كلمة الباحث لتقديم موضوع الأطروحة أثناء المناقشة
بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين،
وبعد،
إنه لمن دواعي سعادتي الغامرة أن أمثل اليوم بين يدي لجنتكم الموقرة، لأحظى بشرف مناقشتكم للأطروحة التي حضرتها بعنوان تعدد الجنسيات والمركز القانوني للجالية المغربية بأوروبا.
اسمحوا لي، السادة أساتذتي أعضاء اللجنة العلمية الموقرة أن أستهل هذا التقرير بكلمة أوجهها لأستاذي الجليل الدكتور إدريس الفاخوري الذي تفضل بقبول الإشراف على هذا البحث ورعايته بكل صذق وسعة صدر، ولم يدخر جهدا في سبيل توجيهي بإرشاداته ومساعداته المفيدة والقيمة، وشجعني بشكل متواصل، فاللهَ أسألُ أن يجزيه عني الجزاء الأوفى على كل ما أسدى من نصح، وأنفق من وقت، وقوَّم من عِوَج.
والشكر كذلك موصول إلى أعضاء اللجنة العلمية الموقرة أساتذتي: الدكتور عبد الخالق أحمدون، الذي رحب بي وببحثي في وحدة البحث والتكوين "قانون الأسرة المغربي والمقارن"، والدكتور الحسين بلحساني و الدكتورمحمد شهيب، الذين تجشما عناء السفر للحضور إلى مدينة طنجة، والدكتور عبد اللطيق البغيل، الذي تفضل بدون تردد بقبول مناقشة هذا العمل المتواضع. أشكرهم جميعا لتشريفهم لي بقراءة هذه الأطروحة وقبول مناقشتها وتقويمها.
كما أتوجه بخالص الشكر والامتنان إلى جميع من مد لي يد العون من أجل إنجاز هذا البحث وفي مقدمتهم أفراد عائلتي الكبيرة والصغيرة، ولا يفوتني أن أشكر كل من تحمل مشقة السفر وجميع الحاضرين الذين شرفوني بحضورهم ومتابعتهم.
حول الأطروحة
إن موضوع عنوان الأطروحة " تعدد الجنسيات والمركز القانوني للجالية المغربية المقيمة بأوروبا" يعالج مسألة لها أهميتها البالغة، هي مسألة تعدد الجنسيات لأفراد الجالية المغربية المقيمة بأوروبا.
فكما هو معلوم حسب الإحصائيات الرسمية يقدر عدد أفراد الجالية المغربية حوالي 3,4 مليون، ما يعني 10 بالمائة من السكان المغاربة، ونلاحظ أن نسبة مهمة من الجالية المغربية مستقرة بأوربا، ما يشكل حوالي 92 بالمائة من العدد الإجمالي، وهو رقم مهم يوضح بجلاء الوجهة المفضلة لأفراد الجالية المغربية؛ حيث يعتبر المهاجرون المغاربة من أكثر الجاليات الأجنبية إقبالا على الجنسيات الأوروبية،
فتعدد جنسيات أفراد الجالية المغربية بأوروبا تثير مسألة الانتماء القانوني المزدوج لهؤلاء،إنها محاولة لتسليط الضوء على واقع يطرح جملة من الصعوبات على مستوى التعامل السياسي والقانوني في العلاقات الثنائية والدولية، خصوصا مع رغبة بعض الدول الأوروبية في وضع حد لازدواجية جنسية أفراد الجالية المغربية
فمع وجود فراغ قانوني في الاتفاقيات الثنائية المبرمة بين المغرب وبعض البلدان الأوروبية، تعالج مسألة ازدواجية جنسية أفراد الجالية المغربية، واستبعاد أغلب النظم القانونية الأوروبية للجنسيات الأجنبية الأخرى التي يحملها الشخص متعدد الجنسيات، وكذا تبني قضاة تلك الدول للاجتهادات الفقهية التي تسير في طروحات استيعاب أفراد الجالية المغربية في مجتمعات إقامتهم، فإن هناك مخاطر حقيقية تحوم حول إمكانية سريان ونفاذ القانون المغربي، خصوصا قانون الأسرة، على أفراد الجالية المغربية الحاملين في نفس الوقت لجنسيات بلدان إقامتهم.
وانطلاقا مما سبق ذكره، سوف أعمل على تحديد الدوافع الرئيسة لاختيار هذا الموضوع، مرورا بطرح الإشكالية التي يثيرها، ثم سأعرض خطة البحث.
إن اختياري لموضوع البحث، تتداخل فيه عوامل ذاتية وأخرى موضوعية، أما بالنسبة للاعتبارات الذاتية فيمكن إجمالها في نقطتين، هي أن هذا الموضوع رغم أهميته لم يحظ بنصيبه من الدراسة لذلك تأتي هذه المبادرة كمحاولة لإزالة الغموض عنه واستجلاء أبعاده القانونية والقضائية، أما النقطة الثانية فتتمثل في الرغبة في البحث في موضوع له ارتباط وثيق بأهم فروع القانون الخاص، ألا وهو القانون الدولي الخاص.
أما الاعتبارات الموضوعية، فإنها نابعة من الأهمية التي يكتسبها هذا الموضوع، والتي تتمثل بالأساس في معرفة النظام القانوني التي تخضع له تلك الفئة من المواطنين.
وتأسيسا على ما سبق، فإن الإشكال الرئيسي الذي يطرحه الموضوع، هو تحديد المركز القانوني لمتعددي الجنسية بالنسبة لدولة معينة، يحمل الشخص جنسيتها من حيث ارتباطه واندماجه في رعاياها، مقارنة بالدولة الأخرى التي يحمل أيضا جنسيتها. فإذا تعلق الأمر بمغربي مزدوج أو متعدد الجنسية، تطرح مسألة الاختيار والترجيح بين الجنسيات التي يحملها، ومن ثم معرفة القانون الشخصي الواجب التطبيق عليه، خاصة في مسائل أحواله الشخصية.
إن معالجة هذه الإشكالية، وكذا الإجابة عن مختلف التساؤلات المرتبطة بها، اقتضت تقسيم البحث إلى بابين، لكل باب فصلين، ثم خاتمة.
ولقد حاولت في الباب الأول رصد واقع وحقيقة تعدد جنسيات أفراد الجالية المغربية المقيمة بأوروبا، ولقد استلزم تحقيق هذا المطلب أن يتوزع الأول إلى فصلين اثنين .
سعيت في الفصل الأول إلى تحديد ماهية تعدد الجنسيات حتى يتضح الإطار العام لظاهرة تعدد الجنسيات كحقيقة معاشة في مجتمعاتنا، وتمس شريحة هامة من أفراد الجالية المغربية المقيمة بأوروبا، وذلك عبر تحديد مفهوم عام لتعدد الجنسيات، عبر استعراض جملة من التعاريف، والتي جاءت مضمنة في مجملها لشروط قيام حالة تعدد في الجنسيات، وكذا الإشارة إلى أسباب نشأتها والتي أرجعتها لاختلاف تشريعات الدول الناظمة للجنسية، كما تم استعراض الآثار المترتبة عن تعدد الجنسيات ، التي يمكن أن تكون لها نتائج حسنة بالنسبة للفرد في الإطار الذي يخول له صفة الوطني حقوقا، ويمكن أن تكون لها نتائج سيئة في الإطار الذي يترتب فيه عن حمل الجنسيات التزامات، مع التطرق للمحاولات الفقهية والقانونية للحد والتخفيف من آثاره السلبية.
ولقد شكل الفصل الثاني، خصوصا وأن موضوع البحث مرتبط بأفراد الجالية المغربية المقيمة بأوروبا، والمكتسبة لجنسيات بلدان إقامتها محطة للوقوف على المواقف القانونية من حالة التعدد في الجنسيات في كل من المغرب وبعض الدول الأوروبية عبر مواد وفصول قوانين الجنسية لتلك الدول، مركزين على الدول التي احتضنت جالية مغربية مهمة، والدول المعنية هنا بالدراسة هي على التوالي فرنسا وبلجيكا وهولندا.
ليتم بعد ذلك رصد حالات تعدد جنسيات أفراد الجالية المغربية ، التي يمكن أن تنشأ تحت ظل قانون الجنسية المغربية، في الوقت التي تقوم دول الاستقبال بأوروبا بإضفاء جنسيتها عليهم سواء في الوقت نفسه (التعدد المعاصر) أو أن يحصل على جنسيتها وهو حامل أصلا للجنسية المغربية ( التعدد اللاحق)، خاصة مع وجود معطيات إحصائية تشير إلى تزايد أعداد أفراد الجالية المغربية الحاملة لجنسيات بلدان إقامتها.
أما الباب الثاني المعنون بتنازع الجنسيات وآفاق تطبيق الأسرة بأوروبا، فضم فصلين اثنين:
خصص الأول منهما لتحديد المعاملة القانونية لمتعدد الجنسيات بالنسبة لمسالة معينة ، على أساس المفاضلة بين الجنسيات التي يتمتع بها، وترجيح إحداها على الأخرى.
والحلول الفقهية المقترحة بهذا الصدد، فتوزعت بين نظرتين، النظرة التقليدية القائمة على التمييز بين حالتين، حالة ما إذا كان الشخص يحمل جنسيات متعددة وتكون من بينها جنسية القاضي، حيث كان الترجيح دائما باعتماد جنسية هذا الأخير، وحالة ما إذا كنا بصدد شخص متعدد الجنسيات ولا تكون من ضمنها جنسية القاضي، حيث تم اعتماد الجنسية الفعلية . والنظرة الحديثة التي تنظر إلى مسألة تعدد الجنسيات بوصفها مسألة أولية مرتبطة بمسألة أخرى أصلية( مسألة تنازع القوانين، أو تحديد مدى اختصاص المحكمة للنظر في المنازعة، ومدى الاعتراف بالحكم الأجنبي)، من هنا يجب البحث عن حل يتلاءم مع طبيعة المسألة الأصلية المطروحة والغاية منها، وهو ما أطلق عليه أنصاره بالحل الوظيفي.
أما الفصل الثاني، فتطرقت فيه لحدود تطبيق مدونة الأسرة على متعددي الجنسية من المغاربة المقيمين بأوروبا، بحيث أن تعدد جنسيات أفراد الجالية المغربية يؤدي إلى تداخل القوانين المرشحة لحكم العلاقة القانونية التي يكون طرفا فيها، ومن ثم تطرح مسألة تعيين القانون الشخصي الواجبة التطبيق.
وعليه، عمدت في الشق الأول من هذا الفصل على تحديد القانون الشخصي الواجب إعماله في مسائل الأحوال الشخصية ، ومعرفة ما إذا حافظ ضابط الجنسية على مكانته كقاعدة إسناد في مسائل الأحوال الشخصية، بينما توقفت في الشق الثاني على رصد الحلول المتبعة سواء من طرف النظام القانوني المغربي والأوروبي فيما يخص تطبيق القانون الشخصي الواجب إعماله في مسائل الحالة والأهلية على متعددي الجنسية من المغاربة المقيمين بأوروبا، إن على مستوى التشريع أو على مستوى العمل القضائي.
وفي الخاتمة ، خلصت إلى عدة نقط، من أهمها:
- أن الخيارات المتاحة أمام الجانب المغربي لم تعد تقتصر فقط على مراجعة قوانينه المحلية، بهدف إعطائها فرصة أكثر للتطبيق. بل يتعين السعي نحو إبرام المزيد من الاتفاقيات الثنائية والجماعية لتسوية المشاكل القانونية المطروحة في شأن تنازع الجنسيات.
- يتعين إعادة النظر في القوانين المنظمة للنزاعات المرتبطة بتنازع الجنسيات، وذلك يوضع آليات قانونية وقضائية مشتركة للبت في النزاعات متعددة الأطراف ومن جنسيات مختلفة.كما يتعين تطوير الاجتهاد القضائي من المفهوم الضيق المرتبطة بالوطنية، إلى مفهوم أوسع وأشمل، يؤمن بالعولمة؛ من خلال تكريس فكرة "الحل الوظيفي" الذي فتح آفاق جديدة بشأن "تنازع الجنسيات" على مختلف صوره، وهي آفاق تستحق المزيد من الدراسة.
- ظاهرة التعدد أضحت واقعا لابد من التعايش معه، فحل مسألة التعدد في الجنسيات ليس مرتبط بالجانب القانوني فقط، بل هو مرتبط أيضا بوجود إرادة سياسة واضحة ورؤية شمولية لدى كافة الأطراف.
- إن الرؤية و المعالجة الواقعية لظاهرة تعدد جنسيات أفراد الجالية المغربية المقيمة بأوروبا، لا ينبغي أن تحيد عن فكرة أن هؤلاء بقدر ما هم مواطنون مغاربة، فهم أيضا مواطنوا بلدان إقامتهم؛ ومن تم فإن الأفكار التي يمكن طرحها في النقاش، لابد أن تأخذ بعين الاعتبار هذا المعطى، حتى لا نتهم بعدم الواقعية والتعصب للجنسية المغربية.
والله من وراء القصد، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته