تحتل الظاهرة الانتخابية مكانةأساسية داخل الأنظمة الديمقراطية، لأنها من جهة تشكل آلية لفرز النخب الممثلة للناخبين المنخرطين في الحياة السياسية، وتشكيل الحكومات التي ستسهر على تسيير السياسة العامة للأمة، ومن جهة ثانية تمثل للمنتخبين فرصة للمشاركة في بلورة السياسات العامة للبلاد من أجل تنمية الدوائر الانتخابية التي أفرزتهم.
فالأكيد أن مفهوم الانتخابات هو لصيق بالديمقراطية وبدولة الحق والقانون، لأنها تضفي الشرعية على القائمين على الحكم بالبلاد، من هذه المكانة التي تحتلها الانتخابات،تبرز أهمية إضفاء الشرعية على هذه العملية في حد ذاتها، من خلال إقرار مجموعة من الضمانات الكفيلة بإضفاء النزاهة والمصداقية عليها.
وفي هذا الإطار، أقر المشرع المغربي ترسانة قانونية لتأطير العملية الانتخابية، منها مدونة الانتخابات رقم 9.97 بكل التعديلات التي عرفتها واعتمادها كمرجع للناخب والمنتخب، لتقوية المسار الإصلاحي ولترسيخ دولة الحق والقانون.هذه الترسانة تم تحيين جزء كبير منها على ضوء الدستور الجديد والتي على ضوئها أجري اقتراع 25 نونبر 2011.
وقد شكلت محطة الانتخابات التشريعية ل 25 نونبر2011 مرحلة استثنائية بامتياز لكونها جاءت مباشرة بعد دستور2011، فأصبح مجلس النواب يضم 395 عضوا بينهم 305 منتخبين عن طريق الاقتراع المباشر في إطار الدوائر المحلية و 90 عضو)60 نساء و30 شباب(في إطار اللوائح الوطنية، وترأس القضاة لجن الفصل وسُمح للمنظمات غير الحكومية بمراقبة الانتخابات وهو ما يعرف بالمراقبة الموازية، كل ذلك شكل ضمانات، أعطت الانطباع لدى العديد من المتتبعين بنزاهة العملية الانتخابية.
وفي إطار تكريس النزاهة والشفافية للعملية الانتخابية، أقر المشرع رقابة القاضي الانتخابي عبر بته في الطعون الانتخابية، وفي هذا الإطار يندرج قرار القاضي الدستوري رقم /12905 موضوع التعليق و المتعلقة بالدائرة الانتخابية لإقليم مولاي يعقوب،بحيث كشف القاضي الدستوري الستار عن مجموعة من المخالفات التي شابت عملية الاقتراع، وقبل التعليق عليه وطرح الإشكاليات التي يثيرها لا بد أولا من تقديم مجموعة من المعطيات حول الدائرة الانتخابية لمولاي يعقوب وكذا حول الفئة التي ترشحت بها، وبعدها سنعرض ملخص للوقائع والحيثيات التي جاء بها هذا القرار.
أولا: معطيات حول الدائرة الانتخابية لمولاي يعقوب
إقليم مولاي يعقوب هو جزء من جهة فاس- بولمان ويتكون من جماعة حضرية واحدة و عشر جماعات قروية، يمتد تراب عمالة مولاي يعقوب على مساحة تقدر ب 1519 كلم.
تضم هذه المنطقة 150422 نسمة وتفرز الدائرة الانتخابية المحلية لهذا الإقليم الفوز لمقعدين نيابيين. وبالنظر إلى توزيع المرشحين السياسيين نجد 19 حزب سياسي ممثلين ب 38 مرشح آي بنسبة تغطية% 5,26 مقابل 80 مرشح في انتخابات 27 شتنبر2002 لكن تباروا على 4 مقاعد(مقعدين لدائرة زواغة واللذان ثم أضافتهما إلى الدائرة الشمالية لعمالة فاس).
فيما يخص توزيع المرشحين حسب النوع، فالمتبارين كانوا كلهم من فئة الذكور، أما فيما يتعلق بتوزيع المرشحين حسب السن، فالفئة العمرية المتراوحة بين 35 و45 سنة مثلت % 18,42 والفئة العمرية أكثر أو يساوي 55 سنة مثلت % 23,68، أما الفئة العمرية بين 45 و55 سنة فمثلت %36,48، و الفئة العمرية الأقل من 35 سنة مثلت %21,05. وبالمقارنة مع انتخابات 2002 نجد أن الفئة العمرية بين 45 و 60 سنة تمثل% 70 والفئة العمرية ما فوق 60 سنة ممثلة بمرشح وحيد.
فيما يخص توزيع المرشحين حسب المستوى الدراسي نجد %34,21 مستوى عالي %21,05 مستوى ثانوي و %31,58 مستوى ابتدائي و % 13,96 بدون. أما بالنسبة للطبيعة المهنية للمرشحين فهي كالتالي:52,5 تجار وموظفين 16 مهن حرة و 18,8 عبارة عن فلاحون كبار.
ويمكن تصنيف المرشحين في ثلاث فئات: مناضلين نشيطين ينتمون للأحزاب التقليدية و فئة المرشحين الذي حصلوا على التزكية الحزبية من طرف أحزاب تكونت حديثا و فئة ثالثة لمرشحين لا تربطهم علاقة وطيدة بالأحزاب التي تقدموا بألوانها ورموزها.
ثانيا: وقائع وحيثيات القرار
تتمثل وقائع القضية كما وردت ي القرار موضوع التعليق على النحو الآتي:
- الوقائع
وبعد ما تحقق القاضي الدستوري من أن السيد محمد بلقاضي لم يدل بأي مستند رغم منحه أجلا لذلك،وبعد الاطلاع على المذكرات الجوابية المسجلة بالأمانة العامة في 31 يناير و 24 فبراير2012، وعلى المستندات المدلى بها و باقي الوثائق المدرجة في الملفات.
وبناء على الفصول 177 و 132 من الدستور وعلى القانون التنظيمي رقـم 93-29 المتعلق بالمجلس الدستوري، و القانون التنظيمي رقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب
- الحيثيات
في شأن المآخذ المتعلقة بالحملة الانتخابية والمناورات التدليسية:
حيث إن هذه المآخذ تقوم على دعوى أن الاقتراع لم يكن حرا وشابته مناورات تدليسية قام بها السيد كمال لعفو للضغط على الناخبين واستمالتهم، تمثلت في تسليمه لخمسة من أعضاء المجلس الجماعي لعين الشقف مبالغ مالية من أجل توزيعها على الناخبين قصد التصويت لفائدته، وأنه لضمان حصوله داخل كل مكتب تصويت تابع لدائرة نفوذ كل واحد من هؤلاء الأعضاء على عدد الأصوات المتفق عليه، توصل من كل عضو بشيك موقع من طرفه بمبلغ مائتي ألف درهم دون تحديد اسم المستفيد منه، ومقابل ذلك سلم السيد أحمد لعفو والد المطعون في انتخابه لأربعة من هؤلاء الأعضاء ولأربعة أعضاء آخرين في نفس المجلس الجماعي إقرارا واعترافا بدين، مؤرخا في 13 نوفمبر 2011، يشهد فيه على نفسه أنه مدين بمبلغ مائتي ألف درهم لكل واحد من هؤلاء الأعضاء، وبأنه ملتزم بأداء مبلغ هذا الدين دفعة واحدة قبل متم شهر نوفمبر 2011.
وحيث إن المطعون في انتخابه نفى في مذكرته الجوابية ما نسب إليه، مصرحا بأنه تقدم مع والده بشكاية بالزور في وثيقة الإقرار والاعتراف بالدين المدلى بها من طرف الطاعن السيد جواد دواحي أمام وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بفاس،
وحيث إن النيابة العامة أمرت الضابطة القضائية بإجراء بحث بشأن هذه الشكاية وخبرة خطية على الوثيقة المطعون فيها بالزور؛
وحيث إنه يتبين من تقرير الخبرة الخطية...:
- أن نتيجة الفحص المقارن للتوقيع المطعون فيه بالزور ...
- أن تشابها بين الكتابة الخطية المضمنة في وثيقة الإقرار والاعتراف بالدين مع نماذج الكتابة المحررة بيد السيد كمال لعفو يشهد بأن هذه الوثيقة تكون محررة من طرفه؛
وحيث إنه، يبين من الاطلاع على صور الشيكات المدلى بها من طرف الطاعن ...، ومن وثيقة الإقرار والاعتراف بالدين المطعون فيها بالزور:
ـ أن أربعة من الدائنين الواردة أسماؤهم في وثيقة الإقرار والاعتراف بالدين هم نفسهم ساحبو الشيكات المذكورة؛
ـ أن مبلغ الدين المحدد لفائدة كل واحد من هؤلاء الدائنين هو نفسه المضمن في الشيك الصادر عن كل واحد منهم؛
ـ أن تاريخي الاعتراف بالدين (13 نوفمبر2011)، والالتزام بالوفاء به (قبل متم نوفمبر 2011)، جاءا متزامنين مع بداية الحملة الانتخابية وإعلان نتيجة الاقتراع؛
وحيث إنه، بناء على ما سلف، فإن ما أقرته الخبرة من وجود تماثل بين الكتابة الخطية المضمنة في وثيقة الإقرار والاعتراف بالدين مع نماذج الكتابة الخطية المحررة بيد المطعون في انتخابه السيد كمال لعفو يؤشر على قيام هذا الأخير بمناورة تدليسية أثناء الحملة الانتخابية ترمي إلى استمالة الناخبين للتصويت لفائدته، مما يبعث على الشك في توفر حرية الاختيار للناخبين، وعلى عدم الاطمئنان على صدق نتيجة الاقتراع الذي أعلن على إثره انتخاب السيد كمال لعفو، مما يتعين معه التصريح بإلغاء انتخابه عضوا بمجلس النواب؛
وحيث إنه، تبعا لذلك، لا حاجة للتعرض لباقي المآخذ المثارة ضد المطعون في انتخابه السيد كمال لعفو؛
ثانيا- فيما يتعلق بالطعن الموجه ضد السيد محمد لعيدي:
في شأن المأخذ المتعلق بعدم أهلية السيد محمد لعيدي:
حيث إن هذا المأخذ يقوم على دعوى أن المطعون في انتخابه المذكور لم يكن مؤهلا للترشح لعضوية مجلس النواب بعلة أنه، من جهة، سبق رفض ترشيحه لعضوية مجلس المستشارين برسم الانتخابات الجزئية لسنة 2009، ومن جهة أخرى، صدر ضده بصفته رئيسا لمجلس جماعة مولاي يعقوب قرار عن وزير الداخلية تحت رقم 3337-10 بتاريخ 14 ديسمبر2010 يقضي بتوقيفه لمدة شهر لارتكابه عدة مخالفات أثناء مزاولة مهامه؛
لكن حيث، من جهة، إن الطاعن لم يدل بما يفيد أن السيد محمد لعيدي رفض ترشيحه لعضوية مجلس المستشارين برسم الانتخابات الجزئية لسنة 2009، ولم يبين سبب هذا الرفض المدعى به، مما لا يتأتى معه للمجلس الدستوري البحث في مدى علاقة وتأثير هذا السبب على صحة الترشح لعضوية مجلس النواب، ومن جهة أخرى، أن توقيف المطعون في انتخابه المذكور، بصفته رئيسا لمجلس جماعة مولاي يعقوب، لمدة شهر، لا تسري عليه مقتضيات البند الثاني من المادة 6 من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب التي تحصر عدم الأهلية للترشح لعضوية مجلس النواب في الأشخاص الذين صدر في حقهم قرار نهائي بالعزل من مسؤولية انتدابية، وليس مجرد قرار بالتوقيف؛
وحيث إنه، تأسيسا على ما سبق بيانه، يكون المأخذ المتعلق بانعدام الأهلية غير جدير بالاعتبار من وجه، وغير قائم على أساس صحيح من وجه آخر؛
في شأن المآخذ المتعلقة بالحملة الانتخابية والمناورات التدليسية:
حيث إن هذه المآخذ تتلخص في دعوى أن العملية الانتخابية شابتها مناورات تدليسية مست بنزاهة وحرية الاقتراع، ... ويتجلى ذلك في استغلال صفته رئيسا للمجلس الجماعي للتغاضي عن خروقات ومخالفات التعمير المرتكبة من طرف الموالين له والبالغ عددها 53 مخالفة، وفي توزيع المال على الناخبين بواسطة أحد المستشارين الجماعيين، وفي قيام عون سلطة، يوم الاقتراع، بالدعاية الانتخابية له باستعمال مكبر صوت خاص بمسجد، وحث المواطنين على الذهاب للتصويت لفائدته، وإشعارهم بوضع سيارتين خاصتين بالمطعون في انتخابه رهن إشارتهم لنقلهم لمكاتب التصويت؛
لكن، حيث إن ما جاء في الادعاء من توزيع الأموال لشراء ذمم الناخبين لم يدعم إلا بإفادات لا تكفي وحدها حجة لإثبات صحته، أما باقي الادعاءات فكلها وقائع مادية لم يدل الطاعن بما يثبتها؛
وحيث إنه، تأسيسا على ما سبق عرضه، تكون المآخذ المتعلقة بالحملة الانتخابية والمناورات التدليسية غير مرتكزة على أساس من وجه، وغير جديرة بالاعتبار من وجه آخر؛
في شأن المأخذ المتعلق بتحديد مقار بعض مكاتب التصويت وتعيين بعض أعضائها:
حيث إن هذا المأخذ يقوم على دعوى أنه، من جهة، ... أن عامل إقليم مولاي يعقوب حدد، ... مقار أزيد من عشرة مكاتب للتصويت في بنايات وأماكن خصوصية .. لمواطنين معروفين بولائهم لمرشحين معينين، ومن جهة أخرى، تم تعيين بعض أقارب مالكي هذه المقرات أعضاء بهذه المكاتب،...
لكن، حيث، من جهة، إن مقتضيات الفقرتين الأولى والثانية من المادة 73 ...من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب تنص على أنه "تحدد بمقرر للعامل أماكن إقامة مكاتب التصويت ... وتقام مكاتب التصويت في أماكن قريبة من الناخبين بالبنايات العمومية. ويمكن كذلك، عند الضرورة، إقامة المكاتب المذكورة في أماكن أو بنايات أخرى"؛
وحيث إنه، يبين من الاطلاع على قرارات تعيين مقار مكاتب التصويت بالدائرة الانتخابية "مولاي يعقوب" (إقليم مولاي يعقوب) التي استحضرها المجلس الدستوري، ومن المذكرة الجوابية المدلى بها من طرف عامل الإقليم، ...، مما يتعين معه القول أن إقامة مكاتب التصويت في البنايات المذكورة غير مخالف لمقتضيات المادة 73 من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب، إضافة إلى أن الطاعن لم يدل بما يفيد أن تعيين مقار هذه المكاتب كان نتيجة مناورة تدليسية، وكان له تأثير في توجيه الاقتراع والمس بسلامته؛
...
وحيث إنه، تأسيسا على ما سلف بيانه، تكون المآخذ المتعلقة بتحديد مقار بعض مكاتب التصويت وتعيين بعض أعضائها، غير مرتكزة على أساس صحيح من القانون من وجه، وغير جديرة بالاعتبار من وجه آخر؛
في شأن المآخذ المتعلقة بتحرير محاضر بعض مكاتب التصويت:
حيث إن هذه المآخذ تتلخص في دعوى عدم تسجيل البيانات اللازمة في محاضر بعض مكاتب التصويت، وفي وجود تناقض في البيانات المسجلة في البعض الآخر، ..
لكن،
حيث إنه، يبين من الاطلاع على نظائر محاضر مكاتب التصويت والمكاتب المركزية المذكورة المودعة لدى المحكمة الابتدائية بفاس وعمالة إقليم مولاي يعقوب، ومن نسخها المدلى بها من طرف الطاعن، ومن التحقيق الذي قام به المجلس الدستوري بالمقارنة بينها:
أن...
وحيث إنه، تأسيسا على ما سبق بيانه، تكون البيانات المسجلة في نظائر محاضر مكاتب التصويت المذكورة صحيحة، وتكون المآخذ المتعلقة بتحرير هذه المحاضر غير مرتكزة على أساس صحيح؛
في شأن المأخذ المتعلق بمحضر لجنة الإحصاء وإعلان نتيجة الاقتراع:
حيث إن هذا المأخذ يقوم على دعوى، ... أن أحد محضري لجنة الإحصاء لم يتضمن بيان أسماء رئيس وأعضاء اللجنة وصفتهم وتوقيعهم، وأن المحضر الثاني لم تبين فيه صفة رئيس اللجنة، وأن الإسم المضمن به ليس هو إسم رئيس المحكمة الابتدائية بفاس، ومن جهة أخرى، ... أن الطاعن الرابع بلغ إلى علمه ...فوزه في الانتخابات، وهي النتيجة التي بلغت للصحافة، إلا أنه فوجئ صبيحة اليوم الموالي بتغيير هذه النتيجة لصالح المطعون في انتخابه الثاني، مما يدعو إلى الريبة والشك في سلامة ونزاهة عملية الإحصاء وإعلان النتائج؛
لكن حيث، من جهة، إنه يبين من الاطلاع على نظير محضر لجنة الإحصاء المودع لدى المجلس الدستوري، أنه يشتمل على ورقتين أولى وإضافية، وأن أسماء أعضاء هذه اللجنة وبيان صفتهم مسجلة على صدر الورقة الأولى ويتضمن ظهرها توقيعاتهم، وأنه ليس في القانون ما يلزم الإشارة إلى أن رئيس اللجنة هو رئيس المحكمة الابتدائية، كما أنه يبين من مراسلة رئيس المحكمة الابتدائية بفاس ... أن لجنة الإحصاء للدائرة الانتخابية المحلية (مولاي يعقوب) ترأسها القاضي السيد نور الدين حمدون نائب رئيس المحكمة، ...، إنه فضلا عن أن لجنة الإحصاء هي الجهة الرسمية المخول لها قانونا إعلان نتائج الاقتراع ...، فإنه يبين من الاطلاع على نظير محضر لجـنة الإحـصاء أن نتيجة الاقتراع تم إعلانها في26 نوفمبر 2011، وأن الطاعن لم يدل بما يثبت خلاف ذلك؛
وحيث إنه، تأسيسا على ما سبق بيانه، يكون المأخذ المتعلق بمحضر لجنة الإحصاء وإعلان نتيجة الاقتراع غير مرتكز على أساس صحيح"
ثالثا: التعليق على القرار
بداية، تجدر الإشارة إلى أن الطعون الانتخابية تشكل مجالا قارا في اختصاص القضاء الدستوري المغربي، إذ مارسه بدون شريك منذ سنة 1963. فالمادة 81 من الوثيقة الدستورية لسنة 1996، تسند هذا الاختصاص للمجلس الدستوري، وهو ما كرسه الفصل 132 من الوثيقة الدستورية لسنة2011، والذي أسند نفس الاختصاص للمحكمة الدستورية التي ستعوض المجلس الدستوري.
وبالرجوع إلى مختلف النصوص القانونية المتعلقة بالمادة الانتخابية، نجدها تشكل إطارا قانونيا يهم في شق منه شروط تقديم الطعن الانتخابي، وآخر يتعلق بنطاق تقديم الدعوى الانتخابية وثالث يخص عمل القاضي الدستوري في هذا المجال.
فبالنسبة للدعوى الانتخابية أمام المجلس، يمكن تحريكها من طرف الناخب، أو المرشح المعني بالأمر، أو العامل بإحالته للنزاع أو من خلال الطعن في القرارات التي تتخذها مكاتب التصويت والمكاتب المركزية ولجان الإحصاء التابعة للعمالات والأقاليم.
وإذا كان المشرع قد جعل المنازعات المتعلقة برفض التصريح بالترشيح ترفع أمام المحكمة الابتدائية، فإن الطعن في حكم هذه المحكمة يتم أمام المجلس الدستوري بمناسبة الطعن في نتيجة الانتخاب حسب المادة 87 من القانون التنظيمي رقم 27-11 المتعلق بمجلس النواب.
وبخصوص القرار موضوع التعليق فإنه يثير العديد من الإشكاليات والتي تهم الطعون الانتخابية ومن ضمنها: الأسباب الموجبة لبطلان العملية الانتخابية.
وحسب القانونين التنظيميين لمجلسي البرلمان، فإنه لا يحكم ببطلان الانتخابات جزئيا أو مطلقا إلا في الحالات التالية :
1- إذا لم يجر الانتخاب طبقا للإجراءات المقررة في القانون
2- إذا لم يكن الاقتراع حرا أو إذا شابته مناورات تدليسية
3- إذا كان المنتخب أو المنتخبون من الأشخاص الذين لا يجوز لهم الترشح للانتخابات بمقتضى القانون أو بموجب حكم قضائي.
من ذلك، تتضح الحالات التي يقر فيها القاضي الانتخابي ببطلان العملية الانتخابية وهي حالات تتمحور حول خرق المقتضيات القانونية ووجود المناورات التدليسية التي يقر بناءا عليها القاضي الانتخابي بطلان العملية الانتخابية وانعدام أهلية الترشيح ومدى تواجد المطعون في انتخابه في حالة من حالات التنافي، وعلى ضوء هذه المقتضيات سنحاول قراءة القرار الخاص بإلغاء نتيجة اقتراع ال 25 نونبر 2011 في الدائرة الانتخابية لمولاي يعقوب :
أ: المناورات التدليسية
يمكن تعريف المناورة التدليسية بأنها تلك التي تجد تجسيدها في كل فعل قائم على الخداع و الحيل من شانه أن يخل بالتوازن والفرص المتاحة لجميع المرشحين على قدم المساواة عن طريق التأثير في إرادة الناخبين والانحراف بنتيجة الاقتراع عن مسارها الطبيعي.
و في هذا السياق، قضى القاضي الدستوري في قراره موضوع التعليق بإلغاء انتخاب السيد كمال العفو عضوا بمجلس النواب على إثر اقتراع 25 نونبر 2011 مصرحا بأن هذا الأخير قام بمناورة تدليسية أثناء الحملة الانتخابية ترمي إلى استمالة الناخبين للتصويت لفائدته، مما يبعث على الشك في توفر حرية الاختيار للناخبين، وعلى عدم الاطمئنان على صدق نتيجة الاقتراع.
وقد اعتمد القاضي في قراره على ما أقرته الخبرة الخطية المنجزة من طرف مختبر الأبحاث والتحليلات التقنية والعلمية للدرك الملكي بتمارة من وجود تماثل بين الكتابة الخطية المضمنة في وثيقة الإقرار والاعتراف بالدين مع نماذج الكتابة الخطية المحررة بيد المطعون في انتخابه السيد كمال لعفو.
كما تبين له من الاطلاع على صور الشيكات المدلى بها من طرف الطاعن على أساس أن أصولها سلمت للمطعون في انتخابه السيد كمال لعفو لضمان حصوله على عدد الأصوات المتفق عليها مع ساحبي هذه الشيكات، ومن وثيقة الإقرار والاعتراف بالدين المطعون فيها بالزور:
ـ أن أربعة من الدائنين الواردة أسماؤهم في وثيقة الإقرار والاعتراف بالدين هم نفسهم ساحبو الشيكات المذكورة.
ـ أن مبلغ الدين المحدد لفائدة كل واحد من هؤلاء الدائنين هو نفسه المضمن في الشيك الصادر عن كل واحد منهم.
ـ أن تاريخ الاعتراف بالدين (13 نوفمبر2011)، والالتزام بالوفاء به (قبل متم نوفمبر 2011)، جاءا متزامنين مع بداية الحملة الانتخابية وإعلان نتيجة الاقتراع.
إذن فقراءة القاضي الدستوري للوقائع مقرونة بنتيجة الخبرة الخطية قادته لاستنتاج المناورة وهو ما يعتبر نقطة قوة في القرار لان القاضي الدستوري واعتمادا على الوثائق المدلى بها من طرف الادعاء امر بإجراء خبرة وهي إحدى وسائل الإثبات التي قل ما يلجأ لها في المنازعات الانتخابية أي لجأ المجلس الدستوري إلى إجراء تحقيق دقيق عوض الاكتفاء بالحجج و البراهين المقدمة من طرف الطاعنين طبقا للمادة 34 من القانون 29.93.
أما بخصوص الادعاء الموجه ضد محمد لعيدي القاضي بلجوئه إلى المناورات التدليسية فقد اعتبره القاضي الدستوري مجرد ادعاءات لم يدلي الطاعنون بأي إثباتات تؤكدها، وهنا نطرح السؤال بخصوص وسائل الإثبات لماذا يلقى بعبئها على الطاعن؟ وما هي المعايير المعتمدة للتمييز بين الادعاءات الجادة والتي تقود القاضي الدستوري إلى الأمر بإجراء تحقيق بشأنها وتلك التي تبقى مجرد وقائع مادية لا تقوم وحدها كحجة؟ وهل الإفادات التي قدمها الطاعنون بخصوص محمد لعيدي لا تشكل بداية حجة لإثبات واقعة توزيع المال؟
وعموما يتضح من خلال الإطلاع على مجموعة من القرارات الصادرة عن المجلس الدستوري و المتعلقة بالمناورة التدليسية، أنه تم تحديد بعض الأعمال التي اعتبرها من قبيل المناورات التدليسية لكن ذلك لم يرق إلى إعطاء مفهوم محدد أو تحديد معايير مضبوطة يستند عليها القاضي الانتخابي في تعامله مع الطعون المتعلقة بالتدليس، فلم نستشف من خلال الاجتهادات القضائية نوع من الجرأة في إلغاء العملية الانتخابية لسبب المناورة التدليسية رغم أنها من موجبات البطلان، ويعزى ذلك إلى الصعوبة التي تواجه القاضي الانتخابي والطاعنين في وسائل الإثبات في هذا المجال.
ب: أهلية الترشيح
نظم المشرع المغربي شروط وموانع الترشيح للانتخابات ضمن العديد من النصوص القانونية، وربط بين انتفاء هذه الشروط ووجود هذه الموانع لإقرار بطلان العملية الانتخابية.
والمجلس الدستوري يعتبر الأهلية ذات الصلة و المساس بالنظام العام، مما جعل القانون التنظيمي لمجلس النواب يعتبر فقدها كحالة من الحالات الموجبة للبطلان الكلي أو الجزئي للانتخاب.
وفي القرار رقم /12905، صرح القاضي الدستوري بأن المآخذ المتعلقة بانعدام الأهلية غير جدير بالاعتبار معللا ذلك ب:
الطاعن لم يدلي بما يفيد أن محمد بلعيدي رفض ترشيحه لعضوية مجلس المستشارين برسم الانتخابات الجزئية لسنة 2009، كما أنه لم يبين سبب هذا الرفض.
توقيف المطعون في انتخابه المذكور، بصفته رئيسا لمجلس جماعة مولاي يعقوب، لمدة شهر، لا تسري عليه مقتضيات البند الثاني من المادة 6 من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب التي تحصر عدم الأهلية للترشح لعضوية مجلس النواب في الأشخاص الذين صدر في حقهم قرار نهائي بالعزل من مسؤولية انتدابية، وليس مجرد قرار بالتوقيف.
وبالرجوع إلى المادة 6 من القانون التنظيمي 27-11 المتعلق بمجلس النواب نقف على بعض صور الضمانات التي ارتآها المشرع حفاظا على نزاهة الانتخابات من خلال تنصيصه على الحالات التي لا يؤهل فيها للترشيح لعضوية مجلس النواب و ذلك في إطارربط المسؤولية بالمحاسبة وما يترتب عنه تحمل كل من يضطلع بمسؤولية عمومية انتخابية أو غيرها تبعات تصرفاته، كما أبرز في فصليه الثاني والحادي عشر مبدأ نزاهة الانتخابات باعتبارها أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي، مما يفترض معه أن يكون جميع المعنيين بها متحلين بقيم النزاهة في سلوكهم وفي تدبيرهم للشؤون العامة التي أسندت إليهم.
ت: الأسباب القانونية
تنص الفقرة الأولى من الفصل 89 من القانون التنظيمي رقم 27-11 المتعلق بمجلس النواب على أنه من الأسباب الموجبة للبطلان الكلي أو الجزئي للانتخاب،عدم إجرائه وفق الإجراءات المقررة، و هذا الخرق قد يمس العمليات التمهيدية للانتخابات كما يمكن أن يطال الأعمال الانتخابية.
ومن ضمن النقاط التي يثيرها القرار موضوع التعليق ما ادعاه الطاعنون لطلب إلغاء انتخاب السيد محمد لعيدي ما يتعلق بخرق المقتضيات القانونية المنظمة لكيفية تحديد مقار بعض مكاتب التصويت وتعيين بعض أعضائها بحيث جاء في الادعاء أن عامل إقليم مولاي يعقوب حدد بدون وجود أي ضرورة، مقار أزيد من عشرة مكاتب للتصويت في بنايات وأماكن خصوصية من منازل ومقاهي ومطاحن لمواطنين معروفين بولائهم لمرشحين معينين، ومن جهة أخرى، تم تعيين بعض أقارب مالكي هذه المقرات أعضاء بهذه المكاتب.
كما ادعى الطاعنون أن محاضر بعض مكاتب التصويت لم تسجل فيها البيانات اللازمة و أن هناك في تناقض في بعضها.وأن هناك مخالفات شابت محضر لجنة الإحصاء وإعلان نتيجة الاقتراع.
وقد اعتمد القاضي الدستوري لدحض كل هذه الدفوعات على :
- الإطلاع على قرارات تعيين مقار مكاتب التصويت التي استحضرها، وعلى المذكرة الجوابية المدلى بها من طرف عامل الإقليم والتي قادته إلى القول إن إقامة مكاتب التصويت غير مخالف لمقتضيات المادة 73 من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب، كما صرح بأن الطاعن لم يدل بما يفيد أن تعيين مقار هده المكاتب كان نتيجة مناورة تدليسية، وكان له تأثير في توجيه الاقتراع والمس بسلامته.
- التحقيق الذي قام به من خلال الاضطلاع على نظائر محاضر مكاتب التصويت والمكاتب المركزية المودعة لدى المحكمة الابتدائية بفاس ومقارنتها بنسختها المدلى بها من طرف الطاعن للتصريح بأن البيانات المسجلة في نظائر محاضر مكاتب التصويت المذكورة صحيحة، وبالتالي اعتبار أن المآخذ المتعلقة بتحرير هده المحاضر غير مرتكزة على أساس صحيح.
- الإطلاع على نظير محضر لجنة الإحصاء المودع لدى المجلس الدستوري.
وفي هذا الإطار نشير إلى أن اجتهادات القاضي الدستوري فيما يخص وسائل الإثبات جرى وبشكل ثابت ومتواتر على إعطاء محاضر مكاتب التصويت حجية مطلقة لتأييد أو دحض الخروقات التي تدعيها عرائض الطاعنين، بحيث يعول عليها لدحض الادعاءات التي تتضمنها هذه العرائض وهو ما نلمسه من خلال القرار موضوع التعليق.
لكن التساؤل الذي يطرح نفسه هنا لماذا يرجع المجلس الدستوري إلى المحاضر المودع لدى المحاكم الابتدائية في الحالة التي لا تتطابق نماذج المحاضر المدلى بها من قبل الطاعن علما بأنها مسلمة من طرف نفس المكتب وتحمل توقيعات نفس الأعضاء؟
وختاما، لا بد من الإشارة إلى أنه تم تنظيم انتخابات جزئية في نفس الدائرة يوم 28 فبراير 2013 أعلن على إثرها انتخاب السيد محمد يوسف عضوا بمجلس النواب بعد حصوله على9600صوت مقابل 8000 صوت للممثل حزب التجمع الوطني للأحرار و 6000 صوت لممثل حزب الحركة الشعبية، فأقدما كل من الحسن شهبي وكمال لعفو على الطعن في نتيجة هذه الانتخابات، فقرر المجلس الدستوري في قراره رقم 920/13 الصادر في 2 يوليو 2013إلغاء انتخاب السيد محمد يوسف معللا قراره بكون المطعون في انتخابه، قام خلال الحملة الانتخابية بتنظيم مهرجان خطابي بدوار الزليلك شارك فيه "وفد أجنبي تناول الكلمة حاثا الناخبين على التصويت لفائدة المطعون في انتخابه المذكور"، معتبرا ذلك ممارسة تعتبر منافية للمبادئ والقواعد المنصوص عليها دستوريا، لكون الدستور" لم يخول للأجانب المقيمين بالمغرب، في مجال الانتخابات، سوى حق المشاركة في الانتخابات المحلية بمقتضى القانون، أو تطبيقا لاتفاقيات دولية، أو ممارسات المعاملة بالمثل" و انه " قد حصر التمتع بالحقوق المتعلقة بالمشاركة في الانتخابات العامة في المواطنات والمواطنين المغاربة دون سواهم،"، وعلى هذا الاساس تم تنظيم انتخابات جزئية أخرى يوم 3 أكتوبر 2013 أفرزت فوز مرشح حزب الاستقلال " حسن الشهبي" القادم من الأحرار على مرشح حزب العدالة و التنمية بفارق كبير من الأصوات وقد حضيت هذه الانتخابات الأخيرة باهتمام العديد من الفاعلين بحيث حاول كل من الحزبين المتنافسين " العدالة والتنمية" و حزب "الاستقلال" تحويل المسألة إلى قضية سياسية، مع العلم أن الفوز بهذا المقعد لن يغيّر شيئاً في طبيعة التركيبة لفريقي الحزبين بمجلس النواب. ولكن وبالنظر إلى السياق السياسي الذي جاءت فيه هذه الانتخابات، ومكانة الأحزاب المتنافسة فقد حولها إلى ظاهرة سياسية.
المراجع:
- FAKIHI ( Mohamed), « Le scrutin de liste à la représentation proportionnelle, catalyseur du processus de recomposition du réseau notabiliaire traditionnel local : le cas de la préfecture Zouagha-Moulay Yacoub », communication au colloque international sur le thème : « les élections législatives de 2002 : enjeux et perspectives », organisé par la Faculté des Sciences Juridiques, Economiques et Sociales de Settat les 13 et 14 mars 2003.
- قصري (محمد)، الطعون الانتخابية بين أحكام التشريع وقرارات القضاء الإداري،2007.
- موقعالمندوبية السامية للتخطيط، الإحصاء العام للسكان و السكنى 2004www.HCP.ma
- موقع المجلس الدستوريwww.conseil-constitutionnel.ma
- www.élection2011.gov.ma
- الموقع الرسمي لحزب التجمع الوطني للأحرارwww.RNI.ma
- ظهير رقم 91-11-1 الصادر بتاريخ 29 يوليو 2011 بتنفيذ نص الدستور، ج ر عدد 5964 مكرر، بتاريخ 30 يوليو 2011 ص 3600
- ظهير رقم 1.94.124 الصادر بتاريخ 25 فبراير 1994 القاضي بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 93-29 ، كما وقع تغييره وتتميمه بالقانون التنظيمي رقم 98-8 والقانون التنظيمي رقم 07-49.
- القانون التنظيمي رقم 27-11 المتعلق بمجلس النواب الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1-11-165 الصادر في 14 أكتوبر 2011، ج ر عدد 5987 الصادرة بتاريخ 17 أكتوبر 2011، ص 5084
- القانون التنظيمي رقم 28 -11 المتعلق بمجلس المستشارين، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.17 ، صادر في 21 نوفمبر 2011، ج ر عدد 5997 مكرر، الصادرة بتاريخ 22 نوفمبر 2011، ص 5563.
- القانون التنظيمي رقم 57.11 المتعلق باللوائح الانتخابية العامة وعمليات الاستفتاء واستعمال وسائل الاتصال السمعي البصري العمومية خلال الحملات الانتخابية والاستفتائية. الصادر بتنفيذه الظهير رقم 1.11.171 صادر في 30 ذي الحجة 1432 (28 أكتوبر 2011)
- القانون رقم 36.11 المتعلق بتجديد اللوائح الانتخابية العامة وضبطها بعد إخضاعها للمعالجة المعلوماتية الصادر بتنفيذه مرسوم رقم 2.11.556 صادر في 21 من شوال 1432 (20 سبتمبر 2011)
- القانون 9.97 المتعلق بمدونة الانتخاباتالصادر بتنفيذه ظهير رقم 83-97-1 صادر في 23 من ذي القعدة 1417 - 3 أبريل 1997