تمهيد
اعتمد المغاربة الصلح كوسيلة من الوسائل الأساسية في فض المنازعات بين المتخاصمين وفي قضايا كثيرة، ودعاوى متنوعة ، وذلك عن طريق مؤسسات تشكلت على أساس ديني أو عرفي لتطور بعد ذلك لتأخذ صبغة قانونية.
وتعد المنازعات الأسرية من أهم القضايا التي اعتمدت فيها هذه الوسيلة ، وخاصة ما يتعلق بالطلاق والتطليق.
ولتسليط الضوء على هذا الموضوع سأتناوله في المحاور الآتية:
المبحث الأول :تأصيل الصلح الأسري
المبحث الثاني :مؤسسات الصلح الأسري والواقع التطبيقي
المبحث الثالث : معوقات تحقيق الأهداف والغايات.
المبحث الأول : تأصيل الصلح الأسري
منذ دخول الإسلام إلى المغرب ، والمغاربة يعتمدون في كثير من قضاياهم على السند الشرعي الذي يحكمونه في تصرفاتهم بصفة عامة ، والعلاقات الأسرية بصفة خاصة.
وهكذا يتم استحضار أدلة قرآنية ، وأحاديث نبوية، في تدعيم اللجوء إلى الصلح والإصلاح بين الناس ، وترسيخ فض التنازع والتخاصم والفرقة والشقاق.
فمن القرآن قوله تعالى :( إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون).(1)
وقوله تعالى : (فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم)(2).
وقوله تعالى : (إن امرأة خافت من بعلها نشوزاأو إعرضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينمها صلحا )(3).
وأهم آية تأطر مسطرة الصلح في التطليق قوله تعالى: (وإن خفتم شقاق بينمها فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا).(4)
ومن الأحاديث الدالة على الدعوة إلى إصلاح ذات البين وقطع دابر التنازع ما رواه أبو الدرداء عن رسول الله ـ صـ ـ أنه قال : ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة ، قالوا: بلى ياريول الله قال : إصلاح ذات البين).
وورد في حديث آخر عن النبي ـ ص ـ أنه قال : ( الصلح جائز بين المسلمين ، إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا).
وهكذا أجمعت الأمة ، وجمهور الفقهاء على نبذ الفرقة والشتات ونهج الصلح كوسيلة مهمة في إصلاح ذات البين وخاصة بين المكونيين الأساسيين للأسرة الزوج والزوجة.
ونظرا لما لهذه الوسيلة من أهمية فقد أحدث لها المغاربة مؤسسات خاصة عهد إليهابتولي هذه المهمة.
المبحث الثاني : مؤسسات الصلح الأسري
يمكن تقسيم هذه المؤسسات إلى نوعين : مؤسسات قديمة ، وأخرى حديثة.
المطلب الأول : المؤسسات القديمة
من المعلوم أن النزاع الأسري قائم منذ وجود الأسرة المغربية ، ولهذا أبدع الإنسان المغربي مساطر وقواعد خاصة لحل هذه الخصومات الأسرية ، وذلك إما اعتمادا على الجانب الديني الشرعي، أو على العرف والتقاليد أو على الجانب القانوني والقضائي.
الفقرة الأولى:المؤسسات الدينية
استمد ت كثير من المؤسسات التي تولت الصلح الأسري شرعيتها من الجانب الديني ويأتي على رأسها :
أ)مؤسسة الزاوية :
بحث عملت الزاوية ومنذ عصور خلت على المسارعة إلى الصلح كلما حدث نزاع أسري كيف ما كان نوعه ،وخاصة بين الزوج والزوجة، وذلك بنوع من السرعة والفعالية ، وذلك بحسب ما يتمتع به شيخها ومقدمها من الهيبة والوقار والإحترام.
ب)مؤسسة المسجد:
شكل المسجد للمغاربة الملاذ الأساسي في تفريج الكرب ، ولهذا كان كلما حصل نزاع بين الزوجين إلا وتدخل إمام وخطيب المسجد لإجراء الصلح بين الطرفين بحيث يحالفه النجاح في كثير من الأحيان لما كان يتمتع به من وقار واحترام الناس له ،وبالتالي النزول عند رأيه وحكمه.
الفقرة الثانية : المؤسسات القضائية
قبل فرض الحماية ساد في المغرب نظام المحاكم الشرعية التي كانت لها الولاية العامة ، ثم أدخل عليه الإستعمار إصلاحات جوهرية ليقتصر دورها على البت في قضايا الأحوال الشخصية والميراث بين المسلمين والعقار الغير محفظ .
وبعد الإستقلال أحدث المشرع المغربي نظام محاكم الجماعات والمقاطعات (5) التي كان من أهم إختصاصات الصلح بين الأطراف المتنازعة(6) .
المطلب الثاني :المؤسسات الحديثة المكلفة بالصلح الأسري
يمكن الحديث عن مؤسستين مساعدتين للقضاء الجالس في تحقيق الصلح بين الزوجين المتخاصمين.
الفقرة الأولى : مؤسسة الحكمين
تعد هذه المؤسسة من أهم المؤسسات المعتمد في الصلح القضائي ، وأكثر تأهيلا لهذه المهمة الصعبة ، حيث جاء في المادة 95 من المدونه : يقوم الحكمان أو من في حكمهما باستقصاء أسباب الخلاف بين الزوجين ، ويبذل جهدهما لإنهاء النزاع.
إذا توصل الحكمان إلى الإصلاح بين الزوجين ، حررا مضمونه في تقرير من ثلاث نسخ يوقعها الحكمان والزوجان ويرفعانها إلى المحكمة التي تسلم لكل واحد من الزوجين نسخة منه، وتحفظ الثالثة بالملف ويتم الإشهاد على ذلك من طرف المحكمة ."
وهكذا يظهر أن للحكمين مكانة وتأثير ، وأن قرارهما له خطرو شأن.
فإذا كانت مدونة الأسرة ـ كما كان الحال ـ في مدونة الأحوال الشخصية الملغاة ، لم تحدد أوصاف الحكمين ، ولا الجهة التي ينتقى منها ،فيمكن سد هذه الثغرة بالرجوع إلى المادة 400 من المدونة والتي نصت على أن : " كل ما لم يرد به نص في هذه المدونة ، يرجع فيه إلى المذهب المالكي والإجتهاد الذي يراعى فيه تحقيق قيم الإسلام في العدل والمساواة والمعاشرة بالمعروف."
وبرجوعنا إلى المذهب المالكي ، نجده عموما يشترط في الحكمين الذكورة والعدالة والرشد ، زيادة على الفقه بأحكام الجمع والتفريق.
ويعينان من أقارب الزوجين ، أحدهما من أقارب الزوج وثانيهما من أقارب الزوجة،لأن الأقارب أعرف ببواطن الأحوال وأصلح للإصلاح ، ونفوس الزوجين المتخاصمين أسكن إليهما ،فيبرزان لهما ما يختمر في دواخلهما ويفشيان لهما جميع الأسرار لأنهما أنسب لكتمها وعدم إفشائها للغير.
وكونهما من أقارب الزوجين شرط واجب عند المالكية ، ومستحب عند الشافعية والحنابلة.
فإذا تعذر ذلك كأن لم يكن للزوجين أقارب ، أو لم يكن في أقاربهما من تتوفر فيهم العدالة والمعرفة ، فللقاضي (المقرر) أن يختار شخصين أجنبيين ممن تتوفر فيهما ما ذكر )7)من الشروط .
وفي ذلك يقول صاحب التحفة :
إن وجد عدلين من أهلهما & والبعث من غيرهما إن عدما
والفقرة الثانية من الفصل 82 من المدونة تسعف المحكمة في ذلك حيث سمحت لها أن تستعين بمن : "تراه مؤهلا لإصلاح ذات البين."
وللحكمين أن يستأنسا في مهمتهما بتوجيهات القاضي المقرر ، وأهل الفضل من الجيران والأقارب وبكل من له نفوذ معنوي عليهما كالأب والجد مثلا(8).
والهدف من بحث الحكمين هو محاولة الإصلاح بين الزوجين ، وذلك بعد التعرف على أسباب الشقاق ودعوة الزوجين إلى تركها ، لأن التطليق أو الطلاق ليس هو المقصود بالذات من عمل الحكمين .
لكن ، قد يفشلان في ذلك ويتعذر عليهما الإصلاح فلا يخلو الأمر من أحد الأمور الثلاثة :
أولا: إما أن تكون الإساءة كلها من جانب الزوجة دون الزوج ، ففي هذه الحالة يقترح التطليق مقابل بذل مناسب ، وذلك جبرا للضرر الحاصل للزوج.
ثانيا : وإما أن تكون الإساءة كلها من جانب الزوج دون الزوجة ، ففي هذه الحالة يقترح الحكمان التطليق على الزوج بطلقة بائنة مع التعويض عن الضرر الحاصل للزوجة إذا لم ترض هذه الأخيرة في الإستمرار معه.
ثالثا: أما إذا تبين للحكمين بأن كل منهما يسوء لصاحبه ويضر به ففي هذه الحالة فرق بينهما على بعض الصداق ،وعلى هذا المشهور من مذهب الإمام مالك.
وفي حالة لم يتوصل الحكمان إلى تحقيق ذلك ، أو لم يتفقا على حل مناسب كما إذا اقترح أحدهما التطليق بدون مقابل ، ورأى الثاني أن على الزوجة أن تدفع لزوجها مالا مقابل التطليق أو الطلاق ، فللمحكمة أن ترسل حكمين آخرين ، كما يمكنها أن ترسل إلى الزوجين إمرأة أمينة تعاشرهما مدة لتطلع على أحوالهما ، وتتعرف على سبب إختلافهما ، وتخبر المحكمة بما تبين لها لتحكم بما يجب على ضوء ذلك.
والمشرع المغربي قد سار في هذا الإتجاه حيث أورد في المادة 96 من المدونة على أنه:"إذا إختلف الحكمان في مضمون التقرير أو في تحديد المسؤولية أو لم يقدماه خلال الأجل المحدد لهما ، أمكن للمحكمة أن تجري بحثا إضافيا بالوسيلة التي تراها ملائمة."
وعلى خلاف التشريع المغربي ، الذي ترك مهمة تحديد الأجل الذي يتعين على الحكمين أن ينجزا خلاله مهمتهما لمحكمة الموضوع ، فإن بعض القوانين العربية كالقانون المصري مثلاحدد الآجال والعمل الذي يقومان به في مهمتهما بنصوص صريحة وواضحة.
ونشير أن الفقه المالكي اعتبر الحكمين شاهدين لاحاكمين ، وبالتالي فقرارهما لايلزم المحكمة في شيء ، وقد تحكم بنقيض ما اقترحاه ، إلا إذا توصلا إلى الإصلاح فما على المحكمة إلا الأخذ به والإشهاد عليه(المادة 95م أ).
الفقرة الثانية : مجلس العائلة
تنص الفقرة الثانية من المادة 82 من مدونة الأسرة على أن : للمحكمة أن تقوم بكل الإجراءات ، بما فيها انتداب حكمين أو مجلس العائلة ، أو من تراه مؤهلا لإصلاح ذات البين...)
إذن المدونة تركت الخيار للمحكمة لكي تستعين بالوسيلة التى تراها مناسبة لإجراء الصلح بين الطرفين ، وذلك إما بالإعتماد على الحكمين أو الإستعانة بمجلس العائلة .
ومما يلاحظ على هذا الأخير أنه لم يفعل بالشكل الإجابي لا في تعديل 10شتمبر 1993()لمدونة الأحوال الشخصية ولا في مدونة الأسرة الحالية .
وبالرجوع إلى الفقرة الثانية من المادة 251 من المدونة نجدها تنص على أنه : ( يحدث مجلس للعائلة ، تناط به مهمة مساعدة القضاء في إختصاصاته المتعلقة بشؤون الأسرة ، ويحدد تكوينة ومهامه بمقتضى نص تنظيمي ).
وبالفعل صدر بتاريخ 14يونيو 2004 المرسوم رقم 2.04.88 المتعلق بكيفية تكوين مجلس العائلة وتحديد مهامه(9).
وبإلقاء نظرة سريعة على هذا المرسوم التنظيمي يظهر أن هذا المجلس يتكون من القاضي رئيسا ثم الأب والأم أو الوصي والمقدم ، ثم أربعة أشخاص يختارهم القاضي المكلف بشؤون القاصرين من الجهتين بالتساوي وإذا تعذر عليه ذلك اعتمدهم من جهة واحدة ، لكن ينبغي أن يراعي في تعيينهم درجة القرابة بالعائلة، ثم مدى حرصهم على مصلحتها وشؤونها ثم مؤهلاتهم العلمية ومع ذلك فدورهما إستشاريا .
ولهذا وفي حالة تعذر تكوينه فإن نفس المرسوم أجاز للقاضي صرف النظر عنه.
بمعنى أن المجلس ولد ميتا بنص القانون و بالتالي لايمكن انتظار الشيء الكثير من هذه المؤسسة في حالة الإعتماد عليها في إجراء الصلح بين الزوجين المتخاصمين .
وإجرائيا إذا كانت رئاسة هذا المجلس بيد القاضي المكلف بشؤون القاصرين فكيف سيتم التنسيق بينه وبين قاضي الأسرة أو المحكمة التي تقرر في دعوى التطليق أو طلب الإذن بالإشهاد على الطلاق؟ اللهم إلا إذا اعتبرنا بأن المشرع كان يستحضر بأن القاضي المكلف بشؤون القاصرين هو نفسه القاضي الذي سيبت في النزاع الأسري، وهذا ما لايتحقق في كثير من الحالات.
المبحث الثالث : معوقات تحقيق الغايات والأهداف
لما تبين للمشرع المغربي أهمية الصلح كوسيلة أساسية في تحقيق الصلح بين أفراد الأسرة المغربية ، اعتمده كإجراء مسطري جوهري،وذلك للتقليل من الطلاق والتطليق بصفة عامة، والعمل على جمع شمل الأسرة وحمايتها من الفرقة والشتات.
وهذا بلاشك أهداف نبيلة، لكن الواقع يؤكد غير ذلك . فإذا استعرضنا الإحصائيات الرسمية لسنة 2010نجد أن نسبة الصلح في التطليق تعدل 10في المائة (10)، اما في الإذن بالإشهاد على الطلاق فلا يتجاوز 6.7في المائة وذلك على الصعيد الوطني.
إذن ما هي العوائق ؟ وما هي مقترحات الحلول ؟
المطلب الأول :العوائق التطبيقية
يمكن إرجاع هذه العوائق إلى عدة أسباب منها:
الفقرة الأولى : أسباب ثقافية وإجتماعية
تتمثل هذه الأسباب في :
أ ـ غياب الفهم الصحيح لمقتضيات مواد مدونة الأسرة بحث غلب التفسير الشعبي للمدونةعن الثقافة القانونية الحقيقية، وهي مسؤولية تتحملها بالدرجة الأولى وسائل الإعلام المتنوعة.
ب ـ انتفاء ترسيخ ثقافة الحلول البديلة في حل المنازعات الأسرية ، بدعوى أنها لا تجدي في مثل هذه الحالات وخاصة بعد تدخل أفراد الإسرة بشكل سلبي في الخصومات الأسرية.
ج ـ تراجع دور المؤسسات التقليدية ـ والتي أشرنا إليها سلفا ـ في القيام بالصلح بصفة عامة والأسري بصفة خاصة.
د ـ وجود ظواهر إجتماعية جد معقدة ترسخ النزاع القائم بين الزوجين ( كالفقر ، والبطالة ، وتناول المخدرات و زنا المحارم و ظاهر العنف الأسري ، وغياب التواصل بين أفراد الأسرة الواحدة مثلا...مما يصعب من مهمة المكلفين بالصلح.
الفقرة الثانية : أسباب قانونية وقضائية
يمكن إجمال هذه الأسباب في ما يلي:
أ ـ أن المشرع المغربي لم يحدد بدقة صفة الحكمين وكذا الشروط التي ينبغي أن تتوفر فيهما كالعدالة والإستقامة والتجربة في المجالين الإجتماعي والأسري، ثم معرفة القراءة والكاتبة لكونهما مكلفان بتحرير ثلاثة تقارير ترفع إلى المحكمة التي ستبت في النزاع ـ كما ذكرنا سلفا ـ .
مما يتعذر في كثير من الأحيان العثور على الحكمين لتكليفهما بهذه المهمة .
ونفس الشيء يقال عن مجلس العائلة الذي ولد ميتا بنص القانون كما أشرنا.
ب ـ إسناد مهمة الصلح إلى الهيئة الجماعية مع أن الأمر كان يقتضي أن يتولى الصلح القضاء الفردي ، وبقدر ما يعطينا هذا القضاء ضمانات في صدور حكم نزيه وعادل بقدر ما لايضمن لنا صلحا أكيدا بين الزوجين ، ولأن أحد الزوجين أو هما معا قد يتجرأ على إفشاء أسباب النزاع أمام قاض واحد ، وقد لايفعلان ذلك أمام هيئة جماعية .
ومما يلاحظ على هذه المسطرة بالذات والتي تتم في غرفة المشورة وتضم إلى جانب رئيس الجلسة والمستشارين وكاتب الضبط ، وفي أحيان كثيرة هيئة الدفاع ، مع أن هذه الأخير لها صلاحية إجراء الصلح بين الطرفين داخل مكاتبها وقبل عرض النزاع على القضاء أو حتى بعد عرضه ، لكن تواجد المحامي في جلسة الصلح ليس له من مبرر قانوني. ولهذا لابد من التمييز بين جلسة إجراء الصلح وجلسة مناقشة القضية التي للمحامي كامل الصلاحية في الإنتصاب فيها والدفاع عن موكله.
والفقرة الأولى من المادة 82 من مدونة الأسرة صريحة في أن المعتمد في جلسة الصلح حضور الطرفين والشهود ـ إن وجدوا بطبيعة الحال ـ ومن ترى المحكمة فائدة في الإستماع إليه .
وبمفهوم المخالفة فالدفاع غير مخول في الحضور إلا إذا رأت المحكمة أنه من الأفيد الإستماع إليه وليس الترافع عن أي طرف.
ولهذا ندعو هيئة الدفاع ـ التي نكن لها كل التقديرـ أن تساعد القاضي المقرر ـ كما هو معتمد الآن وهو الأصل ـ في إجراء محاولة الصلح حتى إذ فشل في ذلك حق للدفاع أن يرافع عمن يشاء.
ج ـ القاضي المكلف بمحاولة الصلح بين الزوجين لا يمنح الوقت الكافي لإجراء هذه المهمة،إما لعدم تفرغه لذلك ، وإما لتنوع القضايا التي يبت فيها،أولكثرة الملفات المتعلقة بفصم العلاقة الزوجية،وبالتالي لا يعطي المهلة اللازمة للغوص في أسباب النزاع المؤدية إلى الشقاق،فيكتفى في الغالب الأعم بسؤال الطرفين عن إمكانية الصلح من عدمه،ويغلب الثاني على الأول في كثير من الجلسات.
المطلب الثاني : المقترحات لتجاوز المعوقات
لاشك أن مدونة الأسرة أعطت لقضاء الأسرة سلطات واسعة وجدة متقدمة عما كان عليه الأمر في مدونة الأحوال الشخصية ،لكن،ومع ذلك فإن الممارسة العملية أبانت عن ثغرات أعاقت هذا القضاء عن أداء مهمته وخاصة ما يتعلق بمسطرة الصلح بين الزوجين،حيث أصبح إجراء روتينيا لايرجى منه نفع.
ولهذا ومن أجل أن تكون مسطرة الصلح الأسري في الطلاق والتطليق ذات فعالية ونتائج مرجوة نقترح ما يلي :
1/تخصيص محكمة خاصة بقضاء الأسرة ومنحها كافة الوسائل المادية والمعنوية لأجل التصدي لأغلب مشاكل الأسر المغربية.
2/وفي انتظار تحقيق هذا المطلب ، يمكن تخصيص قاض أو عدة قضاة متخصصين في القضاء الأسري ومنحهم التفرغ الكامل لمثل هذا التخصص،بعد تكوينهم تكوينا معمقا في قضايا الأسرة وخاصة في طريقة فض النزاعات الأسرية.
3/ضمان مكافأة مادية أو معنوية للقاضي المكلف بالصلح عن كل ملف نجح في تحقيقه بين الطرفين،لكون لايعقل أن يتساوي الفشل والنجاح وخاصة في الصلح الأسري.
4/لابد من تخفيف الضغط على قسم قضاء الأسرة،وذلك بتفعيل دور جميع المؤسسات التي يمكن أن تساعد على تحقيق هذا المبتغى وخاصة هيئة المحامي والمجالس الجهوية للعدول والمجالس العلمية المتواجدة في جميع أقاليم المملكة،وبالأخص بعدأن انضم إليها مجموعة من العالمات لهن من التجربة الأسرية ما يمكنهن من تحقيق الصلح بين الزوجين المتخاصمين.
5/إشراك المجتمع المدني بصفة عامة،والجمعيات المدنية التي لها إهتمام بالطفل والأسرة بصفة خاصة،للقيام بحملات التوعية الأسرية مع إصدار تشريع ينظم هذه المهمة.
وفي الأخير إذا كانت الأمة المغربية بصفة عامة والمتخصصون بصفة خاصة قد ابتهجوا لصدورمدونة الأسرة، فإن مرور ثماني سنوات من وضعها حيز التنفيذ أبان عن بعض القصور في الميدان العملي، وخاصة في الصلح الأسري مما يحتم على المشرع المغربي الإنصات إلى القضاء المغربي و العمل على إصلاح هذا الخلل.
الهوامش:
(1 )سورة الحجرات الآية 10.
(2 )سورة الأنفال الآية 1.
(3 )سورة النساء الآية 127.
(4 )سورة النساء الآية 35.
(5 )بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.74.399الصادر بتاريخ 16يوليوز 1974.
(6 )وخاصة المادة 26 من نفس الظهير الملغى بمقتضى القانون رقم 07.11 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.15 المؤرخ في 14 ربيع الأول 1432 الموافق 18فبراير 2011 والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 5923 بتاريخ 07مارس 2011.
(7 )محمد ابن معجوز أحكام الأسرة في الشريعة الإسلامية طبعة مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء الطبعة الثالثة 1990 ص 214
(8 )محمد الكشبور قانون الأحوال الشخصية طبعة مطبعة النجاح الجديدة الطبعة الثانية 1994 ص 267.
(9 )والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 5223 بتاريخ 03جمادى الأولى 1425 الموافق (11يونيو 2004).
(10 )وهي منشورة بالبوابة الإلكترونية لوزارة العدل والحريات المغربية.