رفقته نسخة للتحميل
عمر الكعابي
باحث في القانون المدني الإقتصادي
كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية - السويسي
مقدمة
العقد هو توافق إرادتين أو أكثر على إحداث آثر قانوني، سواء كان هذا الأثر هو إنشاء التزام أو نقله أو تعديله أو إنهائه، وقد عرفته المادة 1101 من القانون المدني الفرنسي بأنه" اتفاق يلتزم بمقتضاه شخص أو أكثر تجاه شخص أو عدة أشخاص بإعطاء شيء أو القيام بعمل أو الامتناع عنه" في حين عرفته نفس المادة بمقتضى الأمر الصادر بتاريخ 10 فبراير 2016، بأنه توافق إرادتين أو أكثر بهدف إنشاء أو تعديل أو نقل أو إنهاء الالتزامات. [1]
وقد عرفه الفقيه إدوارد سبنسر[2] بأنه "اتفاق واجب التنفيذ قانونا، وهو ينشأ بين شخصين أو أكثر، وبه تكتسب الحقوق لشخص أو أكثر بأداء أعمال معينة أو الامتناع عن أدائها من جانب الشخص الأخر أو الأشخاص الآخرين، وهذا التعريف للعقد يشمل مفهوم العقد في كل من الفقه الانجليزي والأمريكي حيث يرى الفقيه إدوارد سبنسر أن تعريف العقد يشتمل على فكرتين هما الاتفاق والالتزام، أي أن أطراف العقد يمكن اعتبارهم مشرعين، نوعا ما، لقانون خاص بهم، فكل واحد منهم ملزم بالتصرف على نحو مطابق لهذا الاتفاق وإلا يكون ملزما بالتعويض أو من ناحية أخرى يكون خاضعا لجزاء معين، وهذا ما ينطبق مع قاعدة العقد شريعة المتعاقدين.
والعقد هو عبارة عن تصرف قانوني ينبني على تطابق إرادتين أو أكثر من أجل إحداث أثر قانوني معين، مما يعني أن الإرادة هي العنصر الأساسي في العقد، أي أن الإرادة هي أساس العلاقة التعاقدية، ويقضي مبدأ سلطان الإرادة بأن الأفراد أحرار في إنشاء وتحديد شروط العقد على أساس أنهم يلتزمون به دون سواهم، ويعد مبدأ العقد شريعة المتعاقدين أحد النتائج المترتبة عن التسليم بمبدأ سلطان الإرادة بحيث يضفي على العقد قوته الملزمة، ويقضي هذا المبدأ بأن ما تقرره الإرادة يشكل قوة ملزمة للطرفين فما اتفق عليه المتعاقدان وما يدخل في نطاق العقد يكون ملزما لهما كما لو كان القانون قد نص عليه، فمجرد أن يتم العقد بين المتعاقدين –بتوافر أركانه وشروط صحتها- تصبح أحكامه بمثابة القانون الذي ينشأ لهما حقوقا ويرتب عليهما التزامات.
وتعود الحقيقة التاريخية لهذا المبدأ إلى تقنين نابوليون سنة 1804 الذي أعطى للعقد منزلة القانون وألزم أطرافه بوجوب تنفيذه، وقد أقر المشرع الفرنسي هذا المبدأ في المادة 1134 من القانون المدني الفرنسي التي جاء فيها "الاتفاقات التي تمت على وجه شرعي تقوم بالنسبة إلى من عقدوها مقام القانون...." [3]، وبهذا فإذا نشأ العقد صحيحا واستوفى الشروط المقررة قانونا، تحددت الالتزامات وتحققت القوة الملزمة للعقد، وبهذا يتعين على المتعاقدين التقيد به وتنفيذه في جميع ما اشتمل عليه، وبالنظر إلى أهمية تنفيذ العقود فإن جل التشريعات المعاصرة حددت مقتضيات قانونية خاصة بمرحلة تنفيذ العقد رغبة منها في تجاوز الإشكالات العملية التي يعرفها تنفيذ العقود، وبالرغم من اتفاقها من حيث المبدأ فإنها اختلفت في بعض الأحكام، وهذا ما سنتناوله عبر دراسة موضوع التنفيذ بين كل من النظام القانوني الفرنسي و النظام القانوني الانجليزي حيث سنحاول الجواب عن الإشكالية التالية:
ما هي المقتضيات القانونية التي نظمت تنفيذ العقد في كل من النظام القانوني الفرنسي ونظيره الانجليزي؟
وللجواب عن هذه الإشكالية، تجب الإشارة إلى أن الأصل في تنفيذ العقد هو أن ما التزم المتعاقدان بمحض إرادتهما إلا ووجب عليهما تنفيذه، فلا يجوز لأحدهما نقض العقد أو تعديله أو إنهاؤه دون رضا المتعاقد الآخر، فإذا تكون العقد باتفاق إرادي لا يمكنه أن يعدل إلا باتفاق إرادي جديد[4]، إلا أن هذه القوة الملزمة للعقد لا تثبت إلا لمضمون العقد وما توافقت عليه إرادة الأطراف، في حدود نطاق محدد، وهذا ما سنتطرق إليه عبر تقسيم الموضوع إلى مبحثين حيث سنخصص الأول لأحكام مضمون العقد والثاني لنطاق تنفيذ العقد، من خلال مقارنة النظامين القانونين الفرنسي والانجليزي.
المبحث الأول: مضمون العقد بين القانونين الفرنسي والانجليزي.
تعتبر فكرة مضمون العقد واحدة من الأفكار المستحدثة في القانون المدني الفرنسي، حيث لم يألف التشريع والفقه لمدني الفرنسي هذه الفكرة سابقا، وبهذا فإن المشرع الفرنسي في تعديل 10 فبراير 2016 طرح فكرة مضمون وتخلى عن فكرتي المحل والسبب، وتجب الإشارة إلى أن فكرة مضمون العقد ليست من بنات أفكار التشريع المدني الفرنسي، حيث سبقته أنظمة أخرى في الأخذ بها لاسيما الدول التي تتبع منهج النظام الأنجلوساكسوني مثل النظام القانوني الانجليزي، لهذا فإننا سنتناول هذه الفكرة من خلال مقارنتها بين كل من النظام القانوني الفرنسي ونظيره الانجليزي.
ويتحدد مضمون العقد من خلال البنود التعاقدية التي يتفق عليها طرفا العقد، لذلك يتعين علينا التعرف على ماهية البند التعاقدي (المطلب الأول)، فضلا عن ضرورة معرفة أنواع البنود التعاقدية (المطلب الثاني).
المطلب الأول: تعريف البند التعاقدي.
يعرف بعض الفقه الانجليزي البند التعاقدي بأنه بيان أو تصريح(statement) صادر عن أحد الطرفين المتعاقدين يلقى قبولا من الطرف الأخر، ويصبح جزءا من العقد. بينما يذهب البعض الآخر إلى تعريف البند التعاقدي بأنه عبارات يستخدمها أطراف العقد للوصول إلى اتفاقهم، ومهما يكن فإنه سواء كان هذا البند يمثل بيان أو تصريح أو عبارات اتفق عليها أطراف العقد فإن هذه العبارات أصبحت جزءا لا يتجزأ من العقد، وبدون هذه البنود التعاقدية لا يمكن معرفة ما اتفق عليه المتعاقدان، ومن ثم يصبح العقد غير قابل للتنفيذ. [5]
وبالرجوع إلى المرسوم التشريعي الفرنسي رقم 2016-131 الخاص بتعديل القانون المدني الفرنسي، نجد أن المشرع لم يعرف مضمون العقد[6]، بالرغم من أن هذه الفكرة تكاد تكون مستحدثة في القانون المدني الفرنسي، حيث اكتفى المشرع في المادة 1162 بأن العقد يجب ألا يخالف النظام العام من خلال بنوده أو غرضه سواء كان ذلك معلوما أو غير معلوم من قبل أطرافه. [7]
وبذلك يكون المشرع الفرنسي قد ركز اهتمامه على فكرة مشروعية البنود التعاقدية، فضلا على أن الغرض أو الهدف من العقد يجب أن يكون أيضا مشروعا.وذلك بعدما استغنى المشرع الفرنسي عن فكرة السبب[8] و المحل، وثم حذفها من القانون المدني حيث لم يشر التعديل الجديد إلى فكرتي المحل والسبب.
المطلب الثاني: أنواع البنود التعاقدية.
إذا كانت البنود التعاقدية تمثل مضمون العقد، وتعتبر جزء لا يتجزأ منه، فإنه طبقا لمبدأ القوة الملزمة للعقد يجب تنفيذ هذا العقد وفق البنود الواردة فيه، وذلك حسما لأي نزاع مرتقب، وعليه يمكن تقسيم البنود التعاقدية إلا أربعة أصناف هي : الشروط، الضمانات، اتفاقات المسؤولية وبنود تسوية المنازعات.
البند الأول: الشروط
يعرف بعض الفقه[9] الشرط بأنه بند أساسي في العقد، بينما نجد البعض الأخر يتوسع في تعريف هذا البند حيث يعتبر أن الشرط هو بند عقدي (شفهي أو تحريري) يتعلق مباشرة بأصل العقد وأنه ما يكون جوهريا بالنسبة لطبيعته، إذ يمنح الإخلال به للطرف حسن النية حق نقض العقد، ولا يكون ملزما بالقيام بأي شيء بموجب ذلك العقد. [10]
وفي إحدى القضايا التي عرضت على القضاء الإنجليزي Bettini V.Gey تتلخص وقائعها بأن المدعي أبرم عقد خدمة مع المدعى علي للغناء في مدينة لندن بتاريخ محدد، المدعى عليه لاحقا نقض العقد، لأن المدعي قد أصابه المرض فوصل متأخرا بأربعة أيام عن البروفة التمهيدية للحفل، فقررت المحكمة بأن تأخر وصول المدعي متأخرا لا يشكل إخلالا بالشروط التعاقدية، لأنه كان لايزال هناك وقت طويل في العقد لتنفيذ الالتزامات ولا يحتاج إلى بروفة تمهيدية. [11]
أما بالنسبة للقانون الفرنسي فإن المادة 1663 قد اعتبرت الالتزام بأنه الأداء prestation، والذي يتعين أن يكون موجودا، أو قابلا للوجود في المستقبل، فضلا على أن الفقرة الثانية من هذه المادة تؤكد على أن الأداء يجب لأن يكون محددا أو قابلا للتحديد إذا أمكن استنتاج ذلك من العقد، أو من خلال العودة إلى العادات والمعاملات السابقة بين طرفي العقد دون حاجة إلى اتفاق جديد. [12]، وبهذا فإن الالتزامات أو الأداءات ما هي إلا شروط العقد التي يتفق عليها الطرفان.
البند الثاني: الضمانات
يعرف البعض[13] الضمانات بأنها بنود غير أساسية في العقد، فيما يعرفها البعض الآخر بأنها بند قانوني في العقد بالنسبة للغرض الأساسي فيه لذلك فإنه لا يكون له أثر على انقضاء العقد، بحيث أن الإخلال به لا يخول الطرف حسن النية الحق لاعتبار العقد منقضيا، وإنما يخوله فقط حق إقامة دعوى التعويض.
ففي إحدى القضايا التي عرضت على القضاء الإنجليزي Assiciated newspapers ltd v bancks 1951, HC والتي تتلخص وقائعها بأن المدعى عليه Banks الذي يعمل مصمم رسوم كرتونية قد دخل في علاقة تعاقدية مع المدعي Associated newspapers لرسم إعلان، وأن العقد كان يتضمن تعهد المدعي بنشر الإعلان في الصفحة الأولى من جريدة Sunday لثلاث أعداد متعاقبة، فنشر الإعلان في الأعداد الثلاثة المتعاقبة لكن في الصفحة الثانية من الجريدة، فتمت إقامة دعوى لأن الإعلان لم ينشر في الصفحة الأولى من الجريدة، وأن جوهر الموضوع في هذه القضية هو تحديد فيما إذا كان هذا البند شرطا أو ضمانا، حيث قررت المحكمة بصدد تحديد طبيعة هذا البند العقدي بأنه كان شرطا أكثر مما هو ضمان، لأنه كان أساسيا في العقد وأن الطرف الأخر ما كان ليدخل في العلاقة التعاقدية بدونه. [14]
بينما نجد أن موقف المشرع الفرنسي كان مختلفا، حيث أنه تدخل لمعالجة حالة عدم الاتفاق على تحديد جودة الأداء التي يلتزم بها المتعاقد الآخر، حيث نصت المادة 1166 والتي تمثل حكما جديدا في القانون الفرنسي، على أنه في حالة ما إذا أغفل المتعاقدان درجة جودة الأداء وعدم وجود مؤشرات تحدد درجة الجودة المطلوبة، حيث يجب على المدين استنادا للنص المذكور أعلاه أن يكون أداؤه منسجما مع توقعات الدائن المشروعة أو النتيجة التي يتوقعها من العقد مع مراعاة طبيعة الالتزام والأعراف المتبعة والالتزام بالمقابل. [15]
وبهذا يكون المشرع الفرنسي قد قدم ضمانا للمتعاقدين في حال عدم تحديد الجودة في الأداء المطلوب من الطرف الأخر، حيث يتم تحديد هذا الأداء بالرجوع للعقد والبحث عن مؤشر فيه يحدد الدرجة المطلوبة، وإن لم يوجد فيتم التحديد وفق مؤشرات حددتها المادة السالفة الذكر، وبهذا يكون المشرع الفرنسي قد جعل من درجة الجودة في العقد بندا ثانويا حيث لم يرتب على عدم تحديد هذه الجودة بطلان العقد.
البند الثالث: الإعفاء أو تحديد المسؤولية
إذا كان المبدأ الذي يحكم العلاقات التعاقدية هو العقد شريعة المتعاقدين، وأن الأطراف أحرار في وضع بنود العقد، فإن تطور العلاقات التعاقدية قد يفرض وجود بنود تعفي الطرف الآخر أو تحدد مسؤوليته.
ويرى البعض أن بند الإعفاء أو تحديد المسؤولية عبارة عن شرط يستثني أو يقيد من مسؤولية الطرف التعاقدي المخطئ، وأن هذا البند مقرر لمصلحة أحد الأطراف دون الطرف الأخر. [16]
فيما يرى البعض الآخر [17] أن ضرورات الحياة العملية قد أدت إلى ظهور نوع من العقود في النظام القانوني الانجليزي، يطلق عليه عقود الأشكال Standard form contrat أو عقود الإذعان Contrat of adhésion كما تسمى في النظام القانوني الفرنسي.
وتكون هذه العقود في شكل مطبوع، لكن بالرغم من أن استعمالها يكون من قبل عدد كبير من الناس ولفترات زمنية طويلة، كما هو الحال في الربط بشبكة الماء والكهرباء أو عقود التأمين، إلا أنها قد تتضمن فقرات تعفي مصدرها من المسؤولية عن الإخلال بالعقد أو من مسؤوليته عن الخطأ المرتكب من طرفه خلال مرحلة تنفيذ العقد، ويثبت الواقع أن الطرف المستفيد لا يدخل في مفاوضات مع الطرف الأخر، وإنما يكون دوره مقتصرا على القبول ببنود العقد التي يضعها الطرف الأخر، أي يقبلها دون مناقشة ويذعن لها.
في النظام القانوني الانجليزي هناك 3 أنواع من بنود الإعفاء وتحديد المسؤولية:
- الإعفاء التام من المسؤولية.
- تقييد المسؤولية عن مبلغ نقدي محدد.
- تقييد ممارسة الحقوق التعاقدية خلال فترة زمنية محددة.
أما بالنسبة لموقف المشرع الفرنسي، فقد جاء بنظرية عامة تتعلق بالتوازن العقدي حيث اعتبر في المادة 1168 من المرسوم التشريعي رقم 2016-131 أن عدم التوازن في الأداءات بالنسبة للعقود الملزمة لجانبين لا يؤدي إلى بطلان العقد، ما عدا في الحالات التي يقرر فيها القانون بطلان العقد. [19]
وبالرغم من وجود هذا النص، فإن البعض يرى أن النصوص اللاحقة لتي تلت المادة المذكورة هي كفيلة بتحقيق العدالة التعاقدية باعتبارها هدفا من أهداف تعديل قانون العقود، ومثال ذلك المادة 1169 الخاصة بعقود المعاوضة التي تسمح بإبطال العقد إذا كان أحد المتعاقدين قد التزم دون مقابل، أو كان المقابل تافها إلى حد اعتباره غير موجود. [20]
وبصفة عامة يمكن القول، أن المشرع الفرنسي جاء بأفكار جديدة في النصوص خصوصا ما يتعلق بالتوازن العقدي، حيث جعل التوازن العقدي لا يعتبر أساسا في العقد ولا يؤدي إلى بطلانه، ويبدو أن مفهوم العدالة التعاقدية بنظر المشرع الفرنسي لا تنحصر على توازن الأداءات التي يلتزم بها طرفا العقد، إنما جعل من تخلي المتعاقد عن نية تنفيذ التزاماته الرئيسية في العقد، هي الأساس في مراقبة التوازن العقدي، ومن ثم تحقيق العدالة التعاقدية.
وبذلك فإذا كان الأصل العام في التشريع الفرنسي أن عدم التوازن في الأداءات لا يخل بمفهوم العدالة التعاقدية، فإنه أورد استثناءات على ذلك تجعل من المتعاقد الذي يعفي نفسه من بعض الالتزامات التعاقدية، قد أخل بمفهوم العدالة التعاقدية، وتتمثل هذه الاستثناءات فيما يلي:
- التزام أحد المتعاقدين في عقود المعاوضة بدون مقابل، أو كان المقابل تافها.
- وجود بند يعيق تنفيذ الالتزام الجوهري في العقد، أو يفرغه من محتواه.
- وجود شرط في عقد الإذعان يولد عدم التوازن بين حقوق والتزامات الأطراف.
إن المبدأ المقرر في النظام الانجليزي، سواء كان من قواعد الكومن لو common law أو من قواعد العدالة، هو أن الحق في إنهاء العقد يعتمد على مضمون هذا البند ومن له الحق في إنهاء الرابطة العقدية، بحيث إذا كان هناك اختلال التوازن العقدي جوهريا فإنه يكون للطرف الضعيف حق إنهاء العقد، أما ذا كان اختلال التوازن في العقد يرجع إلى نقص الأهلية[21] مثلا، فإن ذلك يعتمد على الطرف حسن النية الذي سيكون له الحق في المطالبة بالتعويض.
كما يرى البعض أن هناك ثلاث صور من الدعاوى التي يمكن إقامتها بهذا الصدد لمعالجة اختلال التوازن العقدي وعلى النحو التالي:
- دعاوى التدليس
- دعاوى الإخلال في العقود الجماعية
- الدعاوى القائمة على الخطأ بسبب الإهمال لعدم التبصير.[22]
وهو ما نصت عليه المادة 1171 من القانون المدني الفرنسي [24] التي وضع من خلالها المشرع الفرنسي معيارين لتقدير مدى اختلال التوازن العقدي وهما:
- أن يؤخذ بعين الاعتبار عند تقدير الاختلال الهدف الرئيسي من العقد.
- ملائمة السعر مع الأداء المطلوب تنفيذه من الطرف الآخر.
أن تنفيذ العقد من طرف المتعاقدين يقتضي أن يتم بطريقة تتماشى مع حسن النية، بحيث أن حسن النية هو المبدأ السائد في تنفيذ جميع العقود، على عكس ما كان في القانون الروماني الذي قسم العقود إلى عقود حرفية التنفيذ وعقود طابعها حسن النية. [26]
المبحث الثاني: نطاق تنفيذ العقد بين القانونين الفرنسي والانجليزي.
إذا كان تنفيذ العقد يقتضي التزام الأطراف ببنود العقد، فإنه في المقابل نجد أن العقد لا يضر ولا ينفع إلا من كان طرفا فيه، وهو ما سنتناوله من خلال المطلب الأول الذي خصصناه للنطاق الشخصي لتنفيذ العقد، كما تجب الإشارة إلى أن تحديد نطاق العقد لا يقتصر على الشروط الواردة في العقد وإنما يتعين على القاضي أن يدخل في الحسبان القواعد التي يقتضيها العقد ولا تنافيه، لذلك فإننا ارتأينا إلى تخصيص المطلب الثاني لسلطة القضاء في تحديد بنود العقد.
المطلب الأول: النطاق الشخصي لتنفيذ العقد.
إذا استجمع العقد لجميع أركانه وتحققت شروطه فإنه يصبح ملزما لأطرافه، حيث يتوجب تنفيذه وفقا لما تم الاتفاق عليه، غير أن الأصل هو أن هذا التنفيذ ينحصر مجاله على المتعاقدين حيث لا ينصرف إلى غيرهم، لكن هذه القاعدة قد ترد عليها بعض الاستثناءات لذلك فقد ارتأينا أن نخصص البند الأول لتنفيذ العقد بالنسبة للمتعاقدين على أن تتناول في البند الثاني أثار العقد بالنسبة للغير.
البند الأول: تنفيذ العقد بالنسبة للمتعاقدين
يقول الفقيه كاربونييه "إن الفطرة السليمة للإنسان ومبدأ الاستقلال الفردي يتطلبان أن ينشغل كل فرد بما صنعت يداه وأن لا يهتم بشؤون الغير"[27]، وبالرجوع إلى الفصل 1165 من القانون المدني الفرنسي نجد أنه قد كرس قاعدة مهمة هي أن آثار العقد لا تنصرف بوجه عام إلا على المتعاقدين، غير أنه يتعين فهم مصطلح المتعاقدين في معناه الواسع الذي يشمل أيضا الخلف العام ويمتد إلى الخلف الخاص في حدود ما انتقل إليه من حق وبشروط معينة،[28] ذلك أن حياة الأفراد غير دائمة والعدالة تقتضي أن يتنقل تنفيذ ومخلفات العقد من السلف إلى الخلف.
أولا: الخلف العام
يقصد بالخلف العام من يخلف سلفه في مجموعة التركة أو في جزء منها وهذا ما يتحقق بالنسبة للوارث الوحيد أو المشترك مع غيره في استحقاق التركة ويدخل الموصى له ضمن هذه الحلقة إذا كانت الحصة المستفاد منها شائعة أيضا.
حيث أن القانون الفرنسي اعتبر شخصية الخلف العام مجرد امتداد لشخصية السلف، مما يجعله يكتسب الحقوق من السلف وفي نفس الوقت يتحمل بالالتزامات التي كانت عليه، حيث إن المادة 1120 كانت تذهب إلى أن شخصية الوارث والموصى له بحصة في مجموع التركة تعتبر استمرارا لشخصية المورث إيجابا أو سلبا[29]، الأمر الذي يترتب عليه حلول الورثة محل الميت في حقوقه والتزاماته حتى ولو كانت الذمة المالية للهالك سلبية.
غير أن هذه القاعدة لا تمنع الورثة من قبول التركة بشرط الجرد متى تبين لهم أن الذمة المالية للميت غير قادرة على تسديد ديون الغرماء وفي هذه الحالة فإن الوارث يكون قد تنازل عن حقه في الإرث، وبالمقابل فإنه لا يسأل عن ديون الميت،[30] ذلك أن الورثة إذا رفضوا التركة لم يجبروا على قبولها ولا على تحمل ديونها وفي هذه الحالة ليس للدائنين إلا أن يباشروا حقوقهم ضد التركة.
وبهذا يتضح أن الالتزامات تنتج أثارها بين المتعاقدين وتنصرف أيضا إلى ورثتهم و خلافائهم ما لم يكن العكس مصرحا به أو ناتجا عن طبيعة الالتزام أو عن القانون.
ثانيا: الخلف الخاص
الخلف الخاص هو من يخلف الشخص في عين معينة أو في حق عيني عليها،[31] وقد عرفه فلور واوبير بأنه الشخص الذي يخلف سلفه في شيء معين بالذات سواء كان منقولا أو عقار أو حقا شخصيا كان السلف دائنا به من قبل. [32]
وانطلاقا من هذا التعريف يعد خلفا خاصا كل من:
- المشتري الذي تنتقل إليه ملكية شيء ما سواء كان الشيء منقولا كشراء سيارة أو عقار كشراء منزل أو قطعة أرضية.
- الموهوب له يعد خلفا خاصا للواهب بخصوص الشيء الموهوب
- الموصى له إذا كان محل الوصية عينا معينة بذاتها
-المحال له كخلف خاص للمحيل في حدود الدين الذي كان ثابتا له في ذمة المحال عليه، فبالرغم من أن الاستخلاف هنا قد انصب على حق شخصي إلا أن سبق وجود هذا الحق يخول للسلف إمكانية التصرف فيه و حوالته للغير وبذلك يصبح المحال له خلفا خاصا للمحيل[33]
إن الأصل في التصرفات الصادرة من السلف هو أنها لا تنصرف إلى الخلف الخاص، غير أن هذه القاعدة قد ترد عليها بعض الاستثناءات خاصة إذا قام السلف بإجراء تصرفات تهم الشيء موضوع الاستخلاف، وهو ما تطرقت له معظم التشريعات العربية كالقانون المدني المصري و الأردني، عكس بعض التشريعات الأخرى التي لم تتطرق لهذه المسألة في قوانينها الوطنية وعلى رأسها المشرع الفرنسي. [34]
البند الثاني: آثار العقد بالنسبة للغير
لقد تطرق الفقه الحديث للعديد من الحالات اعتبرت بمثابة قيود على مبدأ نسبية أثار العقد، حيث أن التشريعات الحديثة نصت على عدة نصوص قانونية اقتحمت حصن مبدأ نسبية العقود لدرجة دفعت الفقيه سافاتيي إلى القول بأن هذه الاستثناءات تنذر بأزمة حقيقية لهذا المبدأ. [35]
وبهذا فإن قاعدة عدم جواز الاحتجاج بمضمون العقد تجاه الغير ليست قاعدة مطلقة وإنما هي نسبية بحيث هناك بعض الحالات الاستثنائية التي يتأثر فيها الغير ببعض الحقوق والالتزامات سواء كان هذا التأثر إيجابيا كالاشتراط لمصلحة الغير أو سلبيا كحالة التعهد عن الغير.
أولا: الاشتراط لمصلحة الغير
لقد عرفه الفقيه فلور واوبير بأنه الحالة التي يتم فيها التعاقد بين شخص يسمى المشترط وأخر يسمى المتعهد وذلك بهدف إنشاء حق لمصلحة شخص ثالث هو المستفيد من الاشتراط. [36]
بعد أن كانت حلقة الاشتراط لمصلحة الغير ضيقة جدا بسبب طغيان فعالية الأثر النسبي للعقود، فإن الأمر على خلاف ذلك في الوقت الراهن حيث ظهرت أنماط للتعاقد الحاصل عن طريق الاشتراط لمصلحة الغير خصوصا في ميدان التأمين، إذ يحق لكل شخص أن يؤمن على حياة زوجه وأولاده، فيكون هذا الشخص بمثابة المشترط وشركة التأمين تتعهد بدفع المبالغ المستحقة للزوجة والأولاد باعتبارهم مستفيدين من الاشتراط [37].
ففي فرنسا نص القانون المدني في المادة 1116 على أنه "لا يجوز للشخص على وجه العموم أن يشترط باسمه إلا لنفسه" ثم استثنى من هذه القاعدة حالتين أوردهما في المادة 1121 [38] التي نصت على "يجوز للشخص أن يشترط لمصلحة الغير إذا كان هذا الاشتراط شرطا في الاشتراط الذي يشترطه المشترط لنفسه أو في الهبة منه لآخر" ثم عادت المادة 1165 لتؤكد هذه الأحكام بقولها " لا يكون للاتفاق من اثر إلا بالنسبة لطرفيه فهو لا يضر بالغير ولا ينفع الغير إلا ما نصت عليه المادة 1121"، ويتبين من ذلك أن المشرع الفرنسي لا يجيز الاشتراط لمصلحة الغير إلا في حالتين استثنائيتين هما حالة إذا وهب المشترط شيئا للمتعهد واشترط عليه في مقابل ذلك شروطا لمصلحة شخص ثالث، أما الحالة الثانية إذا ما عقد المشترط اشتراطا لنفسه ثم حمل هذا الاشتراط باشتراط لمصلحة شخص آخر وهذه هي حالة الاشتراط التبعي.
ويرى بعض الفقه [39] أن الاشتراط لمصلحة الغير ما هو إلا صورة من التعاقد وإبرام التصرفات لذلك فهو في حاجة إلى ضرورة توفر الأركان والشروط العامة لقيام العقد، إضافة إلى توفر بعض الشروط الخاصة وهي:
- أن يتعاقد المشترط باسمه الخاص مع المتعهد
- أن يتم الاتفاق على إنشاء حق مباشر للمستفيد
- أن تكون للمشترط مصلحة شخصية في إبرام العقد.
ثانيا: التعهد عن الغير
التعهد عن الغير هو عقد يتعهد بمقتضاه شخص تجاه آخر، بأن يجعل شخصا من الغير يقبل التعاقد مع الطرف الآخر بخصوص أمر معين،[41]
ويجمع الفقه القانوني على أن التعهد عن الغير غير نادر الوقوع في الحياة العملية، حيث تتعدد تطبيقاته وصوره العملية، غير أن أهم مظاهره تتمثل في الالتزام عن الغير بشرط الاقرار والتعهد المطلق عن الغير.
- الالتزام عن الغير بشرط الإقرار
ومثال ذلك أن يرغب مجموعة من الشركاء في بيع مال مشترك بينهم لشخص أجنبي إلا أن أحد الشركاء كان غائبا عن مجلس العقد وخوفا من ضياع فرصة البيع فإن الشركاء يتعهدون في عقد البيع أصالة عن أنفسهم ونيابة عن الشريك الغائب بشرط إقراره لمضمون التعهد.
- التعهد المطلق عن الغير
لقد اعتمدت هذا المفهوم العديد من التشريعات الأجنبية، مثل القانون المدني الفرنسي في مادته 1120 والتي صارت هي المادة 1204 بمقتضى الأمر الصادر بتاريخ 10 فبراير 2016.
ولصحة التعهد المطلق عن الغير لابد من توفر مجموعة من الشروط [44]، نوردها فيما يلي:
- أن يتعاقد المتعهد باسمه لا باسم الغير
- أن يقصد المتعهد إلزام نفسه بهذا التعهد
- أن يكون محل التزام المتعهد هو حمل الغير على قبول التعهد.
إن تنفيذ العقد ينحصر في الاتفاقات التي توافق إرادة الأطراف، والتي يمكن استنباطها من بنود العقد، لكن هذه البنود قد تذكر بشكل صريح إلا أنها لا تكون واضحة بالنسبة للأطراف المتعاقدين وهو ما يطرح عدة إشكالات على مستوى تنفيذ العقد، الأمر الذي يقتضي توضيح هذه البنود وهو ما يدخل في اختصاص المحاكم، حيث أنه إذا كانت بنود العقد غامضة وغير واضحة المعنى فإنه يمكن للمحكمة أن تضمن العقد شرطا ضمنيا إذا اقتنعت بضرورة وجود هذا البند، وذلك بهدف إنتاج الآثار التي يرغب المتعاقدان في بلوغها.
وتتباين المواقف بين النظام القانوني الانجليزي والنظام القانوني الفرنسي في سلطة تحديد البنود الضمنية في العقد وهو ما سنتناوله وفق ما يلي:
البند الأول: سلطة المحاكم الانجليزية في تحديد بنود العقد
إذا كانت القاعدة العامة في النظام القانوني الانجليزي أن القاضي لا يستطيع أن يتدخل ويبتدع للأطراف عقدا جديدا، وإنما تدخله يجب أن يكون متوافقا مع الشروط الصريحة للعقد، ذلك أن المحكمة ليس لها مطلق الحرية بوضع ما تراه من بنود، وإنما هي مقيدة بظروف محددة أثناء استنتاجها للبنود الضمنية للعقد، حيث يجب أن تراعي فيها نية وظروف الطرفين وتعاملاتهم السابقة، أو الغرض أو الهدف من إبرام العقد، وعليه سنتناول الحالات التي تستطيع المحاكم الانجليزية من خلالها استنتاج البند الضمني وفق ما يلي:
أولا: نية الطرفين أو سلوكهما أو طبيعة التعامل بينهما
فإذا اتفق الطرفان مثلا على أن يبيع أحدهما للأخر شيئا معينا واتفقا على الثمن وعلى ألا يدفع حالا ولو لم يحدد موعد لذلك، فيمكن للمحكمة أن تستنتج بندا ضمنيا يقضي بدفع الثمن في موعد معقول حسب طبيعة الظروف، وإذا كان هناك تعامل سابق بين الطرفين فإن هذا التعامل هو الذي سيحدد موعد دفع الثمن، بشرط ألا يتضمن العقد بندا صريحا يحدد ذلك الموعد. [45]
ثانيا: الغرض الذي أبرم العقد من أجله
يجب أن ينسجم البند الضمني مع هدف وغرض العقد، فمن يستأجر سيارة يفترض أن تكون صالحة للقيادة، وفي هذا الصدد قضت إحدى المحاكم الانجليزية في قضية[46] Samuels V.davis والتي تتلخص وقائعها في بأن المدعي (طبيب الأسنان) اتفق على قيامه بصنع طقم الأسنان لزوجة المدعى عليه، وبعد الانتهاء من ذلك اتضح أن طقم الأسنان غير ملائم إلى الحد الذي لم تستطع زوجة المدعى عليه استعماله مما جعل المدعى عليه يمتنع عن دفع الثمن، فقررت محكمة الاستناف أن السؤال هنا لا يتعلق فيما إذا كان هناك عقد بيع بضائع أو عقد عمل ومواد، إنما المهم في كلتا الحالتين أن يكون طقم الأسنان صالحا للغرض منه.
ثالثا: إعطاء العقد أثرا فعالا
يمكن أن تتحقق الآثار التي يفترض أن الأطراف قصدوا تحقيقها بواسطة البنود الصريحة، حيث يقوم القاضي بما كان سيقوم به الأطراف بأنفسهم لمواجهة الموقف بذاته، ويعبر عن ذلك بإعطاء الفعالية العملية للعقد.
وهذا ما يتضح من خلال قضية[47] The Moorcock التي تتلخص وقائعها في أن المستأنف اتفق مع المستأنف عليه باستعمال حاجز ورصيف المستأنف عليه لتحميل وخزن بضاعة من سفينة Moorcock وكانت منطقة النهر مملوكة لطرف ثالث وخارج سيطرة المستأنف، والذي لم يقم بأي خطوة للتأكد من أن تلك المنطقة صالحة لأن ترسو عليها السفينة، ونتيجة لذلك اصطدمت السفينة بقاع النهر بسبب المد والجزر مما أدى إلى تضررها، فحكمت المحكمة بأن المستأنف كان ضمنا يمثل قدرته في اتخاذ العناية المعقولة للتأكد بأن وضع النهر لا يشكل أي ضرر للسفينة، وما كان القانون ليرغب في هذا التضمين إلا لإعطاء هذه الصفة أثرا فعالا كما يرغب به رجال الأعمال.
وقد علق اللورد القاضي بوين على هذه القضية بقوله أن القاضي يفترض نية المتعاقدين ويعطي العقد أثرا فعالا على أساس أن نيتهم اتجهت إلى ذلك. [48]
البند الثاني: سلطة القاضي التقديرية في التشريع المدني الفرنسي
أما بالنسبة لموقف التشريع الفرنسي، فقد منح المشرع الفرنسي للقاضي سلطة واسعة في تحديد مضمون العقد في حالة وجود نزاع بين الطرفين حول تحديد هذا المضمون، أو تعسف الطرف الآخر في تحديد هذا المضمون إذا أنيطت به سلطة تحديده، كما منح المشرع الفرنسي للقاضي سلطة إنهاء العقد والحكم بالتعويض للطرف الذي وقع ضحية لهذا التعسف.
وبالرجوع إلى المادة 1164 نجد أن الفقرة الثانية تناولت تحديد الثمن في عقد الإطار عند الاتفاق على قيام أحد الطرفين بتحديد الثمن لاحقا، حيث نصت على أنه "في حالة التعسف بتحديد الثمن فإن القاضي يستطيع أن يحكم بالتعويض أو الفائدة وفي حالة الضرورة يستطيع إنهاء العقد". [49]
كما منح المشرع الفرنسي للقاضي سلطات واسعة في العقود المستمرة التنفيذ حيث يمكن للقاضي في حال وجود ظرف قاهر جعل من تنفيذ الالتزام مرهقا بالنسبة للمدين، أن يفتح باب المفاوضات العقدية من جديد بين الطرفين لإعادة التوازن العقدي، حيث نصت الفقرة الأولى من المادة 1995 على أنه "إذا كان هناك تغيير في ظروف غير متوقعة عند إبرام العقد مما يجعل تنفيذ العقد مرهقا بشكل مفرط للطرف الذي لم يوافق على تحمل المخاطر، يجوز له أن يطلب إعادة التفاوض بشأن العقد مع الطرف المتعاقد الآخر، على أن يستمر في تنفيذ الالتزامات خلال مدة التفاوض.
وإذا لم يتفق الطرفان على مضمون جديد للعقد خلال فترة زمنية معقولة، فقد خول المشرع الفرنسي للقاضي، بناء على طلب أحد الطرفين، أن يتدخل في العقد ويعدل مضمونه أو يفسخه، حيث نصت الفقرة الثانية من المادة 1195 على أنه "في حالة رفض أو فشل التفاوض يجوز للأطراف أن يتفقا على إنهاء العقد، في الوقت والظروف التي يحددونها، أو أن يطلب كلاهما من القاضي القيام بتكييفه وفي حالة عدم الاتفاق في غضون فترة زمنية معقولة، يجوز للقاضي، بناء على طلب أحد الطرفين، إعادة النظر في العقد أو فسخه بالتاريخ والشروط التي يحددها.
خاتمة:
هذا ونجد أن القضاء الانجليزي قد ذهب إلى عدم إجبار المخل بالتزاماته القائمة على المعيار الشخصي، بتنفيذ التزاماته بصورة عينية، ذلك أنه اعتبر التنفيذ العيني وسيلة استثنائية وليس أصلية في مواجهة الاخلال بالالتزامات في القانون الانجليزي، وذلك عكس المشرع الألماني الذي جعل التنفيذ العيني هو الصورة الأكثر شيوعا لإصلاح الإخلال بالعقد.
أما المشرع الفرنسي فإنه رتب جزاءات قانونية على الإخلال بالرابطة التعاقدية، ذلك أن عدم تنفيذ العقد من قبل أحد الطرفين يخول كقاعدة عامة جزاء يتمثل في تعويض المتضرر عن الأضرار التي لحقت به من جراء عدم التنفيذ، ما لم يكن تنفيذ الالتزام مستحيلا بسبب القوة القاهرة أو ما يوازيها، شريطة إثبات أركان المسؤولية العقدية من خطأ وضرر وعلاقة سببية، كما خول المشرع لطرفي العقد الملزم لجانبين التمسك بمجموعة من الآليات القانونية في حالة امتناع أحد أطرافه عن التنفيذ من قبيل الدفع بعدم التنفيذ متى كان العقد تبادليا أو ملزما لجانبين وكانت الالتزامات المتقابلة مستحقة الأداء مع مراعاة حسن النية[54]، كما يمكن للدائن أن يطالب بفسخ العقد متى توفرت شروطه. [55]
الهوامش:
[1] عبد الرحمان الشرقاوي، القانون المدني- صادر الالتزام –الجزء الأول - الطبعة الخامسة، مطبعة المعارف الجديدة، 2018، ص 39
[2] علي يوسف صاحب، ، مفهوم العقد في القانون الأنجلو أمريكي- دراسة مقارنة ص 330.
[3] Art 1134 de code civil français: "Les conventions légalement formés tiennent lieu de loi à ceux qui les
ont faites…"
ont faites…"
[4] علي فلالي، الإلتزامات، النظرية العامة للعقد،موفم للنشر الجزائر 2010، ص48 أشار إليه عاشور عثمان في رسالته لنيل دبلوم الماستر، بجامعة عبد الرحمان ميرة بجاية.
[5] حسين عبد الله عبد الرضا الكلابي، مضمون العقد دراسة مقارنة بين النظام القانوني الانجليزي والقانون المدني الفرنسي، عدد 01-2018، ص 671
[6] Le contenu du contrat
[7] Art. 1162.-Le contrat ne peut déroger à l’ordre public ni par ses stipulations, ni par son but, que
ce dernier ait été connu ou non par toutes les parties.
ce dernier ait été connu ou non par toutes les parties.
[8] يرى البعض أن الخلاف حول نظرية السبب عاد إلى الساحةالفقهية من جديد مع المشاريع التي طرحت لتعديل القانون المدني الفرنسي، فمشروع كاتلا أكد على بقاء المفهوم التقليدي للسبب، أما مشروع وزارة العدل الفرنسية في صيغة 2008 فقد كان مع الاستعاضة عن فكرة السبب بفكرة أخرى هي فكرة الفائدة(المصلحة) من العقد. لكن المشرع الفرنسي حسم في هذا الأمر بموجب المرسوم التشريعي الصادر في 10 فبراير 2016، الذي تخلى بموجبه عن نظرية السبب.
[9] Geoff Monahan
[10] مجيد حميد العنبكي، مبادئ العقد في القانون الإنجليزي، 2001 ص 115.
[11] أورده حسين عبد الله بد الرضا الكلابي، مضمون العقد دراسة مقارنة بين النظام القانوني الانجليزي والقانون المدني الفرنسي، عدد 01-2018، ص 676
[12] Art. 1163.-L’obligation a pour objet une prestation présente ou future.
Celle-ci doit être possible et déterminée ou déterminable.
La prestation est déterminable lorsqu’elle peut être déduite du contrat ou par référence aux usages ou aux relations antérieures des parties, sans qu’un nouvel accord des parties soit nécessaire.
Celle-ci doit être possible et déterminée ou déterminable.
La prestation est déterminable lorsqu’elle peut être déduite du contrat ou par référence aux usages ou aux relations antérieures des parties, sans qu’un nouvel accord des parties soit nécessaire.
[13] Geoff Monahan
[14] أورده حسين عبد الله بد الرضا الكلابي، مضمون العقد دراسة مقارنة بين النظام القانوني الانجليزي والقانون المدني الفرنسي، عدد 01-2018، ص 678
[15] Art. 1166.-Lorsque la qualité de la prestation n’est pas déterminée ou déterminable en vertu du contrat, le débiteur doit offrir une prestation de qualité conforme aux attentes légitimes des parties en considération de sa nature, des usages et du montant de la contrepartie.
[16] Geoff Monahan
[17] مجيد حميد العنبكي، مبادئ العقد في القانون الإنجليزي، 2001 ص 123.
[18] المرجع السابق ص 124.
[19] Art. 1168.-Dans les contrats synallagmatiques, le défaut d’équivalence des prestations n’est pas
une cause de nullité du contrat, à moins que la loi n’en dispose autrement.
une cause de nullité du contrat, à moins que la loi n’en dispose autrement.
[20] Art. 1169.-Un contrat à titre onéreux est nul lorsque, au moment de sa formation, la contrepartie
convenue au profit de celui qui s’engage est illusoire ou dérisoire.
convenue au profit de celui qui s’engage est illusoire ou dérisoire.
[21] بعض العقود التي يبرمها القاصر أو الصغير تعتبر صحيحة ونافذة في القانون الانجليزي، إذا كانت تتعلق بالضروريات لمصلحة القاصر، أو العقود التي تعود عليه بالنفع.... راجع بصدد ذلك علي يوسف صاحب ، مفهوم العقد في القانون الأنجلو أمريكي- دراسة مقارنة ص 353.
[22] حسين عبد الله بد الرضا الكلابي، مضمون العقد دراسة مقارنة بين النظام القانوني الانجليزي والقانون المدني الفرنسي، عدد 01-2018، ص 686
[23] نفسه
[24] L’appréciation du déséquilibre significatif ne porte ni sur l’objet principal du contrat ni sur
l’adéquation du prix à la prestation.
l’adéquation du prix à la prestation.
[25] عبد الرحمان الشرقاوي، القانون المدني- صادر الالتزام –الجزء الأول - الطبعة الخامسة، مطبعة المعارف الجديدة، 2018، ص 283
[26] عاشور عثمان في رسالته لنيل دبلوم الماستر، بجامعة عبد الرحمان ميرة بجاية.
[27] « le bon sens et l’individualisme demande que chacun s’occupe de ses affaires non de celles d’autruit »
[28] عبد الرحمان الشرقاوي، القانون المدني- صادر الالتزام –الجزء الأول - الطبعة الخامسة، مطبعة المعارف الجديدة، 2018، ص 283
[29] عبد الرحمان الشرقاوي، القانون المدني- صادر الالتزام –الجزء الأول - الطبعة الخامسة، مطبعة المعارف الجديدة، 2018، ص 284
[30] فلور واوبير الصفحة 329، أورده عبد القادر العرعاري، مصادر الالتزام –الكتاب الأول نظرية العقد- الطبعة الرابعة، دار الأمان ، 2015، ص 332
[31] François Terré, Philippe Simler et Yves Lequette, droit civil, les obligation, p500.
[32] « l’ayant cause à titre particulier est celui à qui son auteur n’a transmis qu’un bien ou un droit déterminé »
[33] عبد القادر العرعاري، مصادر الالتزام –الكتاب الأول نظرية العقد- الطبعة الرابعة، دار الأمان ، 2015، ص 336
[34] François Terré, Philippe Simler et Yves Lequette, droit civil, les obligation, p500.
[35] عبد الرحمان الشرقاوي، القانون المدني- صادر الالتزام –الجزء الأول - الطبعة الخامسة، مطبعة المعارف الجديدة، 2018، ص 293
[36] « De façon plus précise on dit que c’est une opération par laquelle une personne le stipulant obtient d’une seconde le promettant un engagement envers une troisième le tiers bénéficiaire.
[37] عبد القادر العرعاري، مصادر الالتزام –الكتاب الأول نظرية العقد- الطبعة الرابعة، دار الأمان ، 2015، ص 345
[38] Art 1121 « On peut pareillement stipuler au profit d'un tiers lorsque telle est la condition d'une stipulation que l'on fait pour soi-même ou d'une donation que l'on fait à un autre. Celui qui a fait cette stipulation ne peut plus la révoquer si le tiers a déclaré vouloir en profiter.
[39] سطارك، راجع عبد القادر العرعاري، مصادر الالتزام –الكتاب الأول نظرية العقد- الطبعة الرابعة، دار الأمان ، 2015، ص 346
[40] مامون الكزبري، نظرية الالتزامات في ضوء قانون الالتزامات والعقود المغربي-الجزء الأول، مصادر الالتزام، ص 280
[41] أنور سلطان، مصادر الالتزام في القانون المدني الاردني، أورده عبد الرحمان الشرقاوي، القانون المدني- صادر الالتزام –الجزء الأول - الطبعة الخامسة، مطبعة المعارف الجديدة، 2018، ص 302
[42] مامون الكزبري، نظرية الالتزامات في ضوء قانون الالتزامات والعقود المغربي-الجزء الأول، مصادر الالتزام، ص 208
[43] عبد القادر العرعاري، مصادر الالتزام –الكتاب الأول نظرية العقد- الطبعة الرابعة، دار الأمان ، 2015، ص 362
[44] عبد ارحمان الشرقاوي، القانون المدني- صادر الالتزام –الجزء الأول - الطبعة الخامسة، مطبعة المعارف الجديدة، 2018، ص 305
[45] مجيد حميد العنبكي، مبادئ العقد في القانون الإنجليزي، 2001 ص 119.
[46] أوردها حسين عبد الله بد الرضا الكلابي، مضمون العقد دراسة مقارنة بين النظام القانوني الانجليزي والقانون المدني الفرنسي، عدد 01-2018، ص 697
[47] نفسه
[48] Bowen LJ explained this reasoning as follows:
Both parties knew that the jetty was let for the purpose of profit, and knew that it could only be used
by the ship taking the ground and lying on the ground. They must have known, both of them, that
unless the ground was safe the ship would be simply buying an opportunity of anger and buying no
convenience at all, and that all consideration would fail unless the ground was safe. In fact, the
business of the jetty could not be carried on unless, I do not say the ground was safe, it was
supposed to be safe.
أشار إليه فتحي عبد الرحيم، العناصر المكونة للعقد كمصدر للالتزام في القانون المصري والانجليزي المقارن، ص 279
Both parties knew that the jetty was let for the purpose of profit, and knew that it could only be used
by the ship taking the ground and lying on the ground. They must have known, both of them, that
unless the ground was safe the ship would be simply buying an opportunity of anger and buying no
convenience at all, and that all consideration would fail unless the ground was safe. In fact, the
business of the jetty could not be carried on unless, I do not say the ground was safe, it was
supposed to be safe.
أشار إليه فتحي عبد الرحيم، العناصر المكونة للعقد كمصدر للالتزام في القانون المصري والانجليزي المقارن، ص 279
[49] « En cas d’abus dans la fixation du prix, le juge peut être saisi d’une demande tendant à obtenir
des dommages et intérêts et le cas échéant la résolution du contrat.
des dommages et intérêts et le cas échéant la résolution du contrat.
[50] « Art. 1195.-Si un changement de circonstances imprévisible lors de la conclusion du contrat rend
l’exécution excessivement onéreuse pour une partie qui n’avait pas accepté d’en assumer le risque,
celle-ci peut demander une renégociation du contrat à son cocontractant. Elle continue à exécuter
ses obligations durant la renégociation.
l’exécution excessivement onéreuse pour une partie qui n’avait pas accepté d’en assumer le risque,
celle-ci peut demander une renégociation du contrat à son cocontractant. Elle continue à exécuter
ses obligations durant la renégociation.
[51] « En cas de refus ou d’échec de la renégociation, les parties peuvent convenir de la résolution du
contrat, à la date et aux conditions qu’elles déterminent, ou demander d’un commun accord au juge
de procéder à son adaptation. A défaut d’accord dans un délai raisonnable, le juge peut, à la demande d’une partie, réviser le contrat ou y mettre fin, à la date et aux conditions qu’il fixe.
contrat, à la date et aux conditions qu’elles déterminent, ou demander d’un commun accord au juge
de procéder à son adaptation. A défaut d’accord dans un délai raisonnable, le juge peut, à la demande d’une partie, réviser le contrat ou y mettre fin, à la date et aux conditions qu’il fixe.
[52] علي يوسف صاحب، ، مفهوم العقد في القانون الأنجلو أمريكي- دراسة مقارنة ص 360.
[53] علي يوسف صاحب، ، مفهوم العقد في القانون الأنجلو أمريكي- دراسة مقارنة ص 365
[54] François Terré, Philippe Simler et Yves Lequette, droit civil, les obligation, p623.
[55] راجع عبد الرحمان الشرقاوي، القانون المدني- صادر الالتزام –الجزء الأول - الطبعة الخامسة، مطبعة المعارف الجديدة، 2018، ص 315 وما بعدها.