MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




المنازعات الناشئة عن الصفقات العمومية : في تنفيذ العقد وانتهاء الصفقة

     

محمد مهداوي

باحث بسلك ماستر الحكامة المحلية
كلية الحقوق، سطات



المنازعات الناشئة عن الصفقات العمومية : في تنفيذ العقد وانتهاء الصفقة

         الدولة كشخص عام مكلفة بتسيير الشؤون العامة لمواطنيها ، والسهر على راحتهم وأمنهم ، إلا أنه ونظرا لتعدد المشاريع التي يتم برمجتها ، وما تتطلبه من موارد بشرية وتنظيمات معقدة ، فإنها (الدولة) تتفادى احتكار الأشغال وتعتمد على أساليب مختلفة لإدارة المرافق العامة ، وذلك بالدخول في علاقات تعاقدية مع الأفراد والمؤسسات ، هذه الأخيرة التي يمكن أن تكون ذاتية أو معنوية عامة أو خاصة ، كما أن الدولة يمكن أن تلجأ للتعاقد مع أفراد ومؤسسات أجنبية [1]، وجدير بالذكر أن العقود التي تبرمها الإدارة ليست من طبيعة واحدة بل تنقسم إلى قسمين:

  • عقود الإدارة التي تخضع للقانون الخاص (contras de droit privé de l’administration  ) ، حيث تنزل الإدارة منزلة الخواص ، ويختص القضاء العادي بالمنازعات التي تنشأ بينها والمتعاقد [2]                                  .
  • عقود الإدارة التي تخضع للقانون العام،وهي ما يعرف بالعقود الإدارية (contrats administratifs)  ، هذه الأخيرة يمكن تعريفها بأنها كل عقد يبرمه شخص معنوي بقصد تسييرا لمرفق العام أو تنظيمه     .

  •        وإذا كانت شروط العقد الإداري تتمثل أساسا في :
    -
     ضمان العقد لشروط استثنائية غير مألوفة في القانون الخاص ؛
     - تواجد الإدارة كطرف في العقد ؛
    -  اتصال العقد بتسيير مرفق عام ، لذلك فالصفقة تعتبر عقدا إداريا بقوة القانون [3].
      ونظرا لكون الإدارة تظل محتفظة بكامل صفاتها الأصلية ، وبجميع اختصاصاتها كسلطة عامة تعمل لتحقيق الصالح العام ومكلفة قانونا بتنظيم المرافق العامة ، فإن هذه الصلاحيات التي تملكها الإدارة ، قد تجعلها تلجأ في بعض الأحيان إلى بعض التصرفات ، التي من شأنها الإضرار بمصالح المتعاقد معها ، حيث يجد هذا الأخير نفسه مضطرا للاحتماء من هذه السلطة بجهة أخرى قد تكون جهة الإدارة نفسها ، أو لجن مستقلة ، أو باللجوء إلى القضاء الإداري ، كملجأ أخير يضمن مساواة الجميع أمام القانون                                                                     .
  
 هكذا، وأمام تنامي لجوء الإدارة إلى التعاقد عبر إبرام الصفقات العمومية ، فإن المشرع عمد على إصدار قانون خاص بهذا الموضوع ، ويتعلق الأمر بالمرسوم المؤرخ في 14/10/76 [4]، إلا أنه ونظرا للمشاكل التي كانت تعاني منها الصفقات في إطار هذا المرسوم ،فقد تم تنظيم الموضوع مجددا بمقتضى المرسوم رقم482-98-2 المؤرخ في 30/12/ 1998المتعلق بشروط وأشكال إبرام صفقات الدولة ، وكذا المرسوم رقم 1087-99-2 والمتعلق بدفتر الشروط العامة المطبقة على صفقات الأشغال الصادر في 04/05/200[5] وغيره من المراسيم و المناشير المتعلقة بالموضوع.
   و لأن مساهمتنا تنصب حول المنازعات الناشئة عن الصفقات العمومية بعد إبرام العقد ، فإنه يمكن لنا التساؤل عن أهم المنازعات التي يمكن أن تنشأ عن الصفقات العمومية بعد إبرام العقد. لذلك ارتأينا تقسيم موضوعنا إلى مبحثين ، يعالج الأول  المنازعات المتعلقة بتنفيذ العقد ، فيما ينظر الثاني في المنازعات المتعلقة بانتهاء الصفقة. 

  المبحث الأول : المنازعات المتعلقة بتنفيذ العقد                             

     إن المنازعات الناشئة عن الصفقة العمومية ينعقد اختصاص البت فيها للقضاء الشامل حيث يملك القاضي سلطات تمكنه من الحكم بتعويض الضرر الناشئ عن تصرفات الإدارة وعن إلغاء بعض القرارات التي وقعت بمقتضاها إجراءات على المتعاقد رافع الدعوى فالإدارة باعتبارها صاحبة المشروع تسهر على تنفيذه بالكيفية التي تراها محققة للمصالح العامة وقد تختلف في ذلك مع المقاول المتعاقد مما قد ينتج عنه عدة منازعات تحتاج إلى حل قضائي ، فإذا كان الهدف الأساسي من إبرام الصفقة العمومية هو بتحقيق المصلحة العامة بالنسبة للإدارة فإن الطرف المتعاقد معها يهدف بالمقابل إلى إشباع رغبته الاقتصادية بحصوله على الربح دون التفريط في رأسماله فإن هذا التعارض في المصالح هو ما يؤدي إلى إخلال احد طرفي العلاقة التعاقدية بالتزاماته سواء تعلق الأمر بالإدارة ( المطلب الثاني ) أو المقاول (المطلب الثالث ) ، إلا انه قبل التطرق لبعض مظاهر الإخلال بالالتزامات من الجانبين معا فإنه لابد من إلقاء نظرة عن أهم النصوص القانونية التي قد يقع بشأنها الإخلال فالنزاع (المطلب الأول).

المطلب الأول : النصوص المنظمة للمراسلات والآجال والإجراءات

     يحدد دفتر الشروط الخاصة بالنسبة لكل صفقة أجل التنفيذ ، وهذا الأجل الذي ينبغي على المقاول أن يتقيد به باعتباره من أهم الالتزامات الملقاة على عاتقه وفي جميع الأحيان فإن اجل تنفيذ الصفقة لا يخرج عن إحدى الصور الثلاث :                         
الصورة الأولى : أن يتم التعاقد على تنفيذ الأشغال في مدة معينة وهذه هي الطريقة الغالبة في تحديد أجل الصفقات.                    
الصورة الثانية : أن يتم الاتفاق على أن أجل تنفيذ الصفقة ينتهي بانتهاء الأشغال وكمثال على ذلك أنه إذا كانت الأشغال المتفق على إنجازها تتعلق بتشجير مكان معين فإن هذه الأشغال تنتهي بانتهاء بتشجير آخر شجرة       .
الصورة الثالثة : أن يتم الاتفاق أن الأشغال تنتهي بانتهاء بعض المنشآت أو أجزاء منها وهي ما يسمى بالصفقات المحددة بأجل جزئي [6].
على أنه ومهما كانت طبيعة أجل تنفيذ الصفقة فإن كل أجل قرر في العقد لصاحب المشروع أو المقاول فإنه ينطلق من اليوم الموالي ليوم حدوث الفعل أو الواقعة المنشئة للأجل ، كما أن هذا الأخير يعبر عنه بالأيام والشهور [7.                      
     أما بالنسبة للمراسلات التي تتم بين صاحب المشروع والمقاول فإن هذا الأخير كما ينص على ذلك دفتر الشروط الإدارية العامة يوجه وثيقة إلى صاحب المشروع أو السلطة المختصة أو الوزير ، كما يجب عليه أن يقوم بإيداعها لدى المرسلة إليه داخل الأجل المحدد في حالة تحديده ، وهذا الإيداع يتم بواسطة رسالة مضمونة تفيد الاستلام ، كما أن الإيداع يتم مقابل وصل ، والتاريخ المحدد في الوصل أو الإفادة بالاستلام يعتبر الوسيلة المتبثة كلما ثار نزاع بشأن الآجال                  .

المطلب الثاني :الإخلال بالالتزام من جانب الإدارة       

      إن قاعدة العقد شريعة المتعاقدين المعمول بها في المجال القانون الخاص ، لا يمكن للمتعاقد أن يحتج بها كلما تعلق الأمر بصفقة عمومية ، فنظرا لكون هذا لنوع من العقود ينبني على فكرة استمرار المرفق العمومي فإن الإدارة وتحقيقا لهذه الغاية ، يمكنها أن تتدخل لتعديل حجم الأشغال إما بالزيادة أو النقصان بحسب الأحوال وكلما استدعت حاجة المرفق إلى التعديل [8]، إلا أنه ينبغي التمييز بين حالتين
الحالة الأولى : عندما تعمد الإدارة المتعاقد معها إلى التعديل قبل البدأ في تنفيذ الأشغال ، والتعديل في هذه الحالة يعتبر بمثابة صياغة جديدة للصفقة وفي هذا الصدد اتجهت المحكمة الإدارية بأكادير [9] إلى القول بأن : إجراء تعديلات على الصفقة قبل الشروع في تنفيذها يعتبر صياغة جديدة للصفقة في مواصفاتها وشروطها الفنية ويستلزم إعادة النظر في الالتزامات الناشئة عن الاتفاق الأصلي .
الحالة الثانية : عندما تلجأ الإدارة المتعاقدة إلى التعديل بعد بدأ الأشغال ، وحتى لا تبقى سلطة الإدارة مطلقة فقد حدد كناش الشروط الإدارية العامة [10] النسب التي يجب على الإدارة التقيد بها في التعديل ، وهذه النسب تحدد انطلاقا من الحجم الأولي للأشغال ، فطبقا للمادة 53 من دفتر التحملات الإدارية العامة ، يجب التمييز بين وضعيتين :

الوضعية الأولى : التقليص من حجم الأشغال بنسبة لا تتجاوز % 25 ، فالمتعاقد

في مثل هذه الحالة عليه مواصلة الأشغال ، وطلباته الرامية إلى الحصول على تعويض تكون غير مسموعة    
              .
الوضعية الثانية : عندما تفوق نسبة التقليص % 25 ، والمتعاقد في هذه الحالة له الحق في فسخ الصفقة ، إذا لم يتم بعد البدأ في الأشغال و إلا فيمكن للمتعاقد متى طلبت منه ذلك الإدارة إبرام ملحق الصفقة عن المبلغ الجديد للصفقة ، والإدارة ليس لها الحق في تحديد ثمن الأشغال الإضافية بإرادتها المنفردة ، بل لا بد من التشاور مع المتعاقد لإعداد الثمن الجديد ، وفي حالة عدم الاتفاق بين الطرفين فإن التعديل المقترح من طرف الإدارة يبقى ساري المفعول في حين يبقى من حق المتعاقد اللجوء إلى القضاء لفحص النزاع والتأكد من جدية التعديل المقترح ، وإعادة التوازن المالي للعقد لتعويض المتعاقد عن الأضرار التي تلحق بمركزه التعاقدي ، أو تلك التي تقلب الظروف المالية للعقد [11].
ومن المنازعات التي قد تنشأ كذلك نتيجة تصرفات الإدارة نجد إمكانية اتخاذها إجراءات من شأنها الإساءة إلى مركز المتعاقد معها ، وهو وهو ما يسمى بنظرية فعل الأمير [12] وفي هذه الحالة فإن المقاول المتعاقد من حقه اللجوء إلى القضاء من أجل الحصول على تعويض يجبر الضرر اللاحق به نتيجة المساس بالتوازن المالي للعقد، وفي هذا الإطار اتجهت المحكمة الإدارية بالدار البيضاء إلى أن : قيام السلطة المحلية بالزيادة في أسعار الرسوم والمكوس المفروضة على التجار و الحرفيين للدخول إلى السوق الأسبوعي خارج إطار العقد مع ما يترتب عن ذلك من مقاطعتهم للسوق وحصول أضرار للمكتري المتعاقد مع الإدارة يقتضي تعويضه تعويضا كاملا وفق نظرية الأمير [13].
من المنازعات التي قد تنشأ أيضا أثناء تنفيذ العقد نجد المنازعة المتعلقة بالاتفاق على إنجاز المقاول لأشغال إضافية لم يتم الاتفاق عليها في العقد الأصلي للصفقة ، إلا أنه وما دام هناك عرض خاص بالموضوع فسنكتفي بالنزاعات السالفة الذكر، خاصة أمام صعوبة الإحاطة بكافة صور المنازعات التي يمكن أن تعرض على القضاء .

المطلب الثالث : إخلال المتعاقد بالتزاماته

      بعد المصادقة على الصفقة من طرف الجهة المختصة ، فإن دور الإدارة لا ينتهي عند هذا الحد ، وإنما يبقى من حق الإدارة التوجيه والمراقبة ، هذه التي تنصب بالأساس على كيفية تنفيذ المقاول لالتزاماته سواء من حيث الكم أو الكيف أو الأجل ، وبالإضافة إلى هذا الحق ، فإن لها الصلاحية أيضا لتوقيع الجزاءات كلما لم يحترم المتعاقد تعهداته        .
فقد منح القانون للإدارة إمكانية اللجوء إلى فسخ الصفقة تلقائيا ، كلما تبث إخلال أو تماطل من جانب المتعاقد معها ، لكن وحتى يتم توقيع هذه الجزاءات لابد من سلوك إجراءات معينة              :

أولا : لابد للإدارة من إجراء معاينات للوقوف على الاختلالات المرتكبة من طرف المقاول ، وذلك بواسطة فنيين واختصاصيين في موضوع الصفقة ، وهو ما أكدته المحكمة الإدارية بالدار البيضاء حيث اعتبرت أن: اعتماد المدعى عليها على انتفاء محضر التسليم النهائي للأشغال قصد التملص من الأداء رغم وجود شهادة المهندس المنتدب من طرفها تفيد انتهاء الأشغال وفق المواصفات المعمول بها في ميدان المعمار يجعل الادعاء بعدم احترام التقنيات الواردة في سند الطلب غير صحيح [14]، وفي حكم آخر صادر عن نفس المحكمة ارتأت أنه: يتبين من وثائق الملف ان سير إنجاز الأشغال عرف تعثرا  و اختلالات استلزمت إجراء معاينات من طرف الإدارة وتحرير محضر بخصــــوص كل الأطراف لرصـــد الاختلالات والمخالفات .
وتعتبر من قبيل الاختلالات بالتنفيذ توقف المقاولة عن أداء الأشغال الملزمة بها ، ولو بسبب عدم أداء الإدارة لمقابل الأشغال المنجزة ، وفي هذا الصدد اعتبرت المحكمة الإدارية بمراكش في إحدى أحكامها : أن المتعاقد مع الإدارة لا يسوغ له أن يمتنع عن الوفاء بالتزاماته حيال المرفق العام بحجة أن تم إجراءات إدارية قد أدت إلى إخلال الإدارة بالوفاء بأحد التزاماتها قبله، ويتعين عليه –المقاول- أن يستمر في التنفيذ ثم يطالب الإدارة بالتعويض إن كان لذلك مقتضى [15].                 
وقد يحدث في بعض الأحيان ألا يقوم المقاول بأداء التزاماته نتيجة لقوة قاهرة ،وفي هده الحالة يجب على المقاول الذي يتضرع بحالة القوة القاهرة أن يوجه بمجرد ظهور مثل هذه الحالة وخلال أجل أقصاه سبعة أيام إلى صاحب المشروع تبليغا بواسطة رسالة مضمونة مع الإشعار تتضمن وصف العناصر المكونة للقوة القاهرة ن ونتائجها المحتملة على المشروع ، على أنه إذا استمرت حالة القوة القاهرة لمدة ستين يوما على الأقل ، أمكن لصاحب المشروع تلقائيا أو بطلب من المقاول فسخ الصفقة ، على أنه للمحكمة سلطة تقديرية واسعة في تحديد حالة القوة القاهرة ، وفي هذا الصدد اتجهت المحكمة الإدارية بمراكش. إلا أن الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى ألغت الحكم ونفت وجود القوة القاهرة معللة قرارها بما يلي : أن المقاول لم يتخذ التدابير اللازمة لضمان السلامة والنظافة الصحية خاصة ما يتعلق بتزويد الورش بفرق للتنظيف وصيانة شبكة المجاري.
وفي نفس الاتجاه صارت المحكمة الإدارية بالرباط حيث اعتبرت : أنه لا يعد من قبيل القوة القاهرة دفع المقاول بتوقف القوة الكهربائية الضرورية بالمنطقة لإنجاز المشروع موضوع العقد لأن المتعاقد يجب عليه قبل الإقدام على التعاقد مع الإدارة ،
واحتلال ملكها ، القيام بجميع الدراسات اللازمة والتأكد من إمكانية تجسيد مشروعها على الصعيد الميداني [16]. 
                    
ثانيا: من الضمانات الأساسية التي منحها المشرع للمتعاقد:

*
ضرورة توجيه إنذار إليه من قبل الإدارة صاحبة المشروع حتى بعد اكتشاف المخالفة ، وهو ما اعتبره القضاء الإداري إجراءا شكليا لا تعفى منه الإدارة إلا إذا وقع التنصيص على ذلك في عقد الصفقة ، إذ أن مهمة القاضي الإداري تتجلى بالأساس في مراقبة سلامة الإجراءات الشكلية ، وكذا الأسباب المعتمدة لاتخاذ الجزاءات ، وهو ما جسدته المحكمة الإدارية بوجدة في حكمها الآتي : .... وكلما قامت الإدارة صاحبة المشروع بسلوك هذه الإجراءات فإن لها الخيار إما القيام مباشرة بفسخ العقد ووضع حد للعلاقة ومصادرة الكفالة ، وهنا يبقى من حق المتعاقد اللجوء إلى القضاء الإداري لمراقبة سلامة الإجراءات المتخذة من طرف الإدارة و المطالبة بالتعويض [17].                        
* الإنبات :وبما أن المقاول لا يعتبر مخلا بالتزاماتهإلا إذا تبت هذا الإخلال فقد ذهبت الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى إلى : الاستناد إلى تقرير لجنة المراقبة الذي يعتبر من صنع الإدارة لا يشكل دليلا كافيا على على إخلال المقاول بالتزاماته إزاء الإدارة [18]. وفي نفس الصدد ذهبت المحكمة الإدارية بالرباط إلى : أن الادعاء بكون الجهة المدعى عليها لم تنفذ التزاماتها التعاقدية ، وعدم إرفاق الطلب بأي إجراء لإثبات هذا الادعاء يستتبعه رفض الطلب بسبب افتقاده لعنصر الإثبات [19].                  
كانت هذه بعض صور المنازعات التي يمكن أن تنشأ أثناء تنفيذ العقد ، والتي يكون المتسبب فيها إما الإدارة أو المقاول ، ويبقى التساؤل عن صور المنازعات التي يمكن أن تنشأ عن انتهاء عقد الصفقة .

المبحث الثاني:المنازعات المتعلقة بإنهاء الصفقة

     
إن عقد الصفقة العمومية ينتهي بصفة طبيعية بمجرد انتهاء الأشغال وأداء الإدارة المتعاقدة المقابل النقدي [20] ، الذي تم الاتفاق عليه بين الطرفين بعد أن تقوم الإدارة المعنية بإنجاز محضر تسليم الإشغال ، إلا أنه في بعض الحالات قد تتعنت الإدارة بحجة أو بأخرى عن أداء المقابل النقدي ، فما هو الاتجاه الذي سار عليه القضاء في هذه الحالة ( المطلب الثاني ) خاصة أن الإدارة قد تحتج بعدم احترام شروط التعاقد ، ويتعلق الأمر بمصادقة الإدارة المختصة على الصفقة حتــى يتمكن المقاول من بدأ الأشغال ( المطلب الثالث)                 . 

المطلب الأول : شروط البدء والانتهاء من التنفيذ

      إن الصفقة العمومية لا تعتبر قائمة إلا بعد المصادقة عليها من طرف الجهة المختصة، وكثيرة هي النزاعات التي تنشأ نتيجة تخلف هذا الشرط أو عدم توصل المقاول بقرار المصادقة أو غيرها من الحالات ، فماذا نعني بالمصادقة ؟
إن مصادقة الجهة المختصة على الصفقة العمومية على الصفقة العمومية هي بمثابة قبول الإدارة المعنية على تنفيذ العقد وفق الشروط المتفق عليها في دفتر الشروط الخاصة ، وجدير بالذكر أنه بعد المصادقة على الصفقة ، فإن المقاول لا يمكنه الشروع في الأشغال المتفق عليها إلا بناء على أمر بالخدمة يصدره صاحب المشروع والذي يجب تسليمه داخل أجل أقصاه 60 يوما الموالية لتاريخ تبليغ المصادقة على الصفقة ، على انه يمكن أن يكون نفس الأمر بالخدمة الذي يبلغ المصادقة على الصفقة يأمر كذلك بالشروع في تنفيذ الأشغال ، وفي هذه الحالة يجب أن ينصرم أجل خمسة عشر يوما ما بين تاريخ تبليغ الأمر والبداية الفعلية للأجل التعاقدي للتنفيذ ما لم ينص على خلاف ذلك في دفتر الشروط الخاصة .
وتفاديا لأي نزاع بشأن البدأ في الأشغال فإن المادة 9 من مرسوم 4 ماي 2004 اشترطت أن يكون الأمر بالخدمة كتابيا وموقعا من طرف صاحب المشروع كما يجب أن يكون مؤرخا و مرقما ومسجلا ، وفي حالة ما إذا رأى المقاول أن الشروط الواردة في الأمر بالخدمة تفوق التزاماته عليه تحت طالة سقوط الحق أن يوافي صاحب المشروع في شأنها بملاحظاته المكتوبة ومعللة داخل أجل 10 أيام من تاريخ تبليغ الآمر بالخدمة ، إلا إذا أمر صاحب المشروع بخلاف ذلك [21]، وهذا الامتياز ينبع أساسا من طبيعة المرفق الذي يعهد إلى الإدارة الحفاظ عليه ، ولنفس الغرض فإنه من الشروط الأساسية للدخول في الصفقة العمومية ضرورة تكوين الضمان المنصوص عليه في المادة 12 من مرسوم 4 ماي 2004 السالف الذكر ، وهنا يجب التمييز بين الضمان المؤقت الذي يجب تقديمه من قبل أي متعاقد وبين الضمان النهائي الذي يقدم من قبل نائل الصفقة والذي يعتبر بمثابة رصيد لتامين الالتزامات التعاقدية للمقاول إلى حين التسليم النهائي للأشغال [22]، إلا أنه قد يتم الاتفاق في دفتر الشروط الخاصة على استحقاق المقاول لجزء من الضمانة في حالة التسليم المؤقت لجزء أو عدة أجزاء من المنشأة المراد إنجازها ن كما يمكن لصاحب المشروع في حالة الاتفاق إرجاع جزء من الضمان النهائي في حدود النسبة المقررة لهذا الغرض في دفتر الشروط الخاصة ، والتي تطابق حصة الأشغال المنجزة والمسلمة ، على أنه يمكن إعفاء المتنافسين وأصحاب الصفقات من تكوين الضمانات ، وذلك طبقا للتشريع والتنظيم الجاري بهما العمل
ولابد من الإشارة إلى أنه بعد تنفيذ المقاول لالتزاماته تنتهي الصفقة بالتسليم ، وهنا ينبغي التمييز بين التسليم المؤقت والتسليم النهائي ، فقبل التسليم المؤقت للأشغال المنجزة من طرف المقاول لا بد من التأكد من المنشآت المنفذة القيام بالمعاينات [23]، ليتم بعد ذلك إعداد محضر من قبل صاحب المشروع يوقعه المقاول وفي حالة رفضه يشار إلى ذلك في المحضر .
وجدير بالذكر ان التسليم لا يكون نهائيا إلا بعد مرور سنة من تاريخ محضر التسليم المؤقت، وخلال هذه الفترة يخضع المقاول لالتزام الضمان المنصوص عليه في المادة 67 من مرسوم 4 ماي 2004 ، على أنه يجب على صاحب المشروع في حال اكتشافه أي عيوب أو شوائب ان يوجه إلى المقاول بعد 10 أيام من تاريخ التسليم المؤقت على أبعد تقدير قوائم مفصلة عن هذه الشوائب باستثناء تلك الناجمة عن الاستعمال أو الأضرار الناتجة عن فعل الغير أو إسراف في الاستعمال ، ويضرب للمقاول أجل شهرين لإصلاحها وفق الشروط المضمنة في الصفقة ، وبعد التحقق من أن الأشغال قد أنجزت بدقة وبعد انصرام اجل شهرين يسلم صاحب المشروع للمقاول محضرا عن التسليم النهائي للأشغال ، أما إذا لم يقم المقاول بإصلاح الشوائب أو العيوب داخل الأجل المحدد ، أمكن لصاحب المشروع الإعلان عن التسلم النهائي مع إسناد الأشغال التي لم يقم المقاول بتنفيذها إلى أي مقاولة من اختياره (صاحب المشروع) على نفقة المقاول .
وبتنفيذ الالتزامات من طرف المتعاقد والإعلان عن التسليم النهائي ، تنتهي الصفقة ، إلا أنه قد تنشأ أثناء انتهاء الصفقة مجموعة من النزاعات فماذا عن طبيعة ونوع هذه النزاعات.

المطلب الثاني : تعنت الإدارة في أداء مقابل الصفقة

    إن أداء مقابل الصفقة يجب أن يكون حسب الاتفاق ، إما بأداء دفعة مقدمة على أن يحصل المقاول على الباقي كلما تقدم في المشروع ، أو أن يتم الاتفاق على استحقاق المقاول لمقابل الصفقة بعد إنجاز المقاول للأشغال المتفق عليها ، إلا أنه في هذه الحالة يحصل أن يقوم المقاول بتنفيذ التزاماته تم تمتنع الإدارة عن الوفاء بعلة أو بدونها ، ففي هذه الحالة يجد المقاول نفسه مضطرا للجوء إلى القضاء ، خاصة إذا لم تجد الطرق الحبية نفعا ، وفي هذا الصدد اعتبرت المحكمة الإدارية بالرباط : [24] *أن عدم إدلاء الجماعة المدعى عليها بما يثبت أداءها للدين العالق بذمتها بموجب عقد الصفقة أو بإدلائها بما يفيد سحبها لهذا العقد أو إلغائها له يجعل مبلغ الدين المذكور المطالب به تابتا ويتعين أداءه لفائدة المدعية *، وفي نفس الاتجاه سارت نفس المحكمة حيث قضت بأن : * إنجاز صفقة عمومية لفائدة إدارة عمومية ، وإنجاز محضر التسليم دون تحفظ يجعل مقابل الصفقة مستحق الأداء لفائدة المقاولة.
     وبالإضافة إلى حق المقاول في اللجوء إلى القضاء للمطالبة بمقابل الصفقة ، فإن من حقه كذلك المطالبة بالتعويض عن الضرر الذي لحقه جراء تماطل الإدارة عن أداء هذا المقابل ، وهو ما كرسته المحكمة الإدارية بالرباط عندما اعتبرت : * لا يمكن للمقاولة المتعاقدة مع الإدارة أن تتحمل وزر الإجراءات الشكلية الإدارية المعقدة من أجل الحصول على مستحقاتها المالية ، مما يبرر الحكم لفائدتها التعويض عن الضرر الذي لحقها من جراء التأخير في الأداء  [25].                                             
ومن المنازعات التي قد تثار كذلك عند انتهاء الصفقة ، تلك المتعلقة بأداء الإدارة المتعاقدة لقيمة الأشغال الإضافية أو التغييرات التي قد تطرأ على العقد بما في ذلك من إثبات الاتفاق على هذه الأشغال ، إلا أنه نظرا لكون العرض القادم سيتطرق لهذه المنازعات فإننا سنقتصر على حكم واحد صادر عن إدارية مراكش اعتبرت فيه أن [26]: * من حق المدعية بعد إنجاز الأشغال المطلوبة ( الأشغال الإضافية ) المطالبة بمستحقاتها التي تبقى دينا بذمة البلدية المتعاقدة ، وتستحق تعويضا عن التماطل بعد ثبوت إنذارها للبلدية ومطالبتها بأداء مستحقاتها عن طريق البريد المضمون.                       

المطلب الثالث : احتجاج الإدارة بعدم احترام شكليات التعاقد

   
إن قيام الرابطة العقدية بالنسبة للنفقات العمومية يقتضي المرور بعدة مراحل بدءا من إجراء المناقصة –أو الطريقة المعتمدة لإبرام الصفقة – إلى ضرورة احترام الشروط التي يفرضها القانون لتوفير السلامة الذاتية للصفقة ، ومن بين هذه الشروط توفر المصادقة المطلوبة قانونا لقيام العقد ، ولهذا الشرط مجموعة من الإشكالات على الصعيد العملي فقد يحدث أن يقوم المقاول بالأشغال المتفق عليها ، لتمتنع الإدارة المستفيدة من هذه الأشغال من أداء مقابل الصفقة بحجة عدم مصادقتها على العقد ، هذه المصادقة التي تعتبر شرطا ضروريا ليبدأ المقاول بتنفيذ الأشغال ، كما قد يحدث أن يصادق على الصفقة موظف غير مختص ، كل هذا يجعلنا نتساءل عن موقف القضاء المغربي وكذا المقارن من هذه الإشكالات؟
بالرجوع إلى الاجتهاد القضائي المغربي نجد أن القضاء الإداري يذهب إلى أنه يمكن للمقاول متى بدأ في تنفيذ العقد وصرف مبالغ مالية أفقرت ذمته المالية ، تم امتنعت الإدارة من أداء المقابل النقدي للصفقة بحجة عدم المصادقة على الصفقة ، فإنه يمكن للمقاول في هذه الحالة اللجوء إلى القضاء من أجل مطالبة الإدارة المعنية بالتعويض على أساس نظرية الإثراء بلا سبب المعمول بها قانون الالتزامات والعقود ، إلا أنه بشرط حتى يستحق المقاول هذا التعويض أن تنتج عن الأشغال التي قام بها فائدة للإدارة .
كما أن المقاول له الحق في حالة إنجازه لأشغال خارجة عن نطاق الصفقة الأصلية ، وهو ما يسمى بالأشغال الإضافية للصفقة ، فإن المقاول له الحق في التعويض على أساس نظرية الاثراء بلا سبب  .
 
الهوامش :

[1] - محمد البخاري : " منازعات العقد الإداري في نطاق القضاء الشامل " ، مجلة الملحق القضائي ،عدد 35 ، أكتوبر ،2002، ص: 107 .
 [2] -
وفي هذا الصدد اتجهت الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى في قرار عدد 1491 بتاريخ 26/10/2000 ، حيث اعتبرت أن " عقد التامين الرابط بين الطرفين لا يكتسي صبغة العقد الإداري مما تكون معه النزاعات الناشئة في تطبيقه خاضعة لاختصاص المحاكم العادية في غياب وجود عقد إداري يرجع البت في تنفيذه للمحكمة الإدارية" غير منشور
[3] -  انظر قرار الغرفة الإداري بالمجلس الأعلى عدد 1423 بتاريخ 09/10/1997 ،ملف إداري عدد 1238/5/1/97 منشوربمجلة قضاء المجلس
الأعلى العدد 53-54                                  .
 [4] -
منشور بالجريدة الرسمية عدد4654 بتاريخ07/01/1999.
[5] -
منشور بالجريدة الرسمية عدد 48000 بتاريخ 01/06/2000 ص: 1280
  [6] - محاضرات ألقاها الأستاذ أحمد الصايغ يوم 05/03/2005 على طلبة وحدة المهن القضائية والقانونية ، الفوج الأول 2004-2005 كلية الحقوق السويسي الرباط.انظر الأساس المتمثل في البند الأول من المادة السابعة من مرسوم 04/05/2000 المتعلق بالمصادقة على دفتر الشروط الإدارية العامة المطبقة على صفقات الأشغال المنجزة لحساب الدولة الذي ينص على انه : يمكن عند الاقتضاء أن يحدد دفتر الشروط الخاصة في إطار الأجل المشار إليه في المقطع السابق ، آجال جزئية لإنهاء بعض المنشئات أو أجزاء منها والتي ينص دفتر الشروط الخاصة على تسلم مؤقت لها.                   
[7] -
 فسلطة الإدارة في تعديل العقد مستمدة ليس من نصوص العقد وإنما من طبيعة المرفق ،واتصال العقد به ، وضرورة الحرص على تحقيق المصلحة العامة .
[8] -
حكم عدد 52-2000 صادر بتاريخ 17/02/2000 مقاولة البناء عتيق ابراهيم ضد الغرفة التجارة والصناعية لأكادير منشور بالدليل العملي للاجتهاد القضائي في المادة الإدارية، الجزء الثاني ،م س ، هامش ،ص: 408 إلى 410
 [9] - المادة 52 من كناش التحملات الإدارية العامة .
[10]-
محمد الأعرج : "الاختصاص النوعي للمحاكم الإدارية في منازعات العقود الإدارية " م س ، ص : 80 و 81                                                   
[11] -
عمل الأمير هو كل عمل يصدر من سلطة عامة دون خطأ من جانبها ينجم عنهالإساءة لمركز المتعاقد في عقد إداري ، ويؤدي إلى التزام جهة الإدارة بتعويض المتعاقد المضرور عن كافة الأضرار التي تلحقه من جراء ذلك مما يعيد التوازن المالي للعقد .
[12] -
حكم عدد 426 صادر بتاريخ 28/04/2003 منشور بالدليل العملي للاجتهاد القضائي ، العدد 16 الجزء الثاني ، م س ، ص: 442
[13] - حكم المحكمة الإدارية بالدار البيضاء عدد 109 بتاريخ 02/05/ ،2002  منشور بالمجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية ، عدد 89 ، ص : 204 .
[14] - حكم المحكمة الإدارية بمراكش عدد 89 بتاريخ 16/04/2003 .
[15] -
حكم رقم 1014/96 بتاريخ 14-11-96 غير منشور .
[16] -
حكم صادر عن المحكمة الإدارية بوجدة في الملف عدد 37/98 مؤرخ في 02/12/98 .
[17] -
حكم عدد 834 مؤرخ في 20/06/2002 الوكيل القضائي للمملكة ضد شركة بالم دين منشور بالاجتهاد القضائي في المادة الإدارية ، م س ، ص : 400 .
[18] -
قرار عدد 7 مؤرخ في 04/01/2001 شركة s.o.s للتنظيف ضد المجموعة الحضرية بالدار البيضاء ، منشور بالمرجع السابق ، ص: 406 .
[19] -
المقابل النقدي هو أول التزام الإدارة ، باعتبار أن هدف المتعاقد مع الإدارة بعد تنفيذ الأشغال المتفق عليها هو الحصول على المقابل النقدي .
[20] -
المادة 9 من مرسوم 4 ماي 2000 .
[21] -
يجب تكوين الضمان المالي خلال الثلاتين يوما التي تلي المصادقة على الصفقة : الفقرة الثانية من البند الثاني من المادة 12 من مرسوم 4 ماي 2000 .
[22] -
ينص البند الثاني من المادة 65 من مرسوم 4 ماي 2000 أنه : تشمل العمليات السابقة للتسلم على ما يلي
أ – التعرف على المنشأة المنفذة 
ب – القيام عند الاقتضاء بالتجارب المنصوص عليها في دفتر الشروط المشتركة أو في دفتر الشروط الخاصة .
[23] -
حكم رقم 215 بتاريخ 08/02/2000 ملف رقم 403/99 ت غير منشور.
[24] -
حكم رقم 556 بتاريخ 16/05/2000 ملف رقم 1048/99 ت غ منشور .
[25] -
حكم عدد 790 بتاريخ 30/09/1999 
[26] -
 حكم عدد 4 بتاريخ 28/01/1999 ملف رقم 66-96 ت غير منشور .



الاربعاء 20 فبراير 2013
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter