تقــديــم:
خصص جلالة الملك الخطاب السامي الذي وجهه إلى الأمة بمناسبة الذكرى 56 لثورة الملك والشعب لإطلاق الإصلاح الشامل والعميق للقضاء، إصلاح يريد جلالته أن يكون جوهريا لا يقتصر على قطاع القضاء وإنما يمتد بعمقه وشموليته لنظام العدالة.
وقد حدد جلالته المجالات ذات الأسبقية والمحاور الأساسية للإصلاح التي يتعين الانكباب عليها من طرف الحكومة لبلورة مخطط متكامل ومضبوط واضح في مرجعيته، وطموح في أهدافه ومحدد في أسبقياته، ويتعلق الأمر بست مجالات هي:
دعم ضمانات الاستقلالية؛
تحديث المنظومة القانونية؛
تأهيل الهياكل القضائية والإدارية؛
تأهيل الموارد البشرية؛
الرفع من النجاعة القضائية؛
تخليق القضاء وتحصينه من الارتشاء واستغلال النفوذ؛
وكما أكد على ذلك جلالة الملك، فإن الأمر يتعلق بورش شاق وطويل يتطلب تعبئة شاملة لا تقتصر على أسرة القضاء والعدالة، وإنما تشمل كافة المؤسسات والفعاليات المدنية والسياسية والأكاديمية، الشيء الذي يفرض أن يساهم كل من موقعه وحسب معرفته وتجربته وخبرته في ابتكار الحلول والوصفات الناجعة الكفيلة بمعالجة مختلف الاختلالات التي يعاني منها نظامنا القضائي، وطرحها للنقاش من أجل تداولها وإغنائها بعقل متفتح ووعي كامل بالمسؤولية الملقاة على الجميع: سلطات عامة ومجتمع مدني وخبراء، وغاية ذلك النهوض بالقضاء ونظام العدالة وتطويره لمواجهة تحديات العولمة الاقتصادية والاجتماعية وتحقيق النجاعة والفعالية؛
ومن بين محاور الإصلاح التي أطلقها جلالة الملك في خطابه السامي نجد محور تطوير الطرق القضائية البديلة لفض النزاعات حيث ذكر جلالته:"...وبموازاة ذلك، يتعين تطوير الطرق القضائية البديلة كالوساطة والتحكيم والصلح.....".
وبالفعل أصبح اللجوء إلى الطرق البديلة لفض النزاعات أمرا ملحا في الوقت الراهن فرضته ضرورة تخفيف العبء على المحاكم من كثرة القضايا المعروضة عليها، والتي باتت تثقل كاهل القضاة والموظفين، الأمر الذي أثر سلبيا على سير إجراءات التقاضي التي يطول أمدها، والتي زاد من حدتها تعقد الإجراءات والمساطر وسيرها البطيء الناتج عن تفاعل عدة مؤثرات وتدخل عدة فاعلين، كما أملى اللجوء إلى هذه الطرق البديلة تعقد بعض المنازعات نظرا لطبيعتها التقنية والتي تحتاج إلى متخصصين في الميدان من اجل حلها بشكل سريع وعادل وفعال ؛وقد اهتدت الدول الانجلوسكسونية وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا مبكرا إلى الطرق البديلة لتسوية النزاعات وأدمجتها في أنظمتها القضائية نظرا لما تحققه من مزايا، لعل أهمها سرعة الفصل في الخلافات واختصار الجهود والتكاليف على المحكمة والخصوم.
ويمكن تعريف الطرق البديلة لتسوية النزاعات بأنها مختلف الآليات أو الوسائل التي تلجأ إليها الأطراف المتنازعة من أجل التوصل إلى حل خلافاتهم دون المرور عبر الوسيلة "الأصيلة" وهي الدعوى القضائية والطرق الأكثر شيوعا هي التفاوض المباشر بين الطرفين المتنازعين أو اللجوء إلى وسيط لتسهيل الحوار بينهما أو اللجوء إلى محكم أو هيئة تحكيمية باتفاق الاطراف تتولى النظر في النزاع، وإذا كانت الطريقتان الاولى والثانية تنتهيان إلى إبرام اتفاق صلح فإن الطريقة الثالثة تنتهي بصدور حكم تحكيمي.
ومساهمة في إغناء النقاش بشأن هذا المحور، نقترح بسط بعض الأفكار بشأن مكانة الطرق البديلة للتقاضي في النظام القانوني المغربي من أجل اقتسامها مع الباحثين والمهتمين نتناولها من خلال ثلاثة مطالب :
المطلب الأول ونعرض فيه للصلح؛
المطلب الثاني ونخصصه للوساطة؛
أما المطلب الثالث فنخصصه للتحكيم.
المطلب الأول:الصلح
CONCILIATION.
يقول الله تعالى" لاخير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس، ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نوتيه أجرا عظيما"
( سورة النساء الآية 113 )، وقال تعالى " إنما المومنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم، واتقوا الله لعلكم ترحمون"( سورة الحجرات الآية 10). من هنا فالدعوة إلى الصلح وإصلاح ذات البين بين الناس هي دعوة ربانية من الخالق إلى عباده، ينبغي الامتثال لها والأخذ بها لتحقيق رضى الله والفوز بأجره العظيم؛
والصلح كآلية قانونية بديلة لفض النزاعات ليس غريبا عن مجالنا القانوني ونظامنا القضائي، فقد ورد التنصيص عليه في عدة نصوص متفرقة إما بصفة اختيارية أو بصفة وجوبية وخصه ببعض المنازعات والقضايا المحددة، وهكذا أوجب المشرع المغربي اللجوء إلى مسطرة الصلح في:
القضايا الاجتماعية سواء تعلق الأمر بنزاعات الشغل أو قضايا حوادث الشغل والأمراض المهنية حيث نص الفصل 277 من قانون المسطرة المدنية بأن: المحكمة تحاول في بداية الجلسة التصالح بين الأطراف وفي حالة نجاحها، يثبت الصلح بمقتضى أمر في حالة نزاعات الشغل وقضايا حوادث الشغل والنزاعات المرتبطة بالتعويضات أو المعاشات، ويثبت الصلح بمحضر في حالة قضايا الضمان الاجتماعي، كما نصت مدونة الشغل على تسوية نزاعات الشغل الجماعية عن طريق مسطرة الصلح التي تتم أمام مندوب لشغل أو مفتش الشغل أو أمام اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة أو اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة( المادة 551 وما بعدها من مدونة الشغل)، وذلك تبعا لطبيعة الخلاف ونطاقه؛
القضايا المتعلقة بالأحوال الشخصية حيث نص الفصل 180 من قانون المسطرة المدنية بأنه يتم استدعاء الأطراف إلى الجلسة وتجري دائما محاولة الصلح بينهم،كما نصت مدونة الأسرة على وجوب استدعاء الزوجين لمحاولة الإصلاح أثناء اللجوء إلى مسطرة الطلاق أو التطليق( المواد 81 و82 و89 و94 و113 من مدونة الأسرة)؛
قضايا الكراء المعد للاستعمال التجاري والصناعي طبقا للفصل 27 من ظهير 24 ماي 1955 .
ويتم اللجوء إلى مسطرة الصلح بصفة اختيارية في الميدان المدني في
:
قضايا التعرض على مطالب التحفيظ حيث نص الفصل 31 من ظهير 12 غشت المتعلق بالتحفيظ العقاري بأنه يسوغ للمحافظ وقبل توجيه الملف إلى المحكمة المختصة أن يجري محاولة صلح بين أطراف النزاع؛
قضايا التعويض عن حوادث السير طبقا للفصل 18 من ظهير 2 أكتوبر 1984 التي تنص على ضرورة لجوء شركة التأمين لإجراء محاولة صلح مع المطالب بالتعويض؛
أما في الميدان الزجري، فالأصل أن مقتضيات القوانين الجنائية تدخل في صلب النظام العام نظرا لما تحدثه الجرائم المرتكبة من اضطراب اجتماعي قد يهدد كيان المجتمع، ولذلك تنتصب النيابة العامة كطرف يمثل المجتمع من أجل البحث عن المجرمين والقبض عليهم والأمر بمتابعتهم وتقديمهم للمحاكمة، لنيل العقاب الذي يستحقون، من هنا لا يملك أطراف الجريمة (جاني ومجني عليه) صلاحية الاتفاق على عدم المتابعة كقاعدة عامة، غير أن المشرع المغربي وبغاية الحفاظ على علاقات الاستقرار الاجتماعي والعائلي، سمح بإمكانية المصالحة بين الأطراف في بعض الجرائم ووضع حد للمتابعة، ومن هذه الجرائم: جريمة إهمال الأسرة ( الفصل 481 من ق ج) وجريمة الخيانة الزوجية ( الفصل 491 من ق ج) وجريمة السرقة بين الأقارب ( الفصل 535 من ق ج)، فكل هذه الجرائم لا يتم تحريك المتابعة بشأنها إلا بناء على شكاية من المتضرر و في حالة التنازل عن الشكاية تسقط المتابعة.
لكن أهم تعديل وقع في مسطرة الصلح في الميدان الزجري أتى به الفصل 41 من قانون المسطرة الجنائية الجديد، والذي ينص بأنه يمكن للمتضرر أو المشتكى به قبل إقامة الدعوى العمومية فيما يتعلق بالجرائم المعاقب عليها بسنتين أو أقل أو بغرامة لا يتجاوز حدها الأقصى 5000 درهم، أن يطلب من وكيل الملك تضمين الصلح الحاصل بينهما في محضر بعد موافقته وتراضي الطرفين على الصلح، والتصديق عليه من طرف رئيس المحكمة الابتدائية بموجب أمر قضائي لا يقبل أي طعن.
وفي جميع الأحوال، فإن نجاح محاولة الصلح بين الخصوم وإثباته بمحضر أو بأمر قضائي يضع حدا للنزاع، وينفذ بقوة القانون و لا يقبل أي طعن، ويخضع من حيث صحته وآثاره لمقتضيات القسم التاسع من الكتاب الثاني من الظهير الشريف الصادر في 12 غشت 1913 بمثابة قانون الالتزامات والعقود.
وبالرغم من أهمية مثل هذه النصوص القانونية التي تؤسس للصلح كآلية بديلة لفض النزاع، إلا أن تطبيقه على أرض الواقع لم يلق النجاح المطلوب وذلك لعدة أسباب موضوعية نجملها فيما يلي:
• إسناد مهمة القيام بالصلح لقاضي الحكم: إذ أن النصوص القانونية التي تشير إلى محاولة إجراء الصلح تسند في الغالب هذه المهمة إلى قاضي الحكم، مما يؤثر سلبيا على نجاعة وفعالية هذه المسطرة لعاملين اثنين:
1 - إن قاضي الحكم قد لا يكون مؤهلا للقيام بدور قاضي الصلح، بحيث لا يملك مهارات الاتصال والتواصل والقدرة على الإقناع وإدارة الحوار والمفاوضات، وحسن الاستماع والمبادرة إلى طرح الحلول الملائمة للنزاع والمرضية للطرفين وعدم الاستسلام بسرعة لتصلب المواقف؛ و على فرض أنه يملك تلك المؤهلات ،فهو يتخذ الاحتياطات اللازمة ويمارس الرقابة الذاتية، حتى يتجنب إبداء وجهة نظره في النزاع عند مشاركته أطراف النزاع في محاولة إيجاد حل اتفاقي، ويتفادى بالتالي الاتهام بالانحياز لأحدهما، الأمر الذي يجعل دور قاضي الصلح دورا سلبيا وشكليا يقتصر على مسائلة الأطراف حول ما إذا كانوا يرغبون في التصالح أم لا، دون أن يتعداه إلى مساعدتهم في الوصول إلى حل متوافق عليه بينهما؛
2- تحفظ أطراف النزاع في البوح ببعض الحقائق والأسرار وعدم تحمسهم لتقديم التنازلات أمام قاضي الصلح، خوفا من تأثير ما يدلون به من مواقف وتصريحات أثناء جريان مسطرة الصلح على مراكزهم بعد الانتقال إلى مرحلة المحاكمة، التي تجرى أمام نفس القاضي ولكن بصفة قاضي حكم والذي يكون قد اطلع أصلا وبالضرورة على كل أو بعض أسرار الملف، مما قد يؤثر في الحكم الذي يصدره. لهذه الأسباب، بات من اللازم الأخذ بنظام إدارة الدعوى نظرا لما يوفره من إمكانية للفصل بين قاضي الحكم وقاضي إدارة الدعوى الذي يتكلف فقط بالإشراف على تهيئ وتجهيز الدعوى والقيام بمحاولة الصلح، وإذا لم يتوفق يحيل الملف على قاضي الحكم للبت فيه، ومن شأن اعتماد هذا النظام تجاوز بعض السلبيات التي تعرقل نجاح مسطرة الصلح.
• اقتصار تطبيق مسطرة الصلح على نزاعات محددة حصريا بالقانون: إذ يخلو قانون المسطرة المدنية باعتباره القانون العام للإجراءات من نص عام يخول للقاضي إمكانية اللجوء إلى محاولة الصلح، ويجعله مسلكا اختياريا يمكن اتباعه من طرف القاضي قبل متابعة إجراءات الدعوى كيفما كانت طبيعتها، وهذا ما نأمل من المشرع المغربي أن يقدم عليه في أقرب تعديل لقانون المسطرة المدنية من أجل توسيع نطاق مسطرة الصلح القضائية لتشمل نزاعات وقضايا أخرى، بحيث يمكن اللجوء إليه في أية مرحلة من مراحل سير الدعوى إذا ما اتفق الطرفان المتنازعان على حل الخلاف بينهما وديا عن طريق الحوار والتفاوض المباشر بينهما، بسعي من القاضي أو بمبادرة من أحد الخصوم أو كليهما، وذلك على غرار ما فعل المشرع الجزائري في القانون الجديد رقم 08 - 09 المؤرخ في 25 فبراير 2008 المتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية، حيث نص في المادة 4 بأنه يمكن للقاضي إجراء الصلح بين الأطراف أثناء سير الخصومة في أية مادة كانت، كما اعتبر الصلح إجراء جوازيا يمكن أن يعرضه أطراف النزاع تلقائيا، كما يمكن أن يتم بسعي من القاضي في جميع مراحل الخصومة (المادة 990 )، وهو غير مقيد بمادة معينة باستثناء القواعد الخاصة بالمادة الإدارية والتي حصرت إجراءه في مادة القضاء الكامل( المادة 970)، ويتم تثبيته في محضر يوقع عليه الخصوم والقاضي و أمين الضبط ويودع بأمانة الضبط(المادة 992)، واعتبر القانون الجديد محضر الصلح سندا تنفيذيا قابلا للتنفيذ الجبري (المادة 600 /8 والمادة 993 )، كما أن له أثر منه للخصومة(المادة 220 ).
المطلب الثاني: الوساطة
MEDIATION
وتقوم على مبدأ قيام شخص محايد يتمتع بالخبرة والكفاءة والنزاهة اللازمة، بتوظيف مهاراته في إدارة المفاوضات لمساعدة أطراف النزاع على تقريب وجهات
نظرهم، وتسوية خلافهم بشكل ودي قائم على التوافق والتراضي بعيدا عن إجراءات التقاضي وتعقيداتها.
وبالرجوع إلى القانون المقارن في الموضوع ،يمكن تصنيف الوساطة بحسب طبيعة الشخص الوسيط وطريقة تعيينه إلى ثلاثة أنواع وهي:
1 – وساطة قضائية:
وهي التي تتم من خلال قضاة متخصصون يعينهم رئيس المحكمة، يكون من مهامهم وبصفة إلزامية وعند بداية عرض النزاعات عليهم، بدل مساعي الوساطة وإدارتها من خلال برمجة جلسات للحوار والتفاوض المباشر بين الخصوم، والإشراف عليها داخل أسوار المحكمة لردم هوة الخلاف بينهما والتوصل إلى تسوية ودية تحضى بالاتفاق لدى أطراف النزاع، ويسمى القاضي المكلف بهذه المهمة قاضي الوساطة.
ومن بين التشريعات التي أخذت بفكرة الوساطة القضائية، نذكر التشريع الأردني من خلال قانون الوساطة لتسوية النزاعات المدنية رقم 12 لعام 2006، والذي نص على إحداث إدارة قضائية تسمى إدارة الوساطة بمقر محكمة البداية تتشكل من قضاة وموظفين تحال عليهم النزاعات من طرف قاضي إدارة الدعوى أو قاضي الصلح بناء على طلب أطراف النزاع أو بعد موافقتهم من أجـل العمل على تسوية النـزاع وديـا( المادة 2 /أ من قانون الوساطة)، ويخضع قاضي الوساطة لنفس الأحكام والضوابط التي تحكم الوساطة ومنها:
• يجب الانتهاء من أعمال الوساطة خلال مدة أقصاها ثلاثة أشهر تبتدئ من تاريخ إحالة النزاع عليه ( المادة 7 /أ من قانون الوساطة)؛
• في حالة نجاح الوساطة، يقدم قاضي الوساطة تقريرا بذلك مرفقا باتفاقية التسوية الموقعة من أطراف النزاع إلى قاضي إدارة الدعوى أو قاضي الصلح من أجل التصديق عليها، وتعتبر الاتفاقية بعد التصديق عليها بمثابة حكم قطعي (المادة 7 /ب من قانون الوساطة)،
• يمتنع على قاضي الوساطة بعد انتهاء وساطته الاحتفاظ بنسخ من المذكرات والمستندات التي سلمت إليه أثناء القيام بوساطته تحت طائلة المسؤولية القانونية(المادة 7 /ه من قانون الوساطة)؛
• تعتبر إجراءات الوساطة سرية، ولا يجوز الاحتجاج بها أو بما تم فيها من تنازلات بين أطراف النزاع أمام قاضي الموضوع( المادة 8 من قانون الوساطة)؛
• في حالة تسوية النزاع عن طريق الوساطة القضائية، يحق للمدعي استرداد نصف الرسوم القضائية التي دفعها( المادة 9/أ من قانون الوساطة)، ويعد هذا الإجراء محمودا من ناحية تشجيع المتقاضين على قبول اللجوء إلى الوساطة؛
• لا يجوز لقاضي الوساطة النظر في النزاع بصفته قاضي موضوع إذا فشلت الوساطة ( المادة 10 من قانون الوساطة)؛
2 – وساطة خاصة:
وهي التي يقوم بها وسيط خاص يعينه القاضي المكلف بالدعوى من خارج الهيئة القضائية للمحكمة باتفاق مع أطراف النزاع، و ذلك من بين الوسطاء الخصوصيين الذين يزاولون مهنة الوساطة من أجل التسوية الودية للنزاعات؛ وقد أخذ بالوساطة الخاصة المشرع الأردني في قانون الوساطة المشار إليه أعلاه،
عندما نص بأن لقاضي إدارة الدعوى أو قاضي الصلح بعد الاجتماع بالخصوم وبناء على طلبهم أو بعد موافقتهم إحالة النزاع إلى وسيط خاص، ويعين الوسطاء الخصوصيون من طرف رئيس المجلس القضائي( يقابله المجلس الأعلى للسلطة القضائية في المغرب) بتنسيب من وزير العدل، ويتم اختيارهم من بين القضاة المتقاعدين والمحامين والمهنيين وغيرهم من ذوي الخبرة المشهود لهم بالحياد والنزاهة ( المادة 2/ج).
كما أخذ المشرع الجزائري بالوساطة الخاصة في القانون رقم 08-09 المتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية، حيث ألزم القاضي بأن يقترح على أطراف النزاع في أول جلسة حل خلافهم عن طريق الوساطة، وذلك في جميع القضايا باستثناء قضايا شؤون الأسرة والقضايا العمالية والقضايا التي تمس بالنظام العام، وفي حالة موافقتهم يصدر القاضي أمرا بتعيين وسيط (قد يكون شخصا طبيعيا أو معنويا) يحاول التوفيق بينهم للتوصل إلى إيجاد حل للنزاع( المادة 994 )، ووفقا للتشريع الجزائري يجب أن تتوفر في الشخص الطبيعي المكلف بالوساطة فضلا عن حسن السلوك والاستقامة الشروط التالية:
1. أن لا يكون قد تعرض لعقوبة عن جريمة مخلة بالشرف؛
2. أن لا يكون ممنوعا من ممارسة حقوقه المدنية؛
3. أن يكون مؤهلا للنظر في النزاع المعروض عليه؛
4. أن يكون محايدا ومستقلا في ممارسة الوساطة ( المادة 998 )؛
ويلزم الوسيط بحفظ السر المهني إزاء الغير( المادة 1005 )، وأن يخبر القاضي بنتيجة وساطته بين الخصوم، سواء انتهت بالنجاح أو الفشل،وفي حالة نجاح الوساطة، يحرر محضرا بالاتفاق يوقعه مع الخصوم ويحيله على القاضي للمصادقة عليه بموجب أمـر غير قابل لأي طريـق مـن طرق الطعـن ( المادتان 1003 و1004 )، ويعد محضر الاتفاق سندا تنفيذيا قابلا للتنفيذ الجبري( المادة 600/8 والمادة 1004 ).
ولا يترتب عن الوساطة تخلي القاضي عن النزاع كليا، إذ يظل يمارس رقابته على أعمال الوسيط بحيث يمكنه اتخاذ أي تدبير يراه ضروريا أثناء سير الوساطة
( المادة 995 /2 )، كما يمكن له في أي وقت إنهاء الوساطة بطلب من الوسيط أو الخصوم أو إنهائها تلقائيا من طرفه إذا تبين له استحالة سيرها بشكل حسن، وفي هذه الحالة ترجع القضية إلى المحكمة لتأخذ مجراها بشكل طبيعي من جديد( المادة 1002 ).
3 – وساطة اتفاقية:
وهي التي تتم من خلال تعيين وسيط بناء على اتفاق الأطراف يكلف بموجبه بتسهيل الوصول إلى تسوية ودية تنهي النزاع بين الطرفين بعيدا عن أسوار المحاكم، ومن مميزات هذا الاتفاق أنه يتم كتابة إما بعقد رسمي أو عرفي أو بمحضر يحرر أمام المحكمة، كما أن هذا الاتفاق يمكن إبرامه بعد نشوء النزاع ويسمى حينئذ عقد الوساطة، أو يمكن التنصيص عليه في صلب الاتفاق الأصلي أو بملحق له ويسمى شرط الوساطة.
وقد تم إدماج الوساطة الاتفاقية في النظام القانوني المغربي كآلية لتسوية النزاعات وديا بموجب القانون رقم 05 . 08 الصادر بالظهير الشريف المؤرخ في 30 نوفمبر 2007 المعدل لقانون المسطرة المدنية، وتخضع الوساطة الاتفاقية بموجب القانون المشار إليه أعلاه لعدة ضوابط ومبادئ نذكر منها ما يلي:
لا يجوز أن يشمل اتفاق الوساطة المسائل المستثناة من نطاق تطبيق الصلح، ولا يجوز إبرامه إلا مع مراعاة التحفظات أو الشروط أو الحدود المقررة لصحة الصلح بموجب الفصول من 1099 إلى 1104 من قانون الالتزامات والعقود( الفصل 56 – 327 من القانون 05 .08 )؛
يجب أن يتضمن عقد الوساطة تحت طائلة البطلان تحديد موضوع النزاع وتعيين الوسيط أو تحديد طريقة تعيينه( الفصل 60 –327 من القانون 05 .08)؛
يعتبر عقد الوساطة لاغيا إذا رفض الوسيط المعين القيام بالمهمة ولم يتفق الأطراف على إسم وسيط آخر( الفصل 60 –327 من القانون 05 .08 )؛
يمنع على المحاكم النظر في نزاع موضوع اتفاق وساطة، إلى حين استنفاذ مسطرة الوساطة أو بطلان اتفاق الوساطة، وذلك في حالة إثارة الدفع بعدم القبول من طرف أحد الأطراف ( الفصل 64 –327 من القانون 05 .08 )،ومعنى ذلك أنه لا يجوز للمحكمة أن تثيره تلقائيا؛
يجب أن لا تتجاوز المدة المحددة للوسيط في العقد لإنجاز مهمته 3 أشهر ابتداء من تاريخ قبوله للمهمة، ويمكن للأطراف تمديد المدة لنفس الأجل
( الفصل 65 –327 من القانون 05 .08 )؛
يلزم الوسيط بكتمان السر المهني تحت طائلة العقوبات المنصوص عليها في القانون الجنائي، و لا يجوز إثارة ملاحظات الوسيط والتنازلات التي تمت بين الطرفين، واستعمالها أمام القاضي المعروض عليه النزاع إلا باتفاق الأطراف ( الفصل 66 – 327 من القانون 05 .08 )؛
تنقضي مهمة الوسيط باتفاق الأطراف أو بانصرام الأجل المتفق عليه في عقد الوساطة دون التوصل إلى إبرام صلح، أو بأمر من القاضي في حالة بطلان اتفاق الوساطة( الفصل 67 –327 من القانون 05 .08 )؛
يوقع الوسيط مع الأطراف وثيقة الصلح الذي تم التوصل إليه، وفي حالة عدم وقوع الصلح يوقع وثيقة بذلك ويسلمها للأطراف (الفصل 68 – 327 /6 و7 من القانون 05 .08 )؛
يكتسي الصلح بين الأطراف قوة الشيء المقضي به، ويمكن تذييله بالصيغة التنفيذية من طرف رئيس المحكمة المختصة محليا للبت في موضوع النزاع (الفصل 69 – 327 من القانون05 .08 )، وهنا تجب الإشارة أن التذييل بالصيغة التنفيذية ليس وجوبيا وإنما يلجأ إليه الطرف المتضرر في حالة استنكاف الطرف الآخر عن تنفيذ المقتضيات المتفق عليها في وثيقة الصلح .
المطلب الثالث: التحكيم
ARBITRAGE
يعد التحكيم أحد الطرق البديلة لتسوية النزاعات بعيدا عن إجراءات التقاضي التقليدية أمام المحاكم،وهو نوعان ، تحكيم داخلي وتحكيم دولي، وسنقتصر في هذا الإطار على التحكيم الداخلي، وقد عرفه المشرع المغربي بأنه اتفاق الأطراف باللجوء إلى التحكيم من أجل حل نزاع نشأ أو قد ينشأ في المستقبل من علاقة قانونية معينة تعاقدية أو غير تعاقدية( الفصل307 من القانون رقم 05.08 ).
ويخضع التحكيم لعدة قواعد وضوابط تم تقنينها بموجب قانون التحكيم والوساطة الاتفاقية رقم 05 .08 الصادر بالظهير الشريف المؤرخ في 30 /11/2007 المعدل لقانون المسطرة المدنية، ومن هذه الضوابط نذكر:
أولا- تشكيل هيئة التحكيم وشروط ممارسته واللجوء إليه:
تتشكل الهيئة التحكيمية من محكم واحد أو عدة محكمين بحسب اتفاق الأطراف شرط أن يكون عددهم وترا؛ ويشترط في من يزاول مهمة التحكيم أن يكون شخصا ذاتيا كامل الأهلية، لم يسبق أن صدر في حقه حكم نهائي بالإدانة من أجل ارتكاب أفعال تخل بالشرف أو صفات الاستقامة أو الآداب العامة أو بالحرمان من أهلية ممارسة التجارة أو حق من حقوقه المدنية؛
يجوز لأي شخص ذو أهلية كاملة سواء كان شخصا طبيعيا أو اعتباريا أن يبرم عقد تحكيم في الحقوق التي يملك حرية التصرف فيها؛
يجب أن يكون عقد التحكيم مكتوبا إما بعقد رسمي أو عرفي أو بمحضر يتم تحريره أمام الهيئة التحكيمية المختارة، ويعد في حكم عقد التحكيم المبرم كتابة كل إحالة في عقد مكتوب إلى أحكام عقد نموذجي أو اتفاقية دولية أو إلى أي وثيقة أخرى تتضمن شرطا تحكيميا إذا كانت الإحالة واضحة في اعتبار هذا الشرط جزءا من العقد (الفصل 313 من القانون رقم 05 .08)؛
ثانيا – محل ونطاق التحكيم
يمكن أن تكون محل اتفاق تحكيم النزاعات التي تدخل في اختصاص المحاكم التجارية عملا بالمادة 5 من القانون رقم 53.95 القاضي بإحداث محاكم تجارية ( الفصل 308 من القانون رقم 08.05 )،ولهذه الغاية تم تغيير مقتضيات الفقرة الرابعة من المادة 5 من القانون رقم 53.95 السالف الذكر بحيث أصبح يجوز للأطراف الاتفاق على عرض النزاعات التجارية على مسطرة التحكيم والوساطة وذلك بموجب المادة الثالثة من القانون رقم 08.05؛
لا يجوز إبرام عقود تحكيم بشأن النزاعات التي تهم حالة الأشخاص وأهليتهم أو الحقوق الشخصية التي لا تكون موضوع تجارة أو النزاعات المتعلقة بالتصرفات الأحادية للإدارة باستثناء النزاعات المالية الناتجة عنها ما عدا تلك المتعلقة بتطبيق قانون جبائي( الفصلان 309 و310 من القانون رقم 05 .08 )،
بمعنى أنه لا يمكن أن يكون موضوع عقد تحكيم المنازعات الإدارية التي تندرج ضمن قضاء الإلغاء في حين يمكن أن تكون محلا لعقد تحكيم المنازعات الإدارية التي تندرج ضمن قضاء التعويض باستثناء المنازعات الضريبية؛
يجوز إبرام اتفاق التحكيم بشأن النزاعات المتعلقة بالعقود التي تبرمها الدولة أو الجماعات المحلية مع مراعاة المقتضيات الخاصة بالمراقبة أو الوصاية المنصوص عليهما في النصوص التشريعية أو التنظيمية الجاري بها العمل( الفصل 310 /3 من القانون رقم 05 .08 )؛
يجوز للمقاولات العامة والمؤسسات العامة إبرام عقود تحكيم وفق الشروط والإجراءات المحددة من لدن مجالس إدارتها أو رقابتها أو أجهزة تسييرها( الفصل 311 من القانون رقم 05 .08 )؛
ثالثا- حالات تجريح المحكمين:
لا يمكن تجريح المحكم إلا في الأحوال التالية:
1) إذا صدر في حقه حكم نهائي بالإدانة من أجل ارتكاب أحد الأفعال السالفة الذكر أو بالحرمان من أهلية ممارسة التجارة أو حق من حقوقه المدنية؛
2) كانت له أو لزوجه أو لأصوله أو لفروعه مصلحة شخصية مباشرة أو غير مباشرة في النزاع؛
3) كانت قرابة أو مصاهرة تجمع بينه أو بين زوجه وبين أحد الأطراف إلى درجة أبناء العمومة الأشقاء؛
4) كانت هناك دعوى جارية أو منتهية في أقل من سنتين بين أحد الأطراف والمحكم أو زوجه أو أحد الأصول أو الفروع؛
5) كان المحكم دائنا أو مدينا لأحد الأطراف؛
6) سبق أن خاصم أو مثل غيره أو حضر كشاهد في النزاع؛
7) تصرف بوصفه الممثل الشرعي لأحد الأطراف؛
8) كانت توجد علاقة تبعية بين المحكم أو زوجه أو أصوله أو فروعه وبين أحد الأطراف أو زوجه أو أصوله أو فروعه؛
9) كانت صداقة أو عداوة بادية بينه وبين أحد الأطراف؛
رابعا- واجبات المحكم
يتعين على من يزاول مهمة التحكيم بصفة اعتيادية سواء بصفة منفردة أو في حظيرة شخص معنوي، أن يصرح بذلك إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف التي يقع في دائرة نفوذها محل إقامته أو المقر الاجتماعي للشخص المعنوي، لكي يتم تقييدهم في قائمة تتضمن كل البيانات الضرورية المتعلقة بهم(الفصل 321 من القانون رقم 05 .08 )، وينبغي التأكيد في هذا الصدد بأن المشرع لم يهدف من وراء التصريح المذكور بأن يجعل القيام بمهمة التحكيم حكرا على فئة المحكمين المقيدين بالقائمة المشار إليها، وتقييد حرية الأطراف بإلزامهم باختيار المحكمين من هذه القائمة، وإنما كرس مبدأ حرية الأطراف في اختيار المحكم بملء إرادتهم وفي حدود الضوابط التي وضعها القانون سواء كان مقيدا أم غير مقيد بالقائمة(دورية وزير العدل عدد 12 س 2 صادرة في 2009)؛
يلزم المحكمون بكتمان السر المهني طبقا لما هو منصوص عليه في القانون الجنائي(الفصل 326 من القانون رقم 05 .08)؛
* يمنع على المحاكم النظر في نزاع هو محل اتفاق تحكيم إذا دفع المدعى عليه بذلك ما لم يكن بطلان اتفاق التحكيم واضحا( الفصل 327 من القانون رقم 05 .08 )، وعليه لا يجوز للمحكمة أن تثير هذا الدفع تلقائيا؛
خامسا- حالات انتهاء مهام المحكمين وإجراءات التحكيم
تنتهي من حيث المبدأ مهمة الهيئة التحكيمية بعد انصرام الأجل القانوني ( 6 أشهر) أو الأجل المتفق عليه في عقد التحكيم ابتداء من تاريخ عرض النزاع عليها دون إصدار الحكم التحكيمي، ما لم يتم تمديد الأجل القانوني أو الاتفاقي إما بناء على اتفاق الأطراف أو من طرف رئيس المحكمة المختصة بناء على طلب أحد أطراف النزاع أو الهيئة التحكيمية؛
ذ تنتهي مهمة المحكم أو أحد أعضاء هيئة التحكيم طبقا لمقتضيات الفصلين 324 و325 من القانون رقم 08.05 إما بالعزل بناء على موافقة جميع أطراف التحكيم أو بناء على أمر غير قابل للطعن من رئيس المحكمة المختصة بطلب من أحد أطراف النزاع إذا تعذر على المحكم أداء مهمته أو لم يباشرها أو انقطع عن أدائها ولم يتنح ولم يتفق الأطراف على عزله؛
تنتهي إجراءات التحكيم في الأحوال التالية:
إذا اتفق الأطراف على حل النزاع وديا أو بواسطة حكم تحكيمي( الفصل 19-327 )؛
إذا تبين لهيئة التحكيم أن متابعة المسطرة أصبحت غير مجدية أو غير ممكنة لأي سبب من الأسباب؛
بناء على أمر من رئيس المحكمة المختصة بطلب من أحد طرفي النزاع إذا لم يصدر الحكم التحكيمي خلال الأجل المتفق عليه؛
سادسا- تنفيذ الحكم التحكيمي وطرق الطعن فيه
يصدر الحكم التحكيمي بأغلبية الأصوات إذا كانت الهيئة التحكيمية تتشكل من ثلاث محكمين فما فوق؛
لا ينفذ الحكم التحكيمي جبريا إلا بمقتضى أمر بتخويل الصيغة التنفيذية يصدره رئيس المحكمة المختصة الصادر الحكم في دائرة نفوذها الترابي(الفصل 31 -327 من القانون رقم08.05 )، وبناء على ذلك فليس مطلوبا، وعلا خلاف ما هو شائع ،تذييل جميع الأحكام التحكيمية بالصيغة التنفيذية، بل تطلب الصيغة التنفيذية من أحد الأطراف فقط في حالة امتناع الطرف الآخر عن تنفيذ مقتضيات الحكم التحكيمي، أما إذا رضيا الطرفان بالحكم ورغبا في تنفيذه حبيا فلا ضرورة إلى تذييله بالصيغة التنفيذية، ويؤيد هذا الرأي ما ورد في الفصل 26-327 من أن الحكم التحكيمي يكتسب بمجرد صدوره حجية الشيء المقضي به بخصوص النزاع الذي تم الفصل فيه ما لم يكن أحد طرفي التحكيم من أشخاص القانون العام، إذ في هذه الحالة لا يكتسب الحكم التحكيمي حجية الشيء المقضي به إلا بناء على أمر بتخويل صيغة التنفيذ،هذا ويكون الأمر بتخويل الصيغة التنفيذية غير قابل للطعن غير أنه يمكن أن يتم الطعن فيه بقوة القانون إذا كان مقرونا بالطعن بالبطلان ضد الحكم التحكيمي طبقا لمقتضيات الفصل36-327 من القانون رقم 08.05 ، في المقابل يمكن الطعن بالاستئناف في الأمر الذي يرفض تخويل الصيغة التنفيذية والذي يجب أن يكون معللا أمام محكمة الاستئناف التي تبت فيه طبقا لمسطرة الاستعجال؛
يمكن للأغيار التعرض على الأحكام التحكيمية تعرض الغير الخارج عن الخصومة أمام المحكمة المختصة بنظر النزاع في حالة عدم وجود اتفاق التحكيم طبقا لمقتضيات الفصل35-327 من القانون رقم 08.05؛
يمكن الطعن في الأحكام التحكيمية بإعادة النظر أمام المحكمة المختصة بنظر النزاع في حالة عدم وجود اتفاق التحكيم طبقا لمقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 34-327 من القانون رقم 08.05؛
تكون الأحكام التحكيمية قابلة للطعن بالبطلان أمام محكمة الاستئناف التي صدر الحكم التحكيمي في دائرتها داخل أجل 15 يوما من تاريخ تبليغ الحكم التحكيمي المذيل بالصيغة التنفيذية طبقا لمقتضيات الفصل36-327 من القانون رقم 08.05، ولا يكون الطعن بالبطلان ممكنا إلا في الحالات التالية:
إذا صدر الحكم التحكيمي في غياب اتفاق التحكيم أو في حالة بطلانه أو صدوره بعد انتهاء أجل التحكيم؛
إذا تم تشكيل هيئة التحكيم أو تعيين المحكم بصفة غير قانونية أو مخالفة لاتفاق الطرفين؛
إذا خرجت هيئة التحكيم أو المحكم في الحكم عن نطاق اتفاق التحكيم ما عدا إذا أمكن فصل أجزاء الحكم، فيمكن آنذاك أن يقع البطلان على الأجزاء غير الخاضعة لاتفاق التحكيم؛
إذا لم يتمكن أي من طرفي التحكيم من ممارسة حقه في الدفاع بسبب عدم تبليغه بتعيين محكم أو بإجراءات التحكيم أو أي سبب آخر له علاقة باحترام الحق في الدفاع؛
إذا خالف الحكم التحكيمي قاعدة من قواعد النظام العام أو إذا كان موضوع النزاع من المسائل التي لا يصح قانونا أن تكون موضوع تحكيم ؛
في حالة عدم التقيد بالإجراءات المسطرية أو القانون المطبق المتفق عليه من قبل طرفي التحكيم؛
إذا صدر الحكم التحكيمي بدون تعليل، ما عدا إذا كان شرط التعليل غير مطلوب إما بموجب اتفاق الأطراف في اتفاق التحكيم أو بموجب القانون الواجب التطبيق على مسطرة التحكيم؛ أما إذا كان أحد طرفي التحكيم من أشخاص القانون العام، فيجب أن يكون الحكم التحكيمي دائما معللا تحت طائلة البطلان؛
إذا لم يتضمن الحكم التحكيمي أسماء المحكمين وتوقيعاتهم وتاريخ الصدور؛
تكون قرارات محكمة الاستئناف الصادرة في مادة التحكيم قابلة للطعن بالنقض طبقا للقواعد العادية؛
والتحكيم كطريقة بديلة لتسوية النزاعات لا يختلف دوره عن دور القضاء التقليدي من حيث النظر والبت في الخلاف بكل حياد وتجرد وموضوعية ولكن بعيدا عن إجراءات التقاضي المعقدة والبطيئة.
خاتمة:
بصفة عامة تظل مكانة الوسائل البديلة لتسوية النزاعات في الوقت الراهن محدودة جدا في منظومة عدالتنا لعدة اعتبارات وهي :
• حداثة الإطار القانوني المنظم للوساطة والمعدل لمسطرة التحكيم؛
• إن اللجوء إلى التحكيم أو الوساطة متوقف على اتفاق إرادة الأطراف؛
• افتقاد قانون المسطرة المدنية لنص قانوني عام يجعل من محاولة الصلح في الميدان المدني إجراءا اختياريا يجوز للقاضي أن يطرق بابه بالنسبة لجميع القضايا والمنازعات إلى جانب بطبيعة الحال مساطر الصلح الإلزامية بموجب القانون؛
• اقتصار المشرع المغربي على اعتماد وتنظيم طريقة الوساطة الاتفاقية دون الوساطة القضائية والخاصة، وهي آلية يتوقف تفعيلها على اتفاق الأطراف؛
• عدم أخذ المشرع المغربي بجميع مقومات إدارة الدعوى المدنية الرامية إلى تفعيل الطرق البديلة لفض النزاعات؛
لذا، بات من الضروري إدخال التعديلات اللازمة على قانون المسطرة المدنية باعتماد كل الوسائل والطرق البديلة للتسوية الودية، وتعميمها ما أمكن على جميع المنازعات والعمل على تسويقها لدى الأفراد من خلال عمليات التحسيس والسهر على حسن تطبيقها عبر التكوين المتخصص للقضاة والموظفين والوسطاء والمحكمين.
وتجب الإشارة إلى أنه يتعذر في الوقت الراهن التوفر على المعلومات و الإحصائيات المضبوطة بعدد النزاعات المعروضة على التحكيم أو الوساطة أو المنتهية بالصلح، لمعرفة حجمها وما تمثله نسبتها من مجموع النزاعات المعروضة على المحاكم، ليتيسر للباحثين تقييم هذه الوسائل البديلة بشكل موضوعي وتبيان أهميتها ومكانتها في المنظومة القضائية بصفة عامة، لذا نقترح من أجل تجاوز هذه الصعوبات أن تبادر الوزارة الوصية إلى إصدار دورية تحث فيها المشتغلين في ميدان التحكيم والوساطة بضرورة تسجيل النزاعات المعروضة عليهم،بسجلات خاصة ممسوكة بكتابات الضبط بالمحاكم الابتدائية والتجارية والإدارية- بحسب طبيعة النزاع- وذلك لغايات إحصائية فقط، كما يتعين إيلاء الاهتمام للمنازعات المنتهية بالصلح عن طريق توفير المعطيات الإحصائية المتعلقة بها على اعتبار أن وزارة العدل تظل المشرف هيكليا على تأطير منظومة العدالة بكل وسائلها وآلياتها .
وعلاوة على ما تحققه الوسائل البديلة للتقاضي المنتهية بالصلح بين الأطراف من ربح في الوقت وسرعة في إنهاء الخلاف والتقليل من التكاليف، واختصار للجهد وتخفيف العبء على قضاة الموضوع فإنه يحقق ما هو أسمى من ذلك وهو استمرار الروابط المدنية والتجارية وتوطيد العلاقات الإنسانية بين الطرفين المتصالحين، الأمر الذي لا يحصل في الكثير من الأحيان عند السير في إجراءات التقاضي إلى نهايتها وانتصار المحكمة لأحد الخصوم أو إدانة أحد الأطراف، إذ غالبا ما تخلف هذه الأحكام أضرارا تمس مصالح أحد الطرفين المتنازعين كما أنها قد لا تأخذ بعين الاعتبار مصالحهما الكاملة، بل إن بعض الأحكام قد تخلف جروحا لا تندمل في نفسية الطرف المدان أو الخاسر للدعوى.
من هنا أضحت العدالة المبنية على أساس الصلح والاتفاق أكثر إيجابية، لأنها تأخذ في الاعتبار مصالح الطرفين وتنهي النزاع بلا غالب ولا مغلوب، وبذلك فهي تساهم في نهاية المطاف في تعزيز السلم الاجتماعي وتحقيق النماء الاقتصادي./.
خصص جلالة الملك الخطاب السامي الذي وجهه إلى الأمة بمناسبة الذكرى 56 لثورة الملك والشعب لإطلاق الإصلاح الشامل والعميق للقضاء، إصلاح يريد جلالته أن يكون جوهريا لا يقتصر على قطاع القضاء وإنما يمتد بعمقه وشموليته لنظام العدالة.
وقد حدد جلالته المجالات ذات الأسبقية والمحاور الأساسية للإصلاح التي يتعين الانكباب عليها من طرف الحكومة لبلورة مخطط متكامل ومضبوط واضح في مرجعيته، وطموح في أهدافه ومحدد في أسبقياته، ويتعلق الأمر بست مجالات هي:
دعم ضمانات الاستقلالية؛
تحديث المنظومة القانونية؛
تأهيل الهياكل القضائية والإدارية؛
تأهيل الموارد البشرية؛
الرفع من النجاعة القضائية؛
تخليق القضاء وتحصينه من الارتشاء واستغلال النفوذ؛
وكما أكد على ذلك جلالة الملك، فإن الأمر يتعلق بورش شاق وطويل يتطلب تعبئة شاملة لا تقتصر على أسرة القضاء والعدالة، وإنما تشمل كافة المؤسسات والفعاليات المدنية والسياسية والأكاديمية، الشيء الذي يفرض أن يساهم كل من موقعه وحسب معرفته وتجربته وخبرته في ابتكار الحلول والوصفات الناجعة الكفيلة بمعالجة مختلف الاختلالات التي يعاني منها نظامنا القضائي، وطرحها للنقاش من أجل تداولها وإغنائها بعقل متفتح ووعي كامل بالمسؤولية الملقاة على الجميع: سلطات عامة ومجتمع مدني وخبراء، وغاية ذلك النهوض بالقضاء ونظام العدالة وتطويره لمواجهة تحديات العولمة الاقتصادية والاجتماعية وتحقيق النجاعة والفعالية؛
ومن بين محاور الإصلاح التي أطلقها جلالة الملك في خطابه السامي نجد محور تطوير الطرق القضائية البديلة لفض النزاعات حيث ذكر جلالته:"...وبموازاة ذلك، يتعين تطوير الطرق القضائية البديلة كالوساطة والتحكيم والصلح.....".
وبالفعل أصبح اللجوء إلى الطرق البديلة لفض النزاعات أمرا ملحا في الوقت الراهن فرضته ضرورة تخفيف العبء على المحاكم من كثرة القضايا المعروضة عليها، والتي باتت تثقل كاهل القضاة والموظفين، الأمر الذي أثر سلبيا على سير إجراءات التقاضي التي يطول أمدها، والتي زاد من حدتها تعقد الإجراءات والمساطر وسيرها البطيء الناتج عن تفاعل عدة مؤثرات وتدخل عدة فاعلين، كما أملى اللجوء إلى هذه الطرق البديلة تعقد بعض المنازعات نظرا لطبيعتها التقنية والتي تحتاج إلى متخصصين في الميدان من اجل حلها بشكل سريع وعادل وفعال ؛وقد اهتدت الدول الانجلوسكسونية وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا مبكرا إلى الطرق البديلة لتسوية النزاعات وأدمجتها في أنظمتها القضائية نظرا لما تحققه من مزايا، لعل أهمها سرعة الفصل في الخلافات واختصار الجهود والتكاليف على المحكمة والخصوم.
ويمكن تعريف الطرق البديلة لتسوية النزاعات بأنها مختلف الآليات أو الوسائل التي تلجأ إليها الأطراف المتنازعة من أجل التوصل إلى حل خلافاتهم دون المرور عبر الوسيلة "الأصيلة" وهي الدعوى القضائية والطرق الأكثر شيوعا هي التفاوض المباشر بين الطرفين المتنازعين أو اللجوء إلى وسيط لتسهيل الحوار بينهما أو اللجوء إلى محكم أو هيئة تحكيمية باتفاق الاطراف تتولى النظر في النزاع، وإذا كانت الطريقتان الاولى والثانية تنتهيان إلى إبرام اتفاق صلح فإن الطريقة الثالثة تنتهي بصدور حكم تحكيمي.
ومساهمة في إغناء النقاش بشأن هذا المحور، نقترح بسط بعض الأفكار بشأن مكانة الطرق البديلة للتقاضي في النظام القانوني المغربي من أجل اقتسامها مع الباحثين والمهتمين نتناولها من خلال ثلاثة مطالب :
المطلب الأول ونعرض فيه للصلح؛
المطلب الثاني ونخصصه للوساطة؛
أما المطلب الثالث فنخصصه للتحكيم.
المطلب الأول:الصلح
CONCILIATION.
يقول الله تعالى" لاخير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس، ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نوتيه أجرا عظيما"
( سورة النساء الآية 113 )، وقال تعالى " إنما المومنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم، واتقوا الله لعلكم ترحمون"( سورة الحجرات الآية 10). من هنا فالدعوة إلى الصلح وإصلاح ذات البين بين الناس هي دعوة ربانية من الخالق إلى عباده، ينبغي الامتثال لها والأخذ بها لتحقيق رضى الله والفوز بأجره العظيم؛
والصلح كآلية قانونية بديلة لفض النزاعات ليس غريبا عن مجالنا القانوني ونظامنا القضائي، فقد ورد التنصيص عليه في عدة نصوص متفرقة إما بصفة اختيارية أو بصفة وجوبية وخصه ببعض المنازعات والقضايا المحددة، وهكذا أوجب المشرع المغربي اللجوء إلى مسطرة الصلح في:
القضايا الاجتماعية سواء تعلق الأمر بنزاعات الشغل أو قضايا حوادث الشغل والأمراض المهنية حيث نص الفصل 277 من قانون المسطرة المدنية بأن: المحكمة تحاول في بداية الجلسة التصالح بين الأطراف وفي حالة نجاحها، يثبت الصلح بمقتضى أمر في حالة نزاعات الشغل وقضايا حوادث الشغل والنزاعات المرتبطة بالتعويضات أو المعاشات، ويثبت الصلح بمحضر في حالة قضايا الضمان الاجتماعي، كما نصت مدونة الشغل على تسوية نزاعات الشغل الجماعية عن طريق مسطرة الصلح التي تتم أمام مندوب لشغل أو مفتش الشغل أو أمام اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة أو اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة( المادة 551 وما بعدها من مدونة الشغل)، وذلك تبعا لطبيعة الخلاف ونطاقه؛
القضايا المتعلقة بالأحوال الشخصية حيث نص الفصل 180 من قانون المسطرة المدنية بأنه يتم استدعاء الأطراف إلى الجلسة وتجري دائما محاولة الصلح بينهم،كما نصت مدونة الأسرة على وجوب استدعاء الزوجين لمحاولة الإصلاح أثناء اللجوء إلى مسطرة الطلاق أو التطليق( المواد 81 و82 و89 و94 و113 من مدونة الأسرة)؛
قضايا الكراء المعد للاستعمال التجاري والصناعي طبقا للفصل 27 من ظهير 24 ماي 1955 .
ويتم اللجوء إلى مسطرة الصلح بصفة اختيارية في الميدان المدني في
:
قضايا التعرض على مطالب التحفيظ حيث نص الفصل 31 من ظهير 12 غشت المتعلق بالتحفيظ العقاري بأنه يسوغ للمحافظ وقبل توجيه الملف إلى المحكمة المختصة أن يجري محاولة صلح بين أطراف النزاع؛
قضايا التعويض عن حوادث السير طبقا للفصل 18 من ظهير 2 أكتوبر 1984 التي تنص على ضرورة لجوء شركة التأمين لإجراء محاولة صلح مع المطالب بالتعويض؛
أما في الميدان الزجري، فالأصل أن مقتضيات القوانين الجنائية تدخل في صلب النظام العام نظرا لما تحدثه الجرائم المرتكبة من اضطراب اجتماعي قد يهدد كيان المجتمع، ولذلك تنتصب النيابة العامة كطرف يمثل المجتمع من أجل البحث عن المجرمين والقبض عليهم والأمر بمتابعتهم وتقديمهم للمحاكمة، لنيل العقاب الذي يستحقون، من هنا لا يملك أطراف الجريمة (جاني ومجني عليه) صلاحية الاتفاق على عدم المتابعة كقاعدة عامة، غير أن المشرع المغربي وبغاية الحفاظ على علاقات الاستقرار الاجتماعي والعائلي، سمح بإمكانية المصالحة بين الأطراف في بعض الجرائم ووضع حد للمتابعة، ومن هذه الجرائم: جريمة إهمال الأسرة ( الفصل 481 من ق ج) وجريمة الخيانة الزوجية ( الفصل 491 من ق ج) وجريمة السرقة بين الأقارب ( الفصل 535 من ق ج)، فكل هذه الجرائم لا يتم تحريك المتابعة بشأنها إلا بناء على شكاية من المتضرر و في حالة التنازل عن الشكاية تسقط المتابعة.
لكن أهم تعديل وقع في مسطرة الصلح في الميدان الزجري أتى به الفصل 41 من قانون المسطرة الجنائية الجديد، والذي ينص بأنه يمكن للمتضرر أو المشتكى به قبل إقامة الدعوى العمومية فيما يتعلق بالجرائم المعاقب عليها بسنتين أو أقل أو بغرامة لا يتجاوز حدها الأقصى 5000 درهم، أن يطلب من وكيل الملك تضمين الصلح الحاصل بينهما في محضر بعد موافقته وتراضي الطرفين على الصلح، والتصديق عليه من طرف رئيس المحكمة الابتدائية بموجب أمر قضائي لا يقبل أي طعن.
وفي جميع الأحوال، فإن نجاح محاولة الصلح بين الخصوم وإثباته بمحضر أو بأمر قضائي يضع حدا للنزاع، وينفذ بقوة القانون و لا يقبل أي طعن، ويخضع من حيث صحته وآثاره لمقتضيات القسم التاسع من الكتاب الثاني من الظهير الشريف الصادر في 12 غشت 1913 بمثابة قانون الالتزامات والعقود.
وبالرغم من أهمية مثل هذه النصوص القانونية التي تؤسس للصلح كآلية بديلة لفض النزاع، إلا أن تطبيقه على أرض الواقع لم يلق النجاح المطلوب وذلك لعدة أسباب موضوعية نجملها فيما يلي:
• إسناد مهمة القيام بالصلح لقاضي الحكم: إذ أن النصوص القانونية التي تشير إلى محاولة إجراء الصلح تسند في الغالب هذه المهمة إلى قاضي الحكم، مما يؤثر سلبيا على نجاعة وفعالية هذه المسطرة لعاملين اثنين:
1 - إن قاضي الحكم قد لا يكون مؤهلا للقيام بدور قاضي الصلح، بحيث لا يملك مهارات الاتصال والتواصل والقدرة على الإقناع وإدارة الحوار والمفاوضات، وحسن الاستماع والمبادرة إلى طرح الحلول الملائمة للنزاع والمرضية للطرفين وعدم الاستسلام بسرعة لتصلب المواقف؛ و على فرض أنه يملك تلك المؤهلات ،فهو يتخذ الاحتياطات اللازمة ويمارس الرقابة الذاتية، حتى يتجنب إبداء وجهة نظره في النزاع عند مشاركته أطراف النزاع في محاولة إيجاد حل اتفاقي، ويتفادى بالتالي الاتهام بالانحياز لأحدهما، الأمر الذي يجعل دور قاضي الصلح دورا سلبيا وشكليا يقتصر على مسائلة الأطراف حول ما إذا كانوا يرغبون في التصالح أم لا، دون أن يتعداه إلى مساعدتهم في الوصول إلى حل متوافق عليه بينهما؛
2- تحفظ أطراف النزاع في البوح ببعض الحقائق والأسرار وعدم تحمسهم لتقديم التنازلات أمام قاضي الصلح، خوفا من تأثير ما يدلون به من مواقف وتصريحات أثناء جريان مسطرة الصلح على مراكزهم بعد الانتقال إلى مرحلة المحاكمة، التي تجرى أمام نفس القاضي ولكن بصفة قاضي حكم والذي يكون قد اطلع أصلا وبالضرورة على كل أو بعض أسرار الملف، مما قد يؤثر في الحكم الذي يصدره. لهذه الأسباب، بات من اللازم الأخذ بنظام إدارة الدعوى نظرا لما يوفره من إمكانية للفصل بين قاضي الحكم وقاضي إدارة الدعوى الذي يتكلف فقط بالإشراف على تهيئ وتجهيز الدعوى والقيام بمحاولة الصلح، وإذا لم يتوفق يحيل الملف على قاضي الحكم للبت فيه، ومن شأن اعتماد هذا النظام تجاوز بعض السلبيات التي تعرقل نجاح مسطرة الصلح.
• اقتصار تطبيق مسطرة الصلح على نزاعات محددة حصريا بالقانون: إذ يخلو قانون المسطرة المدنية باعتباره القانون العام للإجراءات من نص عام يخول للقاضي إمكانية اللجوء إلى محاولة الصلح، ويجعله مسلكا اختياريا يمكن اتباعه من طرف القاضي قبل متابعة إجراءات الدعوى كيفما كانت طبيعتها، وهذا ما نأمل من المشرع المغربي أن يقدم عليه في أقرب تعديل لقانون المسطرة المدنية من أجل توسيع نطاق مسطرة الصلح القضائية لتشمل نزاعات وقضايا أخرى، بحيث يمكن اللجوء إليه في أية مرحلة من مراحل سير الدعوى إذا ما اتفق الطرفان المتنازعان على حل الخلاف بينهما وديا عن طريق الحوار والتفاوض المباشر بينهما، بسعي من القاضي أو بمبادرة من أحد الخصوم أو كليهما، وذلك على غرار ما فعل المشرع الجزائري في القانون الجديد رقم 08 - 09 المؤرخ في 25 فبراير 2008 المتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية، حيث نص في المادة 4 بأنه يمكن للقاضي إجراء الصلح بين الأطراف أثناء سير الخصومة في أية مادة كانت، كما اعتبر الصلح إجراء جوازيا يمكن أن يعرضه أطراف النزاع تلقائيا، كما يمكن أن يتم بسعي من القاضي في جميع مراحل الخصومة (المادة 990 )، وهو غير مقيد بمادة معينة باستثناء القواعد الخاصة بالمادة الإدارية والتي حصرت إجراءه في مادة القضاء الكامل( المادة 970)، ويتم تثبيته في محضر يوقع عليه الخصوم والقاضي و أمين الضبط ويودع بأمانة الضبط(المادة 992)، واعتبر القانون الجديد محضر الصلح سندا تنفيذيا قابلا للتنفيذ الجبري (المادة 600 /8 والمادة 993 )، كما أن له أثر منه للخصومة(المادة 220 ).
المطلب الثاني: الوساطة
MEDIATION
وتقوم على مبدأ قيام شخص محايد يتمتع بالخبرة والكفاءة والنزاهة اللازمة، بتوظيف مهاراته في إدارة المفاوضات لمساعدة أطراف النزاع على تقريب وجهات
نظرهم، وتسوية خلافهم بشكل ودي قائم على التوافق والتراضي بعيدا عن إجراءات التقاضي وتعقيداتها.
وبالرجوع إلى القانون المقارن في الموضوع ،يمكن تصنيف الوساطة بحسب طبيعة الشخص الوسيط وطريقة تعيينه إلى ثلاثة أنواع وهي:
1 – وساطة قضائية:
وهي التي تتم من خلال قضاة متخصصون يعينهم رئيس المحكمة، يكون من مهامهم وبصفة إلزامية وعند بداية عرض النزاعات عليهم، بدل مساعي الوساطة وإدارتها من خلال برمجة جلسات للحوار والتفاوض المباشر بين الخصوم، والإشراف عليها داخل أسوار المحكمة لردم هوة الخلاف بينهما والتوصل إلى تسوية ودية تحضى بالاتفاق لدى أطراف النزاع، ويسمى القاضي المكلف بهذه المهمة قاضي الوساطة.
ومن بين التشريعات التي أخذت بفكرة الوساطة القضائية، نذكر التشريع الأردني من خلال قانون الوساطة لتسوية النزاعات المدنية رقم 12 لعام 2006، والذي نص على إحداث إدارة قضائية تسمى إدارة الوساطة بمقر محكمة البداية تتشكل من قضاة وموظفين تحال عليهم النزاعات من طرف قاضي إدارة الدعوى أو قاضي الصلح بناء على طلب أطراف النزاع أو بعد موافقتهم من أجـل العمل على تسوية النـزاع وديـا( المادة 2 /أ من قانون الوساطة)، ويخضع قاضي الوساطة لنفس الأحكام والضوابط التي تحكم الوساطة ومنها:
• يجب الانتهاء من أعمال الوساطة خلال مدة أقصاها ثلاثة أشهر تبتدئ من تاريخ إحالة النزاع عليه ( المادة 7 /أ من قانون الوساطة)؛
• في حالة نجاح الوساطة، يقدم قاضي الوساطة تقريرا بذلك مرفقا باتفاقية التسوية الموقعة من أطراف النزاع إلى قاضي إدارة الدعوى أو قاضي الصلح من أجل التصديق عليها، وتعتبر الاتفاقية بعد التصديق عليها بمثابة حكم قطعي (المادة 7 /ب من قانون الوساطة)،
• يمتنع على قاضي الوساطة بعد انتهاء وساطته الاحتفاظ بنسخ من المذكرات والمستندات التي سلمت إليه أثناء القيام بوساطته تحت طائلة المسؤولية القانونية(المادة 7 /ه من قانون الوساطة)؛
• تعتبر إجراءات الوساطة سرية، ولا يجوز الاحتجاج بها أو بما تم فيها من تنازلات بين أطراف النزاع أمام قاضي الموضوع( المادة 8 من قانون الوساطة)؛
• في حالة تسوية النزاع عن طريق الوساطة القضائية، يحق للمدعي استرداد نصف الرسوم القضائية التي دفعها( المادة 9/أ من قانون الوساطة)، ويعد هذا الإجراء محمودا من ناحية تشجيع المتقاضين على قبول اللجوء إلى الوساطة؛
• لا يجوز لقاضي الوساطة النظر في النزاع بصفته قاضي موضوع إذا فشلت الوساطة ( المادة 10 من قانون الوساطة)؛
2 – وساطة خاصة:
وهي التي يقوم بها وسيط خاص يعينه القاضي المكلف بالدعوى من خارج الهيئة القضائية للمحكمة باتفاق مع أطراف النزاع، و ذلك من بين الوسطاء الخصوصيين الذين يزاولون مهنة الوساطة من أجل التسوية الودية للنزاعات؛ وقد أخذ بالوساطة الخاصة المشرع الأردني في قانون الوساطة المشار إليه أعلاه،
عندما نص بأن لقاضي إدارة الدعوى أو قاضي الصلح بعد الاجتماع بالخصوم وبناء على طلبهم أو بعد موافقتهم إحالة النزاع إلى وسيط خاص، ويعين الوسطاء الخصوصيون من طرف رئيس المجلس القضائي( يقابله المجلس الأعلى للسلطة القضائية في المغرب) بتنسيب من وزير العدل، ويتم اختيارهم من بين القضاة المتقاعدين والمحامين والمهنيين وغيرهم من ذوي الخبرة المشهود لهم بالحياد والنزاهة ( المادة 2/ج).
كما أخذ المشرع الجزائري بالوساطة الخاصة في القانون رقم 08-09 المتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية، حيث ألزم القاضي بأن يقترح على أطراف النزاع في أول جلسة حل خلافهم عن طريق الوساطة، وذلك في جميع القضايا باستثناء قضايا شؤون الأسرة والقضايا العمالية والقضايا التي تمس بالنظام العام، وفي حالة موافقتهم يصدر القاضي أمرا بتعيين وسيط (قد يكون شخصا طبيعيا أو معنويا) يحاول التوفيق بينهم للتوصل إلى إيجاد حل للنزاع( المادة 994 )، ووفقا للتشريع الجزائري يجب أن تتوفر في الشخص الطبيعي المكلف بالوساطة فضلا عن حسن السلوك والاستقامة الشروط التالية:
1. أن لا يكون قد تعرض لعقوبة عن جريمة مخلة بالشرف؛
2. أن لا يكون ممنوعا من ممارسة حقوقه المدنية؛
3. أن يكون مؤهلا للنظر في النزاع المعروض عليه؛
4. أن يكون محايدا ومستقلا في ممارسة الوساطة ( المادة 998 )؛
ويلزم الوسيط بحفظ السر المهني إزاء الغير( المادة 1005 )، وأن يخبر القاضي بنتيجة وساطته بين الخصوم، سواء انتهت بالنجاح أو الفشل،وفي حالة نجاح الوساطة، يحرر محضرا بالاتفاق يوقعه مع الخصوم ويحيله على القاضي للمصادقة عليه بموجب أمـر غير قابل لأي طريـق مـن طرق الطعـن ( المادتان 1003 و1004 )، ويعد محضر الاتفاق سندا تنفيذيا قابلا للتنفيذ الجبري( المادة 600/8 والمادة 1004 ).
ولا يترتب عن الوساطة تخلي القاضي عن النزاع كليا، إذ يظل يمارس رقابته على أعمال الوسيط بحيث يمكنه اتخاذ أي تدبير يراه ضروريا أثناء سير الوساطة
( المادة 995 /2 )، كما يمكن له في أي وقت إنهاء الوساطة بطلب من الوسيط أو الخصوم أو إنهائها تلقائيا من طرفه إذا تبين له استحالة سيرها بشكل حسن، وفي هذه الحالة ترجع القضية إلى المحكمة لتأخذ مجراها بشكل طبيعي من جديد( المادة 1002 ).
3 – وساطة اتفاقية:
وهي التي تتم من خلال تعيين وسيط بناء على اتفاق الأطراف يكلف بموجبه بتسهيل الوصول إلى تسوية ودية تنهي النزاع بين الطرفين بعيدا عن أسوار المحاكم، ومن مميزات هذا الاتفاق أنه يتم كتابة إما بعقد رسمي أو عرفي أو بمحضر يحرر أمام المحكمة، كما أن هذا الاتفاق يمكن إبرامه بعد نشوء النزاع ويسمى حينئذ عقد الوساطة، أو يمكن التنصيص عليه في صلب الاتفاق الأصلي أو بملحق له ويسمى شرط الوساطة.
وقد تم إدماج الوساطة الاتفاقية في النظام القانوني المغربي كآلية لتسوية النزاعات وديا بموجب القانون رقم 05 . 08 الصادر بالظهير الشريف المؤرخ في 30 نوفمبر 2007 المعدل لقانون المسطرة المدنية، وتخضع الوساطة الاتفاقية بموجب القانون المشار إليه أعلاه لعدة ضوابط ومبادئ نذكر منها ما يلي:
لا يجوز أن يشمل اتفاق الوساطة المسائل المستثناة من نطاق تطبيق الصلح، ولا يجوز إبرامه إلا مع مراعاة التحفظات أو الشروط أو الحدود المقررة لصحة الصلح بموجب الفصول من 1099 إلى 1104 من قانون الالتزامات والعقود( الفصل 56 – 327 من القانون 05 .08 )؛
يجب أن يتضمن عقد الوساطة تحت طائلة البطلان تحديد موضوع النزاع وتعيين الوسيط أو تحديد طريقة تعيينه( الفصل 60 –327 من القانون 05 .08)؛
يعتبر عقد الوساطة لاغيا إذا رفض الوسيط المعين القيام بالمهمة ولم يتفق الأطراف على إسم وسيط آخر( الفصل 60 –327 من القانون 05 .08 )؛
يمنع على المحاكم النظر في نزاع موضوع اتفاق وساطة، إلى حين استنفاذ مسطرة الوساطة أو بطلان اتفاق الوساطة، وذلك في حالة إثارة الدفع بعدم القبول من طرف أحد الأطراف ( الفصل 64 –327 من القانون 05 .08 )،ومعنى ذلك أنه لا يجوز للمحكمة أن تثيره تلقائيا؛
يجب أن لا تتجاوز المدة المحددة للوسيط في العقد لإنجاز مهمته 3 أشهر ابتداء من تاريخ قبوله للمهمة، ويمكن للأطراف تمديد المدة لنفس الأجل
( الفصل 65 –327 من القانون 05 .08 )؛
يلزم الوسيط بكتمان السر المهني تحت طائلة العقوبات المنصوص عليها في القانون الجنائي، و لا يجوز إثارة ملاحظات الوسيط والتنازلات التي تمت بين الطرفين، واستعمالها أمام القاضي المعروض عليه النزاع إلا باتفاق الأطراف ( الفصل 66 – 327 من القانون 05 .08 )؛
تنقضي مهمة الوسيط باتفاق الأطراف أو بانصرام الأجل المتفق عليه في عقد الوساطة دون التوصل إلى إبرام صلح، أو بأمر من القاضي في حالة بطلان اتفاق الوساطة( الفصل 67 –327 من القانون 05 .08 )؛
يوقع الوسيط مع الأطراف وثيقة الصلح الذي تم التوصل إليه، وفي حالة عدم وقوع الصلح يوقع وثيقة بذلك ويسلمها للأطراف (الفصل 68 – 327 /6 و7 من القانون 05 .08 )؛
يكتسي الصلح بين الأطراف قوة الشيء المقضي به، ويمكن تذييله بالصيغة التنفيذية من طرف رئيس المحكمة المختصة محليا للبت في موضوع النزاع (الفصل 69 – 327 من القانون05 .08 )، وهنا تجب الإشارة أن التذييل بالصيغة التنفيذية ليس وجوبيا وإنما يلجأ إليه الطرف المتضرر في حالة استنكاف الطرف الآخر عن تنفيذ المقتضيات المتفق عليها في وثيقة الصلح .
المطلب الثالث: التحكيم
ARBITRAGE
يعد التحكيم أحد الطرق البديلة لتسوية النزاعات بعيدا عن إجراءات التقاضي التقليدية أمام المحاكم،وهو نوعان ، تحكيم داخلي وتحكيم دولي، وسنقتصر في هذا الإطار على التحكيم الداخلي، وقد عرفه المشرع المغربي بأنه اتفاق الأطراف باللجوء إلى التحكيم من أجل حل نزاع نشأ أو قد ينشأ في المستقبل من علاقة قانونية معينة تعاقدية أو غير تعاقدية( الفصل307 من القانون رقم 05.08 ).
ويخضع التحكيم لعدة قواعد وضوابط تم تقنينها بموجب قانون التحكيم والوساطة الاتفاقية رقم 05 .08 الصادر بالظهير الشريف المؤرخ في 30 /11/2007 المعدل لقانون المسطرة المدنية، ومن هذه الضوابط نذكر:
أولا- تشكيل هيئة التحكيم وشروط ممارسته واللجوء إليه:
تتشكل الهيئة التحكيمية من محكم واحد أو عدة محكمين بحسب اتفاق الأطراف شرط أن يكون عددهم وترا؛ ويشترط في من يزاول مهمة التحكيم أن يكون شخصا ذاتيا كامل الأهلية، لم يسبق أن صدر في حقه حكم نهائي بالإدانة من أجل ارتكاب أفعال تخل بالشرف أو صفات الاستقامة أو الآداب العامة أو بالحرمان من أهلية ممارسة التجارة أو حق من حقوقه المدنية؛
يجوز لأي شخص ذو أهلية كاملة سواء كان شخصا طبيعيا أو اعتباريا أن يبرم عقد تحكيم في الحقوق التي يملك حرية التصرف فيها؛
يجب أن يكون عقد التحكيم مكتوبا إما بعقد رسمي أو عرفي أو بمحضر يتم تحريره أمام الهيئة التحكيمية المختارة، ويعد في حكم عقد التحكيم المبرم كتابة كل إحالة في عقد مكتوب إلى أحكام عقد نموذجي أو اتفاقية دولية أو إلى أي وثيقة أخرى تتضمن شرطا تحكيميا إذا كانت الإحالة واضحة في اعتبار هذا الشرط جزءا من العقد (الفصل 313 من القانون رقم 05 .08)؛
ثانيا – محل ونطاق التحكيم
يمكن أن تكون محل اتفاق تحكيم النزاعات التي تدخل في اختصاص المحاكم التجارية عملا بالمادة 5 من القانون رقم 53.95 القاضي بإحداث محاكم تجارية ( الفصل 308 من القانون رقم 08.05 )،ولهذه الغاية تم تغيير مقتضيات الفقرة الرابعة من المادة 5 من القانون رقم 53.95 السالف الذكر بحيث أصبح يجوز للأطراف الاتفاق على عرض النزاعات التجارية على مسطرة التحكيم والوساطة وذلك بموجب المادة الثالثة من القانون رقم 08.05؛
لا يجوز إبرام عقود تحكيم بشأن النزاعات التي تهم حالة الأشخاص وأهليتهم أو الحقوق الشخصية التي لا تكون موضوع تجارة أو النزاعات المتعلقة بالتصرفات الأحادية للإدارة باستثناء النزاعات المالية الناتجة عنها ما عدا تلك المتعلقة بتطبيق قانون جبائي( الفصلان 309 و310 من القانون رقم 05 .08 )،
بمعنى أنه لا يمكن أن يكون موضوع عقد تحكيم المنازعات الإدارية التي تندرج ضمن قضاء الإلغاء في حين يمكن أن تكون محلا لعقد تحكيم المنازعات الإدارية التي تندرج ضمن قضاء التعويض باستثناء المنازعات الضريبية؛
يجوز إبرام اتفاق التحكيم بشأن النزاعات المتعلقة بالعقود التي تبرمها الدولة أو الجماعات المحلية مع مراعاة المقتضيات الخاصة بالمراقبة أو الوصاية المنصوص عليهما في النصوص التشريعية أو التنظيمية الجاري بها العمل( الفصل 310 /3 من القانون رقم 05 .08 )؛
يجوز للمقاولات العامة والمؤسسات العامة إبرام عقود تحكيم وفق الشروط والإجراءات المحددة من لدن مجالس إدارتها أو رقابتها أو أجهزة تسييرها( الفصل 311 من القانون رقم 05 .08 )؛
ثالثا- حالات تجريح المحكمين:
لا يمكن تجريح المحكم إلا في الأحوال التالية:
1) إذا صدر في حقه حكم نهائي بالإدانة من أجل ارتكاب أحد الأفعال السالفة الذكر أو بالحرمان من أهلية ممارسة التجارة أو حق من حقوقه المدنية؛
2) كانت له أو لزوجه أو لأصوله أو لفروعه مصلحة شخصية مباشرة أو غير مباشرة في النزاع؛
3) كانت قرابة أو مصاهرة تجمع بينه أو بين زوجه وبين أحد الأطراف إلى درجة أبناء العمومة الأشقاء؛
4) كانت هناك دعوى جارية أو منتهية في أقل من سنتين بين أحد الأطراف والمحكم أو زوجه أو أحد الأصول أو الفروع؛
5) كان المحكم دائنا أو مدينا لأحد الأطراف؛
6) سبق أن خاصم أو مثل غيره أو حضر كشاهد في النزاع؛
7) تصرف بوصفه الممثل الشرعي لأحد الأطراف؛
8) كانت توجد علاقة تبعية بين المحكم أو زوجه أو أصوله أو فروعه وبين أحد الأطراف أو زوجه أو أصوله أو فروعه؛
9) كانت صداقة أو عداوة بادية بينه وبين أحد الأطراف؛
رابعا- واجبات المحكم
يتعين على من يزاول مهمة التحكيم بصفة اعتيادية سواء بصفة منفردة أو في حظيرة شخص معنوي، أن يصرح بذلك إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف التي يقع في دائرة نفوذها محل إقامته أو المقر الاجتماعي للشخص المعنوي، لكي يتم تقييدهم في قائمة تتضمن كل البيانات الضرورية المتعلقة بهم(الفصل 321 من القانون رقم 05 .08 )، وينبغي التأكيد في هذا الصدد بأن المشرع لم يهدف من وراء التصريح المذكور بأن يجعل القيام بمهمة التحكيم حكرا على فئة المحكمين المقيدين بالقائمة المشار إليها، وتقييد حرية الأطراف بإلزامهم باختيار المحكمين من هذه القائمة، وإنما كرس مبدأ حرية الأطراف في اختيار المحكم بملء إرادتهم وفي حدود الضوابط التي وضعها القانون سواء كان مقيدا أم غير مقيد بالقائمة(دورية وزير العدل عدد 12 س 2 صادرة في 2009)؛
يلزم المحكمون بكتمان السر المهني طبقا لما هو منصوص عليه في القانون الجنائي(الفصل 326 من القانون رقم 05 .08)؛
* يمنع على المحاكم النظر في نزاع هو محل اتفاق تحكيم إذا دفع المدعى عليه بذلك ما لم يكن بطلان اتفاق التحكيم واضحا( الفصل 327 من القانون رقم 05 .08 )، وعليه لا يجوز للمحكمة أن تثير هذا الدفع تلقائيا؛
خامسا- حالات انتهاء مهام المحكمين وإجراءات التحكيم
تنتهي من حيث المبدأ مهمة الهيئة التحكيمية بعد انصرام الأجل القانوني ( 6 أشهر) أو الأجل المتفق عليه في عقد التحكيم ابتداء من تاريخ عرض النزاع عليها دون إصدار الحكم التحكيمي، ما لم يتم تمديد الأجل القانوني أو الاتفاقي إما بناء على اتفاق الأطراف أو من طرف رئيس المحكمة المختصة بناء على طلب أحد أطراف النزاع أو الهيئة التحكيمية؛
ذ تنتهي مهمة المحكم أو أحد أعضاء هيئة التحكيم طبقا لمقتضيات الفصلين 324 و325 من القانون رقم 08.05 إما بالعزل بناء على موافقة جميع أطراف التحكيم أو بناء على أمر غير قابل للطعن من رئيس المحكمة المختصة بطلب من أحد أطراف النزاع إذا تعذر على المحكم أداء مهمته أو لم يباشرها أو انقطع عن أدائها ولم يتنح ولم يتفق الأطراف على عزله؛
تنتهي إجراءات التحكيم في الأحوال التالية:
إذا اتفق الأطراف على حل النزاع وديا أو بواسطة حكم تحكيمي( الفصل 19-327 )؛
إذا تبين لهيئة التحكيم أن متابعة المسطرة أصبحت غير مجدية أو غير ممكنة لأي سبب من الأسباب؛
بناء على أمر من رئيس المحكمة المختصة بطلب من أحد طرفي النزاع إذا لم يصدر الحكم التحكيمي خلال الأجل المتفق عليه؛
سادسا- تنفيذ الحكم التحكيمي وطرق الطعن فيه
يصدر الحكم التحكيمي بأغلبية الأصوات إذا كانت الهيئة التحكيمية تتشكل من ثلاث محكمين فما فوق؛
لا ينفذ الحكم التحكيمي جبريا إلا بمقتضى أمر بتخويل الصيغة التنفيذية يصدره رئيس المحكمة المختصة الصادر الحكم في دائرة نفوذها الترابي(الفصل 31 -327 من القانون رقم08.05 )، وبناء على ذلك فليس مطلوبا، وعلا خلاف ما هو شائع ،تذييل جميع الأحكام التحكيمية بالصيغة التنفيذية، بل تطلب الصيغة التنفيذية من أحد الأطراف فقط في حالة امتناع الطرف الآخر عن تنفيذ مقتضيات الحكم التحكيمي، أما إذا رضيا الطرفان بالحكم ورغبا في تنفيذه حبيا فلا ضرورة إلى تذييله بالصيغة التنفيذية، ويؤيد هذا الرأي ما ورد في الفصل 26-327 من أن الحكم التحكيمي يكتسب بمجرد صدوره حجية الشيء المقضي به بخصوص النزاع الذي تم الفصل فيه ما لم يكن أحد طرفي التحكيم من أشخاص القانون العام، إذ في هذه الحالة لا يكتسب الحكم التحكيمي حجية الشيء المقضي به إلا بناء على أمر بتخويل صيغة التنفيذ،هذا ويكون الأمر بتخويل الصيغة التنفيذية غير قابل للطعن غير أنه يمكن أن يتم الطعن فيه بقوة القانون إذا كان مقرونا بالطعن بالبطلان ضد الحكم التحكيمي طبقا لمقتضيات الفصل36-327 من القانون رقم 08.05 ، في المقابل يمكن الطعن بالاستئناف في الأمر الذي يرفض تخويل الصيغة التنفيذية والذي يجب أن يكون معللا أمام محكمة الاستئناف التي تبت فيه طبقا لمسطرة الاستعجال؛
يمكن للأغيار التعرض على الأحكام التحكيمية تعرض الغير الخارج عن الخصومة أمام المحكمة المختصة بنظر النزاع في حالة عدم وجود اتفاق التحكيم طبقا لمقتضيات الفصل35-327 من القانون رقم 08.05؛
يمكن الطعن في الأحكام التحكيمية بإعادة النظر أمام المحكمة المختصة بنظر النزاع في حالة عدم وجود اتفاق التحكيم طبقا لمقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 34-327 من القانون رقم 08.05؛
تكون الأحكام التحكيمية قابلة للطعن بالبطلان أمام محكمة الاستئناف التي صدر الحكم التحكيمي في دائرتها داخل أجل 15 يوما من تاريخ تبليغ الحكم التحكيمي المذيل بالصيغة التنفيذية طبقا لمقتضيات الفصل36-327 من القانون رقم 08.05، ولا يكون الطعن بالبطلان ممكنا إلا في الحالات التالية:
إذا صدر الحكم التحكيمي في غياب اتفاق التحكيم أو في حالة بطلانه أو صدوره بعد انتهاء أجل التحكيم؛
إذا تم تشكيل هيئة التحكيم أو تعيين المحكم بصفة غير قانونية أو مخالفة لاتفاق الطرفين؛
إذا خرجت هيئة التحكيم أو المحكم في الحكم عن نطاق اتفاق التحكيم ما عدا إذا أمكن فصل أجزاء الحكم، فيمكن آنذاك أن يقع البطلان على الأجزاء غير الخاضعة لاتفاق التحكيم؛
إذا لم يتمكن أي من طرفي التحكيم من ممارسة حقه في الدفاع بسبب عدم تبليغه بتعيين محكم أو بإجراءات التحكيم أو أي سبب آخر له علاقة باحترام الحق في الدفاع؛
إذا خالف الحكم التحكيمي قاعدة من قواعد النظام العام أو إذا كان موضوع النزاع من المسائل التي لا يصح قانونا أن تكون موضوع تحكيم ؛
في حالة عدم التقيد بالإجراءات المسطرية أو القانون المطبق المتفق عليه من قبل طرفي التحكيم؛
إذا صدر الحكم التحكيمي بدون تعليل، ما عدا إذا كان شرط التعليل غير مطلوب إما بموجب اتفاق الأطراف في اتفاق التحكيم أو بموجب القانون الواجب التطبيق على مسطرة التحكيم؛ أما إذا كان أحد طرفي التحكيم من أشخاص القانون العام، فيجب أن يكون الحكم التحكيمي دائما معللا تحت طائلة البطلان؛
إذا لم يتضمن الحكم التحكيمي أسماء المحكمين وتوقيعاتهم وتاريخ الصدور؛
تكون قرارات محكمة الاستئناف الصادرة في مادة التحكيم قابلة للطعن بالنقض طبقا للقواعد العادية؛
والتحكيم كطريقة بديلة لتسوية النزاعات لا يختلف دوره عن دور القضاء التقليدي من حيث النظر والبت في الخلاف بكل حياد وتجرد وموضوعية ولكن بعيدا عن إجراءات التقاضي المعقدة والبطيئة.
خاتمة:
بصفة عامة تظل مكانة الوسائل البديلة لتسوية النزاعات في الوقت الراهن محدودة جدا في منظومة عدالتنا لعدة اعتبارات وهي :
• حداثة الإطار القانوني المنظم للوساطة والمعدل لمسطرة التحكيم؛
• إن اللجوء إلى التحكيم أو الوساطة متوقف على اتفاق إرادة الأطراف؛
• افتقاد قانون المسطرة المدنية لنص قانوني عام يجعل من محاولة الصلح في الميدان المدني إجراءا اختياريا يجوز للقاضي أن يطرق بابه بالنسبة لجميع القضايا والمنازعات إلى جانب بطبيعة الحال مساطر الصلح الإلزامية بموجب القانون؛
• اقتصار المشرع المغربي على اعتماد وتنظيم طريقة الوساطة الاتفاقية دون الوساطة القضائية والخاصة، وهي آلية يتوقف تفعيلها على اتفاق الأطراف؛
• عدم أخذ المشرع المغربي بجميع مقومات إدارة الدعوى المدنية الرامية إلى تفعيل الطرق البديلة لفض النزاعات؛
لذا، بات من الضروري إدخال التعديلات اللازمة على قانون المسطرة المدنية باعتماد كل الوسائل والطرق البديلة للتسوية الودية، وتعميمها ما أمكن على جميع المنازعات والعمل على تسويقها لدى الأفراد من خلال عمليات التحسيس والسهر على حسن تطبيقها عبر التكوين المتخصص للقضاة والموظفين والوسطاء والمحكمين.
وتجب الإشارة إلى أنه يتعذر في الوقت الراهن التوفر على المعلومات و الإحصائيات المضبوطة بعدد النزاعات المعروضة على التحكيم أو الوساطة أو المنتهية بالصلح، لمعرفة حجمها وما تمثله نسبتها من مجموع النزاعات المعروضة على المحاكم، ليتيسر للباحثين تقييم هذه الوسائل البديلة بشكل موضوعي وتبيان أهميتها ومكانتها في المنظومة القضائية بصفة عامة، لذا نقترح من أجل تجاوز هذه الصعوبات أن تبادر الوزارة الوصية إلى إصدار دورية تحث فيها المشتغلين في ميدان التحكيم والوساطة بضرورة تسجيل النزاعات المعروضة عليهم،بسجلات خاصة ممسوكة بكتابات الضبط بالمحاكم الابتدائية والتجارية والإدارية- بحسب طبيعة النزاع- وذلك لغايات إحصائية فقط، كما يتعين إيلاء الاهتمام للمنازعات المنتهية بالصلح عن طريق توفير المعطيات الإحصائية المتعلقة بها على اعتبار أن وزارة العدل تظل المشرف هيكليا على تأطير منظومة العدالة بكل وسائلها وآلياتها .
وعلاوة على ما تحققه الوسائل البديلة للتقاضي المنتهية بالصلح بين الأطراف من ربح في الوقت وسرعة في إنهاء الخلاف والتقليل من التكاليف، واختصار للجهد وتخفيف العبء على قضاة الموضوع فإنه يحقق ما هو أسمى من ذلك وهو استمرار الروابط المدنية والتجارية وتوطيد العلاقات الإنسانية بين الطرفين المتصالحين، الأمر الذي لا يحصل في الكثير من الأحيان عند السير في إجراءات التقاضي إلى نهايتها وانتصار المحكمة لأحد الخصوم أو إدانة أحد الأطراف، إذ غالبا ما تخلف هذه الأحكام أضرارا تمس مصالح أحد الطرفين المتنازعين كما أنها قد لا تأخذ بعين الاعتبار مصالحهما الكاملة، بل إن بعض الأحكام قد تخلف جروحا لا تندمل في نفسية الطرف المدان أو الخاسر للدعوى.
من هنا أضحت العدالة المبنية على أساس الصلح والاتفاق أكثر إيجابية، لأنها تأخذ في الاعتبار مصالح الطرفين وتنهي النزاع بلا غالب ولا مغلوب، وبذلك فهي تساهم في نهاية المطاف في تعزيز السلم الاجتماعي وتحقيق النماء الاقتصادي./.