المساواة أمام القضاء من أهم المبادىء التى يقوم عليها النظام القضائى ، بها تتحقق ثقة الناس فى القضاء ويصبح موضع طمأنينتهم، بل أنها أول لبنة يقوم عليها أى صرح قضائى عادل، ذلك أنها تتفق وما فطر عليه الأنسان ، وحتى تتحقق هذه المساواة يلزم:
أولاً: أن يكون لكل مواطن الحق فى الإلتجاء إلى القضاء ، وهو ما أكدته المادة 68 من دستور مصر الدائم بنصها على أن" التقاضى حق مصون ومكفول للناس كافة" وحتى تكتمل فاعلية هذا الحق حرص الدستور على النص فى نفس المادة على أنه" يحظر النص فى القوانين على تحصين أى عمل أو قرار
إدارى من رقابة القضاء".
ثانياً: عدم التمييز بين المتقاضين وإحترام حق كل مواطن فى الإلتجاء إلى قاضيه الطبيعى ، وهذا هو منهج الشريعة الإسلامية ؛ يقول تعالى مخاطباً نبيه محمداً- صلى الله عليه وسلم-
} إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله { فلا تفرقة بين الناس عند الحكم بينهم بحسب الأصل أو الحسب أو العقيدة ، ويقول الرسول- صلى الله عليه وسلم– فى حديث شريف " لا فضل لعربى على أعجمى إلا بالتقوى"
وقد طبق الرسول الكريم– صلى الله عليه وسلم– وأصحابه من بعده هذا المبدأ فيما عرض عليهم من قضايا ، فها هو رسول الله- صلى الله عليه وسلم– يقول لأسامة حينما جاءه يشفع فى عدم تطبيق حد السرقة على إمراة من بنى مخزوم مراعاة لحسبها ونسبها، أتشفع فى حد من حدود الله يا أسامة ؟ إنما هلك من قبلكم ، كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد، والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها .
وهاهو أبو بكر رضى الله عنه حينما تولى الخلافة وكان له القضاء يخاطب المسلمين " ألا إن أقواكم عندى الضعيف حتى آخذ الحق منه، وأضعفكم عندى القوى حتى آخذ الحق له"
وهاهو عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقول فى خطابه إلى قاضيه بالكوفة، أبو موسى الأشعرى "آس الناس فى مجلسك وفى وجهك وقضائك، حتى لا يطمع شريف فى حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك"
ويقول ابن القيم فى شرح ذلك متى خص القاضى أحد المتخاصمين بالدخول عليه أو القيام له أو بصدر المجلس أو الإقبال عليه والبشاشة له والنظر إليه، كان ذلك عنوان حيفه وظلمه . وفى تخصيص أحد الخصمين بمجلس أو إقبال أو إكرام مفسدتان: إحداهما؛ طمعه فى أن يكون الحكم له فيقوى قلبه وجنانه ، والثانية أن الخصم الآخر ييأس من عدله ويضعف قلبه وتنكسر حجته.
وقد طبق عمر بن الخطاب هذه المساواة ، فلم يشفع عنده فى الخروج عليها سبق إسلام أو عظمة جهاد فى سبيل الله أو شرف الصحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. " جاء مصرى فشكا إليه واليها عمرو بن العاص، وزعم أن الوالى أجرى الخيل فأقبلت فرس المصرى فحسبها محمد بن عمرو فرسه وصاح: فرسى ورب الكعبة .. ثم اقتربت وعرفها صاحبها فغضب محمد بن عمرو ووثب على الرجل بضربه بالسوط ويقول له: خذها وأنا ابن الأكرمين، وبلغ ذلك أباه فخشى أن يشكوه المصرى فحبسه زمنا .. ومازال محبوساً حتى أفلت وقدم إلى الخليفة لإبلاغه شكواه .."
" قال أنس بن مالك راوى القصة: فوالله مازاد عمر بن الخطاب على أن قال له إجلس .. ومضت فترة إذا به خلالها قد استقدم عمرو وابنه من مصر فقدما ومثلا فى مجلس القصاص ، فنادى عمر: أين المصرى؟ دونك الدرة فاضرب بها ابن الأكرمين " فضربه حتى أثخنه ونحن نشتهى أن يضربه، فلم ينزع حتى أحببنا أن ينزع من كثرة ما ضربه، وعمر يقول: اضرب ابن الأكرمين.. ثم قال: إجلها على صلعة عمرو... فوالله ما ضربك ابنه إلا بفضل سلطانه.. قال عمرو فزعاً: ياأمير المؤمنين قد استوفيت واشتفيت، وقال المصرى معتذراً: يا أمير المؤمنين قد ضربت من ضربنى .. فقال عمر أما والله لو ضربته ما حلنا بينك وبينه حتى تكون أنت الذى تدعه، والتفت إلى عمرو مغاضباًً يقول له تلك القولة الخالدة التى ما قالها حاكم قبله: " أيا عمرو .. متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً "
وهذا على أبن أبى طالب رضى الله عنه " وجد درعه عند رجل نصرانى فأقبل به إلى شريح – قاضيه – يخاصمه مخاصمة رجل من عامة رعاياه ، وقال إنها درعى ولم أبع ولم أهب. فسأل شريح ، النصرانى : ما تقول فيما يقول أمير المؤمنين ؟ قال النصرانى: ما الدرع إلا درعى وما أمير المؤمنين عندى بكاذب، فالتفت شريح إلى على يسأله: يا أمير المؤمنين هل من بينة ... فضحك على وقال: أصاب شريح. ما لى بينة. فقضى بالدرع للنصرانى: فأخذها ومشى، وأمير المؤمنين ينظر إليه... إلا أن النصرانى لم يخط خطوات حتى عاد يقول: أمير المؤمنين يقاضينى إلى قاضيه فيقضى عليه ... أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. والدرع والله درعك ياأمير المؤمنين. تبعت الجيش وأنت منطلق إلى صفين، فخرجت من بعيرك الأروق. فقال على: أما إذ أسلمت فهى لك وشهد الناس هذا الرجل بعد ذلك وهو من أصدق الجند بلاء فى قتال الخوارج"
نخلص من ذلك إلى:
(أ) أن الشريعة الإسلامية لا تفرق بين الناس أما القضاء بحسب الأصل أو الحسب أو المكانة أو العقيدة.
(ب) أنها تطبق على المتقاضين نفس الإجراءات وتحيطهم بذات الضمانات.
(جـ) أنها لا تقر فكرة المحاكم الخاصة ، فمن حق كل متقاضى أن يحاكم أمام القضاء العادى أو ما يسميه الفقه بالقاضى الطبيعى
والمقصود بالمحاكم الخاصة تلك التى تختص بنظر قضايا معينة أو محاكمة فئة من الناس أو لمواجهة ظروف معينة، وتشكل عادة من غير القضاة أو يشتمل تشكيلها على عدد من غير القضاة، ولا يحاط المتقاضى أمامها بالضمانات المقررة أمام القضاء العادى.
وقد أكدت هذه المساواة بعد نحو أربعة عشر قرنا؛ المادة الأولى من الإعلان العالمى لحقوق الأنسان الصادر فى 10 ديسمبر سنة 1948 حيث نصت على أن: جميع الناس أحرار متساوون فى الكرامة والحقوق. كما أكدتها المادة 40 من الدستور المصرى، فنصت على أن المواطنين لدى القانون سواء وهم متساوون فى الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم فى ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة. كما نصت المادة 68 من الدستور على
أن لكل مواطن حق الإلتجاء إلى قاضيه الطبيعى
عن كتاب الوسيط في قانون المرافعات
بقلم د. أحمد الصاوي - جامعة القاهرة
أولاً: أن يكون لكل مواطن الحق فى الإلتجاء إلى القضاء ، وهو ما أكدته المادة 68 من دستور مصر الدائم بنصها على أن" التقاضى حق مصون ومكفول للناس كافة" وحتى تكتمل فاعلية هذا الحق حرص الدستور على النص فى نفس المادة على أنه" يحظر النص فى القوانين على تحصين أى عمل أو قرار
إدارى من رقابة القضاء".
ثانياً: عدم التمييز بين المتقاضين وإحترام حق كل مواطن فى الإلتجاء إلى قاضيه الطبيعى ، وهذا هو منهج الشريعة الإسلامية ؛ يقول تعالى مخاطباً نبيه محمداً- صلى الله عليه وسلم-
} إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله { فلا تفرقة بين الناس عند الحكم بينهم بحسب الأصل أو الحسب أو العقيدة ، ويقول الرسول- صلى الله عليه وسلم– فى حديث شريف " لا فضل لعربى على أعجمى إلا بالتقوى"
وقد طبق الرسول الكريم– صلى الله عليه وسلم– وأصحابه من بعده هذا المبدأ فيما عرض عليهم من قضايا ، فها هو رسول الله- صلى الله عليه وسلم– يقول لأسامة حينما جاءه يشفع فى عدم تطبيق حد السرقة على إمراة من بنى مخزوم مراعاة لحسبها ونسبها، أتشفع فى حد من حدود الله يا أسامة ؟ إنما هلك من قبلكم ، كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد، والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها .
وهاهو أبو بكر رضى الله عنه حينما تولى الخلافة وكان له القضاء يخاطب المسلمين " ألا إن أقواكم عندى الضعيف حتى آخذ الحق منه، وأضعفكم عندى القوى حتى آخذ الحق له"
وهاهو عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقول فى خطابه إلى قاضيه بالكوفة، أبو موسى الأشعرى "آس الناس فى مجلسك وفى وجهك وقضائك، حتى لا يطمع شريف فى حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك"
ويقول ابن القيم فى شرح ذلك متى خص القاضى أحد المتخاصمين بالدخول عليه أو القيام له أو بصدر المجلس أو الإقبال عليه والبشاشة له والنظر إليه، كان ذلك عنوان حيفه وظلمه . وفى تخصيص أحد الخصمين بمجلس أو إقبال أو إكرام مفسدتان: إحداهما؛ طمعه فى أن يكون الحكم له فيقوى قلبه وجنانه ، والثانية أن الخصم الآخر ييأس من عدله ويضعف قلبه وتنكسر حجته.
وقد طبق عمر بن الخطاب هذه المساواة ، فلم يشفع عنده فى الخروج عليها سبق إسلام أو عظمة جهاد فى سبيل الله أو شرف الصحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. " جاء مصرى فشكا إليه واليها عمرو بن العاص، وزعم أن الوالى أجرى الخيل فأقبلت فرس المصرى فحسبها محمد بن عمرو فرسه وصاح: فرسى ورب الكعبة .. ثم اقتربت وعرفها صاحبها فغضب محمد بن عمرو ووثب على الرجل بضربه بالسوط ويقول له: خذها وأنا ابن الأكرمين، وبلغ ذلك أباه فخشى أن يشكوه المصرى فحبسه زمنا .. ومازال محبوساً حتى أفلت وقدم إلى الخليفة لإبلاغه شكواه .."
" قال أنس بن مالك راوى القصة: فوالله مازاد عمر بن الخطاب على أن قال له إجلس .. ومضت فترة إذا به خلالها قد استقدم عمرو وابنه من مصر فقدما ومثلا فى مجلس القصاص ، فنادى عمر: أين المصرى؟ دونك الدرة فاضرب بها ابن الأكرمين " فضربه حتى أثخنه ونحن نشتهى أن يضربه، فلم ينزع حتى أحببنا أن ينزع من كثرة ما ضربه، وعمر يقول: اضرب ابن الأكرمين.. ثم قال: إجلها على صلعة عمرو... فوالله ما ضربك ابنه إلا بفضل سلطانه.. قال عمرو فزعاً: ياأمير المؤمنين قد استوفيت واشتفيت، وقال المصرى معتذراً: يا أمير المؤمنين قد ضربت من ضربنى .. فقال عمر أما والله لو ضربته ما حلنا بينك وبينه حتى تكون أنت الذى تدعه، والتفت إلى عمرو مغاضباًً يقول له تلك القولة الخالدة التى ما قالها حاكم قبله: " أيا عمرو .. متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً "
وهذا على أبن أبى طالب رضى الله عنه " وجد درعه عند رجل نصرانى فأقبل به إلى شريح – قاضيه – يخاصمه مخاصمة رجل من عامة رعاياه ، وقال إنها درعى ولم أبع ولم أهب. فسأل شريح ، النصرانى : ما تقول فيما يقول أمير المؤمنين ؟ قال النصرانى: ما الدرع إلا درعى وما أمير المؤمنين عندى بكاذب، فالتفت شريح إلى على يسأله: يا أمير المؤمنين هل من بينة ... فضحك على وقال: أصاب شريح. ما لى بينة. فقضى بالدرع للنصرانى: فأخذها ومشى، وأمير المؤمنين ينظر إليه... إلا أن النصرانى لم يخط خطوات حتى عاد يقول: أمير المؤمنين يقاضينى إلى قاضيه فيقضى عليه ... أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. والدرع والله درعك ياأمير المؤمنين. تبعت الجيش وأنت منطلق إلى صفين، فخرجت من بعيرك الأروق. فقال على: أما إذ أسلمت فهى لك وشهد الناس هذا الرجل بعد ذلك وهو من أصدق الجند بلاء فى قتال الخوارج"
نخلص من ذلك إلى:
(أ) أن الشريعة الإسلامية لا تفرق بين الناس أما القضاء بحسب الأصل أو الحسب أو المكانة أو العقيدة.
(ب) أنها تطبق على المتقاضين نفس الإجراءات وتحيطهم بذات الضمانات.
(جـ) أنها لا تقر فكرة المحاكم الخاصة ، فمن حق كل متقاضى أن يحاكم أمام القضاء العادى أو ما يسميه الفقه بالقاضى الطبيعى
والمقصود بالمحاكم الخاصة تلك التى تختص بنظر قضايا معينة أو محاكمة فئة من الناس أو لمواجهة ظروف معينة، وتشكل عادة من غير القضاة أو يشتمل تشكيلها على عدد من غير القضاة، ولا يحاط المتقاضى أمامها بالضمانات المقررة أمام القضاء العادى.
وقد أكدت هذه المساواة بعد نحو أربعة عشر قرنا؛ المادة الأولى من الإعلان العالمى لحقوق الأنسان الصادر فى 10 ديسمبر سنة 1948 حيث نصت على أن: جميع الناس أحرار متساوون فى الكرامة والحقوق. كما أكدتها المادة 40 من الدستور المصرى، فنصت على أن المواطنين لدى القانون سواء وهم متساوون فى الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم فى ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة. كما نصت المادة 68 من الدستور على
أن لكل مواطن حق الإلتجاء إلى قاضيه الطبيعى
عن كتاب الوسيط في قانون المرافعات
بقلم د. أحمد الصاوي - جامعة القاهرة