تهاطلت انتقادات من بعض من لا عِلم لهم لا بمهنة المحاماة ولا بتاریخ نسائها ورجالها من حَملة جبتها السوداء ولا بمهامهم المجتمعیة والقانونیة، وذهبت مخیلتهم تنسج اتهامات ونعوتا ضدهم وتسبح في برك ماء یشربون منها عسَاهم یروون عطش الحقد على أشرف المهن دون أن یشفَى لهم غلیل.
ومن هنا ارید أن یعلَمَ الجمیع و أن یعرف الجمیع بأن المحامیات والمحامین وهیئاتهم وجمعیتهم لم تكن ولم یكونوا معها یوما من الأیام دعاة فوضى ولا فریقا فوق القانون ولا مُحرضین على عصیانه، كما أنهم لم یكونوا أعداء لأحد أو دعاة مقاطعة أحد لا أفرادا و لا مؤسسات ولا إدارات ، كما لم یكونوا یوما مَا مروجي إشاعات أو حاملي لافتات الزاعامة أو من دعاة الصراع المجاني.
كما أن على الجمیع ان یعلم بان المحامیات والمحامین حلقة مركزیة وسط المجتمع وفِي جسم العدالة، وأنهم بالتالي لیسوا طلاب صدقة او امتیاز او میزة، ولم یكونوا یوما ما تابعین لسلطة او لنفوذ او ممن تجرهم الأطماع والمنافع غیر المشروعة، و أن یعلم َ بأن من حق المحامیات والمحامین ان یدافعوا مهنیا ومجتمعیا على المحاماة و على ما یخوله لهم القانون كممارسین من حقوق ویعترف به لهم كباقي المواطنین وذلك ضد كل إجراء غیر مشروع أو شطط او تعسف او ضغط او تضییق او مضایقة مهما كان مصدرها.
وربما یجهل البعض ممن یهاجم المحامین وهیئاتهم بمناسبة معالجة احد الملفات الاساسیة لهم وهو الملف الضریبي وما أثاره من نقاش، بأن علاقات المحامین وهیئات المحامین وجمعیة المحامین مع مصالح مدیریة الضرائب قدیمة في الزمن وأنها لیست علاقات عداء، و لابد ان یدركوا بان التزامات المحامین الجبائیة أوضح وأمتن من التزامات عشرات الآلاف من الملزمین سواء منهم مواطنین أو مقاولات او شركات أو مهن أخرى، وأنظف ممن یراكمون الثروات ویهجرونها نحو ابناك سویسرا او لشتنشتاین أو جنات جزر بورابورا……
وقد كانت جلسات الحوار والاتفاقیات ما بین المحامین وهیئات المحامین بواسطة نقبائهم وجمعیتهم مع إدارة الضرائب و التي تعود لفترة السبعینات و التي تواصلت عبر مراحل لاحقة بالثمانینات والتسعینات مع مدیرین سابقین أمثال السادة المدغري العلوي و بنبریك وبنسودة و مع العدید من أطرهم، وكانت موائد الحوار دائما تنتهي بخلاصات وعدة اجتهادات ومن أهمها اعتراف الادارة الضریبیة نفسها بقدرة الهیئات على التفاوض وبصعوبات خضوع المحامین لمحاسبة عادیة مثل التي یخضع لها غیرهم، و تنتهي بوضع صیغ مناسبة لوفاء المحامین بالتزاماتهم، ولمعالجة مرنة لحالات تدقیق ومراجعة حالات خاصة
ولا یعرف البعض ممن یتهم المحامین هیئاتهم الیوم بالفشل ، بان الاتفاقات التي كانت تَتبعُ المفاوضات مع المصالح المعنیة لم تكن هدیة من احد لفائدة المحامین ولا اجراءات متسترة خارج القانون بل كانت النصوص ذات الصلة بالضرائب تنص علیها وتسمح بها للمهن الحرة ولغیرها ، و من وقتها والى الیوم لم یجرؤ احد اتهام المحامین بالتهرب الضریبي ومن یدعي ذلك تنقصه معلومات.
وعلى من یشك في جرءة المحامیات والمحامین وفِي شجاعتهم الأدبیة والمهنیة وفِي مواطنتهم التي یشهد بها التاریخ ،ان یدرك بان اداء الضریبة على دخولهم جزء من حِِّ سهم بالمواطنة، وان المنازعة فیها من قبل بعضهم اداریا أو قضائیاأمر عادي و جزء من الحق في المواطنة كذلك، و ان اتفاقا او تفاوضا مع ادارة الضرائب هو استعمال لحق لهم كمواطنین ملزمین وواجب على كل ادارة القبول به ، وان المصالحة في المجال الضریبي لاعلاقة له بمفهوم الغش الضریبي ولا بالتهرب الضریبي ولا بالهرولة نحو البعبع ولا بالركوع تحت سلطان الادارة، وان المراجعة الضریبیة والتحقیقات الضریبیة لا تعدو ان تكون عملیة حساب تطبق بملایین المرات في الملایین من الحالات ومع الملایین من المواطنین سنویا، مما یكون معه التهجم على المحامین و الانقضاض على فرصة اداء المحامیات والمحامین واجباتهم الضریبیة، او فرصة احتجاجهم من اجل العدالة الضریبیة، او التمسك امام الادارة الضریبیة بمراعاة طبیعة المحاماة وخصوصیاتها وصعوباتها وعمل المحامي واشكالاته التي تتنافى مع كل عملیة تجاریة او مع المضاربة او مع الجري وراء الصفقات، وهي الخصوصیات التي تغیب عن العدید من الأشخاص ومن المرافق ومنها مرفق الضرائب، كل هذه الادعاءات تبقى ما قبیل الهراء یقف وراءها بالتأكید الرغبة في التجني المجاني على مهنة هي المحاماة وعلى المحامین لأسباب لا یعلمها سوى من یجهل عنهما و عن مكانتهما كل شيء.
عكس ما یقوله البعض ممن تفصلهم مسافات من الفهم عن ماهیة المحاماة والمحامین، وممن توقفوا عند حد اتهام ونعت المحامیات والمحامین بأنهم قبائل مشتتة تتحارب بینها او بانهم عشاق اللغو والكلام دون سواه بمناسبة طرح الملف الضریبي، فإن على هؤلاء ان یقرأوا تاریخ المحاماة بالمغرب منذ بدایة العشرینیات من القرن الماضي الى الیوم، وعلیهم ان یشدوا انفاسهم من الإعجاب وتجفیف دموعهم من التأثر عندما یفهموا بأن جسم المحاماة جسم حي ویقظ لا یقتنع باي شيء بسهولة ولا یستسلم لأي امر ببرودة ، كما ان علیهم ان یستوعبوا ما صنعه المحامون لفائدة الوطن، من اجل سمعته ومن أجل قضائه ومن أجل حریته، ولفائدة المواطن من اجل كرامته ومن أجل سلامته وأمنه القانوني والقضائي ومن اجل حقوقه، وفي النهایة علیهم ان یقتربوا من اللحظة المجتمعیة الیوم لكي یعاینوا بأن المحامین لا یرددون الماضي ولا یتنفسون من التراث فحسب ، بل هم الیوم من یلهم النقاش المجتمعي حول مقومات دولة القانون وحول مقومات المواطنة وحول تصحیح درع العدالة بالمغرب وتقویته كشرط للتنمیة والاستقرار والدیمقراطیة ودولة المؤسسات اي إنهم الیوم یحملون المشعل الذي انتقل الیهم من الرواد ومن بناة المحامةت.
و لفائدة الحقیقة وصحة المواقف، عندما یرتفع صوت هیئات المحامین وضوت نقبائهم وجمعیتهم كلسان حالهم ولما تتحرك طاقات المحامیات والمحامین الآن مطالبین بالإنصاف الجبائي فهم یقفون من أجل ذلك وراء مؤسساتهم ومع و انتصارا لأدوارها ولیس ضدها ولا نقیضًا لها، لان المحامین یرفضون أضعاف مؤسساتهم التمثیلیة الرسمیة ویرفضون نعتهم بأنهم فئات وهنة ضعیفة ، فلیست هناك قوة للمحامین إلا مع هیئاتهم ولیست هناك هیئات قویة من دون محامین اقویاء.
وفِي سیاق ما عبرت عنه العدید من الاّراء عقب ما وصلت إلیه مرحلیا مجهودات جمعیة هیئات المحامین والهیئات المكونة لها بالإجماع مع إدارة الضرائب، فإنه من واجبنا كمحامیات وكمحامین أن نتقذم و أن نفكر في المستقبل وان نختار له شعارا یربط ما بین التزاماتنا الجبائیة كمواطنین وما بین حقوقنا وخصوصیاتنا كمهنیین یمیزنا قانون المحاماة و وتمیزنا تقالیدها وطبیعتها.
ومن هنا ومن الآن علینا أن نعترف بأن مجال الضرائب علم وفن وتجربة وخبرة، وأنه علینا أن نتهیئ للمستقبل ونحددمقترحات واختیارات مدروسة بدقة وبجدیة تحت إشراف خبراء في المجال الجبائي لهم تجربة ودرایة، وبعد أن ننجزدراسة سوسیو مهنیة لحالة المحامین، ومن یشتغل في فلكهم من مؤاجرین وید عاملة وكتاب وعدد الأسر التي یتحملها كل مكتب، ونحدد خریطة جغرافیة لمراكز عملهم وانتشارهم عبر تراب المغرب، مع مسح للواقع الإقتصادي و التجاري و الإداري والسكاني والتنموي لكل إقلیم یشتغلون به، والتعرف على حالة محاكم كل منطقة التي یعمل بها المحامون ومجالها والقضایا التي تعالجها طبیعة وعددا ونوعا ، وواقع المهن القانونیة الحرة التي تعمل في نفس المنطقة، وكل هذه المعطیات وغیرها، هي التي ستوضح وستحدد مؤشرات نشاط مكاتب المحامین وحالتهم المهنیة وواقعهم الاجتماعي ومدى قدرة مكاتبهم و تحملاتها و اعباءها ، ثم نتخذ كجمعیة وكهیئات و قبل اقرار قانون المالیة لسنة 2020 ما هي المقترحات التي سنتقدم بها وكیف سنرافع لإقناع المسؤولین بها وما هي الحدود التي سنقبل بها وما هي العناصر التي سنرفض قبولها، ومن دون الإغفال أننا خلال هذه المرحلة لابد من أن یكون معنا مرافقا لنا فریق من المتخصصین ومن المستشارین.
علینا أن نفكر في عدد من الحلول تكون مناسبة للأوضاع المختلفة للمكانت وتنوعها اعتبارا لأن انشطة المكاتب واجتهادات اصحابها لیست من درجة مثماتلة، علینا أن ننطلق مثلا من حق المحامي أختیار النظام الجبائي ما بین النظام الجزافي( المادة 40 من المدونة) ونظام النتائج المحاسبیة المبسطة او الحقیقیة، علینا أن نلح على حذف المحامین الممنوعین من اختیار النظام الجزافي من قائمة الممنوعین بمقتضى مرسوم الوزیر الاول 1992، علینا أن ندافع عن تخفیض سعر الضریبة على قدر المعاملات على الاقل للحدود السابقة أي لسبعة في المائة، علینا أن ندافع لتوسیع المصاریف القابلة للخصم بما فیها رفع النفقات الخاصة عن العربات بسبب تنقلات المحامین یومیا وشهریا وسنویا، علینا المرافعة من أجل إعفاء المحامین المبتدئین لفترة خمس سنوات الأولى من الضریبة على الدخل خصوصا بالنسبة من لهم سوى الدخل المهني فقط، علینا المرافعة من أجل منح أعفاءات من الضریبة على الدخل لتشمل فئات المحامین من السنة الاولى للثالثة وتخفیض سعر الضریبة بالنسبة للمحامین من السنة المهنیة الرابعة للعاشرة وذلك إسوة بالإعفاءات المنصوص علیها لفائدة عدد من المقاولات ومن التجار، علینا الدفاع عن توسیع حجم الخصم لیشمل مصاریف المحامین الأسریة الذین لا دخول لهم سوى دخل مكاتبهم لفترة الخمس سنوات الاولى، علینا المرافعة لعدم فرض الضریبة على الدخل على أحد الشركاء فقط في الشركة المدنیة للمحاماة، علینا العمل من اجل أن ننخرط في مراكز تدبیر المحاسبات المعتمدة الخاضعة لقانون 90 .57 للاستفادة من تخفیض من اساس الضریبة على من اختاروا نظام النتجة الصافیة المبسطة بنسبة 15 قي المائة، علینا الإلحاح بل التشدد لكي یرفع عن المحامیات والمحامین ما یتعرضون له أحیانا من حصار ضریبي في بعض الجهات من بعض الادارات الجهویة یصل لحجز اموال زبناءهم دون اشعار ودون حق أحیانا، وعلینا أن نلح في أن یكون للهیئات ونقباء الهیئات دور قانوني مسطري سابق في اطار مدزنة الضرائب عن كل أجراء من اجراءات التدقیق او التفتیش أو الفرض التلقائي…..الخ، وغیرها من المقترحات الممكن العمل من أجلها استقبالا اي بدایة من الیوم لتكون حصیلتها بارزو في قانون المالیة للسنة لمقبلة
في اعتقادي، لقد مضى زمن الاحتجاج الشفوي والعرضي العابر، لقد مضى زمن ردود الفعل والارتجال، لقد تجَرعنا نتائج الأخطاء والخطوات غیر المَوزونة التي تقسم صُفوفنا وتضْعف قوانا وأنفاسنا و لا تفتح لنا ایة آفاق.
لقد أصبح لزاما علینا كمحامیات وكمحامین الیوم أن نتعاقد تعاقدا صلبا مع مهنتنا ونتصالح مع هیئاتنا، بمعني أن نتجنبما یمكن أن یضعف أدوارها المهنیة العامة كممثل مهني وحید وكقیادة قانونیة مشروعة لكل المحامین مختارة دیمقراطیامنا وباصواتنا وفي انتخاباتنا بواسطة شبابنا وشیوخنا.
وأعتقد أن هیئات ونقباء المحامین لهم مصداقیة وعلیهم واجب أخلاقي وهو أن یحافظوا علیها أمام المحامین وأمام الرأي العام وأمام كل الفرقاء، وأن یستعملوا المنطق والعقل مع كل الإشكالات التي تطرح علیهم وعلى المحامین ویتناولوها من منطلق مسؤول دون حسابات أو مصالح ضیقة.
الرباط: 5 ینایر 2019