بتاريخ 05/05/2015 أصدرت المحكمة الادارية بالرباط في الملف رقم 717/7110/15 حكما تحت عدد 1914، قضى في منطوقه برفض الطلب المقدم من طرف الطاعنة والرامي إلى إلغاء قرار السيد وزير العدل والحريات الصادر بتاريخ 19/08/2014 القاضي في حقها بعقوبة الحرمان المؤقت من كل أجرة بإستتناء التعويضات العائلية لمدة شهرين ونصف .
وقد أثار هذا الحكم مسألة السلطة المختصة في إصدار القرارات التأديبية وكذا مسألة تعليل القرارات الادارية والانحراف في استعمال السلطة .
وقبل التعليق وإبداء الرأي في مضمون هذا الحكم الذي أثار جدلا واسعا لدى الباحثين في مجال القضاء الاداري لابد من التذكير بوقائع القضية والعلل التي استند عليها هذا الحكم .
الوقائع
بتاريخ 17/12/2014 تقدمت المدعية بمقال بواسطة نائبها تعرض فيه أنها تشتغل بكتابة النيابة العامة لدى المحكمة الابتدائية بالجديدة بصفة كاتبة الضبط من الدرجة الدرجة الرابعة، وأنها بتاريخ 19/08/2014 فوجئت بقرار السيد وزير العدل والحريات يقضي في حقها بعقوبة الحرمان المؤقت من كل أجرة بإستتناء التعويضات العائلية لمدة شهرين ونصف، وهي المعروف عليها طيلة فترة عملها التفاني والإخلاص في أداء مهامها.
وقد استند القرار المذكور على مخالفة الطاعنة لواجباتها المهنية من خلال عدم احترام القواعد المنظمة للعلاقات التراتبية داخل المرفق القضائي وكذا التفوه بألفاظ تسيء إلى السلطة الادارية الأعلى وإلى المرفق العمومي للقضاء والموظفين والعاملين به،علاوة على ذلك الاذلاء ببيانات كاذبة تسيء إلى المسؤولين،مخالفة بذلك مقتضيات الفصل 17 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية .
وكون القرار السالف الذكر ألحق أضرارا بالغة في حق الطاعنة، وبعد ملاحظتها أنه صدر عن غير ذي صفة باعتباره موقعا من طرف السيد بوبكر بوحميدي (رئيس مصلحة المنتدبين والأطر التقنية)عوض السيد وزير العدل والحريات أو من يفوض له في ذلك ، ولكونه أيضا منعدم التعليل على اعتبار أنه لم يبين بدقة الاخلالات المنسوبة للمعنية بالأمر ، بالاضافة إلى اتسامه بالتجاوز في استعمال السلطة لكون الطاعنة إطار نقابي نشيط بالمحكمة وتحمل صفة الكاتبة الاقليمية للجامعة الوطنية لقطاع العدل . فقد التجأت إلى المحكمة للطعن فيه للعلل السالفة الذكر .
غير أن المحكمة وبعد مناقشتها للقضية أصدرت الحكم المشار إليه أعلاه مستندة على مجموعة من الحيتياث.
التعليل
وحيث أنه من أبرز واجبات الموظف طاعة رؤسائه التي تقتضي إلى جانب تنفيذ مايصدرونه من أوامر وتعليمات احترامه لهم ومما يتصل بالتزام الرؤساء الامتناع عن توجيه الاتهامات إليهم والتشهير بهم بأية وسيلة من الوسائل ولو تحث ستار الغيرة على الصالح العام .
التعليق
لمناقشة هاته الحيتياث التي استندت عليها المحكمة لإصدار حكمها وكذا دفوع الطاعنة لابد من التطرق لسلطة التأديب (المطلب الأول ) وكذا مشروعية القرار التأديبي (المطلب الثاني )
المطلب الأول : سلطة التأديب
حسب الفصل 65 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية ، فإن سلطة التأديب هي سلطة التسمية أي السلطة التي لها الحق في التعيين ويقصد بها الوزراء أو من يفوضون لهم في ذلك بمقتضى تفويض خاص لممارسة هذا الاختصاص ينشر بالجريدة الرسمية وتخضع هذه السلطة في ممارستها لهذا الحق لمبدأ الشرعية، بمعنى أنه لايمكنها تطبيق عقوبة غير منصوص عليها بمقتضى القانون، ومتى استلزم المشرع استشارة هيئة قبل توقيع العقوبة فإنه يتعين عليها احترام هذه الشكلية .كما تخضع لمراقبة القضاء في كل إخلال ينتج عن استعمالها لهذا الحق .
انطلاق من هذا وحتى لا يلحق بالقرار الاداري عيب من عيوب الالغاء ويكون وسيلة للطعن فإنه لابد أن يستجمع كافة أركانه من احتوائه على سبب ومحل وهدف وصدوره عن جهة مختصة .
ويقوم هذا الركن الأخير على أساس أن القرار الاداري يجب أن يصدر من الشخص المختص قانونا بإصداره لا من شخص أخر لم يوكل له القانون هذا الحق وهو مايسمى بالإختصاص الشخصي، كما ينبغي تحديد الأعمال التي تدخل في صلاحياته وهو مايسمى بالاختصاص الموضوعي بالإضافة إلى تحديد النطاق المكاني والزماني لتدخله .
إذ متى افتقد القرار لأي عنصر من هذه العناصر أعتبر القرار معيبا لعدم الاختصاص ويؤدي إلى الالغاء سواء بطلب من المعني بالأمر او تلقائيا من طرف المحكمة لكون الاختصاص من النظام العام.
وبالرجوع إلى الحكم المذكور نجد أن الطاعنة أسست دعواها على هذا العيب انطلاقا لافتقاد موقع القرار السيد بوبكر بوحميدي للصفة في توقيعه كما لايحمل تفويضا خاصا من السيد وزير العدل والحريات للتوقيع على مثل هذه القرارات التأديبية ، وبالتالي فإن ماأقدم عليه يشكل تعديا وإغتصابا للسلطة .
غير أن المحكمة وأتناء نظرها في الدعوى رفضت هذا الدفع لعلة توقيع القرار من قبل السيد مدير الموارد البشرية الذي يملك تفويضا خاصا في هذا الاطار .
يمكن القول هنا أن المحكمة جانبت الصواب في ماذهبت إليه بهذا الخصوص وخرقت مقتضيات الفصل 3 من قانون المسطرة المدنية والتي تنص على أنه "يتعين على القاضي أن يبث في حدود طلبات الأطراف ولايسوغ له أن يغير تلقائيا موضوع أو سبب هذه الطلبات ويبث دائما طبقا للقوانين المطبقة على النازلة ولو لم يطلب الأطراف ذلك بصفة صريحة ".
ذلك أن الطاعنة تطلب إلغاء القرار التأديبي لصدوره عن جهة غير مختصة(السيد بوبكر بوحميدي )وليس لصدوره عن السيد مدير الموارد البشرية، وبالتالي فإن المحكمة كيفت تلقائيا طلب المدعية واعتبرته موجه ضد مدير الموارد البشرية والحال أن الأمر غير ذلك بل بصفة موقع القرار السيد بوبكر بوحميدي ، فالمحكمة هنا غيرت سبب الدعوى وخرقت قاعدة قانونية منصوص عليها في قانون المسطرة المدنية .
وعلى الرغم من أن المحكمة أصابت في تعريفها لعيب عدم الاختصاص عندما اعتبرت أن القرار المشوب بهذا العيب، يكون حينما يصدر عن شخص أو هيئة لاتملك القدرة القانونية على إصداره طبقا للقواعد المنظمة للاختصاص الهيئات العامة وما يتفرع عنها من أجهزة مختلفة واعتبرت عيب الاختصاص عيب عضوي يراد به عدم القدرة قانونا على مباشرة عمل إداري معين جعله المشرع من سلطة هيئة أخرى أو فرد أخر وأن الاختصاص يحدد مصدره في القانون وكذا المبادئ العامة للقانون. فإنها لم توفق حينما إعتبرت المنازعة في الاختصاص تخص السيد مدير الموارد البشرية إذ بذلك خرقت المقتضيات القانونية المتعلقة بالبت في المنازعات القضائية .
وصلة بهذا الموضوع فقد سبق للمجلس الأعلى أن قرر إلغاء قرارا لصدوره عن شخص غير مختص في إصداره ولايملك تفويضا في ذلك، وذلك في قضية السيد الحسين فهيم ضد وزارة الأشغال العمومية قرار رقم 504/94 الصادر بتاريخ 01 دجنبر 1994في الملف الاداري رقم 10259/93 ، حيث جاء فيه أن "السلطة المختصة بحق التأديب هي السلطة التي يكون لها حق التعيين وذلك عملا بالفقرة الاولى من الفصل 65 من ظهير 24/02/1958 المكون للقانون الأساسي للوظيفة العمومية وأن وزير الأشغال العمومية وتكوين الأطر والتكوين المهني هو السلطة التي تملك حق التعيين والتأديب بالنسبة للطاعن في حين أن القرار المطلوب إلغاؤه الصادر تحث رقم 5129 ليس فيه مايدل على صدوره عن الوزير المذكور، كما أنه ليس موقعا من طرفه وإنما هو موقع من طرف رئيس قسم بالوزارة المذكورة ولا وجود لأي تفويض قانوني في ذلك مما كان معه القرار المطعون فيه صادرا عن جهة غير مختصة ومشوبا بالشطط في استعمال السلطة ".(انظر مجلة منشورات المجلس الاعلى في ذكراه الاربعين ص277)
بل أكتر من ذلك ذهب المجلس الأعلى إلى اعتبار أن التفويض يجب أن يتضمن الحق في توقيع العقوبات التأديبية.وقرر إلغاء القرار التأديبي المستند على تفويض في توقيع الوثائق الادارية (قرار المجلس الأعلى رقم 281 في الملف الاداري رقم 69817 الصادر بتاريخ 30/07/1982 أبو الهند محمد ضد وزير العدل منشورات المجلس الاعلى في ذكراه الاربعين ص129).
وهذا الاتجاه الذي كرسه المجلس الاعلى هو الذي ذهبت إليه مختلف المحاكم الادارية المغربية، حيث إعتبرت ادارية وجدة في حكمها عدد 200/259 وتاريخ 31/10/2000 أن عيب عدم الاختصاص يعتبر من النظام العام وللمحكمة أن تثيره تلقائيا ولو لم يتمسك به الطاعن وبأن السلطة التي لها حق التسمية هي التي تملك حق التأديب واعتبرت أن القرار المطعون فيه الموقع عليه من طرف السيد النائب الاقليمي لوزارة التربية الوطنية يشكل شططا في استعمال السلطة، لأن هذا العمل القانوني (اتخاد عقوبة تأديبية في حق الطاعن ) لا يعتبر سلطة تأديبية للطاعن وليس مفوضا في ذلك تفويضا قانونيا مما يكون قراره معيب غصب لاختصاص المفضي إلى إلغاء القرار الاداري المطعون فيه (ريمالد سلسلة دلائل التسيير ج1 س2004ص185).
كما ذهبت المحكمة الادارية بأكادير في نفس الاتجاه في حكمها عدد 55-2002 وتاريخ 23/5/2002 وقضت بإلغاء عقوبة التوبيخ الصادرة في حق الطاعن لتوقيعها عن سلطة غير مختصة (مندوب وزارة الصحة ) ونفس الشيء بالنسبة للمحكمة الادارية بمكناس والتي جاء في أحد أحكامها لسنة 2005 في الملف 57/2004/3غ وتاريخ 10/11/2005 "أن توقيع قرار عقوبة الإنذار المتخد في حق الطاعن من طرف رئيس قسم الموارد البشرية دون الاشارة إلى توفره على تفويض من طرف سلطة التسمية يجعل القرار متسما بتجاوز السلطة التي لها حق التسمية وأن عيب عدم الاختصاص من النظام العام تثيره المحكمة تلقائيا ولو أغفله صاحب الشأن .إتبات الطاعن لعكس مابني عليه القرار المطعون فيه يجعل القرار منتقدا لسببه ويتعين إلغاءه (مجلة المحاكم الاداريةع3 س2008 ص332).
وعلى خلاف هذا التوجه العام فإن الحكم الذي بين أيدينا قد جانب الصواب في ماذهب إليه بخصوص مسألة الاختصاص بل أكتر من ذلك خرق القواعد القانونية المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية المنظمة لشروط البث في المنازعات القضائية ونأمل تصحيح هذا الخطأ الفادح من طرف محكمة الدرجة الثانية .
المطلب الثاني : مشروعية القرار التأديبي
يقصد بهذا المبدأ سلامة القرار الاداري من إحدى عيوب الالغاء التي سبقت الاشارة إليها أنفا .أو بعبارة أخرى أن تنحو الادارة منحى القانون في كل تصرف أوعمل تباشره، ومتى خرج عن هذا القانون اعتبر غير مشروع وأجاز للمتضرر منه الالتجاء إلى القضاء لإلغاء هذا التصرف أوتقويم الاضرار الناتجة عنه .
بالرجوع إلى الحكم الذي بين أيدينا نجده أثار مسألتي التعليل والانحراف في استعمال السلطة، ذالك أن الطاعنة تعيب على القرار التأديبي عدم مشروعيته انطلاقا من افتقاذه لعنصر التعليل ولاتسامه بعيب الانحراف في استعمال السلطة على اعتبار الطاعنة إطار نقابي بالمحكمة التي تشتغل بها .
ويتضح من خلال الحكم المذكور أن المحكمة أغفلت البث في عيب انعدام التعليل بالرغم من إثارته من طرف الطاعنة وتأكيد الحكم نفسه على أن الطاعنة أسست مقالها على هذا العيب إلى جانب عدم الاختصاص والانحراف في استعمال السلطة ، وهنا خرق أخر من جانب المحكمة للقانون ، ذلك أنها لم تبين سبب عدم مناقشتها لهذا العيب بالرغم من تمسك الطاعنة به في دعواها .
فمعلوم أن القرارات التأديبية تكون واجبة التعليل بمقتضى المادة الثانية من القانون 01.03 بشأن إلزامية تعليل الادارات والمؤسسات العمومية لقراراتها، حيث ان الادرات ملزمة بالافصاح في صلب قراراتها الادارية عن الاسباب القانونية والواقعية الداعية إلى اتخاذه.
فالطاعنة تعيب على القرار عدم إفصاحه وتبيانه بدقة للأفعال والأقوال التي يشكل عدم احترامها لرؤسائها اخلال مهنيا يبرر اتخاد العقوبة التأديبية في حقها،غير أن المحكمة لم تناقش هذه الوسيلة وأغفلت عنها بالرغم من جديتها ومالها من تأثير على مسار النزاع .
أما بالنسبة لعيب الانحراف في استعمال السلطة، فإنه يمكن القول أن المحكمة أسست حكمها على علل منطقية وقانونية مقبولة فبعد تفحصها للقرار ومختلف الوثائق المرفق به لاسيما محضر اجتماع المجلس التأدييبي حدد الحالة التي يتسم قيها القرار بهذا العيب ، تبين لها أن القرار لم يزيغ عن تحقيق غاية المصلحة العامة ولا ينم عن غايات وأسباب أخرى بالرغم من كون الطاعنة إطار نقابي بالمحكمة، وبالتالي فإن ماذهبت إليه في هاته الوسيلة مؤسس قانونا على علل صحيحة .
وخلاصة القول فإن هذا الحكم،وعلى الرغم مما يعتريه من نقصان وفساد في التعليل .فقد طرح مجددا مسألة التكوين في مجال المنازعات الإدارية بالنسبة للقضاة الذين يتم تعينهم للعمل بالمحاكم الإدارية،على اعتبار خصوصية هذا النوع من القضاء وما يتطلبه من ممارسيه من مؤهلات وفنيات تجعله قادرا على الفصل في مختلف النزاعات التي تطرح أمامه .إذ أن هذا الحكم الذي تولينا التعليق عليه أرجعنا إلى حقبة بداية ظهور القضاء الإداري بالمغرب،ولم يستطيع التوفيق في الاجابة عن معظم الاشكاليات التي أتيرث فيه بالرغم من العديد من الاجتهادات القضائية والفقهية في هذا المجال، ونأمل في الختام أن تتولى محكمة ثاني درجة تصحيح مجمل الأخطاء التي اعترته.
وقد أثار هذا الحكم مسألة السلطة المختصة في إصدار القرارات التأديبية وكذا مسألة تعليل القرارات الادارية والانحراف في استعمال السلطة .
وقبل التعليق وإبداء الرأي في مضمون هذا الحكم الذي أثار جدلا واسعا لدى الباحثين في مجال القضاء الاداري لابد من التذكير بوقائع القضية والعلل التي استند عليها هذا الحكم .
الوقائع
بتاريخ 17/12/2014 تقدمت المدعية بمقال بواسطة نائبها تعرض فيه أنها تشتغل بكتابة النيابة العامة لدى المحكمة الابتدائية بالجديدة بصفة كاتبة الضبط من الدرجة الدرجة الرابعة، وأنها بتاريخ 19/08/2014 فوجئت بقرار السيد وزير العدل والحريات يقضي في حقها بعقوبة الحرمان المؤقت من كل أجرة بإستتناء التعويضات العائلية لمدة شهرين ونصف، وهي المعروف عليها طيلة فترة عملها التفاني والإخلاص في أداء مهامها.
وقد استند القرار المذكور على مخالفة الطاعنة لواجباتها المهنية من خلال عدم احترام القواعد المنظمة للعلاقات التراتبية داخل المرفق القضائي وكذا التفوه بألفاظ تسيء إلى السلطة الادارية الأعلى وإلى المرفق العمومي للقضاء والموظفين والعاملين به،علاوة على ذلك الاذلاء ببيانات كاذبة تسيء إلى المسؤولين،مخالفة بذلك مقتضيات الفصل 17 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية .
وكون القرار السالف الذكر ألحق أضرارا بالغة في حق الطاعنة، وبعد ملاحظتها أنه صدر عن غير ذي صفة باعتباره موقعا من طرف السيد بوبكر بوحميدي (رئيس مصلحة المنتدبين والأطر التقنية)عوض السيد وزير العدل والحريات أو من يفوض له في ذلك ، ولكونه أيضا منعدم التعليل على اعتبار أنه لم يبين بدقة الاخلالات المنسوبة للمعنية بالأمر ، بالاضافة إلى اتسامه بالتجاوز في استعمال السلطة لكون الطاعنة إطار نقابي نشيط بالمحكمة وتحمل صفة الكاتبة الاقليمية للجامعة الوطنية لقطاع العدل . فقد التجأت إلى المحكمة للطعن فيه للعلل السالفة الذكر .
غير أن المحكمة وبعد مناقشتها للقضية أصدرت الحكم المشار إليه أعلاه مستندة على مجموعة من الحيتياث.
التعليل
- بخصوص عيب عدم الاختصاص
- بخصوص عيب الانحراف في استعمال السلطة
وحيث أنه من أبرز واجبات الموظف طاعة رؤسائه التي تقتضي إلى جانب تنفيذ مايصدرونه من أوامر وتعليمات احترامه لهم ومما يتصل بالتزام الرؤساء الامتناع عن توجيه الاتهامات إليهم والتشهير بهم بأية وسيلة من الوسائل ولو تحث ستار الغيرة على الصالح العام .
التعليق
لمناقشة هاته الحيتياث التي استندت عليها المحكمة لإصدار حكمها وكذا دفوع الطاعنة لابد من التطرق لسلطة التأديب (المطلب الأول ) وكذا مشروعية القرار التأديبي (المطلب الثاني )
المطلب الأول : سلطة التأديب
حسب الفصل 65 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية ، فإن سلطة التأديب هي سلطة التسمية أي السلطة التي لها الحق في التعيين ويقصد بها الوزراء أو من يفوضون لهم في ذلك بمقتضى تفويض خاص لممارسة هذا الاختصاص ينشر بالجريدة الرسمية وتخضع هذه السلطة في ممارستها لهذا الحق لمبدأ الشرعية، بمعنى أنه لايمكنها تطبيق عقوبة غير منصوص عليها بمقتضى القانون، ومتى استلزم المشرع استشارة هيئة قبل توقيع العقوبة فإنه يتعين عليها احترام هذه الشكلية .كما تخضع لمراقبة القضاء في كل إخلال ينتج عن استعمالها لهذا الحق .
انطلاق من هذا وحتى لا يلحق بالقرار الاداري عيب من عيوب الالغاء ويكون وسيلة للطعن فإنه لابد أن يستجمع كافة أركانه من احتوائه على سبب ومحل وهدف وصدوره عن جهة مختصة .
ويقوم هذا الركن الأخير على أساس أن القرار الاداري يجب أن يصدر من الشخص المختص قانونا بإصداره لا من شخص أخر لم يوكل له القانون هذا الحق وهو مايسمى بالإختصاص الشخصي، كما ينبغي تحديد الأعمال التي تدخل في صلاحياته وهو مايسمى بالاختصاص الموضوعي بالإضافة إلى تحديد النطاق المكاني والزماني لتدخله .
إذ متى افتقد القرار لأي عنصر من هذه العناصر أعتبر القرار معيبا لعدم الاختصاص ويؤدي إلى الالغاء سواء بطلب من المعني بالأمر او تلقائيا من طرف المحكمة لكون الاختصاص من النظام العام.
وبالرجوع إلى الحكم المذكور نجد أن الطاعنة أسست دعواها على هذا العيب انطلاقا لافتقاد موقع القرار السيد بوبكر بوحميدي للصفة في توقيعه كما لايحمل تفويضا خاصا من السيد وزير العدل والحريات للتوقيع على مثل هذه القرارات التأديبية ، وبالتالي فإن ماأقدم عليه يشكل تعديا وإغتصابا للسلطة .
غير أن المحكمة وأتناء نظرها في الدعوى رفضت هذا الدفع لعلة توقيع القرار من قبل السيد مدير الموارد البشرية الذي يملك تفويضا خاصا في هذا الاطار .
يمكن القول هنا أن المحكمة جانبت الصواب في ماذهبت إليه بهذا الخصوص وخرقت مقتضيات الفصل 3 من قانون المسطرة المدنية والتي تنص على أنه "يتعين على القاضي أن يبث في حدود طلبات الأطراف ولايسوغ له أن يغير تلقائيا موضوع أو سبب هذه الطلبات ويبث دائما طبقا للقوانين المطبقة على النازلة ولو لم يطلب الأطراف ذلك بصفة صريحة ".
ذلك أن الطاعنة تطلب إلغاء القرار التأديبي لصدوره عن جهة غير مختصة(السيد بوبكر بوحميدي )وليس لصدوره عن السيد مدير الموارد البشرية، وبالتالي فإن المحكمة كيفت تلقائيا طلب المدعية واعتبرته موجه ضد مدير الموارد البشرية والحال أن الأمر غير ذلك بل بصفة موقع القرار السيد بوبكر بوحميدي ، فالمحكمة هنا غيرت سبب الدعوى وخرقت قاعدة قانونية منصوص عليها في قانون المسطرة المدنية .
وعلى الرغم من أن المحكمة أصابت في تعريفها لعيب عدم الاختصاص عندما اعتبرت أن القرار المشوب بهذا العيب، يكون حينما يصدر عن شخص أو هيئة لاتملك القدرة القانونية على إصداره طبقا للقواعد المنظمة للاختصاص الهيئات العامة وما يتفرع عنها من أجهزة مختلفة واعتبرت عيب الاختصاص عيب عضوي يراد به عدم القدرة قانونا على مباشرة عمل إداري معين جعله المشرع من سلطة هيئة أخرى أو فرد أخر وأن الاختصاص يحدد مصدره في القانون وكذا المبادئ العامة للقانون. فإنها لم توفق حينما إعتبرت المنازعة في الاختصاص تخص السيد مدير الموارد البشرية إذ بذلك خرقت المقتضيات القانونية المتعلقة بالبت في المنازعات القضائية .
وصلة بهذا الموضوع فقد سبق للمجلس الأعلى أن قرر إلغاء قرارا لصدوره عن شخص غير مختص في إصداره ولايملك تفويضا في ذلك، وذلك في قضية السيد الحسين فهيم ضد وزارة الأشغال العمومية قرار رقم 504/94 الصادر بتاريخ 01 دجنبر 1994في الملف الاداري رقم 10259/93 ، حيث جاء فيه أن "السلطة المختصة بحق التأديب هي السلطة التي يكون لها حق التعيين وذلك عملا بالفقرة الاولى من الفصل 65 من ظهير 24/02/1958 المكون للقانون الأساسي للوظيفة العمومية وأن وزير الأشغال العمومية وتكوين الأطر والتكوين المهني هو السلطة التي تملك حق التعيين والتأديب بالنسبة للطاعن في حين أن القرار المطلوب إلغاؤه الصادر تحث رقم 5129 ليس فيه مايدل على صدوره عن الوزير المذكور، كما أنه ليس موقعا من طرفه وإنما هو موقع من طرف رئيس قسم بالوزارة المذكورة ولا وجود لأي تفويض قانوني في ذلك مما كان معه القرار المطعون فيه صادرا عن جهة غير مختصة ومشوبا بالشطط في استعمال السلطة ".(انظر مجلة منشورات المجلس الاعلى في ذكراه الاربعين ص277)
بل أكتر من ذلك ذهب المجلس الأعلى إلى اعتبار أن التفويض يجب أن يتضمن الحق في توقيع العقوبات التأديبية.وقرر إلغاء القرار التأديبي المستند على تفويض في توقيع الوثائق الادارية (قرار المجلس الأعلى رقم 281 في الملف الاداري رقم 69817 الصادر بتاريخ 30/07/1982 أبو الهند محمد ضد وزير العدل منشورات المجلس الاعلى في ذكراه الاربعين ص129).
وهذا الاتجاه الذي كرسه المجلس الاعلى هو الذي ذهبت إليه مختلف المحاكم الادارية المغربية، حيث إعتبرت ادارية وجدة في حكمها عدد 200/259 وتاريخ 31/10/2000 أن عيب عدم الاختصاص يعتبر من النظام العام وللمحكمة أن تثيره تلقائيا ولو لم يتمسك به الطاعن وبأن السلطة التي لها حق التسمية هي التي تملك حق التأديب واعتبرت أن القرار المطعون فيه الموقع عليه من طرف السيد النائب الاقليمي لوزارة التربية الوطنية يشكل شططا في استعمال السلطة، لأن هذا العمل القانوني (اتخاد عقوبة تأديبية في حق الطاعن ) لا يعتبر سلطة تأديبية للطاعن وليس مفوضا في ذلك تفويضا قانونيا مما يكون قراره معيب غصب لاختصاص المفضي إلى إلغاء القرار الاداري المطعون فيه (ريمالد سلسلة دلائل التسيير ج1 س2004ص185).
كما ذهبت المحكمة الادارية بأكادير في نفس الاتجاه في حكمها عدد 55-2002 وتاريخ 23/5/2002 وقضت بإلغاء عقوبة التوبيخ الصادرة في حق الطاعن لتوقيعها عن سلطة غير مختصة (مندوب وزارة الصحة ) ونفس الشيء بالنسبة للمحكمة الادارية بمكناس والتي جاء في أحد أحكامها لسنة 2005 في الملف 57/2004/3غ وتاريخ 10/11/2005 "أن توقيع قرار عقوبة الإنذار المتخد في حق الطاعن من طرف رئيس قسم الموارد البشرية دون الاشارة إلى توفره على تفويض من طرف سلطة التسمية يجعل القرار متسما بتجاوز السلطة التي لها حق التسمية وأن عيب عدم الاختصاص من النظام العام تثيره المحكمة تلقائيا ولو أغفله صاحب الشأن .إتبات الطاعن لعكس مابني عليه القرار المطعون فيه يجعل القرار منتقدا لسببه ويتعين إلغاءه (مجلة المحاكم الاداريةع3 س2008 ص332).
وعلى خلاف هذا التوجه العام فإن الحكم الذي بين أيدينا قد جانب الصواب في ماذهب إليه بخصوص مسألة الاختصاص بل أكتر من ذلك خرق القواعد القانونية المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية المنظمة لشروط البث في المنازعات القضائية ونأمل تصحيح هذا الخطأ الفادح من طرف محكمة الدرجة الثانية .
المطلب الثاني : مشروعية القرار التأديبي
يقصد بهذا المبدأ سلامة القرار الاداري من إحدى عيوب الالغاء التي سبقت الاشارة إليها أنفا .أو بعبارة أخرى أن تنحو الادارة منحى القانون في كل تصرف أوعمل تباشره، ومتى خرج عن هذا القانون اعتبر غير مشروع وأجاز للمتضرر منه الالتجاء إلى القضاء لإلغاء هذا التصرف أوتقويم الاضرار الناتجة عنه .
بالرجوع إلى الحكم الذي بين أيدينا نجده أثار مسألتي التعليل والانحراف في استعمال السلطة، ذالك أن الطاعنة تعيب على القرار التأديبي عدم مشروعيته انطلاقا من افتقاذه لعنصر التعليل ولاتسامه بعيب الانحراف في استعمال السلطة على اعتبار الطاعنة إطار نقابي بالمحكمة التي تشتغل بها .
ويتضح من خلال الحكم المذكور أن المحكمة أغفلت البث في عيب انعدام التعليل بالرغم من إثارته من طرف الطاعنة وتأكيد الحكم نفسه على أن الطاعنة أسست مقالها على هذا العيب إلى جانب عدم الاختصاص والانحراف في استعمال السلطة ، وهنا خرق أخر من جانب المحكمة للقانون ، ذلك أنها لم تبين سبب عدم مناقشتها لهذا العيب بالرغم من تمسك الطاعنة به في دعواها .
فمعلوم أن القرارات التأديبية تكون واجبة التعليل بمقتضى المادة الثانية من القانون 01.03 بشأن إلزامية تعليل الادارات والمؤسسات العمومية لقراراتها، حيث ان الادرات ملزمة بالافصاح في صلب قراراتها الادارية عن الاسباب القانونية والواقعية الداعية إلى اتخاذه.
فالطاعنة تعيب على القرار عدم إفصاحه وتبيانه بدقة للأفعال والأقوال التي يشكل عدم احترامها لرؤسائها اخلال مهنيا يبرر اتخاد العقوبة التأديبية في حقها،غير أن المحكمة لم تناقش هذه الوسيلة وأغفلت عنها بالرغم من جديتها ومالها من تأثير على مسار النزاع .
أما بالنسبة لعيب الانحراف في استعمال السلطة، فإنه يمكن القول أن المحكمة أسست حكمها على علل منطقية وقانونية مقبولة فبعد تفحصها للقرار ومختلف الوثائق المرفق به لاسيما محضر اجتماع المجلس التأدييبي حدد الحالة التي يتسم قيها القرار بهذا العيب ، تبين لها أن القرار لم يزيغ عن تحقيق غاية المصلحة العامة ولا ينم عن غايات وأسباب أخرى بالرغم من كون الطاعنة إطار نقابي بالمحكمة، وبالتالي فإن ماذهبت إليه في هاته الوسيلة مؤسس قانونا على علل صحيحة .
وخلاصة القول فإن هذا الحكم،وعلى الرغم مما يعتريه من نقصان وفساد في التعليل .فقد طرح مجددا مسألة التكوين في مجال المنازعات الإدارية بالنسبة للقضاة الذين يتم تعينهم للعمل بالمحاكم الإدارية،على اعتبار خصوصية هذا النوع من القضاء وما يتطلبه من ممارسيه من مؤهلات وفنيات تجعله قادرا على الفصل في مختلف النزاعات التي تطرح أمامه .إذ أن هذا الحكم الذي تولينا التعليق عليه أرجعنا إلى حقبة بداية ظهور القضاء الإداري بالمغرب،ولم يستطيع التوفيق في الاجابة عن معظم الاشكاليات التي أتيرث فيه بالرغم من العديد من الاجتهادات القضائية والفقهية في هذا المجال، ونأمل في الختام أن تتولى محكمة ثاني درجة تصحيح مجمل الأخطاء التي اعترته.