس موقف مجلس الأمن الدولي من العدوان على غزة، وبينت الحركة ان رفض المجلس في 2009/1/3 إصدار قرار يدين العدوان الإسرائيلي "مهزلة حقيقية"، موضحةً إن ما صدر عن مجلس الأمن في جلسته التي انعقدت في 3/1/2009 إنما يؤكد على انحيازه التام للكيان الاسرائيلي وأشارت إلى أن فشل مجلس الأمن في إصدار القرار يشكل غطاء للعدوان على غزة، ويعطي فرصة للاحتلال لاستكمال مجزرته فيها.
المبادرة المصرية التي طرحها الرئيس المصري في 6/1/ 2009: اعلنت حماس وجود بعض التحفظات عليها. وشددت على رفض وجود قوات دولية فاصلة، أيًا كان نوعها وشكلها وحجمها في القطاع، معتبرًة أن الهدف من وجود هذه القوات هو الوصول إلى "تهدئة كاملة مع العدو الإسرائيلي على حساب الشعب الفلسطيني ، واوضحت أن أي اتفاق دولي في مجلس الأمن أو غيره يوافق عليه الرئيس محمود عباس "غير ملزم للمقاومة الفلسطينية". وذكرت حماس على انها أبلغت المبعوثين التركي والروسي وغيرهما أنها لن تقبل أي مشروع قرار دولي لا ينص صراحة على فك الحصار، وفتح معبر رفح.
وفي 16/1/2009 حددت حركة حماس عبر رئيسها مكتبها السياسي خالد مشعل في كلمة ألقاها في الجلسة الافتتاحية لقمة غزة الطارئة التي أقيمت في الدوحة، مطالب القوى الفلسطينية للقبول بوقف إطلاق النار التي تم الاتفاق عليها ، وهي :
1. توقف العدوان الإسرائيلي.
2. وانسحاب العدو من غزة.
3. ورفع الحصار عن غزة بلا رجعة.
4. وفتح جميع المعابر وفي مقدمتها معبر رفح.
وفي الجهة الاخرى وبعد يومين من مؤتمر الدوحة عقد في شرم الشيخ مؤتمر دولي لبحث وقف النار في غزة ،وصرحت حمس بان مؤتمر شرم الشيخ الدولي لن يفلح في رسم أي خارطة جديدة تتعارض مع مصالح الشعب الفلسطيني، لأن من يرسم الخارطة هذه المرة هو المقاومة في الميدان.
ب. حركة فتح:
قبل الشروع في قراءة وتحليل " الأداء السياسي للسطلة الفلسطينية وحركة فتح وتداعياته" خلال العدوان الاسرائيلي على غزة، يجب ابراز نقطتين : الاولى: التمييز ما بين حركة فتح من جهة والسلطة ومنظمة الحرير الفلسطينية من جهة اخرى. الثانية: توضيح المسار الذي كانت عليه السلطة والاجواء التي سبقت العدوان.
htmlspecialchars_decode('"')
أولاً: التمييز بين موقف حركة فتح وموقف السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية. htmlspecialchars_decode('"')
ان الاهمية في التمييز بين الموقفين تنبع من ان السلطة بعد الانقسام ( 14/06/2006) لم تعد خاضعة مباشرة لحركة فتح مثلما كان الامر قبل " الحسم العسكري في غزة". لان الحكومة التي شكلها الرئيس محمود عباس برئاسة سلام فياض بصفة طارئة، وانتقلت لتصبح حكومة تسيير اعمال، لا تنمي لفتح، وهي في الحكم منذ اكثر من سنتين، وهي على خصومة مع فتح، وهذا ممكن بسبب الحالة التي وصلت فيها الحركة الى حد فقدان القيادة والبرنامج والتنظيم وتفجر الخلافات ما بين اجنحتها المختلفة.
htmlspecialchars_decode('"')
ثانيا: المسار الذي كانت عليه السلطة والاجواء التي سبقت العدوان. htmlspecialchars_decode('"')
ان المعطيات التي سبقت العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة كانت وبالا على السلطة وحركة فتج في مجالات عديدة، ابرزها: عدم قدرة حركة فتح على عقد مؤتمرها في اجواء ملائمة، مما ادى الى استمرار الصراع بين اجنحتها، وادى ايضا الى تفاقم عواقب الهزيمة وفي غزة الامر الذي نتج عنه في فقددانها لبوصلتها السياسية ووضعف قيادتها ومؤسساتها القادرة على قيادة حركة بحجم فتح.
وعلى إثر العدوان الإسرائيلي، أعلنت حركة فتح تعليق احتفالاتها بعيد انطلاقتها ال 44 تضامنًا مع الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وحدادًا على أرواح الشهداء. كما أدان مروان البرغوثي، أمين سر حركة فتح في الضفة الغربية، العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، مؤكدًا في رسالة إلى الشعب الفلسطيني، على أن هذا العدوان يأتي بهدف تدمير قطاع غزة، ومعاقبة الشعب الفلسطيني على صموده في وجه الحصار، واستغلال حالة الانقسام في الساحة الفلسطينية، بهدف تحقيق مكاسب انتخابية في "إسرائيل". على حساب الدم الفلسطيني .
ومن جهته، دعا رئيس اللجنة الحركية العليا لحركة فتح، قدورة فارس، جميع القادة الفلسطينيين ولا سيما في حركتي فتح وحماس إلى التعالي فوق الخلافات السياسية، والوقوف صفًا واحدًا ضد العدوان.
وطالب السلطة الفلسطينية بوقف "كل أشكال الاتصال والتفاوض مع إسرائيل، وإتاحة الفرصة للمواطن . الفلسطيني في الضفة الغربية ليعبر عن تضامنه مع أهله في قطاع غزة".
أما ممثل منظمة التحرير في لبنان عباس زكي، فقد قال:
"إن غزة لن تركع، وإن المقاومة ستنتصر، وإن الفتحاويين مشاريع شهادة عند دخول شعبنا في أي مواجهة، ونحن نخطط الآن لإشعال فتيل الانتفاضة في الضفة الغربية، ووقف كل أشكال التفاوض، أو . الحديث مع الإسرائيليين، وإلى بناء وحدة حقيقية في إطار منظمة التحرير" .
ودعت اللجنة القيادية العليا لحركة فتح في قطاع غزة، إلى إنهاء الانقسام الفلسطيني الداخلي فورًا، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تضطلع مباشرة بالإشراف على المساعدات التي تقدم للقطاع، وكذلك بالإشراف على إعادة إعماره وبناء ما دمره الاحتلال، مؤكدة أن ذلك يتطلب فتحًا سريعًا للمعابر كافة ليتسنى إدخال المواد اللازمة .
من جهة أخرى، انتقد هاني الحسن، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، أداء السلطة الفلسطينية والحكومة التابعة لها، فيما يخص عملها لإغاثة قطاع غزة بعد العدوان. وهنأ الحسن في بيان صحفي "حركة حماس والمقاومة في تصديها للعدوان، والنصر الذي حققته في دحر الاحتلال الاسرائيلي عن قطاع غزة.
أما أحمد عبد الرحمن الناطق الرسمي باسم فتح فقد انتقد تصريحات رئيس الحكومة المقالة إسماعيل هنية التي وصف ما جرى في غزة بأنه انتصار للفلسطينيين بقوله: "يتحدثون عن انتصارات وهمية وعليهم أن يخرجوا من جحورهم، ويروا ما حصل في قطاع غزة، هناك مجزرة غير مسبوقة في التاريخ، ودمار لم يحصل مثله في كل معاركنا مع إسرائيل" .
واتهمت فتح حركة حماس بتصفية بعض أفرادها في قطاع غزة، وو زعت كشفًا بأسماء 17 من كوادر ونشطاء حركة فتح، قالت إن حماس أعدمتهم . وفي سياق متصل قال عزام الأحمد إن حماس "تستغل حاجة أهالي غزة... لتحقيق أغراض سياسية"، وقال إن أفرادًا من حركة فتح قتلوا للأسف بيد مليشيا حماس.... وكان المسؤول عن ذلك سعيد صيام؛ لأنه تولى ما سمي الجبهة الداخلية، ولدينا بالتاريخ والمكان والساعة" ظروف مقتل هؤلاء الذين أشار إلى أن عددهم 28 شخصًا."
بعد ان اوضحنا مواقف السلطة والمنظمة وحركة فتح خلال العدوان كانت يجب ان نضع في الاعتبار عدة ملاحظات مهمة:
1. رغم ان القيادة الفلسطينية وعلى راسها حركة فتح ادانت العدوان الاسرائيلي وطالبت بوقفه الفوري الا انها كانت في موقف محرج ومرتبك للغاية فمن جهة كانت تعول كثيرا ان يستطيع العدوان اسقاط حماس او اضعافها بشكل كبير في غزة، وقد اكد هذا الطرح تصريحات نمر حماد مستشار الرئيس الفلسطيني محمود عباس، والتي حملت حماس المسؤولية ولو جزئيا عن العدوان متناسيا ان اسرائيل لم تكن في حاجة الى خلق الاعذار للقيام بعدوانها. حيث ان حماس وباقي فصائل المقاومة كانت قد ادت استعدادها لتمديد الهدنة شرط التزام اسرائيل بها.
يرجع موقف السلطة المرتبك من خشيتها من العدوان ونتائجه بالنسبة لها وللقضية الفلسطينية برمتها، فالسطة كانت خاسرة في الحالتين: سواء نجح العدوان ام فشل
أ. في حالة هزيمة حماس كانت السلطة تخشى انها سوف تظهر بمظهر المتعاون مع الاحتلال ، وخاصة ان تصريحات المسؤولين الاسرائيليين ومنهم شمعون بيريز وتسيبي ليفني كانت تصب في هذا الاتجاه. حيث قالت ليفني ان اسرائيل تخوض هذه الحرب بالنيابة عن معسكر الاعتدال الفلسطيني والعربي.
ب. في حالة صمود حماس كانت تخشى القيادة الفلسطينية من تعميق حالة الانقسام السياسي والجغرافي بين الضفة الغربية وقطاع غزة، كما كانت تخشى من ضعف موقفها التفاوضي مع اسرائيل نظرا للقوة التي ستكتسبها حمااس التي ترفض اتفاقية اوسلو والخيار التفاوضي في الاصل.
2. ادركت السلطة ان هذه الحرب مهما كانت نتائجها ستحدث تغيرات جوهرية على الخريطة السياسية الفلسطينية. فهذه اول حرب تقودها حماس بعد انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة وليس فتح، ولن يغير من هذه الحقيقة ان السلطة حاولت ان تسهم ي قطف ثمارها من خلال الايحاء بانها صاحبة زمام المبادرة والقيادة في وقف العدوان عبر الجهود العربية والدولية، وفي الاغاثة، والتحرك الشعبي ضده، ولو امسكت القيادة الفلسطينية بمقتضيات اللجظة التاريخية، واعتبرت ان هذه الحرب حربها، لانها كما كانت تقول حرب على الشعب الفلسطيني وضد اهدافه، وليس حربا ضد حماس لوحدها، لكانت قد دعت الى المشاركة في هذه الحرب عبر المقاومة في غزة، وتشجيع التحركات الشعبية في الضفة .
المبحث الثاني: ممارسات الاطار السياسي.
دخلت المنطقة العربية مرحلة حرجة اثناء العدوان على غزة، وهو ما يتطلب مراجعة شاملة لـ "عملية السلام". فإسرائيل تابعت سياسة القبضة الحديدية ضد الفلسطينيين، وتفرغت بشكل كامل لشن حربها على قطاع غزة. فأرادت اسرائيل هذه الحرب انتقاماً متعدد الأهداف: انتقاما للجندي الاسرائيلي " شاليط" الرهينة من قبل حماس، وانتقام مستكمل من قطاع غزة عامة وحركة حماس خاصة.
على رغم المواقف المتفاوتة التي قوبل بها الحصار والعدوان على قطاع غزة من جانب الدول العربية، تعاوناً أو تفهماً أو تواطؤاً أو سكوتاً، فإن اسرائيل لم تصادف أي إزعاج عربي في حملتها. وارادت مصممة على فصله تماماً عن العالم العربي.
فبالرغم من ان اسرائيل لم تنجح في ارجاع شاليط، او انهاء حكم حماس للقطاع، الا انها نجحت في ابعاده عن محيطه العربين عبر تشديد الحصار عليه، غير مبالية للاصوات الدولية التي نادت بفك الحصار اكثر من صوت النظام العربي، الذي اصبح يبدو كاهلا على فعل اي شيء، ومنشغلا بقضاياه ونزاعاته الداخلية والقطرية العربية العربية. وهو ما يدفع الى العديد من التساؤلات: لماذا هناك انقسام عربي خلال العدوان؟ وما هي اسباب الانقسام؟ وكيف اثر الانقسام على الاداء العربي الفلسطيني تجاه العدوان؟ وما هي تداعيات الانقسام على النظام العربي وعلى القضية الفلسطينية؟
الفرع الاول: كيفية تفاعل اطراف النظام العربي الاقليمي مع العدوان.
نستطيع ان نقول ان الانقسام العربي كان سببا ونتيجة للعدوان الاسرائيلي على قطاع غزة. لقد شجع هذا الانقسام العربي " اسرائيل" على شن العدوان، ثم ان ما حدث من تفاعلات عربية ازاء العدوان، انطلاقا من قاعدة الانقسام وليس التوحد ادت الى مزيد من الانقسام داخل النظام العربي الرسمي، ولا يمكننا تحليل موقف الأنظمة العربية في الحرب الأخيرة علي غزة بعيدا عن معرفة مواقف النظام في أزمات عربية سابقة فالنظام العربي واجه العديد من الأزمات والتي يصعب تفصيلها لكثرتها .
• حرب ١٩٤٨
وهي حرب خاضها العرب ضد العصابات الاسرائيلية لمنعها من قيام دولة إسرائيل وبالتالي قابل النظام العربي هزيمة ماحقة علي يد إسرائيل والولايات المتحدة وكانت أول مواجهة بين النظام العربي وقوي النظام العالمي ، حيث كان النظام العالمي في مجمله متماسك أي كان هناك توافق بين القوي العالمية علي قيام دولة صهيونية علي ارض فلسطين .
أما موقف النظام العربي من الحرب فقد كان غير متماسك أي كان مختلفا فيما بينه حول كيفية مواجهة إسرائيل ، بينما كانت أهدافه متحدة في ضرورة منع قيام دولة إسرائيل ، بينما لم يكن هناك تنسيق بين الدول وبالتالي وقعت الهزيمة ، و نتيجة الهزيمة العربية وجدت آليتين للإصلاح هما: الآلية الإصلاحية والآلية الثورية فاستخدم النظام العربي الآلية الإصلاحية من خلال قيام اتفاقية الدفاع العربي المشترك من خلال مجلس الدفاع العربي المشترك عام 1950 وهو مجلس تابع للجامعة العربية ولكن ميثاقه اقوي من بروتوكول جامعة الدول العربية حيث قرارات المجلس مأخوذة بموجب موافقة ثلثي الأعضاء في الجامعة العربية كذلك هي ملزمة لكافة الدول الأعضاء .
أما الآلية الثورية فتمثلت في ثورة يوليو 1952 في مصر والتي جاءت لتقضي علي الفساد في مصر وتصحح الأوضاع الاجتماعية في مصر وتنشئ نوع من العدالة الاجتماعية في المجتمع المصري .
• عدوان 1956
هي حرب وقعت أحداثها في مصر في 1956 م وكانت الدول التي اعتدت عليها هي بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على أثر قيام جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس، وقد كان موقف النظام العالمي تنافسي وغير توافقي حيث كان هناك تنافس وصراع بين القوتين انجلترا وفر نسا وكل منهما تعتبر نفسها قوي عظمي إلا أن الولايات المتحدة بدأت تظهر في الساحة الدولية ورغبت في أن تحل محل انجلترا في قمة النظام الدولي وتحل إمبراطوريتها العسكرية بالإمبراطورية الأمريكية الجديدة التي لا تقوم علي استخدام الآلة العسكرية البريطانية وإنما علي الدبلوماسية والمعونات والتبعية الاقتصادية ، وبالتالي وقفت الولايات المتحدة في وجه ذلك العدوان علي مصر كما كان هناك قوة الاتحاد السوفيتي التي وقفت ضد العدوان .
موقف النظام العربي كان النظام العربي متماسكا إلي حد ما بسبب سياسة عبد الناصر في تخطي الخلافات العربية من اجل التوحد في وجه الخطر الإسرائيلي وفي ذلك الوقت ، لم تكن هناك دولة عربية تتخذ موقفا مؤيدا أو محايدا للعدوان علي مصر ، وبالتالي رغم معارضة الكثير من الدول العربية لموقف الرئيس عبد الناصر إلا أن الدول العربية كلها وقفت بجانب مصر ضد العدوان و بالتالي فقد كانت آلية المواجهة العربية آلية إصلاحية حيث عقدت قمة بيروت لبحث المشكلات العربية .
• عدوان 1967
لم يكن عدوان يونيو 1967 هو العدوان الأول على مصر منذ قيام دولة إسرائيل، فقد سبقه مشاركتها مع بريطانيا وفرنسا في العدوان الثلاثي عام 1956 واحتلالها سيناء لمدة ستة أشهر تقريبا، وهو أمر يظهر النوايا العدوانية للدولة التي أقحمت على المنطقة، ويظهر أيضا سيادة المتطرفين على أمور الحكم فيها.
وإذا كانت الظروف قد أجبرت إسرائيل على الانسحاب من مصر في مارس آذار 1957 نتيجة إصرار الشعب المصري على المقاومة، وإنذار بولجانين رئيس الحكومة السوفيتية للحكومات المعتدية، وضغط الرئيس الأميركي ايزهاور على المعتدين بهدف وراثة المصالح البريطانية والفرنسية في المنطقة، فإن الموقف اختلف في عدوان 1967 الذي انفردت إسرائيل بالقيام به ، حيث كان موقف النظام العالمي توافقي أي عارضت كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي العدوان علي مصر.
بينما كان النظام العربي غير متماسك كعادته بسبب الخلافات العربية العربية أي الخلافات بين مصر والسعودية بسبب مساعدة مصر لثوار اليمن وكذلك عدم رضا بعض الدول العربية عن سياسات عبد الناصر وفشل محاولات الوحدة المصرية السورية .
أما عن آليات المواجهة العربية فقد عقدت قمة الخرطوم بعد العدوان وهي قمة إصلاحية وفاقية حيث خرجت قمة الخرطوم باتفاق جدة بين مصر والسعودية حيث عملت علي تسوية الخلاف بين البلدين بسبب دعم مصر لثوار اليمن من خلال تفعيل اتفاق 1965 الذي ينهي الخلاف اليمني رغم انف اليمنيين والاتفاق علي مواجهة إسرائيل .
• حرب أكتوبر 1973
حرب دارت بين كل من مصر وسوريا من جانب وإسرائيل من الجانب الآخر في عام 1973 م. بدأت الحرب في 6 أكتوبر 1973هجوم مفاجئ من قبل جيشي مصر وسوريا على القوات الإسرائيلية التي كانت مرابطة في سيناء وهضبة الجولان. وقف النار في 24 أكتوبر 1973 هي حرب لاسترداد شبه جزيرة سيناء والجولان التي سبق إن احتلتهما إسرائيل.انتهت الحرب رسميا بالتوقيع على اتفاقية فك الاشتبا ك في 31 مايو1974 حيث أذعنت إسرائيل بالموافقة على إعادة مدينة القنيطرة لسوريا وضفة قناة السويس الشرقية لمصر مقابل إبعاد القوات المصرية والسورية من خط الهدنة وتأسيس قوة خاصة للأمم المتحدة لمراقبة تحقيق الاتفاقية.
كان موقف النظام العالمي صراعي تنافسي أي بعد بروز قوة الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي في ظل نظام القطبية الثنائية وتواجد الاتحاد السوفيتي كقوة دولية فاعلة في السياسة الدولية ، حيث تدخلت الدولتان العظمى في ذلك الحين في سياق الحرب بشكل غير مباشر حيث زود الاتحاد السوفيتي بالأسلحة سوريا و مصر بينما زودت الولايات المتحدة إسرائيل بالعتاد العسكري.
بينما كان النظام العربي إلي حد كبير متماسك أي كان علي ظهر قلب ولسان رجل واحد لإدراك جميع الدول العربية لخطورة الوجود الإسرائيلي عليها وربما لارتياح بعض الأنظمة العربية من موت عبد الناصر 1970 بالإضافة إلى حنكة وحكمة السادات في نجاحه في تكوين شبكة علاقات عربية من اجل التوحد ضد الخطر الإسرائيلي من خلال :
• ساعة صفر واحدة علي الجبهتين مصر وسوريا
• التشاور مع دول الخليج العربي
• انتشار قوات عسكرية عربية علي الجبهتين المصرية والسورية
• حرب الخليج الثانية 1990
الغزو العراقي للكويت أو الحرب العراقية - الكويتية هي حرب بين العراق والكويت في 2 أغسطس 1990 استمرت يومان انتهت باستيلاء القوات العراقية على الكويت في 4 أغسطس واحتلال الكويت لمدة 7 شهور وانتهت بتحرير الكويت في 26 فبراير 1991 وأطلق عليها حرب الخليج الثانية.
موقف النظام العالمي كان إلي حد كبير متماسك وذلك بعد انتهاء الحرب الباردة وتحول النظام العالمي إلي أحادي القطبية وتحكم الولايات المتحدة في مجريات الأمور في السياسة الدولية ولم يعد الاتحاد السوفيتي مؤثرا في السياسة الدولية ، بينما كان النظام العربي غير متماسك وفي اشد حالات الانقسام و شبه مخترق إلي حد بعيد وزادت حدة الخلافات العربية- العربية .
وحدث انقسام عربي غير مسبوق ، حيث عقدت قمة القاهرة في 10 أغسطس 1990 و شهدت اكبر انقسام في النظام العربي ، وكانت آليات المواجهة العربية إصلاحية لتفادي الأزمة الحادثة بين البلدين .
• الاحتلال الأمريكي للعراق 2003
ركزت الولايات المتحدة في حربها على العراق بذريعتين وهما: امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل وعلاقة العراق بمنظمات الإرهاب (القاعدة) إلا أن حقائق الصراع كشفت الغايات الأساسية لسياسات الولايات المتحدة والمتمثلة في نقطتين هما:
١- السيطرة والاستحواذ على نفط الشرق الأوسط.
٢- إعادة رسم خرائط الشرق الأوسط.
كان النظام العالمي متوافق إلي حد بعيد حيث لا يجرؤ احد علي منافسة الولايات المتحدة في إرادتها للحرب علي العراق حتى مجلس الأمن نفسه لان الولايات المتحدة قامت بالحرب رغم انف مجلس الأمن ولم تلتزم بقراراته وبعدما تأكدت الولايات المتحدة من أن الظروف قد نضجت على كل الأصعدة وهيأت مسرح العمليات للحرب المنفردة بعدما فشلت في استصدار قرار من مجلس الأمن يؤيد الحرب على العراق وفشلت في جمع تحالف دولي وذلك بفقدان الحرب للمبررات القانونية والأخلاقية واتضاح إن المعركة حرب سياسية بين الولايات المتحدة ونظام يتعارض مع مشروعها في المنطقة ولا علاقة للحرب بالمبررات المعلنة من طرف الولايات المتحدة ، ولم تعد روسيا فاعلا في السياسة الدولية أي الولايات
المتحدة هي التي لها القدرة في التأثير علي مجريات السياسة العالمية مقارنة بالقطبية الثنائية ورغبة في سيطرتا علي النفط العربي لحماية المصالح الأمريكية واعتبرت الإدارة الأمريكية في عهد بوش إن لها مصالح في التحكم في ثروات العرب وخاصة النفط وكذلك اختارت العراق بما لديها من احتياطي نفط وكذلك وضعها الإقليمي والاستراتيجي وربما لتعارض سياسة صدام حسين مع الولايات المتحدة خاصة بعد شعوره بالقوة بعد ح ربه مع إيران كما أن الولايات المتحدة رأت أن صدام حسين أصبح خطرحقيقي عليها وانه اقترب من الخطوط الحمراء حيث لا تسمح الولايات المتحدة بوجود قيادة عربية إقليمية في المنطقة العربية حيث أعلن صدام حسين أن الولايات المتحدة تطمع في التحكم بمصالح العرب .
بينما كان النظام العربي يعاني اشد حالات الانقسام فالنظام العربي لم يشفي من أزمة حرب الخليج الثانية بالإضافة إلي تيقن الدول العربية أن التهديدات الأمريكية للعراق صحيحة ولم تكن تهديداتها للتخويف وبالتالي فان الدول العربية ربما يكون مصيرها نفس مصير العراق فالعالم العربي إلي حد كبير يعتمد علي الولايات المتحدة وينقسم في اعتماده عليها إلى ثلاث مجموعات .
المجموعة الأولي : تعتمد علي الولايات المتحدة في حماية أمنها وفق اتفاقيات معروفة ومعلنة .
اامجموعة الثانية : تعتمد علي الولايات المتحدة بدرجة اقل تتمثل في الحصول علي ق در من المساعدات الاقتصادية وبعض المساعدات العسكرية .
المجموعة الثالثة : لا تعتمد عليها أصلا في الناحيتين العسكرية أو الاقتصادية .
أما عن آليات المواجهة العربية ، فقد بدأ النظام العربي تكييف نفسه مع ما حدث في العراق فالنظام العربي تعرض للمرة الأولي للفعل المباشر للقوة الأولى في العالم عام 2003 من قبل الولايات المتحدة وهي التي تقوم بغزو دولة عربية لها وضعها الإقليمي والنفطي والاستراتيجي ولها ثقل عربي بحجم العراق وهو فعل غير مسبوق للولايات المتحدة فاتبع النظام العربي سياسة رد الفعل وقام مجلس الجامعة العربية بالاعتراف بمجلس الحكم الانتقالي "اعترافا مؤقتا " وهي صيغة جديدة ابتدعتها الجامعة لتعيين مندوب عن العراق عينته سلطة الاحتلال .
• العدوان الإسرائيلي علي لبنان 2006
هي العمليات القتالية التي بدأت في 12 تموز يوليو 2006 بين قوات من حزب ا لله اللبناني وقوات جيش الدفاع الإسرائيلي والتي استمرت 34 يوما في مناطق مختلفة من لبنان، خاصة في المناطق الجنوبية والشرقية وفي العاصمة بيروت، وفي شمالي إسرائيل، في مناطق الجليل، و الكرمل ومرج ابن عامر، و كان موقف النظام العالمي توافقي حيث لا توجد قوي موازية لقوة الولايات المتحدة وإسرائيل بينما كان النظام العربي منقسم إلي حد القول انه لا يوجد نظام عربي أصلا فلم يدع إلى قيام قمة طارئة رغم خطورة العدوان الإسرائيلي علي لبنان.
كما بادرت الدول العربية بالاعتراض علي المقاومة من قبل بيان ذكره مسئول سعودي رسمي وطالبت فيه بالتفريق بين المقاومة المشروعة والمغامرات غير المحسوبة التي تقومها عناصر داخل الدولة دون الرجوع إلى السلطة الشرعية في دولتها ، وانقسم النظام العربي وقتها إلى ثلاث جبهات :
الجبهة الأولى : تعارض المقاومة ويعتبرها عبث والعاب خطيرة وهي (مصر- السعودية – الكويت -الأردن –العراق ).
الجبهة الثانية : تؤيد المقاومة وهي (سوريا - لبنان- اليمن ).
الجبهة الثالثة : تؤيد المقاومة ولكنها كانت تري انه لابد من الرجوع والتنسيق مع السلطة الشرعية في الدولة وهي (المغرب- السودان – ليبيا) وبالتالي كان هناك اختلاف حول تأييد أو معارضة المقاومة اللبنانية فلم تعقد قمة طارئة لبحث العدوان واختلف الموقف الجماهيري الشعبي من العدوان الإسرائيلي علي لبنان عن الموقف العربي الرسمي.، وبالنسبة لآليات المواجهة العربية لم تكن هناك آلية واضحة رسمية في مواجهة العدو الإسرائيلي.
• موقف النظام العربي من العدوان الإسرائيلي على غزة
كان النظام العربي الرسمي بطيئا في رأي البعض، فلم يتخذ من الإجراءات الفورية ما من شأنه أن يوقف العدوان، وقد زادت أحداث غزة من الشرخ الذي كان موجودا قبلا، ولم يبد متماسكا أمام ما يحد ث ، وبدا الموقف الرسمي العربي من الحرب على غزة كأنه إعادة للمشهد العربي أثناء العدوان الإسرائيلي على لبنان صيف 2006 ، مع التأكيد على تراجع جديد في مضمون المواقف العربية، ومن المتصور أن يكون لهذه العملية العسكرية الإسرائيلية تداعياتا على حالة الاستقطاب العربية–العربية وحركة الأطراف الإقليمية المؤثرة .
وقد شهدت الأحداث المصاحبة للعدوان الإسرائيلي على غزة مزيدا من الانقسام العربي تجلى في العجز عن عقد قمة عربية طارئة والاكتفاء بانعقاد مجلس وزراء الخارجية العرب بعد شد وجذب، والذي اكتفى بدوره بإحالة القضية برمتها إلى مجلس الأمن الذي فشل في اتخاذ قرار في المسألة .
ووصل المشهد المأساوي إلى ذروته عندما عقدت ثلاث قمم عربية متزامنة يقود كل منها معسكر عربي منفصل عن الأخر ، حيث عقدت قمة الرياض الطارئة يوم الخميس الموافق 15يناير 2009 بحضور 6 دول من مجلس التعاون الخليجي رغم أنه كانت هناك قمة خليجية__ دورية قد عقدت لهذه الدول يوم 29 ديسمبر وبالتزامن مع بداية العدوان على غزة ، و اكتفت القمة الخليجية الدورية -التي انعقدت في مسقط– بإدانة غطرسة القوة التي تمارسها إسرائيل، ودعا القادة المجتمعون الرئيس الأمريكي المنتخب "باراك أوباما" إلى العمل من أجل حل مستقبلي لأزمة الشرق الأوسط .
وهكذا تمحور الموقف الخليجي ما بين إدانة إسرائيل ومناشدة حليفتها الكبرى بالتدخل لوقف عدوانها في تجاهل مستغرب للعلاقة الوثيقة بينهما، والتي تتعدى التنسيق إلى التحالف الإستراتيجي الكامل، بينما لم تسفر القمة الطارئة في الرياض عن شيء .
وبعد قمة الرياض الطارئة عقدت قمة الدوحة في اليوم التالي مباشرة بمشاركة 12 دولة عربية فقط إضافة إلى إيران وتركيا ، واختتمت بقرارات ربما يكون أه مها القرارين اللذين دعت فيهما القمة إلى "تعليق مبادرة السلام العربية" ووقف كل أشكال العلاقات مع "إسرائيل". و قرار إنشاء صندوق لإعادة إعمار غزة ، ما عدا ذلك من قرارات لم تتعدى الإدانة والشجب ، حيث لم تنص قرارات قمة الدوحة على دعم المقاومة الفلسطينية ولا على إدانة مواقف الدول الداعمة دون حدود للعدوان"الإسرائيلي". وخاصة الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية وغيرها ،
ويوم الاثنين الموافق 19 يناير 2009 عقدت قمة الكويت الاقتصادية بمشاركة كل الدول العربية وحضور عدد كبير من رؤساء الدول ، وخرجت ببيان ختامي أقرت فيه الالتزام بتقديم مختلف أنواع الدعم لإعادة إعمار قطاع غزة لكن دون الاتفاق على صندوق وآلية مشتركة لهذه الغاية .
وهكذا لم تخرج القمم الثلاث بما يشفي جراح الآلاف من أبناء غزة ، وما يهدئ من الرأي العام العربي الساخط على تلك الأوضاع والذي استمر في حالة احتجاج وتظاهر دائم طوال فترة العدوان ، بينما استمرت حكوماته وفضائياته وصحفه في حالة انقسام وتفسخ وتراشق بالاتهامات والتبرؤ من المسؤولية التاريخية عما حدث .
ولكن تلك الأحداث الجسام أكدت بما لا يدع مجالا للشك وجود شرخ هائل للعلاقات العربية على المستوى الرسمي ، وضعف لا محدود في مواجهة المتغيرات العالمية ، وقلة حيلة في مقابل التكتلات العالمية ، وقد أسهمت كل هذه الظروف في دخول لاعبين آخرين على الخط ، و انكشفت بالتدريج أبعاد وملامح جديدة في المشهدين العربي والإقليمي اللذين يشكلان الإطار الأوسع لفهم النتائج والتداعيات السياسية المترتبة على هذا العدوان الإسرائيلي الجديد ، ويكشف تحليل مواقف الأطراف العربية، الفردية والجمعية، ومواقف القوى الإقليمية ، عن تراجع واضح لكل من المحورين، المعتدل والراديكالي، والإعلان عن دور تركي جديد سيكون أكثر تأثيرا في الشرق الأوسط قريبا، وسوف نستعرض فيما يلي مواقف تفصيلية لبعض الدول العربية من الأزمة حتي يتسنى لنا التعرف على ممارسات المشهد الإقليمي بعد أحداث غزة:
1. جمهورية مصر العربية
تعد مصر أهم لاعب عربي في مجريات الأحداث في غزة، لسببين ، الأول أنها هي التي تتصدر دور الوساطة بين "حماس" وإسرائيل، فهي التي رعت اتفاق التهدئة بين الطرفين قبل ستة شهور، ونشطت من أجل تجديدها، كما انها الراعية للحوار الفلسطيني-الفلسطيني، والسبب الثاني هو أن مصر تسيطر على المعبر البري الوحيد الذي يعد رئة قطاع غزة، والنافذة الوحيد له إلى العالم الخارجي، وهو معبر رفح.
ومنذ بدء الغارات الإسرائيلية تعرضت مصر لحملة هجوم غير مبررة من أطراف سياسية فلسطينية وعربية، وتركزت الحملة على محورين هما زيارة وزيرة الخارجية الإسرائيلية للقاهرة قبل الحرب بيومين ، وامتناع مصر عن فتح المعبر ، ورغم ذلك فأن مصر هي التي استطاعت في النهاية بتحركاتها الدبلوماسية أن تسهم بفاعلية في إيقاف الحرب على غزة ، كما أن موقفها من المعبر كان له وجاهته ومنطقيته ، إذ أن فتح المعبر يرسخ لانفصال الضفة عن غزة وهذا ما تريده إسرائيل .
وقد صدر عن مصر تصريح في اليوم الثاني للعدوان رفضت من خلاله هذا العدوان ودعت إسرائيل إلى وقف ما تمارسه في القطاع، وقد أدانت في اليوم الثامن التوغل البري، واعتبرته تحد واضح لجهود السلام التي تبذل. كما سمح بفتح معبر رفح إلا إذا كان الإغلاق ضرور يا لأسباب الحرب، واستقبلت مصر عددا كبيرا من الجرحى الفلسطينيين قاربوا إل 500 جريح ، وأدخل دول عديدة المساعدات الإنسانية إلى القطاع عن طريق المعبر المشترك مع مصر .
ولا ننسي أهمية الطرح الذي قدمته مصر في بداية العدوان وهي المبادرة المصرية والتي تطرح حلا وتسوية للعدوان بين كل من فلسطين -خاصة فصائل المقاومة وحماس تحديد ا- وبين إسرائيل ووقف العدوان بوساطة مصرية تركية إلا أن تلك المبادرة تعرضت للهجوم من قبل بعض الدول وعلي رأسها إيران التي جيشت المشاعر العربية ضد الموقف المصري من إصرار الحكومة المصرية من عدم الاستجابة للرأي العام العربي من فتح معبر رفح للفلسطينيين وامام مصر بالتواطؤ مع إسرائيل ومساعدتها في العدوان علي غزة من خلال صفحات الصحافة الإيرانية وكذلك شاشات تليفزيونها .
وفي اليوم الثاني والعشرون دعت القاهرة لقمة في شرم الشيخ، لتثبيت وقف إطلاق النار حضرها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، والمستشارة الألمانية ميركل، والرئيس التركي عبد الله جول، رئيس الوزراء البريطاني براون. والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني.
2. المملكة العربية السعودية
مع أن السعودية أدانت الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة، وبادر عاهلها الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى الاتصال بالرئيس الأمريكي جورج بوش، مطالباً "أن تتحمل الدول الكبرى مسؤوليتها من أجل وقف الهجوم الإسرائيلي،" إلا أن موقف المملكة - بنظر مراقبين - لا يرقى إلى مواقفها السابقة تجاه القضية الفلسطينية. وفسر هؤلاء المراقبين هذا التغيير بقيادة السعودية لما يسمى "محور الاعتدال" في المنطقة.
ورغم أن السعودية رحبت في البداية بعقد قمة عربية "للبحث بتداعيات العدوا ن"، فإن وزير خارجيتها الأمير سعود الفيصل عاد لاحقاً وصرح بأنه "لا جدوى من حضور قمة بيانات عربية لا تتوفر لها شروط النجاح والتأثير." وتوج الموقف السعودي بتوجيه وزير الخارجية انتقاداً مبطناً لحركة "حما س"، وذلك حين حمل الانقسام الفلسطيني مسؤولية ما يجري في غزة، قائلا عقب اجتماع وزراء الخارجية العرب بالقاهرة"إن هذه المجزرة الرهيبة ما كانت لتقع لو كان الشعب الفلسطيني يقف موحداً خلف قيادة واحدة."
3. المملكة الأردنية
رغم أن الأردن إحدى الدول المحسوبة على محور الاعتدال، فإن مراقبين ومحللين لاحظوا في موقفه من التعاطي والهجوم الحالي على قطاع غزة، ابتعاداً عن موقفه السابق في الحرب الإسرائيلية على لبنان في صيف 2006 . وقد ساير الموقف الرسمي الموقف الشعبي الغاضب على إسرائيل، فاستدعت وزارة الخارجية القائم بأعمال سفارة إسرائيل، وقدمت له "احتجاجا شديد اللهجة." وأكد العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، أن "العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة يجب أن يتوقف فوراً." بل إن رئيس الوزراء السابق نادر الذهبي ألمح في لقاء مع النواب إلى إمكانية اتخاذ بلاده إجراءات دبلوماسية ضد إسرائيل، قائلا إن حكومته "في ضوء ما يجري في المنطقة وحفاظاً على مصالحها العليا تحتفظ بحقها في التعامل مع الخيارات كافة، بما فيها إعادة النظر في العلاقات مع كل دول المنطقة، بما فيها إسرائيل."
4. دولة قطر
كانت دولة قطر من أوائل الدول العربية التي سارعت إلى التنديد بالهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة، والدعوة إلى عقد قمة عربية طارئة. كما كانت من أوائل الدول التي أرسلت طائرات محملة بالمساعدات لفلسطيني غزة، عبر مطار العريش المصري، إلا أنها لم تقترب في موقفه ا من الولايات المتحدة الداعم الأكبر لإسرائيل رغم وجود أكبر قاعدة أمريكية في المنطقة بقطر .
5. الجمهورية السورية
يكمن الثقل السوري فيما يخص الأحداث الجارية في غزة، في أنها تستضيف على أراضيها القيادات السياسية للفصائل الفلسطينية المعارضة، وخصوصاً قيادة حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، التي تسيطر على القطاع، وتتصدر مقاومة الهجمات الإسرائيلي ة. كما أن سوريا قائدة ما يسمى بمحور الممانعة المناهض للسياسات الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة .
وأدانت سوريا، ما أسمتها "الجريمة الآثمة"، وطالبت "بوقف العدوان فوراً ، وفتح كافة المعابر." ونظراً إلى انها تترأس القمة العربية في دورتها السابقة، فقد شاركت سوريا الموقف القطري الداعي إلى عقد قمة عربية طارئة "لبحث الوضع الخطير في غزة." كما أعلنت عن "تعليق المفاوضات غير المباشرة بينها وبين إسرائيل، احتجاجاً على العملية العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة ،إلا أن موقف سوريا أيضا تلخص في المقاومة " الكلامية " دون فعل شيء ملموس يعضد موقف المقاومة .
6. الجماهيرية الليبية
ليبيا هي العضو العربي في مجلس الأمن الدولي حالياً، لذا فإنها تمثل الواجهة لتحركات النظام الرسمي العربي في إطار مجلس الأمن. ولهذا، فقد سارعت إلى تقديم مشروع قرار - نيابة عن المجموعة العربية - يطالب بالوقف الفوري للأعمال العسكرية الإسرائيلية على غزة وإزاء الحصار، إلا أن المشروع أجهضته الدول الغربية، وخصوصاً الولايات المتحدة. ثم تقدمت ليبيا بمشروع بيان آخر لمجلس الأمن،كما سارعت ليبيا بتلبية الدعوة القطرية إلى عقد قمة عربية طارئة.
بعد تلك المقارنة بين النظام العربي منذ أول أزماته في حرب 1948 وحتى الآن كانت المواقف متشابهة في حالات كثيرة مثلا تشابهت مواقف النظام العربي الرسمية مع ماحدث من احتلال أمريكي للعراق وكذلك ما حدث في العدوان الإسرائيلي الأخير علي لبنان حرب صيف 2006 فقد كان تحرك النظام العربي بطيئا ومتخاذلا إزاء تلك الأزمات وكان لايرقي إلى مستوي التأثير أو القدرة علي التأثير وبالتالي شلل وتوقف تام لتأثير قرارات جامعة الدول العربية كذلك بالنظر إلى تلك الأحداث والأزمات التي ذكر ناها نري إن تلك الأزمات لم تعقد لها قمم عربية طارئة علي الرغم من أن بروتوكول الجامعة يجيز حالة عقد قمم عربية في حالة "حدوث مستجدات " ونجد أن الخبرات الماضية تتيح لنا معرفة انه تم عقد قمم عربية في حالات كثيرة لا ترقي إلى مستوي الاعتداء علي دولة واحتلالها مث ل الاحتلال الأمريكي للعراق أو العدوان الإسرائيلي علي لبنان أو حتي ماحدث مؤخرا من العدوان الإسرائيلي الغاشم علي غزة فتلك الأحداث لم يري النظام العربية ما يستدعي قيام قمة عربية طارئة لبحث المشكلات وبعد أن يتدارك النظام العربي الموقف يدعو إلى عقد قمة تأتي قرا راتها غير ملزمة وفاقدة للتأثير وتذهب مثل الريح كما أن قرارات الجامعة أصبحت استهلاك للوقت والورق فقط دون ادني خروج تلك القرارات الورقية إلى النور أو إلى حيز التنفيذ .
والأخطر من ذلك أصبح النظام العربي يتمتع بسلوك "رد الفعل " أي أن النظام العربي أصبح مشاهد ومراقب جيد لما يحدث من اعتداءات أخيرة علي النظام العربي وافتقد مجلس الدفاع العربي أهميته في التأثير أو حماية دوله أي ينتظر بعد وقوع الأزمة أو العدوان ثم يبدأ بالرد حيث اختفت قيمة " المبادرة " وقتلها النظام العربي بسلبيته وعدم تأثيره في مجريات السياسة العالمية أو حتي الدفاع عن نفسه وبالتالي فالدول العربية انتظرت حتي مر بضعة أيام من العدوان الإسرائيلي حتي تفكر في عقد قمة وتقديم مبادرات للتسوية.
الفرع الثاني: كيفية تفاعل الاطراف الدولية والاقليمية مع العدوان .
1.الولايات المتحدة الأمريكية
لم تغير الولايات المتحدة في موقفها إزاء أحداث غزة عن موقفها التقليدي الداعم لإسرائيل. فمنذ البداية حملت "حماس" المسؤولية، واعتبرت الهجوم الإسرائيلي "دفاعاً عن النفس ،" الأمر الذي دفع منظمة العفو الدولية إلى إرسال خطاب للرئيس بوش ت ته م فيه الولايات المتحدة "باتخاذ موقف غير متوازن" من الهجوم الإسرائيلي. وحالت الولايات المتحدة مرتين دون إصدار قرار من مجلس الأمن يطالب بوقف فوري للأعمال العسكرية في قطاع غز ة. ففي المرة الأولى وصف السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة، زلماي خليل زاد، مشروع القرار الذي تقدمت به ليبيا بأنه "غير مقبو ل"، في حين أن نائب زاد، أليخاندرو وولف، قال بخصوص المشروع الليبي الثاني إن "الولايات المتحدة تسعى لهدنة دائمة في غزة، وهذا يعني لا للمزيد من الهجمات الصاروخية،" مضيفاً أن "حق إسرائيل في الدفاع عن النفس غير قابل للتفاوض ، بينما اكتفت في المرة الثالثة التي صدر فيها القرار 1860 بالامتناع عن التصويت ، ولا ننسى أن كل تصريحات بوش ووزيرة خارجيته كانت تركز على نقد حماس وتحميلها مسئولية الهجوم ، كذلك الرئيس الأمريكي المنتخب وقتها باراك أوباما ركز في مطالبته بوقف إطلاق النار على نقد موقف حماس دون الالتفات لمجازر إسرائيل .
2.الاتحاد الأوروبي
اتسم موقف الاتحاد الأوربي بالارتباك والافتقار إلى موقف موحد، ولاسيما في الأيام الأولى للهجوم الإسرائيلي. وكان لافتاً تراجع رئاسة الاتحاد ا لأوروبي التشيكية عن موقف سابق اعتبرت فيه الهجوم الإسرائيلي "دفاعياً"، قائلة إنه "لا يحق لأي دولة، حتى في إطار حقها في الدفاع عن النفس، أن تقوم بأعمال تطال المدنيين بشكل واسع." وقد اتضح الموقف الأوروبي بعد العملية البرية، إذ طالب إسرائيل بوقف عمليتها العسكرية، كما طالب "حما س" بوقف إطلاق الصواريخ ، إلا أن دول الاتحاد الأوروبي لم تصوت على قرار مجلس حقوق الإنسان بإدانة إسرائيل بينما صوتت على قرار مجلس الأمن 1860 بالموافقة .
وبخصوص أهم الدول النافذة في الاتحاد، أي دول الترويكا الأوربية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا)، فبينما اتهم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي حركة حماس "بإنتهاء التهدئة واستئناف إطلاق الصواريخ على إسرائيل"، و حملها المسؤولية ، دعا وزير خارجيته، برنار كوشنير، إلى "وقف دائم للأعمال العدائية يتم الالتزام به من الطرفين، مع توفير ممرات آمنة للأغراض الإنسانية،" وطرح هدنة إنسانية مدتها 48 ساعة.
وفي إثر الهجوم البري الإسرائيلي، أكدت الخارجية الفرنسية أنها "تدين الهجوم البري الإسرائيلي على غزة، كما تدين استمرار إطلاق الصواريخ." أما ألمانيا، فكانت أكثر تحيزاً للموقف الإسرائيل ي. فقد أيدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وقفاً لإطلاق النار في أسرع وقت، ولكن على أن يضمن "أمن إسرائيل في الأمد الطويل"، وشددت على ضرورة "وضع حد لإطلاق صواريخ حماس وتهريب الأسلحة إلى قطاع غز ة."
من جهته، طالب رئيس الوزراء البريطاني، جوردن براون، بوقف فوري لإطلاق النار في غزة، مشدداً على "ضرورة أن تصل المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، بالتزامن مع التأكيد لإسرائيل أنها لن تتعرض لإطلاق الصواريخ."
3.تركيا
يمكن القول إن الموقف الأبرز في أحداث غزة كان التركي، إذ وجهت الحكومة التركية انتقاداً شديد اللهجة لإسرائيل، إلى حد أن رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، وصف الهجوم الإسرائيلي بأنه "إساءة لن ا". ويأتي ذلك لاستقبال أنقرة لرئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت قبل يوم واحد من بدء العملية الإسرائيلية، ولم يخطر المسئول الإسرائيلي الأتراك بالعملية، بل إن أردوغان عرض على أولمرت التوسط مع "حماس" من أجل التوصل إلى هدئة جديدة .
وتعبيراً عن الغضب التركي من السلوك الإسرائيلي، أعلن " أردوجان " أنه من الآن فصاعداً ليس هناك جدوى من القيام بمساع دبلوماسية مع إسرائيل من أجل السلا م." و حمل بشكل واضح المسؤولية لإسرائيل عن وصول الوضع إلى ما هو عليه الآن، لأنها الطرف الذي لم يلتزم بالتهدئة، ولأنها رفضت عرضاً تركياً للوساطة ومع هذا الموقف المتقدم " لأرد وجان " ، رافقه موقف شع بي متفاعل بشدة مع الهم الفلسطيني في تركيا،ووحد كل القوميات والمذاهب في تركيا خل ف موقفه ، ووجد هذا ذروته في المظاهرات المليونية للأتراك، وهتا فهم (الموت لإسرائي ل(، ودعوة بعض المتظاهرين إلى إرسال الجيش التركي للدفاع عن غزة، مثلما جرى مع القبارصة الأتراك، عندما أرسلت تركيا جيشها لحماي ته م من الانقلابيين اليونان الذين كانو ا يرتكبون مجازر بح قه م كالتي تجري في غزة، وكان ذروة هذه الأحداث مهاجمة الجماهير التركية لفريق كرة سلة صهيوني كان في تركيا، وتخليصه من قبل الشرطة بشق الأنفس .
4.إيران
نظراً إلى انطواء إيران تحت ما يسمى ب "محور الممانعة" في المنطقة، واصطفافها المعروف إلى جانب فصائل المقاومة الفلسطينية، فقد أدانت الهجوم الإسرائيلي على قطاع غز ة. ووجه وزير ا لخارجية " منوشهر متقي " انتقاداً للمجتمع الدولي الذي "لم يفعل الكثير لمواجهة حملة القتل الإسرائيلية على قطاع غزة،" ودعا إلى الوقف الفوري لإطلاق النار، وإنهاء الحصار الإسرائيلي ، كما حضر الرئيس الإيراني أحمدي نجاد قمة الدوحة التي شاركت فيها 12 دولة عربية لبحث الأوضاع في غزة .
ولكن إيران مع ذلك لم تقدم مساعدة ملموسة للفلسطينيين في غزة واكتفت بالخطب النارية والحماسية والعزف على أوتار الانقسام العربي ومهاجمة بعض الدول ومنها مصر والمملكة العربية السعودية وانتقاد مواقفها ، ومما يدلل على أن الموقف الإيراني لم يرتقي لدرجة الفعل أن إيران أعلنت في اليوم الذي سبق العدوان أنها سترسل سفينة محملة بالمساعدات لأهل غزة، رغم أنه كان هناك متسع لإرسال هذه السفينة في وقت مبكر وربما يكون سبب ذلك أن إيران أرادت أن تحصد كسبا إعلاميا دون أن تضطر إلى الدخول في نزاع حقيقي مع إسرائيل إذا ما وصلت السفينة إلى شواطئ غزة.
المبحث الثالث: محدودية الاطار السياسي العربي
إن اتجاهات السياسة الدولية في القرن الحادي والعشرين تعتمد بشكل اساسي على التكتلات السياسية والاقتصادية التي تقوم بانشائها الدول ذات المصالح المشتركة والجغرافية الواحدة ، كما هو واضح في اوربا «اليورو» وفي اسيا «الاسيان» وغيرها من التكتلات الاقتصادية والعسكرية.
الجامعة العربية كمشروع قام بهدف دفع العمل العربي المشترك منذ خمسينيات القرن الماضي، الا ان الفلسفة التي انبنى عليها هذا المشروع آنذاك ارتكزت على روابط الدم واللغة والثقافة كمرتكزات رئىسية، بينما جعلت التعاون الاقتصادي والمصالح الاستراتيجية بمختلف انواعها الأمنية والعسكرية وغيرها كأهداف ثانوية ، بدليل ضعف الاستثمار العربي داخل البلدان العربية رغم ان الاجواء مهيئة لذلك ، واتجاه رأس المال العربي نحو اوربا وامريكا ، وعلى المستوي الامني لم تشهد هذه الجامعة حتي الآن اجتماع وزراء الدفاع العربي رغم الحاجة الماسة لذلك في اكثر من مناسبة ، بينما نشهد اتفاقيات دفاع مشترك بين دول عربية ودولة غربية، وهو ما يستدعي ضرورة معرفة اسباب هذا الضعف؟، على الرغم من الامكانيات الهائلة التي يملكها هذا التكتل العربي، حيث فرط بثواتبه الوطنية والشرعية على حساب البقاء.
الفرع الاول:النظام العربي الاقليمي ... الضعف البنيوي.
تاريخيا بدأ النظام العربي يغوص في الهم الفلسطيني منذ نكبة 1948، وحتى اليوم هناك تشابك عضوى بين حال النظام العربي الرسمي وحال القضية الفلسطينية، فلا يتصور وجود النظام العربي كهيكلية وتفاعلات وتحالفات وانكسارات متتالية بدون القضية الفلسطينية، وعلى الرغم من الضعف الشديد الذي ضرب النظام الرسمي العربي ، وحالة التفكك والتباعد بين أجزائه ، إلاّ أن هذا النظام عمل جاهدا على الحفاظ على بقائه واستمراريته، على الأقل أمام العالم الخارجي وأمام شعوبهم. وحاول المحور ( المصري، السعودي، السوري) قيادة هذا النظام إلى حفظ تماسكه على الأقل عند المستوى الأدنى، الذي يمنع ظهور حالة التفكك إلى العلن، وتحوُّل النظام إلى جزء من التراث.
وهو ما يستدعي تناول طبيعة النظام العربي والظروف التاريخية والإكراهات الواقعية التي ولد فيها وتحرك في إطارها ، وشكلت الشروط العملية المحددة لطبيعة حركته وقدراته الذاتية ، والتي يمكن كذلك أن تفسر لنا كثيرا من مواقفه وسلوكه . وبالتالي يمكن الوصول من خلال ذلك إلى استنتاج فيما إذا كان هذا النظام قادرا على البقاء أم أنه آيل إلى الزوال .
1. من "الاستقطاب" إلى "الأزمة"
أنشئت الجامعة العربية برعاية بريطانية، من أجل ضمان استمرارية واستقرار النظم الجديدة في هذه الدول، حرصا على حمايتها من أخطار قيام نظم راديكالية معادية للغرب ، وقد وضع ميثاق الجامعة بطريقة تتلاءم مع طبيعة الظروف والأهداف التي أنشئت من أجلها بحيث تكون هذه المؤسسة قائمة فعلا .
ومنذ تأسيس الجامعة العربية ، بدأت حالة الاستقطاب بين الدول الأعضاء ، وشكلت كل من الأردن والعراق – في البداية – محورا [ هاشميا ] يسعى إلى الهيمنة على النظام مقابل المحور المصري السعودي . إلاّ أنه مع ظهور شخصية عبد الناصر على الساحة العربية ، تحولت محاور الاستقطاب لتشهد تنافسا شديدا بين الأنظمة القومية المتحالفة مع الاتحاد السوفيتي [ سابقا ] وبين ما سمي بالدول المحافظة ذات الطابع الملكي أو الوراثي ، وقد هيمنت شخصية عبد الناصر ذات الكارزما الشعبية الكبيرة على الجامعة العربية ،وبالتالي تمتعت مصر في هذه الفترة بقيادة النظام العربي إلى حين وفاة عبد الناصر والفترات الأولى من حكم السادات .
وشكل عام 1978 نقطة تحول، إذ استطاعت العراق أن تقوم بدور فاعل في قيادة النظام العربي بدلا من مصر، التي خرجت من الصف العربي عمليا على أثر اجتماع بغداد [ في نفس العام ] الذي رفض معاهدة كامب ديفيد وقرر مقاطعة مصر مع إسرائيل ، ولم يشهد النظام العربي في الثمانينات تحديات تذكر سوى التضامن العربي مع العراق ضد إيران ، ونجاح الجهود الأردنية في نهاية الثمانينات بالعودة بمصر إلى الجامعة العربية ، الأمر الذي ترافق مع عودة الطموح المصري بقيادة النظام العربي .
لكن نهاية الثمانينات وبداية التسعينات بدأت إرهاصات مرحلة جديدة ترافقت مع انهيار الاتحاد السوفيتي، وتفكك المنظومة الشيوعية، وزوال حالة الاستقطاب العالمية. فألقت هذه المتغيرات ظلالها على النظام العربي ، والذي وجد نفسه أمام مشروع أمريكي متحفز لإعادة صياغة المنطقة، من خلال إعادة تعريف المصالح الأمريكية ومصادر التهديد ، وشكلت حرب الخليج الثانية مفتاح التدخل الأمريكي الفعلي في هذه المنطقة، كما أظهرت عدم قدرة النظام العربي وعجزه عن التفاعل مع المتغيرات الجديدة .
مثّلت قمة القاهرة عام 1990 نقطة تحول أخرى في النظام العربي ، وقد شهدت القمة حالة من الاستقطاب الشديد بين الدول العربية المؤيدة للتدخل الأمريكي والغربي والدول الرافضة ، بيد ان الأمر حسم مع نهاية الحرب العراقية ، وانتصار دول التحالف ، وكل هذا وذاك كان يشكل بداية عملية لإجراء صياغة استراتيجية جديدة للمنطقة . غابت مؤسسة القمة العربية ستة أعوام ، بعد " الشرخ الكبير " الذي أحدثته حرب الخليج ، وشكل المحور " المصري ، السعودي ، السوري " محاولة جديدة لإعادة الروح للنظام العربي من خلال هذه القيادة الثلاثية المشتركة ، وشهدت نهاية التسعينات وبداية القرن الجديد غياب زعماء لهم حضورهم ودورهم في النظام العربي ، وظهور جيل جديد من الزعماء يحمل تصورات ومفاهيم جديدة في السياسة والحكم .
وجدير بالقول: أن حرب الخليج الثانية لم تكن فقط نقطة تحول في العلاقات العربية – العربية، وإنما شكلت خطا نهائيا لمرحلة الحرب الباردة التي ولد معها النظام العربي الحالي وتكيّف بسلوكه مع مفاهيمها ومقتضياتها ، وبالتالي وجد نفسه مع نهاية تلك الحقبة في "أزمة" حقيقية بين تجديد ذاته من خلال إصلاحات بنيوية حقيقية تتلاءم مع المتغيرات الكبرى، وإما الاستقالة. بيد لا هذا ولا ذاك حصل ، وإنما استمر النظام العربي محافظا على هيكله الرسمي وصورته الخارجية في الوقت الذي كان يشهد فيه تمزقا داخليا، يلغي كل معنى فعلي لوجود هذا النظام وبقاؤه .
لم تكن حرب الخليج الثانية سوى انعكاس جانبي لحجم التغير في النظام العالمي ، بل ولكثير من النظريات والمعطيات السياسية السابقة ، فلم تعد كثير من المفاهيم السياسية التي حكمت سلوك النظام العربي سابقا قائمة. ولم يقف سؤال الشرعية عند حدود النظام الإقليمي العربي ، بل مسّ جوهر النظم القطرية القائمة ، وبدت معالم الضعف والهزل تصيب هذه النظم مع ظهور عجزها أمام التدخل الخارجي ، وفقدانها كل عناصر الممانعة والمقاومة، وكثيرا ما أريق "ماء حيائها" على عتبة البيت الأبيض إلى درجة ربط بها وزير الخارجية القطري العلاقات العربية مع الولايات المتحدة بعامل "التوسل". كما ظهرت هذه الأنظمة عاجزة امام الخطر الاسرائيلي الذي طالما استمدت شرعيتها من حجة مقاومته ، ناهيك عن ظهور فشل هذه الأنظمة في إدارة شؤون الحكم والتنمية ، وظهور قضية الفساد السياسي بشكل فاضح ، ولم يبق من حجج الشرعية التي تتمسك بها هذه الأنظمة سوى شرعية " العصا والجزرة " ومنطق الغلبة على المستوى الداخلي ، أما على المستوى الخارجي استمدت مشروعيتها من مصلحة الولايات المتحدة بدعمها لعدم قيام نظم راديكالية بديلة ذات صبغة أصولية معادية للغرب ، إذ اتجه الفكر السياسي الأمريكي بعد حقبة الحرب الباردة إلى اعتبار الحركات الإسلامية أبرز مصادر التهديد للوجود للمصالح الأمريكية .
2.أحداث أيلول : من " الأزمة " إلى الانهيار
أدت أحداث أيلول إلى تعميق أزمة النظام العربي برمته ، والأنظمة القطرية المشكلة له ، وتمثل جوهر الأزمة بما يطلق عليه " أزمة الشرعية المزدوجة " ؛ إذ أنّ هذه الدول قد فقدت كل مبررات الشرعية على المستوى الداخلي، فلم تبق لا شرعية دينية شكلية ( حالة الأردن ، السعودية ، المغرب ) ولا شرعية تاريخية مرتبطة بالأحلام القومية والصراع العربي – الإسرائيلي ( حالة الأسد الأب وعرفات )، ولا شرعية الإنجاز الاقتصادي والتنمية ( فشل جميع الدول العربية )، ولم تكن بالطبع تمتلك أية شرعية شعبية / قانونية.
في ذات الوقت الذي فقدت هذه الدول شرعيتها على المستوى الخارجي من خلال ما سمي بدرس أيلول الأمريكي، والذي عبر عنه مارتن إنديك وغيره من المحللين والقادة الأمريكان ، إذ يقول إنديك " إنّ خطأ واشنطن الوحيد في الشرق الأوسط هو دعم نظم فشلت على نحو مستمر في تلبية الاحتياجات الأساسية لشعوبها، إن هذه النظم فضَّلت التعامل مع مشكلة حرية التعبير عن الرأي السياسي في بلدانها عن طريق توجيه المعارضة ضدنا"، فهذه الرؤية الأمريكية باتت تنظر إلى أن دعم الولايات المتحدة للأنظمة العربية القمعية في المرحلة السابقة كان خطأ كبيراً دفعت واشنطن ثمنه في الحادي عشر من سبتمبر، وفي هجوم الحركات الجهادية على مصالحها في أنحاء العالم. إذ أنّ الدول العربية التي تمتاز بظروف من التهميش الاقتصادي والاضطهاد السياسي هي الحاضنة للإرهاب، كما أنها من الدول الهشة التي لا تمتلك أية شرعية سياسية قانونية وتؤدي لذلك إلى تفريخ الإرهابيين .
ووفقا لرؤية وتفسير المحافطين الجدد فإن أحداث سبتمبر هي نتيجة للصراع المحتدم بين الأنظمة العربية المستبدة الفاسدة وبين شعوبها ، وقد أصبح هذا الصراع قضية أمريكية بعد أن تحوّل الإحباط لدى الشباب العربي الذي فشلت أنظمته في تعليمه وتوظيفه إلى غضب مضغوط ما لبث أن تفجّر .
وانطلاقا من التفسير السابق فإن التوجه الجديد للولايات المتحدة في الشرق الأوسط قام على النقيض من سياستها في الحرب الباردة ، والتي كانت تقوم على الحفاظ على الوضع الراهن ، فالفلسفة أو الرؤية أصبحت تقوم على أن الولايات المتحدة نفسها ستعمل على التغيير السياسي والاقتصادي والثقافي في الشرق الأوسط، وقد تجلَّت هذه الرؤية في مبادرة الشراكة الشرق أوسطية التي أطلقها وزير الخارجية كولن باول ، ثم في مشروع الشرق الأوسط الكبير ، الذي يرفع شعار الإصلاح أمام النظم العربية . فوجدت نفسها أمام استحقاقات كبيرة ، وقد زاد من سوء وضع هذه النظم وأزمتها عاملان أساسيان :
الأول / التطور الكبير في دور مؤسسات الإعلام والمجتمع المدني وتقلص دور السلطة وهيمنتها على الحياة السياسية والاقتصادية والرمزية ، الأمر الذي اعبتره عدد من المنظرين العالميين الكبار انتهاء عصر الدولة القومية ( التي تشكلت على أثر معاهدة وستفاليا عام 1668 ) بل وتغير في مفهوم الدولة ذاته ، وبالتالي زاد الوعي الشعبي العربي ، واتسعت مساحة الحرية والتعبير - من خلال الشبكات والاتصالات والمؤسسات الجديدة – ولم تستطع حتى أكثر الدول انغلاقا ممانعة هذه الموجة الجديدة ، وفقدت كثير من النظم القطرية العربية كثيرا من قدراتها في التأثير على الرأي العام وتججيم قوته ودوره ، واضطرت للسماح للمؤسسات غير الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني بممارسة دور كبير بضغط من الخارج والداخل ، الأمر الذي يعني منطقيا تقليص أهمية مؤسسات السلطة وخطورتها .
الثاني / حكومات الليكود الإسرائيلية ، خاصة حكومة شارون ، والذي مارس أقصى درجات الاستفزاز للشارع العربي ، وقام بمذابح ، وتحدى العالم العربي والإسلامي بقتله للفلسطينيين بدم بارد ، وبمباركة أمريكية ضمنية ، وفي موازاة حالة عجز تام من قبل هذه الأنظمة التي طالما تبجحت بالقضية الفلسطينية ، لتظهر هذه الأنظمة - على ضوء المشهد الفلسطيني – أمام شعوبها أنظمة ضعيفة عاجزة بائسة غير قادرة حتى على القيام بمهمة " التوسل " - التي نظر لها وزير الخارجية القطري – من الولايات المتحدة الأمريكية . ومثلت الانتفاضة خطرا على الحكومات العربية بمقدار ما شكلت تهديدا للكيان الاسرائيلي .
ثم جاءت الحرب العراقية ، والتي مثلت على أكثر من مستوى ضربة قاصمة للنظام الرسمي العربي بشقيه الإقليمي والقطري ؛ فدرس العراق قد استوعبته الشعوب العربية جيدا ، فظهر عجز النظام العربي عن اتخاذ أي موقف إيجابي أم سلبي ضد العدوان الأمريكي في الوقت الذي وقفت فيه كل من فرنسا وألمانيا موقفا صلبا ، واستطاعت فرنسا منع إصدار قرار من المنظمة الدولية يعطي الشرعية للعدوان . وخرجت المظاهرات والمسيرات في كل العالم منددة بالعدوان ، بينما خاف الحكام العرب من السماح لشعوبهم بالتظاهر .
إن القراءة السابقة للنظام الرسمي العربي تبين بشكل كبير أن هذا النظام قد فقد كل مقوماته وشروط بقائه فقد عجز عن حماية نفسه وشعوبه من الاختراق الخارجي ، وعجز عن إدارة شؤون الحياة السياسية والاقتصادية ، فتتسبب بوضع كارثي لهذه الشعوب ، كما أنّ المؤسسة الأمنية التي كان يتمسك بها حفاظا على مصالح النخب الحاكمة ، قد فقدت كثيرا من هيبتها مع سقوط بغداد . ومما لا شك فيه أن أزمة الجامعة العربية مرتبطة عضويا بأزمة النظم العربية المشكلة لها .
لم تعد هناك مصادر تهديد توحد النظم العربية سوى الشعوب ، ولم تعد هناك مصلحة مشتركة لها سوى البقاء من خلال الاندماج في المشروع الأمريكي في المنطقة ، وبالتالي هناك احتمالان :
الأول / انهيار النظام العربي ، وأفوله ، وتغير سمات الأنظمة الحالية ، وانهيار جامعة الدول العربية ، وهذا الأمر هو محصلة طبيعية لانتهاء الأسباب والشروط التي كانت تقف خلف النظام العربي الرسمي القديم بشقيه الإقليمي والقطري . ولعل هذه النتيجة هي ذاتها التي وصلت إليها توقعات وكالة المخابرات الأمريكية من خلال مراكز الدراسات التابعة لها ، والتي تقوم بوضع مقاربات لاستراتيجيات بعيدة المدى ، فقد وضع عدد من الخبراء الأمريكيون المتخصصون في شؤون الشرق الأوسط مشروعا يستشرفون فيه طبيعة المرحلة القادمة منذ الآن إلى عام 2020 . وقد وصل الخبراء إلى أن الشرق الأوسط سيشهد تغيرا سياسيا كبيرا في طبيعة النظم السياسية إما أن يأخذ هذا التغير طابعا سلميا وإما أن يأخذ طابعا ثوريا ؛ فالفجوة بين الحكام والمحكومين في هذه المنطقة تتسع بشكل كبير ، بسبب السخط الشعبي من عجز وفساد الأنظمة ، وبسبب الدور المتزايد لوسائل الإعلام في تقوية دعائم الرأي العام ودوره ، إلاّ أن المشروع يرفض التكهن بطبيعة التغيرات الجدية واتجاهاتها .
الثاني / التحاق النظام العربي واندماجه بالمشروع الأمريكي ، سعيا من النخب الحاكمة الحالية على مصالحها المرتبطة ببقاء هذا النظام .
الفرع الثاني: فقدان ادوات الضغط والثوابت الوطنية.
أ. المبادرات ومشاريع التسوية:
منذ اندلاع الصراع العربي الاسرائيلي، ظهرت عدة مبادرات ترمي لحل النزاع القائم، وعلى الرغم من فشلها جميعها ، الا انه من الضروري تسليط الضوء على اهم مبادرات ومشاريع التسوية التي قدمت للطريفين العربي والاسرائيلي .
• مشروع خالد الحسن 1982 :
قدَّم خالد الحسن عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، ورئيس لجنة العلاقات الخارجية في المجلس الوطني الفلسطيني في عام 1982 مشروعاً سماه أفكاراً للنقاش لحل النـزاع، حيث دعا إلى انسحاب الكيان الإسرائيلي من الأراضي المحتلة سنة 1967، وإقامة الدولة الفلسطينية على تلك الأراضي، وأن تكون أحكام الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة هي المرجع القانوني.
واقترب الحسن بطرحه هذا كثيراً من المشروعات العربية التي رفضتها منظمة التحرير دائماً وبإصرار هذه المشروعات التي تعترف ضمناً ب"إسرائيل" وتقبل ما اغتصبته من أرض سنة 1948.
كان طرح الحسن (الذي ظهر وكأنه مشروعه الخاص) يعكس حالة النقاش الدائرة في صفوف القيادة الفلسطينية، وارتفاع أصوات التيار "الواقعي" المتراجع عن الثوابت ضمن منظمة التحرير وكان أقرب إلى بالون اختبار لجس نبض الشارع الفلسطيني والعربي وردود الفعل الدولية.
• مشروع ريغان 1982:
مثَّل الاجتياح "الإسرائيلي" للبنان، وتدميرُ معظم البنية التحتية لـ منظمة التحرير وإجبارُ نحو عشرة آلاف من مقاتليها على الخروج من لبنان في صيف 1982، مرحلةً جديدة في مسار التسوية السلمية. إذ وجدت القيادة الفلسطينية نفسها في تونس معزولة عن فلسطين، محرومة من أي قاعدة استراتيجية أو لوجستية في دول المواجهة مع "إسرائيل"، وساعد هذا الوضع على إيجاد أجواء عربية وفلسطينية جديدة تسير باتجاه متابعة منحنى التسوية الذي اختطته مصر. وأسهمت حالة العجز العربي وعدم جدية أو فاعلية برامج المقاومة والتحرير التي تُعلنها في طرح مشاريع تسوية تلقى قبولاً وتبنياً رسمياً عربياً، وتتضمن التنازل عن أرض فلسطين المحتلة عام 1948، والتعايش السلمي مع "إسرائيل" .
كان مشروع الرئيس الأمريكي رونالد ريغان الذي أعلنه عام 1982 من أوائل المشاريع التي طرحت إثر الاجتياح "الإسرائيلي" للبنان. وقد دعا إلى عدم تقسيم مدينة القدس والاتفاق على مستقبلها عن طريق المفاوضات. وتعهد بحماية أمن "إسرائيل". ويبدو أن هذا المشروع كان مقدمة لاستثمار الظروف السياسية التي نتجت عن الاجتياح الإسرائيلي للبنان، وهو لا يختلف كثيراً عن الشق الفلسطيني في اتفاقية كامب ديفيد وتم رفضه من قبل المجلس الوطني الفلسطيني.
مشروع السلام العربي (مشروع فاس) 1982:
وكان في أصله مشروعاً طرحه ولي العهد السعودي حينها الأمير فهد بن عبد العزيز، وتبناه مؤتمر القمة العربية المنعقد في مدينة فاس بالمغرب في أيلول 1982، إثر الخروج الفدائي الفلسطيني من بيروت. وقد تضمن النقاط التالية :
1. انسحاب "إسرائيل" من جميع الأراضي العربية التي احتلتها عام 1967 بما فيها القدس.
2. إزالة المستوطنات التي أقامتها "إسرائيل" في الأراضي المحتلة عام 1967.
3. ضمان حرية العبادة وممارسة الشعائر الدينية لجميع الأديان في الأماكن المقدسة.
4. تأكيد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره بقيادة منظمة التحرير وتعويض من لا يرغب بالعودة.
5. إخضاع الضفة الغربية وقطاع غزة لمرحلة انتقالية تحت إشراف الأمم المتحدة لبضعة أشهر.
6. قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
7. يضع مجلس الأمن الدولي ضمانات سلام بين جميع دول المنطقة بما فيها الدولة الفلسطينية المستقلة.
8. يقوم مجلس الأمن الدولي بضمان تنفيذ تلك المبادئ.
مثَّل مشروع فاس الخط السياسي العربي العام الذي ساد حقبة الثمانينات والذي يجمع بين الاعتراف الضمني ب"إسرائيل" وإقامة الدولة الفلسطينية على الضفة والقطاع.
مشروع بريجينيف للسلام 1982:
يمثل هذا المشروع التصور السوفييتي للتسوية. وقد طرحه الرئيس ليونيد بريجينيف في 15 أيلول 1982. وركز على حق شعب فلسطين في تقرير مصيره وإقامة دولة مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة بما فيها القدس الشرقية. وأكد على حق جميع دول المنطقة في الوجود والتطور السلميين والأمنيين، وعلى إنهاء حالة الحرب، وإحلال السلام بين الدول العربية و"إسرائيل"، وعلى إيجاد ضمانات دولية للتسوية .
رحبت منظمة التحرير والدول العربية بهذا المشروع الذي لا يختلف في جوهره عن مشروع فاس.
مشروع الكونفدرالية الأردنية - الفلسطينية 1984 - 1985:
طرح الملك حسين لدى افتتاحه الدورة السابعة عشر للمجلس الوطني الفلسطيني المنعقدة في عمَّان عام 1984 الخطوط العريضة لمبادرة أردنية - فلسطينية مشتركة مبنية على قرار 242 كأساس للتسوية، وعلى مبدأ الأرض مقابل السلام، في إطار مؤتمر دولي تحت إشراف الأمم المتحدة.
جرت مباحثات أردنية - فلسطينية مشتركة تم في ختامها إقرار الاتفاق الأردني - الفلسطيني في 11 شباط 1985، وكان من أبرز أفكاره :
1. يتم التحرك الأردني - الفلسطيني على أسس الشرعية الدولية التي تمثلها قرارات الأمم المتحدة، التي تنص على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني مع مراعاة قرارات 242 و338.
2. يجب أن تتم عملية السلام من خلال مؤتمر دولي تشارك فيه منظمة التحرير الفلسطينية.
3. الاعتراف بمبدأ الأرض مقابل السلام، وانسحاب "إسرائيل" الكامل من الأرضي المحتلة عام 1967، وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.
4. تكون العلاقة المستقبلية بين الأردن و منظمة التحرير علاقة كونفدرالية فيما إذا قامت الدولة الفلسطينية.
5. الاتفاق أنه في حالة نجاح مفاوضات الملك السعودي فهد بن عبد العزيز في واشنطن وقبول الإدارة الأمريكية بمقترحاته، أن تقوم منظمة التحرير بخطوات متقدمة نحو الاقتراح الأمريكي القاضي بالاعتراف المتبادل (مع إسرائيل).
عَكَس هذا الاتفاق تحسُّن العلاقة بين منظمة التحرير والأردن، والتي شابها التوتر الحاد معظم فترة السبعينيات. كما عكس استجابة أكثر من منظمة التحرير للتعامل مع الضغوط الدولية (الأمريكية و"الإسرائيلية" بالذات) التي تفضل التعامل مع قضية فلسطين من خلال البوابة الأردنية، فضلاً عن تراجع منظمة التحرير عن إصرارها على إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. وعلى أي حال، فلم يكتب لهذا المشروع النجاح إذ لقي معارضة فلسطينية داخلية من بعض الفصائل. وقام الملك حسين بإيقاف المشروع بعد عام واحد فقط من الاتفاق عليه.
مثلت السنوات التي تلت عام 1987 مرحلة دخول منظمة التحرير التسويات التي كانت ترفض دخولها من قبل وتعدها من المحرمات والكبائر. ولقد سارت الأنظمة العربية خطوات من التراجع والتنازل حتى وجدت نفسها في مربع التسوية الذي ذهب إليه نظام الحكم في مصر منذ أمد. وكيَّفت نفسها مع الشروط الأمريكية - الإسرائيلية للدخول في المفاوضات.
عانت منظمة التحرير خلال عامي 1986 - 1987 حالة من الاستضعاف السياسي، ومحاولات متزايدة من التهميش. غير أن اندلاع الانتفاضة الأولى أواخر عام 1987 وفَّر لها رافعة سياسية كبيرة، وكرَّس من جديد الهوية الفلسطينية.
• خارطة الطريق:
إن هذه المبادرة ليست معاهدة رسمية ، بل هي خطة عملٍ تتطلّب من السلطة الفلسطينية ومن اسرائيل القيام بأعمالٍ عدةٍ في المجالات الأمنية و الإنسانية من أجل تهدئة الأوضاع و تحسين عوامل الثقة بين الطرفين من أجل العودة إلى المفاوضات ، و تتكوّن خارطة الطريق من ثلاث مراحل رئيسة :
المرحلة الأولى : استتباب الأمن للكيان الاسرائيلي بالقضاء على من يسمونهم بـ (الإرهابيين) - المقاومة الفلسطينية - حيث تعلن السلطة الفلسطينية عدم شرعية المقاومة و تعتبر المقاومين (إرهابيين) خارجين عن القانون يجب محاربتهم و اجتثاثهم بالقوة من المجتمع الفلسطيني و القضاء عليهم كلية , وعليها كذلك أن تمنع و توقف جميع مظاهر التحريض ضد الكيان في أجهزة الإعلام و خطب المساجد و المناهج الدراسية التي ستُبدل إلى منهاجٍ جديدٍ شبيهٍ بالمنهاج الأميركي المُصمّم لمدارس العراق , و تشمل هذه المرحلة أيضاً إصلاحاتٍ جذريةٍ في جميع المؤسسات الحكومية الفلسطينية لكي تتعاون تماماً مع الكيان الاسرائيلي في جميع مجالات الأمن (أمن الكيان الاسرائيلي ) , و بعد أن تقوم السلطة الفلسطينية بجميع هذه الأعمال تقوم دولة الكيان بتقديم التسهيلات الإنسانية المعيشية للفلسطينيين و تفكيك مستوطنات ما بعد 28 أيلول 2000م و تجميد عمليات اغتصاب الأراضي و بناء المستعمرات عليها .
المرحلة الثانية : قيام دولة فلسطينية في غضون عامين أي عام 2005 م ، قابلة للاستمرار و للنمو حسب تصوّر الرئيس الأميركي جورج بوش ، وهانحن في بداية عام 2006 م ولم ترى هذه الدولة النور بعد !! .
المرحلة الثالثة : و تعتبر المرحلة النهائية للصراع الفلسطيني الاسرائيلي حيث يقوم الطرفان بالمفاوضات النهائية من أجل إحلال سلامٍ شاملٍ في المنطقة .
• المبادرة العربية 2000
هذه المبادرة في الأصل مبادرة سعودية ( مبادرة الأمير عبد الله بن عبد العزيز عندما كان ولياً للعهد ) ثم سميت بالمبادرة العربية بعد أن تبنتها قمة بيروت وهذه المبادرة لم تأخذ مجمل الحقوق الفلسطينية بعين الاعتبار بل حصرت الحقوق في الانسحاب الإسرائيلي من الضفة والقطاع إلى حدود عام 1967 م وفي الدولة الفلسطينية، ونلاحظ كذلك أن الكيان الاسرائيلي عندما رحب بهذه المبادرة لم يأخذ منها إلا جانب التطبيع والاعتراف العربي الذي سيحصل عليه، أما ما يترتب عليها من التزامات، وهو الانسحاب الكامل والاعتراف بالدولة المستقلة لم يشر إليه الترحيب اليهودي بل عندما أشار إليه ، قال إن ذلك يأتي عبر المفاوضات ، ومن أبرز بنود هذه المبادرة :-
1- إقامة علاقات كاملة بين الكيان الاسرائيلي وكل الدول العربية الأعضاء بالجامعة العربية .
2- العمل طبقاً لأسس وبنود قرارات مجلس الأمن الدولي أرقام 242، 338،425 .
3- الالتزام بالقرار 194 لمجلس الأمن خاصة فيما يتعلق بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين منذ عام 1948 م .
4- ضرورة توافر ضمانات كتابية أمريكية لنجاح المبادرة والتزام الكيان الاسرائيلي في حالة قبولها .
5- تحديد وضع القدس باعتبارها أراضي عربية احتلت صباح يوم 5 يونيو 1967م، وبهذا ينطبق عليه قرارات مجلس الأمن الداعية لانسحاب إسرائيل الكامل إلى حدود 4 يونيو 1967 م .
6- اعتبار الحدود الدولية هي الحدود التي كانت على أرض الواقع يوم 4 يونيو1967م.
7- تطبيق مبدأ الأرض مقابل السلام وهو ما جاءت به قرارات مؤتمر مدريد للسلام 1991 م .
وقد اعتبر "شيمون بيريز" وزير الخارجية الإسرائيلي المبادرة "مرنة" بشأن القدس، ومواضيع أخرى، وقال لشبكة "فرانس - 2" التلفزيونية ، الأربعاء 26-2-2002م: إن تقاسم المدينة المقدسة سوف يتضمن الإبقاء على مواقع إسرائيلية في القدس الشرقية، حيث ستبقى بعض القطاعات بين يدي إسرائيل , وأضاف أن الحلول التي تطرحها المبادرة تقوم على "تبادل أراض" بين الإسرائيليين والفلسطينيين، مع اعترافها في الوقت نفسه بأن وضع المستوطنات اليهودية يشكِّل واقعًا من الصعب جدًّا تغييره, واستبعد إجراء أي "اتصال مباشر" مع المسئولين السعوديين في الوقت الراهن,وكانت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية قد نشرت في 26-2-2002م: إن المبادرة السعودية تنطوي على أهمية كبيرة لإسرائيل، تتمثل في اعتراف 22 دولة أعضاء في الجامعة العربية بها، وإقامة علاقات كاملة معها .
ب: أدوات الضغط الفلسطينية.... المفاوضات والانتفاضة
• المفاوضات
منذ بداية المفاوضات بين الطرفين الفلسطيني ـ الإسرائيلي بدا المفاوض الفلسطيني انه عرضة للانهيار الذاتي على طاولة المفاوضات، وتقديم التنازلات اللامتناهية وذلك لأسباب كثيرة منها ضيق الخيارات المتوفرة للطرف الفلسطيني، لاستثمارها كضاغط مؤثر على الطرف الإسرائيلي، إضافة لأسباب أخرى منها ماله علاقة بعدم الاستفادة من التجارب التحررية الأخرى في المفاوضات كعلم وممارسة، التجارب الأخرى مثل الفيتنامية كثورة وتحرر ، أو الايرلندية وتجربة الحكم الذاتي .
ومع المقاومة المسلحة والانتفاضة الفلسطينية الكبرى التي اندلعت عام 1987، وبسببٍ من محاولة استثمارها قبل أن تحقق أهدافها، كان من الطبيعي جرّ الطرف الفلسطيني لمفاوضات تسوية تفتقد إلى مرجعية أممية وقرارات الشرعية الدولية في العودة وتقرير المصير، وتصب في مصلحة اليمين الإسرائيلي خاصة .
ولعل ما يجري اليوم عقب اللقاءات الثلاثية (عباس، أوباما، نتنياهو) لم يكن غريبا ، فاللقاءات لم تسفر إلا عن تغطية مشرعنة لاستمرار الاستيطان ، وتهويد القدس واستمرار الحصار لقطاع غزة ، تحت مسميات كثيرة منها تقليص عمليات البناء الاستيطاني في الضفة والقدس ، كما أن الرئيس أوباما لم ينجح من خلال هذه اللقاءات في الضغط على نتنياهو بتجميد الاستيطان ، وهذا يبرهن على مدى ضعف المفاوض الفلسطيني ممثلاً بالسلطة الفلسطينية وفريقها المفاوض، حيث قدم المفاوض الفلسطيني أولى التنازلات بعد اللقاء مع اوباما بطلب رسمي تقدمت به السلطة بتأجيل طرح تقرير القاضي الدولي غولدستون بإدانة جرائم الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، هذا الطلب الذي تجاهل أو تناسى ماتمثله هذه الجرائم في كونها جرائم دولية إنسانية، استهدفت الشعب الفلسطيني بكل مكوناته وشرائحه الاجتماعية والسياسية .
فالمتتبع للعملية السياسية في الشأن الفلسطيني يلحظ مع مرور الوقت والمماطلة الإسرائيلية لكسب الوقت وفرض الأمر الواقع تحت مسمى "وقائع مادية" أي اغتصاب الأرض؛ انحسار الخيارات أكثر فأكثر أمام المفاوض الفلسطيني، فالفلسطيني الذي دخل يوماً ما إلى مقر الأمم المتحدة حاملاً غصن السلام في يد وبندقية المقاومة والنضال في اليد الأخرى، لاسترداد حقوقه الوطنية المشروعة بات اليوم أمام خيار وحيد هو المفاوضات دون أي داعم فعلي جماهيري مقاوم يجعل منه مفاوض ضاغط متقدم .
أما الحالة التي يتسم بها المفاوض الفلسطيني هي حالة مفاوض يمارس عليه سياسة التدمير الذاتي، ذلك بسبب ما أسلفنا من انحسار الخيارات والأوراق الضاغطة، إضافة إلى أن المفاوض الفلسطيني يدخل إلى أي عملية تفاوضيـة على خلفية انعـدام موقف عربي موحد، وانقسـام عربي ـ عربي ممول لانقسام فلسـطيني ـ فلسطيني، وهو ما يتذرع به الإسرائيليون دوماُ بحجة غياب الشريك الفلسطيني، والمطلوب هنا لتدعيم دور المفاوض الفلسطيني هو وحدة وطنية فلسطينية، وإنهاء الانقسام الفلسطيني المدمر وموقف عربي موحد، وانتخابات ديمقراطية تقوم على نظام التمثيل النسبي الكامل لكافة المؤسسات الفلسطينية (مجلس وطني ـ مجلس تشريعي)، إضافة لإحياء وتفعيل هيئات منظمة التحرير الفلسطينية.
• دور الانتفاضة في برنامج التحرر الفلسطيني
مثلت الانتفاضات الفلسطينية معلماً أساسياً من معالم التحول النضالي والكفاحي لشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الاسرائيلي، والتي كانت ذروتها باندلاع الانتفاضة الفلسطينية الكبرى الأولى في ديسمبر 1987، والتي قدمت صورة حقيقية لواقع الاحتلال وإجرامه وممارساته اللاإنسانية ووفرت للقضية الفلسطينية ولأول مرة محضناً شعبياً متكاملاً وموحداً داخل فلسطين المحتلة.
وبرغم التطور الذي أصاب هذه الانتفاضة خلال مسيرته طوال السنوات الماضية متواصلة غير أن حجم الأحداث والتحولات الإقليمية والدولية تسبب بإشكالات عديدة لها ، ناهيك عن الخلاف الفلسطيني حول طبيعة التحولات المطلوبة لتحقيق أهدافها بالتحرر والاستقلال بين الاستثمار السياسي غير الناضج الذي تبنته حركة فتح وتوسيع دائرتها ودعمها بخط المقاومة المسلحة الذي تبنته حركة حماس وفرضته مع بواكير العام 1992 بانطلاقة جناحها العسكري تحت اسم " كتائب القسام".
فقد فرضت الأجندة السياسية نسقها ليتمخض عن جهود احتواء الانتفاضة انطلاق مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 بعد انهيار النظام العربي والاتحاد السوفياتي ومنظومته الاشتراكية إبان الحرب الأميركية على العراق، ثم توقيع اتفاقات أوسلو ومعاهدة وادي عربة، واللتان شكلتا اختراقاً كبيراً لصالح الاحتلال الإسرائيلي، فيما قدمتا مكاسب محدودة للجانبين الفلسطيني والأردني، وبذلك أجهضت الانتفاضة وحرف اتجاهها لتصبح ورقة رهان بيد اللاعبين السياسيين عبر مفاوضات مباشرة مع الاحتلال .
وبرغم مرور السنين على توقيع اتفاقات أوسلو وقيام سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني غير أن الشعب الفلسطيني الذي عانا تحت سلطة أوسلو واتفاقاتها مع الاحتلال ما عاناه . قرر إشعال انتفاضة ثانية كبرى كانت شرارتها المسجد الأقصى في سبتمبر 2000، لتتحول من انتفاضة الحجر إلى انتفاضة السلاح والمقاومة وخوض حروب العصابات مع الاحتلال.
ورغم التباين الكبير في ظروف الانتفاضتين غير أنهما شكلتا معا إطاراً ناظماً لطبيعة الكفاح الفلسطيني طوال العقدين الماضيين ، وأصبحت الانتفاضة سلاحاً بيد الفلسطينيين يهددون به الاحتلال، وكما أصبحت وسيلةً مهمةً لمحاصرة القوى التي تعتقد باستراتيجية خط التفاوض وعبثية خط المقاومة، كما شكلت كل منهما حاضنة مهمة لتحولات استراتيجية في عمليات المقاومة ونوعيتها وكذلك في تطوير التعاون بين الأجهزة العسكرية للفصائل الفلسطينية، وفعالياتها الميدانية، وكانتا المدخل لتطوير الوعي الفلسطيني ولإحداث التحول الاجتماعي والسياسي والفصائلي اللازم لتشكيل رافعة فلسطينية لمواجهة الاحتلال، وبينما تسببت الأولى بتكريس قيادة حركة فتح للشعب الفلسطيني عبر السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، فيما شكلت البوابة التي ولج منها التيار الإسلامي للمشاركة في قيادة العمل الوطني والكفاحي الفلسطيني ضد الاحتلال تحت اسم حركة حماس، غير أن الثانية كانت آلية ومدخلاً لتكريس تراجع حركة فتح شعبياً وسياسياً وعسكرياً، فيما كانت سبباً لتسليم حركة حماس قيادة الشعب الفلسطيني في الداخل.
إن الظروف والدوافع والإنجازات التي مثلتها الانتفاضة الأولى، اختلفت إلى حد كبير عنها في الثانية، خصوصاً في ظل توسع دائرة الخلاف الفلسطيني قبيل الثانية، فيما كانت الأولى سبباً للتفكير الجاد ببرامج الوحدة الوطنية لولا اتفاقات أوسلو التي فرقت ما جمعته الانتفاضة بين الفصائل .
ونظرا لما قام به النظام الدولي والإقليمي العربي والفلسطيني المؤمن باستراتيجية الخط التفاوضي مع إسرائيل من حصار وتشجيع للفلتان الأمني ومنع الحكومة الفلسطينية بقيادة حركة حماس من استلام زمام أمور الحكومة المختلفة وتحقيق أهدافها المعلنة بالإصلاح والبناء ومحاربة الفساد ودعم المقاومة ، فقد أعلنت حركة حماس على لسان زعيمها السيد خالد مشعل في القاهرة "بأن أمام العالم ستة شهور ( أي حتى بداية الصيف القادم 2007 ) ليتحقق الانسحاب الإسرائيلي الكامل ويعترف بالدولة الفلسطينية المستقلة على الأراضي المحتلة عام 1967، وفي حال عدم قدرته على ذلك فإن حركة حماس سوف تدعو الشعب الفلسطيني وتقوده إلى جانب حلفائها في انتفاضة ثالثة لتحقيق هذا الهدف"، وهو الأمر الذي أخذته الأوساط الإسرائيلية على محمل الجد وشرعت تفكر وتخطط لكيفية منع اندلاع هذه الانتفاضة من جهة ولكيفية مواجهتها حال اندلاعها من جهة ثانية، كما جاء هذا الإعلان من قائد حماس بين يدي الموافقة الإسرائيلية الفجائية على وقف إطلاق النار في غزة برغم إعلان الحكومة الإسرائيلية لموقف سابق برفض هذه التهدئة المقترحة من الفلسطينيين .
وبهذا نجد ان الانتفاضة شكلت ضغطا مهما في مسار احداث القضية الفلسطينية، ولعبت دورا مهماً في الحفاظ على وزن المفاوض الفلسطيني ، بحيث يمكن استنتاج ذلك من خلال المفاوضات التي كان يقوم الراحل ياسر عرفات حين كان يستخدمها كورقة ضغط مهمة يمكن بها تحويل مجرى الاحداث. وهو ما يطرح عدة تساؤلات هامة:
1. اذا كانت الانتفاضة سلاح قوي في المفاوضات، لماذا لا يستعملها المفاوض الفلسطيني؟.
2. واذا كان الخط التحرري لفلسطين هو خط تفاوضي يتماشى مع المقاومة الفلسطينية، فاين هو المفاوض الفلسطيني المقاوم؟.
3. مثلت الانتفاضة الفلسطينية عامل مهم في تحقيق التوحد في الصف الفلسطيني، فلماذا لاتكون الانتفاضة اساس للمصالحة الفلسطينية؟.
4. ألم يسهم الكفاح المسلح بدور رئيسي وحاسم، في انبعاث الحركة الوطنية المستقلة للشعب الفلسطيني، وإحياء شخصيته الوطنية. واقترنت باليقظة المتجددة للوعي الوطني الفلسطيني، والنهضة المعاصرة للثورة الفلسطينية، أين هو الكفاح المسلح من منطق المفاوض الفلسطيني؟
الفصل الثاني : التحرر الوطني والاطار السياسي في ضوء احداث غزة ( اواخر عام 2008).
بعد ان تناولنا في الفصل الاول مشهد الاطار السياسي العربي والفلسطيني، واستطعنا من خلال قراءة المشهد الاستدلال على المشاكل التي كانت تواجه المقاومة الفلسطينية خلال العدوان، وكيف كان لها اثر كبير على تحويل مجرى الاحداث. وكيف كانت الوضعية العربية بصفتها اطارا سياسيا ناظما للحراك الفلسطيني الداخلي، ومدى قدرة هذا الاطار على التأثير في منحوى احداث الانقسام الفلسطيني، الان سنحاول ربط العلاقة بالناظمة بين الاطار السياسي العربي والمشهد الفلسطيني الداخلي من خلال :
• المبحث الاول: الانقسام الفلسطيني واشكالية اعادة الاعمار في غزة.
• المبحث الثاني: فك الحصار ومشروعية المقاومة.
• المبحث الثالث : عملية السلام في ضوء المبادرة العربية.
المبحث الاول: الانقسام الفلسطيني واشكالية اعادة الاعمار في غزة.
شكلت حالة الانقسام التي شهدتها الساحة الفلسطينية، حالة من الخلط في اوراق المنطقة، ففوز حماس في انتخابات 2006، وعدم قدرتها على العمل النيابي نظرا للموقف الدولي الرافض للتعامل معها ككمثل للشعب الفلسطيني، تستمد شرعيتها من صناديق الانتخابات، وسيطرت حماس على قطاع غزة عام 2007. والحصار المفروض على غزة، ثم العدوان على غزة ، خلق نوع جديد من التحديات التي لم تمر على الشعب الفلسطيني.
فالانقسام الفلسطيني خلق اشكالية في شرعية المرجعية الفلسطينية ( منظمة التحرير الفلسطيني)، وضرورة اعادة بناءها، او ايجاد مرجعية جديدة للشعب الفلسطيني، وخلق العدوان على غزة اشكالية اعادة اعمار غزة ، بحيث اصبح النقاش الدائر في الاوساط الفلسطينية حول : من له الاحقية في اعادة الاعمار؟ وعن الية الاعمار؟ وتمويل الاعمار.
فبعد ان كانت القضية الفلسطينة تعاني من التحديات الخارجية المفروضة عليها، اصبحت تعاني الان من تحديات داخلية لم تكن في حسبان القادة الفلسطييين.
الفرع الاول : اشكالية المرجعية الوطنية الفلسطينية.
باتت الساحة الفلسطينية، بعد الانتخابات2006، عرضة لتجاذبات بين فتح وحماس في الشارع والأجهزة، وفي المجلس التشريعي، وبين مؤسستي الرئاسة في الحكومة والمنظمة، وأيضاً بين كياني المنظمة والسلطة، ولا شك أن من شأن هذه التجاذبات خلقت حالة أزمة في النظام السياسي الفلسطيني السائد. وخاصة فيما يسمى " بالمرجعية الفلسطينية"، "وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية" .
فحركتا حماس والجهاد الإسلامي اللتان لم يكونا ضمن هذا الإطار السياسي الكبير الذي جمع الفصائل الفلسطينية منذ أن شكلت منظمة التحرير الفلسطينية ، كان رأيهما متوافقا إلى حد كبير لاسيما إنهما أيضا ذوا فكر إسلامي مشترك، في ضرورة إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية. نظراً لأهمية إعادة بناء المرجعية الوطنية الفلسطينية ( منظمة التحرير الفلسطينية) كإطار جامع للشعب الفلسطيني على أسس جديدة تحيي دورها الوطني الأصيل، وتعززه وتسنده، لا سيما في ظل الشلل التام في هياكل المنظمة ومؤسساتها والاستخدام الفئوي لها بما لا ينسجم مع ميثاقها الوطني الأصيل، وعدم قدرة القوى السياسية على تفعيل توافقاتها السابقة عملياً بإعادة بناء (م ت ف) كما جرى في اتفاق القاهرة 2005 وما بعده .
ويذكر هنا ان رئاسة منظمة التحرير الفلسطيني تعاقب عليها العديد من الشخصيات، كان أبرزها أ.احمد الشقيري، وبتقديم استقالته نتيجة الضغوط العربية عليه، تم تعيين يحيى حمودة رئيسا لها، وفي دورة المجلس الوطني الخامسة تولى رئاستها الرئيس الراحل ياسر عرفات،إلى ذلك الوقت لم تكن التيارات الإسلامية مشكلة كحركتي حماس والجهاد الإسلامي.
فقد أسهمت منظمة التحرير الفلسطيني منذ انشاءها بكفاحها المسلح بدور رئيسي وحاسم، في انبعاث الحركة الوطنية المستقلة للشعب الفلسطيني، وإحياء شخصيته الوطنية. واقترنت اليقظة المتجددة للوعي الوطني الفلسطيني، والنهضة المعاصرة للثورة الفلسطينية، لكن تغيب دور منظمة التحرير بعد الشروع في المفاوضات السرية، وعقد اتفاق "أوسلو"في العام 1993، كان له اثر كبير في تفكيك الراية التي تجمع الفصائل الفلسطينية، فقد انعقد المجلس الوطني الفلسطيني في 21 دورة بمعدل دورة واحدة كل سنتين، بخلاف النظام الأساسي الذي ينص على انعقاد دورة واحدة سنوياً .
ولكن عند الاطلاع على تواريخ انعقاد الدورات نجد إن تواريخ الانعقاد أخذت تتباعد زمنياً مع مرور الوقت.
ففي السنوات العشر الأولى من عمر المجلس (1964-1973) انعقدت 11 دورة، وفي السنوات العشر الثانية (1974-1983) انعقدت خمس دورات، وفي السنوات العشر الثالثة (1984-1993) انعقدت أربع دورات، ثم لم تنعقد في السنوات الـ13 التالية (1993-2010) سوى دورتين، أي أن المجلس فَقَد فعلياً دوره التشريعي والرقابي -خصوصاً منذ اتفاقية أوسلو 1993- وجرى عزله وتهميشه عن صناعة القرار الوطني الفلسطيني .
هذا ما دفع حماس وفصائل اخرى للمطالبة بمرجعية جديدة او اعادة بناء الاطار السياسي الفلسطيني الكبير " منظمة التحرير الفلسطيني ، ولا يمكن القول بان حماس ليست جزءا من الاطار السياسي الفلسطيني، فالنظام الأساسي للمنظمة الملحق بالميثاق الوطني الفلسطيني على أن “الفلسطينيين جميعاً أعضاء طبيعيون في منظمة التحرير الفلسطينية يؤدون واجبهم في تحرير وطنهم قدر طاقاتهم وكفاءاتهم والشعب الفلسطيني هو القاعدة الكبرى لهذه المنظمة“ ، فشرعية منظمة التحرير كممثلٍّ وحيدٍ للشعب الفلسطينيّ شرعيةٌ مكتسبةٌ من كون قاعدتها ممثلة بالشعب الفلسطيني بأكمله. اي ان حماس جزء من المنظمة ايضا، لكن الاشكال الذي تطرحه حماس هو في شكل النظام الفلسطيني بوجود قوة غير قوة فتح على الساحة الداخلية الفلسطينية، والذي لم يكن مستعدا بما يكفي لوجود حماس على ساحته، اي ان التساؤل المفروض هنا هو :
إلى أي حد يعكس المجلس الوطني بصفته اطارا سياسيا للشعب الفلسطيني العدالة في التمثيل الشعبي الفلسطيني؟
تكمن هذه الإشكالية في خمسة محاور:
الأول- صعوبة وربما استحالة إجراء انتخابات حرة مباشرة لكافة أبناء الشعب الفلسطيني، وخصوصاً في البلدان التي تتعامل بحساسية شديدة مع هذا الموضوع كالأردن، أو تلك البلدان التي لا ترحب أصلاً بفكرة الانتخابات الحرة على أراضيها.
الثاني- عدم مشاركة تيارات وتنظيمات فلسطينية ذات شعبية واسعة -خصوصاً حماس- في منظمة التحرير ومجلسها الوطني، واشتراطها إعادة بناء المنظمة على أسس جديدة قبل أن توافق على المشاركة.
الثالث- عدم ظهور إرادة حقيقية جادة حتى الآن لدى قيادة منظمة التحرير لإعادة تفعيلها وفق أسس تمثيل شعبي حقيقي. ووجود قوة داخل التيار السائد في المنظمة لا تزال ترغب في الاستئثار بالسلطة واحتكار عملية صناعة القرار.
الرابع- طريقة تمثيل ومشاركة أبناء فلسطين المحتلة عام 1948، وهم يمثلون نحو 11.2% من مجموع الفلسطينيين في العالم. غير أن ظروفهم الموضوعية الخاصة واحتمالات تعامل اسرائيل معهم في مثل هذه الحالة تحتاج إلى دراسة وتمحيص.
الخامس- صعوبة عمل إحصائية دقيقة لأعداد الفلسطينيين في الخارج، وإن كان ممكنا توفير أرقام تقريبية.
وقد كان اتفاق الفصائل الفلسطينية في القاهرة منتصف مارس/آذار 2005 محطة مفصلية باتجاه تفعيل وإعادة بناء منظمة التحرير. ولكن قيادة المنظمة لم تف بتعهداتها في اتفاق القاهرة فيما يتعلق بها، ولم تتم دعوة القيادات الفلسطينية للاجتماع حول هذا الموضوع، وانقضى أكثر من عام على الاتفاق دون اتخاذ أية خطوات ملموسة على الأرض، وهو ما يوحي بعدم جدية قيادة المنظمة في تناول الموضوع .
وخلال العام 2005 كان هناك توافق فلسطيني وشبه إجماع على أن يكون عدد أعضاء المجلس الوطني في حدود 300 عضو بحيث يكون نصفهم من الضفة والقطاع والنصف الثاني من الشتات (الخارج).
غير أن فوز حماس بأغلبية كبيرة (74 مقعداً مقابل 45 لفتح) في انتخابات المجلس التشريعي في الضفة والقطاع يوم 25/1/2006، صدم التيار الرئيسي الذي يقود منظمة التحرير ويسيطر على المجلس الوطني -تيار فتح.
ومن جهة أخرى ففي معظم دورات المجلس الوطني كان تركُّز العضوية وعملية صناعة القرار بيد فلسطينيي الخارج. وفي الفترة التي تلت الاحتلال الإسرائيلي للضفة والقطاع وحتى اتفاق أوسلو (1967-1993) تقرّر أن يُضاف إلى عضوية المجلس نحو 100 من الضفة والقطاع دون التصريح بأسمائهم، وفي عام 1981 تم رفع هذا العدد إلى 180 عضواً. ولكن هؤلاء الأعضاء لم يكونوا يحتسبون في النصاب، وبالتالي ظل الداخل عملياً مستبعداً من صناعة القرار .
أما في الدورة الحادية والعشرين التي تلت اتفاق أوسلو ونشوء السلطة الفلسطينية فقد تحوّل الثقل فيها إلى الداخل، وجرت عمليات إضافة وتغيير واسعة أدت إلى تشكل مجلس جديد بلغ عدد أعضائه من الضفة والقطاع نحو 520 من أصل 787 عضواً، يمثلون 66% من أعضاء المجلس في حين لا يمثل أبناء الضفة والقطاع سوى 37.6% فقط من مجموع الشعب الفلسطيني، إذا ما احتسبت أعداد فلسطينيي الـ48، أما إذا لم تحتسب أعداد هؤلاء فإن نسبتهم ستكون بحدود 42.2% .
وقد أدى ذلك إلى اختلال كبير في بنية المجلس وإضعاف دور الخارج بشكلٍ أثار المخاوف من حصر تمثيل الفلسطينيين في الضفة والقطاع فقط، ومن احتمال الوصول إلى حلول نهائية قد تستثني اللاجئين الفلسطينيين. وعلى سبيل المثال فإن عدد أعضاء المجلس الوطني من المقيمين في الأردن هو 63 عضواً أي 8% من أعضاء المجلس، بينما يمثل فلسطينيو الأردن نحو 30% من مجمل الشعب الفلسطيني.
وتقتضي عدالة التمثيل في المجلس إعادة النظر في أحجام التيارات الفلسطينية الممثلة لفلسطينيي الخارج من خلال آلية انتخابية حرة وشفافة كلما أمكن ذلك، ما قد يؤدي إلى تغيير حقيقي في موازين القوى لصالح التيار الإسلامي الفلسطيني الذي يتمتع بقوة كبيرة في الأردن توازي قوته في الداخل الفلسطيني حسبما تشير معطيات الانتخابات النيابية والاتحادات والنقابات.
كما أن مؤشرات استطلاعين للرأي أجراهما مركز الزيتونة الأول في نوفمبر/تشرين الثاني 2005 والثاني في مايو/أيار 2006 في أوساط اللاجئين الفلسطينيين بلبنان، تُظهر أن حماس وفتح يتمتعان بثقل متقارب مع تصاعد في شعبية حماس في الاستطلاع الثاني عنه في الأول .
اذن هل المطلوب إعادة إحياء منظمة التحرير بعد أن ترهلت وتحولت إلى هيكل مفرغ، ام إن الحاجة باتت ملحة لاستبدال المنظمة بمرجعية فلسطينية جديدة بعد أن فقدت الأولى وزنها السياسي فلسطينياً ودولياً وباتت “عقبة” في وجه مشروع المقاومة؟
الفرع الثاني: الدعم العربي واشكالية اعادة الاعمار في غزة.
ان قضية إعمار قطاع غزة بعد التدمير الهائل الذي أحدثته الحرب الإسرائيلية على القطاع تعتبر صعبة و متشابكة، حيث يتقاطع عندها عناصر متعددة فالإنساني بالسياسي والاقتصادي، والمحلي بالإقليمي والدولي، هكذا بدت القضية منذ أن وضعت الحرب أوزارها وظهور حجم الدمار الهائل الذي لحق في جميع مناحي الحياة في قطاع غزة.
إن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة قد جاءت بعد حصار شديد و خانق على قطاع غزة منذ يونيو من عام 2007 مما أوصل الوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي إلي أسوأ حالاته، فالاقتصاد الفلسطيني منذ نهاية العام 2000، وهو ينتقل من سيء إلي أسوأ حتى وصل حجم الخسائر وحسب التقديرات الدولية إلي أكثر من 15 مليار دولار بنهاية العام 2005. سياسيا كذلك تأتي قضية الإعمار في ظل انقسام فلسطين حاد ألقى بظلاله علي كافة القضايا و العلاقات...فلسطينيا وعربيا .
هناك العديد من المعيقات تعترض سبيل تنفيذ مهمة الإعمار ، من هذه المعيقات:
1. معيقات تقنية (فنية)
• ضخامة المهمة:
لقد شهدت مدن قطاع غزة دمارا كبيرا، فقد تم تدمير كافة مباني الوزارات والمؤسسات المدنية والعسكرية والأمنية والشرطية، ومنازل خاصة، ومزارع ومصانع، وشوارع وسيارات ومرافق عامة وبني تحتية، كل ذلك في بقعة جغرافية محدودة نسبيا وفي مناطق ذات كثافة سكانية مرتفعة جدا (الأعلى في العالم ) وفقيرة جدا وتعاني من مشكلات عديدة أخري. قدرت الخسائر التي سببتها الحرب على قطاع غزة والي تواصلت ثلاثة أسابيع منذ 27 من ديسمبر 2008 وحتى 17 من يناير 2009 بثلاثة مليارات دولار.
• تنسيق المسارات:
إن ضخامة المهمة واتساعها، يفرض تحديد الأولويات، وهو أمر مختلف عليه، نتيجة الأبعاد المتشابكة للقضية، إنسانيا يجب أن يسكن المواطنين الذين دمرت منازلهم فورا، وفنيا هناك العديد من الإجراءات والخطوات اللازمة. كذلك علي صعيد تنسيق المسارات هناك تباين الأرقام واختلافها في تقدير حجم الخسائر بسبب اختلاف مناهج التقييم المتبعة.
• عدم كفاية التمويل واستمراره:
هناك تخوف كبير من قضية توفير التمويل اللازم والكافي وفي الوقت المناسب فالتجربة السابقة، للدول المانحة تشير دوما إلي فجوة كبيرة بين الالتزام والتنفيذ في التمويل ناهيك عن عدم وضوح حجم التمويل المطلوب للإعمار والذي سيتم رصده واعتماده من قبل المانحين والمجتمع الدولي والعربي.
2 المعيقات السياسية :
o المعابر :
فرضت إسرائيل إغلاقا كاملا على المعابر الستة التي تربط قطاع غزة بالعالم الخارجي ومن بينها معبر رفح الذي يربط قطاع غزة بجمهورية مصر العربية والذي ينظمه اتفاق المعابر و الحركة AMA و الذي وقع في أكتوبر 2005 بين خمس جهات هي : السلطة الفلسطينية، إسرائيل، الولايات المتحدة، مصر، الاتحاد الأوروبي. يعتمد قطاع غزة بشكل كامل على إسرائيل في استيراد كل ما يلزم. لذا فإن فتح المعابر جميعها وبشكل كامل هو الشرط الثاني الضروري لعملية إعادة الإعمار التي تحتاج لمواد البناء وكل متطلبات الإعمار.
o المصالحة والوضع السياسي :
بات واضحا أن المجتمع الدولي لن يغير من موقفه المعلن بعدم التعامل مع حكومة حماس في غزة. هذا الموقف اتخذه المجتمع الدولي بعد فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية في يناير 2006 و تشكيلها حكومة. كذلك يدرك المجتمع الدولي أن السلطة الفلسطينية المتواجدة في الضفة الغربية فقط لن تتمكن من تنفيذ أي مشاريع إعمار في قطاع غزة بسب عدم وجودها هناك بعد الحسم على أيدي حركة حماس في الاقتتال الداخلي الذي شهده قطاع غزة خلال عامي 2006 -2007 و الذي انتهى بسيطرة حماس على مقاليد الأمور في قطاع غزة في 14 يونيو 2007. لذا فمن الصعب أن تبدأ عملية إعمار غزة في ظل هذا الانقسام الحاد في الوضع الفلسطيني، وعليه فان المصالحة الوطنية تمثل شرطا ضروريا لبدء عملية إعادة الإعمار التي ينتظرها على سبيل المثال و ليس الحصر أكثر من خمسة آلاف عائلة دون مأوى بعد دمرت منازلها كليا وخمسة عشر ألف عائلة دمرت بيوتها جزئيا و آلاف الأطفال الذين فقدوا معيليهم و مئات المزارعين الذين تضررت مزارعهم وحوالي 600 صاحب مصنع دمرت كليا.
من هنا فإن قضية إعمار قطاع غزة يجب التعامل معها كمشروع وطني تنموي يشمل ليس الترميم الإسكاني و الاقتصادي فقط بل يجب أن يتعداه ليشمل الترميم السياسي و الوطني لكل ما سببه الانقسام و الاقتتال الداخلي و الانفصال الجغرافي و الوجداني الذي حدث بسبب الانقسام الذي جعل حركة حماس التي تحكم قطاع غزة بشكل كامل منذ يونيو 2007 و السلطة الفلسطينية التي تحكم الضفة الغربية. إن إعادة إعمار ما دمرته الحرب يجب أن تأتي في إطار جديد وفلسفة جديدة شاملة، تجب معها كل ما خلفه العدوان و الحصار و الانقسام و تأتي بكل ما هو جديد على المستوى الوطني و الاجتماعي و السياسي و العلاقات الداخلية الفلسطينية. مستلهمة تجارب الإعمار السابقة والمهمات التي كان يجب أن تنفذ مسبقا ولم يتحقق ذلك، إضافة لمعالجة أوجه التشوه والخسائر التي مني بها الاقتصاد الفلسطيني خلال السنوات السابقة.
المبحث الثاني: فك الحصار ومشروعية المقاومة.
الفرع الاول: مشروعية المقاومة.
اجتازت المقاومة الفلسطينية داخل الأراضي المحتلة وخارجها بين الاعوام 1948 و2010 مراحل عدة تاريخية وسياسية وميدانية، بحيث ظهرت وكأنها تتجه بالضفة الغربية وقطاع غزة نحو ثورة شعبية حقيقية، بدأت بالتظاهرات التي شملت فيما بعد كافة المناطق المحتلة طولاً وعرضًا، ودخلت الشوارع والأحياء والأزقة، مثلما اجتاحت المدن والقرى والمخيمات، وضمت كافة قطاعات السكان، صغارًا وكبارًا، رجالاً ونساءً، مسلمين ومسيحيين، وباتت ثورة شاملة ضد الاحتلال.
وعلى صعيد المواجهة الميدانية، وفي الوقت الذي تراجع فيه الزخم الجماهيري نسبيًّا، مقابل تطور ونمو الأعمال الفردية، ارتفع معدل الهجوم بزجاجات المولوتوف الحارقة، والاشتباكات التكتيكية وأعمال الحرائق، التي مثلت محاولة تكتيكية للضغط على سلطات الاحتلال، وتخفيف حدة هجماتها.
ونجحت المقاومة الفلسطينية بشقيها، المدني والمسلح، في تحقيق جملة من الأهداف على مختلف الأصعدة، أهمها :
1- تحولها إلى جزء من الذاكرة التاريخية الجماعية للشعب الفلسطيني، فلن يسجلها التاريخ تجربة فاشلة أو هزيمة، لأن الفلسطينيين بعد نكبة عام 1948 نفضوا عن أنفسهم مفهوم "الضحية" .
2- عبرت المقاومة عن فهم عميق لمتطلبات كل مرحلة نضالية بعينها، فامتنع آلاف العمال عن الذهاب لأعمالهم في مصانع الاحتلال، مما ترك أثره المباشر على اقتصاده، وعبرت الدعوة للعصيان المدني والإضراب الشامل ومقاطعة منتجاته عن أساليب جديدة في مسار النضال الوطني لتحقيق الاستقلال.
3- شكلت المقاومة صدمة عنيفة للكيان الإسرائيلي الذي لم يتوقع أن يتحرك الفلسطينيون ضده، بعد أن وجه كل اهتمامه وجهده لسحقهم، وبالتالي أعادت للشعب الفلسطيني ثقته بنفسه وبقدرته على مواجهة الاحتلال، وخلقت حاجزًا نفسيًّا بين الفلسطينيين ومحتليهم، بعد أن كادت سنون من الاحتلال تقضي عليه، وتستبدل به التعايش الطبيعي غير المقبول، بين الجاني والضحية، كما شكلت محضنًا وطنيًّا لجيل المقاومة الذي خاض غمار مختلف مراحلها.
4- أفرزت المقاومة، مجموعات عسكرية منظمة تطورت لتشكل أذرعًا عسكرية ضاربة، أسهمت مساهمة كبيرة في تغيير تاريخ المنطقة وصياغته من جديد، وعززت بشكل كبير مشروع المقاومة على كافة الأصعدة، وأبرزته خيارا أساسيا ورئيسا أمام الشعب الفلسطيني، وفتحت أبوابًا عديدة لأشكال مختلفة من العمل المقاوم انخرطت فيها شرائح مختلفة من الشعب الفلسطيني .
5- حركت المقاومة، الشارعين العربي والإسلامي بشكل غير مسبوق، وبعثت فيهما الروح والحياة من جديد، فاستعادت القضية عمقها، وظهرت بوادر تململ واسعة من المواقف الرسمية تحت ضغط المواقف الشعبية، بحيث أعادت الاعتبار للبعد القومي تجاه القضية الفلسطينية، ورفعت السقف السياسي لجماهير الشعب وقواه، وترسخ الهدف: لا أقل من تحرير الأرض وإنهاء الاحتلال.
نجحت المقاومة الفلسطينية خلال العقود الستة الماضية في تحقيق عدد من الإنجازات على صعيد الجمع بين ما كان يعرف على أنه "متناقضات" أو "تعارضات" مختلقة، من خلال :
أ- أمست أساليب المقاومة، لاسيما المسلحة منها، شكلاً جماهيريًّا، ليس مقتصرًا على أفراد المنظمات الفدائية، بفضل تشكيل القوات الضاربة التي نقلته من نطاق التنظيم الواحد إلى مختلف التنظيمات الموجودة في ساحة المقاومة، إضافة لانخراط عدد لا بأس به من الجماهير غير المنظمة في صفوفها، من خلال استخدامها لأدوات الحجر، المقلاع، السكين.
ب- الربط بين طابعي المقاومة، السري والعلني، بين الزخم الجماهيري في المظاهرات الهجومية، وأعمال المقاومة السرية العنيفة، بين الاعتصام والتوقف عن العمل، واللقاءات السرية ذات الطابع التخطيطي، بين اللقاءات السياسية المسموح بها نسبيًّا، وإعداد نداءات المقاومة.
ت- الجمع بين عمليتي الهدم والبناء، الفك والتركيب، ضرب ركائز الاحتلال ومحاولة تدميرها، وعملية العمران القائمة على قدم وساق في الأرض المحتلة، وبناء الاقتصاد الوطني وتعزيز مواقع وهيكلية سلطة الشعب، كما تبين أن العصيان المدني شكل من أشكال المقاومة المهمة في حال تكامله مع أشكالها الأخرى، خصوصًا المسلحة منها، وفي حال توفير المقومات المادية الضرورية لنجاحه، التنظيمية والاقتصادية والتعبوية.
ث- أكدت يوميات المقاومة في عقودها الستة، أن أفق العمل المسلح المرافق للمقاومة الشعبية السلمية، ينبغي أن يكون مفتوحًا دائمًا، لكونه الوحيد الذي يكلف الاحتلال، من الناحية البشرية، ومع أن الاعتبارات الاقتصادية والإعلامية مهمة، لكنها ليست حاسمة في هزيمة مشروع الاحتلال، وبالتالي ينبغي ألا تطغى على العامل الحاسم المتمثل بضربه في خاصرته البشرية الرخوة، ولذلك ينبغي تمتين التكتيكات المسلحة وتطويرها.
ج- المزج بين الشعارين المطلبي والسياسي، مع أولوية السياسي، بحيث ارتبط بين إدامة المقاومة واستمراريتها، وبين توزيع الحمل النضالي وثقله، على المدن والمخيمات والقرى والأحياء، بحيث لا تتحمل منطقة أعباء إضافية، ترهق كاهلها.
ح- المزج بين المقاومتين السلمية والمسلحة في آن واحد، وتكاملهما مع بعضهما، والجمع بين الفعل المسلح الكلاسيكي، والنضال الجماهيري، وعلى هذا الصعيد بالذات، أثبتت المقاومة قدرة في ابتكار مختلف أسلحة المواجهة، البدائية منها كالحجر والسكين والحرائق، والأسلحة النارية واستخدام الكمائن المسلحة، واستهداف المواقع العسكرية والمستوطنين، واتفقت المقاومتان، السلمية والمسلحة، على قواسم مشتركة عديدة أهمها:
1- انخراط الجماهير في المقاومة، بشكليها معًا، بما يستدعي وجود حالة من الانضباط والنظام، والسعي لإشاعة أجواء الثقة في نفوس الجماهير المنضوية في إطارهما.
2- احتاجتا لتشكيل الأجهزة واللجان المرتبطة بهما: الإعلامية، السياسية، الاجتماعية، التحريضية، وتطلبتا المرونة العالية في أساليب المواجهة، وعدم حصرها في جبهة محددة، بحيث تصبح مساحة الأرض المحتلة كلها، ساحة للمواجهة مع الاحتلال.
3- نجحتا في ضرب مرتكزات سلطة الاحتلال، أيًّا كان شكلها، التنظيمية والإدارية والسياسية، فضلاً عن إضعاف وتحطيم معنويات جنوده، من خلال تحقيق انتصارات هنا وهناك، وبشكل يومي وشبه يومي، لتعزيز روح المقاومة، وشل فعالية أجهزة الاحتلال.
• نقاط الضعف في المقاومة الفلسطينية
شهدت بعض مراحل الثورة الفلسطينية موجات من التراجع النسبي، ولم يكن ذلك نتيجة الممارسات العسكرية الإسرائيلية فحسب، بل هناك عوامل ذاتية أسهمت في إضعاف المقاومة، إلى جانب مظاهر خلل وقصور في التنظيمات العاملة، ومن أبرزها :
أ- عدم توحُّد القوى الفدائية: بالرغم من اتفاقها على مبدأ تحرير فلسطين من الاحتلال، والاتفاق على وسيلة تحقيقه عبر الكفاح المسلح باعتباره طريقا وحيدة للتحرير، إلا أنها اختلفت فيما بينها، بسبب وجود تناقضات سياسية بينها، مما أدى إلى التنافس السلبي، وطغيان الذاتية المريضة بين المنظمات، وولادة الكثير من الخلافات، وإفساح المجال لمحاولات الدس والتفريق، والتسبب في النفور والشقاق بين القوى المقاومة.
كما سيطرت الذاتية على التنظيمات، وبدأت تبحث عن مواقع أقوى داخل الساحة الفلسطينية، مما قاد إلى ضعف المواجهة مع الأعداء، وأدى فشل مساعي الوحدة بين التنظيمات إلى عدم تبادل الخبرات والتجارب والمعلومات في جميع المجالات، ووقوع الثوار في أخطاء سبق لرفاقهم أن وقعوا فيها.
ب- الضعف الأيديولوجي والسياسي: فقد أدى هذا "الفقر الفكري" إلى بطء شديد في نمو كوادر مسلحة بأفق أيديولوجي واسع، وبمراس كفاحي مكثف، مما يعني أن ضربات العدو وحملات الاعتقال والاغتيال أفقدت التنظيمات عناصر قيادية، دون قدرتها على إيجاد البديل المناسب سريعًا، مما يؤدي إلى ضعف تدريجي في القيادة حتى يؤول الأمر لأشخاص عاديين لا يصلحون لتولي المهمة.
وركز المقاومون على العمل الفدائي العسكري دون الاهتمام بالعمل السياسي، مما أفقد المقاومة الكثير من فاعليتها، ونتج ذلك عن قصور في الوعي والإدراك لجوانب العمل المقاوم، ولو وُجدت فرصة للتوعية السياسية فإنها كانت تنحرف باتجاه الشحن الانفعالي والأيديولوجي ضد تيارات سياسية منافسة في الثورة الفلسطينية، ونالت التوعية السياسية باتجاه المعركة مع العدو أصغر نصيب من الاهتمام.
وهو ما أدى بدوره إلى فقدان الفدائي للرؤية الحقيقية للوقائع، والقدرة على التحليل، وبعد النظر، وتبني الخط السياسي والعسكري الصحيح؛ لضمان تحقيق الانتصارات، وتجنب الهزائم، بل أخذ يتحرك بمغامرة وانفعال عفوي، ويتعامل مع الأحداث بردود الفعل، مما ساهم في زيادة الأخطاء، وأكثر من احتمالات التعرض لخطر الاعتقال أو الاغتيال.
ج- ضعف الاهتمام بالجماهير: قام الأهالي بمساعدة الفدائيين في الأراضي المحتلة، وحمايتهم، وإخفاء أسلحتهم، وتوفير المأوى والطعام والشراب لهم، وإعطائهم الإشارة بوجود الجيش الإسرائيلي، وفي المقابل لم تكن درجة اهتمام الفدائيين بهم في المستوى المطلوب.
صحيح أن تفجُّر الثورة أدى إلى التفاف الجماهير حولها، لكنها هي من طوّرت الثورة، ودعمتها وأمدتها بالفدائيين والأموال والتموين والسلاح، والثورة الناجحة هي التي تستفيد من الجماهير بتسليحها وتنظيمها وتشجيعها على النقد، وبذلك تصبح "ثورة الجماهير"، مما يحميها ويحرسها ويطوّرها، أما إذا نظر الفدائيون إلى الجماهير بازدراء وتعالٍ وغرور، واعتبروها قطعانًا تساق بلا وعي ولا إرادة، وأنها مغفلة يمكن خداعها بسهولة، ونعتها بالجهل والغوغائية والطفولية والعاطفية، فإن ذلك يعني انفصال الجماهير عنهم، وعدم قدرتهم على الاستمرار طويلاً.
د- التهويل الإعلامي: لجأت إسرائيل إلى الحرب النفسية، وتجنيد العملاء، وأجهزة الإعلام، وكل الطاقات والمؤهلات لتحطيم معنويات المقاومين، وتمزيق وحدة الشعب ونشر البلبلة، وازدادت خطورتها عندما انتشرت بين الفدائيين بعض الأمراض الخطيرة التي استغلها العدو كالثرثرة التي تؤدي إلى التباهي والاستعراض، مما أدى إلى إفشاء أسرار الثورة، وأصبح من السهل على المندسين ومروجي الشائعات القيام بمهمتهم، ومما أفقد الجماهير الثقة بإعلام المقاومة، ولجوء بعض التنظيمات إلى التهويل والتضخيم، وأن النصر أصبح على الأبواب، والإشعار بالاطمئنان المبالغ فيه بقوة الثورة، ومناعتها أمام هجمات العدو.
وأدى التهويل والتضخيم إلى التعارض والاختلاف بين تنظيمات الأرض المحتلة، وأصبح أكثر من تنظيم يتبنى عملية واحدة، مما أدى إلى المزيد من الاختلافات بينها، وتحولت العملية الواحدة إلى سباق مرير للادعاء والمفاخرة.
ومن أمثلة التهويل إعلان التنظيمات عن القيام بعمليات أدت إلى "إبادة جميع أفراد الدورية"، و"مقتل وجرح جميع من في الآلية"، و"تدمير الآلية وقتل جميع ركابها"، و"تدمير الآلية وقتل من فيها، وعند وصول النجدة تم نسف العربات بألغام مزروعة"، و"قيام الكمين باشتباك أدى إلى قتل وجرح عشرات الجنود، وعودة الفدائيين لقاعدتهم سالمين".
• ايجابيات المقاومة:
1- ألغت المقاومة، من القاموس الإسرائيلي مصطلح "الحدود الآمنة"، حيث وقف جيش الاحتلال عاجزًا أمام ابتكارات المقاومين، مما دفع بقادته لأن يعلنوا عدم امتلاكهم حلولاً سحرية لقمعها، ونجحت في فرض المعاناة المباشرة على الإسرائيليين نتيجة سياسات حكوماتهم المتعاقبة.
2- بينت أن اختلال موازين القوى لصالح المحتل، لم يحقق له الحل الذي أراد، على العكس، فقد فاقمت من أزمة نظامه السياسي، وأقنعت الأحزاب الحاكمة طوال ستة عقود بأن سياستها القائمة على الضم والإلحاق وأرض "إسرائيل" الكاملة اصطدمت بعقبات جدية، برغم تبنيها لشعار الأمن أولاً! وعدم التفاوض في ظل العنف!
3- كشفت المقاومة حقيقة الكيان الإسرائيلي، وساعدت في تعرية أسطورة "الجيش الذي لا يقهر"، كالتعليقات التي راجت على ألسنة كبار المحللين العسكريين، حيث تناولت الصحف على صدور صفحاتها الأولى، وفي التحليلات والمقالات والافتتاحيات، يوميات وعمليات المقاومة بمختلف أشكالها، وأجمعت على تميزها بـ"جرأة مذهلة" و"ثقة ذاتية لدى نواة المقاتلين".
4- عكست المقاومة، حالة تدهور الوضع الأمني للكيان، خاصة الجرأة المتزايدة للمقاومين، مما أشار إلى تخطيط واستعداد لمواجهة مباشرة مع قوات الأمن، بعد أن لوحظ تغير في أساليب عمل خلاياها، التي أصبحت توجه مجهوداتها ضد قوات الاحتلال، ولا يرتدعون عن خوض صدامات مباشرة معها، وبات واضحًا أن هذه العمليات سبقتها نشاطات استخبارية وتخطيط وجمع معلومات.
5- شهدت المقاومة خلال مختلف مراحلها وفي جميع جبهاتها، في الداخل والخارج، صراعًا داميًّا مع جيش الاحتلال، واشتد الصراع من الناحيتين الكمية والنوعية، حيث استمات المقاومون في الصدام، على اعتبار أن موتهم سيزيد حدة المواجهة، ولم تكن سوى مجموعات مسلحة لا يزيد عدد أفراد الواحدة منها عن أصابع اليد، تنطلق للاصطياد ولديها سلاح، مصدره الأساسي من جيش الاحتلال!
6- أوصلت المحتل إلى اقتناع جاء على لسان أحدهم بقوله: "حظي أعداؤنا بنجاح عسكري، ولاشك أن هذا النجاح سيثير شهيتهم لإحراز نجاحات جديدة، لقد ولدت الحرب الاحتلال، والاحتلال ولد المقاومة، والمقاومة ولدت الخطوات الوقائية والقيود والاعتقالات والتحقيقات، ومقابلها الردود، والردود على الردود، وحسابات الدم متواصلة، وأحلام الانتقام، وما نضج مجددًا هو روح الكراهية المتبادلة، وولدت الانتفاضة والمقاومة الواسعة".
الفرع الثاني : الموقف المصري تجاه قطاع غزة وفتح معبر رفح.
لو ان مصر واسرائيل في حالة عداء، هل يمكن لقطاع غزة ان يبقى محاصرا، هذه الفرضية اثارت جدلا واسعاً بعد حصار غزة، فقد بدأ الحصار منذ مارس 2006م وظل مستمراً حتى الآن، ولكنه أخذ في التفاقم منذ يونيو 2007م، بعد تولي حماس مقاليد الحكم في غزة. فمصر الان تواجه موقفاً حرجاً في ظل انسداد الأفق أمام الفلسطينيين لتلقي الخدمات الحيوية والمساعدات الإنسانية الأساسية.
وبالرغم من ذلك فهي لم تقم بفتح معبر رفح، فهي ترى أن عليها التعامل وفق التزاماتها الدولية العامة من جهة، ووفق التزامها بالتسوية السياسية، خصوصاً قيود اتفاقيات كامب ديفيد لعام 1978م، كما ترى أن اتفاقية المعابر (بما في ذلك الجزء الخاص بمعبر رفح) يمثل جزءاً من هذه الالتزامات الدولية، ولذلك فهي تسعى للوفاء بالتزاماتها هذه أمام المجتمع الدولي، علماً أن اتفاقية المعابر قد انتهت ولم تُعدّ قائمة من ناحية، كما أنها غير مقرة دستورياً في مؤسسات السلطة الفلسطينية، إضافة إلى أن مصر ليست طرفاً فيها، وبذلك فهي لا تقع ضمن التزامات مصر الدولية، ولكن مصر تساعد في تشغيلها بناءً على طلب الأطراف الموقعة عليها.
وقد ازداد الموقف المصر حرجاً بعد بدء تدفق الغاز المصري إلى إسرائيل، وهي لا تقبل بيع قطاع غزة الوقود ولا الغاز ولا الكهرباء، وذلك رغم المناشدات الإنسانية من القطاع، ولذلك أصبحت مصر بحاجة لتقديم شيء للفلسطينيين لتغطي على هذه الحالة المحرجة المستجدة. وهو ما يستدعي قراءة المحددات الموقف المصري الخاصة بفتح معبر رفح والحصار على غزة.
اولاً:محددات الموقف المصري
1- المحدد الفلسطيني
• الحرص على استمرار الدور القيادي لمنظمة التحرير، وفى الوضع الحالي تُعطي مصر أولوية لدعم محمود عباس، ولا يتضح وجود توجه لتطوير منظمة التحرير لتكون مظلّة للفصائل الفلسطينية.
• أن الدور المصري يأتي في سياق أدوار أخرى أكثر فاعلية، ولذا نلحظ تراجع الدور المصري في تسيير شؤون القضية الفلسطينية عما كان عليه سابقاً، حيث تبين أن له حدود أمام اتفاقيات كامب ديفيد، وأمام أدوار الأطراف الأخرى.
• أن مصر ليس من صالحها أن تُحدث كارثة إنسانية أو مجاعة في قطاع غزة.
• أن مصر تتجنب الدخول في مواجهة مع الفلسطينيين المتدفقين عبر الحدود، وهو ما يدعم نفوذها وأدوارها ليس فقط تجاه القضية الفلسطينية ولكن أيضاً لدى الفلسطينيين بشكل عام.
• العلاقة الخاصة التاريخية لمصر مع قطاع غزة (إدارة قطاع غزة تحت إشراف الحاكم العسكري المصري)، ولم يتغير ذلك إلاّ بالاحتلال الإسرائيلي للقطاع عام 1967م، وبالتالي فإن مصر حريصة على عدم خسارة علاقات الغزّيين المميزة مع مصر في اتخاذ موقفها إزاء إنهاء حصار القطاع وفتح المعبر.
• أن الوضع الفلسطيني الداخلي والخلافات بين حركتي حماس وفتح تلعب دوراً في تشكيل الموقف المصري، أو تشكل له إطاراً ومبرراً.
• تحاول مصر ألا تقطع الاتصالات مع أي الفصائل الفلسطينية، على الأقل على المستوى الرسمي.
• التعامل المصري مع القضية الفلسطينية يقوم على أولوية السلام مع إسرائيل، وتتعايش مع وجود مقاومة فلسطينية في الأراضي المجاورة لحدودها بحيث لا تؤدي لنشوب حرب تمتد آثارها للأراضي المصرية.
• في التعامل مع حماس تتأثر مصر بموقفها العام من الظاهرة الإسلامية، وبهذا المعنى لا ترحب بهيمنة حماس على القرار الفلسطيني، ولكنها قد تقبل بدور فاعل لحماس دون السيطرة، وذلك انطلاقاً من تخوفات تثيرها قطاعات حساسة تجاه التيارات الإسلامية بشكل عام.
2- المحدد المصري الداخلي
• أن النظام المصري ليس على استعداد للدخول في أزمات خارجية في الوقت الراهن، ويتوقف دوره تجاه قطاع غزة على حدوث تغير في التوازن الداخلي في الحزب الوطني الحاكم أو مؤسسات الحكم المنبثقة عنه لمصلحة ترجيح أولوية الأمن القومي المصري على الاعتبارات الأخرى، بغض النظر عن تغير الظروف سلماً أو حرباً.
• ثمة قلق لدى مصر يتعلق بالساحة في سيناء كمصدر من مصادر الدخل القومي للاقتصاد المصري في حال تفاقم أزمة القطاع.
• القلق المصري من إمكانية التلاقي بين جماعة الإخوان المسلمين في مصر وحركة حماس على برنامج عمل مشترك يتعلق بالشؤون الداخلية المصرية، وذلك برغم نفي التجربة العملية لمثل هذا الاحتمال، علماً بأن الحكومة المصرية تخوض مع جماعة الإخوان في مصر مواجهة إعلامية وأمنية حادة في هذه الظروف.
• تفاعل الموقف الشعبي المصري المؤيد والمتضامن مع أهل غزة، وتحذيره الحكومة من تحوله للعمل ضد سياستها، وحرص حكومة مصر على خفض هذا التأييد باستخدام وسائل الإعلام والمثقفين.
• مصر ترفض مقترحاً إسرائيلياً لإعادة القطاع للإدارة المصرية كما كان سابقاً، وتخشى مصر أن توصل تفاقمات الحالة القائمة إليه، كما تتخوف مصر من إلقاء القطاع تحت مسؤوليتها دولياً أو عبر التسوية.
• تآكل المظلة الإقليمية للدور المصري وانكماش تأثير مصر الإقليمي، رغم تزايد مصادر التوتر داخل مصر ومحيطها، بل وفي المنطقة عموماً.
3- المحدد الدولي والإسرائيلي
• احترام الالتزامات القانونية المصرية إزاء الاتفاقات الموقعة مع إسرائيل، حيث تسعى مصر لإبقاء مسؤولية إسرائيل والتزاماتها قائمة تجاه القطاع لا أن تتحملها مصر.
• مصر حريصة على ترتيب موضوع الحدود والمعبر دون استثناء أي من إسرائيل والمجتمع الدولي، لاعتبارات استراتيجية وسياسية أبعد من موضوع المعبر ترتبط بالحفاظ على استمرار الوضع القائم، وتربط حل مشكلة المعبر والحصار بحل الخلافات الفلسطينية الداخلية، وكذلك بمشاركة كل من إسرائيل والاتحاد الأوروبي في وضع التصور الجديد للمعبر، إضافة إلى ربطه بالتهدئة من قبل فصائل المقاومة.
• كانت أزمة المعبر سابقاً سبباً لزيادة توتر العلاقات المصرية- الإسرائيلية، وتخشى مصر من تزايد ذلك التوتر في ظل حدوث أي انفلات جديد على المعبر في ضوء سياساتها ومحدداتها الأخرى.
ثانيا: افاق خيارات الموقف المصري
ثمة أربعة خيارات أمام صانع القرار المصري
1- أن تقوم مصر بتقديم شكوى ضد إسرائيل لخرقها القانون الدولي واتفاقيات جنيف بحصار الشعب الفلسطيني، ودعوة الأطراف الموقعة على اتفاقيات جنيف لمساندة موقف مصر، حيث يمكن أن تستند هذه الشكوى إلى أن مصر لا يمكنها أن تراعي التزاماتها تجاه إسرائيل على حساب التزاماتها تجاه المجتمع الدولي، خاصة أن مصر ليست طرفا في اتفاقية المعابر بل تساعد في تشغيله.
2- خيار فتح المعبر وإتاحة حرية الانتقال للأفراد والبضائع وفق المعايير الدولية، وتحمل الأعباء السياسية لهذه الخطوة، وفى هذه الحالة تحتاج مصر إلى توفير مظلة دعم من المنظمات الأهلية والرأي العام والدول العربية الرئيسة، والذي يمكن تحقيقه في حال تحركت مصر لبلورته.
3- تبني خيار الحل الإنساني وفتح المعبر للغايات الإنسانية، ولحماية مصالح مصر وتثبيط انفجار الأوضاع في القطاع، وهو ما يمكن أن يتبلور في الاتصالات مع حركة حماس بعيداً عن المواقف السياسية المسبقة، وقد يقتضى ذلك السعي لجمع حركتي حماس وفتح للاتفاق وحل الخلاف الداخلي، على الأقل فيما يتعلق بالمعبر.
4- رفض تنسيق فتح المعبر، وبالتالي اضطرار سكان القطاع للاندفاع نحو فتح معبر رفح جماهيرياً، ولمصر- هنا- خيارات محدودة، أهمها:
• السماح بالعبور المتدفق والاعتماد على نجاح التجربة السابقة مع توفير السلع والحاجات للشراء في كلٍّ من رفح والعريش.
• السماح بالعبور مع تنسيقه مع حكومة حماس في غزة.
• منع العبور بحواجز الأمن والبوابات دون استخدام العنف، وتحمل ضغط الحشود وتظاهراتها، وهو ما لا يمكنه منع تدفق الحشود البشرية المحاصرة دون توترات خطرة على حياتهم.
• تزويد القطاع بحاجاته الغذائية والدوائية والخدمات الحيوية الأساسية كالكهرباء والوقود والغاز، خصوصاً أن أطرافاً عربية تتعهد بتغطية تكاليف فاتورة القطاع لصالح مصر، والبالغة قرابة 200 مليون دولار سنوياً، وذلك بالتنسيق مع حكومة حماس- بهدف منع تدفق السكان أصلاً- إلى حين إنهاء إجراءات ترتيب فك الحصار وفتح المعبر نهائياً.
وفي كل الأحوال السابقة فإن ذلك يعني أن مصر تستطيع أن تفتح المعبر بغطاء قانوني دولي إنساني دون تحملها أي تبعات قانونية إزاء ذلك، وفي الوقت نفسه تحقيق فك الحصار بشكل منضبط يمنع التحرك الجماهيري دون تنسيق مسبق بين مصر وحكومة حماس في غزة.
المبحث الثالث : عملية السلام في ضوء المبادرة العربية.
الفرع الاول: المبادرة العربية من قمة بيروت الى اعادة احياءها في قمة الكويت.
لقد جاءت مبادرة السلام العربية عبر اقتراح من العاهل السعودي الملك عبد الله، ولي العهد آنذاك، في قمة بيروت عام 2002 واعتمدتها الجامعة العربية بعد شهور من أحداث 11 سبتمبر حيث أن الموقف العربي كان ضعيف للغاية آنذاك وكانت الولايات المتحدة قد كشرت عن أنيابها ضد العرب والمسلمين شعوبا وحكام .
في سياق كهذا، لا بد من تحليل المبادرة واستعراض المواقف وردود الفعل عليها، فلا شك أن هناك إجماعاً عريباً على تبني المبادرة السعودية الصادرة عن قمة بيروت التي تقوم على إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل مقابل انسحابها من الأراضي العربية المحتلة، وقيام دولة فلسطينية مع ضمان إيجاد الحلول لمشكلة اللاجئين بما يتناسب وقرار194، ونذكر هنا أن الأمير السعودي في كلمته التي ألقاها، في قمة بيروت، لم يذكر "حق العودة"، ولا قضية اللاجئين. إلا أنَّ هذه القضية تعرضت لها مبادرته؛ وجاء نصه: " أنَّ الدول العربية تطالب إسرائيل بـ "التوصُّل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، يُتَّفَق عليه، وِفْقاً لقرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة الرقم 194".
وبالتالي إمكانية القبول بأي مقترح يمكن أن يراه البعض مناسبا، وهنا يمكن الاتفاق على صيغة محددة لحق العودة، وان كانت لا تتناسب مع الحقوق الفلسطينية، والرأي في هذا المجال ان بإمكان الفلسطينيين العودة إلى «دولتهم» عندما تقوم، ومن غير الممكن لإسرائيل التخلي عن هذا الشرط. وفي هذا المجال ترتفع من حين لآخر الأصوات التي تحذّر من توطين الفلسطينيين من منطلق «أن إسرائيل لن تقبل عودتهم إليها». وهي تريد حصر عودتهم بالدولة الفلسطينية. فما هو مصير اللاجئين في لبنان وفي غيره من الدول العربية والأجنبية التي انتشرت فيها الشتات الفلسطينية؟ هل تتسع الدولة الفلسطينية لكل العائدين أو كل الراغبين في العودة؟ ثم يأتي موضوع التعويض على الفلسطينيين، وهذا أمر ترى فيه الولايات المتحدة ذلك الاحتمال لتقديم بعض «الارضاءات التشجيعية للفلسطينيين»، لذا لوحظ تركيز الرئيس بوش على الإكثار من الكلام عن إنشاء صناديق جديدة للتعويض على الفلسطينيين، إن جوهر المبادرة العربية نقطتين:
• الأولى: التأكيد على السلام خيار استراتيجي ووحيد للعرب.
• والثانية: الأرض مقابل السلام، إذن نستطيع القول إنه لا توجد احتمالات أخرى مثل الحرب أو مقاطعة شاملة لإسرائيل. والأهم لا يملكون شيئا من القوة ليجعلوا خيار الرفض الإسرائيلي مكلف ومؤذ للإسرائيليين أنفسهم.
ربما يرى البعض أن الرفض الإسرائيلي نفسه مكلف لناحية تكريسه الحرب عاجلا أو آجلا كما حدث مع مبادرة روجرز أيام عبد الناصر، إلا أننا لا نستطيع المقارنة هنا، وذلك لأن خيارات عبد الناصر الاستراتيجية ومنها الحرب، أما هنا امام خيار وحيد وهو السلام . لقد صرح رئيس حزب الليكود بنيامين نتنياهو أن المبادرة العربية التي أقرت عام 2002 في بيروت "غير واقعية لكونها تطالب بانسحاب إسرائيل كامل دون أي مقابل".
لم تكتف إسرائيل بالإفصاح عن نيتها بمقاطعة الحكومة الفلسطينية بل تبدي الملاحظات حول المبادرة العربية التي اتفق عليها العرب في قمة بيروت 2002 والقاضية بتطبيع كامل مع إسرائيل بشرط الانسحاب من الجولان السوري والأراضي الفلسطينية إلى ما وراء حدود 67.
ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه؛ وهو: ماذا ستكسب إسرائيل في حال قبولها المبادرة العربية سوى خسارتها لأراضي 67، في الضفة الغربية ولكتلها الاستيطانية؟
في الوقت الذي يؤكد فيه العرب أن السلام هو خيارهم الاستراتيجي والوحيد لهم، أي أنهم غير مستعدين لفعل أي شيء، إن رفضت إسرائيل خيارهم السلمي سوى إعلانهم للعالم أن إسرائيل وحدها الرافضة للسلام.
وبما أن مصر والأردن احتفظتا بعلاقاتهما مع إسرائيل رغم الرفض السابق للمبادرة ورغم الجرائم الإسرائيلية اليومية تجاه الفلسطينيين وحربها الأخيرة على غزة جعل السلام خيارا استراتيجيا ووحيدا معناه عدم رغبة أو استعداد العرب لفعل شيء حيال الرفض الإسرائيلي الأكثر من متوقع، وهو المعلن قبل وخلال القمة العربية.
إنَّ اللافت للنظر التهافت العربي على المبادرة العربية التي تفتقد إلى القبول الدولي حتى من قبل إسرائيل التي رفضتها سابقا وعملت على تهميشها، وفي أفضل الأحوال فإنها تطالب بإجراء تعديلات تتناسب وتطلعاتها، بينما قرارات صادرة عن الأمم المتحدة المؤسسة التي تمثل جميع دول العالم وتعترف بها إسرائيل، بل وقيامها جاء بناء على قرار منها، وهي لا تقدم أي مقابل للدولة العبرية في حال تطبيقها للقرارات.
الفلسطينيون قدموا إستراتيجيتهم ورؤيتهم لحل الصراع من خلال وثيقة الاستقلال التي تستند إلى هذه الشرعية، وهذه الوثيقة التي تعمل منظمة التحرير على الترويج لها فلسطينيا وعربيا وإسرائيليا ودوليا.
وإذا ألقينا نظرة على الوضع العربي بعامة والوضع والفلسطيني بخاصة نلاحظ الاعتراف بإسرائيل كدولة، وتردي الأوضاع السياسية في الوطن العربي وانهيار الأمن القومي وتمزق الموقف العربي. وتقسيم العالم العربي. ونبذ الكفاح المسلح كوسيلة لإعادة الحق المسلوب، وانشقاقات وصراعات داخل البيت الفلسطيني، ومفاوضات لا تنتهي، كلما تغيرت حكومة إسرائيلية عادت المفاوضات إلى الصفر من جديد.
إن إدارة الصراع عربيا انطلاقا من مبدأ الحفاظ على المصالح العربية بحدودها الدنيا كفيل بتحقيق الأهداف وإرغام الإسرائيليين على الانسحاب من الأراضي المحتلة. فالمفروض على الأنظمة العربية أن تدعم المقاومة دعماً غير محدود وتساندها بإدخال السلاح والعتاد وفتح المعابر وقطع العلاقات مع إسرائيل أو على الأقل التهديد بذلك بمد يد العون والدعم لغزة المحاصرة، وإضافة إلى كل ذلك؛ التأكيد على حق الشعب الفلسطيني على مقاومة الاحتلال ما دام الاحتلال موجود ويحتل أراضيه، كان بإمكان الساسة العرب أن يستغلوا المقاومة الفلسطينية التي أثبتت أن الشعوب لا يمكن أن تنكسر إرادتها. فاذا كانت إسرائيل، بدعم غير محدود من الإدارة الأمريكية، تسمح لنفسها بارتكاب المجازر بحق الشعب الفلسطيني فمن حق هذا الشعب أن يدافع عن نفسه بكل الأسلحة المتاحة.
وإذا كانت إسرائيل تحاصر غزة وتمنع عن الأطفال الحليب والدواء وتستبيح كل المحرمات وتجتاح كل الاتفاقات والعهود الدولية. لا مناص أمام النظام الرسمي العربي من السعي بجدية إلى إعادة ترتيب أوراقه لمرحلة دقيقة من مراحل تطور النظامين الدولي والإقليمي تستدعي منه أكبر قدر من اليقظة.
الفرع الثاني: المبادرة العربية خالية من وسائل ضغط.
تطرح المفاوضات على العالم العربي التحدي نفسه الذي طرح من قبل، وهو ما الوسائل الفعالة التي سيستخدمها العرب أو يمكن أن يستخدموها لتعزيز موقفهم في هذه المفاوضات أمام المفاوض الإسرائيلي لإجباره على الاستمرار في هذه المفاوضات بروح جدية من جهة ولفرض الموقف العربي وضمان تحقيق المصالح العربية فيها من جهة ثانية؟. فالمبادرة العربية الجديدة للسلام تعاني كسابقاتها جميعا من عطب جوهري هو أنها لا تملك وسائل دعمها وآليات تحقيقها .
فالمفاوضات بدون وسائل ضغط لن تحقق الحد الادنى من المطلوب، فبدون وسائل يمكن الضغط بها على الطرف الاسرائيلي والامريكي لن تحقق اي شيء، الا اذا كان المفاوض العربي يرنو من وراء المبادرة العربية الضغط على الطرف الفلسطيني، لم اقل هنا بان المبادرة العربية هي وسيلة ضغط على الطرف الفلسطيني، لكن هذه المبادرة خالية من اي اداة يمكن بها تحقيق السلام في المنطقة. نظرا لعدم منطيقتها والاحداث الجارية.
ولا نقصد هنا ان تكون وسائل الضغط امريكية، فالانتفاضة والمقاومة حققت للطرف الفلسطيني الكثير، فكيف لو كانا بغطاء عربي داخل الجامعة العربية، لكن عدم قدرة الجامعة العربية على الازمات العربية، وعدم قدرتها على فرض رؤى وحدوية ، نظرا لغياب الارادة السياسية في تفعيل دور الجامعة العربية.
لكن جامعة الدول العربية بصفتها منظمة اقليمية، يناط بها حل الازمات الاقليمية في دائرتها ضمن المعنى الوارد في الفصل الثامن من الميثاق الدولي المادة (52/1) والمادة (53/1) التي تشجع المنظمات الاقليمية لاداء دورها في المحافظه على الامن والسلم وعدم العدوان مهما كانت اشكاله لذلك فالتعاون والاحترام وعدم التدخل يبعد الصراعات والشكوك المتبادلة .
وانطلاقا من ذلك وعلى ضوءه يمكن استقراء المعايرالتالية :
• ان التفسير الموضوعي لنصوص ميثاق الجامعه العربية يؤشر الى وجود نواقص وعجز في هذه النصوص سواء كانت الاجرائية والموضوعية حيث يعتريها الغموض لعدم وجود التزامات صارمة لتسويه النزاعات ومنع التدخل في شؤون الدول العربية الاخرى .
• كما ان غياب سلطة مركزية حقيقية تستند في اعمالها على نصوص الميثاق وعدم وجود صلاحيات الزامية للدول الاعضاء جعلها منظمة مفككه ونصوصها القانونية تعتمد على ( التشاور والتعاون ) وهذه نصوص لا ترقى الى درجه الالزام كما تشير الى ذلك المادة (7) التي تنص ( ما يقرره المجلس بالاجماع يكون ملزم للجميع وما يقرره بالاكثرية ملزما لمن يقبله ) وفي كلتا الحالتين فان تنفيذ القرارات في كل دولة يكون وفقا لنظامها السياسي وان كل عضو بامكانه ان يمارس الفيتو ضد القرار بالرغم من عدم وجود هذا الحق .
• المادة (18) اجازت حق الانسحاب من الجامعة لمن يروم ذلك وان يكون قبل تنفيذ هذا الانسحاب بسنه حتى ولو لم ينفذ التزاماته بموجب الميثاق كما ان المادة (19) تبيح للعضو ان لا يقبل التعديل وله حق الانسحاب عند تنفيذه دون التقيد باحكام المادة (18) اعلاه.
• لم يتضمن الميثاق ايقاف العضويه او تجميدها الا ان المادة (18) اقرت بان للدولة العضو في الجامعة لا تنفذ التزاماتها المقررة في الميثاق تعتبر منفصله بقرار يصدر بالاجماع .
• المادة (5) هي النص الوحيد الذي يعالج تسوية المنازعات وهي مادة مقتبضه ولم تحدد اليه لذلك ولم يصار الى اللجوء الى القواعد الدولية لتسوية المنازعات كالتفاوض او الوساطة او التحقيق او التوثيق او التحكيم وكما سار عليه الفقه الدولي والمواثيق الدولية كالاتفاقية الدولية في لاهاي (1907) بشان تسوية المنازعات سلمياً وكما ورد في عهد عصبة الامم (1919) وميثاق الامم المتحدة مادة (2/3) كما لم يرد في الميثاق بالزام الاطراف احالة الموضوع الى مجلس الجامعة عند اخفاقهم بالحل الامر الذي يؤدي الى الالتجاء الى مجلس الامن طبقا للفصل السادس ألمادة (33) من الميثاق ولم يتضمن ميثاق الجامعة العربية وجود جهاز لتحديد طبيعية المنازعات .
• الجامعه العربية تتمتع بالشخصية القانونية وفقا لاحكام المادة (14) وتمتلك الاهلية القانونية والمسؤولية ولوحدها وبصورة مستقله عن الاعضاء وتتحمل هذه المسؤولية اتجاه الدول الاخرى او الهيئات والمنظمات وفقا لاتفاقية الحصانه التي صدقت عليها الجامعة في 9/ ايار / 1953 المادة (1) كما تتحقق مسؤوليتها التعاقدية سواء كان مع دول المقر او اي دولة اجنية .
ويمكن استناج ان المبادرة العربية غير كفيلة بحل النزاع العربي الاسرائيلي، اذا لم تكن داخل اطار وغطاء قوي يتمثل في الجامعة العربية، والتي لا يمكن الاستغناء عنها او البحث عن غطاء اقليمي اخر يحل محلها، فالقضية الفلسطينية لا يمكن لا ان ترمي خارج حضن الاطار السياسي العربي، الذي يعتبر الحاضن الطبيعي للقضية الفلسطينية.
الملاحق
نص إعلان بيروت الصادر في ختام القمة العربية الرابعة عشرة الخميس 28 مارس/ آذار 2002 وضمنه بنود مبادرة السلام العربية
نحن ملوك ورؤساء وأمراء الدول العربية المجتمعين كمجلس لجامعة الدول العربية على مستوى القمة (الدورة العادية الرابعة عشرة) في بيروت عاصمة الجمهورية اللبنانية يومي 13 و14 محرم 1423 هـ الموافق 27 و28 مارس/آذار 2002 م، تدارسنا المتغيّرات الإقليمية والدولية الخطيرة التي أدّت إلى تداعيات مقلقة والتحدّيات المفروضة على الأمة العربية والتهديدات التي تواجه الأمن القومي العربي، وأجرينا تقييماً شاملاً لهذه المتغيّرات والتحدّيات وبخاصّة تلك المتعلقة بالمنطقة العربية ولا سيّما الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقيام إسرائيل بشنّ حرب تدميرية شاملة بذريعة محاربة الإرهاب مستغلة أحداث سبتمبر/أيلول المأساوية والإدانة العالمية لهذه الأحداث. وتباحثنا بما آلت إليه عملية السلام وممارسات إسرائيل الرامية إلى تدميرها وإغراق الشرق الأوسط بالفوضى وعدم الاستقرار، وتابعنا باعتزاز كبير انتفاضة الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة، وناقشنا المبادرات العربية الهادفة إلى تحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة، وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي والقضية الفلسطينية.
- وانطلاقاً من المسؤولية القومية وإيماناً بمبادئ وأهداف ميثاق جامعة الدول العربية وميثاق الأمم المتحدة، نعلن ما يلي:
• متابعة العمل على تعزيز التضامن العربي في جميع المجالات صوناً للأمن القومي العربي ودفعاً للمخططات الأجنبية الرامية إلى النيل من السلامة الإقليمية العربية.
• توجيه تحية الاعتزاز والإكبار إلى صمود الشعب الفلسطيني وانتفاضته الباسلة في وجه الاحتلال الإسرائيلي وآلته العسكرية التدميرية وقمعه المنهجي والمجازر التي يرتكبها باستهداف الأطفال والنساء والشيوخ دون تمييز أو رادع إنساني.
• الوقوف بإجلال وإكبار أمام شهداء الانتفاضة البواسل، وتأكيد الدعم الثابت للشعب الفلسطيني بمختلف الأشكال تأييداً لنضاله البطولي المشروع في وجه الاحتلال حتى تتحقق مطالبه العادلة المتمثلة بحقّ العودة وتقرير المصير وقيام دولته المستقلة وعاصمتها القدس.
• التضامن مع لبنان لاستكمال تحرير أراضيه وتقديم الدعم له لإنمائه وإعادة إعماره.
• الاعتزاز بالمقاومة اللبنانية وبالصمود اللبناني الرائع الذي أدّى إلى اندحار القوات الإسرائيلية من معظم جنوب لبنان وبقاعه الغربي، والمطالبة بالإفراج الفوري عن المعتقلين اللبنانيين في السجون الإسرائيلية خلافاً للقوانين والمواثيق الدولية، وإدانة العدوان الإسرائيلي المتكرّر على سيادة لبنان المتمثل بخرق الطائرات والبوارج الإسرائيلية للأجواء والمياه الإقليمية اللبنانية ممّا ينذر بعواقب وخيمة لما يشكّله من تحرّش واستفزاز وعدوان قد يؤدي إلى تفجير الوضع على الحدود الجنوبية اللبنانية تتحمّل إسرائيل مسؤوليته الكاملة.
• توجيه التحية إلى صمود المواطنين العرب السوريين في الجولان السوري المحتلّ، مشيدين بتمسّكهم بهويتهم الوطنية ومقاومتهم للاحتلال الإسرائيلي ومؤكدين التضامن مع سوريا ولبنان في وجه التهديدات العدوانية الإسرائيلية التي تقوّض الأمن والاستقرار في المنطقة واعتبار أيّ اعتداء عليهما اعتداءً على الدول العربية جمعاء.
• يؤكد القادة في ضوء انتكاسة عملية السلام، التزامهم بالتوقف عن إقامة أية علاقات مع إسرائيل، وتفعيل نشاط مكتب المقاطعة العربية لإسرائيل، حتى تستجيب لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، ومرجعية مؤتمر مدريد للسلام، والانسحاب من كافة الأراضي العربية المحتلة حتى خطوط الرابع من حزيران/يونيو 1967.
• التأكيد على أنّ السلام في الشرق الأوسط لن يُكتب له النجاح إن لم يكن عادلاً وشاملاً تنفيذاً لقرارات مجلس الأمن رقم 242 و338 و425 ولمبدأ الأرض مقابل السلام، والتأكيد على تلازم المسارين السوري واللبناني وارتباطهما عضوياً مع المسار الفلسطيني تحقيقاً للأهداف العربية في شمولية الحلّ.
• وفي إطار تبني المجلس للمبادرة السعودية كمبادرة سلام عربية يطلب المجلس من إسرائيل إعادة النظر في سياساتها، وأن تجنح للسلم معلنة أن السلام العادل هو خيارها الإستراتيجي أيضا.
- كما يطالبها القيام بما يلي :
أ - الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة بما في ذلك الجولان السوري وحتى خط الرابع من يونيو/حزيران 1967، والأراضي التي مازالت محتلة في جنوب لبنان.
ب- التوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يتفق عليه وفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194.
ج- قبول قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ الرابع من يونيو/حزيران 1967 في الضفة الغربية وقطاع غزة وتكون عاصمتها القدس الشرقية.
- عندئذ تقوم الدول العربية بما يلي :
أ - اعتبار النزاع العربي الإسرائيلي منتهيا، والدخول في اتفاقية سلام بينها وبين إسرائيل مع تحقيق الأمن لجميع دول المنطقة.
ب- إنشاء علاقات طبيعية مع إسرائيل في إطار هذا السلام الشامل. ضمان رفض كل أشكال التوطين الفلسطيني الذي يتنافى والوضع الخاص في البلدان العربية المضيفة.
- يدعو المجلس حكومة إسرائيل والإسرائيليين جميعاً إلى قبول هذه المبادرة المبينة أعلاه حماية لفرص السلام وحقناً للدماء بما يمكن الدول العربية وإسرائيل من العيش في سلام جنباً إلى جنب ويوفر للأجيال القادمة مستقبلا آمناً يسوده الرخاء والاستقرار.
- يدعو المجلس المجتمع الدولي بكل دوله ومنظماته إلى دعم هذه المبادرة.
- يطلب المجلس من رئاسته تشكيل لجنة خاصة من عدد من الدول الأعضاء المعنية والأمين العام لإجراء الاتصالات اللازمة بهذه المبادرة والعمل على تأكيد دعمها على كافة المستويات وفي مقدمتها الأمم المتحدة ومجلس الأمن والولايات المتحدة والاتحاد الروسي والدول الإسلامية والاتحاد الأوروبي.
- الترحيب بتأكيدات جمهورية العراق على احترام استقلال وسيادة وأمن دولة الكويت وضمان سلامة ووحدة أراضيها بما يؤدي إلى تجنب كل ما من شأنه تكرار ما حدث في عام 1990 ويدعون إلى تبني سياسات تؤدي إلى ضمان ذلك في إطار من النوايا الحسنة وعلاقات حسن الجوار. وفي هذا الإطار يدعو القادة إلى أهمية وقف الحملات الإعلامية والتصريحات السلبية تمهيدا لخلق أجواء إيجابية تطمئن البلدين بالتمسك بمبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
- المطالبة باحترام استقلال وسيادة العراق وأمنه ووحدة أراضيه وسلامته الإقليمية.
- مطالبة العراق بالتعاون لإيجاد حل سريع ونهائي لقضية الأسرى والمرتهنين الكويتيين وإعادة الممتلكات وفقا لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، وتعاون الكويت فيما يقدمه العراق عن مفقوديه عن طريق اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
- الترحيب باستئناف الحوار بين العراق والأمم المتحدة الذي بدأ في جو إيجابي وبناء استكمالا لتنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
- المطالبة برفع العقوبات عن العراق وإنهاء معاناة شعبه الشقيق بما يؤمن الاستقرار والأمن في المنطقة.
- رفض التهديد بالعدوان على بعض الدول العربية وبصورة خاصة العراق وتأكيد الرفض المطلق لضرب العراق أو تهديد أمن وسلامة أية دولة عربية باعتباره تهديداً للأمن القومي لجميع الدول العربية.
- التأكيد على سيادة دولة الإمارات العربية المتحدة على جزرها الثلاث وتأييد كافة الإجراءات والوسائل السلمية الكفيلة باستعادة سيادتها عليها وفقاً لمبادئ وقواعد القانون الدولي والقبول بإحالة النزاع إلى محكمة العدل الدولية.
- إدانة الإرهاب الدولي بما في ذلك الهجوم الإرهابي الذي تعرّضت له الولايات المتحدة الأميركية في الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001 واستغلال الحكومة الإسرائيلية لهذا الهجوم من أجل استمرارها في ممارسة إرهاب الدولة وشنّ حرب عدوانية تدميرية شاملة على الشعب الفلسطيني.
- التشديد على التمييز ما بين الإرهاب الدولي وبين الحقّ المشروع للشعوب في مقاومة الاحتلال الأجنبي وعلى ضرورة التوصّل إلى اتفاق دولي في إطار الأمم المتحدة يضع تعريفاً دقيقاً للإرهاب الدولي ويحدّد أسبابه وسُبُل معالجتها.
- التأكيد على أهمية التفاعل ما بين الثقافات والحضارات انطلاقاً ممّا تدعو إليه الأديان السماوية والقيم الإنسانية من نبذ جميع أشكال التفرقة العنصرية، والحضّ على التسامح والتعايش على أساس الاحترام المتبادل وصيانة الحقوق المشروعة، وتثمين الجهود العربية والإسلامية وغيرها الرامية إلى توضيح الحقائق عن الثقافة والحضارة العربية والإسلامية، وتفنيد المزاعم الباطلة حولها.
- الإسراع بإنجاز منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى في ضوء تنامي ظاهرة التكتلات الاقتصادية العالمية وقرب انتهاء الفترة المحدّدة لتطبيق اتفاقية منظمة التجارة العالمية.
- الإعراب عن التقدير البالغ للجمهورية اللبنانية وفخامة الرئيس إميل لحود رئيس الجمهورية على الرعاية والعناية والإعداد المميّز لانعقاد هذه القمة والشكر العميق لفخامة الرئيس إميل لحود على قيادته الناجحة لإدارة أعمال القمة العربية بأعلى درجات الحنكة السياسية والحكمة الناضجة والمسؤولية الواعية.
نص المبادرة المصرية للمصالحة الفلسطينية
1ـ وقف كافة الحملات التحريضية من إعلامية وغيرها.
2 ـ إطلاق سراح كافة المعتقلين من حماس وفتح في وقت واحد وبإشراف لجنة عربية تقودها القاهرة.
3 ـ السماح بعودة المواطنين الذين غادروا قطاع غزة بدون التعرض لهم.
4 ـ إلغاء الحظر المفروض على عدد من الجمعيات والمؤسسات في الضفة والقطاع.
5 ـ الالتزام بوحدانية وشرعية تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية لكافة شرائح الشعب الفلسطيني، وفي هذا السياق يصار إلى (أ) البدء بالإصلاح وإعادة هيكلة منظمة التحرير مع انطلاق الحوار الفلسطيني، على أن يتم الانتهاء من ذلك خلال أربعة أشهر. وبحسب المصادر الفلسطينية رفضت فتح هذه الفقرة. فيما تحمل الفقرة (ب) اقتراحا باعتماد مقاييس انتخابية عامة ومؤسساتية واستطلاعية لتحديد نسب التمثيل في مؤسسات المنظمة. 6 ـ أن تقوم حركة حماس بإخلاء وجودها وعناصرها من مؤسسات ومقرات السلطة في قطاع غزة السياسية منها والأمنية وعودة هذه المواقع الى السلطة الشرعية. 7 ـ تجميد عمل القوة التنفيذية التابعة لحركة حماس.
8 ـ الإبقاء على عمل الشرطة برقابة مؤقتة من لجنة عربية محايدة.
9 ـ تولي فريق أمني عربي بقيادة مصرية الإشراف على ترتيب وحل المسائل الخلافية المتعلقة بالأجهزة الأمنية. (هذا البند لم توافق عليه حماس وفصائل فلسطينية أخرى).
10 ـ إرسال قوة عربية بقيادة مصرية إلى قطاع غزة للمساهمة في حفظ الأمن قوامها ثلاثة آلاف عنصر (رفض من حماس).
11 ـ تشكيل حكومة انتقالية مهمتها الإعداد لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية قبل مارس (آذار) من العام المقبل على قاعدة الالتزام ببرنامج منظمة التحرير الفلسطينية (رفضته حماس وفصائل اخرى).
12 ـ المطالبة بالتزام كافة الفصائل بالاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها السلطة والتزمت بها (رفضته حماس وفصائل اخرى). 13 ـ التزام الفصائل بالحل السياسي عبر التفاوض وفي حال فشل هذا الخيار يجري التشاور والاتفاق على اعتماد وانتهاج خيار آخر. 14 ـ الدعوة للانخراط في مؤسسات السلطة بما يعني الالتزام ببرنامجها ويحق للأحزاب السياسية خارج إطار السلطة معارضة ذلك سلميا.
مؤتمر شرم الشيخ الذي عُقد لإعادة إعمار قطاع غزة
: "بمبادرة من جمهورية مصر العربية، عقد «المؤتمر الدولي لدعم الاقتصاد الفلسطيني لإعادة إعمار قطاع غزة» في شرم الشيخ يوم 2 مارس 2009، برئاسة مصر ومشاركة من النرويج بهدف الاستجابة لاحتياجات الإغاثة الفورية وإعادة الإعمار للشعب الفلسطيني في قطاع غزة في أعقاب الهجوم العسكري الإسرائيلي.
وأعرب المشاركون عن قلقهم لعدم التوصل حتى الآن إلى اتفاق حول تثبيت التهدئة في غزة، كما أعربوا عن دعمهم للجهود المصرية المتواصلة لتثبيت الوقف الهش لإطلاق النار ولتحقيق تهدئة طويلة الأمد. وأكد المشاركون على أهمية تحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية بما يتماشى وقرارات الجامعة العربية، وأعربوا عن دعمهم للجهود التي تبذلها مصر في هذا الشأن. واعتبروا أن تحقيق المصالحة والتهدئة متطلبان ضروريان لإنجاح جهود إعادة الإعمار التي تضطلع بها الدول المانحة.
وفي حين شدّد المشاركون على أن قطاع غزة يعد جزءا لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية التي احتلت عام 1967 التي ستقام عليها الدولة الفلسطينية مستقبلا، فقد أعادوا التأكيد على أن إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة يستلزم، ضمن أمور أخرى، دعما متواصلا من المجتمع الدولي، كما نادى المشاركون بزيادة الدعم المالي والاقتصادي المقدم للسلطة الوطنية الفلسطينية. وأكد عديد من المشاركين على أهمية حرية النفاذ لنجاح عملية الإغاثة وإعادة الإعمار، وفي هذا الإطار، طالبوا بالفتح الفوري والدائم وغير المشروط لكافة معابر إسرائيل مع قطاع غزة، وذلك لإتاحة حرية الحركة للأشخاص والبضائع إلى داخل غزة بشكل يمكن الفلسطينيين من استعادة الحياة الطبيعية وإعادة بناء ما تم تدميره. وشدّد المشاركون على الضرورة الملحة لكسر دائرة التدمير والإعمار في غزة، وطالبوا إسرائيل بالاحترام الكامل للقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي ووقف استهداف أو تدمير البنية التحتية المدنية والاقتصادية لغزة أو اتخاذ أي إجراء يؤثر بالسلب على حياة الفلسطينيين في غزة.
ورحّب المشاركون بالتجاوب المكثف من جانب المجتمع الدولي للاحتياجات الإنسانية الفورية للشعب الفلسطيني في غزة التي تسببت فيها الأعمال العدائية العسكرية، وحثوا المانحين على الاستمرار في توفير الدعم لهذه المتطلبات الضرورية، من خلال الآلية الموحدة لنداءات الأمم المتحدة.
وأكد المشاركون على الحاجة إلى أن يكون ضخ هذه المساعدات وفق المبادئ الإنسانية الرئيسية من عدالة ونزاهة ووفق الاستقلالية العملياتية.
ورحب المشاركون كذلك بالخطة الفلسطينية الوطنية للإغاثة المبكرة وإعادة الاعمار لغزة، حيث تمثل الاستجابة التي تمت بالتنسيق بين السلطة الوطنية الفلسطينية وشركائها المحليين والدوليين إزاء الدمار الذي لحق بالفلسطينيين في غزة، كما أكدوا أن الخطة سترتبط بشكل واضح بالأولويات التي عرضت في الخطة الفلسطينية للإصلاح والتنمية التي تم إطلاقها في مؤتمر باريس للمانحين الذي عقد في ديسمبر 2007 ، وشدّدوا على أن الخطة ستمثل الأساس لحشد موارد وجهود المجتمع الدولي والمانحين للاستجابة للاحتياجات التي عرضتها السلطة الوطنية الفلسطينية لعامي 2009 ـ 2010.
ولهذا الغرض تعهد المشاركون بمبلغ 4.481 مليار دولار للعامين المقبلين والتزموا بالبدء في توزيع هذه التعهدات في أسرع وقت ممكن من أجل سرعة التأثير على الحياة اليومية للفلسطينيين.
وأعرب المشاركون عن نيتهم في ضخ مساعداتهم للخطة من خلال «حساب الخزانة الموحد»، وكذلك من خلال الآليات والصناديق الدولية والإقليمية القائمة بالفعل، وبالأخص آلية المفوضية الأوروبية وصندوق البنك الدولي لخطة الإصلاح والتنمية الفلسطينية، وبنك التنمية الإسلامي والآلية الموحدة لنداءات الأمم المتحدة. كما رحبوا باستعداد الاتحاد الأوروبي لوضع آلية المفوضية الأوروبية، التي تقدم دعما مستهدفا للسلطة الفلسطينية لمواجهة تكاليفها المتجددة المحددة، ولإنعاش القطاع الخاص وتنمية الاستثمار العام، تحت تصرف مجتمع المانحين الدوليين.
وأكد المشاركون على أهمية التنسيق الشامل لعملية إعادة الاعمار بهدف تعظيم توظيف الموارد المتعهد بها والمتوفرة، وتجنب ازدواجية الجهود أو استخدام المساعدات بشكل لا يلبي الأولويات التي حدّدتها السلطة الوطنية الفلسطينية.
وفي هذا الصدد، نوهوا بالدور الهام الذي تلعبه اللجنة المؤقتة لتنسيق المساعدات للشعب الفلسطيني وأبرزوا المهمة المنوطة باجتماعها المقبل الذي سيوفر للمانحين الرئيسيين الفرصة لمزيد من التنسيق ومواءمة سياساتهم مع الاحتياجات الفلسطينية. وشجع المشاركون الطرفين وأعربوا عن أملهم في قيام الفلسطينيين والإسرائيليين بسرعة استئناف محادثات سلام جادة بينهما بهدف إنهاء احتلال الأراضي الفلسطينية وتنفيذ حل الدولتين.
واتفق المشاركون على الحاجة إلى متابعة الالتزامات التي تم الإعلان عنها خلال المؤتمر."
نص البيان الختامي الصادر عن قمة غزة الطارئة في الدوحة مساء
إن اصحاب الفخامة والسمو وممثلي الدول العربية المشاركين في قمة غزة الطارئة التي عقدت في الدوحة اليوم الجمعة الموافق 16 يناير 2009 حول العدوان العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة وهم يتابعون بمزيد من الغضب استمرار إسرائيل - القوة المحتلة - في عدوانها الغاشم على قطاع غزة الذي أسفر حتى الآن عن آلاف الشهداء والجرحى من المدنيين بمن فيهم النساء والأطفال وتدمير هائل لمرافق الحياة المدنية في القطاع.
وإذ يعبرون عن القلق الشديد من قيام إسرائيل وبشهادة العديد من منظمات حقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية والإنسانية باستخدام الأسلحة المحظورة والعشوائية الضرر في انتهاك صارخ للقوانين الدولية المتعلقة بالنزاعات المسلحة. وإذ يلاحظون بجزع شديد ان الوضع الإنساني في قطاع غزة بلغ حدا خطيرا للغاية خلافا لكل الشرائع القانونية والأخلاقية ومما يملي تدارك الوضع بإجراءات فورية فعالة.
وإذ يؤكدون على حق الشعوب الرازحة تحت الاحتلال في تقرير مصيرها ومقاومة الاحتلال وفقا للقواعد المستقرة في القانون الدولي . وإذ يعبرون عن بالغ التقدير للرأي العام العربي والإسلامي وللمواقف التضامنية المناصرة للشعب الفلسطيني التي عبرت عنها العديد من دول وشعوب العالم.
وحيث أن إسرائيل قد رفضت الامتثال لقرار مجلس الأمن 1860 (2009) الصادر بتاريخ 8 يناير كانون الثاني 2009 م واستمرت في عدوانها بخرق فاضح وجسيم لقواعد الشرعية الدولية وبعد التداول حول الوضع الراهن اتفقوا على النقاط المذكورة أدناه لعرضها على القمة القادمة التي ستعقد في دولة الكويت:
1- إدانة إسرائيل بشدة لعدوانها الوحشي على قطاع غزة واستمرارها فيه.
2- مطالبة إسرائيل بالوقف الفوري لجميع اشكال العدوان في قطاع غزة وبالانسحاب الفورة وغير المشروط والشامل لقوات الاحتلال.
3- تحميل إسرائيل المسئولية الجنائية الدولية بموجب القانون الدولي عن ارتكاب العدوان وجرائم الحرب وابادة الجنس البشري والمسئولية المدنية بدفع التعويضات والتأكيد على العزم بالسعي في السياقات القضائية الدولية والوطنية لملاحقة إسرائيل ومسئوليها تنفيذا لهذه المسئولية والتعاون في توفير وسائل الدعم اللازمة لذلك.
4- التأكيد على الفتح الفوري والدائم لكافة المعابر للأفراد ومواد المساعدات الإنسانية بما في ذلك الغذاء والوقود والعلاج الطبي وتوزيعها دون عراقيل في جميع أنحاء القطاع.
5- التأكيد على ضرورة رفع الحصار غير المشروع عن قطاع غزة بما فيه إنهاء كافة القيود على حركة الأشخاص والأموال والبضائع وفتح المعابر والمطار وميناء غزة البحري ودعوة جميع الدول للاتخاذ ما يلزم من الإجراءات لتحقيق ذلك.
6- دعوة جميع الدول لتقديم مواد الإغاثة الإنسانية العاجلة لسكان قطاع غزة والتأكيد على دعم وحماية منظمات الإغاثة الإنسانية الدولية والوطنية العاملة في هذا المجال وتحميل إسرائيل أية انتهاكات للقانون الدولي الإنساني ذات الصلة.
7- دعوة الدول العربية والدول المحبة للسلام لاتخاذ الإجراءات اللازمة لتشكيل جسر بحري لنقل مواد الإغاثة الإنسانية إلى قطاع غزة والسعي لتحقيق أوسع اشتراك ممكن من أعضاء المجتمع الدولي في ذلك.
8- إنشاء صندوق لإعادة إعمار غزة وتثمين تبرع دولة قطر لهذا الصندوق.
9- دعوة الأطراف الفلسطينية إلى التوافق وتحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية.
10- دعوة الدول العربية لتعليق المبادرة العربية للسلام التي أقرت في القمة العربية المنعقدة في بيروت عام 2002 ووقف كافة أشكال التطبيع بما فيها إعادة النظر في العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية (*).
11- الإشادة بالدول التي اتخذت مواقف ايجابية لمناهضة العدوان على غزة ورفع الحصار عنها ودعم القضية الفلسطينية . وقد أشادت القمة بالموقف الذي اتخذته كل من دولة قطر والجمهورية الإسلامية الموريتانية بتجميد علاقاتهما مع إسرائيل.
المراجع
- د. جمال الشلبي، " محمد حسنين هيكل: استمرارية أم تحول"، ترجمة حياة الحويك عطية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر،1999.
- ايمن السيد عبد الوهاب، "حركات الإسلام السياسي ونمط جديد من التفاعلات العربية"، السياسة الدولية، القاهرة، الأهرام، العدد 113، 1993م.
- زياد ابو عمرو، اصول الحركات السياسية في قطاع غزة: 1948- 1967 ( عكا : دار الاسوار، 1987).
- عبد المنعم سعيد (محرر) العرب ومستقبل النظام العالمي، مشروع إستشراق مستقبل الوطن العربي، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، 1987م،
- بهجت قرني، علي الدين هلال، النظام العالمي والسياسات الخارجية العربية، في: بهجت قرني، على الدين هلال (محرران)، السياسات الخارجية للدول العربية، القاهرة، مركز البحوث والدراسات السياسية، 1994م.
- أحمد يوسف، النظام الدولي والنظام العربي، بحث في أنماط الارتباط، في: الوطن العربي والمتغيرات العالمية، القاهرة، معهد البحوث والدراسات العربية، 1995م.
- محمد عبدالقادر، "الدور الإقليمي لتركيا وإيران من حصاد غزة"، مختارات إيرانية، العدد 103، فبراير 2009، مركز الدراسات للنشر والتوزيع، القاهرة، 2009.
- علي الدين هلال :" الوحدة والامن القومي العربي"، الفكر العربي، السنة 2، العددان 11-12( اب/اغسطس- ايلول/ سبتمبر 1979).
- مركز الزيتونة للدراسات، العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة، مركز الزيتونة للدراسات بيروت 2009.
- مركز الزيتونة للدراسات، دراسات في العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة ( عملية الرصاص المصبوب)، مركز الزيتونة للدراسات بيروت 2009.
- جورج جقمان، "الفلسطينيون والمعضلات الثلاث"، دراسات فلسطينية، العدد 76، خريف 2008، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، 2008. .
- هاني المصري،. الخارطة السياسية الفلسطينية الجديدة، في: مستقبل النظام السياسي الفلسطيني والآفاق السياسية الممكنة، تحرير): وسام رفيدي، جامعة بيرزيت: معهد أبو لغد. للدراسات الدولية(، أيار 2005 ،
- أيمن طلال يوسف، النظام السياسي الفلسطيني: من الأحادية إلى الاستقطاب الثنائي، المستقبل العربي) 1996-. 2006) / ع 334 ، 12كانون الأول2006.
- عبد الإله بلقزيز،. الانتقال الد يمقراطي في الوطن العربي : العوائق والممكنات، في : المسألة الديمقراطية في الوطن العربي، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2000.
- منير الهور وطارق الموسى، مشاريع التسوية للقضية الفلسطينية 1947-1985، ط2 (عمان (الأردن): دار الجليل، 1986.
- جواد الحمد، "مشاريع التسوية السلمية للصراع العربي-الإسرائيلي وعملية السلام في الشرق الأوسط"، في المدخل إلى القضية الفلسطينية.
- منير شفيق، أوسلو "1" "2": المسار والمآل (لندن: فلسطين المسلمة، 1997).
- جواد الحمد، عملية السلام في الشرق الأوسط: وتطبيقاتها على المسارين الفلسطنيي والأردني (عمان (الأردن): مركز دراسات الشرق الأوسط)، 1996،
- أسعد عبد الرحمن، منظمة التحرير الفلسطينية، الموسوعة الفلسطينية، ج4،.
- نافذ ابو حسنة، تطور الوعي الفلسطيني بمنظمة التحرير، في منظمة التحرير الفلسطينية تقييم التجربة وإعادة البناء، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، بيروت 2007.
- سويد محمود، التجربة النضالية الفلسطينية-حوار شامل مع جورج حبش (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1998).
- احمد غنيم واخرون، النظام السياسي الفلسطيني " مرحلة متحولة"، مركز البراق للبحوث والثقافة، رام الله، 2006، ص20.
- الفكر السياسي الفلسطيني: 1964 ـ 1974: دراسة للمواثيق الرئيسية لمنظمة التحرير الفلسطينية (بيروت: مركز الأبحاث (م.ت.ف)، 1980)1989.
- محسن صالح، تقرير معلومات منظمة التحرير الفلسطينية والمجلس الوطني الفلسطيني، تعريف، وثائق، قرارات، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، بيروت 2007.
- يزيد صايغ ، الحركة الوطنية الفلسطينية 1947-1993، الكفاح المسلح والبحث عن الدولة، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، 2003،
مجلية السياسية الدولية:
- د. أسامة الغزالي حرب، القمة الثانية والعشرون، السياسة الدولية، العدد 180، ابريل 2010، مركز الاهرام للنشر والتوزيع، 2010.
- عدنان أبو عامر، "ماذا تبقى من قدرات حماس العسكرية"، السياسة الدولية، العدد 175، أبريل 2009، مركز الأهرام للنشر والتوزيع، القاهرة، 2009.
- وحيد عبدالمجيد، "التفاعلات العربية الإقليمية تجاه الحرب على غزة"، السياسة الدولية، العدد 175، أبريل 2009، مركز الأهرام للنشر والتوزيع، القاهرة، 2009.
- سامية بيبرس، إعادة إعمار غزة بين الوعود والتنفيذ، العدد 175، أبريل 2009، مركز الأهرام للنشر والتوزيع، القاهرة، 2009.
- سامح راشد، العدوان على غزة.. ابعاد الموقف المصري. العدد 175، أبريل 2009، مركز الأهرام للنشر والتوزيع، القاهرة، 2009.
- غزة والامن الفومي المصري، العدد 175، أبريل 2009، مركز الأهرام للنشر والتوزيع، القاهرة، 2009.
- محمد جمعة ،فتح وحماس والاتفاق على ادارة الانقسام، العدد 175، أبريل 2009، مركز الأهرام للنشر والتوزيع، القاهرة، 2009.
- د. جورج جقمان، تراجع السلطة الفلسطينية وعودة خيار المقاومة. العدد 175، أبريل 2009، مركز الأهرام للنشر والتوزيع، القاهرة، 2009.
- احمد السمان ،اسرائيل وادارة الام الحرب على غزة. العدد 175، أبريل 2009، مركز الأهرام للنشر والتوزيع، القاهرة، 2009.
مجلة المستقبل العربي
- لامن العربي والصراع الاستراتيجي في منطقة البحر الاحمر"، المستقبل العربي، السنة 2، العدد9 ( ايلول/ سبتمبر 1979).
مجلة كراسات استراتيجية:
- حسن توفيق إبراهيم، "العدوان الإسرائيلي على غزة"، كراسات إستراتيجية، العدد 197، مارس 2009، مركز الأهرام للنشر والتوزيع، القاهرة، 2009.
رسائل وبحوث علمية:
- عبد أحمد محمود برهم، إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية " اشكالية الهيكلة والبرنامج"، رسالة ماجستير، جامعة النجاح ، جنين 2008.
- أنغام زكريا محمد مسعود، الاطار القانوني في الضفة الغربية وقطاع غزة في التنمية السياسية منذ 1994وحتى 2004، رسالة ماجستير،جامعة النجاح، جنين 2007.
- بلال محمود محمد الشوبكي، التغيير السياسي من منظور حركات الاسلام السياسي في الضفة الغربية وقطاع غزة" حركة حماس نموذجا"، رسالة ماجستير، جامعة النجاح، جنين 2007.
- تيسير فائق محمد عزام، التجربة السياسية لحركة المقاومة الاسلامية حماس واثرها على الخيار الديمقراطي في الضفة والقطاع للفترة 1993-2007، رسالة ماجستير، جامعة النجاح 2007.
- محمد عبدالله ابو مطر، السلطة الفلسطينية واشكالية الاصلاح، رسالة ماجستير ، كلية الحقوق اكدال جامعة محمد الخامس،اكدال 2005.
- علاء فوزي ابو طه، السياسة الخارجية للسلطة الفلسطينية، رسالة ماجستير، كلية الحقوق اكدال، جامعة محمد الخامس اكدال 2005.
- ابراهيم ابراش، حركة القوميين العرب والقضية الفلسطينية، رسالة ماجستير، كلية الحقوق اكدال جامعة محمد الخامس 1980.
الصحف والجرائد:
الغد الاردنية
- التغطية الخاصة لحرب غزة خلال 1_20/01/2010.
القدس العربي
- مقالات نشرت في فترة العدوان على غزة 28/12/2009- 19/1/2010
مواقع الكترورنية متخصصة
- الجزيرة نت
- بي بي سي
- العربية نت
- المركز الاعلامي الفلسطيني
روابط الكترونية الكترونية
- ^ http://www.madarcenter.org/almash-had/viewarticle.asp?articalid=4374
- ^ http://www.timesonline.co.uk/tol/news/world/middle_east/article5470047.ece
- ^ http://www.ntis.gov/search/index.aspx?frm_qry_Search=ADA269205&SimpleSearch=yes
- ^ http://www.qudsnet.com/arabic/news.php?maa=PrintMe&id=90467
- ^ http://www.mehrnews.com/ar/NewsDetail.aspx?NewsID=807247
- ^ http://www.ahram.org.eg/Index.asp?CurFN=MHFZ1.HTM&DID=9812
- ^ http://www.palpress.ps/arabic/index.php?maa=ReadStory&ChannelID=48223
- ^ http://kofiapress.com/arabic/?action=detail&id=24700
- ^ http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/middle_east_news/newsid_7570000/7570213.stm
- ^ http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/middle_east_news/newsid_7823000/7823109.stm
- http://www.tinjah.org/ar/news.php?action=view&id=1484
- . تقرير صادر عن اللجنة العربية لحقوق الإنسان، آذار 2002. www.home-swipnet-ce
الفهرس
مقدمة.............................................................................................................2
الفصل الاول : بُـنية الاطار السياسي للمشهد العربي/الفلسطيني.......................................................8
المبحث الاول: مشهد الاطار السياسي خلال العدوان الاخير على غزة.............................................10
الفرع الاول: مشهد النظام العربي الاقليمي خلال العدوان الاخير على غزة.......................11
الفرع الثاني : المشهد الفلسطيني خلال العدوان الاخير على غزة..................................14
أ. حركة حماس..................................................................................................15
ب. حركة فتح..................................................................................................18
المبحث الثاني: ممارسات الاطار السياسي..........................................................................21
الفرع الاول: كيفية تفاعل اطراف النظام العربي الاقليمي مع العدوان............................21
الفرع الثاني: كيفية تفاعل الاطراف الدولية والاقليمية مع العدوان ..............................32
المبحث الثالث: محدودية الاطار السياسي العربي...................................................................35
الفرع الاول:النظام العربي الاقليمي ... الضعف البنيوي.........................................35
1. من "الاستقطاب" إلى "الأزمة"................................................................................36
2.أحداث أيلول : من " الأزمة " إلى الانهيار..................................................................... 37
الفرع الثاني: فقدان ادوات الضغط والثوابت الوطنية..............................................................40
أ. المبادرات ومشاريع التسوية....................................................................................40
ب: أدوات الضغط الفلسطينية.... المفاوضات والانتفاضة....................................... 45
الفصل الثاني : التحرر الوطني والاطار السياسي في ضوء احداث غزة ( اواخر عام 2008)........................50
المبحث الاول: الانقسام الفلسطيني واشكالية اعادة الاعمار في غزة................................................51
الفرع الاول : اشكالية المرجعية الوطنية الفلسطينية...............................................................51
الفرع الثاني: الدعم العربي واشكالية اعادة الاعمار في غزة........................................................56
1. معيقات تقنية (فنية)..........................................................................................57
2 المعيقات السياسية ............................................................................................ 58
المبحث الثاني: فك الحصار ومشروعية المقاومة....................................................................60
الفرع الاول: مشروعية المقاومة................................................................60
• نقاط الضعف في المقاومة الفلسطينية.....................................................................63
• ايجابيات المقاومة........................................................................................65
الفرع الثاني : الموقف المصري تجاه قطاع غزة وفتح معبر رفح.....................................66
اولاً:محددات الموقف المصري.....................................................................................67
ثانيا: افاق خيارات الموقف المصري...............................................................................69
المبحث الثالث : عملية السلام في ضوء المبادرة العربية....................................................................................72
الفرع الاول: المبادرة العربية من قمة بيروت الى اعادة احياءها في قمة الكويت....................72
الفرع الثاني: المبادرة العربية خالية من وسائل ضغط.............................................75
الملاحق.........................................................................................................78
المراجع..........................................................................................................84