مقدمــــــة:
تتألف محاكم الاستئناف عملا بمقتضيات الفصل 6 من ظهير التنظيم القضائي لسنة 1974 من عدة غرف، تختلف بحسب نوع القضايا المعروضة عليها ( مدنية ، جنائية ، جنحية ، عقارية...)، وما يهمنا في هذا التقسيم، الغرف التي تتولى النظر في المسائل الجنائية عملا بقانون المسطرة الجنائية الحالي والذي حل محل ظهير 10/02/1959 وظهير الإجراءات الانتقالية لسنة 1974 ، وهي تتحدد في غرفة الجنايات الابتدائية، غرفة الجنايات الاستئنافية، غرفة الجنح الاستئنافية، وأخيرا الغرفة الجنحية لمحكمة الاستئناف.
وتجد هذه الغرفة جذورها في غرفة الاتهام التي أتى بها ظهير 10/02/1959 والتي كانت تلعب دورا كبيرا على مستوى التحقيق الإعدادي باعتبارها درجة ثانية من درجاته ، حيث كان لها وحدها إعداد صك الاتهام وكذا تطهير مسطرة التحقيق الإعدادي من كل ما من شأنه أن يلحق بها البطلان، فأتى ظهير الإجراءات الانتقالية فغير اسمها من غرفة الاتهام إلى الغرفة الجنحية، وجعل منها آلية لمراقبة أعمال المحاكم الابتدائية عن طريق تخويلها النظر في الاستئنافات التي ترفع ضد الأحكام التي تصدرها المحاكم الابتدائية في الجنح و المخالفات القابلة للاستئناف، وللإشراف على سلامة عمليات التحقيق ومراقبة أعماله فيما يعرض عليها من طعون في قرارات قضاة التحقيق[1] .
غير انه بمجيء قانون المسطرة الجنائية الجديد، أصبحت هذه الغرفة جهازا قضائيا متفردا إن على مستوى تشكيله أو على مستوى اختصاصه، فأصبح نشاطها ينصب أساسا على مراقبة التحقيق الإعدادي قضاء وتأطيرا، وسلك هذا النهج باعتباره أكثر فعالية وأقوى ضمانة من غرفة الاتهام، أخذا في الحسبان انتقادات المهتمين والفاعلين القضائيين، بالإضافة إلى السعي الحثيث نحو تقوية الضمانات فيما يخص التحقيق الإعدادي.
والملاحظ أن هذا القانون الجديد خفف العبء على هذه الغرفة عما كانت عليه في ظل ظهير الإجراءات الانتقالية لسنة 1974، لما أوجد غرفة أخرى لدى محكمة الاستئناف للنظر في الاستئنافات المرفوعة ضد أحكام المحاكم الابتدائية، سماها غرفة الجنح الاستئنافية، لتنصرف جهود هذه الغرفة الجنحية للمسائل التي تتعلق بمراقبة أعمال قضاة التحقيق وما يرتبط بها دون غيرها .
ومن حيث تشكيل هذه الغرفة، ظل هذا القانون الجديد متمسكا بمبدأ ثلاثية التشكيلة في الغرفة الجنحية، فنص على أن الغرفة المذكورة تتشكل من رئيس ومستشارين اثنين، وأسند رئاستها للرئيس الأول لمحكمة الاستئناف خلافا لما كان عليه الأمر في قانون 1959 الذي لم يحدد صفة رئيس غرفة الاتهام، حيث كان يعين كباقي الأعضاء من طرف الجمعية العامة للمحكمة، كما أن ظهير الإجراءات الانتقالية هو الآخر لم يتحدث عن كيفية تعيين رئيس الغرفة الجنحية وترك ذلك للجمعية العامة لمحكمة الاستئناف.[2]
ولم يقتصر اهتمام المشرع في قانون المسطرة الجنائية الجديد على إبراز صفة رئيس الغرفة الجنحية وحده، بل تعداه إلى تمثيل النيابة العامة في الغرفة الجنحية، فعهد بذلك إلى الوكيل العام للملك أو أحد نوابه حسب الفصل 232 ق م ج .
ولئن كان تشكيل هذه الغرفة يعتبر من النظام العام يترتب على عدم احترامه بطلان القرارات التي تصدرها،[3] فإن المشرع قد سعى من خلال ذلك إلى بلورة أهمية هذه الغرفة وترسيخها في منظومة التشريع الجنائي المغربي كإحدى الدعامات الأساسية لتعزيز وتقوية ضمانات المحاكمة العادلة التي حرص على تكريس مبادئها القانون المذكور.
فما هي إذن مكونات واختصاصات هذه الغرفة ؟ وهل أحسن المشرع صنعا عندما قلص اختصاصاتها بدءا من ظهير الإجراءات الانتقالية لسنة 1974 إلى غاية قانون المسطرة الجنائية الحالي ؟ وماهي الإشكالات التي تعترض أعمالها؟ كل هاته الأسئلة سنحاول الإجابة عنها في هذا العرض من خلال محورين أساسيين:
المبحث الأول: اختصاصات الغرفة الجنحية وسلطات رئيسها
المبحث الثاني: القواعد الإجرائية أمام الغرفة الجنحية
المبحث الأول: اختصاصات الغرفة الجنحية وسلطات رئيسها
بعد صدور ظهير الإجراءات الانتقالية سنة 1974، وبعد التراجع الواضح عن المكتسبات التي كانت لغرفة الاتهام في ظل ظهير 1959، كما رأينا سابقا، عاد المشرع المغربي في قانون 22-01 ليسترجع الضمانات الممنوحة للمتهم بشكل أوسع من أجل إحقاق الحق وإرساء العدالة، فأرسى صلاحيات واسعة للغرفة الجنحية تمارسها في مختلف الميادين، كما منح رئيسها سلطات متنوعة تشمل الإشراف والمراقبة، فماهي هذه الاختصاصات التي تضطلع بها الغرفة الجنحية ؟ وكيف تمارسها ؟ وأين تتجلى سلطات رئيسها؟ وما أثرها على المتهم والهيئات القضائية الأخرى؟
المطلب الأول: صلاحيات الغرفة الجنحية
طبقا للمادة 231 ق م ج ، تفصل الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف كهيئة قضائية فيما يلي :
- طلبات الإفراج المؤقت المقدمة إليها مباشرة، وفي تدابير الوضع تحت المراقبة القضائية
- طلبات بطلان إجراءات التحقيق
- الاستئنافات المرفوعة ضد أوامر قاضي التحقيق
- كل إخلال منسوب لضابط من ضباط الشرطة القضائية خلال مزاولته لمهامه
الفقرة الأولى: طلبات الإفراج المؤقت المقدمة مباشرة إلى الغرفة الجنحية، وتدابير الوضع تحت المراقبة القضائية
أولا: طلبات الإفراج المؤقت
إذا كان قاضي التحقيق يعتبر المختص مبدئيا في البت في طلبات الإفراج المؤقت المقدمة من طرف المتهم أو محاميه ،خلال مرحلة التحقيق الإعدادي،فإن هذا المبدأ ليس على إطلاقه،ذلك أن قاضي التحقيق مقيد بأجل الخمسة أيام التي يجب أن يبت داخله في طلب الإفراج وإلا رفع المتهم طلبه هذا إلى الغرفة الجنحية مباشرة التي تبت فيه داخل أجل أقصاه 15 يوما، وذلك بعد أن تقدم لها النيابة العامة ملتمسات كتابية معللة وإلا فيقع مباشرة الإفراج المؤقت عن المتهم ما لم يكن هناك إجراء إضافي للتحقيق[4].
وبذلك يكون المشرع قد كرس من خلال هذا الإجراء أحد المبادئ الأساسية التي تضمنها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والذي يقرر بأن لكل شخص حرم من حريته بالتوقيف والاعتقال، حق الرجوع إلى المحكمة التي تفصل دون تأخير في قانونية اعتقاله، وتأمر بالإفراج عنه إذا كان الاعتقال غير قانوني[5] .
ثانيا: تدابير الوضع تحت المراقبة القضائية
من المعلوم أن قانون المسطرة الجديد تبنى هذه التدابير كوسيلة بديلة عن الاعتقال الاحتياطي لاعتبارات حقوقية تفاديا للأضرار التي يمكن أن تلحق بالمشتبه فيه وهو لم يصدر في حقه بعد أية عقوبة ،وتتمثل هذه الوسيلة في إمكانية الاكتفاء بوضع المتهم تحت المراقبة القضائية كإجراء يخضع من خلاله المتهم لبعض الالتزامات التي يفرضها عليه قاضي التحقيق طبقا للفصلين 160 و 161 ق م ج ،إلا أنه يبقى مع ذلك تدبيرا استثنائيا ، لذلك أجاز المشرع للنيابة العامة والمتهم حق استئناف الأمر الصادر بشأنه أمام الغرفة الجنحية خلال اليوم الموالي لصدوره،والتي ينبغي عليها أن تبت فيه داخل أجل خمسة أيام من تاريخ الإحالة.[6]
الفقرة الثانية : طلبات بطلان إجراءات التحقيق
يعتبر نظام البطلان ضمانة أساسية أقرها القانون في سبيل حماية المشروعية المتعلقة بإجراءات أوامر قاضي التحقيق ، كما أن البطلان يشكل في ذات الوقت الجزاء المقرر قانونا عند خرق حقوق الدفاع ، ولقد رتب المشرع على خرق هذه القواعد والضمانات المقررة لفائدة كل من المتهم والطرف المدني خلال مرحلة التحقيق الإعدادي ، بطلان إجراءات التحقيق.
أولا: من له الحق في طلب البطلان
أجازت المادة 211 ق م ج لكل من قاضي التحقيق والنيابة العامة والمتهم والطرف المدني ، تقديم الطلب بأبطال أي إجراء من إجراءات التحقيق.فإذا جاء طلب الإبطال بمبادرة من قاضي التحقيق فعليه أن يحيل الإجراء إلى الغرفة الجنحية بعد أن يستشير النيابة العامة ويشعر المتهم والطرف المدني،أما إذا كان طلب الإبطال صادرا عن النيابة العامة أو المتهم أو الطرف المدني، فلهم أن يطلبوا من قاضي التحقيق توجيه ملف القضية إلى النيابة العامة لإحالته على الغرفة الجنحية رفقة الطلب الذي يتضمن أسباب البطلان وذلك خلال خمسة أيام.[7]
وتقوم الغرفة عقب الإحالة بالنظر في صحة الإجراء المذكور،وتقرر الجزاء الواجب،فإذا اكتشفت بأنه لم يقع وفقا للقانون،صرحت ببطلانه.وقد يقتصر البطلان على إجراء معين وقد يمتد إلى ما يليه من الإجراءات كلا أو بعضا.[8]
ثانيا: حالات البطلان
تتنوع حالات البطلان بين حالات قانونية يرتكز فيها البطلان على خرق قواعد حددها المشرع وأوجب احترامها تحت طائلة البطلان،وأخرى تتعلق بخرق حقوق الدفاع المخولة للأطراف.
- حالات البطلان القانوني: نصت على هذه الحالات المادة 210 ق م ج وهي تنحصر فيما يلي:
- عدم إشعار المتهم عند مثوله لأول مرة أمام قاضي التحقيق وقبل استنطاقه بحقه في اختيار محام لمؤازرته،فإن لم يستعمل حقه في الاختيار،عين له قاضي التحقيق محاميا بناء على طلبه ليؤازره (المادة 134)
- عدم إشعار المتهم بالأفعال المنسوبة إليه (المادة 134)
د- عدم ذكر موجبات الاستعجال إذا قرر قاضي التحقيق استنطاق المتهم فورا أو إجراء مواجهة (المادة 135)
هـ - عدم الاستجابة لطلب المتهم الذي كان تحت الحراسة النظرية أو لطلب دفاعه الرامي إلى إخضاعه لفحص طبي (المادة 134)
و – الاستماع للمتهم والطرف المدني أو مواجهتهما دون حضور دفاعهما أو بعد استدعائه بصفة قانونية أو تنازل أحد الطرفين أو كلاهما صراحة عن ذلك (المادة 139)
ز – عدم احترام القواعد والضوابط المتعلقة بالتفتيش سواء الذي يجريه ضباط الشرطة القضائية أو قاضي التحقيق (المواد 59 – 60 – 62 – 101)
تبقى الإشارة إلا أن هذه القواعد قد عددها المشرع على سبيل الحصر في المادة 210 وهي ضمانات أساسية لفائدة المتهم أو الطرف المدني،وبالتالي فإن عدم احترامها يؤدي إلى بطلان الإجراء المعيب،ويبقى للغرفة الجنحية حق تقدير ما إذا كان البطلان يقتصر على الإجراء المعيب وحده أم يمتد إلى الإجراءات الموالية له كلا أو بعضا طبقا للمادة 211 .
- حالات البطلان القضائي: وهو ما نصت عليه المادة 212 حين تحدثت عن خرق المقتضيات الجوهرية للمسطرة،[9] إذا كانت نتيجتها المساس بحقوق الدفاع لكل طرف من الأطراف لأن مبدأ المحاكمة العادلة مرتبط بحق المتهم في الدفاع كما توجب ذلك المواثيق الدولية،[10] ومن أمثلة هذه المقتضيات الجوهرية التي لها مساس بحقوق الدفاع :
- إحالة المتهم على المحاكمة قبل استنطاقه، فالاستنطاق يعطي للمتهم الفرصة للدفاع عن نفسه ولا يمكن إحالته من طرف قاضي التحقيق على المحكمة قبل إعطائه تلك الفرصة ما لم يكن في حالة فرار.
- عدم تبليغ الأوامر القضائية التي يصدرها قاضي التحقيق للأطراف المعنية، فالتبليغ يفسح المجال للمعنيين بالأمر من أجل ممارسة حقهم في الطعن فيها بالاستئناف.
ثــالثــا: آثــــــار البطلان
إذا قررت الغرفة الجنحية بطلان إجراء بسبب خرقه للمقتضيات المنصوص عليها في المواد من 210 إلى 212 ق م ج ، فإنه يعود لها تقرير ما إذا كان البطلان يقتصر على الإجراء وحده أم يسري على الإجراءات الموالية. ومع ذلك يجوز لكل من المتهم والطرف المدني التنازل عن ادعاء البطلان المقرر لفائدتهما، ويشترط أن يكون هذا التنازل صريحا،ولا يقبل تنازل المتهم إلا بحضور محاميه وبعد استدعائه قانونا ويعرض هذا التنازل على الغرفة الجنحية من أجل المصادقة عليه.
والجدير بالذكر أن المقرر المحال على الغرفة بغاية إبطاله،إذا ما أيدته الغرفة أصبح ساري المفعول ويؤدي جميع آثاره القانونية (المادة 240)،على أنه لا يجوز الدفع ببطلان إجراءات التحقيق بعد صدور قرار الغرفة الجنحية المتعلق بالإحالة على هيئة الحكم.[11]
غير أن مقتضيات المادة 227 قاصرة على الحالة التي يكون فيها قرار الإحالة صادرا من الغرفة،أما إذا كان صادرا عن قاضي التحقيق فلا شيء يمنع من الدفع بالبطلان أمام هيئة الحكم،على اعتبار أن الطرف المعني لم تتح له فرصة التمسك بهذا الدفع أمام الغرفة الجنحية لكون القضية لم تحل على هذه الغرفة.
وبالرجوع للمادة 239 فإن الغرفة الجنحية عندما تقرر بطلانا جزئيا لإجراءات التحقيق فإنها ترجع الملف إلى نفس قاضي التحقيق أو قاضي تحقيق آخر لمتابعة الإجراءات أو تأمر بإجراء تحقيق تكميلي بواسطة أحد أعضائها أو قاض للتحقيق تنتدبه لهذه الغاية،أما في حالة الإبطال الكلي للمسطرة فإذا ثبت للغرفة أن المسطرة كانت معيبة منذ بدايتها أحالتها على النيابة العامة لتتخذ في شأنها ما تراه مناسبا وتقرر في نفس الوقت في شأن الاعتقال الاحتياطي أو المراقبة القضائية.
كما يترتب على البطلان وجوب سحب وثائق الإجراءات التي أبطلت من ملف التحقيق على أ، تحفظ الوثائق المسحوبة في كتابة الضبط بمحكمة الاستئناف،ويمنع الرجوع إليها لاستخلاص أدلة ضد أطراف الخصومة،وذلك تحت طائلة متابعات تأديبية في حق القضاة والمحامين.[12]
الفقرة الثالثة: الفصل في الاستئنافات المرفوعة ضد أوامر قاضي التحقيق
يعتبر الطعن بالاستئناف في أوامر قاضي التحقيق وسيلة لتدارك الأخطاء محتملة الوقوع وما قد يترتب عنها من مخاطر ،كما أنه وسيلة لبسط الرقابة على سلامة الإجراءات التي باشرها قاضي التحقيق،[13] و قد خول المشرع لجميع المترافعين حق الطعن بالاستئناف و تختلف الأحكام و الإجراءات والآثار القانونية للاستئناف باختلاف الجهة التي تقدمه.
أولا : الاستئناف المرفوع من طرف النيابة العامة
طبقا للمادة 222 ق م ج فإن للنيابة العامة الحق في أن تستأنف لدى الغرفة الجنحية كل أمر قضائي يصدره قاضي التحقيق باستثناء الأوامر الصادرة بإجراء خبرة طبقا لمقتضيات المادة 196 ، و يقدم هذا الاستئناف في شكل تصريح إلى كتابة الضبط بالمحكمة التي يوجد بها قاضي التحقيق و ذلك في اليوم الموالي لإشعارها بصدور الأمر.
و يبقى المتهم رهن الاعتقال إذا صدر الأمر بالإفراج المؤقت إلى حين انقضاء أجل الاستئناف ما لم توافق النيابة على الإفراج حالا، و يسري نفس الأمر بالنسبة للأمر بالوضع تحت المراقبة القضائية.
و يبقى المتهم رهن الاعتقال في حالة الطعن في الأمر بالإفراج إلى أن تبت الغرفة الجنحية في الاستئناف وفقا لمقتضيات المادة 222 ق م ج.
ثانيا : الاستئناف المرفوع من طرف المتهم
بعد أن منح المشرع للمتهم حق الطعن بالاستئناف، فإنه حصر الأوامر التي يجوز له الطعن فيها، و قد أوردتها المادة 223 كالتالي:
- الأمر بقبول المطالبة بالحق المدني (المادة 94 )
- الأمر بالإيداع في السجن (المادة 152)
- الأمر بالاعتقال الاحتياطي في الجنح و الجنايات (المادتان 176 و 177)
- الأمر برفض الإفراج المؤقت (المادة 179)
- الأمر برفض إجراء الخبرة (المادة 194)
- الأمر برفض إجراء خبرة مضادة أو تكميلية (المادة 208)
- الأمر برد الأشياء المحجوزة (المادة 216)
- الأمر بتصفية الصوائر (المادة 216)
- الأمر بنشر قرار عدم المتابعة (المادة 216)
11) الأمر بالوضع تحت المراقبة القضائية (المادة 160)
و الملاحظ أن الأمر بالإحالة والأمر برفض إخضاع المتهم للفحص الطبي لا يدخل ضمن لائحة الأوامر التي يمكن للمتهم استئنافها،[14] على عكس النيابة العامة التي لها الحق في ذلك كما رأينا ، طالما أجازت لها المادة 222 استئناف كل الأوامر باستثناء تلك الصادرة بإجراء خبرة.
ثالثا : الاستئناف المرفوع من الطرف المدني
أجازت المادة 224 للطرف المدني استئناف عدد من الأوامر الصادرة عن قاضي التحقيق و خصوصا تلك التي تمس مصالحه المدنية، و هكذا يجوز له بوجه خاص أن يستأنف أمام الغرفة الجنحية الأوامر التالية :
- الأمر الصادر بعدم إجراء التحقيق
- الأمر بعدم المتابعة
- الأمر الذي يبت في الاختصاص
- الأمر الذي يرفض إجراء خبرة أو خبرة مضادة أو تكميلية
و تقوم الغرفة الجنحية عقب الإحالة باتخاذ الإجراءات اللازمة للبت في الاستئناف داخل الأجل المحدد لها بحسب الحالة المعروضة عليها، و قد نصت المادة 226 على أنه إذا كان الأمر القضائي المستأنف لا يتعلق بانتهاء التحقيق فلقاضي التحقيق أن يواصل تحقيقه ما لم تصدر الغرفة الجنحية مقررا بخلاف ذلك. و تظل صلاحيات هذه الغرفة محصورة في حدود الأثر الناشر للاستئناف عند البت في الاستئناف و تفحص بعض الإجراءات المسطرية و لكن على أن تكون مرتبطة مع الإجراء موضوع الطعن،[15] و إذا أصدرت قرارها بتأييد أمر قاضي التحقيق و بالإحالة على هيئة الحكم، فإن ذلك يطهره من جميع الشوائب و لا يجوز إثارة أي إخلال بشأنه بعد ذلك طبقا للمادة 227 ق م ج.
الفقرة الرابعة: الإخلالات المنسوبة لضباط الشرطة القضائية
لئن كانت النيابة العامة هي التي تشرف على أعمال الشرطة القضائية و تسير البحث التمهيدي، فإن قانون المسطرة الجنائية نص على مراقبة الغرفة الجنحية لأعمال ضباط الشرطة القضائية حسب المادة 29 خاصة فيما يخص الإخلالات المنسوبة إليهم أثناء مزاولتهم لمهامهم المادة 231 و تسري هذه المقتضيات على جميع الموظفين و الأعوان الذين تخولهم نصوصا خاصة ممارسة بعض مهام الشرطة القضائية.
أولا: دور الوكيل العام للملك
إن الوكيل العام للملك كلما تبين له أن أحد ضباط الشرطة القضائية قد أخل بالمهام المعهود بها إليه، أحاله على الغرفة الجنحية بعد تقديم ملتمساته الكتابية، و على أساس ذلك تقوم الغرفة الجنحية بالأبحاث و التحريات اللازمة و الاستماع إلى أقوال ضابط الشرطة القضائية المنسوب إليه الإخلال الذي يتم استدعاءه للاطلاع على ملفه و تقديم دفاعه سواء بصفة شخصية أو بواسطة محام (المادة 31) وعلى ضوء ذلك تتخذ القرار الملائم.
ثانيا:العقوبات التي تصدرها الغرفة الجنحية
تتدرج العقوبات التي يمكن للغرفة الجنحية اتخاذها في حق ضابط الشرطة القضائية الذي ثبت في حقه الإخلال حسب ما يلي:
- توجيه ملاحظات
ج- التجريد النهائي من مهام الشرطة القضائية (المادة 32)
و يعمل الوكيل العام للملك على تبليغ القرار الصادر في الموضوع إلى السلطة التي ينتمي إليها ضابط الشرطة القضائية المعني.
وإذا كان الإخلال المنسوب إلى ضابط الشرطة القضائية يشكل جريمة يعاقب عليها القانون ، فإن الغرفة الجنحية عندما تصدر قرارها تحيل ملف المعني على الوكيل العام للملك لاتخاذ ما يراه ملائما (المادة 33) لأن اختصاص الغرفة الجنحية لا يخولها مساءلته جنائيا.
ولعل من شأن هذا الاختصاص الموكول للغرفة الجنحية إعطاء عمل الشرطة القضائية مصداقية أكثر لأنها هي التي تتولى التحري عن الجرائم ،وتقوم بالمعاينات الأولية وجمع الأدلة وأدوات الاقتناع في حينها ، وبهذا يكون قانون المسطرة الجنائية كرس أحد المبادئ الأساسية لتقوية وتعزيز
الضمانات لحماية الحقوق والحريات،وذلك بتقوية مراقبة القضاء عبر مختلف مراحل التحقيق الجنائي.
الفقرة الخامسة : الاختصاصات الأخرى المخولة للغرفة الجنحية
علاوة على الاختصاصات المنصوص عليها في المادة 231 فإن للغرفة الجنحية اختصاصات أخرى نصت عليها مواد أخرى:
أولا: البت في الملتمسات الرامية إلى سحب قضية من قاضي التحقيق وإحالتها على قاض آخر للتحقيق ضمانا لحسن سير العدالة (المادة 91).
ثانيا: إصدار مقرر بإيقاف التحقيق أثناء النظر في استئناف أمر قضائي(المادة 226)
ثالثا: البت في طلبات رد الاعتبار ( المادة 700 )
المطلب الثاني : سلطات رئيس الغرفة الجنحية
طبقا للتنظيم القضائي المغربي،يمارس الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف مراقبة على جميع قضاة الأحكام العاملين بمحكمته وبالمحاكم الابتدائية التابعة لها ، وقد أوكل إليه قانون المسطرة الجنائية[16]، بصفته رئيسا للغرفة الجنحية، سلطات خاصة تتمثل فيما يلي :
الفقرة الأولى : الإشراف على سير التحقيق الإعدادي
تبنى المشرع المغربي نظام ثنائية التحقيق في المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف،وهو ما سيزيد من عدد مكاتب التحقيق بدائرة نفوذ محكمة الاستئناف ، وقد أناط برئيس الغرفة أو من ينوب عنه التحقق م حس سيرها وهو إشراف ذو طابع إداري من شأنه تعزيز المراقبة القضائية التي تقوم بها الغرفة الجنحية لهيئة قضائية على أعمال التحقيق.
وحسب المادة 248 فإن سلطة الإشراف هذه تتجلى في الأمور التالية:
- يتأكد رئيس الغرفة الجنحية من حسن سير إجراءات التحقيق المتبعة بمكاتب التحقيق الموجودة بالمحاكم الابتدائية وبمحكمة الاستئناف ويعمل على ألا تتأثر تلك الإجراءات بأي تأخير غير مبرر.
- توجه مكاتب التحقيق إلى رئيس الغرفة الجنحية والنيابة العامة كل ثلاثة أشهر لائحة بجميع القضايا الرائجة مع الإشارة إلى تاريخ تنفيذ آخر إجراء من إجراءات التحقيق.
- يضع رئيس الغرفة أو من ينوب عنه تقريرا سنويا عن سير أعمال غرف التحقيق التابعة لنفوذ محكمة الاستئناف ويوجه نسخة من التقرير للوكيل العام للملك (المادة 250).
أوكل المشرع لرئيس الغرفة الجنحية في إطار السلطات الخاصة الممنوحة له، زيارة المؤسسات السجنية التابعة لدائرة نفوذه، كلما رأى ذلك ضروريا، و مرة على الأقل كل 3 أشهر يراقب خلالها حالة المتهمين الموجودين في حالة اعتقال احتياطي، و يمكنه أن يطلب من قضاة التحقيق كل البيانات الخاصة بوضعية بعض المعتقلين، و يوجه لقضاة التحقيق التوصيات اللازمة فيما يظهر له من ملاحظات خلال زيارته لمكاتب التحقيق (المادة 249).
و غني عن البيان أن قانون المسطرة الجنائية، في إطار تعزيز مراقبة حقوق المعتقلين السجناء، أعطى هذا الحق كذلك لقضاة النيابة العامة وقضاة التحقيق و قضاة الأحداث و قضاة تطبيق العقوبات بكيفية دورية و منتظمة، علاوة على الدور الذي تقوم به اللجنة الإقليمية التي يترأسها الوالي أو العامل والتي دعم القانون الجديد تركيبتها البشرية بإشراك فعاليات المجتمع المدني.[17]
الفقرة الثالثة : الرقابة على صحة إجراءات الاعتقال الاحتياطي
بالإضافة إلى الإطار العام للمراقبة، نلاحظ أن المشرع قد أولى عناية خاصة لكيفية تطبيق مقتضيات الاعتقال الاحتياطي، و قد تأخذ هذه الرقابة التي يمارسها رئيس الغرفة الجنحية على صحة إجراءات الاعتقال الاحتياطي أحد الأشكال الآتية :
- البيان الذي يرفعه قاضي التحقيق لرئيس الغرفة الجنحية كل 3 أشهر والمتعلق بجرد القضايا الرائجة، يجب أن يشار فيه إلى لائحة القضايا المتعلقة بالمتهمين المعتقلين احتياطيا.
- يوجه رئيس الغرفة الجنحية لقاضي التحقيق، التوصيات اللازمة إذا ظهر له أن الاعتقال لا مبرر له، و ذلك وفقا للفقرة الثالثة من المادة 249 .
و في الأخير نعتقد أن سلطات رئيس الغرفة الجنحية إذا استعملت بما يلزم من الشجاعة والتروي و اللباقة، من شأنها أن تلعب دورا ملطفا مرغوبا فيه لتحسين الظروف التي ينجز فيها التحقيق الإعدادي و على الخصوص بالنسبة للمتهمين المعتقلين.[18]
المبحث الثاني القواعد الإجرائية أمام الغرفة الجنحية
إن اقتضاء حق الدولة في العقاب يمر بعدة مراحل إجرائية تبتدئ بالبحث في الجرائم وجمع الأدلة عنها وتعقب مرتكبيها ثم متابعتهم أمام القضاء لإصدار الحكم بحقهم أو تبرئة ساحتهم ثم تنفيذ الحكم.
ولا مراء في أن المرحلة التي تصل فيها الخصومة الجنائية أمام الغرفة الجنحية تعد من أهم المراحل حساسية للمتهم والعدالة عموما، لذلك فقد أحاطها المشرع بمجموعة من الضمانات والإجراءات إحقاقا للحقوق وضمانا للسير الحسن للعدالة الجنائية.
وتتسم المسطرة أمام الغرفة الجنحية بالسرعة في الإنجاز، وقراراتها تطهر إجراءات التحقيق الإعدادي مما قد يشوبها من عيوب، لذا سنعمل على تقسيم هذا المبحث إلى محورين أساسيين:
المطلب الأول : الإجراءات المسطرية أمام الغرفة الجنحية
تتميز المسطرة المتبعة أمام الغرفة الجنحية بالسرعة في الإنجاز من خلال تحديد آجال معينة للبث تلافيا لأن يكون عرض النزاع عليها سببا في إطالة المسطرة أو عرقلة أعمال التحقيق، وسنناقش هذا المطلب من خلال الفقرات التالية:
الفقرة الأولى : اجتماع الغرفة الجنحية
الفقرة الثانية : إحالة القضية على الغرفة الجنحية
الفقرة الثالثة: التحقيق التكميلي
الفقرة الأولى : اجتماع الغرفة الجنحية
تعقد الغرفة الجنحية جلساتها بدعوة من رئيسها أو بناءا على طلب من الوكيل العام للملك، كلما اقتضت الضرورة ذلك، و يتولى الوكيل العام للملك تهيئ القضية و إحالتها رفقة ملتمساته إلى الغرفة الجنحية في ظرف خمسة أيام من توصله بالملف.
وتعقد هذه الجلسات في غرفة المشورة، التي تكون جلساتها سرية لطبيعة القضايا المعروضة عليها و ما تقتضيه من سرية لارتباطها بالتحقيق و ذلك بحضور ممثل النيابة العامة و كاتب الضبط.
الفقرة الثانية : إحالة القضية على الغرفة الجنحية
تحال القضايا على الغرفة الجنحية بواسطة النيابة العامة بعد تهييئها داخل أجل خمسة أيام من تاريخ توصلها بالملف من طرف قاضي التحقيق ( المادة 234 من ق.م.ج )، و فور توصل كتابة الضبط بملف الطعن تفتح له ملفا بالغرفة و تضمنه بالسجلات المعدة لهذه الغاية ثم تحيله على الرئيس الأول لتعيين المستشار المكلف الذي يقوم بدراسة القضية و إعداد تقرير في الموضوع.
و يجوز للأطراف أو دفاعهم الإطلاع على الملف المتضمن لملتمسات الوكيل العام للملك، كما يمكنهم تقديم مذكرات تطلع عليها النيابة العامة و باقي الأطراف، و تودع المذكرات المذكورة بكتابة ضبط محكمة الاستئناف و يؤشر عليها كاتب الضبط مع تسجيل تاريخ إيداعه لديه.
و إذا كانت الغرفة تعقد مبدئيا جلساتها دون حضور الأطراف، فيمكنها إذا ما ارتأت أن حضورهم سيكون مفيدا في القضية أن تأمر بحضورهم شخصيا و الاستماع إليهم للدفاع عن مصالحهم.
الفقرة الثالثة: التحقيق التكميلي
إذا كان نشاط الغرفة الجنحية يرتكز أساسا على الفصل في الطعون المتعلقة بالقرارات التي يصدرها قضاة التحقيق، فإنها قد تقرر على ضوء ذلك إجراء تحقيق تكميلي بناء على ملتمس النيابة العامة أو بطلب من أحد الأطراف أو تلقائيا، و هو في جميع الأحوال إجراء غير إجباري، و لا يكون مجديا إلا إذا كانت إجراءات التحقيق قد انتهت و ظهرت الحاجة إلى المزيد من التمحيص و التحري بشأن بعض الوقائع.
و التحقيق التكميلي قد تسنده الغرفة الجنحية إما لأحد أعضائها و غاليا ما يكون المستشار المكلف بالقضية، أو إلى القاضي المكلف بالتحقيق أو تنتدب قاضيا آخر للتحقيق للقيام بذلك.
هذا و تجدر الإشارة إلى أن القاضي الذي عهد إليه بالتحقيق التكميلي يتمتع بصلاحيات قاضي التحقيق بأكملها، إذ بإمكانه إصدار جميع الأوامر التي تساعده على القيام بمهمته، باستثناء البت في طلبات الإفراج المؤقت الذي يبقى من اختصاص الغرفة مجتمعة ( لأنه لا يستمد سلطات الهيئة )، كما أن عليه أن يراعي في عمله الشكليات و القيود المفروضة على قاضي التحقيق.
المطلب الثاني قرارات الغرفة الجنحية وطرق الطعن ضدها
لا مراء في أن الصلاحيات التي تضطلع بها الغرفة الجنحية والسلطات التي يتمتع بها رئيسها كما رأينا سابقا، تظهر في الواقع العملي في شكل قرارات تصدر عن هذه الهيئة وهي مشكلة من رئيس ومستشارين وممثل النيابة العامة وكاتب الضبط، وسواء صدرت أثناء سير التحقيق الإعدادي أو بعد إنهائه، فإنها تبقى مبدئيا عرضة لمختلف أنواع الطعون كما سنتناول ذلك بالتفصيل من خلال هذا المطلب.
الفقرة الأولى : قرارات الغرفة الجنحية :
تتخذ الغرفة الجنحية في إطار الاختصاصات المخولة إياها، عدة قرارات، نذكر من بينها ما يلي:
1 – القرار بإجراء تحقيق تكميلي
أجازت المادة 238 من ق.م.ج تلقائيا أو بطلب من الوكيل العام للملك أو المتهم أو الطرف المدني، أن تأمر بإجراء بحث تكميلي كلما ارتأت أن ذلك مفيد لإظهار الحقيقة بتولي هذا التحقيق أحد أعضاء الغرفة الجنحية، أو قاضي التحقيق الإعدادي خلال قيامه بالتحقيق التكميلي، و في هذا السياق يجوز للقاضي المكلف بالتحقيق التكميلي أن يصدر كافة الأوامر، و يستثنى من ذلك البث في الإفراج المؤقت الذي يبقى من اختصاص الغرفة و ذلك وفق الشروط المنصوص عليها في المادة 180 من ق.م.ج، وعندما ينتهي التحقيق التكميلي فإن الغرفة تأمر بإيداع نتائجه بكتابة الضبط بمحكمة الاستئناف.
2 – القرار ببطلان إجراءات التحقيق
عندما يرفع للغرفة الجنحية طلب بإبطال إجراء من إجراءات التحقيق فإنها تصرح فيما إذا كان ذلك الطلب مبني على أساس فتقرر بطلان الإجراء المعيب و إن اقتضى الحال بطلان الإجراءات التي تليه كلا أو بعضها و ذلك وفقا للمادة 211 من ق.م.ج، و يوجه قاضي التحقيق طلب الإبطال المقدم من طرف الأطراف إلى الغرفة الجنحية خلال خمسة أيام من توصله بالطلب الذي يجب أن يتضمن أسباب البطلان.
و إذا قررت الغرفة الجنحية الإبطال الكلي للإجراءات لكونها معيبة منذ انطلاقها فإنها تحيل القضية على النيابة العامة التي تتخذ ما تراه ملائما، و في هذه الحالة تبث الغرفة الاجتماعية في الاعتقال الاحتياطي و الوضع نحن المراقبة القضائية.
3 – القرار بعدم اختصاص قاضي التحقيق
يجوز للغرفة الجنحية أن تقرر بأن قاضي التحقيق غير مختص و ذلك عندما يرفع إليها طلبا بذلك من المترافعين، وفي هذه الحالة عليها أن تعين هيئة الحكم أو التحقيق المختصة بالنظر في القضية.
4- القرار بتأييد أو إلغاء الأمر بعدم المتابعة
يجوز للغرفة الجنحية عندما يطعن أمامها في أمر قاضي التحقيق، القاضي بعدم المتابعة، أن تؤيد هذا الأمر، وتصدر بشأنه قرارا بالتأييد ( المادة 240 من ق.م.ج )، كما يجوز لها أن تقرر إلغاء الأمر بعدم المتابعة، وفي هذه الحالة، عليها أن تأمر بإحالة القضية إما على المحكمة الابتدائية، إذا تبين لها بأن الأفعال تكون مخالفات أو جنح، أما إذا تبين لها بأن الأفعال تتصف بصفة الجناية، فإنها تأمر بإحالتها على غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف، ونفس الشيء إذا تعلق الأمر بالجنح والمخالفات التي لا تقبل التجزئة أو تلك المرتبطة بالجناية.
5-قرار الإحالة على غرفة الجنايات
إذا ارتأت الغرفة الجنحية إلغاء الأمر بعدم المتابعة، أو بتأييد الأمر بالمتابعة في الجنايات، فإنها تصدر قرارا بالإحالة على الغرفة الجنائية، ويجب أن يتضمن هذا القرار، تحت طائلة البطلان، بيانا بالأفعال المنسوبة للمتهم، ووصفها القانوني، والنصوص المطبقة، ويجوز للغرفة الجنحية أن تأمر في نفس قرار الإحالة، بإيداع المتهم في السجن أو بإلقاء القبض عليه.
ونشير في الأخير إلى أن جميع القرارات التي تصدرها الغرفة الجنحية، يجب أن يوقعها الرئيس وكاتب الضبط، وتتضمن هذه القرارات أسماء القضاة، وممثل النيابة العامة، وكاتب الضبط، ويشار فيها إلى إيداع المستندات والمذكرات، وملتمسات النيابة العامة، وحضور الأطراف.
وتبت القرارات التي تنهي الدعوى، كالقرار بعدم المتابعة، في تصفية المصاريف، وتحميلها الطرف الخاسر، وتؤجل الغرفة الجنحية البث في المصاريف، إذا كان قرارها لا ينهي الدعوى، كما هو الشأن في القرار بإجراء تحقيق تكميلي.
ويجوز للغرفة الجنحية، إعفاء الطرف المدني الخاسر، من المصاريف إذا كان حسن النية. ويجوز أن يكون الإعفاء كليا أو جزئيا، بشرط أن يكون القرار معللا، و لا يستفيد من القرار بالإعفاء الطرف المدني الذي يكون هو الذي أثار الدعوى العمومية.
كم تبت الغرفة الجنحية عند الاقتضاء في رد الأشياء المحجوزة، ما لم تكن لازمة للدعوى أو خطيرة كالمتفجرات أو المواد السامة.
ويجب أن تبلغ قرارات الغرفة الجنحية للأطراف ومحاميهم في ظرف الأربع وعشرين ساعة من صدورها بواسطة رسالة مضمونة طبق للشروط المنصوص عليها في الفصول 37 و 38 و 39 من ق.م.م.
الفقرة الثانية : طرق الطعن ضد قرارات الغرفة الجنحية
استنادا إلى اعتبار أن الغرفة الجنحية تعتبر كقاعدة عامة، بغض النظر عن بعض اختصاصاتها المخولة لها كجهة أصلية، كما هو الحال بالنسبة للطلبات المقدمة بشأن طلبات السراح المؤقت التي لم يبت فيها قاضي التحقيق داخل الأجل القانوني وفقا للمادة 172 من قانون المسطرة الجنائية، فهي أصلا جهة استئنافية تبث في الاستئنافات المقدمة في مواجهة القرارات والأوامر الصادرة عن قاضي التحقيق، إضافة إلى تواجدها ضمن الغرفة المشكلة بمحكمة الاستئناف فإن قراراتها تكون قابلة للطعن بالنقض ولكن وفق الشروط والشكليات المقررة في المواد 522 523 و 524 من قانون المسطرة الجنائية.
وفقا لمقتضيات المادة 523، التي تعتبر الأساس للطعن بالنقض وقاعدته العامة، فإنه لا يقبل الطعن بالنقض من أي شخص إلا إذا كان طرفا في الدعوى الجنائية وتضرر من الحكم الجنائي المطعون فيه.
وبناء على المادة 524 من قانون المسطرة الجنائية، فإنه لا يمكن طلب نقض قرارات الإحالة إلى محكمة زجرية إلا مع الحكم في الجوهر، مع مراعاة مقتضيات المادة 227، ويسري نفس الحكم بالنسبة للقرارات الباتة في الإفراج المؤقت والوضع تحت المراقبة القضائية، وعليه فإن طلب النقض هو حق مضمون أصلا يمكن ممارسته، لكن مع شرط القيام به مع الحكم في الجوهر، مع الأخذ بعين الاعتبار للمقتضيات المشار إليها في المادة 227 من قانون المسطرة الجنائية، لذا كان لزاما الإشارة إلى هذه المقتضيات الأخيرة حيث نجد أن المادة المذكورة تقرر على أنه:"يمكن إثارة الدفع ببطلان إجراءات التحقيق بعد صدور قرار الغرفة الجنحية القاضي بالإحالة على هيئة المحكمة".
لذا فإنه لا يمكن أن يستند طلب نقض قرار الإحالة على هيئة الحكم الذي يستند على إثارة الدفع ببطلان إجراءات التحقيق، وذلك استنادا إلى قرار الغرفة الجنحية يظهر جميع إجراءات التحقيق من جهة وأنه كان من المتعين إثارة هذا الدفع قبل صدور قرار الإحالة أما بعده فإنه لا يمكن التشبث به طبقا للقانون.
أما بالنسبة للنقض المقدم من قبل الطرف المدني فإنه استنادا لمقتضيات المادة 525 من قانون المسطرة الجنائية لا يمكن له ممارسة هذا الحق في مواجهة قرار عدم المتابعة إلا إذا نص هذا القرار على عدم قبول تدخله في الدعوى أو إذا أغفل البث في تهمة ما.
لكن إذا كانت القرارات الصادرة عن الغرفة الجنحية بمحاكم الاستئناف تقبل النقض فهل يجوز الطعن بالتعرض ضد هذه القرارات؟[19]
لقد تناول المستشار بمحكمة الاستئناف محمد بفقير[20] هذه الإشكالية، وذلك من خلال رصده لقرارات المجلس الأعلى في هذا الصدد حيث اختلف عمل قضاء المجلس الأعلى ببلادنا في إجابته عن التساؤل المطروح أعلاه إلى اتجاهين اثنين، اتجاه قضائي أول يعتبر أن القرارات الصادرة عن الغرفة الجنحية تقبل التعرض ويمثل هذا الاجتهاد القضائي قرارا صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 19/6/2002 الذي جاء فيه :"لا وجود في قانون المسطرة الجنائية لأي نص قانوني يخول للمتهم المحال على الجهة المختصة حق التعرض على قرارات الغرفة الجنحية وهي تنظر في غرفة المشورة بمراقبة مدى مطابقة الأمر المستأنف الصادر عن قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف أو قاضي التحقيق بالمحكمة العسكرية للقانون تطبيقا للفصل 7 من ظهير الإجراءات الانتقالية والفصل 68 من قانون العدل العسكري، سيما وان هذه الغرفة غير ملزمة باستدعاء المتهمين أثناء القضاء في جلستها السرية مادام أن المشرع قد خول للمترافعين ولمحاميهم تقديم مذكرات يبلغونها للنيابة العامة وللمترافعين الآخرين وذلك إلى غاية اليوم السابق لتاريخ الجلسة بكتابة الضبط هذه الغرفة وذلك تطبيقا للفصل 239 من ق.م.ج"
وقد اعتمد هذا الاجتهاد القضائي في ما دعت إليه على المبررات التشريعية التالية:
-عدم وجود أي نص قانوني صريح بقانون المسطرة الجنائية يسمح بالطعن بالتعرض ضد القرارات الصادرة عن الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف. [21]
-عدم ضرورة استدعاء الأطراف بالجلسة السرية المتعددة بالغرفة الجنحية وذلك بالاكتفاء بتقديم مذكراتهم في الموضوع وبالتالي فإنه لا جدوى من القول بقبول القرارات الصادرة ضدهم بالتعرض مادام حضورهم بالجلسة السرية غير ضروري.
أما الاتجاه القضائي القائل بان قرارات الغرفة الجنحية تقبل التعرض فيمثله القرار الصادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 29/8/2001 الذي جاء فيه "أن العارض لم يتم استدعائه فوصفت المحكمة حكمها بأنه نهائي في حقه وهذا مخالف للقانون، إذ أن ما ذكرته المحكمة من كونها اعتبرت القضية جاهزة دون استدعائه يجعل الحكم في حقه غيابيا وبالتالي نهائي عملا بمقتضيات الفقرة الأولى من الفصل 371 من ق.م.ج".
وتطبيقا لذلك فإنه لا يسمح بالطعن عن طريق النقض إلا في الأحكام الصادرة بصفة نهائية.
ولقد اعتمد هذا الاجتهاد القضائي فيما ذهب إليه إلى أن القرارات الصادرة عن الغرف الجنحية بمحاكم الاستئناف بصفة غيابية تكون قابلة للتعرض ولا تقبل النقض لكونها غير نهائية طبقا للفصل 571 من ق.م.ج الملغى[22] "
خـــــــــاتمة:
إن دور الغرفة الجنحية ورئيسها لهو من الأهمية بمكان في ترسيخ العدالة الجنائية وضمان حقوق المتهم والأطراف المدنية،إذا استعمل بعناية وتحفظ، لأنها تتمتع بكامل الحرية في تنظيم الأعمال التي يطوقها بها القانون كيف أرادت وحسب النظام الذي تراه أكثر فعالية،فمكاتب التحقيق خاضعة لسلطة رئيسها يمكن له مراقبتها في كل وقت وحين،وضباط الشرطة القضائية تحت إمرته، بل وحتى السجون له كامل الصلاحيات في زيارتها لمراقبة أوضاع المعتقلين الاحتياطيين فيها(كما رأينا ذلك بالتفصيل من خلال هذا البحث) إلى غيرها من الاختصاصات التي ما ابتغاها المشرع إلا لتوفير أكبر قدر من الضمانات للمتهم،احتراما لحقوقه وصيانة لآدميته.
لكن الواقع العملي أبرز بشكل جلي تخبط الغرفة الجنحية في مجموعة من الإشكاليات والإكراهات التي تفرضها عوامل موضوعية أحيانا وذاتية أحيانا أخرى،فقد سلب من الغرفة الجنحية صلاحية تطهير مسطرة التحقيق من العيوب التي قد تشوبها من تلقاء نفسها، كما كان الأمر عليه سابقا بالنسبة لغرفة الاتهام، بل عليها انتظار إثارة ذلك من طرف النيابة العامة أو المتهم أو الطرف المدني، كما أن الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف نظرا لكثرة أشغاله، فإنه يهمل مهام رئيس الغرفة، حيث يتولى رئاستها إسما فقط، الشيء الذي يؤدي به إلى تعيين رئيس غرفة أو مستشار للنيابة عنه،فيكون هذا الأخير خالي الذهن مما يروج بالغرفة، ولا يمكنه تبعا لذلك مراقبة مكاتب التحقيق، زيادة على أن هذه الحالة تؤدي إلى مناقشات سطحية في القضايا بين الهيئة التي كثيرا ما تكتفي بنقل قرار قاضي التحقيق وتبني حيثياته في قرارها.
كما أن ملتمس الوكيل العام للملك يكون في غالب الأحيان عبارة عن صورة لملتمسات وكيل الملك، وفي المقابل، ينبغي للغرفة ألا تتهاون في استعمال السلطة المخولة لها ، وذلك بإجراء كل التحريات التكميلية التي تراها ضرورية علاوة على اتخاذ كامل المسؤولية بخصوص الإحالة على المحاكم الجنائية وذلك بإصدار قرار عدم المتابعة إذا ما ارتأت أن الأعمال غير قائمة وأن الحجج تبدو غير كافية .
الهوامش
الفصل 6 من مرسوم رقم 498.74.2 بتاريخ 16 يوليوز 1974 المتعلق بالتنظيم القضائي [2]
[3] أنظر قرار المجلس الأعلى عدد 557 بتاريخ 8 ماي 1969 منشور بمجموعة قرارات المجلس الأعلى في المادة الجنائية 1986-1966 ص 404
المادة 179 ق م ج المحال عليها في المادة 231 [4]
شرح قانون المسطرة الجنائية – الجزء الثاني –وزارة العدل- سلسلة الشروح والدلائل العدد 7 الطبعة الثانية 2005 ص 157 [5]
المادة 160 ق م ج المحال عليها في المادة 231 ق م ج [6]
[7] لم يحدد المشرع تاريخ بداية أجل الخمسة أيام المحددة لإحالة القضية على الغرفة الجنحية،ويبدو أن هذا التاريخ ينطلق ابتداء من تاريخ توصل النيابة العامة بملف القضية المحال عليها من طرف قاضي التحقيق
المادة 211 ق م ج [8]
[9] لم يحدد المشرع المعيار الفاصل بين القواعد الجوهرية وغير الجوهرية،وقد استقر الرأي فقها وقضاء على اعتبار القواعد التي تمس حقوق الدفاع من القواعد الجوهرية أنظر شرح قانون المسطرة الجنائية للحبيب بيهي الجزء الأول طبعة أولى 2004 ص 266
المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية [10]
[11] لقد أثارت مقتضيات المادة 227 ق م ج نقاشا واسعا بين أعضاء لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلي النواب وممثل الحكومة أنظر في ذلك الحبيب بيهي مرجع سابق ص 267
الحبيب بيهي مرجع سابق ص 268 [12]
[13] إذا كانت أوامر قاضي التحقيق تقبل الطعن بالإستئناف فهي على العكس من ذلك لا تقبل الطعن بالنقض،أنظر قرار المجلس الأعلى عدد 1171 صادر بتاريخ 4 مايو 1978
أنظر قرار المجلس الأعلى عدد 1/205 المؤرخ في 26 يناير 2000 ملف جنائي منشور بقضاء المجلس الأعلى عدد 57-58 ص 491 [14]
وزارة العدل مرجع سابق ص 164 [15]
الفصول 248 ،249 و 250 ق م ج [16]
[17] أنظر الفصول 616-620-621 ق م ج
[18] أنظر مقال الأستاذ عبد القادر الشنتوف حول بطلان إجراءات التحقيق و اختصاصات الغرفة الجنحية في إطار ظهير الإجراءات الإنتقالية،منشور بمجلة الإشعاع العدد 20 دجنبر 1999 ص 51
[19] -رياضي عبدالعالي – مرجع سابق ص 163
[20] -المستشار محمد بلفقير- هل القرارات الصادرة عن الغرفة الجنحية بمحاكم الإستئناف تقبل التعرض، دراسات قضائية الجزء السادس مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء طبعة 2008 ص 119 الى 130.
[21] -قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 19/6/2002 تحت عدد 1290/4 في الملف الجنحي عدد 4247/02 منشور بمجلة المحاكم المغربية عدد 97 ص 198 وما يليها.
[22] -قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 29/8/2001 تحت عدد 1287/2 في الملف الجنحي عدد 13820/01 منشور بمجلة المحاكم المغربية عدد 97 ص 193 وما يليها