القاعدة:
مصادرة المبالغ المالية المتحصل عليها من جراء الاتجار في المخدرات وفق الفصل 11 من ظهير 21-5-74 حتى ولو كانت عقارات التي هي في حكم ما آلت إليه المبالغ المالية -نعم-
تبيان مصدر الممتلكات المنقولة والعقارية وحصرها فيما إذا كانت متحصلة من الاتجار في المخدرات والسعي إلى تبييضها باقتناء عقارات يعهد به إلى جهة مختصة - نعم
نص القرار:
أصدر المجلس الأعلى بجميع غرفه في الجلسة العلنية القرار الآتي نصه:
بناء على طلب النقض المرفوع من المسمى (أ.م) بمقتضى تصريح أفضى به شخصيا بتاريخ 14-12-2005 لدى مدير السجن المحلي بالحسيمة، والرامي إلى نقض القرار عدد 129/05 الصادر حضوريا،بعد النقض والإحالة،عن غرفة الجنايات الاستئنافية بمحكمة الاستئناف بالمدينة المذكورة بتاريخ 12-12-2005 في القضية ذات العدد 50/2004 والقاضي بمصادرة ما يلي لفائدة الدولة المغربية:
مبلغ 606.86 درهما المودع بالبنك المغربي ... بتطوان في الحساب رقم 010380001148700175.
الشقة رقم 5 .... بتطوان المسجلة بجدول الضريبة الحضرية تحت عدد 51413642.
لمنزل الكائن بشارع .... المسجل بجدول الضريبة 51603837.
الشقة بالطابق الأول بتجزئة ك.... المسجلة بجدول الضريبة الحضرية تحت عدد 51846487.
العمارة رقم 23 ب.... بتطوان المسجلة بجدول الضريبة تحت عدد 51403565.
الشقة الكائنة بشارع ..... بتطوان المسجلة تحت عدد 51304030.
الشقة رقم 5 ..... بتطوان المسجلة بجدول الضريبة الحضرية تحت عدد 51413614.
مع تحميله الصائر وتحديد مدة الإجبار في الأدنى.
إن المجلس الأعلى بجميع غرفة
بعد أن تلت السيدة المستشارة المقررة فاطمة بزوط التقرير المكلفة به في القضية.
وبعد الانصات للسيد أحمد الموساوي المحامي العام الأول في مستنتجاته.
وبعد الاستماع إلى أذ عبد الحميد أشركي في ملاحظاته الشفوية.
في الشكل:
حيث إنه تطبيقا لمقتضيات المادة 542 من ق م ج سبق للهيئة المعينة للنظر في القضية ( القسم الجنائي السابع ) أن قررت بتاريخ 14-02-2007 إحالتها على هيئة الحكم مكزنة من غرفتين مجتمعتين،وعين السيد الرئيس الأول للمجلس الأعلى بتاريخ 29-03-2007 الغرفة المدنية (القسم الثاني) لتضاف إليها.ثم قررت هيئة الغرفتين بتاريخ 20-06-2007 إحالة القضية للبث افيها إلى المجلس الأعلى بمجموع غرفه.
ونظرا للمذكرة المدلى بها من لدن الطاعن بإمضاء أذ محمد نجب الفزكاوي المحامي بهيئة المحامين بتطوان المقبول للترافع أمام المجلس الأعلى،والمتضمنة لأسباب الطعن بالنقض،وعلاوة على ذلك فإن طلب النقض موافقا لما يقتضيه القانون فهو مقبول شكلا.
في الموضوع:
في شأن الفرع الأول من وسيلة النقض الأولى والوسيلتين الثانية والثالثة،المتخذة مجتمعة من انعدام الأساس القانوني وانعدام التعليل،وخرق مقتضيات المادة 554 من ق م ج والفصل 44 من ق ج.
ذلك من جهة أولى فقد سبق للمجلس الأعلى أن أصدر قرارا في النازلة بتاريخ 26-12-2002 تحت عدد 3000/8 قضى بنقض القرار الاستئنافي السابق فيما قضى به من مصادرة أملاك عقارية للعارض،استنادا إلى أن عبارة (جميع المبالغ المالية المتحصل عليها من ارتكاب الجريمة) الواردة في الفصل 11 من ظهير 21-05-1974 إنما يقصد بها النقود أو القيم المنقولة وليس العقارات.
وبخلاف ما قضى به قرار المجلس الأعلى هذا،فإن محكمة الاستئناف المطعون في قرارها حملت الفصل المذكور ما لا يحتمل حين ذهبت وعن خطأ إلى الحديث عن المال وما يؤول إليه وانتهت في تفسيرها إلى اعتبار العقار مشمولا بالمصادرة.
ومن جهة ثانية فإن المحكمة لم تتقيد بالنقطة القانونية التي بث فيها المجلس الأعلى عندما قضت بمصادرة العقارات المملوكة للعارض،رغم أن المجلس الأعلى بمقتضى قراره السابق كان نقض القرار الاستئنافي الذي كان قضى بمصادرتها استنادا إلى الفصل 11 المذكور،الذي لم ينص على مصادرة العقارات،وإنما تخضع لها النقود أو القيم المنقولة.
ومن جهة ثالثة فإنه طبقا للفصل 44 من ق ج لا يجوز الحكم بالمصادرة إلا في الأحوال التي يوجد فيها نص خاص صريح،والفصل 11 المذكور لا يتضمن الإشارة للعقارات في معرض تحديد الأشياء التي يجب حجزها ومصادرتها في جرائم المخدرات،إذ لو كان المشرع قصد مصادرة العقارات لنص على ذلك صراحة.
وانتهى العارض إلى أن المحكمة لما قضت بمصادرة العقارات المملوكة له لم تعلل ما قضت به وخرقت فصول القانون المذكور مما يعرض قرارها للنقض والإبطال.
حيث أنه خلافا لما ينعاه الطاعن على القرار المطعون فيه فقد جاء في تعليله ما يلي على الخصوص:
"...لما ورد في الفصل 11 من ظهير 21-05-1974 التالي: (يتعين على المحاكم في جميع الحالات المنصوص عليها في الفصول السابقة أن تصادر المواد...وكذا جميع المبالغ المالية المتحصل عليها من ارتكاب الجريمة...) فإن المشرع بذلك لم يستثن الأموال التي حصل عليها المتهم من أفعال غير مشروعة وأصبحت في عداد ما يؤول إلى المال وهو العقارات...".
"...وحيث تبعا لما ذكر فإن هذه المحكمة تكون لديها الاقتناع بأن الفصل 11 من الظهير المذكور نص على مصادرة الأموال المتحصل عليها من جراء الاتجار في المخدرات وعلى كل الممتلكات التي مال متحصل من التعامل بالمخدرات ولو كانت عقارات هي بالضرورة في حكم ما آل إلى المال،وبالتالي استوجب مصادرة عقاراته التي لا غبار على أنها من أموال تراكمت من الاتجار في المخدرات..."
وحيث يتجلى من هذا التعليل أن محكمة الإحالة المطعون في قراراها قد اجتهدت في تبيان نطاق المصادرة والأموال المشمولة بها في جرائم المخدرات تطبيقا لمقتضيات الفصل 11 من ظهير 12/5/1974 على الجريمة التي أدين بها العارض في القضية.
وحيث أن مقتضيات هذا الفصل بالمصادرة في جرائم المخدرات وبالنظر إلى منطوقها وإلى غاية المشرع منها لا تمنع المحكمة – وهي تحكم بالمصادرة كعقوبة إضافية – من أن تتتبع المبالغ المالية التي ثبت لها أنها متحصلة من ارتكاب إحدى جرائم المخدرات التي يتعين فيها الحكم بالمصادرة،وأن تقتفي أثر تلك الأموال إلى ما قد تكون آلت إليه عندما يتم دمجها في أموال أخرى أو تحويلها إليها أيا كان نوعها،وأن تمتد إليها المصادرة كعائدات مالية متحصل عليها من ارتكاب تلك الجرائم وفي حدود مبلغ تلك العائدات،على شرط أن تتقيد بالضوابط القانونية العامة والخاصة للعقوبة المذكورة كما وردت في الفصول 36/5 و42 و44 و45 من ق ج والفصل 11 من ظ 21/5/1974.
الأمر الذي جاء معه القرار المطعون فيه في شأن ما ذكر معللا تعليلا كافيا من الناحيتين الواقعية والقانونية ولم يخرق مقتضيات المادة 554 من ق م ج ولا الفصل 44 من ق ج في شيء فكان الفرع والوسيلتان المستدل بهما في هذا الشأن غير مبنية على أساس قانوني.
لكن في شأن الفرع الثاني من وسيلة النقض الأولى المتخذة من انعدام الأساس القانوني وانعدام التعليل:
ذلك أن البحث المجرى لحصر ممتلكات العارض العقارية والمنقولة،ولبيان مصدرها وما إذا كانت متحصلة من الإتجار في المخدرات قد انجز من طرف جهة غير مختصة،فجاء مبهما وغامضا فيما يخص كون مصدر الممتلكات المحكوم بمصادرتها هو الأموال التي حصل عليها العارض من نشاطه في تهريب المخدرات والعمل على تبييضها باقتناء عقارات،وذلك استنادا إلى المعلومات المتوفرة لدى المصلحة التي أنجزت البحث،من دون ذكر لمصدر هذه المعلومات لتقدير حجيتها.فتكون المحكمة لما صادرت ممتلكات العارض استنادا إلى ما ذكر ومن غير أن تناقش ما تمسك به من أن أساس ثروته هو نشاطه في التجارة في الملابس بين المغرب وإسبانيا قد جعلت قرارها منعدم التعليل،ومن تمة عرضة للنقض والإبطال.
بناء على المادتين 365 و370 من ق م ج.
حيث إنه بمقتضى البند رقم 8 من المادة 365 والبند رقم 3 من ق م ج يجب أن يحتوي كل حكم أو قرار على الأسباب الواقعية والقانونية التي ينبني عليها وإلا كان باطلا،وأن نقصان التعليل يوازي انعدامه.
وحيث ينص الفصل 11 من ظهير 21/5/1974 على أنه:"..يتعين على المحاكم في جميع الحالات المنصوص عليها في الفصول السابقة أن تصادر المواد والنباتات المحجوزة تطبيقا للفصل 89 من ق ج، كذا جميع المبالغ المالية المحصل عليها من ارتكاب الجريمة،وتأمر كذلك بحجز أدوات ومنشآت تحويل النباتات أو صنعها والوسائل المستعملة لنقلها..".
وحيث لئن انقادت محكمة الإحالة لقرار المجلس الأعلى بخصوص إجراء بحث حول المصدر غير المشروع لممتلكات العارض المحكوم بمصادرتها،إلا أنها_ أي المحكمة_ لم تربط في تعليلها،ربطا واقعيا وقانونيا بين ارتكاب الأفعال الإجرامية التي تمت إدانة طالب بها وبين ما حكم بمصادرته من أموال مملوكة له فهي اكتفت في تعليلها وبصفة مجملة وعامة،بقولها (إن الأمر يستوجب مصادرة عقاراته التي لا غبار على أنها من أموال تراكمت من اتجاره في المخدرات) دون توضيح للكيفية والظروف التي تم فيها ذلك،أو تبيان العمليات الإجرامية التي تحصلت منها تلك الأموال,خاصة إن حكم بالمصادرة كعقوبة إضافية لأن العبرة هي بتعليل ثبوت العلاقة المذكورة.
وعليه فإن المحكمة لما قضت بمصادرة ممتلكات العارض على النحو الوارد في منطوق قرارها،دون أن تبرز بما فيه الكفاية في تعليلها لذلك كون اموال المحكوم بمصادرتها متحصلا عليها مباشرة أو بصفة غير مباشرة كليا أو جزئيا من الأفعال الجرمية التي تمت إدانته بها لا من غيرها،فقد جعلت قرارها بخصوص ما ذكر ناقص التعليل الموازي لانعدامه ومعرضا – بالتالي- للنقض والإبطال
ونظرا لمقتضيات الفقرة الأولى من المادة 550 من ق م ج،فقد قرر إحالة القضية على محكمة الاستئناف بالرباط.
من أجله
قضى بنقض وإبطال القرار المطعون فيه الصادر عن غرفة الجنح الاستئنافية بمحكمة الاستئناف بالحسيمة بتاريخ 12/12/2005 في القضية ذات العدد 50/2004، وبإحالتها على محكمة الاستئناف بالرباط للبث فيها من جديد طبقا للقانون.
وبتحميل الخزينة العامة المصاريف القضائية.
كما قرر إثبات قراره هذا بسجلات محكمة الاستئناف بالحسيمة إثر القرار المطعون فيه أو بطرته.
وبه صدر القرار وتلي بالجلسة العلنية المنعقدة بالتاريخ المذكور أعلاه بقاعة الجلسات العادية بالمجلس الأعلى.
وكانت الهيئة الحاكمة المكونة من مجموع غرف المجلس الأعلى الست متركبة من السيد الطيب أنجارأنجار رئيسا،وعضوية السادة رؤساء الغرف والمستشارين:ابراهيم باحماني،الباتول الناصري،أحمد حنين،محمد العلامي،مليكة بنزاهير،حسن القادري،فاطمة بازوط مقررة أحمد يوسف علوي،عبد السلام البري،عبد الله الزيادي،الحنفي المساعدي،جميلة المدور،محمد بن يعيش،حسن منصف،عبد الكبير فريد،محمد الترابي،زهور الحر،فاطمة بناسي،نزهة جعكيك،عبد الرحمان المصباحي،السعيد شوكيب،أحمد دينيا،محمد منقار سبيلا،حسن مرشان،الزهرة الطاهري،محمد سعد جرندي،مليكة بامي،عبد اللطيف الغازي.
وبحضور ممثلي النيابة العامة المحامين العامين السادة أحمد المساوي،فاطمة الحلاق،أسيا ولعلو،وبمساعدة كاتب الضبط السيد بناصر معزوز.
تمهيد
إن التطور الحاصل في جرائم المخدرات والمؤثرات العقلية وتأثيراتها السلبية على الاقتصاد الوطني جعل المشرع المغربي يتدخل لوضع حد لأباطرة المخدرات وردعهم بكل الوسائل القانونية الممكنة لتجنب الكارثة,إن على المستوى الاجتماعي لما تخلف هذه المواد السامة من مضاعفات على صحة المدمنين وعلى محيطهم الاجتماعي،وكذلك على مستوى الاقتصادي لما يسفر عنها من تبييض لأموال متحصلة من الاتجار في المخدرات و المؤثرات العقلية من تهديد للأمن والاستقرار الاقتصادي للبلاد.
والمغرب باعتبار موقعه الجيواستراتيجي وقربه من أوروبا يعرف هذا النوع من الجرائم,شأنه كباقي الاقطار المجاورة وعمل على الانخراط رفقة المنتظم الدولي في التصدي لمثل هذه الجرائم من خلال التوقيع على اتفاقية الأمم المتحدة المبرمة في هذا الشأن بتاريخ 19ـ12ـ1988 المصادق عليها بمقتضى ظهير رقم 238ـ92ـ1 بتاريخ 29ـ1ـ2002،ولعل المشرع المغربي كان واعيا بخطورة هذه الجرائم المرتبطة بالاتجار بالمخدرات والمؤثرات العقلية وبادر إلى إقرار ظهير 21ـ5ـ1974 كمرجع تشريعي لزجر الإدمان على المخدرات ووقاية المدمنين عليها ومكافحة الاتجار غير المشروع فيها.
غير أن بعض الفقه يرى أن هذا الظهير أصبح بحكم التطور الحاصل في وسائل الاتصال ونقل السلع والأموال وما واكب ذلك من تطور في طرق تهريب المخدرات وإخفاء الأموال الناتجة عنها،أصبح في حاجة إلى إعادة النظر في بعض نصوصه وتعديلها على نحو يساير التطور الحاصل في هذا النوع من الجرائم.[1]وإذ نؤكد على أن المشرع المغربي مطالب بالعمل على مواكبة تشريعاته لهذه التطورات،لأنه من غير الممكن العمل بقوانين صادرة في حقب زمنية متفاوتة سارية المفعول في ظل منظومة معلوماتية و وسائل الاتصال ونقل السلع و الأموال التي يعمل أباطرة المخدرات على استعمالها في تمرير وإخفاء الأموال الناتجة عنها.
من هذا المنطلق يجب العمل وفق مقاربة تشاركية تسعى إلى تعزيز التعاون بين السلطة القضائية و السلطة التشريعية من اجل إيجاد نسق قانوني متكامل يقف حجرة عثرة أمام أباطرة المخدرات والمؤثرات العقلية لردعهم عن العبث بعقول البشرية وتخريب اقتصاديات الدول،فعلى المشرع مواكبة كل الاجتهادات القضائية في هذا الباب حتى يتمكن من وضع نظام قانوني يتضمن مفاهيم واضحة الدلالة لتجاوز كل الاشكالات القانونية فيما بعد،والنظر وفق ورؤية مستقبلية للمتغيرات الجيواستراتيجية وللوسائل اللوجيستيكية والمعلوماتية المعتمدة في اقتراف مثل هذه الجرائم.
ومن بين فصول ظهير 21ـ5ـ1974 التي أثارت القيل والقال واستدعت تدخل القضاء لوضع حد لهذا الجدال،نجد الفصل 11 من الظهير المذكور الذي ينص على " يتعين على المحاكم في جميع الحالات المنصوص عليها في الفصول السابقة ( الفصول من 1 إلى 10 ) أن تصادر المواد أو النباتات المحجوزة تطبيقا للفصل 89 من القانون الجنائي وكذا جميع المبالغ المالية المتحصل عليها من ارتكاب الجريمة وتأمر كذلك بحجز أدوات ومنشآت لتحويل المواد أو النباتات وصنعها والوسائل المستعملة لنقلها.
ويجوز للمحكمة المرفوعة إليها القضية في جميع الحالات المنصوص عليها في المقطع 1 من الفصل 3 أن تأمر بمصادرة جميع الأثاث والأشياء المنقولة المزينة أو المزخرفة بها الأماكن والأدوات المعدة أو المستعملة لأغراض المخدرات"
وقبل التعليق على قرار محكمة النقض رقم 2945/7 المؤرخ في 29-12-2010 لابد من تحديد ماهية المصادرة ونطاق تطبيقها على جرائم المخدرات والمؤثرات العقلية.
1)ماهية المصادرة:
هناك تعار يف عدة لمفهوم المصادرة فقد عرفها الدكتور جندي عبد المالك بأنها " تمليك الحكومة الأشياء المحصلة من الجريمة والآلات التي استعملت أو من شأنها أن تستعمل فيها"[2].وعرفها الأستاذ علي راشد بأنها " عقوبة مادية او عينية من شأن الحكم بها أن ينقل إلى جانب الدولة ملكية الأشياء التي تحصلت من الجريمة أو التي استعملت او كان من شأنها أن تستعمل فيها[3]. في حين صاغ لها الأستاذ أحمد فتحي سرور تعريفا حيث عرفها بأنها "نزع ملكية المال جبرا على مالكه وإضافته إلى ملك الدولة بغير مقابل".[4]
والمشرع المغربي نص في مجموعة القانون الجنائي على أن المصادرة هي "تمليك الدولة جزءا من أموال المحكوم عليه أو بعض أملاك معينة"[5]ويمكن صياغة تعريف للمصادرة انطلاقا من التعاريف السابقة بالقول أن المصادرة هي "تمليك الدولة أموال المحكوم عليه المنقولة والعقارية كليا أو جزئيا المتحصلة من ارتكاب الجريمة والأشياء والأدوات التي استعملت أو كانت ستستعمل في ارتكابها ."
المشرع الفرنسي اكتفى بعرض المصادرة ضمن العقوبات التكميلية دون أن يعمد إلى وضع تعريف لها،بحيث ترك المجال مفتوحا أمام الفقهاء لبسط التعاريف الفقهية في هذا الباب[6]
2) نطاق المصادرة في جرائم المخدرات والمؤثرات العقلية:
المصادرة وفق التعريف المتبنى تسري على الشخص المدان من أجل جريمة من جرائم المخدرات والمؤثرات العقلية،غير أنه وجب التمييز بين المصادرة وفق الفصل 43 من القانون الجنائي وبين المصادرة وفق الفصل 89 منه،لذلك أمكن القول أننا أمام نوعين من المصادرة الأولى تتعلق بالمصادرة كعقوبة إضافية،والثانية تتعلق بالمصادرة كتدبير وقائي.
1 ـ المصادرة كعقوبة إضافية:
"ينص الفصل 43 من ق ج على ما يلي " في حالة الحكم بالمؤاخذة عن فعل يعد جناية،يجوز للقاضي أن يحكم بأن يصادر لفائدة الدولة،مع حفظ حقوق الغير،الأدوات والأشياء التي استعملت أو كانت ستستعمل في ارتكاب الجريمة أو التي تحصلت منها وكذلك المنح وغيرها من الفوائد التي كوفئ بها مرتكب الجريمة أو كانت معدة لمكافأته. "
إن المصادرة كعقوبة إضافية استنادا إلى الفصل السابق جاءت بصيغة الجواز بحيث يمكن للمحكمة أن تحكم بها أو لا.والأصل أن المصادرة كعقوبة إضافية لا تسري إلا على مرتكب الجريمة المحكوم عليه بوصفه فاعلا أصليا أو مساهما أو مشاركا ولا تمتد إلى الأغيار،استنادا إلى مقتضيات المادة 45 من ق ج الذي حدد نطاق المصادرة إذ لا تمس سوى الأشياء المملوكة للمحكوم عليه باستثناء الأحوال المنصوص عليها قانونا.
غير أنه بالرجوع إلى مقتضيات المادة 11 من ظهير 21/5/1974 التي تجعل أساسا لعقوبة المصادرة كعقوبة إضافية في جرائم المخدرات والمؤثرات العقلية التي عادة ما تكيف كجنحة لا تستقيم ومقتضيات المادة 43 من ق ج التي تؤكد على أن المصادرة كعقوبة إضافية لا تسري إلا في حالة الحكم بالمؤاخذة عن فعل يعد جناية.هذا ما حدى بالمشرع إلى صياغة نص المادة 11 من ظهير 21/05/1974 على الشكل التالي " يتعين على المحاكم في جميع الحالات المنصوص عليها في الفصول السابقة ( الفصول من 1 إلى 10 ) أن تصادر المواد أو النباتات المحجوزة تطبيقا للفصل 89 من القانون الجنائي وكذا جميع المبالغ المالية المتحصل عليها من ارتكاب الجريمة وتأمر كذلك بحجز أدوات ومنشآت لتحويل المواد أو النباتات وصنعها والوسائل المستعملة لنقلها.
يتبين من نص المادة 11 من ظهير 21 ـ 05 ـ 1974 أنه أحال على المادة 89 من ق ج التي تعتمد المصادرة كتدبير وقائي.
2 ـ المصادرة كتدبير وقائي عيني:
ينص الفصل 89 من ق ج على ما يلي: " يؤمر بالمصادرة كتدبير وقائي بالنسبة للأدوات والأشياء المحجوزة التي يكون صنعها أو استعمالها أو حملها أو حيازتها أو بيعها جريمة،ولو كانت تلك الأدوات أو الأشياء على ملك الغير،وحتى لو لم يصدر حكم بالإدانة. "
التدبير الوقائي هو تدبير هدفه الأساسي حماية المجتمع من كل الأخطار التي تهدده،من هذا المنطلق جاءت المصادرة في جرائم المخدرات والمؤثرات العقلية على اعتبارها تدبيرا وقائيا بامتياز إذا تعلق الأمر بأدوات وأشياء استعملت في ارتكاب الجريمة أو كانت ستستعمل في ارتكابها أو بضائع يشكل حيازتها أو استعمالها جريمة.
إن المصادرة باعتبارها تدبيرا وقائيا فإن نطاقها لا يقتصر على الشخص المدان وحده بل يتجاوزه إلى الغير بصرف النظر عن مركزه القانوني بخصوص الجريمة المرتكبة وعلاقته بمقترفيها، على عكس المصادرة كعقوبة إضافية.ويضيف الأستاذ عبد الواحد العلمي أن المصادرة كتدبير تقع على ذات الشيء (عينه) الذي يعتبر صنعه أو استعماله أو حمله أو حيازته أو بيعه جريمة معاقب عليها،كمقابل في الرشوة،حيازة الكيف أو السلاح غير المرخص به أو المطبوعات المخلة بالأخلاق أو الكتب التي تشكل خطورة على النظام والأمن العام،بحيث يراد من المصادرة أولا وقبل كل شيء وقاية المجتمع من الأضرار التي يمكن أن تنجم عن تداول الشيء المصادر،لذلك كان الحكم بالمصادرة العينية كتدبير وقائي من طرف المحكمة وجوبا دوما في حين أن المصادرة كعقوبة إضافية _ ولو كانت عينية _ فهي جوازية إذ للمحكمة أن تحكم بها أم لا تحكم بها[7]
وقد قضى المجلس الأعلى بأن"المصادرة باعتبارها أمرا ينقل ملكية بعض الأشياء أو الأموال إلى الدولة قد تكون عقوبة إضافية وقد تكون تدبيرا وقائيا عينيا.عندما تكون المصادرة عقوبة إضافية وتعلقت بالأشياء التي استعملت في ارتكاب الجريمة _وكانت هذه الأشياء مما تجوز حيازتها _ وجب أن تكون في ملكية المحكوم عليه ما لم يكن هناك نص مخالف.وعندما تكون المصادرة تدبيرا وقائيا عينيا،فإنها تسري وجوبا على الأشياء المحجوزة التي لها علاقة بالجريمة أو الأشياء الضارة أو الخطيرة أو المحظور امتلاكها ولو كانت في ملك الغير أو صدر حكم بالبراءة.[8]
التعليق:
لقد اعتبر هذا القرار من الاجتهادات القضائية المنسجمة مع التطور الحاصل في المنظومة القضائية والتي تتماشى مع خطورة الأفعال الجرمية المقترفة من طرف أباطرة المخدرات،وتتصدى للإشكالات المطروحة على الساحة حول مفهوم المصادرة ونطاق تطبيقها وفق مقتضيات الفصل 11 من ظهير 21 ـ 05 ـ 1974.
نص الفصل 11 من الظهير المذكور على ما يلي:يتعين على المحاكم في جميع الحالات المنصوص عليها في الفصول السابقة أن تصادر المواد أو النباتات المحجوزة تطبيقا للفصل 89 من القانون الجنائي وكدا جميع المبالغ المالية المحصل عليها من ارتكاب الجريمة،وتأمر كذلك بحجز أدوات ومنشآت تحويل المواد أو النباتات أو صنعها والوسائل المستعملة لنقلها.
ويجوز للمحكمة المرفوعة إليها القضية في جميع الحالات المنصوص عليها في المقطع 1 من الفصل الثالث أن تأمر بمصادرة جميع الأثاث والأشياء المنقولة المزينة أو المزخرفة الأماكن بها والأدوات المعدة أو المستعملة لأغراض المخدرات.
وتطبق مقتضيات الفصل 87 من القانون الجنائي على الأشخاص الذين يمارسون مهنا ارتكبت الجنح بمناسبتها.
أما التدبير الوقائي الحقيقي المنصوص عليه في الفصل 90 من القانون الجنائي والمأذون بموجبه في إغلاق المؤسسات المرتكبة فيها الجنح فيجوز الأمر باتخاذه إما بصفة مؤقتة من طرف قاضي التحقيق المرفوع إليه بحث وإما من طرف هيئة الحكم طبق الشروط المنصوص عليها في الفصل المذكور"
من خلال قراءة نص المادة 11 من ظهير 21 ـ 05 ـ 1974 قراءة فاحصة موضوعية وصحيحة يتبين أنه لم ينص صراحة على العقار الذي عرفه الفقه بأنه هو نوع من الأموال الذي له شكل قار ولا ينقل من مكانه إلا بتلف أو تغيير في شكله كالأراضي والمباني والأشجار.
والعقارات هي إما بطبيعتها أو عقارات بالتخصيص أو عقارات بحسب ما تنسحب عليه وهذا ما نص عليه الفصل 5 من المرسوم الملكي المحدد للتشريع المطبق على العقارات المحفظة الصادر بتاريخ 02 يونيو 1915.ولا مجال للخوض في تقسيمات العقار وأنواعه.
وبالرجوع إلى نص المادة 11 من الظهير نجده ينص صراحة على مصادرة المبالغ المالية المحصل عليها من ارتكاب الجريمة بجانب الأدوات والمواد أو النباتات المحجوزة،هنا نطرح سؤال عريض حول مدى شمولية كلمة المبالغ المالية للعقارات على اعتبار التعريف السابق على أنها نوع من الأموال؟أم أن المشرع لو قصد مصادرة العقارات على وجه التحديد لنص على ذلك صراحة أو ضمنا وذلك بإتيانه كلمة تدل على العقار أو تقوم مقامه كالأموال والممتلكات والعائدات؟...على غرار ما نص عليه في قانون رقم 03.03 المتعلق بمكافحة الإرهاب[9]وكذلك ما نص عليه في قانون 43.05[10] المتعلق بغسيل الأموال[11]،الذي نص على مصادرة الأموال والممتلكات والأملاك والعقارات العائدة للأشخاص المتورطين المحكوم عليهم في جرائم المخدرات والمؤثرات العقلية والإرهاب والتهريب والهجرة السرية واختلاس أموال عامة وخاصة،والرشوة،واستغلال النفوذ،ٍوتزوير أو تزييف النقود وسندات القروض العمومية ووسائل الأداء الأخرى..
فالنص على المصادرة بشكل واضح بمقتضى المادة 1 ـ 4 ـ 218 على ما يلي: يجب الحكم في حالة الإدانة من أجل جريمة تمويل الإرهاب أو من أجل جريمة إرهابية،بالمصادرة الكلية للأشياء والأدوات والممتلكات التي استعملت أو كانت ستستعمل في ارتكاب الجريمة والعائدات المتحصلة منها أو القيمة المعادلة لتلك الأشياء والأدوات والممتلكات والعائدات مع حفظ حق الغير حسن النية.ونص بمقتضى المادة 574 ـ 5 في فقرته الأولى على ما يلي: يجب دائما الحكم في حالة الإدانة من أجل جريمة غسل الأموال بالمصادرة الكلية للأشياء والأدوات والممتلكات التي استعملت أو كانت ستستعمل في ارتكاب الجريمة والعائدات المتحصلة منها أو القيمة المعادلة لتلك الأشياء والأدوات والممتلكات والعائدات مع حفظ حق الغير حسن النية.
بالمقارنة بين مقتضيات هاتين المادتين السابقتين ومقتضى نص المادة َ11 من ظهير 21/05/1974 يتبين أن المشرع تجاوز الاشكال الذي طرحته صياغة المادة 11 وحدد بشكل دقيق نطاق المصادرة في عبارات واضحة الدلالة مما لا يدع مجال لأي تفسير أو تأويل خارج لما هو منصوص على مصادرته في صياغة النص بشكل صريح،والتأكيد عليه باللفظ قبل المعنى الذي هو غائب بالمرة عن مضمون نص المادة 11 من الظهير.
ومن الواضح أن القواعد القانونية أكدت على أنه إذا كانت عبارات النص واضحة فلا يجوز الزيادة فيها وعلى المحكمة إعمال النص القانوني والتقيد به وتطبيقه في حدود عباراته الواضحة فلا يجوز تحميل النصوص ما لا تحتمل،وأن قيامها بذلك يجعلها تتقمص دور المشرع وهذا فيه مساس بمبدأ الفصل بين السلطات.
وتبعا لذلك فإنه يتعين على المحكمة أن تلتزم بقواعد التفسير في أضيق نطاق ولا يجوز لها مطلقا التوسع في تفسر النص القانوني أو تأويله ضدا على مصلحة المتهم وهذا ما أكدت عليه محكمة النقض في العديد من قراراتها.وعليه فإن مؤدى الفصل 11 من ظهير 21 ـ 05 ـ 1974 يسمح فقط بمصادرة المواد أو النباتات المحجوزة وكدا جميع المبالغ المالية المحصل عليها من ارتكاب الجريمة بعد أن يثبت بشكل قاطع أن تلك المبالغ متحصلة من الاتجار في المخدرات بأن تقتصر على المبالغ النقدية دون العقارية التي تبقى خارجة عن نطاق المصادرة.
وهذا الطرح تؤكده مجموعة من قرارات محكمة النقض حيث جاء في إحداها "...وكان عليها أن تبرز في قرارها كل عمليات ترويج المخدرات التي ثبت لها ارتكابها من طرف الطاعن وأن تحدد المبالغ المالية التي حصل عليها منها بصفة مباشرة أو غير مباشرة وأن تحصرها وتشملها وحدها بالمصادرة وأنها لم تقم بذلك يكون قرارها المطعون فيه والحالة هذه فيما قضى به من مصادرة جميع ممتلكات الطاعن العقارية والمنقولة والسائلة باستثناء دار السكنى لفائدة الدولة قد خرق مقتضيات الفصل 11 من ظهير 21/05/1974 منعدم الأساس القانوني الأمر الذي يعرضه للنقض.[12]
وبالنظر إلى قرارات محكمة النقض التي سبق الإشارة إليها وأخرى كثير،وإجماعها بشكل واضح على نقض جل القرارات التي كانت تتجه نحو مصادرة الأموال العقارية للمدانين بحكم مخالفتها لمقتضيات الفصل 11 من ظهير 21/05/74 وكذلك بحكم أن جل القرارات ذهبت إلى وجوب مصادرة الاستثمارات العقارية وغيرها التي نفذت بواسطة الأموال المحصل عليها من ترويج المخدرات وذلك في إطار ما يسمى بتبييض الأموال الذي يعوزه النص القانوني،واستندت جل القرارات على ضرورة تعقب هذه الأموال تماشيا مع المبادئ القانونية التي مفادها أن المعاملة التي محلها بضاعة غير مشروعة لا ترتب أي أثر لأن ما بني على باطل فهو باطل،وطالما أن هذا التبرير لم يعزز بأي سند قانوني،فلا مجال للأخذ به.
وعلى هذا الأساس جاء قرار محكمة النقض موضوع التعليق ليعمل على نسخ جل القرارات السابقة بحكم أنه صدر عن المحكمة (محكمة النقض) بجميع غرفها مجتمعة لينص صراحة على أنه بالنظر إلى مقتضيات الفصل 11 من ظهير 21/5/74 الخاص بالمصادرة في جرائم المخدرات،وبالنظر إلى منطوقها وإلى غاية المشرع منها،لا تمنع المحكمة _وهي تحكم بالمصادرة كعقوبة إضافية _ من أن تتبع المبالغ المالية التي ثبت لها أنها متحصلة من ارتكاب إحدى جرائم المخدرات التي يتعين فيها الحكم بالمصادرة،وأن تقتفي أثر تلك المبالغ فيما قد تكون آلت إليه عندما يتم دمجها في أموال أخرى أو تحويلها إليها أيا كان نوعها،وأن تمدد إليها المصادرة كعائدات مالية متحصل عليها من ارتكاب تلك الجرائم وفي حدود مبالغ تلك العائدات.
وكما سبقت الإشارة إلى ذلك فإن الأساس الذي استند إليه قرار محكمة النقض موضوع التعليق _والذي كان يعوزه في القرارات السابقة عليه_ هو قانون 43.05 المتعلق بغسيل الأموال الصادر في 03 مايو 2007 الذي يشير في نص المادة 574 ـ 2 البند الأول إلى الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية لنتساءل عن المبررات التي جعلت المشرع يولي الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية الأهمية على غيره من باقي الجرائم المنصوص عليها في نص المادة 574 ـ 2 ؟وهل الترتيب الذي اعتمده المشرع جاء عن قصد أم جاء عبثا؟
يمكن القول إن هذه الجرائم المدرجة ضمن هذه المادة جاءت على سبيل الحصر،وأن الترتيب الذي اعتمده يجد سنده في خطورة هذه الجرائم من جهة واعتبارا لما يمكن أن توفره من عائدات مالية على قدر كبير من الأهمية والمبالغة من جهة ثانية[13].وإضافة إلى سعي المشرع من خلال هذا القانون إلى تجاوز الغموض الذي يلف مقتضيات ظهير 21/05/74 وتدارك النقص الذي يشوب الفصل 11 منه وخاصة ما يتعلق بتتبع المبالغ المالية التي ثبت لها أنها متحصلة من ارتكاب إحدى جرائم المخدرات،وأن تقتفي أثر تلك المبالغ فيما قد تكون آلت إليه عندما يتم تبيضها في أموال أخرى أو تحويلها إليها أيا كان نوعها،وأن تمدد إليها المصادرة كعائدات مالية متحصل عليها من ارتكاب تلك الجرائم وفي حدود مبالغ تلك العائدات.
ولقد تضافرت الجهود من خلال مواكبة السلطة التشريعية لعمل السلطة القضائية التي كانت تفتقر إلى السند القانوني للقول بالمصادرة كعقوبة إضافية استنادا إلى مقتضيات المادة الجنائية (المادة 43 والمادة 89 من القانون الجنائي)،وكذا مقتضيات المادة 11 من ظهير 21 ـ 05 ـ 1974 ونص المادة 574 ـ 5 من القانون 43.05 أسفرت عن إيجاد آليات قانونية لمجابهة جرائم الاتجار في المخدرات ومواجهة كل العمليات التي تستهدف تحويل عائداتها واستثمارها على أساس أنها أموال مشروعة.
وبالرجوع إلى القرار موضوع التعليق يتبين أن البحث المجرى لحصر ممتلكات العارض العقارية والمنقولة ولبيان مصدرها وما إذا كانت متحصلة من الاتجار في المخدرات أسند به إلى جهة غير مختصة وفق القرار موضوع التعليق"..لكن في شأن الفرع الثاني من وسيلة النقض الأولى المتخذة من انعدام الأساس القانوني وانعدام التعليل،ذلك أن البحث المجرى لحصر ممتلكات العرض العقارية والمنقولة،ولبيان مصدرها وما إذا كانت متحصلة من الاتجار في المخدرات قد انجز من طرف جهة غير مختصة،فجاء مبهما وغامضا فيما يخص كون مصدر الممتلكات المحكوم بمصادرتها والأموال التي حصل عليها العارض من نشاطه في تهريب المخدرات وعمل على تبييضها باقتناء عقارات،وذلك استنادا إلى المعلومات المتوفرة لدى المصلحة التي أنجزت البحث،من دون ذكر لمصدر هذه المعلومات لتقدير حجيتها.فتكون المحكمة لما صادرت ممتلكات العارض استنادا إلى ما ذكر ومن غير أن تناقش ما تمسك به من أن أساس ثروته هو نشاطه في التجارة في الملابس بين المغرب وإسبانيا قد جعلت قرارها منعدم التعليل،ومن تمة عرضة للنقض والإبطال. ولم يتم الاستناد إلى أي مقتضى يسمح لهذا الجهاز بإجراء البحث حول مصدر الأموال المملوكة للعارض المنقولة منها والعقارية،اللهم ما يتعلق بإجراءات البحث التمهيدي.
وانسجاما مع هذا الوضع سارع المغرب إلى تبني توصية مجموعة العمل المالي الدولية " GAFI" التي دعت الدول الأعضاء إلى إحداث خلية المعلومات المالية CRF لتكون مركزا لجمع وتحليل البلاغات الخاصة بالعمليات المشبوهة التي لها علاقة بغسل الأموال أو الجرائم إرهابية،واعتبارا لهذه التوجهات العامة لمجموعة العمل المالي الدولية وتجسيدا للمقتضيات الدولية ذات الصلة اعتمد المغرب هيئة خاصة بمعالجة المعلومات المالية.
وبالرجوع إلى قانون 43.05 المتعلق بغسيل الأموال الصادر سنة 2007 الذي خول إجراء هذا البحث لجهة لها أساس قانوني وتتوفر على كل الآليات اللوجيستيكية لإجراء كل الأبحاث المتعلقة بتبييض الأموال وإعادة تداولها وإدماجها ضمن الحركة الاقتصادية والمالية للبلد،هذه الجهة أطلق على تسميتها بمقتضى قانون غسيل الأموال "بوحدة معالجة المعلومات المالية" (UTRF) على غرار وحدة المعالجات المالية الفرنسية (TRACFIN).[14]
وتعتبر وحدة معالجة المعلومات المالية الإطار المركزي والمحوري في ظل قانون 43.05 لمجابهة جميع أشكال وأنواع جرائم غسل الأموال،لتتوزع أدواره بين ما هو تنفيذي وما هو استشاري وفي هذا الصدد تنص المادة 14 من هذا القانون على أنه تحدث لدى الوزارة الأولى وحدة معالجة المعلومات المالية تسمى اختصارا بالوحدة يتواجد على رأسها رئيس معين من طرف الوزير الأول،وهي تتألف من مجموعة من الإدارات والأشخاص المعنوية الخاضعة للقانون العام المعنية بمكافحة غسل الأموال،ويحدد كيفية سيرها من طرف الإدارة،التي لها طابع إداري على غرار مجموعة بلدان.[15]
وحدد قانون 43.05 صلاحيات الوحدة في جمع ومعالجة المعلومات المرتبطة بغسل الأموال واتخاذ القرار بشأن مآل القضايا المعروضة عليها،والأمر بجميع الأبحاث والتحريات التي تتقدم بها مصالح البحث والتحري والتي تساهم في ممارسة المهمة المنوطة بها والتنسيق بين وسائل عمل تلك المصالح،وتحديد مبالغ العمليات والشروط الخاصة بها التي تستلزم تطبيق أحكام القانون المتعلق بغسل الأموال.[16]
هذه باختصار أهم الصلاحيات المخولة للوحدة ممارستها في إطار البحث لحصر ممتلكات المشبوه العقارية والمنقولة ولبيان مصدرها وما إذا كانت متحصلة من الاتجار في المخدرات استنادا إلى عملها كجهاز له من الميكانيزمات والوسائل ما يجعل هذه المهمة في متناوله،وطبعا من خلال تعاون كافة القطاعات المعنية بمراقبة العمليات المالية (الأشخاص الخاضعين)،واعتمادا على التصريح بالاشتباه وعلى عمل الرقابة الداخلية وكذا الالتزام باليقظة،كإجراءات أولية مصاحبة لعملية البحث والتحري عن مصدر الأموال المشبوهة،وإذا تبين لها وجود أموال متحصلة من الاتجار في المخدرات كما هو الحال في النازلة موضوع التعليق أمكن للوحدة إحالة التقرير النهائي إلى الجهة القضائية المختصة (النيابة العامة بالرباط) للقيام بالبحث والتحري انطلاقا من ما انتهت إليه الوحدة مع إمكانية مشاركتها مع النيابة العامة المختصة في عمليات البحث التمهيدي، ويتعين وجوبا تبليغ الوحدة بكل القرارات النهائية الصادرة عن وكيل الملك.
وانطلاقا من مسعى القرار موضوع التعليق بخصوص انعدام الأساس القانوني وانعدام التعليل،ذلك أن البحث المجرى لحصر ممتلكات العرض العقارية والمنقولة،ولبيان مصدرها وما إذا كانت متحصلة من الاتجار في المخدرات قد انجز من طرف جهة غير مختصة،فجاء مبهما وغامضا فيما يخص كون مصدر الممتلكات المحكوم بمصادرتها والأموال التي حصل عليها العارض من نشاطه في تهريب المخدرات والعمل على تبييضها باقتناء عقارات،وذلك استنادا إلى المعلومات المتوفرة لدى المصلحة التي أنجزت البحث،من دون ذكر لمصدر هذه المعلومات لتقدير حجيتها.فتكون المحكمة لما صادرت ممتلكات العارض استنادا إلى ما ذكر ومن غير أن تناقش ما تمسك به من أن أساس ثروته هو نشاطه في التجارة في الملابس بين المغرب وإسبانيا قد جعلت قرارها منعدم التعليل،ومن تمة عرضة للنقض والإبطال،قد قصد بذلك ضرورة إجراء بحث حول أموال المشتبه فيه المنقولة والعقارية من طرف الجهة المختصة وهي وحدة معالجة المعلومات المالية كما سبقت الإشارة إليها سابقا التي تحيل قرارها على النيابة العامة المختصة (النيابة العامة بالرباط) لاتخاذ المتعين،وبناء عليه إذا ما ناقشت المحكمة القضية وقررت مصادرة جميع المبالغ المالية المحصل عليها من ارتكاب الجريمة بما فيها الأموال العقارية استنادا إلى مقتضيات المادة 11 من ظهير 21 ـ 05 ـ 1974 تكون قد بنت قرارها على أساس سليم.
إن ما خلص إليه القرار موضوع التعليق من إمكانية تتبع المبالغ المالية التي ثبت لها أنها متحصلة من ارتكاب إحدى جرائم المخدرات التي يتعين فيها الحكم بالمصادرة،وأن تقتفي أثر تلك المبالغ فيما قد تكون آلت إليه عندما يتم دمجها في أموال أخرى أو تحويلها إليها أيا كان نوعها،منقولات أو عقارات ،وأن تمتد إليها المصادرة كعائدات مالية متحصل عليها من ارتكاب تلك الجرائم وفي حدود مبالغ تلك العائدات,ليؤكد قاعدة مصادرة المبالغ المالية المتحصل عليها من جراء الاتجار في المخدرات وفق الفصل 11 من ظهير 21-5-74 تشمل العقارات والتي هي في حكم ما آلت إليه المبالغ المالية.غير أن البحث المجرى لحصر ممتلكات العارض العقارية والمنقولة،ولبيان مصدرها وما إذا كانت متحصلة من الاتجار في المخدرات قد انجز من طرف جهة غير مختصة،يجعل ما أقره القرار موضوع التعليق غير ذي معنى بخصوص مصادرة عقارات العارض،في ظل عدم تمكين جهة مخول لها قانونا إجراء بحث حول ممتلكات العارض المنقولة والعقارية،ليؤكد قاعدة أخرى أنه يجب تبيان مصدر الممتلكات المنقولة والعقارية وحصرها فيما إذا كانت متحصلة من الاتجار في المخدرات والسعي إلى تبييضها باقتناء عقارات يعهد به إلى جهة مختصة ،وهي جهاز وحدة معالجة المعلومات المالية التي تساعد النيابة العامة المختصة،على اعتبار أن القرارات السابقة الصادرة عن محكمة النقض ـ المجلس الأعلى سابقا ـ كان يعوزها النص القانوني المتعلق بتبييض الأموال لذلك ألغت مجموعة من القرارات من هذا القبيل لهذا السبب،وما يؤكد هذا المسعى ما تمخض عن القرار موضوع التعليق من إحالة القضية على محكمة الاستئناف بالرباط للبث فيها من جديد طبقا للقانون.
.
[1] ) أذ/ مصطفى فارس .الرئيس الأول لمحكمة النقض في تقديمه لكتاب الأحكام العامة للمصادرة في جرائم المخدرات للأذ/ حسن البكري رئيس غرفة بمحكمة النقص. ص 1
[2] ) جندي عبد المالك، الموسوعة الجنائية ج 5 ص 186.
[3] ) علي راشد ، القانون الجنائي المدخل وأصول النظرية العامة ط 2 دار النهضة العربية القاهرة 1984 ص 585
[4] ) أحمد فتحي سرور،الوسيط في قانون العقوبات،القسم العام دار النهضة العربية،القاهرة 1981 ج 1 ص 767.
[5] ) الفصل 42 من القانون الجنائي.
[6]( Article 131-10 (loi n°98-468 du 17 juin 1998 art.5 Journal Officiel du 18 juin 1998)
« Lorsque la loi le prévoit ,un crime ou un délit peut être sanctionné d’une ou de plusieurs peines complémentaires qui, frappant les personnes physiques, emportent interdiction, déchéance, incapacité ou retrait d’un droit, injonction de soins ou obligation de faire immobilisation ou confiscation d’un objet, fermeture d’un établissement ou affichage de la décision prononcée ou diffusion de celle-ci soit par la presse soit par tout moyen de communication audiovisuelle »
« Lorsque la loi le prévoit ,un crime ou un délit peut être sanctionné d’une ou de plusieurs peines complémentaires qui, frappant les personnes physiques, emportent interdiction, déchéance, incapacité ou retrait d’un droit, injonction de soins ou obligation de faire immobilisation ou confiscation d’un objet, fermeture d’un établissement ou affichage de la décision prononcée ou diffusion de celle-ci soit par la presse soit par tout moyen de communication audiovisuelle »
[7] ) أذ عبد الواحد العلمي,كتاب في شرح القانون الجنائي المغربي,القسم العام . ط 2002 مطبعة النجاح الدار البيضاء ص 447,448
[8] ) قرار المجلس الأعلى سابقا (محكمة النقض حاليا) عدد 2728/8 بتاريخ 12/10/2000 ملف جنائي عدد 26651/1999 مجلة قضاء المجلس الأعلى العدد 57،58 ص 281.
11) الصادر بتنفيذه ظهير شريف رقم 1.03.140 بتاريخ 26 من ربيع الأول 1424(28 ماي 2003)، الجريدة الرسمية عدد 5112 بتاريخ 27 ربيع الأول 1424 (29 ماي 2003)، ص 1755
12) راجع مقال لنا تحت عنوان "المقاربة الوقائية والزجرية لظاهرة غسل الأموال وفق قانون 43.05 " المنشور بمجلة الملف القانونية العدد 18 الصفحات من 52 إلى 67
13) الصادر بتنفيذه ظهير شريف رقم 1.07.79 بتاريخ 28 ربيع الأول 1428 (17 أبريل 2007)، الجريدة الرسمية عدد 5522 بتاريخ 15 من ربيع الآخر 1428 (03 ماي 2007)، ص 1359؛
[12]) قرار المجلس الأعلى سابقا (محكمة النقض) عدد 912/9 المؤرخ في 22/01/2003 في ملف جنحي عدد 23615/96 وهناك مجموعة من القرارات صارت على نفس النهج منها قرار رقم 471/1 المؤرخ في 12/07/2000 في جنحي عدد 14388/96 والقرار عدد 913/1 المرخ في 18/07/2001 في جنحي عدد 54/10852/2001 ثم قرار رقم 210/9 بتاريخ 22/01/2003 في ملف جنحي عدد 23611/96
[13] ) سلسلة بنباصر للدراسات القانونية والأبحاث القضائية –الواحة القانونية - العدد 3 ص 94
[14]) أ. أحمد آيت الطالب -مجلة الشرطة- العدد 35 لسنة 2007 -ملف تبيض الأموال بشأن وحدة معالجة المعلومات المالية.
[15] ) نفس الرجع السابق _مجلة الشرطة_
[16] ) الأستاذ يوسف بنصابر سلسلة الدراسات القانونية والأبحاث القضائية كتاب الواحة القانونية العدد 3 ص 165 (بتصرف)