MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




المتعرض وإشكالية إثبات الحيازة في نزاع التحفيظ

     

من إعداد الدكتورة
كنزة الغنام




في جل التشريعات يتمتع الحائز بقرينة التملك، لكونه غالبا ما تكون الحالة الواقعية مطابقة للحالة القانونية والأثر المترتب على قرينة التملك هو إعطاء الحائز صفة المدعى عليه صفة تعفيه من إثبات التملك. وفي الشريعة الإسلامية فإن القاعدة الفقهية المسلم بها أن كل ما سبقت يده إلى شيء لا يخرج من يده إلا بيقين وأن واضع اليد (أي الحائز) غير ملزم بإثبات حيازته، لأن البينة على المدعي واليمين على من أنكر، ووضع اليد يعتبر حجة ويجب من يدعي خلاف ذلك أن يعارض بحجة أقوى،  وفي القانون المغربي توجد قاعدة ذاتها وهي ما نص عليها الفصل 399 من ق.ل.ع والتي جاء فيها: "الإثبات على المدعي".

والذي يستخلص من هذا النص أن القاعدة الأساسية في توزيع عبء الإثبات بين الخصوم أن البينة على المدعي، والمدعي من زاوية الإثبات هو ذاك الذي يدعي الواقعة محل الإثبات، ومن ثم فإن كلا الخصمين قد  يتناوبان تحمل عبء الإثبات تبعا لطبيعة ما يدعيه كل منهما فكلاهما مدع في دعواه.

 وفي نطاق الحقوق العينية فالأصل هو الظاهر، فالحائز للعين لا يطالب بإثبات  ملكيتها، لأن الظاهر هو أن الحائز مالك والخارج الذي يدعي ملكية العين هو الذي يدعي  خلاف ذلك، فعليه هو يقع عبء الإثبات، ومن ثم كان هو المدعى عليه دائما في دعوى الملكية، وذلك ما لم يتبين من مستندات المدعي أن الظاهر يؤيد دعواه وينفي دفاع المدعى عليه، فعندئذ ينتقل عبء إثبات الملكية على المدعى عليه.

 وفي ذلك قضى المجلس الأعلى سابقا بأن: " الحائز للشيء هو مالكه حتى يثبت العكس، وأن المدعى عليه غير ملزم  بالإثبات إلا بعد تعضيد المدعي لمزاعمه بدليل منتج ومؤثر، ومن ثم فلا وجه لمناقشة حجج خصوم المستأنفين ما دام موقف هؤلاء مجردا من أي إثبات".

 ومن ثم فإنه لا يكفي الحائز أن يتمسك بمجرد الحوز أو الملك، بل يتعين عليه أن يثبت وجه مدخله للعقار وتملكه له، ولذلك  قضى المجلس الأعلى سابقا بأنه: "إذا ثبت المدعي القائم دعواه ثبوتا كافيا فإنه يتعين على المدعى عليه أن يدلي ببيان وجه مدخله ولا يغنيه عن ذلك مجرد التمسك بالحوز والتصرف". 

 لكن المدعي من جهة أخرى قد يعجز عن إثبات ادعائه في مواجهة الحائز، بحيث يبقى العقار المدعى فيه بيد هذا الأخير، بشرط أدائه لليمين، وهو ما أكده المجلس الأعلى سابقا بقوله: "على مدعي الاستحقاق أن يثبت دعواه، أما المدعى عليه الحائز فيكفيه أن يدفع بقوله حوزي وملكي ولا يكلف بالإثبات ما لم يثبت المدعي تملكه فيكون عليه في هذه الحالة أن يثبت وجه مدخله، وإذا عجز المدعي عن الإثبات حلف المدعى عليه الحائز وبقي الشيء بيده". 

ومن ثم يتبين أن الحائز في مركز ممتاز بالنسبة لإثبات ملكية العقار، ما دامت الحيازة تنقل عبء الإثبات لمصلحته، وليلقي بذلك على خصمه عبء نقض قرينة الملكية التي تقوم عليها الحيازة.

 غير أن الحائز لا يتمتع بهذا المركز المتميز  دائما، ذلك أن عبء الإثبات قد يلقى على عاتقه بالرغم من كونه حائزا، وذلك في الحالة التي يكون فيها متعرضا على مطلب التحفيظ.

 فإذا كان الأصل أن البينة على المدعي واليمين على من أنكر، إلا أن هذه القاعدة تم خرقها في ظهير التحفيظ العقاري، إذ المشرع اتخذ اتجاها مخالفا في مسألة الإثبات عندما أعفى طالب التحفيظ من إثبات حقوقه محملا عبء الإثبات على المتعرض حتى ولو كان حائزا للعقار في طور التحفيظ، باعتباره مدعيا وليس مدعى عليه، وهذا ما يستشف من الفقرة الثانية من الفصل 37 من ظهير التحفيظ العقاري والتي اعتبرت المتعرض مدعيا يقع عليه عبء الإثبات، ولو كان العقار موضوع النزاع  في حيازته، وهذا ما أكده المجلس الأعلى سابقا بقوله: "يعتبر طالب التحفيظ مدعى عليه في دعوى التعرض ولهذا فهو غير ملزم بأن يدلي أمام المحكمة بالحجة حتى يدعم المتعرض دعواه بحجة أقوى ويقتصر نظر المحكمة على البث في الحقوق المدعى بها من طرف المتعرض، وفي حالة عدم اقتناعها بوجود تلك الحقوق لا تكون مؤهلة للبحث في حجية طالب التحفيظ الذي يتخذ المحافظ حينئذ بشأنه ما يراه مناسبا".

وفي قرار آخر: "إن طلب التحفيظ يعطي لصاحبه صفة المدعى عليه، ولا يجب عليه الإدلاء بحجة حتى يدعم المتعرض تعرضه بحجة قوية".

واعتبار المتعرض مدعيا يتحمل عبء الإثبات، مرده قاعدة شكلية، مفادها أن المتعرض بتقديم تعرضه ضد مطلب التحفيظ يعطي ميلادا جديدا للنزاع .

ومع ذلك فإن تقديم مطلب التحفيظ لا يثبت ملكية طالب التحفيظ للعقار بل إن تقديم مطلب التحفيظ قرينة قابلة لإثبات العكس. فإذا ما استطاع المتعرض الإدلاء بالحجج الكافية القاطعة في إثبات صحة التعرض فإن المحكمة حتما ستحكم بصحة تعرض المتعرض، وهذا ما أكده المجلس الأعلى سابقا في قراره: "إنه بالعلل الواردة في الحكم تكون المحكمة قد بررت ما قضت به من صحة التعرض على التحفيظ مقدرة الحجج المدلى بها، مصرحة على الخصوص أن تصرفهم امتد بالفعل من سنة 1938 إلى غاية 1956، وأنه ينتج عن الوقوف على عين المكان، أن الحدود الواردة في رسم الملكية المدلى بها  من طرف طالب التحفيظ غير مطبقة، وأن هذا الرسم غير مخاطب عليه، فيجب تنحيته على المناقشة".

وإذا كانت حيازة العقار موضوع مطلب التحفيظ من طرف المتعرض لا تعفيه من الإثبات ولا تنتفي عنه صفة المدعى عليه الذي يقع عليه عبء الإثبات، فإن المتعرض غير الحائز ليس أحسن حالا من المتعرض الحائز، خاصة إذا كان طالب التحفيظ هو الحائز للعقار في طور التحفيظ بحيازة مكتملة الشروط.

غير أن حيازة طالب التحفيظ لا تعطيه أحقية تملك العقار إذا ما دحض المتعرض بحجة دامغة واقعة الحيازة.
وهذا ما أكده المجلس الأعلى سابقا "إن الحيازة نفسها التي ارتكزت عليها المحكمة لم تكن ضرورية لقيام الحجة لأنه ما دام لم يثبت أي حق لطالبي التحفيظ، ولم يدل بأي سند صحيح...".

والجدير بالذكر أن العقار المحوز بيد طالب التحفيظ لا يخرج من بين يديه إلا بيقين، وهو غير ملزم بالإدلاء بما يثبت صحة طلب تحفيظ العقار المتعرض عليه. وبالتالي فالمتعرض ملزم بالإدلاء إما بحجة كتابية تثبت ملكيته للعقار أو إثبات أن حيازة طالب التحفيظ هي حيازة تفتقد إلى الشروط المنصوص عليها فقها وقانونا، وأنها لم تكن لا بهادئة ولا بواضحة وأن الحائز هو يحوزها حيازة فعلية وليس حيازة قانونية. 

غير أن ترجيح إحدى الملكيتين أو الحيازتين التي تثبت الملكية تبقى من تقدير هيئة الحكم التي تستند في ذلك على ضوابط قانونية وفقهية محددة.

لكن إذا لم يدل المتعرض ما يفيد عدم صحة حيازة طالب التحفيظ للعقار المتعرض عليه ولم يستطع الإدلاء بما يدل على تملكه للعقار المحوز، ففي هذه الحالة اعتبر الفقهاء الحيازة المادية من أسباب الترجيح.
وهذا ما أشار إليه الشيخ خليل في قوله: "وبيد إن لم ترجح بينة مقابلة".

ولعل هذا ما دفع القضاء في أعلى هرمه إلى القول بصحة مزاعم طالب 
التحفيظ الحائز للعقار المحوز، إذ جاء في أحد قرارات المجلس الأعلى سابقا 
 مايلي: 

"إن من شأن الحيازة ـ وضع اليد ـ أن تنتج آثارا قانونية، ولو لم تكن مرتكزة على أي رسم، وأن قضاة الاستئناف عندما لاحظوا عدم صحة وعدم حجية الرسوم المدلى بها من المتنازعين أمكنهم الاعتماد على مجرد الحيازة كعنصر لاقتناعهم، والحكم لصالح الذين كانت لهم هذه الحيازة".

في حين كان يجب إبعاد تطبيق هذا النص بمجرد حصول المغرب على استقلاله، فهذا النص يخالف الشريعة الإسلامية التي يخضع لها العقار في طور التحفيظ.

إن المتعرض الحائز لا يمكن اعتباره مدعيا بالمفهوم القانوني الدقيق، إذ لا يمارس دعوى استحقاق، وهذه الدعوى ستكون بدون موضوع مادام حائزا، ولكنه يجادل ويتعرض على تكريس حق ملكية بواسطة إجراءات إدارية ولا يمكن اعتباره مدعي بالمفهوم التقليدي مادام لا يطلب من طالب التحفيظ أي شيء، ولكن يتعرض على مطالبة ترمي إلى تكريس حق من طرف الإدارة.

يظهر جليا أن هذه القاعدة الواردة في الفصل 37 أعلاه والتي كرسها العمل القضائي لمحاكم الموضوع، تخالف الأحكام العامة التي تقضي بقيام قرينة الملكية لصالح حائز العقار، فالحائز يفترض فيه أنه المالك لذلك يجب على الخصم أن يدحض هذه القرينة ويقدم البينة المعاكسة، أما اعتماد الأسبقية في تقديم مطلب التحفيظ لتحديد مركز طالب التحفيظ والمتعرض يتعارض مع أحكام الفقه المالكي.

يذهب الأستاذ روش في تعليق له بأن "الاجتهاد القضائي قد تبنى هذه القاعدة بصورة لا منطقية ذلك أن عبء الإثبات مسألة موضوع، وقد استقر العمل على أن جوهر الحق في قضايا العقار في طور التحفيظ يبقى خاضعا لقواعد الشريعة الإسلامية، وأن قواعد الفقه الإسلامي هي الواجبة التطبيق في الموضوع. بالرجوع إلى هذه القواعد نجد أن قرينة الملكية تلعب لفائدة من بيده الحيازة. ويرى الأستاذ روش بأن صفة المدعي المعطاة للمتعرض صفة مصطنعة مردها قاعدة شكلية تستند إلى أن المتعرض بتعرضه على مطلب التحفيظ يعطي ميلادا للنزاع، وأن هذه القاعدة ليس لها أي سند قانوني".



الاربعاء 16 نونبر 2016
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter