كلمة الباحث لتقديم موضوع الرسالة أثناء المناقشة
بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين وعلى اله وصحابته أجمعين، أما بعد:
وأداء لأمانة الاعتراف بالجميل وجب علي أن أتقدم بالشكر الجزيل المقرون بأسمى عبارات التقدير والاحترام إلى أستاذتي الدكتورة " دنيا مباركة " التي قبلت برحابة صدر وطيب خاطر الإشراف على هذه الرسالة، وعن نصائحها وإرشاداتها القيمة، وعلى كل التضحيات التي لم تتوان في تقديمها لنا طيلة فترة التكوين.
كما أتقدم بجزيل الشكر وعظيم الامتنان إلى أستاذي الفاضل الدكتور " إدريس الفاخوري" على كل ما يبذله من مجهودات وتضحيات في سبيل تكوين طلبة شعبة ماستر قانون العقود والعقار.
وإلى جميع أساتذة ماستر قانون العقود والعقار على مساهمتهم في تكويننا وتعليمنا خصوصا أعضاء لجنة المناقشة الذين تحملوا مشقة قراءة هذه الرسالة، فجزاهم الله عز وجل عنا خير الجزاء.
وعلاقة بالموضوع الذي يقع تحت عنوان " الحماية المقررة للأراضي السلالية بين النص التشريعي والعمل والقضائي "، فإن الدارس للأنظمة العقارية بالمغرب سيجدها متنوعة ومتعددة بتعدد واختلاف مصادرها مما تتميز معه الأنظمة القانونية التي تؤطره، فبالإضافة إلى الإطار العام والذي يعرف ازدواجية بين العقار المحفظ وغير المحفظ يوجد إطار خاص يشمل تنظيمات أخرى ومن بينها أراضي الأحباس، أراضي الجيش، الأملاك العامة والخاصة للدولة، والأملاك الغابوية وأخيرا أراضي الجماعات السلالية موضوع هذه الدراسة.
وتحتل الأراضي السلالية مكانة خاصة سواء على المستوى الاقتصادي أو على المستوى الاجتماعي، بحيث تبلغ مساحتها ما يناهز 15 مليون هكتار، وتتنوع طبيعتها من أراضي رعوية، أراضي فلاحية ( حوالي 18% من المساحة الصالحة للزراعة)، غابات، مقالع، أراضي مخصصة للسكن، وحاليا تعدى الأمر ذلك بدخولها ضمن المدار الحضري بعديد من المدن المغربية، أما من حيث عدد سكانها فيزيد عن 9 ملايين نسمة وتحتوي على ما يفوق 2246 جماعة سلالية.
وإذا كانت الأراضي السلالية نظام لم يعرف أصله التاريخي لا في الفقه الإسلامي، ولا في القوانين الوضعية، فإن المجمع عليه أن لهذه الأراضي أصلا موغلا في القدم. وقد عرفت العديد من الأقطار الإسلامية كتونس والجزائر والعراق وسوريا، هذا النوع من الأراضي كما ظهر هذا النظام في أوربا وعلى الخصوص بالدول الجرمانية القديمة وكذا السلافية، كما عرفته روسيا القيصرية والمعروف بنظام "المير".
وبغض النظر عن اختلاف تأصيلها التاريخي بشكل دقيق، فإن المجمع عليه أن هذه الأراضي ظلت تخضع في تسيير وتدبير شؤونها للعادة والعرف المحلي، لكل قبيلة كنظام أساسي لها في جو يسوده الاستقرار والتضامن الاجتماعي بين أعضاء الجماعة، لكن هذا الاستقرار لم يكن ليبقى على حاله مدة طويلة بعد فرض الحماية على المغرب سنة 1912، حيث عمت الفوضى ولوحظت المضاربات العقارية في العالم القروي، وسارع السكان إلى إقامة رسوم الملكية للأراضي المخولة لهم إما في إطار القسمة التقليدية، أو أراضي الجموع التي لا يوجد من ينازع فيها، وكان كل منهم يعمل في دائرة مصلحته الخاصة حسب ما توفر عليه من جرأة وإقدام ونفوذ وجاه.
وإزاء هذه الوضعية وللحد من تجاوزات وخروقات السكان عمدت سلطات الحماية إلى اتخاذ مجموعة من الإجراءات والتدابير الكفيلة بإعادة الاستقرار والمحافظة على هذا النظام، وان كانت توحي في مظهرها بأنها تهدف إلى الحفاظ على هذا الموروث الجماعي، إلا أنها كانت تمهيدا للاستيلاء على هذه الأراضي وتمليكها لمستوطنيها. وتجلت هذه الإجراءات بالخصوص في إصدار مجموعة من القرارات والمناشير، أولها المنشور الصادر بتاريخ فاتح نونبر 1912، والذي يؤكد على إبقائها خاضعة للعرف والعادات، وهو ما أكده كذلك منشور آخر صادر بتاريخ 6 مارس 1914 من خلاله تم منع القضاة من تحرير رسوم لتمليك الأراضي الجماعية.
من هنا جاءت البوادر الأولى لفكرة الوصاية التي بدأت تظهر على أرض الواقع حيث صدر في هذا الشأن قرار وزاري بتاريخ 23 يناير 1915 يقضي بإنشاء الوصاية على الأملاك الجماعية، وتحقيقا لنفس الأهداف ومواكبة للتحولات التي يعرفها المغرب آنذاك صدرت بعد ذلك عدة قوانين توجت في الأخير بصدور ظهير 27 أبريل 1919 الذي يعد بمثابة ميثاق للأراضي الجماعية، والذي بدوره عرف بعد حصول المغرب على الاستقلال عدة تعديلات وتغييرات تتلاءم والظروف الجديدة للمغرب، أهمها الظهير الصادر بتاريخ 28 يوليوز 1959 هم بالخصوص تشكيل الوصاية، حيث تم بموجبه وضع هذه الأراضي تحت وصاية إدارية متمثلة في وزير الداخلية إلى جانب مجلس الوصاية ، ثم تلاه ظهير 6 فبراير 1963 الذي جاء بتعديلات على ظهير 27 ابريل 1919 والذي أكد ولاية الدولة على الجماعات السلالية.
وتتجلى أهمية دراسة هذا الموضوع في المكانة التي تحظى بها الأراضي السلالية ضمن النسيج العقاري المغربي خصوصا من حيث مساحتها الشاسعة وتنوع طبيعتها، لكن هذا النظام تواجهه عدة صعوبات سواء القانونية منها أو الواقعية، والتي تشكل عائقا نحو تحقيق المساهمة المطلوبة منها في التنمية المنشودة.
فمن هنا تبرز لنا الأهمية القانونية لهذه الدراسة في الوقوف على النصوص القانونية المنظمة لهذه الأراضي المتعددة من جهة وعلى التناقض الذي يطبعها ونقاط الضعف التشريعي في تنظيم هذا الموضوع من جهة أخرى، بالإضافة إلى أن مناقشة هذا الموضوع سيساهم ولو بشكل بسيط في حل بعض الإشكالات العملية التي تثيرها خصوصا على مستوى العمل القضائي، كما سيساعد الباحثين والمهتمين على معرفة الأوضاع القانونية الراهنة لأراضي الجماعات السلالية.
ومن دواعي اختياري لموضوع الحماية المقررة للأراضي السلالية بين النص التشريعي والعمل القضائي كموضوع رسالة لنيل دبلوم الماستر في قانون العقود والعقار اعتبارات عدة منها على الخصوص: كثرة الاشكالات التي أفرزها تطبيق نظام أراضي الجماعات السلالية على مستوى الواقع العملي، وكذا الإهمال الذي تعرضت له هذه الأراضي بالرغم من المكانة المتميزة التي تتمتع بها داخل النظام العقاري المغربي.
وقد اخترت كإشكالية محورية لموضوع الحماية المقررة للأراضي السلالية بين النص التشريعي والعمل القضائي تتمثل في: إلى أي حد وفق المشرع المغربي من خلال الترسانة القانونية المنظمة
للأراضي السلالية في توفير الحماية لهذا النوع من الأراضي والتخفيف من المنازعات المثارة بشأنها، وإلى أي مدى استطاع القضاء تفعيلها؟
ومن أجل الإجابة عن هذه الإشكالية وغيرها من التساؤلات المتفرعة عنها ارتأيت تقسيم الموضوع إلى فصلين رئيسيين بحيث تناولت في الفصل الأول منه الأراضي السلالية : خصوصيتها وأجهزة حمايتها، وتطرقت في المبحث الأول منه إلى تحديد مفهوم هذه الأراضي وحدود الوصاية عليها وتناولت فيه أيضا خصوصية القواعد المؤطرة لها، أما المبحث الثاني فتطرقت فيه إلى الأجهزة المكلفة بحماية الأراضي السلالية من هيئات نيابية ومجلس الوصاية ودورهما في حل المنازعات التي تثار بشأن هذه الأراضي.
أما الفصل الثاني والذي خصصته لإجراءات المحافظة على الأراضي السلالية والمنازعات القضائية المثارة بشأنها، فتطرقت في المبحث الأول منه إلى نقطتين أساسيتين ألا وهما التحديد الإداري وتحفيظ هذه الأراضي، وفي المبحث الثاني تناولت فيه دور كل من القضاء المدني والزجري في تسوية المنازعات المتعلقة بالأراضي السلالية.
ومن خلال دراستي للجانب الحمائي لأراضي الجماعات السلالية في ظل النظام القانوني الذي يحكمها سواء تعلق الأمر بظهير 27 أبريل 1919 أو غيره من الظهائر المعدلة والمتممة له، اتضح لي أن المشرع المغربي أعطى أهمية بالغة لهذه الأراضي من خلال إفرادها بمجموعة من الضمانات التي تساعد على الاستغلال والتدبير الحسن لها وذلك رغبة في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية داخل الجماعات السلالية.
لكنه بالمقابل ومن خلال كذلك دراستي لمختلف الآليات التي يتم بها حماية هذه الثروة العقارية سواء القانونية منها أو القضائية، لاحظت وجود قصور كبير في كيفية اشتغالها كذلك على مستوى النصوص القانونية المؤطرة لها والتي تتميز بقدمها وتعتريها الكثير من الثغرات ويتضمن مجموعة من المقتضيات التي تشكل عائقا نحو التأقلم مع حاجيات السكان، وضمان تدبيرها بما ينسجم مع أهميتها الاقتصادية والاجتماعية، بحيث أن المنظومة القانونية المنظمة للأراضي الجماعية لم تعد قادرة على استيعاب المتغيرات التي يعرفها المجتمع المغربي، وعدم مواكبتها لكل جديد قصد الارتقاء بهذا النظام العقاري والانخراط به في موجة الإصلاحات الاقتصادية التي تعرفها بلادنا. فإن كانت الأراضي الجماعية السلالية تغطي مساحة كبيرة على المستوى الوطني فإنها تبقى في حاجة إلى العناية بها بالكيفية التي تجعلها أولا تساهم في الرفع من المستوى المعيشي للمستفيدين منها ثم ثانيا في مساهمتها في الرفع من الاقتصاد الوطني، وذلك لا يتأتى إلا من خلال إعادة النظر في وضعيتها وملامسة المعيقات والإشكالات المطروحة لتساهم في تحقيق الأهداف المرجوة منها.
وانطلاقا مما سبق فإن إعادة هيكلة الأراضي الجماعية ومعالجتها في شموليتها أصبح ضرورة ملحة مما ينبغي معه بذل مجموعة من المجهودات والتي سألخص أهمها في التوصيات التالية:
ـ جمع شتات مختلف القواعد القانونية المنظمة للأراضي السلالية في إطار قانوني موحد، وذلك بصياغة مدونة شاملة ترتكز مقتضياتها على قراءة واقعية لمختلف التصورات لأن أي مقتضيات قانونية يمكن سنها لا يمكن أن تكون فاعلة إلا إذا انبثقت من الأساس أي من واقع الجماعات السلالية المستفيدة من هذه الأراضي.
ـ تسريع التسوية القانونية للأراضي الجماعية والتي ستساهم في وضع حد للنزاعات التي تنشأ بسبب استغلال هذه الأراضي.
ـ إعادة النظر في المقتضيات القانونية التي لا تساير التطور القانوني والحقوقي الذي عرفه المغرب منذ وضع ظهير 27 أبريل 1919.
ـ تعديل مضمون الفصل 12 من ظهير 27 ابريل 1919 بنص صريح يجيز الطعن في مقررات مجلس الوصاية أمام المحاكم الإدارية باعتبارها قرارات إدارية، والتنصيص على تعليل هذه القرارات عملا بالقانون 01-03.
ـ إعادة النظر في مبدأ عدم قابلية الأراضي الجماعية للتفويت للخواص لأنه أصبح يقف عقبة في وجه استثمار تلك الأراضي وتداولها.