إن معالجة هذا الموضوع يقتضي منا تفكيك عناصره الأساسية، ومن هذا المنطلق سنعمل على تعريف مفهوم الديمقراطية ومفهوم القانون،لإيجاد الخيط الرابط بين المفهومين،وهكذا فإن كلمة
الديمقراطية،تتكون من
dimo
ديمو وتعني" الشعب"وقراط
crate
وتعني "حكم" والكلمة في مجموعها تعني "حكم الشعب"، إذن فالديمقراطية هي "حكم الشعب بالشعب من أجل الشعب " بمعنى الشعب هو الذي يصنع ديمقراطيته الخاصة به،في حين مفهوم القانون أو بالأحرى كلمة قانون، تعني القاعدة التي تحكم بلدا معين في زمن معين،وإذا ما تحققت كلمة الديمقراطية بمعناها الأصلي، وإلى جانبها مفهوم أو كلمة قانون، نكون إذ داك أمام ديمقراطية قانونية.
بيد أنه بالرجوع إلى بلدنا، نجد العديد من النصوص القانونية التي صدرت في عهد الحماية في نظرنا غير ديمقراطية وغير دستورية، لأنها لم تصدر عن البرلمان، أي بمفهوم ديمقراطي لم يصوت عليها الشعب المغربي، كظهير التحفيظ العقاري الصادر في 2يونيو 1915، وظهير الالتزامات والعقود الصادر في 12غشت 1913...الخ، لذا نرى بضرورة تغيير هذه النصوص لتغدو ديمقراطية، لأن الديمقراطية القانونية تعني أن يوضع التشريع من طرف الأمة وأن يصوت عليه الشعب ممثلا في نوابه،كم ننادي بأن يرسم لقانوننا مستقبله الخاص، لأن استلهام النصوص القانونية،تعد أداة أو آلية للتنمية غير الديمقراطية .
والديمقراطية القانونية تكمن في تعدد النصوص القانونية واختلافها من بلد لآخر،لا وحدة النصوص القانونية، والقول بخلاف هذا التسليم بفلسفة شمولية النصوص القانونية المعدمة للديمقراطية القانونية، وتتجلى انعدام الديمقراطية القانونية بالإضافة إلى عدم دستورية القوانين الصادرة في عهد الحماية في غياب شروط الواجب توفرها في الصائغ القانوني،حتى يكون النص واضح الدلالة ولا يحتمل تعدد القراءات والتأويلات مما يؤدي إلى غياب الديمقراطية القانونية، فضلا عن تعارض النص القانوني، من خلال مقابلة النص القانوني بالصيغة الفرنسية مع النص القانوني بالصيغة العربية،وهكذا سنتناول تباعا الحديث عن الشروط الواجب توفرها في الصائغ القانوني(ثانيا)،على أن نتحدث عن تعارض النص القانوني(أولا).
أولا:تعارض النص القانوني
من مضاهر انعدام الديمقراطية القانونية،نجد تعارض النص القانوني عند إجراء مقابلة النص القانوني بالصيغة الفرنسية مع النص القانوني بالصيغة العربية، مما يؤدي إلى تطبيق جزاء غير
قانوني،فلنأخذ نص الفصل 66 من النظام الأساسي للوظيفة العمومية، الذي تولى تعداد العقوبات التأديبية
les sanction dixiplinaire
،حسب درجة خطورتها،وهكذا فقد عددها حسب الشكل التالي:
تشمل العقوبات التأديبية المطبقة على الموظفين على ما يأتي، وهي مرتبة حسب تزايد الخطورة .
- الإنذار
- التوبيخ
- الحذف من لائحة الترقي
- الانحدار من الطبقة
- الانحدار من الرتبة
- العزل من غير توقبف حق التقاعد
- العزل المصحوب بتوقيف حق التقاعد
وهناك عقوبتان تكتسيان صبغة خصوصية وهما الحرمان المؤقت من كل أجرة لمدة
ستة أشهر باستثناء التعويضات العائلية،والإحالة الحتمية على التقاعد ولا يمكن إصدار هذه العقوبة الأخيرة إلا إذا كان الموظف مستوفيا للشروط المقررة في تشريع التقاعد.
ويقع الإنذار والتوبيخ بقرار معلل تصدره السلطة التي لها حق التأديب من غير استشارة المجلس التأديبي، ولكن بعد استدلاء المعني بالأمر ببياناته في هذا الشأن، أما العقوبات الأخرى فتتخد بعد استشارة المجلس التأديبي وذلك بتقرير كتابي، يتضمن بوضوح الأعمال التي يعاقب عليها الموظف وإن اقتضى الحال الظروف التي ارتكبت فيها، غير أن الذي يسترعي الانتباه،هو أنه إذا ما كان الفصل 66 من النظام الأساسي للوظيفة العمومية يرتب العقوبات التأديبية حسب درجة خطورتها،فإن الملاحظ في هذا النص يعتريه خطأ في الترتيب،يتجلى الخطأ فيما يلي، فعوض وضع القهقرة من الرتبة قبل الانحدار من الطبقة، نجد هذا الفصل يقدم عقوبة الانحدار من الطبقة قبل القهقرة من الرتبة،مع العلم أن هذه الأخيرة أخف من الانحدار من الطبقة، الشيء الذي يستلزم قراءة النص بالنسخة الفرنسية.
Art:66;Les sanction dixiplinaires applicables aux fonctionnaire compriment par ordre croissant de gravité : - l ,avertissement
-le plame
-la radation du tableau d,avecemant
-l,abaissement d,échelon
-la rétrogradation
-la révocation sans suspension des droits apension
-la révocation avec suspension des droits apension
يتبين من خلال النسخة الفرنسية،أن عقوبة القهقرة من الرتبة
l,abaissement d,echlon
تم إدراجها في النص قبل عقوبة الانحدار من الطبقة
la rétrogradation
،وهكذا فإن السلطة المختصة بالتأديب، يجب عند توقيعها العقوبة على الموظف المخطئ أن تعود إلى النص بالنسخة الفرنسية،فإذا حدث ووقعت السلطة المختصة بالتأديب العقوبة التأديبية على الموظف الذي ارتكب الخطأ المهني مسترشدة في توقيعها هذه العقوبة،استنادا غلى النص بالنسخة العربية وحصل أن وقعت عقوبة الانحدار من الطبقة.
تكون وقعت السلطة المختصة بالتأديب، جزاء ما كان ينبغي عليها توقيعه على الموظف المرتكب للخطأ المهني،الشيء الذي يؤدي إلى انعدام الديمقراطية القانونية.
إن الأمر لا يتعلق بهذا الفصل وإنما هناك فصول أخرى، وسندرج فصلا من ذات القانون، وذلك للمزيد من التوضيح واستجلاء حقيقة غياب ديمقراطية قانونية وندرج في هذا الخصوص الفصل 73 من النظام الأساسي للوظيفة العمومية حيث ينص مل يلي في فقرته الأولى:
"إذا ارتكب أحد الموظفين هفوة خطيرة سواء كان الأمر يتعلق بإخلال في التزاماته المهنية أو بجنحة ماسة بالحق العام، فإنه يوقف حالا من طرف السلطة التي لها حق التأديب"،يتضح من خلال هذه الفقرة أن إيقاف الموظف الذي يرتكب هفوة خطيرة أو جنحة ماسة بالحق العام إلزامية وما يفيد هذه الإلزامية استعمال لفظ حالا،وحالا تفيد صيغة الإلزام،وإذا ما رجعنا إلى نفس الفصل بالصيغة الفرنسية،نجد الفقرة الأولى منه تنص على ما يلي:
Art :73 ;En cas de faute grave commis par un fonctionnaire ,qu’il s,agisse d,un manquement A ses obligations professionnelle ou d,une infraction de droit commun, l,autaure de cette faute peut être immédiatement suspendu par l,autorité ayant pouvoir dixiplinaire.
حيث نجد النص بالصيغة الفرنسية استعمل لفض "يمكن" مما يدل على إمكانية التوقيف وليس اللزوم، ومن هذا الأساس فإنه يجب اعتماد النصوص القانونية الأصلية باللغة العربية بدل الفرنسية، إذا ما رغبنا في رسم ديمقراطية قانونية حقيقية، ليس فقط للنظام الأساسي للوظيفة العمومية، بل لجميع النصوص القانونية، كما أن هذا الأمر قد يؤدي إلى إصدار أحكام أو بالأحرى فإن تفعيل نصوص قانونية غير سليمة من حيث ترجمتها،يترتب عنها تطبيق أحكاما مجحفة في حق المتقاضين.هذا عن تعارض النصوص القانونية، فمذا عن الشروط الواجب توفرها في الصائغ القانوني؟
ثانيا: الشروط الواجب توفرها في الصائغ القانوني
إن الحديث عن الشروط الواجب توفرها في الصائغ القانوني، يستوجب التطرق لأهمية اللغة لا سيما اللغة القانونية،وفي هذا الإطار فإن اللغة أية لغة لها أهمية كبرى من الناحية الثقافية والتواصلية، فهي وسيلة للتفاهم ووسيلة للتعلم، وأداة لنقل الأفكار بل هي أداة التفكير والحس والشعور، وقد تغدو أداة للتأصيل والتقنين،أي وضع وصياغة الضوابط القانونية بحسب مجال التوظيف فهي في مجال الصياغة القانونية تعبر عن الحس القانوني أولا قبل كل شيء،وتحيلك إلى مبدع من نوع خاص ألا وهو الصائغ القانوني،والمصطلح على تسميته لدى المختصين في المجال القانوني بالمشرع، لذلك يجب أن يكون متمكنا من فن الصياغة القانونية لضبطه لأداة الصياغة وهي اللغة من جهة،وإحاطته بجمل حيثيات التخصص وأحكامه من جهة ثانية،ذلك أن لغة القانون هي لغة ضابطة لهذا القانون بمفرداتها وتراكيبها ولا مجال فيها للاستطرادات ولا للحشو أو الإطناب فضلا عن المراد فات،بمعنى اللغة القانونية يجب أن تركز على الوضوح والدقة والمباشرة،لدمقرطة النص القانوني ومرجع ذلك، الخصوصية التي تميز المعرفة القانونية لارتباطها الوثيق بتنظيم الدولة والمجتمع.
وعلاقة بالموضوع اشترطنا لدمقرطة النص القانوني،عن طريق الصائغ القانوني، بأن يكون هذا الأخير متمكن من فن الصياغة القانونية،فإن هذا لن يتأتى إلا إذا كانت له دراسة مستفيضة وتجربة طويلة،ومن حق له أن يمارس صياغة التشريعات أو أسندت له هذه المهمة فلا بد له أن يكون لديه قدرا كبيرا من العلم والمعرفة مدركا لظروف الزمان والمكان والبيئة التي نشأت فيها القواعد القانونية السابقة، قادرا على التفرع منها إلى الفروض التي هو راغب أو مكلف بوضع حلولا لها على شكل قاعدة قانونية من صفاتها العمومية والتجريد والإلزامية.
ذلك أن الثقافة القانونية جزء لا يتجزأ من عملية تحسين الصياغة القانونية (التشريعية) ، بيد أنه هناك من يرى منذ الوهلة الأولى أن مسألة صياغة النص التشريعي مسألة تافهة وليست بالمهمة لأنها تتعلق بالشكل، بينما الذي يهم الشعب هوالمضمون،إلا أننا لا يمكن أن نغفل أن مسألة الصياغة تأتي في نفس الد رجة مع التشريع،ذلك أن النص الرديء يعطي طابع مشوه للفكرة، ويرتد هذا التشوه إلى التطبيق مما يحول دون خلق تواصل فعال بين المتلقي والنص القانوني على حد السواء، وبشكل عام فإن الإبهام في النص التشريعي والصياغة السيئة تؤدي إلى ما يلي:
- الانفراد والسرية في وضع النصوص التشريعية، حيث توضع في الظلام دون إتاحة الفرصة لمناقشتها من قبل المهتمين والمختصين والمعنيين بها باعتبارهم متلقين للنص القانوني.
- عدم الإحاطة بالإغراض والأهداف.
- ضعف في صياغة التشريع وصياغة الكلام.
- غموض الفكرة.
- الدوافع الذاتية للضرر أو الكسب.
- قصد التمييع بحيث يحتمل النص عدة وجوه
ولازلنا نرى نصوص تشريعية صادرة منذ سنوات عدة، جرى تفسيرها وتطبيقها بأشكال مختلفة وصدرت بشأنها تفسيرات متناقضة حسب الأشخاص والحالات مما يفرغ النص القانوني من مضمونه الحقيقي وبالتالي يتبدى لنا جليا انعدام ديمقراطية قانونية إلى حد ما، وإن كان النص من ضاهره يبدو ديمقراطيا لأنه وضع من طرف المشرع الوطني.
ويبدو أن هذه الطريقة تستهوي الكثيرين من ذوي السلطة الذين يتفننون في الصياغات الماهرة المائعة والتي تحير الموظفين وغير الموظفين في إدراك مقاصد هذه النصوص فيطبقونها كل يوم في شكل دون أن يتأكدوا أنهم على خطأ أو صواب،فكيف السبيل لإضفاء ديمقراطية حقة على النص القانوني؟.
صفوة الكلام
إن الإبقاء على نصوص قانونية منذ عهد الحماية وكذا على نصوص أخرى منذ السنوات الأولى للاستقلال،علاوة على ضعف الصياغة القانونية من طرف الصائغ الوطني في وقتنا الحاضر وتعارض النص القانوني عند مقابلة النسخة الفرنسية بالنسخة العربية،نتيجة خطأ في الترجمة الشيء الذي يعدم ديمقراطية النص القانوني.
وينجم عن إبقاء على نصوص أكل الدهر عليها وشرب، وعن ضعف الصائغ الوطني زد على ذلك الصياغة باللغة الفرنسية، نتائج وخيمة عند ترجمة هذه الأخيرة باللغة العربية و ما يصاحب هذه الترجمة من أخطاء، تشكل خطورة حينما يتم إنزال نص أو بند قانوني من هذه النصوص على النازلة المعروضة على القضاء وإصدار حكما ما لم يكن ينبغي الحكم به. أهده هي الديمقراطية القانونية؟.
كلا إن الديمقراطية القانونية تقتضي أن يكون النص القانوني نابع من أصالة الشعب المغربي، وذلك بإنشاء مراكز العلوم الاجتماعية، وبالأخص علم الاجتماع القانوني، لتكوين علماء اجتماع قانونيين يستعان بهم عند صياغة مشاريع القوانين لتفادي السقوط في التعقيدات القانونية، فلو عزمنا مثلا على صياغة مشروع مدونة التجارة، فإننا نرسل بكل بساطة علماء اجتماع قانونين يتخذون صفة تجار لمعاشرة طبقة التجار بكل حياد وموضوعية ومن دون أن يكشفوا عن صفاتهم الحقيقية،ليتمكنوا من معرفة المشاكل الحقيقية التي يعاني منها التجار، ويحررون في نهاية المهمة التي كلفوا بها تقريرا يرفعونه إلى الجهة المعنية بالأمر، وعلى هدي تقرير علماء الاجتماع القانونين ومع حنكة الصائغ الوطني الذي يجب أن يكون متمكنا من فن الصياغة القانونية،نعمل على صياغة مشروع هذه المدونة –مدونة التجارة- وبالتالي تكون هذه الأخيرة محكمة الجوانب، وإن تم اغفال بعض الاشياء فإننا نقول ما أصله الإباحة في هذا المجال أو ذاك فهو مباح،لأنه سيكون لدينا ساعتئد نص قانوني نابع من خصوصيات شعبنا المغربي.
وعندما نتمكن من صياغة نصوص قانونية نابعة من الهوية المغربية الأصلية، يمكننا إذاك مقارنة هذه القوانين بقوانين الدول الأخرى سيما فرنسا،لمعرفة مكامن الضعف والقوة لدينا،وأما والحالة هاته التي وجدت أو بالأحرى صدرت في ضلها نصوصنا القانونية فلا مجال للمقارنة على اعتبار المقارنة ستصبح ضربا من ضروب العبث،لسبب بسيط ليست نابعة من خصوصية هويتنا الأصيلة، إلا أننا لاننفي الجهود الجبارة التي يقوم بها عاهل البلاد " جلالة الملك محمد السادس في هذا الشأن"، والمتجلية في تعيينه ل"اللجنة الاستشارية لإعداد تقرير جهوي، والذي انتهت منه سنة 2011،واللجنة التي كلفها بإعداد مسودة مشروع الدستور" والذي عرض على الاستفتاء الشعبي في الفاتح يوليوز من نفس السنة، إلا أن هذا غير كافي ما لم تتضافر جهود كل من لهم زمام المسؤولية، وفي نهاية هذا المقال أناشد مسؤولينا ببذل قصارى جهدهم لكي يرسم لقانوننا مستقبله الخاص.
الديمقراطية،تتكون من
dimo
ديمو وتعني" الشعب"وقراط
crate
وتعني "حكم" والكلمة في مجموعها تعني "حكم الشعب"، إذن فالديمقراطية هي "حكم الشعب بالشعب من أجل الشعب " بمعنى الشعب هو الذي يصنع ديمقراطيته الخاصة به،في حين مفهوم القانون أو بالأحرى كلمة قانون، تعني القاعدة التي تحكم بلدا معين في زمن معين،وإذا ما تحققت كلمة الديمقراطية بمعناها الأصلي، وإلى جانبها مفهوم أو كلمة قانون، نكون إذ داك أمام ديمقراطية قانونية.
بيد أنه بالرجوع إلى بلدنا، نجد العديد من النصوص القانونية التي صدرت في عهد الحماية في نظرنا غير ديمقراطية وغير دستورية، لأنها لم تصدر عن البرلمان، أي بمفهوم ديمقراطي لم يصوت عليها الشعب المغربي، كظهير التحفيظ العقاري الصادر في 2يونيو 1915، وظهير الالتزامات والعقود الصادر في 12غشت 1913...الخ، لذا نرى بضرورة تغيير هذه النصوص لتغدو ديمقراطية، لأن الديمقراطية القانونية تعني أن يوضع التشريع من طرف الأمة وأن يصوت عليه الشعب ممثلا في نوابه،كم ننادي بأن يرسم لقانوننا مستقبله الخاص، لأن استلهام النصوص القانونية،تعد أداة أو آلية للتنمية غير الديمقراطية .
والديمقراطية القانونية تكمن في تعدد النصوص القانونية واختلافها من بلد لآخر،لا وحدة النصوص القانونية، والقول بخلاف هذا التسليم بفلسفة شمولية النصوص القانونية المعدمة للديمقراطية القانونية، وتتجلى انعدام الديمقراطية القانونية بالإضافة إلى عدم دستورية القوانين الصادرة في عهد الحماية في غياب شروط الواجب توفرها في الصائغ القانوني،حتى يكون النص واضح الدلالة ولا يحتمل تعدد القراءات والتأويلات مما يؤدي إلى غياب الديمقراطية القانونية، فضلا عن تعارض النص القانوني، من خلال مقابلة النص القانوني بالصيغة الفرنسية مع النص القانوني بالصيغة العربية،وهكذا سنتناول تباعا الحديث عن الشروط الواجب توفرها في الصائغ القانوني(ثانيا)،على أن نتحدث عن تعارض النص القانوني(أولا).
أولا:تعارض النص القانوني
من مضاهر انعدام الديمقراطية القانونية،نجد تعارض النص القانوني عند إجراء مقابلة النص القانوني بالصيغة الفرنسية مع النص القانوني بالصيغة العربية، مما يؤدي إلى تطبيق جزاء غير
قانوني،فلنأخذ نص الفصل 66 من النظام الأساسي للوظيفة العمومية، الذي تولى تعداد العقوبات التأديبية
les sanction dixiplinaire
،حسب درجة خطورتها،وهكذا فقد عددها حسب الشكل التالي:
تشمل العقوبات التأديبية المطبقة على الموظفين على ما يأتي، وهي مرتبة حسب تزايد الخطورة .
- الإنذار
- التوبيخ
- الحذف من لائحة الترقي
- الانحدار من الطبقة
- الانحدار من الرتبة
- العزل من غير توقبف حق التقاعد
- العزل المصحوب بتوقيف حق التقاعد
وهناك عقوبتان تكتسيان صبغة خصوصية وهما الحرمان المؤقت من كل أجرة لمدة
ستة أشهر باستثناء التعويضات العائلية،والإحالة الحتمية على التقاعد ولا يمكن إصدار هذه العقوبة الأخيرة إلا إذا كان الموظف مستوفيا للشروط المقررة في تشريع التقاعد.
ويقع الإنذار والتوبيخ بقرار معلل تصدره السلطة التي لها حق التأديب من غير استشارة المجلس التأديبي، ولكن بعد استدلاء المعني بالأمر ببياناته في هذا الشأن، أما العقوبات الأخرى فتتخد بعد استشارة المجلس التأديبي وذلك بتقرير كتابي، يتضمن بوضوح الأعمال التي يعاقب عليها الموظف وإن اقتضى الحال الظروف التي ارتكبت فيها، غير أن الذي يسترعي الانتباه،هو أنه إذا ما كان الفصل 66 من النظام الأساسي للوظيفة العمومية يرتب العقوبات التأديبية حسب درجة خطورتها،فإن الملاحظ في هذا النص يعتريه خطأ في الترتيب،يتجلى الخطأ فيما يلي، فعوض وضع القهقرة من الرتبة قبل الانحدار من الطبقة، نجد هذا الفصل يقدم عقوبة الانحدار من الطبقة قبل القهقرة من الرتبة،مع العلم أن هذه الأخيرة أخف من الانحدار من الطبقة، الشيء الذي يستلزم قراءة النص بالنسخة الفرنسية.
Art:66;Les sanction dixiplinaires applicables aux fonctionnaire compriment par ordre croissant de gravité : - l ,avertissement
-le plame
-la radation du tableau d,avecemant
-l,abaissement d,échelon
-la rétrogradation
-la révocation sans suspension des droits apension
-la révocation avec suspension des droits apension
يتبين من خلال النسخة الفرنسية،أن عقوبة القهقرة من الرتبة
l,abaissement d,echlon
تم إدراجها في النص قبل عقوبة الانحدار من الطبقة
la rétrogradation
،وهكذا فإن السلطة المختصة بالتأديب، يجب عند توقيعها العقوبة على الموظف المخطئ أن تعود إلى النص بالنسخة الفرنسية،فإذا حدث ووقعت السلطة المختصة بالتأديب العقوبة التأديبية على الموظف الذي ارتكب الخطأ المهني مسترشدة في توقيعها هذه العقوبة،استنادا غلى النص بالنسخة العربية وحصل أن وقعت عقوبة الانحدار من الطبقة.
تكون وقعت السلطة المختصة بالتأديب، جزاء ما كان ينبغي عليها توقيعه على الموظف المرتكب للخطأ المهني،الشيء الذي يؤدي إلى انعدام الديمقراطية القانونية.
إن الأمر لا يتعلق بهذا الفصل وإنما هناك فصول أخرى، وسندرج فصلا من ذات القانون، وذلك للمزيد من التوضيح واستجلاء حقيقة غياب ديمقراطية قانونية وندرج في هذا الخصوص الفصل 73 من النظام الأساسي للوظيفة العمومية حيث ينص مل يلي في فقرته الأولى:
"إذا ارتكب أحد الموظفين هفوة خطيرة سواء كان الأمر يتعلق بإخلال في التزاماته المهنية أو بجنحة ماسة بالحق العام، فإنه يوقف حالا من طرف السلطة التي لها حق التأديب"،يتضح من خلال هذه الفقرة أن إيقاف الموظف الذي يرتكب هفوة خطيرة أو جنحة ماسة بالحق العام إلزامية وما يفيد هذه الإلزامية استعمال لفظ حالا،وحالا تفيد صيغة الإلزام،وإذا ما رجعنا إلى نفس الفصل بالصيغة الفرنسية،نجد الفقرة الأولى منه تنص على ما يلي:
Art :73 ;En cas de faute grave commis par un fonctionnaire ,qu’il s,agisse d,un manquement A ses obligations professionnelle ou d,une infraction de droit commun, l,autaure de cette faute peut être immédiatement suspendu par l,autorité ayant pouvoir dixiplinaire.
حيث نجد النص بالصيغة الفرنسية استعمل لفض "يمكن" مما يدل على إمكانية التوقيف وليس اللزوم، ومن هذا الأساس فإنه يجب اعتماد النصوص القانونية الأصلية باللغة العربية بدل الفرنسية، إذا ما رغبنا في رسم ديمقراطية قانونية حقيقية، ليس فقط للنظام الأساسي للوظيفة العمومية، بل لجميع النصوص القانونية، كما أن هذا الأمر قد يؤدي إلى إصدار أحكام أو بالأحرى فإن تفعيل نصوص قانونية غير سليمة من حيث ترجمتها،يترتب عنها تطبيق أحكاما مجحفة في حق المتقاضين.هذا عن تعارض النصوص القانونية، فمذا عن الشروط الواجب توفرها في الصائغ القانوني؟
ثانيا: الشروط الواجب توفرها في الصائغ القانوني
إن الحديث عن الشروط الواجب توفرها في الصائغ القانوني، يستوجب التطرق لأهمية اللغة لا سيما اللغة القانونية،وفي هذا الإطار فإن اللغة أية لغة لها أهمية كبرى من الناحية الثقافية والتواصلية، فهي وسيلة للتفاهم ووسيلة للتعلم، وأداة لنقل الأفكار بل هي أداة التفكير والحس والشعور، وقد تغدو أداة للتأصيل والتقنين،أي وضع وصياغة الضوابط القانونية بحسب مجال التوظيف فهي في مجال الصياغة القانونية تعبر عن الحس القانوني أولا قبل كل شيء،وتحيلك إلى مبدع من نوع خاص ألا وهو الصائغ القانوني،والمصطلح على تسميته لدى المختصين في المجال القانوني بالمشرع، لذلك يجب أن يكون متمكنا من فن الصياغة القانونية لضبطه لأداة الصياغة وهي اللغة من جهة،وإحاطته بجمل حيثيات التخصص وأحكامه من جهة ثانية،ذلك أن لغة القانون هي لغة ضابطة لهذا القانون بمفرداتها وتراكيبها ولا مجال فيها للاستطرادات ولا للحشو أو الإطناب فضلا عن المراد فات،بمعنى اللغة القانونية يجب أن تركز على الوضوح والدقة والمباشرة،لدمقرطة النص القانوني ومرجع ذلك، الخصوصية التي تميز المعرفة القانونية لارتباطها الوثيق بتنظيم الدولة والمجتمع.
وعلاقة بالموضوع اشترطنا لدمقرطة النص القانوني،عن طريق الصائغ القانوني، بأن يكون هذا الأخير متمكن من فن الصياغة القانونية،فإن هذا لن يتأتى إلا إذا كانت له دراسة مستفيضة وتجربة طويلة،ومن حق له أن يمارس صياغة التشريعات أو أسندت له هذه المهمة فلا بد له أن يكون لديه قدرا كبيرا من العلم والمعرفة مدركا لظروف الزمان والمكان والبيئة التي نشأت فيها القواعد القانونية السابقة، قادرا على التفرع منها إلى الفروض التي هو راغب أو مكلف بوضع حلولا لها على شكل قاعدة قانونية من صفاتها العمومية والتجريد والإلزامية.
ذلك أن الثقافة القانونية جزء لا يتجزأ من عملية تحسين الصياغة القانونية (التشريعية) ، بيد أنه هناك من يرى منذ الوهلة الأولى أن مسألة صياغة النص التشريعي مسألة تافهة وليست بالمهمة لأنها تتعلق بالشكل، بينما الذي يهم الشعب هوالمضمون،إلا أننا لا يمكن أن نغفل أن مسألة الصياغة تأتي في نفس الد رجة مع التشريع،ذلك أن النص الرديء يعطي طابع مشوه للفكرة، ويرتد هذا التشوه إلى التطبيق مما يحول دون خلق تواصل فعال بين المتلقي والنص القانوني على حد السواء، وبشكل عام فإن الإبهام في النص التشريعي والصياغة السيئة تؤدي إلى ما يلي:
- الانفراد والسرية في وضع النصوص التشريعية، حيث توضع في الظلام دون إتاحة الفرصة لمناقشتها من قبل المهتمين والمختصين والمعنيين بها باعتبارهم متلقين للنص القانوني.
- عدم الإحاطة بالإغراض والأهداف.
- ضعف في صياغة التشريع وصياغة الكلام.
- غموض الفكرة.
- الدوافع الذاتية للضرر أو الكسب.
- قصد التمييع بحيث يحتمل النص عدة وجوه
ولازلنا نرى نصوص تشريعية صادرة منذ سنوات عدة، جرى تفسيرها وتطبيقها بأشكال مختلفة وصدرت بشأنها تفسيرات متناقضة حسب الأشخاص والحالات مما يفرغ النص القانوني من مضمونه الحقيقي وبالتالي يتبدى لنا جليا انعدام ديمقراطية قانونية إلى حد ما، وإن كان النص من ضاهره يبدو ديمقراطيا لأنه وضع من طرف المشرع الوطني.
ويبدو أن هذه الطريقة تستهوي الكثيرين من ذوي السلطة الذين يتفننون في الصياغات الماهرة المائعة والتي تحير الموظفين وغير الموظفين في إدراك مقاصد هذه النصوص فيطبقونها كل يوم في شكل دون أن يتأكدوا أنهم على خطأ أو صواب،فكيف السبيل لإضفاء ديمقراطية حقة على النص القانوني؟.
صفوة الكلام
إن الإبقاء على نصوص قانونية منذ عهد الحماية وكذا على نصوص أخرى منذ السنوات الأولى للاستقلال،علاوة على ضعف الصياغة القانونية من طرف الصائغ الوطني في وقتنا الحاضر وتعارض النص القانوني عند مقابلة النسخة الفرنسية بالنسخة العربية،نتيجة خطأ في الترجمة الشيء الذي يعدم ديمقراطية النص القانوني.
وينجم عن إبقاء على نصوص أكل الدهر عليها وشرب، وعن ضعف الصائغ الوطني زد على ذلك الصياغة باللغة الفرنسية، نتائج وخيمة عند ترجمة هذه الأخيرة باللغة العربية و ما يصاحب هذه الترجمة من أخطاء، تشكل خطورة حينما يتم إنزال نص أو بند قانوني من هذه النصوص على النازلة المعروضة على القضاء وإصدار حكما ما لم يكن ينبغي الحكم به. أهده هي الديمقراطية القانونية؟.
كلا إن الديمقراطية القانونية تقتضي أن يكون النص القانوني نابع من أصالة الشعب المغربي، وذلك بإنشاء مراكز العلوم الاجتماعية، وبالأخص علم الاجتماع القانوني، لتكوين علماء اجتماع قانونيين يستعان بهم عند صياغة مشاريع القوانين لتفادي السقوط في التعقيدات القانونية، فلو عزمنا مثلا على صياغة مشروع مدونة التجارة، فإننا نرسل بكل بساطة علماء اجتماع قانونين يتخذون صفة تجار لمعاشرة طبقة التجار بكل حياد وموضوعية ومن دون أن يكشفوا عن صفاتهم الحقيقية،ليتمكنوا من معرفة المشاكل الحقيقية التي يعاني منها التجار، ويحررون في نهاية المهمة التي كلفوا بها تقريرا يرفعونه إلى الجهة المعنية بالأمر، وعلى هدي تقرير علماء الاجتماع القانونين ومع حنكة الصائغ الوطني الذي يجب أن يكون متمكنا من فن الصياغة القانونية،نعمل على صياغة مشروع هذه المدونة –مدونة التجارة- وبالتالي تكون هذه الأخيرة محكمة الجوانب، وإن تم اغفال بعض الاشياء فإننا نقول ما أصله الإباحة في هذا المجال أو ذاك فهو مباح،لأنه سيكون لدينا ساعتئد نص قانوني نابع من خصوصيات شعبنا المغربي.
وعندما نتمكن من صياغة نصوص قانونية نابعة من الهوية المغربية الأصلية، يمكننا إذاك مقارنة هذه القوانين بقوانين الدول الأخرى سيما فرنسا،لمعرفة مكامن الضعف والقوة لدينا،وأما والحالة هاته التي وجدت أو بالأحرى صدرت في ضلها نصوصنا القانونية فلا مجال للمقارنة على اعتبار المقارنة ستصبح ضربا من ضروب العبث،لسبب بسيط ليست نابعة من خصوصية هويتنا الأصيلة، إلا أننا لاننفي الجهود الجبارة التي يقوم بها عاهل البلاد " جلالة الملك محمد السادس في هذا الشأن"، والمتجلية في تعيينه ل"اللجنة الاستشارية لإعداد تقرير جهوي، والذي انتهت منه سنة 2011،واللجنة التي كلفها بإعداد مسودة مشروع الدستور" والذي عرض على الاستفتاء الشعبي في الفاتح يوليوز من نفس السنة، إلا أن هذا غير كافي ما لم تتضافر جهود كل من لهم زمام المسؤولية، وفي نهاية هذا المقال أناشد مسؤولينا ببذل قصارى جهدهم لكي يرسم لقانوننا مستقبله الخاص.