المقدمة
إن حماية الأجير الطرف الضعيف في العلاقة التي تجمع بين عنصرين الإنتاج وإعادة التوازن بينهما، تعتبر من أهم الأهداف التي يسعى قانون الشغل إلى تكريسها، وذلك باعتماد عدة وسائل نص عليها المشرع في مدونة الشغل والتي تعتبر بمثابة ضوابط قانونية وتنظيمية قادرة على الرقي بالعلاقة الشغلية والنهوض بمفهوم المقاولة المواطنة تحقيقا لتنمية مستدامة ، لكن هذا لا يحول دون نشوء نزاعات تكون فردية أو جماعية قد تهدد السلم الاجتماعي والاقتصادي والشيء الذي يقتضي إحداث آليات تتدخل لحل هذا النزاع.
ومؤسسة القضاء كوسيلة كلاسيكية لفض النزاعات أصبحت أمام العديد من المعيقات شبه عاجزة عن تقديم حلول تتوافق، وما يميز علاقات الشغل من حساسية كل هذا دفع بالتشريعات إلى البحث عن وسائل بديلة بواسطتها يتم حل النزاع الذي قد ينشأ بين الأجراء والمشغلين خصوصاً النزاع الجماعي لعل أهم هذه الوسائل المصالحة باعتبارها آلية لفض النزاعات الجماعية للشغل.
والمغرب كبلد له موروث ثقافي وعقائدي في مجال المصالحة، عمل شأنه شأن باقي التشريعات المقارنة يتبنى هذه الوسيلة البديلة في مدونة الشغل في المواد من 549 غلى 566.
هذا وتجدر الإشارة إلى أن موضوع المصالحة له أهمية سواء على المستوى النظري أو العملي، فمن الناحية العملية هو يشكل وسيلة فعالة في تفادي توقف المؤسسات الاقتصادية عن مزاولة نشاطها وربح الوقت وتفادي كثرة المصاريف، هذا مع العلم أن ما يشهده العالم العربي من تحركات حاليا أو ما يسمى بالربيع العربي جعل التكثلات النقابية والعمالية في موقف قوة، مكنها من تحقيق مطالب طالبت بها مند سنوات.
أما على المستوى النظري فهذا الموضوع نظراً لحساسيته سواء من الناحية القانونية أو الاقتصادية أو الاجتماعية فهو يحتاج إلى مزيد من الدراسة وإغناءه بالاجتهادات. وبالتالي ومن خلال ما سبق فإنه يمكن إثارة الإشكالية المحورية التالية:
إلى أي حد توفق المشرع المغربي في سن إجراءات خاصة بالمصالحة كفيلة بفض نزاعات الشغل الجماعية؟
ومن أجل دراسة الموضوع والوقوف على مختلف الإشكالات التي يثيرها، ارتأينا إتباع منهج تحليلي ومقارن: تحليلي لنصوص المدونة الخاصة بالمصالحة ومقارن بخصوص المقارنة بين التشريع المغربي والتشريعات الأخرى في هذا المجال.
وبذلك ستكون خطة بحثنا على الشكل التالي:
- الفصل الأول: الأجهزة المتدخلة في المصالحة
- الفصل الثاني: المسطرة أمام الأجهزة المتدخلة في المصالحة
الفصل الأول:
الأجهزة المتدخلة في المصالحة كآلية لفض نزاعات الشغل الجماعية
يعتبر الصلح من أهم الوسائل السلمية لحل نزاعات الشغل الجماعية، والذي أفرد له المشرع المغربي حيزاً مهما في مدونة الشغل عمل من خلالها على تنظيمه وضبطه.
وتبعاً لهذا، حق لنا التساؤل عن درجات الصلح في نزاعات الشغل الجماعية ؟ وعليه سنتناول هذا الفصل عبر مبحثين أساسين:
- المبحث الأول: على مستوى مفتشية الشغل.
- المبحث الثاني: على مستوى لجان البحث والمصالحة.
المبحث الأول:
على مستـوى مفتشيـــــة الشغل
إن أول محاولة للتصالح بين أطراف النزاع الجماعي تتم أمام مفتش الشغل، باعتباره الفاعل الأساسي في مسطرة التصالح ، لهذا فإن تدخله في الوقت المناسب وعبر الوسائل القانونية المتاحة يكون له بالغ الأثر في مدى نجاح مسطرة التصالح، وعليه سنعمل في هذا المبحث على تحديد كيفية تدخل مفتش الشغل إذا كان النزاع الجماعي يهم مقاولة واحدة فقط (المطلب الأول)، و كيفية تدخله إذ هَمَّ النزاع أكثر من مقاولة (المطلب الثاني).
المطلب الأول: النزاع داخل مقاول واحدة
جعل المشرع المغربي لحل كل خلاف بسبب الشغل، والذي قد يؤدي إلى نزاع جماعي موضوع محاولة للتصالح يتم أمام مفتش الشغل لأنه الجهاز الأقرب إلى كل من العمال وأرباب العمل وهو الأكثر إطلاعاً على ظروف العمل وأسباب النزاع ووضعية المقاولة، كما أن مفتش الشغل مؤهل أكثر لإيجاد حل مناسب للنزاع القائم لكن السؤال الذي يطرح هنا متى يتدخل مفتش الشغل في النزاع؟
نص المادة 552 من مدونة الشغل في فقرتها الثانية على ما يلي " إذا كان الخلاف الجماعي يهم مقاولة واحدة، فإن محاولة التصالح تجري أمام العون المكلف بتفتيش الشغل".
يلاحظ أن المعيار في تدخل مفتش الشغل هو عدد المقاولات التي يقع فيها النزاع، بمعنى أن خلافات الشغل التي من شأنها أن تؤدي إلى نزاعات جماعية تتم أمام أعوان التفتيش، إذا كانت هذه الخلافات على مستوى مقاولة واحدة، كما يكون الاختصاص لمفتش الشغل إذا تعلق الأمر بنزاعين مختلفين في شركتين مختلفتين. ونشير إلى أن نفس الأمر ينطبق عل التشريع الفرنسي، فعندما يثور النزاع يتم عرضه على مفتش الشغل من قبل أحد طرفي النزاع الجماعي، ويتحرك هذا الأخير (مفتش الشغل) عبر مرحلتين: مرحلة أولى: يقوم فيها بزيارة مكان العمل ومعاينة النزاع عن قرب والعمل على رصد مختلف حيثيات النزاع، ومرحلة ثانية: يعمل على عقد حوار بين الطرفين وذلك بغية الوصول إلى حل توافقي يكون منهيا للنزاع.
كما لا يفوتنا أن نشير إلى الكم الهائل من المهام والمسؤوليات التي أصبحت ملقاة على عاتق مفتش الشغل بموجب القانون، وتأثيرها السلبي على وظيفته الرئيسية المتجلية في رقابة مدى احترام مقتضيات مدونة الشغل، فتعدد المهام الموكولة لمفتش الشغل وتشابكها سيجعله ولاشك عاجزا عن تنفيذها بالفعالية والسرعة المطلوبة، كما أن اليد العاملة المغربية في ارتفاع مستمر في حين أن جهاز تفتيش الشغل لازال يعمل بأساليبه التقليدية والقديمة وبأطر قليلة العدد، مما يؤثر على الوظيفة الموكولة إليه ويضر بالطبقة الواجب حمايتها، علما أن حماية الطبقة العاملة مسؤولية مشتركة بين مجموعة من الفاعلين، إذ لابد من التأكيد على دور الدول ورغبتها في خلق التوازن الحقيقي في علاقات الشغل إقامة أطر متخصصة في هذا المجال من أجل رفع الحيف والاستغلال عن طبقة تعتبر مهمة بالنظر إلى دورها في تنمية الاقتصاد الوطني.
هذا ونسجل أيضا غياب الاهتمام اللازم بالوضع القانوني لجهاز تفتيش الشغل بالمغرب من طرف الوزارة المعنية، فلاشك أن المتتبع لمسار هذا الجهاز، سيلاحظ عدم الاهتمام بوضع سياسة قانونية واضحة تساعد على تفعيل دور جهاز تفتيش الشغل وذلك عبر مساعدته على الإحاطة والإلمام بمختلف الإشكاليات القانونية التي قد تصادفه وهو بصدد مزاولته لمهامه واختصاصاته.
المطلب الثاني: النزاع يهم أكثر من مقاولة.
جاء في الفقرة الأولى من نفس المادة "إذا كان الخلاف الجماعي يهم أكثر من مقاولة، فإن محاولة التصالح تجري أمام المندوب المكلف بالشغل لدى العمالة أو الإقليم".
من خلال هذه المادة يتضح أنه إذا هم النزاع أكثر من مقاولة فإن محاولة التصالح تجري أمام المندوب المكلف بالشغل لدى العمالة أو الإقليم، ويجب والحالة هاته على مندوبو الشغل المعنيون بالأمر أن يوحدوا الجهود فيما بينهم، وذلك تفادي لتضارب الحلول إذا ما تدخل كل مندوب على حدة في النزاع الموجود داخل مجاله الترابي . وهكذا فاختصاص المندوب المكلف بالشغل لدى العمالة أو الإقليم، يتحدد بالنظر صلحاً في جميع الخلافات أو النزاعات الشغلية الجماعية، سواء كانت من طبيعة قانونية، أو كانت من طبيعة اقتصادية، إذا جمعت أكثر من مقاولة واحدة ونشبت في دائرة المندوبية المسؤول عنها، حيث أن تحمله المسؤولية في هذه المندوبية، يسمح له بالإطلاع وبالإلمام بمشاكل الشغل الموجودة فيها، ويسمح له كذلك بالإطلاع على ظروف وأحوال طبقة الأجراء وكذلك المقاولات، كما تسمح له بالإحاطة بالأعراف وبالتقاليد السائدة في الأوساط التجارية والصناعية في دائرة اختصاصه، مما يساعده ويسهل مهمته في إجراء محاولة التصالح بين أطراف خلافات أو نزاعات الشغل، والمساهمة في التقريب بين وجهات نظر الأطراف المعنية بها وكذا إيجاد الحلول الملائمة لها.
إذا كان المندوب المكلف بالشغل لدى العمالة أو الإقليم يسعى إلى تحقيق السلم الاجتماعي، فإن ذلك رهين بدعم هذا الجهاز وتحصينه ورفع درجة تأهيله من خلال تمكينه من الآليات القانونية، الاقتصادية، التكنولوجية، والسيكولوجيا ووسائل الدعاية الممكنة وتعزيز دوره الوقائي في اتجاهه الواسع، وتفعيله في المفاوضات الجماعية، حتى يتسنى له مسايرة ومعايشة الظرفية الحالية المتميزة بانفتاح الاقتصاد الوطني ودخوله في المنافسة العالمية التي أدت ومازالت تؤدي إلى تحولات في مجال العلاقات المهنية وطرق تدبيرها، بحيث أصبحت عنصراً أساسيا في التمييز بين المقاولات وفي رفع تحدي المنافسة بينها.
إن هذه التحولات وإن كانت لها إيجابيتها فإنها تساهم في ارتفاع عدد المنازعات الاجتماعية من جراء إغلاق المؤسسات، وتسريح عمالها أو إعادة هيكلتها وعصرنة إنتاجها وتسييرها.
المبحث الثاني:
على مستوى لجان البحث والمصالحة
إن محاولة الصلح أو ما يطلق عليها بالمصالحة التي تتم عن طريق تدخل اللجنتين المختصتين في فض النزاعات (اللجنة الإقليمية ثم اللجنة الوطنية) لا تبتدئ إلا بعد فشل المحاولة السابقة التي يقوم بها مفتش الشغل أو المندوب المكلف بالشغل (حسب الحالة، كما سبق الإشارة إليه) وبالتالي فإن مسطرة المصالحة تتم وفق كرونولوجية محددة تحتل من خلالها اللجنة الإقليمية الخيار الثاني لفض النزاع القائم، أما اللجنة الوطنية فتعتبر آخر مرحلة من مراحل المصالحة بين ميع الأطراف (المطلب الثاني).
المطلب الأول: اللجنة الإقليمية
تنص المادة 557 من مدونة الشغل على أنه "تحدث لدى كل عمالة أو إقليم لجنة تسمى "اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة يترأسها عامل العمالة أو الإقليم وتتكون بالتساوي من ممثلين عن الإدارة والمنظمات المهنية للمشغلين والمنظمات النقابية لأجراء الأكثر تمثيلا.
يتولى كتابة الجنة المندوب الإقليمي المكلف بالشغل"
من خلال استقراء المادة المذكورة سالفا يمكن أن نستنتج أن اللجنة الإقليمية تتكون زيادة على المندوب الإقليمي المكلف بالشغل من ثلاثة طوائف مقسمة بالتساوي
الطائفة الأولى: ممثلين عن الإدارة
الطائفة الثانية: ممثلين عن المنظمات المهنية للمشغلين
الطائفة الثالثة: ممثلين عن المنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا
هذا ويرى أستاذنا عبد اللطيف خالفي أن المصالحة التي تقوم بها اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة هي وسيلة لتفادي الخلافات والنزاعات الجماعية، أكثر منها وسيلة لحلها وأنها أسلوب يرمي إلى التقريب بين وجهة نظر كل من طرفي الخلاف أو النزاع الجماعي، من خلال الاستماع إلى وجهات النظر المختلفة ومحاولة التقريب بينها ، صحيح أنها وسيلة كفيلة لفض النزاع عن طريق التوفيق بين جميع آراء ومتطلبات الأطراف إرجاع الحالة إلى طبيعتها المتمثلة في سير نشاط المقاولة بشكل سليم إلا أننا لا نعتقد أن المصالحة وسيلة لتفادي النزاعات الجماعية وأنها هي وسيلة لفضها لولا وجود نزاع شغل جماعي لما تدخلت اللجنة الإقليمية لفضه.
وتطرح عدة تساؤلات تدور حول قصور المادة 557 من م ش والتي نجملها فيما يلي:
الإشكالية الأولى: إن المادة 557 لم تحدد عدد ممثلي كل من الإدارة والمنظمات المهتمة للمشغلين والمنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا بل أكتفت بتحديد أنها تتكون منهم بالتساوي عن كل جهة فهل يتم تعيين الممثلين وفق حجم النزاع المعروض عليها؟ وبالتالي كلما كبر حجم النزاع كلما زاد عدد الممثلين أم أنها تنظر في جميع النزاعات المعروفة أمامها للقيام بالمصالحة بنفس العدد من الممثلين.
الإشكالية الثانية: جاء في المادة 557 من م ش، "........وتتكون بالتساوي من ممثلين عن الإدارة والمنظمات......"
فما المقصود بعبارة "الإدارة" هل هي الوزارة الوصية على قطاع الشغل، أم هي الوزارة لمعنية بالنزاع أم هي العمالة أو الإقليم المثار فيه النزاع؟
الإشكالية الثالثة: هل المقصود بالمنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا هو المنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا على مستوى المقاولة أو المنظمات النقابية الأكثر على مستوى العمالة أو الإقليم.
الإشكالية الرابعة: إن اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة بدلا من يترأسها عامل الإقليم وفق ما ينص عليه القانون( الفصل 557 من م ش) يكلف بها بعض الموظفين الذين لا يتوفرون على النفوذ الذي يمكنهم من إنجاز هذه المهمة وخاصة إذا كان النزاع مستعصيا ويمكن ذلك في النزاعات العادية كما أن متابعة عامل الإقليم بشكل مباشر إلى جانب الموظف الذي يتم تكليفه يساعد على إيجاد الحلول ويعطي لهذه اللجنة المكانة التي يستحقها، كما أن اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة بالنسبة للنزاعات التي يستعصي إيجاد الحلول لها يجب أن يترأس اجتماعاتها وزير التشغيل شخصيا وفق ما هو منصوص عليه في المدونة.
أما فيما يخص التشريع الفرنسي يتم إحداث لجنة جهوية للمصالحة وذلك المصالح الجهوية لوزارة الشغل وذلك حسب الفصل 1-523 من قانون الشغل الفرنسي.
وتتكون اللجنة الجهوية من: المدير الجهوي للشغل والتشغيل بصفته رئيسا، مستشار من المحكمة الإدارية، خمسة أعضاء يمثلون أرباب العمل وخمسة أعضاء يمثلون العمال.
وتجدر الإشارة إلى أن اللجنة الجهوية يمكن أن تتفرع إلى لجان جهوية أخرى أساسية
(Départementale)
ولجان غير أساسية
(Interdépartementale).
فما يمكن ملاحظته هو أن المشرع الفرنسي قام بتعداد الأعضاء الممثلين لكل من أرباب العمل وممثلي العمال على عكس المشرع المغربي وكذلك مستشار من المحكمة الإدارية الذي يمثل الإدارة فقد أحسن المشرع الفرنسي في ذلك بالمقارنة مع المشرع المغربي الذي ترك الباب مفتوحا دون أي تحديد.
المطلب الثاني: اللجنة الوطنية
تنص المادة 564 من م ش على أنه "تحدث لدى السلطة الحكومية المكلفة بالشغل لجنة تسمى "اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة" يترأسها الوزير المكلف بالشغل أو من ينوب عنه، وتتكون بالتساوي من ممثلين عن الإدارة والمنظمات المهنية للمشغلين والمنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا.
يمكن لرئيس اللجنة، أن يستدعي لحضور أشغالها كل شخص يراعي في اختياره ما يتمتع به من كفاءات في مجال اختصاصات اللجنة.
يتولى كتابة اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة رئيس مصلحة تفتيش الشغل" إذا ما انطلقنا من مقارنة المادتين 564 من م ش التي بموجبها تحدث اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة والمادة 557 من م ش التي بموجبها تحدث اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة نجد أن كلا اللجنتين تتكون من نفس الأعضاء الممثلين للهيآت الثلاث (الإدارة، المنظمات المهنية للمشغلين والمنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا) وبالتالي فإن نفس الإشكالات التي سبق وأثرناها ونحن بصدد مناقشة اللجنة الإقليمية تثار هي نفسها بصدد اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة غير أن الفرق الحاصل بينهما يتمثل في كتابة كل من اللجنتين، فاللجنة الوطنية للبحث والمصالحة يتولى كتابتها رئيس المصلحة تفتيش الشغل وكذلك فيما يتعلق بالرئاسة حيث كلف المشرع الوزير المكلف بالشغل أو من ينوب عنه برئاسة اللجنة الوطنية وخول له إمكانية استدعاء كل شخص لحضور أشغالها في اختياره ما يتمتع به من كفاءات في مجال اختصاصات اللجنة فمن خلال الفقرة الثانية من المادة 564 من م ش قد أورد المشرع مصطلح "يراعى في اختياره" وبالتالي فإن الوزير المكلف بالشغل بصفته رئيسا يكون مقيدا باختيار الأشخاص الذين يمكن أن يستعين بهم لفض نزاعات الشغل الجماعية عن طريق المصالحة بواسطة الجنة الوطنية للبحث والمصالحة حيث أورد المشرع شرط تمتع هؤلاء بكفاءات في مجال اختصاصات اللجنة هي الممثلة في نظرنا في المجال القانوني، الاجتماعي والاقتصادي وتجدر الإشارة إلى أن استدعاء الوزير المكلف بالشغل لهؤلاء الأشخاص يكون اختياريا وليس إلزاميا حيث أورد المشرع عبارة "يمكن" لرئيس اللجنة.... غير أن ما يمكن إثارته هو أن المشرع قد أورد شرطا على استدعاء الرئيس هؤلاء الأشخاص ولم يحدد إمكانية ومراقبة الكفاءات التي يتمتع بها هؤلاء الأشخاص المعينين من قبل رئيس اللجنة والهيئة المكلفة بالمراقبة.
أما فيما يخص التشريع الفرنسي فإنه حسب الفصل 1-523 من قانون الشغل الفرنسي تحدث لجنة وطنية للمصالحة
« commission nationale de conciliation »
لدى وزراة الشغل وتتكون من:
- وزير الشغل أو ممثله (رئيسا
- ممثل الوزارة المكلفة بالشؤون الاقتصادية
- خمسة أعضاء يمثلون أرباب العمل.
- خمسة أعضاء يمثلون العمال.
الفصل الثاني
المسطرة أمام الأجهزة المتدخلة في المصالحة
إن أي حق يمنحه القانون إلى فئة من فئات المجتمع يكون بدون قيمة، وبدون أهمية ووجوده كعدمه، إذ لم يكن مصحوبا بقواعد مسطرية تحركه وثبت فيه الروح وإدراكا من المشرع المغربي بأهمية ذلك، نص في مدونة الشغل على قواعد مسطرية، تتبع أمام الأجهزة المتدخلة في المصالحة تمر عبر إجراءات تتسم بالبساطة والسرعة (المبحث الأول)، وتنتهي بنتائج قد تنهي النزاع وقد لا تنتهيه (المبحث الثاني).
المبحث الأول:
الإجراءات المتبعة
بالرجوع إلى المادة 553 من مدونة الشغل نجدها تخول كلى الطرفين في النزاع حق المبادرة في افتتاح إجراءات المصالحة كما منحت ذلك للسلطة، الحكومية المكلفة بالشغل (العون المكلف بتفتيش الشغل- المندوب المكلف بالشغل لدى العمالة او الإقليم....)
وتجدر الإشارة قبل أن نتناول الإجراءات المتبعة أمام الأجهزة، أن هذه الإجراءات نفسها المتبعة أمام كل الأجهزة رغم بعض الاختلافات سنقوم بالإشارة إليها، حيث أن المادة 554 من المدونة تحيل على المسطرة المنصوص عليها في المواد 558-559-560.
وبالتالي ومن خلال ما سبق فإننا سنتناول هذا المبحث من خلال مطلبين: المطلب الأول نتناول فيه استدعاء الأطراف والمطلب الثاني: حضور الأطراف.
المطلب الأول: استدعاء الأطراف:
إن ما يميز المصالحة كآلية لفض النزاعات الجماعية هو السرعة في الإجراءات وذلك بلورة لطابعها هو الوقائي أحيانا والعلاجي أحيانا أخرى، وذلك قبل حدوث أي انشقاق في العلاقة ما بين النقابات الممثلة للعمال والمشغلين يصعب معه حل النزاع أو حتى التقريب بين وجهتي نظر الطرفين، وترسيخا لهذا الطابع فإنه بمجرد فتح الإجراءات من أحد الأطراف سواء الطرف الراغب في التعجيل أو بمبادرة من السلطة الحكومية المكلفة بالشغل، كما يستفاد ذلك من المادة 553 من المدونة، والمتمثلة في المندوب المكلف بالشغل لدى العمالة أو الإقليم والعون المكلف بتفتيش الشغل في المقاولة أو اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة، في حالة فشل المسطرة اللجنة الوطنية في حالة امتداد النزاع في العديد من العمالات تعمل هذه اللجنة الجهة التي تنظر في النزاع كما يستفاد ذلك من المادة 558 على استدعاء أطراف النزاع بواسطة برقية في أجل لا يتعدى 48 ساعة من تاريخ رفع النزاع الجماعي أمامها، وعلى هذه الجهة أن تقوم بتسوية النزاع الجماعي والتوصل إلى اتفاق وأن تبدل قصارى جهدها في ذلك داخل أجل لا يتعدى ستة أيام من تاريخ رفع النزاع الجماعي أمامها.
وبذلك يظهر أن الأجل الذي نص عليه المشرع المغربي من أجل تسوية النزاع، وكذلك أجل الاستدعاء والحضور هو يتماشى مع خصوصيات المصالحة من حيث سرعتها، وذلك نظراً لأنه كلما طال أمد النزاع كلما كان من الصعب التوصل إلى حل أو التقريب بين وجهات النظر، كما أن هذا من جهة أخرى هو ما يميز المصالحة عن التقاضي أمام المحاكم التي تتسم بكثرة الإجراءات وبطئها.
لكن رغم ذلك فإنه ما يعاب على الوضع في المغرب هو عدم احترام هذه الآجال القانونية، خصوصا اجتماعات اللجان في جميع مراحلها والتي قد تصل فيها المدة إلى سنة.
هذا وتجب الإشارة إلى أن المشرع لم يكتفي بتحديد الأجل الذي يتم فيه الاستدعاء ومحاولة تسوية النزاع، بل إنه نص في المادة 583 في الفرع الثاني من الباب الثالث المتعلق بالتحكيم على أنه إذا استدعى أحد الأطراف بصفة قانونية للمثول أمام اللجنة الإقليمية أو الوطنية للبحث والمصالحة، ولم يحضر من غير أن له عذر مقبول ودون أن ينيب عنه ممثلا قانونيا فإن رئيس اللجنة المعينة يحرر تقريراً في الموضوع ويوجهه إلى الوزير المكلف بالشغل الذي يحيله بدوره إلى النيابة العامة، هذه الإحالة قد تنتهي بغرامة تتراوح بين 10.000 و20.000.
لكن ما يأخذ على المشرع المغربي في هذا الإطار أنه استثنى بدون مبرر مقبول الاستدعاء الموجه من طرف العون المكلف بالتفتيش والمندوب لدى العمالة أو الإقليم من حماية المادتين 583 و585، الشيء الذي يجعلنا نتساءل هل الموقف الذي اتخذه المشرع المغربي هو مجرد إغفال؟ أو أنه بمثابة تقليص من صلاحيات مفتش الشغل والمندوب المكلف بالشغل.
لكن لولا اقتناع المشرع بأهمية وفعالية تدخل مفتش الشغل من أجل تسوية نزاعات الشغل الجماعية لما جعل مهمة التصالح ضمن المهام المنوطة بمفتش الشغل بحكم القانون ولما أرفق هذه المهمة بمسطرة قانونية جد محكمة ، كل هذا يستدعي تفسير هذا الموقف الغامض للمشروع المغربي على أنه يجب أن يدخل في إطار المادتين 583 و585 حتى ذلك الاستدعاء الذي يقوم به كل من العون المكلف بتفتيش الشغل، وكذلك المندوب المكلف بالشغل لدى العمالة أو الإقليم.
المطلب الثاني: حضور الأطراف:
إن مبدأ الحضورية هو مبدأ عام يأخذ به أمام المحاكم الرسمية، ويدخل ضمن الشروط الشكلية للمحاكمة العادلة ووعيا من المشرع المغربي بضرورة حضور لأطراف أثناء مسطرة المصالحة في نزاعات الشغل الجماعية تنص في المادة 558 من خلال فقرتها الثانية على أنه "....يجب على الأطراف أم يمثلوا شخصيا أمام اللجنة أو ينيبوا عنهم شخصا مؤهلا لإبرام اتفاق التصالح إذ حال دون حضورهم بسبب قاهر..." فمن خلال هذه المادة يظهر أن المشرع المغربي أوجب على الأطراف الحضور الشخصي والمثول أمام الجهات التي تنظر في النزاع الجماعي، والمشاركة في المناقشات وذلك نظراً لما يوفره الحضور الشخصي من ضمانات تكون بمثابة مؤهلات ضرورية من أجل نجاح مسطرة المصالحة، وذلك بالتقريب بين وجهات النظر والاتفاق حول بعض نقط الخلاف، كما أن الحضور الشخصي يساعد الجهات التي تنظر في النزاع من الإحاطة أكثر بموضوع النزاع وأسبابه ، كذلك الحضور الشخصي يجعل مواقف الطرفين تتسم بالمرونة وتمكن من فتح مجالات التنازلات، إلا أنه نرى بأن هذه القاعدة المتعلقة بالحضور الشخصي فقط تهم جهة رب العمل أو المشغل بالخصوص لأنه ما دمنا نحن بصدد نزاع جماعي فإننا لا يمكن أن نتحدث عن أجير واحد فرغم أن المشرع المغربي لم يحدد معيار مضبوط لتحديد النزاع الجماعي. ولأنه لا يمكن أن نتصور كذلك حضور كل الأجراء الذين يعنيهم النزاع، ومناقشته لأن ذلك سيكون من الصعوبة بمكان نظراً لكثرة العدد، وبالتالي فتصور إلانابة من هذا الجانب هي واردة أكثر بالمقارنة مع الجهة الأخرى التي يتهم المشغل الذي يمكنه الحضور الشخصي.
كما جاء في الفقرة الأخيرة من نفس المادة أنه يمكن أن يكون أحد الطرفين " مؤازرا" بعضو من النقابة أو المنظمة المهنية التي ينتهي إليها مندوب الأجراء.
وما دام المشرع المغربي استعمل عبارة "يمكن" فإنها تبقى مسألة اختيارته للأطراف هذا ويحق للأطراف أن يقدموا إلى على العون المكلف بتفتيش الشغل أو أمام المندوب المكلف بالشغل لدى العمالة أو الإقليم ، بمذكرة كتابية تتضمن ما لديهم من ملاحظات ويجب على العون أو المندوب أن يبلغ نسخة إلى الطرف الآخر أو تلك المذكرة، أما إذا كان النزاع أمام اللجنة الإقليمية أو الوطنية للبحث والمصالحة فإن المذكرة تقدم إلى من يترأس هذه الجلسةوهو يبلغها إلى الأطراف.
هذا وتجدر الإشارة إلى أنه إذا تفحصنا المادة 561 نجدها تخول لرئيس اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة أوسع الصلاحيات وذلك بإجراء الأبحاث وتقصي أوضاع المقاولة وطلب تقديم المستندات التي لها علاقة بالنزاع، وحسب الفقرة الثانية من المادة566 فإن رئيس اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة يتمتع بنفس الصلاحيات أما فيما يخص مفتش الشغل فإننا لا نجد له نص مماثل الشيء الذي يجعلنا نتسائل هل عدم النص على هذه الصلاحيات هي بمثابة تقييد لصلاحيات مفتش الشغل أم أن المشرع ترك له الباب مفتوحا من أجل القيام بكل الإجراءات؟
لكن وحسب رأينا المتواضع نرى بأن ذلك لا يشكل تقييداً ما دام المشرع منح صلاحيات لمفش الشغل في إطار العلاقات الفردية واسعة، فلماذا لا يمنحها له في إطار النزاع الجماعي، والأكثر من ذلك فكيف يمكن له أن يؤدي هذه المهام على أحسن ما يرام بدون هذه الصلاحيات.
هذا النوع وتجدر الإشارة إلى أنه حسب المادة 585 أن كل طرف امتنع عن تقديم الوثائق التي تساعد رئيس اللجنة الوطنية أو الإقليمية للبحث والمصالحة عن القيام بالبحث وتحرياتهم فإنه يعاقب بغرامة تتراوح بين10.000 و20.000درهم.
المبحث الثاني:
نتائـــــج المصالحــــــــة
يترتب عن تحريك مسطرة المصالحة أمام الأجهزة السالفة الذكر أحد الأثرين، فبعد سلوك الأطراف للإجراءات المحددة سالفا، إما أن محاولة التصالح تنتهي بالتوصل إلى اتفاق بين الطرفين وبالتالي إنهاء النزاع، أو أن هذه المحاولة تبوء بالفشل، وبالتالي استمرار النزاع.
المطلب الأول: نجاح المصالحة:
بالرجوع إلى المادتين 555 و563 والمتعلقتين بالمسطرة أمام مفتشية الشغل وأمام اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة، نجد أن المشرع المغربي يلزم هذه الأجهزة المذكورة بتحرير محضر يبين فيه ما توصل إليه الأطراف من اتفاق تام أو جزئي.
يظهر من خلال ذلك أن نجاح إما أن يكون جزئيا أو يكون كليا:
- في حالة الاتفاق الكلي:
وفي هذه الحالة يتم الاتفاق بشكل كلي حول النزاع وبالتالي يتم إنهاء النزاع وفي ختام الجلسة يتم التوقيع على ذلك المحضر على حسب الأحوال إذا كانت المصالحة أمام المندوب المكلف بالشغل لدى العمالة أو الإقليم أو العون المكلف بتفتيش لشغل، ويوقع كذلك الأطراف على المحضر المحرر أما إذا كان النزاع أمام اللجنة الإقليمية فإن رئيس هذه اللجنة هو من يقوم بالتوقيع على المحضر إلى جانب أطراف النزاع، ويتم تسليم نسخة منه إلى الأطراف أو تبلغ إليهم عن الاقتضاء.
- في حالة الاتفاق الجزئي:
عندما يكون الاتفاق فقط جزئي يعني أن النزاع لم ينتهي بعد رغم أن الأطراف قد اتفقوا حول جزءا من النزاع، لكن رغم ذلك فإنه يتم تحرير المحضر بشأن ذلك الاتفاق الجزئي، لكن نرى بأن المشرع في هذه الحالة لم يكن دقيقا بحيث أنه نص على تحرير محضريين فيه إما الاتفاق الكلي أو الجزئي أو عدم الاتفاق وبالتالي فإذا كان عدم الاتفاق يكون سببا في الإحالة عن الجهة التي لها أن تنظر في النزاع حسب الأحوال.
فإنه في حالة الاتفاق الجزئي يثار الإشكال التالي:
- ما مصير ذلك الجزء الذي لم يقع الاتفاق بشأنه؟ هل يحال إلى الجهة الموالية، أو يتم إعادة المسطرة من جديد بشأنه؟
- وتجدر الإشارة إلى أن هل ذلك الاتفاق الذي يتوصل الأطراف إليه يكون له قوة تنفيذية؟
إن هذه الاتفاقات والتي يتم التوصل إليها أمام الأجهزة المكلفة بالسهر على تطبيق مسطرة المصالحة تكون لها قوة تنفيذية، مثلها مثل الأحكام التي تصدر عن المحاكم وفقا لقانون المسطرة المدنية ، بمعنى أنها تخضع لقواعد التنفيذ الجبري، والذي يتم بطلب من المستفيد والذي ينفذ بواسطة كتابة الضبط التي توجد في دائرتها المقاولة المعنية بالنزاع الجماعي.
إلا انه هناك من ينتقد المشرع المغربي حول مسألة الإحالة على ق م. م. ذلك أنه لم يحدد قواعد التنفيذ الواردة في ق.م.م كما أنه كان عليه أن يراعي خصوصية هذه النزاعات وطبيعتها الاجتماعية ويضع لها قواعد خاصة بها.
المطلب الثاني: فشل المصالحة:
تنص المادة 555 من م ش على أنه "يحرر، حسب الأحوال المندوب المكلف بالشغل لدى العمالة أو الإقليم أو العون المكلف بتفتيش الشغل فوراً في ختام جلسات الصلح، محضراً يثبت فيه ما توصل إليه الأطراف من اتفاق تام، أو جزئي، أو عدم التصالح وكذا عدم حضورهم عند غيابهم...".
فلعل أهم أسباب فشل المصالحة تكمن في عدم حضور الأطراف خاصة المشغل ذلك بالنظر إلى عدم إضفاء المشرع لأي جزاء يفرض على المشغل بصفة خاصة أو الأطراف بصفة عامة للرضوخ لتعليمات مفتش الشغل أو المندوب المكلف بالشغل (حسب الحالات )، وبالتالي فإن محاولة إنجاح المصالحة تكون أكثر صعوبة، أما فيما يخص حضور الأطراف أو من ينوب عنهم قانونا أمام كل من اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة أو اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة فهو أمر إلزامي إذا تم استدعائهم بصفة قانونية من غير أن يكون لديهم عذر مقبول ، أو إذا امتنع أحد الأطراف عن تقديم الوثائق (الأبحاث والتحريات لدى المقاولات والأجراء العاملين بها والمستندات أو المعلومات، كيفما كان نوعها التي يمكن أن يستنير بها رئيس اللجنة فقد أقرنها المشرع بغرامة تتراوح بين 10.000 و20.000 درهم عن مخالفة مقتضيات المادتين 583 و584 أعلاه".
كما لا يخفى على أحد هزالة الرواتب الممنوحة لمفتشي الشغل وغياب أي محفزات مادية من شأنها أن نشجع مفتش الشغل على القيام بمهامه مما يجعله عرضة للمساومة من بعض المشغلين.
إضافة إلى ذلك نجد أن المادة 560 من م.ش تنص على أن اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة تقوم ببذل جهدها لتسوية نزاع الشغل الجماعي داخل أجل لا يتعدى ستة أيام من تاريخ رفع النزاع إليها، فخاصية السرعة أمر ضروري في مثل هذه الأوضاع لكن حصر هذه المسطرة في حيز زمني لا يتعدى ستة أيام قد يكون سببا في فشل المجهودات التي تبذلها اللجنة.
فعند فشل المسطرة يحرر محضر بعدم المصالحة، من قبل اللجنة وعندها يمكن لأطراف النزاع إما اللجوء إلى الوساطة أو التحكيم حسب ما تنص عليه أحكام الاتفاقية الجماعية ، أو اللجوء إلى التحكيم مباشرة حسب الفقرة الأولى من المادة 567 من م. ش التي تنص على أنه "إذ لم يحصل أي اتفاق أمام اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة وأمام اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة، أو إذا بقي خلاف بشأن بعض النقط، أو إذا تخلف الأطراف أو أحدهم عن الحضور، يمكن للجنة المعنية إحالة النزاع الجماعي للشغل إلى التحكيم بعد موافقة أطراف النزاع."
خاتمة:
صفوة القول، أن مستويات التصالح التي نص عليها المشرع المغربي في مدونة الشغل تبقى من أهم الوسائل السليمة لتسوية نزاعات الشغل الجماعية والتي تبنتها معظم التشريعات المقارنة، وتعتبر الأسلوب الأكثر انتشارا وقبولا من طرف الفرقاء الاجتماعيين لما لها من مزايا على جميع المستويات، فهي تمكن الأطراف من مناقشة كل الأمور والمسائل التي من شأنها أن تكون سبباً في النزاع وتمكنهم من تفادي الآثار السلبية التي تنجم على نشوب النزاع (الإضراب والإغلاق) كما تشكل عاملا مهما لربح الوقت، وذلك بالنظر إلى طابعها التوافقي والرضائي. وهي تمكن الدولة من التدخل في نزاعات الشغل الجماعية من أجل الحفاظ عن استقرار علاقات الشغل، وتحقيق السلم الاجتماعي وذلك حفاظا على المصالح العليا سواء على المستوى الاقتصادي أو السياسي أو الاجتماعي.
وعلى هذا الأساس فالأمر يحتاج إلى النهوض بميدان الشغل وجعله ضمن أهداف السياسة العامة للدولة:
- حث المشغلين وتشجيعهم على احترام المقتضيات التشريعية والتنظيمية وتوعيتهم بفائدتها ودورها في استمرارية المقاولة أو المؤسسة.
- إعادة النظر في تركيبة الأجهزة التي تقوم بدور المصالحة.
- إعادة النظر في الجزاءات الناتجة عن مخالفة أحكام المصالحة.
لائحة المراجع
الكتب
- احمية سليمان، آلية تسوية منازعات العمل والضمان الاجتماعي في القانون الجزائري، ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر، الطبعة الأولى، 1998.
- الحاج الكوري، مدونة الشغل الجديدة القانون رقم 99-65، أحكام عقد الشغل، مطبعة الأمية الرباط، الطبعة الأولى، سنة 2004.
- عبد اللطيف خالفي: الوسيط في مدونة الشغل، الجزء الثاني رقم 1، علاقات الشغل الجماعية، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش الطبعة الأولى ، سنة 2006.
الأطروحات والرسائل:
- الأطروحات:
- صباح كوتو، "مفتشية الشغل ودورها في ضمان الحماية العمالية" أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق شعبة القانون الخاص، تخصص قانون الأعمال، جامعة الحسن الثاني، عين الشق، كلية الحقوق، الدار البيضاء، السنة الجامعية 2003-2004.
- الرسائل:
- محمد المكي: "الصلح في نزاعات الشغل بين التشريع والقضاء" رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص تخصص قانون الأعمال والمقاولات، جامعة محمد الخامس، السويسي، كلية الحقوق، الرباط، السنة الجامعية 2008-2009.
- حنان أعياض " الصلح في نزاعات الشغل الفردية في ظل قانون الشغل المغربي" رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، ماستر القانون الاجتماعي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، كلية الحقوق، مراكش 2010/2009.
- يامنة حركات، الصلح بين مفتشية الشغل والقضاء" رسالة دبلوم الدراسات العليا المعمقة في المهن القضائية والقانونية شعبة القانون الخاص، تخصص وحدة التكوين والبحث، جامعة محمد الخامس، السويسي، كلية الحقوق، الرباط، السنة الجامعية 2008-2009.
- المقالات:
- بشرى العلوي، الطرق البديلة لحل نزاعات الشغل الجماعية: مقال منشور بجلة المحاكم المغربية عدد 108. ماي / يونيو 2007.
- الندوات:
- مداخلة عبد الرحيم الرماح، آلية تدبير نزاعات الشغل الجماعية، ندوة حول موضوع مدونة الشغل بعد سنتين من التطبيق، سلسلة الندوات واللقاءات والأيام الدراسية العدد التاسع، مكتبة دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع، الرباط، ص2007.
إن حماية الأجير الطرف الضعيف في العلاقة التي تجمع بين عنصرين الإنتاج وإعادة التوازن بينهما، تعتبر من أهم الأهداف التي يسعى قانون الشغل إلى تكريسها، وذلك باعتماد عدة وسائل نص عليها المشرع في مدونة الشغل والتي تعتبر بمثابة ضوابط قانونية وتنظيمية قادرة على الرقي بالعلاقة الشغلية والنهوض بمفهوم المقاولة المواطنة تحقيقا لتنمية مستدامة ، لكن هذا لا يحول دون نشوء نزاعات تكون فردية أو جماعية قد تهدد السلم الاجتماعي والاقتصادي والشيء الذي يقتضي إحداث آليات تتدخل لحل هذا النزاع.
ومؤسسة القضاء كوسيلة كلاسيكية لفض النزاعات أصبحت أمام العديد من المعيقات شبه عاجزة عن تقديم حلول تتوافق، وما يميز علاقات الشغل من حساسية كل هذا دفع بالتشريعات إلى البحث عن وسائل بديلة بواسطتها يتم حل النزاع الذي قد ينشأ بين الأجراء والمشغلين خصوصاً النزاع الجماعي لعل أهم هذه الوسائل المصالحة باعتبارها آلية لفض النزاعات الجماعية للشغل.
والمغرب كبلد له موروث ثقافي وعقائدي في مجال المصالحة، عمل شأنه شأن باقي التشريعات المقارنة يتبنى هذه الوسيلة البديلة في مدونة الشغل في المواد من 549 غلى 566.
هذا وتجدر الإشارة إلى أن موضوع المصالحة له أهمية سواء على المستوى النظري أو العملي، فمن الناحية العملية هو يشكل وسيلة فعالة في تفادي توقف المؤسسات الاقتصادية عن مزاولة نشاطها وربح الوقت وتفادي كثرة المصاريف، هذا مع العلم أن ما يشهده العالم العربي من تحركات حاليا أو ما يسمى بالربيع العربي جعل التكثلات النقابية والعمالية في موقف قوة، مكنها من تحقيق مطالب طالبت بها مند سنوات.
أما على المستوى النظري فهذا الموضوع نظراً لحساسيته سواء من الناحية القانونية أو الاقتصادية أو الاجتماعية فهو يحتاج إلى مزيد من الدراسة وإغناءه بالاجتهادات. وبالتالي ومن خلال ما سبق فإنه يمكن إثارة الإشكالية المحورية التالية:
إلى أي حد توفق المشرع المغربي في سن إجراءات خاصة بالمصالحة كفيلة بفض نزاعات الشغل الجماعية؟
ومن أجل دراسة الموضوع والوقوف على مختلف الإشكالات التي يثيرها، ارتأينا إتباع منهج تحليلي ومقارن: تحليلي لنصوص المدونة الخاصة بالمصالحة ومقارن بخصوص المقارنة بين التشريع المغربي والتشريعات الأخرى في هذا المجال.
وبذلك ستكون خطة بحثنا على الشكل التالي:
- الفصل الأول: الأجهزة المتدخلة في المصالحة
- الفصل الثاني: المسطرة أمام الأجهزة المتدخلة في المصالحة
الفصل الأول:
الأجهزة المتدخلة في المصالحة كآلية لفض نزاعات الشغل الجماعية
يعتبر الصلح من أهم الوسائل السلمية لحل نزاعات الشغل الجماعية، والذي أفرد له المشرع المغربي حيزاً مهما في مدونة الشغل عمل من خلالها على تنظيمه وضبطه.
وتبعاً لهذا، حق لنا التساؤل عن درجات الصلح في نزاعات الشغل الجماعية ؟ وعليه سنتناول هذا الفصل عبر مبحثين أساسين:
- المبحث الأول: على مستوى مفتشية الشغل.
- المبحث الثاني: على مستوى لجان البحث والمصالحة.
المبحث الأول:
على مستـوى مفتشيـــــة الشغل
إن أول محاولة للتصالح بين أطراف النزاع الجماعي تتم أمام مفتش الشغل، باعتباره الفاعل الأساسي في مسطرة التصالح ، لهذا فإن تدخله في الوقت المناسب وعبر الوسائل القانونية المتاحة يكون له بالغ الأثر في مدى نجاح مسطرة التصالح، وعليه سنعمل في هذا المبحث على تحديد كيفية تدخل مفتش الشغل إذا كان النزاع الجماعي يهم مقاولة واحدة فقط (المطلب الأول)، و كيفية تدخله إذ هَمَّ النزاع أكثر من مقاولة (المطلب الثاني).
المطلب الأول: النزاع داخل مقاول واحدة
جعل المشرع المغربي لحل كل خلاف بسبب الشغل، والذي قد يؤدي إلى نزاع جماعي موضوع محاولة للتصالح يتم أمام مفتش الشغل لأنه الجهاز الأقرب إلى كل من العمال وأرباب العمل وهو الأكثر إطلاعاً على ظروف العمل وأسباب النزاع ووضعية المقاولة، كما أن مفتش الشغل مؤهل أكثر لإيجاد حل مناسب للنزاع القائم لكن السؤال الذي يطرح هنا متى يتدخل مفتش الشغل في النزاع؟
نص المادة 552 من مدونة الشغل في فقرتها الثانية على ما يلي " إذا كان الخلاف الجماعي يهم مقاولة واحدة، فإن محاولة التصالح تجري أمام العون المكلف بتفتيش الشغل".
يلاحظ أن المعيار في تدخل مفتش الشغل هو عدد المقاولات التي يقع فيها النزاع، بمعنى أن خلافات الشغل التي من شأنها أن تؤدي إلى نزاعات جماعية تتم أمام أعوان التفتيش، إذا كانت هذه الخلافات على مستوى مقاولة واحدة، كما يكون الاختصاص لمفتش الشغل إذا تعلق الأمر بنزاعين مختلفين في شركتين مختلفتين. ونشير إلى أن نفس الأمر ينطبق عل التشريع الفرنسي، فعندما يثور النزاع يتم عرضه على مفتش الشغل من قبل أحد طرفي النزاع الجماعي، ويتحرك هذا الأخير (مفتش الشغل) عبر مرحلتين: مرحلة أولى: يقوم فيها بزيارة مكان العمل ومعاينة النزاع عن قرب والعمل على رصد مختلف حيثيات النزاع، ومرحلة ثانية: يعمل على عقد حوار بين الطرفين وذلك بغية الوصول إلى حل توافقي يكون منهيا للنزاع.
كما لا يفوتنا أن نشير إلى الكم الهائل من المهام والمسؤوليات التي أصبحت ملقاة على عاتق مفتش الشغل بموجب القانون، وتأثيرها السلبي على وظيفته الرئيسية المتجلية في رقابة مدى احترام مقتضيات مدونة الشغل، فتعدد المهام الموكولة لمفتش الشغل وتشابكها سيجعله ولاشك عاجزا عن تنفيذها بالفعالية والسرعة المطلوبة، كما أن اليد العاملة المغربية في ارتفاع مستمر في حين أن جهاز تفتيش الشغل لازال يعمل بأساليبه التقليدية والقديمة وبأطر قليلة العدد، مما يؤثر على الوظيفة الموكولة إليه ويضر بالطبقة الواجب حمايتها، علما أن حماية الطبقة العاملة مسؤولية مشتركة بين مجموعة من الفاعلين، إذ لابد من التأكيد على دور الدول ورغبتها في خلق التوازن الحقيقي في علاقات الشغل إقامة أطر متخصصة في هذا المجال من أجل رفع الحيف والاستغلال عن طبقة تعتبر مهمة بالنظر إلى دورها في تنمية الاقتصاد الوطني.
هذا ونسجل أيضا غياب الاهتمام اللازم بالوضع القانوني لجهاز تفتيش الشغل بالمغرب من طرف الوزارة المعنية، فلاشك أن المتتبع لمسار هذا الجهاز، سيلاحظ عدم الاهتمام بوضع سياسة قانونية واضحة تساعد على تفعيل دور جهاز تفتيش الشغل وذلك عبر مساعدته على الإحاطة والإلمام بمختلف الإشكاليات القانونية التي قد تصادفه وهو بصدد مزاولته لمهامه واختصاصاته.
المطلب الثاني: النزاع يهم أكثر من مقاولة.
جاء في الفقرة الأولى من نفس المادة "إذا كان الخلاف الجماعي يهم أكثر من مقاولة، فإن محاولة التصالح تجري أمام المندوب المكلف بالشغل لدى العمالة أو الإقليم".
من خلال هذه المادة يتضح أنه إذا هم النزاع أكثر من مقاولة فإن محاولة التصالح تجري أمام المندوب المكلف بالشغل لدى العمالة أو الإقليم، ويجب والحالة هاته على مندوبو الشغل المعنيون بالأمر أن يوحدوا الجهود فيما بينهم، وذلك تفادي لتضارب الحلول إذا ما تدخل كل مندوب على حدة في النزاع الموجود داخل مجاله الترابي . وهكذا فاختصاص المندوب المكلف بالشغل لدى العمالة أو الإقليم، يتحدد بالنظر صلحاً في جميع الخلافات أو النزاعات الشغلية الجماعية، سواء كانت من طبيعة قانونية، أو كانت من طبيعة اقتصادية، إذا جمعت أكثر من مقاولة واحدة ونشبت في دائرة المندوبية المسؤول عنها، حيث أن تحمله المسؤولية في هذه المندوبية، يسمح له بالإطلاع وبالإلمام بمشاكل الشغل الموجودة فيها، ويسمح له كذلك بالإطلاع على ظروف وأحوال طبقة الأجراء وكذلك المقاولات، كما تسمح له بالإحاطة بالأعراف وبالتقاليد السائدة في الأوساط التجارية والصناعية في دائرة اختصاصه، مما يساعده ويسهل مهمته في إجراء محاولة التصالح بين أطراف خلافات أو نزاعات الشغل، والمساهمة في التقريب بين وجهات نظر الأطراف المعنية بها وكذا إيجاد الحلول الملائمة لها.
إذا كان المندوب المكلف بالشغل لدى العمالة أو الإقليم يسعى إلى تحقيق السلم الاجتماعي، فإن ذلك رهين بدعم هذا الجهاز وتحصينه ورفع درجة تأهيله من خلال تمكينه من الآليات القانونية، الاقتصادية، التكنولوجية، والسيكولوجيا ووسائل الدعاية الممكنة وتعزيز دوره الوقائي في اتجاهه الواسع، وتفعيله في المفاوضات الجماعية، حتى يتسنى له مسايرة ومعايشة الظرفية الحالية المتميزة بانفتاح الاقتصاد الوطني ودخوله في المنافسة العالمية التي أدت ومازالت تؤدي إلى تحولات في مجال العلاقات المهنية وطرق تدبيرها، بحيث أصبحت عنصراً أساسيا في التمييز بين المقاولات وفي رفع تحدي المنافسة بينها.
إن هذه التحولات وإن كانت لها إيجابيتها فإنها تساهم في ارتفاع عدد المنازعات الاجتماعية من جراء إغلاق المؤسسات، وتسريح عمالها أو إعادة هيكلتها وعصرنة إنتاجها وتسييرها.
المبحث الثاني:
على مستوى لجان البحث والمصالحة
إن محاولة الصلح أو ما يطلق عليها بالمصالحة التي تتم عن طريق تدخل اللجنتين المختصتين في فض النزاعات (اللجنة الإقليمية ثم اللجنة الوطنية) لا تبتدئ إلا بعد فشل المحاولة السابقة التي يقوم بها مفتش الشغل أو المندوب المكلف بالشغل (حسب الحالة، كما سبق الإشارة إليه) وبالتالي فإن مسطرة المصالحة تتم وفق كرونولوجية محددة تحتل من خلالها اللجنة الإقليمية الخيار الثاني لفض النزاع القائم، أما اللجنة الوطنية فتعتبر آخر مرحلة من مراحل المصالحة بين ميع الأطراف (المطلب الثاني).
المطلب الأول: اللجنة الإقليمية
تنص المادة 557 من مدونة الشغل على أنه "تحدث لدى كل عمالة أو إقليم لجنة تسمى "اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة يترأسها عامل العمالة أو الإقليم وتتكون بالتساوي من ممثلين عن الإدارة والمنظمات المهنية للمشغلين والمنظمات النقابية لأجراء الأكثر تمثيلا.
يتولى كتابة الجنة المندوب الإقليمي المكلف بالشغل"
من خلال استقراء المادة المذكورة سالفا يمكن أن نستنتج أن اللجنة الإقليمية تتكون زيادة على المندوب الإقليمي المكلف بالشغل من ثلاثة طوائف مقسمة بالتساوي
الطائفة الأولى: ممثلين عن الإدارة
الطائفة الثانية: ممثلين عن المنظمات المهنية للمشغلين
الطائفة الثالثة: ممثلين عن المنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا
هذا ويرى أستاذنا عبد اللطيف خالفي أن المصالحة التي تقوم بها اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة هي وسيلة لتفادي الخلافات والنزاعات الجماعية، أكثر منها وسيلة لحلها وأنها أسلوب يرمي إلى التقريب بين وجهة نظر كل من طرفي الخلاف أو النزاع الجماعي، من خلال الاستماع إلى وجهات النظر المختلفة ومحاولة التقريب بينها ، صحيح أنها وسيلة كفيلة لفض النزاع عن طريق التوفيق بين جميع آراء ومتطلبات الأطراف إرجاع الحالة إلى طبيعتها المتمثلة في سير نشاط المقاولة بشكل سليم إلا أننا لا نعتقد أن المصالحة وسيلة لتفادي النزاعات الجماعية وأنها هي وسيلة لفضها لولا وجود نزاع شغل جماعي لما تدخلت اللجنة الإقليمية لفضه.
وتطرح عدة تساؤلات تدور حول قصور المادة 557 من م ش والتي نجملها فيما يلي:
الإشكالية الأولى: إن المادة 557 لم تحدد عدد ممثلي كل من الإدارة والمنظمات المهتمة للمشغلين والمنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا بل أكتفت بتحديد أنها تتكون منهم بالتساوي عن كل جهة فهل يتم تعيين الممثلين وفق حجم النزاع المعروض عليها؟ وبالتالي كلما كبر حجم النزاع كلما زاد عدد الممثلين أم أنها تنظر في جميع النزاعات المعروفة أمامها للقيام بالمصالحة بنفس العدد من الممثلين.
الإشكالية الثانية: جاء في المادة 557 من م ش، "........وتتكون بالتساوي من ممثلين عن الإدارة والمنظمات......"
فما المقصود بعبارة "الإدارة" هل هي الوزارة الوصية على قطاع الشغل، أم هي الوزارة لمعنية بالنزاع أم هي العمالة أو الإقليم المثار فيه النزاع؟
الإشكالية الثالثة: هل المقصود بالمنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا هو المنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا على مستوى المقاولة أو المنظمات النقابية الأكثر على مستوى العمالة أو الإقليم.
الإشكالية الرابعة: إن اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة بدلا من يترأسها عامل الإقليم وفق ما ينص عليه القانون( الفصل 557 من م ش) يكلف بها بعض الموظفين الذين لا يتوفرون على النفوذ الذي يمكنهم من إنجاز هذه المهمة وخاصة إذا كان النزاع مستعصيا ويمكن ذلك في النزاعات العادية كما أن متابعة عامل الإقليم بشكل مباشر إلى جانب الموظف الذي يتم تكليفه يساعد على إيجاد الحلول ويعطي لهذه اللجنة المكانة التي يستحقها، كما أن اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة بالنسبة للنزاعات التي يستعصي إيجاد الحلول لها يجب أن يترأس اجتماعاتها وزير التشغيل شخصيا وفق ما هو منصوص عليه في المدونة.
أما فيما يخص التشريع الفرنسي يتم إحداث لجنة جهوية للمصالحة وذلك المصالح الجهوية لوزارة الشغل وذلك حسب الفصل 1-523 من قانون الشغل الفرنسي.
وتتكون اللجنة الجهوية من: المدير الجهوي للشغل والتشغيل بصفته رئيسا، مستشار من المحكمة الإدارية، خمسة أعضاء يمثلون أرباب العمل وخمسة أعضاء يمثلون العمال.
وتجدر الإشارة إلى أن اللجنة الجهوية يمكن أن تتفرع إلى لجان جهوية أخرى أساسية
(Départementale)
ولجان غير أساسية
(Interdépartementale).
فما يمكن ملاحظته هو أن المشرع الفرنسي قام بتعداد الأعضاء الممثلين لكل من أرباب العمل وممثلي العمال على عكس المشرع المغربي وكذلك مستشار من المحكمة الإدارية الذي يمثل الإدارة فقد أحسن المشرع الفرنسي في ذلك بالمقارنة مع المشرع المغربي الذي ترك الباب مفتوحا دون أي تحديد.
المطلب الثاني: اللجنة الوطنية
تنص المادة 564 من م ش على أنه "تحدث لدى السلطة الحكومية المكلفة بالشغل لجنة تسمى "اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة" يترأسها الوزير المكلف بالشغل أو من ينوب عنه، وتتكون بالتساوي من ممثلين عن الإدارة والمنظمات المهنية للمشغلين والمنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا.
يمكن لرئيس اللجنة، أن يستدعي لحضور أشغالها كل شخص يراعي في اختياره ما يتمتع به من كفاءات في مجال اختصاصات اللجنة.
يتولى كتابة اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة رئيس مصلحة تفتيش الشغل" إذا ما انطلقنا من مقارنة المادتين 564 من م ش التي بموجبها تحدث اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة والمادة 557 من م ش التي بموجبها تحدث اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة نجد أن كلا اللجنتين تتكون من نفس الأعضاء الممثلين للهيآت الثلاث (الإدارة، المنظمات المهنية للمشغلين والمنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا) وبالتالي فإن نفس الإشكالات التي سبق وأثرناها ونحن بصدد مناقشة اللجنة الإقليمية تثار هي نفسها بصدد اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة غير أن الفرق الحاصل بينهما يتمثل في كتابة كل من اللجنتين، فاللجنة الوطنية للبحث والمصالحة يتولى كتابتها رئيس المصلحة تفتيش الشغل وكذلك فيما يتعلق بالرئاسة حيث كلف المشرع الوزير المكلف بالشغل أو من ينوب عنه برئاسة اللجنة الوطنية وخول له إمكانية استدعاء كل شخص لحضور أشغالها في اختياره ما يتمتع به من كفاءات في مجال اختصاصات اللجنة فمن خلال الفقرة الثانية من المادة 564 من م ش قد أورد المشرع مصطلح "يراعى في اختياره" وبالتالي فإن الوزير المكلف بالشغل بصفته رئيسا يكون مقيدا باختيار الأشخاص الذين يمكن أن يستعين بهم لفض نزاعات الشغل الجماعية عن طريق المصالحة بواسطة الجنة الوطنية للبحث والمصالحة حيث أورد المشرع شرط تمتع هؤلاء بكفاءات في مجال اختصاصات اللجنة هي الممثلة في نظرنا في المجال القانوني، الاجتماعي والاقتصادي وتجدر الإشارة إلى أن استدعاء الوزير المكلف بالشغل لهؤلاء الأشخاص يكون اختياريا وليس إلزاميا حيث أورد المشرع عبارة "يمكن" لرئيس اللجنة.... غير أن ما يمكن إثارته هو أن المشرع قد أورد شرطا على استدعاء الرئيس هؤلاء الأشخاص ولم يحدد إمكانية ومراقبة الكفاءات التي يتمتع بها هؤلاء الأشخاص المعينين من قبل رئيس اللجنة والهيئة المكلفة بالمراقبة.
أما فيما يخص التشريع الفرنسي فإنه حسب الفصل 1-523 من قانون الشغل الفرنسي تحدث لجنة وطنية للمصالحة
« commission nationale de conciliation »
لدى وزراة الشغل وتتكون من:
- وزير الشغل أو ممثله (رئيسا
- ممثل الوزارة المكلفة بالشؤون الاقتصادية
- خمسة أعضاء يمثلون أرباب العمل.
- خمسة أعضاء يمثلون العمال.
الفصل الثاني
المسطرة أمام الأجهزة المتدخلة في المصالحة
إن أي حق يمنحه القانون إلى فئة من فئات المجتمع يكون بدون قيمة، وبدون أهمية ووجوده كعدمه، إذ لم يكن مصحوبا بقواعد مسطرية تحركه وثبت فيه الروح وإدراكا من المشرع المغربي بأهمية ذلك، نص في مدونة الشغل على قواعد مسطرية، تتبع أمام الأجهزة المتدخلة في المصالحة تمر عبر إجراءات تتسم بالبساطة والسرعة (المبحث الأول)، وتنتهي بنتائج قد تنهي النزاع وقد لا تنتهيه (المبحث الثاني).
المبحث الأول:
الإجراءات المتبعة
بالرجوع إلى المادة 553 من مدونة الشغل نجدها تخول كلى الطرفين في النزاع حق المبادرة في افتتاح إجراءات المصالحة كما منحت ذلك للسلطة، الحكومية المكلفة بالشغل (العون المكلف بتفتيش الشغل- المندوب المكلف بالشغل لدى العمالة او الإقليم....)
وتجدر الإشارة قبل أن نتناول الإجراءات المتبعة أمام الأجهزة، أن هذه الإجراءات نفسها المتبعة أمام كل الأجهزة رغم بعض الاختلافات سنقوم بالإشارة إليها، حيث أن المادة 554 من المدونة تحيل على المسطرة المنصوص عليها في المواد 558-559-560.
وبالتالي ومن خلال ما سبق فإننا سنتناول هذا المبحث من خلال مطلبين: المطلب الأول نتناول فيه استدعاء الأطراف والمطلب الثاني: حضور الأطراف.
المطلب الأول: استدعاء الأطراف:
إن ما يميز المصالحة كآلية لفض النزاعات الجماعية هو السرعة في الإجراءات وذلك بلورة لطابعها هو الوقائي أحيانا والعلاجي أحيانا أخرى، وذلك قبل حدوث أي انشقاق في العلاقة ما بين النقابات الممثلة للعمال والمشغلين يصعب معه حل النزاع أو حتى التقريب بين وجهتي نظر الطرفين، وترسيخا لهذا الطابع فإنه بمجرد فتح الإجراءات من أحد الأطراف سواء الطرف الراغب في التعجيل أو بمبادرة من السلطة الحكومية المكلفة بالشغل، كما يستفاد ذلك من المادة 553 من المدونة، والمتمثلة في المندوب المكلف بالشغل لدى العمالة أو الإقليم والعون المكلف بتفتيش الشغل في المقاولة أو اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة، في حالة فشل المسطرة اللجنة الوطنية في حالة امتداد النزاع في العديد من العمالات تعمل هذه اللجنة الجهة التي تنظر في النزاع كما يستفاد ذلك من المادة 558 على استدعاء أطراف النزاع بواسطة برقية في أجل لا يتعدى 48 ساعة من تاريخ رفع النزاع الجماعي أمامها، وعلى هذه الجهة أن تقوم بتسوية النزاع الجماعي والتوصل إلى اتفاق وأن تبدل قصارى جهدها في ذلك داخل أجل لا يتعدى ستة أيام من تاريخ رفع النزاع الجماعي أمامها.
وبذلك يظهر أن الأجل الذي نص عليه المشرع المغربي من أجل تسوية النزاع، وكذلك أجل الاستدعاء والحضور هو يتماشى مع خصوصيات المصالحة من حيث سرعتها، وذلك نظراً لأنه كلما طال أمد النزاع كلما كان من الصعب التوصل إلى حل أو التقريب بين وجهات النظر، كما أن هذا من جهة أخرى هو ما يميز المصالحة عن التقاضي أمام المحاكم التي تتسم بكثرة الإجراءات وبطئها.
لكن رغم ذلك فإنه ما يعاب على الوضع في المغرب هو عدم احترام هذه الآجال القانونية، خصوصا اجتماعات اللجان في جميع مراحلها والتي قد تصل فيها المدة إلى سنة.
هذا وتجب الإشارة إلى أن المشرع لم يكتفي بتحديد الأجل الذي يتم فيه الاستدعاء ومحاولة تسوية النزاع، بل إنه نص في المادة 583 في الفرع الثاني من الباب الثالث المتعلق بالتحكيم على أنه إذا استدعى أحد الأطراف بصفة قانونية للمثول أمام اللجنة الإقليمية أو الوطنية للبحث والمصالحة، ولم يحضر من غير أن له عذر مقبول ودون أن ينيب عنه ممثلا قانونيا فإن رئيس اللجنة المعينة يحرر تقريراً في الموضوع ويوجهه إلى الوزير المكلف بالشغل الذي يحيله بدوره إلى النيابة العامة، هذه الإحالة قد تنتهي بغرامة تتراوح بين 10.000 و20.000.
لكن ما يأخذ على المشرع المغربي في هذا الإطار أنه استثنى بدون مبرر مقبول الاستدعاء الموجه من طرف العون المكلف بالتفتيش والمندوب لدى العمالة أو الإقليم من حماية المادتين 583 و585، الشيء الذي يجعلنا نتساءل هل الموقف الذي اتخذه المشرع المغربي هو مجرد إغفال؟ أو أنه بمثابة تقليص من صلاحيات مفتش الشغل والمندوب المكلف بالشغل.
لكن لولا اقتناع المشرع بأهمية وفعالية تدخل مفتش الشغل من أجل تسوية نزاعات الشغل الجماعية لما جعل مهمة التصالح ضمن المهام المنوطة بمفتش الشغل بحكم القانون ولما أرفق هذه المهمة بمسطرة قانونية جد محكمة ، كل هذا يستدعي تفسير هذا الموقف الغامض للمشروع المغربي على أنه يجب أن يدخل في إطار المادتين 583 و585 حتى ذلك الاستدعاء الذي يقوم به كل من العون المكلف بتفتيش الشغل، وكذلك المندوب المكلف بالشغل لدى العمالة أو الإقليم.
المطلب الثاني: حضور الأطراف:
إن مبدأ الحضورية هو مبدأ عام يأخذ به أمام المحاكم الرسمية، ويدخل ضمن الشروط الشكلية للمحاكمة العادلة ووعيا من المشرع المغربي بضرورة حضور لأطراف أثناء مسطرة المصالحة في نزاعات الشغل الجماعية تنص في المادة 558 من خلال فقرتها الثانية على أنه "....يجب على الأطراف أم يمثلوا شخصيا أمام اللجنة أو ينيبوا عنهم شخصا مؤهلا لإبرام اتفاق التصالح إذ حال دون حضورهم بسبب قاهر..." فمن خلال هذه المادة يظهر أن المشرع المغربي أوجب على الأطراف الحضور الشخصي والمثول أمام الجهات التي تنظر في النزاع الجماعي، والمشاركة في المناقشات وذلك نظراً لما يوفره الحضور الشخصي من ضمانات تكون بمثابة مؤهلات ضرورية من أجل نجاح مسطرة المصالحة، وذلك بالتقريب بين وجهات النظر والاتفاق حول بعض نقط الخلاف، كما أن الحضور الشخصي يساعد الجهات التي تنظر في النزاع من الإحاطة أكثر بموضوع النزاع وأسبابه ، كذلك الحضور الشخصي يجعل مواقف الطرفين تتسم بالمرونة وتمكن من فتح مجالات التنازلات، إلا أنه نرى بأن هذه القاعدة المتعلقة بالحضور الشخصي فقط تهم جهة رب العمل أو المشغل بالخصوص لأنه ما دمنا نحن بصدد نزاع جماعي فإننا لا يمكن أن نتحدث عن أجير واحد فرغم أن المشرع المغربي لم يحدد معيار مضبوط لتحديد النزاع الجماعي. ولأنه لا يمكن أن نتصور كذلك حضور كل الأجراء الذين يعنيهم النزاع، ومناقشته لأن ذلك سيكون من الصعوبة بمكان نظراً لكثرة العدد، وبالتالي فتصور إلانابة من هذا الجانب هي واردة أكثر بالمقارنة مع الجهة الأخرى التي يتهم المشغل الذي يمكنه الحضور الشخصي.
كما جاء في الفقرة الأخيرة من نفس المادة أنه يمكن أن يكون أحد الطرفين " مؤازرا" بعضو من النقابة أو المنظمة المهنية التي ينتهي إليها مندوب الأجراء.
وما دام المشرع المغربي استعمل عبارة "يمكن" فإنها تبقى مسألة اختيارته للأطراف هذا ويحق للأطراف أن يقدموا إلى على العون المكلف بتفتيش الشغل أو أمام المندوب المكلف بالشغل لدى العمالة أو الإقليم ، بمذكرة كتابية تتضمن ما لديهم من ملاحظات ويجب على العون أو المندوب أن يبلغ نسخة إلى الطرف الآخر أو تلك المذكرة، أما إذا كان النزاع أمام اللجنة الإقليمية أو الوطنية للبحث والمصالحة فإن المذكرة تقدم إلى من يترأس هذه الجلسةوهو يبلغها إلى الأطراف.
هذا وتجدر الإشارة إلى أنه إذا تفحصنا المادة 561 نجدها تخول لرئيس اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة أوسع الصلاحيات وذلك بإجراء الأبحاث وتقصي أوضاع المقاولة وطلب تقديم المستندات التي لها علاقة بالنزاع، وحسب الفقرة الثانية من المادة566 فإن رئيس اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة يتمتع بنفس الصلاحيات أما فيما يخص مفتش الشغل فإننا لا نجد له نص مماثل الشيء الذي يجعلنا نتسائل هل عدم النص على هذه الصلاحيات هي بمثابة تقييد لصلاحيات مفتش الشغل أم أن المشرع ترك له الباب مفتوحا من أجل القيام بكل الإجراءات؟
لكن وحسب رأينا المتواضع نرى بأن ذلك لا يشكل تقييداً ما دام المشرع منح صلاحيات لمفش الشغل في إطار العلاقات الفردية واسعة، فلماذا لا يمنحها له في إطار النزاع الجماعي، والأكثر من ذلك فكيف يمكن له أن يؤدي هذه المهام على أحسن ما يرام بدون هذه الصلاحيات.
هذا النوع وتجدر الإشارة إلى أنه حسب المادة 585 أن كل طرف امتنع عن تقديم الوثائق التي تساعد رئيس اللجنة الوطنية أو الإقليمية للبحث والمصالحة عن القيام بالبحث وتحرياتهم فإنه يعاقب بغرامة تتراوح بين10.000 و20.000درهم.
المبحث الثاني:
نتائـــــج المصالحــــــــة
يترتب عن تحريك مسطرة المصالحة أمام الأجهزة السالفة الذكر أحد الأثرين، فبعد سلوك الأطراف للإجراءات المحددة سالفا، إما أن محاولة التصالح تنتهي بالتوصل إلى اتفاق بين الطرفين وبالتالي إنهاء النزاع، أو أن هذه المحاولة تبوء بالفشل، وبالتالي استمرار النزاع.
المطلب الأول: نجاح المصالحة:
بالرجوع إلى المادتين 555 و563 والمتعلقتين بالمسطرة أمام مفتشية الشغل وأمام اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة، نجد أن المشرع المغربي يلزم هذه الأجهزة المذكورة بتحرير محضر يبين فيه ما توصل إليه الأطراف من اتفاق تام أو جزئي.
يظهر من خلال ذلك أن نجاح إما أن يكون جزئيا أو يكون كليا:
- في حالة الاتفاق الكلي:
وفي هذه الحالة يتم الاتفاق بشكل كلي حول النزاع وبالتالي يتم إنهاء النزاع وفي ختام الجلسة يتم التوقيع على ذلك المحضر على حسب الأحوال إذا كانت المصالحة أمام المندوب المكلف بالشغل لدى العمالة أو الإقليم أو العون المكلف بتفتيش لشغل، ويوقع كذلك الأطراف على المحضر المحرر أما إذا كان النزاع أمام اللجنة الإقليمية فإن رئيس هذه اللجنة هو من يقوم بالتوقيع على المحضر إلى جانب أطراف النزاع، ويتم تسليم نسخة منه إلى الأطراف أو تبلغ إليهم عن الاقتضاء.
- في حالة الاتفاق الجزئي:
عندما يكون الاتفاق فقط جزئي يعني أن النزاع لم ينتهي بعد رغم أن الأطراف قد اتفقوا حول جزءا من النزاع، لكن رغم ذلك فإنه يتم تحرير المحضر بشأن ذلك الاتفاق الجزئي، لكن نرى بأن المشرع في هذه الحالة لم يكن دقيقا بحيث أنه نص على تحرير محضريين فيه إما الاتفاق الكلي أو الجزئي أو عدم الاتفاق وبالتالي فإذا كان عدم الاتفاق يكون سببا في الإحالة عن الجهة التي لها أن تنظر في النزاع حسب الأحوال.
فإنه في حالة الاتفاق الجزئي يثار الإشكال التالي:
- ما مصير ذلك الجزء الذي لم يقع الاتفاق بشأنه؟ هل يحال إلى الجهة الموالية، أو يتم إعادة المسطرة من جديد بشأنه؟
- وتجدر الإشارة إلى أن هل ذلك الاتفاق الذي يتوصل الأطراف إليه يكون له قوة تنفيذية؟
إن هذه الاتفاقات والتي يتم التوصل إليها أمام الأجهزة المكلفة بالسهر على تطبيق مسطرة المصالحة تكون لها قوة تنفيذية، مثلها مثل الأحكام التي تصدر عن المحاكم وفقا لقانون المسطرة المدنية ، بمعنى أنها تخضع لقواعد التنفيذ الجبري، والذي يتم بطلب من المستفيد والذي ينفذ بواسطة كتابة الضبط التي توجد في دائرتها المقاولة المعنية بالنزاع الجماعي.
إلا انه هناك من ينتقد المشرع المغربي حول مسألة الإحالة على ق م. م. ذلك أنه لم يحدد قواعد التنفيذ الواردة في ق.م.م كما أنه كان عليه أن يراعي خصوصية هذه النزاعات وطبيعتها الاجتماعية ويضع لها قواعد خاصة بها.
المطلب الثاني: فشل المصالحة:
تنص المادة 555 من م ش على أنه "يحرر، حسب الأحوال المندوب المكلف بالشغل لدى العمالة أو الإقليم أو العون المكلف بتفتيش الشغل فوراً في ختام جلسات الصلح، محضراً يثبت فيه ما توصل إليه الأطراف من اتفاق تام، أو جزئي، أو عدم التصالح وكذا عدم حضورهم عند غيابهم...".
فلعل أهم أسباب فشل المصالحة تكمن في عدم حضور الأطراف خاصة المشغل ذلك بالنظر إلى عدم إضفاء المشرع لأي جزاء يفرض على المشغل بصفة خاصة أو الأطراف بصفة عامة للرضوخ لتعليمات مفتش الشغل أو المندوب المكلف بالشغل (حسب الحالات )، وبالتالي فإن محاولة إنجاح المصالحة تكون أكثر صعوبة، أما فيما يخص حضور الأطراف أو من ينوب عنهم قانونا أمام كل من اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة أو اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة فهو أمر إلزامي إذا تم استدعائهم بصفة قانونية من غير أن يكون لديهم عذر مقبول ، أو إذا امتنع أحد الأطراف عن تقديم الوثائق (الأبحاث والتحريات لدى المقاولات والأجراء العاملين بها والمستندات أو المعلومات، كيفما كان نوعها التي يمكن أن يستنير بها رئيس اللجنة فقد أقرنها المشرع بغرامة تتراوح بين 10.000 و20.000 درهم عن مخالفة مقتضيات المادتين 583 و584 أعلاه".
كما لا يخفى على أحد هزالة الرواتب الممنوحة لمفتشي الشغل وغياب أي محفزات مادية من شأنها أن نشجع مفتش الشغل على القيام بمهامه مما يجعله عرضة للمساومة من بعض المشغلين.
إضافة إلى ذلك نجد أن المادة 560 من م.ش تنص على أن اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة تقوم ببذل جهدها لتسوية نزاع الشغل الجماعي داخل أجل لا يتعدى ستة أيام من تاريخ رفع النزاع إليها، فخاصية السرعة أمر ضروري في مثل هذه الأوضاع لكن حصر هذه المسطرة في حيز زمني لا يتعدى ستة أيام قد يكون سببا في فشل المجهودات التي تبذلها اللجنة.
فعند فشل المسطرة يحرر محضر بعدم المصالحة، من قبل اللجنة وعندها يمكن لأطراف النزاع إما اللجوء إلى الوساطة أو التحكيم حسب ما تنص عليه أحكام الاتفاقية الجماعية ، أو اللجوء إلى التحكيم مباشرة حسب الفقرة الأولى من المادة 567 من م. ش التي تنص على أنه "إذ لم يحصل أي اتفاق أمام اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة وأمام اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة، أو إذا بقي خلاف بشأن بعض النقط، أو إذا تخلف الأطراف أو أحدهم عن الحضور، يمكن للجنة المعنية إحالة النزاع الجماعي للشغل إلى التحكيم بعد موافقة أطراف النزاع."
خاتمة:
صفوة القول، أن مستويات التصالح التي نص عليها المشرع المغربي في مدونة الشغل تبقى من أهم الوسائل السليمة لتسوية نزاعات الشغل الجماعية والتي تبنتها معظم التشريعات المقارنة، وتعتبر الأسلوب الأكثر انتشارا وقبولا من طرف الفرقاء الاجتماعيين لما لها من مزايا على جميع المستويات، فهي تمكن الأطراف من مناقشة كل الأمور والمسائل التي من شأنها أن تكون سبباً في النزاع وتمكنهم من تفادي الآثار السلبية التي تنجم على نشوب النزاع (الإضراب والإغلاق) كما تشكل عاملا مهما لربح الوقت، وذلك بالنظر إلى طابعها التوافقي والرضائي. وهي تمكن الدولة من التدخل في نزاعات الشغل الجماعية من أجل الحفاظ عن استقرار علاقات الشغل، وتحقيق السلم الاجتماعي وذلك حفاظا على المصالح العليا سواء على المستوى الاقتصادي أو السياسي أو الاجتماعي.
وعلى هذا الأساس فالأمر يحتاج إلى النهوض بميدان الشغل وجعله ضمن أهداف السياسة العامة للدولة:
- حث المشغلين وتشجيعهم على احترام المقتضيات التشريعية والتنظيمية وتوعيتهم بفائدتها ودورها في استمرارية المقاولة أو المؤسسة.
- إعادة النظر في تركيبة الأجهزة التي تقوم بدور المصالحة.
- إعادة النظر في الجزاءات الناتجة عن مخالفة أحكام المصالحة.
لائحة المراجع
الكتب
- احمية سليمان، آلية تسوية منازعات العمل والضمان الاجتماعي في القانون الجزائري، ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر، الطبعة الأولى، 1998.
- الحاج الكوري، مدونة الشغل الجديدة القانون رقم 99-65، أحكام عقد الشغل، مطبعة الأمية الرباط، الطبعة الأولى، سنة 2004.
- عبد اللطيف خالفي: الوسيط في مدونة الشغل، الجزء الثاني رقم 1، علاقات الشغل الجماعية، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش الطبعة الأولى ، سنة 2006.
الأطروحات والرسائل:
- الأطروحات:
- صباح كوتو، "مفتشية الشغل ودورها في ضمان الحماية العمالية" أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق شعبة القانون الخاص، تخصص قانون الأعمال، جامعة الحسن الثاني، عين الشق، كلية الحقوق، الدار البيضاء، السنة الجامعية 2003-2004.
- الرسائل:
- محمد المكي: "الصلح في نزاعات الشغل بين التشريع والقضاء" رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص تخصص قانون الأعمال والمقاولات، جامعة محمد الخامس، السويسي، كلية الحقوق، الرباط، السنة الجامعية 2008-2009.
- حنان أعياض " الصلح في نزاعات الشغل الفردية في ظل قانون الشغل المغربي" رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، ماستر القانون الاجتماعي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، كلية الحقوق، مراكش 2010/2009.
- يامنة حركات، الصلح بين مفتشية الشغل والقضاء" رسالة دبلوم الدراسات العليا المعمقة في المهن القضائية والقانونية شعبة القانون الخاص، تخصص وحدة التكوين والبحث، جامعة محمد الخامس، السويسي، كلية الحقوق، الرباط، السنة الجامعية 2008-2009.
- المقالات:
- بشرى العلوي، الطرق البديلة لحل نزاعات الشغل الجماعية: مقال منشور بجلة المحاكم المغربية عدد 108. ماي / يونيو 2007.
- الندوات:
- مداخلة عبد الرحيم الرماح، آلية تدبير نزاعات الشغل الجماعية، ندوة حول موضوع مدونة الشغل بعد سنتين من التطبيق، سلسلة الندوات واللقاءات والأيام الدراسية العدد التاسع، مكتبة دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع، الرباط، ص2007.