نسخة التحميل
المقدمة
لقد كانت علاقة الشغل، كما هو معلوم، منظمة بموجب قانون الالتزامات و العقود القائم على أساس مبدأ سلطان الإرادة، إلا أنه أمام إجحاف هدا المبدأ في حق الطبقة العاملة، فقد اضطرت جل التشريعات المقارنة للتدخل من أجل حماية هذه الفئة الضعيفة بمقتضى قواعد قانونية أمرة لضبط علاقة الشغل بعيدا عن قواعد ومبادئ القانون المدني، وقد شكلت هذه القواعد ما يسمى بقانون الشغل والدي يعد بمثابة القانون الذي يحكم العلاقات بين الأجراء والمشغل سواء تعلق الأمر بعلاقات قانون الشغل الفردية أو في إطار علاقات الشغل الجماعية.
وانطلاقا من هذا المبدأ جاءت قوانين الشغل بصفة عامة لحماية الأجير من استغلال صاحب الرأسمال، إلا أن مدى نجاعة هذه القوانين وفاعليتها تقاس بمدى وضعها موضع التنفيذ و التطبيق، وهي مسؤولية يقع الجزء الأكبر منها على القضاء، باعتباره الجهاز الذي يحقق التوازن بالتطبيق السليم للقوانين المذكورة
وتماشيا مع ذلكـ’ فقد عمد المشرع المغربي على جعل القضايا الاجتماعية جزءا لا يتجزأ من القضاء العادي حيث أصبحت من اختصاص المحاكم الابتدائية وذلك بموجب الإصلاح القضائي لسنة 1974 بعدما ضلت متمتعة بالاستقلال عن القضاء العادي وتعالج في إطار محاكم خاصة اصطلح عليها بمحاكم الشغل تم المحاكم الاجتماعية
و بالنظر أيضا لخصوصية قضايا محاكم الشغل وتميزها عن القضايا الأخرى وكدا أهمية القانون الاجتماعي المنظم لها في شتى المجالات الاجتماعية والاقتصادية و السياسية فقد أولى المشرع المغربي اهتماما خاصا بالقضايا الاجتماعية حيت أفرد لها نصوصا في إطار قانون المسطرة المدنية من الفصل 269 إلى 294 معتبرا بدلك مسطرة البت قي هده المسطرة من المساطر الخاصة
وباستقرائنا للفصول المذكورة أعلاه، يمكن القول أن خصوصيات المسطرة في المادة الاجتماعية همت كل مراحل الدعوى بدءا برفعها إلى حين الحكم فيها ومباشرة عمليات التنفيذ
وهكذا فأهمية الموضوع تبرز إذن في تخصيص المشرع المغربي للقضايا الاجتماعية بقواعد مسطرية خاصة مبتغيا من وراء ذلك توفير الحماية القانونية للأجير كطرف ضعيف في العلاقة التعاقدية لكن دون إغفال المحافظة على حقوق المشغل
وعليه، ومن خلال هذا الموضوع سنحاول معالجة الإشكالية التالية والمتمثلة في:
إلى أي حد تتسم قواعد المسطرة في المادة الاجتماعية بخصوصيات تميزها عن المسطرة العادية بشكل يحقق التوازن والحماية القانونية للأجير كطرف ضعيف في العلاقة التعاقدية؟
وتتفرع عن هذه الإشكالية العديد من التساؤلات الفرعية والمتمثلة في أين تتجلى خصوصيات مسطرة هذه الدعاوى الاجتماعية بدءا من رفع الدعاوى إلى حين الفصل فيها؟ وما هي الإشكاليات التي تعرفها قواعد الطعن ضد الأحكام الصادرة في المادة الاجتماعية؟ وما هي الصعوبات التي يمكن أن تعترض تنفيذ هذه الأحكام ؟ وما مدى إعمال قواعد التحكيم في هذا النوع من المساطر؟ وإلى أي حد تحقق هذه المقتضيات الإجرائية الحماية القانونية للأجير ؟
ولمعالجة هده الإشكالية سنقسم الموضوع إلى مبحثين على الشكل التالي:
المبحث الأول : تأليف المحكمة وتقديم الدعوى وإجراءاتها
المبحث الثاني: الطعن في الأحكام الاجتماعية وتنفيذها وقواعد التحكيم
المبحث الأول : تأليف المحكمة وتقديم الدعوى وإجراءاتها
تعتبر مسطرة القضايا الاجتماعية والواردة ضمن الفصول 269 إلى 294 من المسطرة المدنية من بين المساطر الخاصة، والتي خصها المشرع المغربي بقواعد إجرائية ومسطرية تختلف عن باقي القضايا، وعلى هذا الأساس سوف نحاول التطرق إلى أهم ما جاءت به هذه المسطرة، حيث سنخصص المطلب الأول للتحدث عن تأليف المحكمة وتقديم الدعوى لنتطرق في المطلب الثاني لإجراءات الدعوى.
المطلب الأول: تأليف المحكمة وتقديم الدعوى
إن تأليف المحكمة وتقديم الدعوى في القضايا الاجتماعية تتميز عن غيرها من المساطر العادية وعلى هذا الأساس سوف نتناول هذا المطلب وفق فقرتين، تأليف المحكمة (الفقرة الأولى)، وتقديم الدعوى (الفقرة الثانية).
الفقرةالأولى : خاصية الاختصاص و تأليف المحكمة
إذا كان الاختصاص يفيد عموما ولاية محكمة معينة للبت في نزاع محدد أو صلاحية هذه المحكمة للنظر في الدعوى مرفوعة إليها، فنتيجة لتعدد المحاكم وتنوع القضايا المعروضة عنها و أيضا ضرورة حصر المجال الترابي الذي تمارس فيه كل واحدة سلطتها القضائية فإن كل التشريعات قد سنت قواعد قانونية من شأنها توزيع الاختصاص فيما بين المحاكم إضافة إلى خاصية أخرى للمسطرة والمتعلقة بتأليف المحكمة
البند الأول: الاختصاص
إن دراسة الاختصاص ترمي إلى معرفة الجهة القضائية والمحكمة المؤهلة للنظر في النزاعات على اختلافها، .وبعبارة أوضح، فالاختصاص هو صلاحية المحكمة للبت في الدعوى المعروضة عليها وعدم الاختصاص هو فقدان ولاية هذه الجهة أو المحكمة إزاء نزاع معين،. وتحديد اختصاص محكمة معينة يكون بتمييز القضايا التي لها سلطة النظر فيها وفقا للقواعد التي ينص عليها القانون. وقد قسم المشرع المغربي الاختصاص إلى نوعي و محلي أو مكاني وقيمي، وهذا التقسيم يتضح جليا في قانون المسطرة المدنية وقانون المحاكم الإدارية وقانون المحاكم التجارية.
.
أولا: الاختصاص النوعي
يعرف الاختصاص النوعي بالمعنى الدقيق بكونه سلطة المحاكم في الفصل في المنازعات بحسب جنسها أو نوعها أو طبيعتها، فمعيار إسناد الاختصاص للمحاكم هنا هو نوع أو طبيعة الرابطة القانونية محل الحماية أو موضوعها
وقد حدد المشرع اختصاص المحاكم الابتدائية في المادة 18 من قانون المسطرة المدنية حين نص أنه تختص المحاكم الابتدائية - مع مراعاة الاختصاصات الخاصة المخولة إلى أقسام قضاء القرب - بالنظر في جميع القضايا المدنية وقضايا الأسرة والتجارية الإدارية والاجتماعية ابتدائيا وانتهائيا أو ابتدائيا مع حفظ حق الاستيناف1
والى جانب ما سبق تختص المحاكم الابتدائية، استنادا إلى مقتضيات الفصل 20 من قانون المسطرة المدنية، النظر في أنواع القضايا الاجتماعية الآتية:
● النزاعات الفردية المتعلقة بعقود الشغل والتدريب المهني، والخلافات الفردية التي لها علاقة بالشغل أو التدريب المهني .
● التعويض عن الأضرار الناتجة، عن حوادث الشغل والأمراض المهنية، طبقا للتشريع الجاري به العمل .
● النزاعات التي قد تترتب عن تطبيق المقتضيات التشريعية والتنظيمية، المتعلقة بالضمان الاجتماعي
وفي هدا الصدد فقد صدر عن المجلس الأعلى أنه تكون محكمة الشغل هي المختصة نوعيا للبت في النزاع القائم بين الشركة التجارية ومسيرها الأجنبي الذي يحمل في نفس الوقت صفة أجير|، على تكون محكمة الشغل هي المختصة نوعيا للبت في النزاع القائم بين الشركة التجارية ومسيرها الأجنبي الذي يحمل في نفس الوقت صفة أجير، على اعتبار أن النزاع مصدره عقد الشغل المبرم بين الطرفين ويتعلق بأداء الأجر، وبالتالي لا يعد نزاعا تجاريا تختص به المحكمة التجارية
ثانيا: الاختصاص المحلي
يراد بالاختصاص المحلي أن كل محكمة تكون مختصة بالبت في المنازعات وذلك في حدود الدائرة الجغرافية التابعة لها.
و برجوعنا غلى النصوص المنظمة للاختصاص المكاني أو المحلي في قانون قضاء القرب وقانون المسطرة المدنية وقانون إحداث المحاكم التجارية لوجدناه تقرر مبدأ واحدا وهو الاختصاص المحلي يعهد للمحاكم التي توجد بدائرة نفوذها موطن المدعى عليه الحقيقي أو المختار أو محل إقامته في حالة انعدام موطن لديه
وهكذا ينص الفصل 27 من قانون المسطرة المدنية على القواعد العامة بشأن الاختصاص المحلي بقوله : " يكون الاختصاص المحلي، لمحكمة الموطن الحقيقي أو المختار للمدعى عليه، إذا لم يكن لهدا الأخير موطن في المغرب، ولكن يتوفر على محل إقامة كان الاختصاص لمحكمة هدا المحل .
إذا لم يكن للمدعى عليه لا موطن ولا محل إقامة بالمغرب، فيمكن تقديم الدعوى ضده أمام محكمة موطن أو إقامة المدعي، أو واحد منهم عند تعددهم.
إذا تعدد المدعي عليهم، جاز للمدعي أن يختار محكمة، موطن أو محل إقامة أي واحد منهم."
إلا انه في القضايا الاجتماعية فقد عمل المشرع المغربي على إخراج الاختصاص المكاني في القضـايا الاجتماعية مـن القواعد العامة كما هو محدد بموجب المادة 27 من قانون المسطرة المدنية، وأدخلها ضمن الاستثناءات المنصوص عليها بموجب الفصل 28 من ق م م
وهكـذا تختلـف قواعـد الاختصاص المحلي باختلاف أنواع المنازعات المعروضة عليها، حيت يحدد الفصل 28 من قانون م م الاختصاص المحلي في القضايا الاجتماعية كما يأتي :
في دعاوى عقود الشغل و التدريب المهني، أمام محكمة موقع المؤسسة بالنسبة للعمل المنجز بها، أو محكمة موقع إبرام أو تنفيذ عقد الشغل، بالنسبة للعمل خارج المؤسسة.
في دعاوى الضمان الاجتماعي، أمام محكمة موطن المدعى عليه وإذا كان موطن المؤمن له يقع خارج المغرب، فإن المحكمة المختصة بالنظر في دعاوى الضمان الاجتماعي، هي محكمة الدار البيضاء الفصل 29 من قانون المسطرة المدنية.
في دعاوى حوادث الشغل، أمام المحكمة التي وقعت الحادثة في دائرة نفوذها، غير أنه إذا وقعت الحادثة في دائرة نفوذ محكمة، ليست هي محل إقامة الضحية، جاز لهذا الأخير أو لذوي حقوقه، رفع القضية أمام محكمة محل إقامتهم.
في دعاوى الأمراض المهنية، أمام محل إقامة العامل أو ذوي حقوقه. .
أما متى كان موطن الأجير أو دوي حقوقه بالخارج فإن دعاوى الأمراض المهنية من اختصاص محكمة المحل الذي وقع إيداع التصريح بالمرض فيه، ، الفصل 30 من قانون المسطرة المدنية.
إلا أنه تجدر الإشارة أن الاختصاص المكاني ليس من النظام العام بحيث يمكن الاتفاق على مخالفته، وهو ما أقرته العديد من القرارات الصادرة عن محكمة النقض كالقرار عدد 598 الصادر بتاريخ 21 ماي 2008 في الملف عدد 128/5/1/2007 والذي اعتبر أنه ما دام أن الاختصاص المحلي ليس من النظام العام، فإنه يجوز للطرفين الاتفاق على المحكمة التي ينعقد لها الاختصاص المحلي للنظر في النزاع القائم بينهما. و القرار المطعون فيه لما استبعد اتفاق الطرفين و اسند الاختصاص لمحكمة أخرى يكون غير مرتكز على أساس
ثالثا :الاختصاص القيمي
نظم المشرع المغربي الاختصاص القيمي للمحاكم الابتدائية في الفصل 19 من قانون المسطرة المدنية، حيت أعتبر أنه تختص المحاكم وتبث ابتدائيا، مع حفظ حق الاستئناف أمام غرف الاستئناف بالمحاكم الابتدائية، إلى غاية عشرين ألف درهم 20000درهم وابتدائيا مع حفظ حق الاستئناف أمام المحاكم الاستئنافية، في جميع الطلبات التي تتجاوز 20000 درهم درهم؛ كما تبت ابتدائيا إذا كانت قيمة موضوع النزاع غير محددة، مـع حفـظ حـق الاستئناف أمام المحاكم الاستئنافية. غير أنه و بموجب الفصل 21 من قانون المسطرة المدنية فإنه:
تبت المحكمة في القضايا الاجتماعية انتهائنا في حدود الاختصاص المخول إلى المحاكم الابتدائية والمحدد بمقتضى الفصل 19 وابتدائيا إذا تجاوز الطلب ذلك المبلغ أو كان غير محدد.
تبت ابتدائيا فقط في قضايا حوادث الشغل والأمراض المهنية وكذا في المعاشات الممنوحة في نطاق الضمان الاجتماعي باستثناء النزاعات الناشئة عن تطبيق الغرامات التهديدية المقررة في التشريع الخاص بالتعويض عن حوادث الشغل والأمراض المهنية فإن الأحكام تصدر بصفة انتهائية ولو كان مبلغ الطلب غير محدد. إلا أن البت في الغرامة الإجبارية ابتدائيا وانتهائيا أيا كان المبلغ المطالب به بموجب العديد من قرارات محكمة النقض يتعين أن يكون مشروطا بعدم وجود طلب مضاد قابلا لمسطرة الطعن بالاستئناف
البند الثاني : تأليف المحكمة
منذ أن استقل المغرب، بادر المشرع إلى إسناد قضايا الشغل إلى محاكم مختصة، حيث أسست المحاكم الاجتماعية بمقتضى الظهير الشريف رقم 110. 72. 1 المؤرخ بـ 27 يوليوز 1972، وتوسع اختصاصها فأصبحت تتكون من شقين، شقا للصلح وآخر للتحكيم، وكان يترأس جلساتهما قاض بمساعدة أربعة مستشارين، اثنين من العمال واثنين من المشغلين، يعينون بقرار مشترك بين وزير العدل والوزير المكلف بالعمل بناء على اقتراح المنظمات المهنية الأكثر تمثيلا لمدة ثلاث سنوات.
لكن المشرع عمد من خلال ظهير 15 يوليوز 1974 إلى إلغاء هذه المحاكم وإدماجها ضمن اختصاص المحاكم العادية .
وانطلاقا من الفصل 270 من قانون المسطرة المدنية ، نجد أن المشرع المغربي قد ميز بين تشكيلة المحكمة في القضايا الاجتماعية وبين تشكيلة المحكمة في القضايا العادية.
كما أنه ميز في تشكيلة المحكمة في القضايا الاجتماعية بين مسؤوليتين:
1- إذا تعلق الأمر بحوادث الشغل والأمراض المهنية، فإنه اشترط قاض منفرد
2- إذا تعلق الأمر بنزاعات الشغل، استلزم حضور أربعة مستشارين، نصفهم يختار من المشغلين، والنصف الآخر من الأجراء إلى جانب ثلاثة قضاة.
وبخصوص طريقة تعيين هؤلاء المستشارين، فقد نص الفصل 271 من قانون المسطرة المدنية على أنه يحدد بمرسوم طريقة تعيين المستشارين والقواعد المنظمة له، وفي هذا الإطار فقد صدر مرسوم رقم 633. 74. 2 صادر بتاريخ 11 رمضان 1394 (28 شتنبر 1974) يتعلق بتعيين المستشارين في القضايا الاجتماعية وتنظيم مهامهم، كما أن الدورية صادرة عن وزير العدل بتاريخ 29 يوليوز 1991 تحت عدد 10027/ 2 حول عدم حضور المستشارين في جلسات القضايا الاجتماعية، قد حثت القضاة المكلفين بالقضايا الاجتماعية إلى استدعاء هؤلاء المستشارين برسائل مضمونة لحضور جلسات القضايا الاجتماعية قبل 15 يوما على الأقل من التاريخ المقرر لعقدها طبقا لمقتضيات الفصل الثامن من المرسوم عدد 633- 274 الصادر بتاريخ 11 رمضان 1394 (28 شتنبر 1974).
أما فيما يخص موقف القضاء، فنجد أنه حسم في هذه المسألة، حيث أقر إمكانية صدور حكم من المحكمة في هذا الإطار دون حضور العدد الكافي من المستشارين شريطة أن يشار إلى ذلك في الحكم وإلا تعرض للنقض مع الإشارة إلى أن المحكمة غير ملتزمة بالإشارة إلى السبب أو الأسباب التي أدت إلى عدم حضوره . حيث جاء في قرار صدر عن المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا): "يشار إلى أسماء المستشارين المنصوص عليهم في الفصل 270 من ق. م.م في الحكم إذا كانوا قد شاركوا فعلا القاضي الابتدائي عند البث في المنازعة المتعلقة بالشغل، ومشاركتهم إنما تتحقق بعد أن يقع تعيينهم، أما إذا كانوا غير موجودين فان القاضي يمكنه أن يبث بمفرده، وفي هذه الحالة لا يشمل الحكم إلى على اسم القاضي الذي أصدره" .
وفي نفس الاتجاه صدر عن المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) قرار جاء فيه "أن الفصل 270 من ق. م. م ينص على أنه إذا كان عدد المستشارين الحاضرين غير كاف بث القاضي منفردا ولم ينص على وجوب تأخير القضية حتى يتوفر عدد هؤلاء المستشارين وأحرى إذا كانوا غير معينين بعد " .
الفقرة الثانية: تقديم الدعوى
يخضع تقديم الدعوى الاجتماعية لدى المحكمة الابتدائية بحسب الأصل لذات القواعد القانونية التي تخضع لها بقية القضايا الأخر، حيث ينص الفصل 272 من قانون المسطرة المدنية على أنه "تطبق القواعد المتبعة أمام المحاكم الابتدائية ما لم تكن منافية للمقتضيات الآتية".
ووفقا للفصل 31 من قانون المسكرة المدنية "ترفع الدعوى إلى المحكمة الابتدائية بمقال مكتوب موقع عليه من طرف المدعي أو وكيله، أو بتصريح يدلي به المدعي شخصيا ويحرر به أحد أعوان كتابة الضبط المحلفين محضرا يوقع من طرف المدعي أو يشار في المحضر أنه لا يمكن له التوقيع".
إلا أن هذه المقتضيات ليست إلزامية وإنما اختيارية، بحيث يبقى لرافع الدعوى الاجتماعية الخيرة بين احترامها وسلوك المسطرة الشفوية، وذلك طبقا لما ينص عليه الفصل 45 من قانون المسطرة المدنية .
ويترتب على اعتبار القضايا الاجتماعية من مستثنيات المسطرة الكتابية إلزامية تنصيب المحامي، لأن المنطق يفرض التلازم بين سلوك المسطرة الكتابية وتنصيب المحامي. لكن الجدير بالذكر أن المادة 32 من قانون المحاماة خالف هذه القاعدة، وأكد بمفهوم المخالفة ضرورة المحامي، فقد جاء في هذه المادة ما يلي المحامون المسجلون بجداول هيئات المحامين بالمملكة ، هم وحدهم المؤهلون ، في نطاق تمثيل الأطراف ، ومؤازرتهم ، لتقديم المقالات والمستنتجات والمذكرات الدفاعية في جميع القضايا باستثناء قضايا التصريحات المتعلقة بالحالة المدنية ، وقضايا النفقة أمام المحكمة الابتدائية والاستئنافية ، والقضايا التي تختص المحاكم الابتدائية بالنظر فيها ابتدائيا وانتهائيا وكذا المؤازرة في قضايا الجنح والمخالفات.
ويستنتج من الأحكام السابق ذكرها، أن القضايا الاجتماعية رغم أن المشرع رفع الدعاوي يشأنها لعدم إخضاعها للشروط الشكلية المنصوص عليها في الفصلين 31 و 32 من قانون المسطرة المدنية، لم تخرج عن القاعدة العامة التي تفرض تنصيب محام للدفاع عن الأطراف فيها، وكان الأولى أن يذهب قانون المحاماة بعيدا، فيعتبر القضايا الاجتماعية من الدعاوي التي يسمح فيها للمعنيين بالأمر بالترافع أمام المحاكم دون حاجة إلى تعيين محامي لهذا الغرض
وانسجاما مع هذا التوجه فقد أصدرت محكمة النقض قرارا نقضت بموجبه قرارا استئنافيا اعتبرت فيه محكمة الاستئناف أن تصحيح المستأنف للمسطرة خلال المرحلة الإستئنافية و ذلك بتنصيب محام يجعل دعواه مقبولة رغم عدم قيامه بذلك خلال المرحلة الابتدائية ، و مما جاء في حيثيات هذا القرار المهم حقا حيث صح ما عابته الوسيلة على القرار ، ذلك انه بمقتضى المادة 31 من الظهير رقم 162-93 ( المادة 32 حاليا بعد تعديل 2008 ) المنظم لمهنة المحاماة ، فإن المحامين المعتمدين بجدول هيئات المحامين بالمملكة هم وحدهم المؤهلون في نطاق تمثيل الأطراف و مؤازرتهم لتقديم المقالات و المستنتجات و المذكرات الدفاعية في جميع القضايا باستثناء القضايا الجنائية و قضايا النفقة أمام المحاكم الابتدائية و الاستئنافية و القضايا التي تختص المحاكم الابتدائية بالنظر فيها ابتدائيا و انتهائيا ، و استنادا إلى ذلك فإن تصحيح الدعوى بتقديمها و توقيعها من طرف المحامي يجب أن يتم في ذات مرحلة التقاضي التي استلزم القانون تقديم و توقيع المحامي على صحيفتها ، و محكمة الاستئناف حين ردت دفع الطاعنة بعدم قبول دعوى المطلوب لتقديمها من غير محام ، بكون هذا الإجراء الذي لم يتدارك ابتدائيا لا تأثير له على الحكم المستأنف خاصة و أن الاستئناف ينشر الدعوى من جديد، و قد أجريت المسطرة في هذه المرحلة ، تكون قد خرقت المقتضيات الواردة أعلاه و عللت قرارها تعليلا فاسدا، فعرضته بالتالي للنقض والإبطال »
المطلب الثاني: إجراءات الدعوى
من أجل إظهار خصوصيات المسطرة في القضايا الاجتماعية ارتأينا أن نتناول هذا المطلب وفق فقرتين، نخصص الفقرة الأولى لقواعد الاستدعاء والتبليغ، على أن نتطرق للفقرة الثانية لإجراءات الصلح والمساعدة القضائية.
الفقرة الأولى: قواعد الاستدعاء والتبليغ
لم يأخد المشرع المغربي في المادة الاجتماعية بقواعد خاصة للاستدعاء والتبليغ، تتلاءم والمسطرة في القضايا الاجتماعية كمسطرة خاصة، بل اكتفى في هذا الشأن بطرق الاستدعاء والتبليغ كما نصت عليها الفصول 37، 38 و 39 من قانون المسطرة المدنية، وهي الفصول التي تحكم الاستدعاء والتبليغ وفق المسطرة العادية أمام المحاكم الابتدائية.
إلا أننا بالرجوع لبعض المقتضيات القانونية نجد خلاف ذلك، فرغم خضوع المادة الاجتماعية للفصول 37، 38 و 39 التي تطبق على الدعاوى المدنية بشكل عام نجد أن المشرع خص هذه القضايا بمقتضيات وخصوصيات متميزة.
فأول خصوصية يمكن تسجيلها، أن الفصل 274 الذي يحيل على القواعد العامة للاستدعاء والتبليغ، حدد أجلا ينبغي أن يفصل بين التاريخ المحدد للحضور وتاريخ التوصل بالتبليغ، وهو ثمانية أيام. وقد خالف المشرع القواعد المعمول بها في المادة المدنية، إذ كما هو معلوم حدد الفصل 40 آجالا أخرى تختلف بحسب توافر الطرف على موطن أو محل إقامة في مكان مقر المحكمة التي ستنظر في النزاع من عدمه. فإذا كان للطرف موطن بدائرة المحكمة وجب أن يفصل بين تاريخ تبليغ الاستدعاء وتاريخ الحضور خمسة أيام (5)، أما إن كان يقيم في محل آخر من تراب المملكة، فالأجل والحالة هذه هو خمسة عشر يوما (15). يضاف إلى ما سبق أن الفصل 274 لم يرتب أي أثر على عدم احترام الأجل المحدد في ثمانية (8) أيام، في الوقت الذي رتب بطلان الحكم الصادر دون احترام أجلي خمسة أيام أو خمسة عشر يوما.
وإذا كان من أهم المآخد والانتقادات التي يوجهها المتقاضون والمهتمون إلى العدالة، تلك المتعلقة بالتبليغ ووسائله، حيث إن واقع مسطرة تبليغ الاستدعاءات و الأحكام، وتنفيذ هذه الأخيرة، يمثل أهم إشكاليات الواقع القضائي المغربي بصفة عامة، سواء تعلق الأمر بالقضايا المدنية أو التجارية أو العقارية أو غيرها من القضايا التي لا تتصف بما تتصف به القضايا الاجتماعية من أهمية، لارتباطها في الغالب بحقوق ومزايا ذات طابع معيشي، اذا كان الأمر كذلك، أمكن لنا تصور مدى الضرر الذي يلحق العامل نتيجة إخضاع المادة الاجتماعية من حيث الاستدعاء والتبليغ والتنفيذ لذات القواعد العامة، فهذه الأخيرة ليس من شأنها تأصيل قواعد قانون الشغل وبلورتها للطابع الحمائي الذي تقوم عليه.
الفقرة الثانية: الصلح والمساعدة القضائية
أولا: الصلح
تقوم المحكمة أولا ولزوما بمحاولة للتصالح بين الطرفين، حيث نص الفصل 277 من ق م م على ما يلي: " يحاول القاضي في بداية الجلسة التصالح بين الأطراف".
وقد اعتبر المشرع هذا الإجراء من النظام العام، وأوجب أن يشار في الحكم الصادر في القضية إليه، وذلك علاوة على البيانات المنصوص عليها في الفصل 50 من ق م م، وذلك بناء على مقتضيات المقطع الأول من الفقرة الأولى من الفصل 283 من ق م م.
فانطلاقا من مقتضيات الفصل 277 المشار إليه أعلاه، فالمحكمة تحاول في بداية الجلسة، وقبل الحكم، إجراء محاولة للصلح بين طرفي أو أطراف الدعوى أي بالمرحلة الابتدائية، وهذا ما أكده قرار للمجلس الأعلى الذي جاء فيه أن: "محاولة التصالح بين الأطراف في نزاعات الشغل إنما يتم إجراؤها في المرحلة الابتدائية، وليس أمام محكمة الاستئناف" .
لذلك نجد أن المشرع ألزم الأطراف بالحضور شخصيا في الجلسة الأولى، مع الترخيص للمشغل أو المؤمن الذي يقوم مقامه في قضايا حوادث الشغل والأمراض المهنية، وللمدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في قضايا الضمان تعيين من ينوب عنهم ، كما يمكن أيضا للأطراف، وبمقتضى إذن القاضي أن يختاروا من يمثلهم، وذلك في حالة تعذر الحضور الشخصي ، وهو ما فسح المجال أمام بعض الاجتهادات الفقهية والقضائية، إلى الذهاب بأن القيام بمحاولة الصلح في أول جلسة هو إجراء اختياري للقاضي أن يقوم به أو يغفله، إلا أن المجلس الأعلى ، تصدى لهذه الاجتهادات، وأكد أن محاولة الصلح التي تقوم بها المحكمة هي إجراء جوهري إجباري يترتب على عدم مراعاته البطلان، سواء حضر الأطراف بصفة شخصية في أول جلسة أو حضروا من خلال ممثليهم، وهذا ما أكدته الاجتهادات القضائية التالية :
جاء في قرار للمجلس الأعلى أنه: " وحيث إنه لا يوجد في الحكم المطعون فيه، ولا من بين وثائق الملف ما يفيد أن القاضي قام بالإجراء المذكور، الشيء الذي يتعرض معه الحكم المذكور إلى البطلان"
جاء في قرار للمجلس الأعلى أنه :" يتعين على محكمة الاستئناف المعروض عليها حكم ابتدائي صادر في المادة الاجتماعية، ولم ينص على إجراء محاولة التصالح – خرقا للفصلين 277 و 283 من ق م م – أن تلغيه. وليس من حقها تأويل عدم التنصيص على إجراء محاولة التصالح بعدم حضور الشركة المدعى عليها"
ولتوفير كافة الظروف لإنجاح محاولة الصلح أعطى المشرع للقاصرين الذين لم تتأت مؤازرتم من طرف أبيهم أو حاجرهم إمكانية طلب الحصول على إذن من القاضي لإبرام الصلح، كما سهل على الأطراف إبداء ملاحظتهم حتى على ورق عاد ، وهذا يندرج ضمن خصوصيات القضايا الاجتماعية لما لها من علاقة مباشرة بالسلم الاجتماعي وبالأسرة والمجتمع اللذين يعد الأجير إحدى القوى التي يرتكز عليها، حيث نجد المشرع خرج عن القواعد المألوفة في مجال التقاضي إذ لم يشترط كمال الأهلية كما اشترطه الفصل الأول من ق م م، وإنما سمح استثناء بقبول الدعوى، وبإجبار الصلح فيها ولو من شخص قاصر.
وهكذا فإذا نجحت المحكمة في محاولة الصلح بين الأطراف، وجب تتثبيت ذلك في اتفاق وفق الشروط المنصوص عليها في الفصل 278 من ق م م، فلو تعلقت المصالحة بخلافات الشغل الفردية، تم تثبيت ذلك بمقتضى أمر، وهو نفس الشيء بالنسبة للتصالح بخصوص قضايا حوادث الشغل والأمراض المهنية، فقط يتعين أن يتضمن الأمر تاريخ وقوع الحادثة، وتاريخ الشروع في الانتفاع بالتعويض أو الإيراد وجميع العناصر المستعملة لتقدير التعويض أو الإيراد. ومتى خصت محاولة إصلاح قضايا الضمان الاجتماعي ثبت بمحضر أو أمر حسب الحالة، يشمل جميع العناصر المستعملة لتقدير التعويضات والمعاشات المذكورة وفق الشروط المنصوص عليها في قانون الضمان الاجتماعي.
وبالتالي، عند إتمام عملية الصلح واثبات الاتفاق سواء بمحضر أو أمر، فانه يضع حدا للنزاعات التي كانت قائمة بين مختلف الأطراف، وينفذ بقوة القانون ولا يكون هناك أي مجال لأي طعن، وهذا ما أكده الاجتهاد القضائي الصادر عن المجلس الأعلى الذي جاء فيه : "في حالة التصالح بين الأطراف أمام المحكمة فان الاتفاق يتم اثباته حسب الأحوال اما بمحضر أو أمر يضع حدا للنزاعات وينفذ بقوة القانون زلا يقبل أي طعن، والقرار الاستئنافي المطعون فيه لما قضى على المشغل بأداء تعويضات لفائدة الأجير عن تنفيذ عقد الشغل رغم حدوث تصالح بين الطرفين بشأن رجوعه الى العمل يكون قد خرق مقتضيات الفصل 278 من ق م م، عرضة للنقض، ويثير المجلس الأعلى تلقائيا هذا الخرق، لان ما يتعلق بطرق الطعن هو من النظام العام."
أما اذا لم يكتب للمحاولة النجاح لسبب من الأسباب المذكورة في الفصل 279 ، شأن الاختلاف بين الأطراف أو عدم حضور أحدهم، يقوم القاضي المكلف بتحرير محضر بعدم المصالحة ويبت في القضية حالا أو يؤجلها الى جلسة أخرى اذا تعلق بنزاعات الشغل، فانه على المحكمة أن تبت في الحال وليس لها أن تؤجل إلى أجل آخر.
كما يظهر فتخلف الأطراف من بين الأسباب الرئيسية التي تؤدي إلى فشل محاولة الصلح، لأن المشرع افترض في الطرف الذي استدعي ولم يحضر، رفضه محاولة الصلح، وهذا ما أكده قرار المجلس الأعلى الذي جاء فيه: " يعد عدم الحضور في القضايا الاجتماعية رفضا ضمنيا لمحاولة التوفيق بين الطرفين"
لهذا ركز الفصل 279 على تخلف الأطراف ونص على ما يلي: "....إذا تخلف المدعي عن الحضور ولم يقدم عذرا مقبولا شطب على قضيته.
وإذا تخلف المدعى عليه بت القاضي أو الهيأة بحكم غيابي أو بمثابة حضوري حسب الأحوال."
ويتجلى لنا من مقتضيات هذا الفصل لاسيما الفقرة الأخيرة منه، أن المشرع حاول المحافظة على القواعد العامة المنظمة لتخلف الأطراف، فرتب عن تخلف المدعي بدون عذر مقبول، التشطيب على دعواه، ورتب على تخلف المدعى عليه الحكم عليه غيابيا أو بمثابة حضوري. الا أنه بالرجوع القواعد الاجرائية المنصوص عليه بالفصل47 من ق م م، والمنظمة للآثار المترتبة على تخلف الأطراف بعد استدعائهم، نجد أن المشرع المدني قد ميز بين حالتين، الأولى تتمثل في تخلف المدعي وعدم توفر المحكمة على أي عنصر يسمح لها بالبت فهي تقرر التشطيب على القضية من جدول الجلسة فقط، حيث أنه لا يؤدي الى التشطيب على الدعوى بشكل نهائي، الا بعد انصرام أجل شهرين من تاريخ التشطيب دون رد فعل ايجابي يعرب من خلاله المدعي عن رغبته في متابعة النظر في قضيته.
أما الحالة الثانية بالنسبة للمدعي، فهي التي تكون فيها المحكمة متوفرة على العناصر الضرورية للبت في مطالب المدعي وتحكم عليه بمثابة حضوري. وهذه الأحكام تختلف عما ورد في الفصل 279.
والجدير بالبيان، أن محاولة الصلح ليست اجبارية سوى في المرحلة الابتدائية، أما أمام محكمة الاستئناف فغير ضروري الالتزام بها، لان المفروض أن الدعوى لا تبلغ مرحلة الاستئناف الا اذا فشلت محاولة الصلح الابتدائية، ولا يقبل الأمر بالمصالحة أي طريق من طرق الطعن، وتأييدا لهذا الاتجاه جاء في قرار للمجلس الأعلى: " وحيث يعيب الطاعن على القرار خرق الفصل 277 من ق م م لعدم قيام المحكمة باجراء محاولة التصالح بين طرفي النزاع. لكن حيث إن اجراء محاولة التصالح يتم أمام القاضي الابتدائي لا أمام محكمة الاستئناف، وفيما الحكم الابتدائي، فانه نص على تعذر التصالح بين الطرفين، مما يؤكد أن محاولة التصالح قد تمت ابتدائيا ولم تأت نتيجة، وبذلك فالوسيلة لا أساس لها."
ومن خلا القواعد التي وقع استعراضها أعلاه يتبين أن المشرع بوضعه لمحاولة الصلح كان يعلق أمالا كبيرة على فض النزاع بالطريقة الودية، الا أن الممارسة العملية أكدت أن هذه الأمال لم تكن في محلها، لان محاولة الصلح أصبحت شكلية زائة يقوم بها القاضي في أول جلسة حتى يحصن حكمه من الابطال فقط.
فالواقع أن محاولة الصلح بالطريقة المنصوص عليها أعلاه لا يمكن بأي حال أن تؤدي الغاية المرجوة منها لان الحضور الشخصي من جانب المشغل لا يمكن تحقيقه، لأن هذا الأخير ليس له أولا الوقت للحضور أمام القاضي وانتظار دوره ليتفاوض مع أجيره، خاصة بالنظر لعدد القضايا المعروضة أمام المحاكم وبالنظر لعدد القضايا التي قد تكون مرفوعة ضد نفس المشغل، كما أن امكانية تعيين نائب عن المشغل لتمثيله أمام المحكمة وان كانت تحقق الحضور أمام المحكمة الا أن هذا النائب يكون دوره سلبيا اذ لا يستطيع أن يتصرف تلقائيا ويتخذ مبادرة ابرام الصلح دون استشارة رب العمل وهذا من شأنه أن يعرقل المسطرة من دون نتيجة.
اذا نظر للصلح من زاوية الهيأة الحاكمة فانه بالنظر لعدد القضايا المعروضة عليها وتشعب هذه القضايا فانها لا تقوم بأي دور ايجابي لتحقيق هذا الصلح حتى على فرض حضور الأطراف شخصيا. وبناء على كل ذلك فانه من الناحية العملية يمكن القول بأن نسبة نجاح الصلح خاصة في أول جلسة ضئيلة جدا.
ثانيا: المساعدة القضائية
تهدف المساعدة القضائية عموما إلى توفير مجانية اللجوء إلى القضاء لكل من لا يستطيع تأدية الرسوم القضائية، تحقيقا لمبدأ حرية ولوج القضاء لجميع المواطنين دفاعا عن حقوقهم.
فالرسم القضائي هو أداء مالي مقدر بعينه، بشكل جزافي أو بنسبة مقدر من القيمة المالية للطلب المرفوع إلى القضاء، تستوفيه خزينة الدولة عن كل طلب يقدم للمحكمة أو عن كل إجراء قضائي أو طعن في قرار. وهذا الرسم القضائي المعبر عنه بالصوائر العدلية أو الأداء القضائي، يؤدى مسبقا ما لم ينص القانون على المجانية أو على الاعفاء من الأداء مسبقا.
لذا، وبالرجوع للمقتضيات القانونية المنصوص عليها بالفصل 273 من ق م م، نجد أن المشرع خص الدعوى العمالية بميزة ليس لها نظير في الدعوى العادية، مستهدفا في ذلك حماية الأجير باعتباره الطرف ذي المركز الاقتصادي الضعيف، وتقديرا لوضعيته المالية التي تزيد تفاقما سواء عند فصله عن العمل أو تعرضه لحادث أو مرض مهني قد يؤدي إلى انقطاع موارده، فيسر له سبيل التقاضي دون أن يتحمل مصروفات ونفقات باهظة، لذلك كانت إرادة المشرع أن يستفيد من المساعدة القضائية بحكم القانون العامل مدعيا أو مدعى عليه، أو ذوو حقوقه في كل دعوى بما في ذلك الاستئناف، وتسري آثار مفعول المساعدة القضائية بحكم القانون على جميع إجراءات تنفيذ الأحكام القضائية.
فيتضح من هذا النص، أن المشرع المغربي وخلافا لمقتضيات المرسوم الملكي المؤرخ في فاتح نونبر 1966 المنظم للمساعدة القضائية، لاسيما الفصل 6 منه، يقرر ميزة كبيرة للعامل أو لذوي حقوقه، تتمثل في منحه المجانية الكاملة عند طرقه باب القضاء .
فباستقرائنا للفصل 273 المؤطر لمؤسسة المساعدة القضائية يمكن تسجيل مجموعة من الملاحظات :
- أن المساعدة القضائية تشمل كل الإجراءات التي تمر منها الدعوى ابتدائيا واستئنافيا انطلاقا من أداء الوجيبة القضائية الخاصة بالمقال الافتتاحي للدعوى مرورا بباقي الإجراءات التي تستدعي الرسوم القضائية كواجبات التسجيل والخبراء وصولا إلى مرحلة التنفيذ التي يعفى فيها المعني بالأمر من أداء الرسوم المقررة في هذه المرحلة، ورسوم التنفيذ وواجب نشر الإعلانات القضائية، وكل ما يستلزمه من رسوم ومبالغ مالية لمباشرة الإجراءات. وهذا ما أكده الاجتهاد القضائي الصادر عن المجلس الأعلى حيث جاء فيه أن : " المطلوبة في النقض مستفيدة من المساعدة القضائية بقوة القانون، وأن الغاية من الكشف الطبي المطالب باجرائه معرفة الحالة الصحية للمطلوبة المتمتعة بالمساعدة القضائية وفقا لاحكام الفصل 273 من ق م م، والمحكمة لما أعرضت عن انجاز الخبرة التي أمرت بها على أساس عدم أداء مصاريفها من طرف الطالبة رغم انذارها تكون قد خرقت مقتضيات الفصل 56 من ق م م المستدل به، وكذا الفصل المشار اليه أعلاه، مما يكون معه القرار على النحو المذكور فاسد التعليل الموازي لانعدامه، ومعرضا للنقض."
- أن هذا الإجراء يقتصر على المرحلتين الابتدائية والاستئناف دون مرحلة النقض، بالرغم من كونها أهم مرحلة في سير الدعوى سواء من حيث حسمها في القضية أو من حيث ارتفاع تكاليفها، وذلك على أساس أن مرحلة النقض تنظم بمقتضى القواعد العامة خاصة الفصل 357 الذي ورد فيه أنه :" يتعين على طالب النقض أمام المجلس الأعلى أن يؤدي الوجيبة القضائية في نفس الوقت الذي يقدم فيه مقاله تحت طائلة عدم القبول." وهذا في الحالة ما لم يطلب المعني بالأمر المساعدة القضائية في إطار الفصل 358 من ق م م، أي ضمن القواعد العامة وليس في إطار الفصل 273 من نفس القانون، وهو الاتجاه الذي يبلوره الاجتهاد القضائي للمجلس الأعلى الذي ذهب الى أنه : "وحيث أن طالب النقض السيد ... لم يؤد الوجيبة القضائية عن مقال النقض المرفوع بواسطة الاستاذ ... اعتبارا بأنه معفى قانونا من أداء وجيبة النقض لان الدعوى اجتماعية، وحيث إن الاعفاء المنصوص عليه في الفصل المذكور لم يتناول الدعوى في مرحلة النقض، من أجله قضى المجلس الأعلى بعدم قبول الطلب ..."
- أن المشرع المدني من خلال الفصل 273 المشار إليه سالفا، حصر الاستفادة من المساعدة القضائية بالنسبة للأجير وذوي حقوقه، أما رب العمل فلا يسفيد من هذا الامتياز وما عليه سوى تأدية ما يفرضه القنون من رسم أو وجيبة قضائية، وهذا يرجع إلى رغبة المشرع في تحقيق نوع من التوازن بين طرفي علاقة الشغل، خاصة وأن الأصل في العلاقة هو الاختلال باعتبار أن العامل يمثل الطرف الضعيف اقتصاديا من الواجب حمايته لاسيما أن من خصائص قانون الشغل عامة، والدعوى الاجتماعية بشكل خاص، أنه ذو طابع حمائي.
فاذا كانت مؤسسة المساعدة القضائية قد مكنت بالفعل ذوي الدخل المحدود من اللجوء إلى القضاء دون تكبد خسائر للوصول الى حقوقهم، إلا أنه من جهة أخرى يعاب عليها أنها كانت السبب في الكثير من الدعاوى الكيدية وقد أكدت الممارسة العملية هذه الحقيقة، اذ تبين أن العديد من الدعاوى ترفض بعدما يتبين أن العامل أو الأجير قد تقدم بدعواه بالرغم من علمه المسبق بأنه على غير حق، والاشكال أنه قد يفلح في بعض الأحيان إذا ما أخذنا في الاعتبار كثرة الملفات المعروضة على القضاء وخاصة مع عدم وجود قضاء متخصص.
وما يعاب كذلك على هذه المؤسسة هو الإطلاق الوارد في النص حيث متع العامل بها بدون قيد أو شرط، الشيء الذي يجعل أشخاصا كثيرين يستفيدون منها بالرغم من أنهم بعيدون كل البعد عن محدودي الدخل الذين قصدهم المشرع، بل ان منهم من يتقاضى أجورا خيالية ولا يفرض عليهم أي رسم، خاصة وانهم يطالبون أمام المحاكم بمبالغ مرتفعة جدا.
بالإضافة الى ذلك، فان شمول المساعدة القضائية لمصاريف المحامي يؤدي الى العديد من العراقيل، حيث يقع الأجير في كثير من الأحيان في مشكل تقاعس المحامي في تتبع القضية والعناية بها قد تصل الى حد التماطل، خاصة وأن المسطرة المعمول بها في تعيين المحاميين عن طريق النقابة تمس بمبدأ حرية اختيار الدفاع.
وأمام هذا الوضع، اقترح العديد من الفقهاء حلولا ترتكز بالأساس على:
التراجع عن المساعدة القضائية بقوة القانون وجعلها مبنية على تقديم طلب حتى يتسنى للمحكمة في إطار سلطتها التقديرية تحديد من يستحق الاستفادة من هذا الإجراء.
وهناك من اقترح الابقاء عليها مع تحديد قانوني لمن لهم الحق في الاستفادة منها، بحيث تكون مقصورة على ذوي الدخل المحدود، وذلك باعتماد معيار الدخل الشهري كأساس للتمييز بين من يستحق التمتع بهذا الامتياز عن غيره من الأجراء.
المبحث الثاني: الطعن في الأحكام الاجتماعية وتنفيذها وقواعد التحكيم
سنتعرض من خلال هذا المبحت لطرق الطعن في الأحكام الاجتماعية وتنفيذها وقواعد التحكيم في المطلب الأول على أن نتناول في المطلب الثاني خصوصيات تنفيذ الأحكام الاجتماعية وقواعد التحكيم
المطلب الأول : الطعن في الاحكام الاجتماعية
ان الهدف الأسمى الذي ترمي إليه جل التشريعات والقوانين هو تحقيق العدالة و الانصاف وضمان احترام المتقاضين لمؤسسة القضاء، فإن المشرع المغربي وعلى غرار باقي التشريعات الحديثة أوجد عدة وسائل كفيلة بتحقيق هذا الهدف، ومن هذه الوسائل طبعا طرق الطعن في الأحكام.
ويقصد بطرق الطعن الوسائل التي من خلالها يمكن للأفراد الدفاع عن حقوقهم امام القضاء، إذ بموجبها يمكنهم المطالبة بمراجعة الأحكام الصادرة عن محاكم دنيا امام محاكم أعلى درجة، أو بمراجعة المحاكم للأحكام التي سبق أن أصدرتها ضدهم.وتنقسم طرق الطعن إلى طرق عادية وأخرى غير عادية
و سنحاول من خلال هذا المطلب مناقشة هذه الطرق مبرزين خصوصيتها في المادة الاجتماعية و ذلك من خلال فقرتين (الفقرة الاولى) سنخصصها لطرق الطعن العادية اما (الفقرة الثانية) فسنخصصها لطرق الطعن غير العادية
الفقرة الاولى طرق الطعن العادية
هذه الطرق لا تتطلب اجراءات استثنائية اذ بموجبها يمكن الطعن في الاحكام بناء على اي سبب سواء كان متعلقا بالواقع او بالقانون . و تنقسم بدورها الى اثنتين التعرض (البند الاول)و الاستئناف (البند الثاني)
البند الاول التعرض
ان التعرض علي الاحكام الغيابية الصادرة في المادة الاجتماعية نظمه المشرع من خلال الفصل 286 من قانون المسطرة المدنية الذي احال فيه علي القواعد العامة المنصوص عليها في الفصل 130 من نفس القانون المنظم للتعرض كطريق من طرق الطعن العادية و بالتالي فان دراسة موضوع التعرض تقتضي منا معرفة مجال تطبيقه (اولا) و اجراءاته (ثانيا) قبل الانتقال الى تناول اثاره (ثالثا)
اولا مجال تطبيق التعرض
ينص الفصل 130 من قانون المسطرة المدنية على أنه*: يجوز التعرض على الأحكام الغيابية الصادرة عن المحكمة الابتدائية إذا لم تكن قابلة للاستئناف، *...
وهذا فيما يتعلقبالأحكام الصادرة عن المحاكم الابتدائية، أما بالنسبة للأحكامالغيابية الصادرة عن محاكم الاستئناف والقابلة للتعرض فقد نص عليها الفصل 352من قانون المسطرة المدنية، إذ أحال على نفس المقتضيات المنظمة للتعرضفي الفصول130إلى 133 من القانون المذكور
من خلال هذا النص يتبين أن الأحكام التي تقبل التعرض هي الأحكام الصادرة غيابيا بشرط ألا تكون قابلة للاستئناف.
والحكم الغيابي كما هو معلوم هو الحكم الذي يصدر على المدعى عليه، والذي لم يحضر رغم
استدعائه طبقا للفصول 37 و38 و39 من قانون المسطرة المدنية غير أن المشرع استثنى
في الفقرة الرابعة من الفصل 47 من نفس القانون المدعى عليه الذي توصل بالاستدعاء بنفسه وكان الحكم قابلا بالاستئناف، ففي هذه الحالة يكون الحكم بمثابة حضوري تجاه الأطراف المتخلفة.
وينبغي التمييز في الحكم الغيابي بين الحكم الذي انبنى على عدم حضور المدعى عليهأمام المحكمة، وبين الذي لا يقدم مذكرات دفاعه للمحكمة، فبالنسبة للحالة الأولىيتحقق الغياب بتخلف المدعى عليه شخصيا لأن المسطرة شفوية، أما بالنسبة للثانية،فلا يتحقق الحضور او الغياب بحضور الشخص أو بغيابه، وإنما بتقديم المذكرات التيتعبر عن حضوره وهذا بالنسبة للمسطرة الكتابية.
ويتعين التأكيد على أن الحضور والغياب لا يكفيان وحدهما لتحديد قابلية الحكمللتعرض، لأن المشرع استلزم شرطا أساسيا اخر يتمثل في عدم قابلية الحكمللاستئناف، فلا يقبل تبعا لذلك التعرض على حكم كان قابلا للاستئناف.
ومع أن القاعدة أن تخضع الأحكام الغيابية للتعرض، فإن المشرع أوجد بعضالاستثناءات على ذلك منها ما يقضي به الفصل 153 من قانون المسطرة المدنية فيفقرته الثالثة إذ لا يطعن في الأوامر الاستعجالية بالتعرض، ومنها كذلك ما ينص عليهالفصل 378 حيث لا يقبل التعرض على القرارات النيابيةالصادرة عن محكمة النقض *.
و لا تتوقف الطبيعة الغيابية أو الحضورية على الوصف الذي قررته المحكمة و انما تنبني على الحكم نفسه، وقد أكد المجلس الأعلى ذلك في قرار جاء فيه *لكن حيث إن الطبيعة الغيابية و الحضورية للحكم لا تتوقف على وصف المحكمة لهولكن طبيعة الحكم نفسه فاذا أخطأ القاضي في وصفه للحكم فإن ذلك لا يترتب عنه بطلان الحكم المذكور، ولكن يفتح المجال أمام المعني بالأمر للطعن فيه حسب وصفه الحقيقي*
ولما كانت الأحكام القابلة للاستئناف لا تقبل التعرض، فإن هذا الأخير لايقبل الابالنسبة للأحكام التي تبت فيها المحكمة الابتدائية بصفة انتهائية. وفق ما يقضي به الفصل 18 من قانون المسطرة المدنية، أما الأحكام التي تكون ابتدائية فلا تقبل الطعن
ثانيا إجراءات التعرض
ينص الفصل 131 من قانون المسطرة المدنية على أنه:
*يقدم التعرض واستدعاء المدعي الأصلي للحضور بالجلسة طبقا للقواعد المنصوص عليها في الفصول 31 و37 و38 و39*
ويقضي الفصل 130 من نفس القانون بأنه:
*يجب تنبيه الطرف في وثيقة التبليغ إلى أنه بانقضاء الأجل المذكور يسقط حقه في التعرض*
يتبين من هذين النصين أن التعرض يقدم في شكل مقال مكتوب موقع عليه من طرف المدعيأو وكيله أو في صورة تصريح يدلي به المدعي شخصيا أمام أحد أعوان كتابة الضبط الذي يحرر به محضرا يوقع عليه المدعي أو يشار إلى عدم إمكانيةالتوقيع.
يتضمن مقال التعرض او محضره الأسماء الشخصية والعائلية والصفة.والمهنةوالموطن أو محل إقامة المدعي والمدعى عليه، وإن اقتضى الحال اسم وصفة وموطن نائب المدعي
وإذا تعدد المدعىعليهم،وجب إرفاق المقال بعدد النسخ المعادل العدد المدعى عليهم ويترتب عن عدم الالتزام بهذا الإجراء عدم قبول الطلب وان كان المشرع لا ينص صراحة على ذلك
و يودع المقال بكتابة ضبط المحكمة التي أصدرت الحكم الغيابي، ليسجل في سجل خاص حسب وصوله وتاريخه مع بيان أسماء الأطراف وكذا تاريخ الاستدعاءات ثم يطبع عليه وعلى الأوراق التي تصاحبه بطابع يشير إلى تاريخ وصوله.
ويلزم أداء الرسوم القضائية المفروضة على تقديم التعرض ومبلغها خمسون درهماأمام المحكمة الابتدائية ومائة درهم أمام محكمة الاستئناف والا عدواعتبر التعرض غير مقبول
ويبلغ التعرض بنفس الطرق المنصوص عليها في الفصول 37 و38 و39 من قانونالمسطرة المدنية، إذ يوجه إما بواسطة أحد أعوان كتابة الضبط أو أحد المفوضينالقضائيين، أو عن طريق البريد برسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل، أو بالطريقةالإدارية، ويسلم إلى الشخص نفسه أو في موطنه أو في محلعمله أو في أي مكان آخر يوجد به، وينبغي أن يتم التسليم في غلاف مختوم لا يحملالا الاسم الشخصي والعائلي وعنوان سكني الطرف وتاريخ التبليغ متبوعا بتوقيع العون وطابع المحكمة
ثالثا : آثار التعرض
ينص الفصل 132 من قانون المسطرة المدنية المعدل بظهير 10-9-1993على أنه
*يوقف التعرض التنفيذ ما لم يؤمر بغير ذلك في الحكم الغيابي وفي هذه الحالةفإذا قدم المحكوم عليه الطلب بإيقاف التنفيذ بتت غرفة المشورة مسبقا في طلبإيقاف التنفيذ المعجل طبقا لمقتضيات الفصل 147*
فاهم أثر إذن يترتب على تقديم التعرض هو وقف تنفيذ الحكم الغيابي الصادرعن المحكمة التي فصلت في الموضوع، ويرتد هذا الأثر إلى طبيعة التعرض، إذ يعدطريقا من طرق الطعن العادية.
على أنه يمكن تنفيذ الحكم إذا كان مشمولا بالتنفيذ المعجل وفقا للفصل 147، لكنمع ذلك يجوز إيقاف تنفيذ الحكم الغيابي ولو كان مشمولا بالتنفيذ المعجل إذا تقدمالمعني بالأمر بطلب إلى المحكمة المصدرة للحكم يرمي من خلاله إلى إيقاف التنفيذ إذ في هذه الحالة على غرفة المشورة أن تبت في هذا الطلب طبقا للفصل 147 من قانون. المسطرة المدنية الذي جاء فيه :
*غير أنه يمكن تقديم طلبات إيقاف التنفيذ المعجل بمقال مستقل عن الدعوى الأصلية أمام المحكمة التي تنظر في التعرض او الاستئناف
تستدعي المحكمة بمجرد ما يحال عليها هذا المقال، الذي يجب ألا يضاف إلى الأصل، الأطراف للمناقشة والحكم في غرفة المشورة، حيث يمكن لهم أن يقدموا ملاحظاتهم شفويا أو كتابيا، ويجب أن تبت المحكمة داخل ثلاثين يوما *
ويبقى لغرفة المشورة أن ترفض الطلب، أو أن تقرر إيقاف التنفيذ المعجل إلى أن يقع البت في الجوهر، كما يجوز لها أن تامر بإيقاف التنفيذ المذكور لمدة معينة أو تعليق متابعة التنفيذ كليا أو جزئيا على تقديم كفالة من طالبه.
وإلى جانب الأثر الموقف للتعرض، ينتج عنه عرض القضية ونشرها من جديده حيثيفتح باب المناقشة أمام نفس المحكمة المقدم أمامها ، لتنظر في طلب التعرض قصد تلافي ما قد يلحق المحكوم عليه غيابيا من أثر سلبي من جراء الحكم الغيابي
البند الثاني الاستئناف
يمكن القول ان الاستئناف يقصد به الطعن الذي يوجه ضد حكم صادر عن محكمة درجة اولى بشان موضوع الدعوى امام محكمة درجة ثانية بغية تعديل الحكم المذكور او الغائه او الحكم من جديد بشكل مخالف وفق ما يلتمسه المستأنف و مثل هذا النظام تسير عليه كثير من الدول في العالم و تقرره ضمانة للمتقاضين و لحسن سير العدالة
يتميز الاستئناف للأحكام الصادرة في القضايا الاجتماعية بعدة خصائص يمكن استخلاصها من الفصل 287 من قانون المسطرة المدنية، منها
اولا الخاصية الأولى
وتكمن في كون أن الفصل 287وان كان حريصا على أن هناك أحكاما قابلة للاستئناف وأخرى - وان بمفهوم المخالفة–غير قابلة للاستئناف. وقد أحسن المشرع صنعا لأنه بالرجوع إلى الفصل 21 من قانون المسطرة المدنية نجد فعلا أن ثمة أحكام اجتماعية متميزة لأنها قابلة للاستئناف مهما كانت قيمة النزاع فيها ، وإن نص المشرع مؤخرا على قابلية كل الأحكام الابتدائية للاستئناف.
وهكذا يبت في قضايا حوادث الشغل والأمراض المهنية والمعاشات الممنوحة في نطاق الضمان الاجتماعي، باستثناء النزاعات الناشئة عن تطبيق الغرامات التهديدية ابتدائيا مع حفظ الاستئناف.
أما باقي القضايا الاجتماعية فيبت فيها انتهائيا في حدود الاختصاص المخول للمحاكم الابتدائية والمحدد بموجب الفصل 18 وابتدائيا إذا كان المبلغ غير محدد
وتكمن الخصوصية في اعتماد الفصل 287 معيارا جديدا للقابلية للاستئناف،فعوض أن يركز على مبلغ النزاع كمعيار للقول بالقابلية للاستئناف من عدمها، أكد أن المعيار هونوع القضية الاجتماعية المعروضة، فإذا كانت تدخل في قضايا حوادث الشغل والأمراض المهنية ومعاشات الضمان الاجتماعي، فهي قابلة للاستئناف بصرف النظرعن قيمة الطلب.أما إذا كانت غير ذلك من القضايا الاجتماعية فيعتد في قابليتها او عدم قابليتها للاستئناف بحسب وصف القانون الحكم الصادر بهذا الخصوص و هذا ما نص عليه القرار الصادر عن المجلس الاعلى بتاريخ 28/10/1998 الذي جاء فيه انه * لما كان النزاع يتعلق بمسائل تهم حوادث الشغل و الامراض المهنية التي يرجع البث فيها للقسم الاجتماعي بالمحكمة الابتدائية موضوع الفصول 296 الى 294 من ق م م فان الحكم الصادر في النزاع يخضع للطعن بالاستئناف بمقتضى الفصل 287 منه الذي يشمل على مسطرة خاصة مقدمة على المسطرة العامة *
ثانيا الخاصية الثانية
على الرغم من أن الفصل 27 نص على نفس أجل الاستئناف (ثلاثين يوما) وعلى نفس الإجراءات المتعلقة ببدء سريان الأجل، أي أن الثلاثين يوما لا تبتدئ الامن يوم التبليغ وفقا للفصول 37 و38 و39 و54 من قانون المسطرة المدنية، على الرغم من ذلك، فإن المشرع جاء بخصوصية تميز القضايا الاجتماعية، فإذا كانت الفصول 328 وما يليها من قانون المسطرة المدنية تؤكد على ضرورة الالتزام بالمسطرة الكتابية .في تقديم الاستئناف، فإن الفصل 387 أجاز ممارسة الاستئناف بواسطة تصريح لدي كتابة ضبط المحكمة الابتدائية، بل وبواسطة رسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل موجهة إلى هذه الكتابة و هذا ما جاء به القرار الصادر عن المجلس الاعلى بتاريخ 29/11/1982 الذي جاء فيه ان الاحكام الصادرة في القضايا الاجتماعية يقع استئنافها بمجرد تصريح يدلى به امام كتابة الضبط او بواسطة رسالة مضمونة الوصول توجه الى هذه الكتابة
وبهذا المقتضى يكون الفصل 387 قد خرج عن المبادئ العامة التي ينبغي اتباعها أثناء ممارسة الاستئناف وأحل محلها قواعد خاصة تساير الطبيعة المتميزة للقضايا الاجتماعية لا سيما حماية الأجير وتبسيط وتسهيل المساطر وتسريع وثيرة البت فيها وذلك أن التصريح الشفوي كاف لاعتبار الاستئناف صحيحا، بل إن المشرع فسح المجال أمام المتقاضي في المادة الاجتماعية ليمارس الاستئناف دون حاجة للتنقل إلى مقر كتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية، وذلك ببعث رسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل إلى كتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية التي أصدرت الحكم المراد الطعن فيه،وحماية دائما للمتقاضي في قضايا الشغل، قرر الفصل 387 جعل أجل الثلاثين يوما لايسري إلا من التاريخ المبين في الوصل المسلم إلى المرسل إليه.
ثالثا الخاصية الثالثة
من بين الخصوصيات كذلك، أن استدعاء الأطراف من قبل كتابة الضبط لمحكمة الاستئناف وعند الاقتضاء الشهود كذلك، لا يخضع للقواعد العامة للاستدعاء، وإنما طبقا للفصل 274 الذي حدد أجل ثمانية أيام بين تاريخ الاستدعاء وتاريخ الحضور للجلسة،
يضاف إلى ذلك أن المشرع جعل المقتضيات الخاصة بالقضايا الاجتماعية أمام المحاكم الابتدائية تسري على محاكم الاستئناف كذلك، وذلك تطبيقا لمقتضيات الفصلين 275 و276. حيث ضرورة الحضور الشخصي في الجلسة الأولى، مالم يكن الأمر متعلقا بأحد الاستثناءات المشار إليها في الفصلين المذكورين
الفقرة الثانية طرق الطعن غير العادية
الجدير بالذكر أن المشرع لم يشر إلى الطعن بإعادة النظر وتعرض الغير الخارج عن الخصومة كطريقتين من طرق الطعن غير العادية وهوينظم المسطرة في المادة الاجتماعية، وهو ما يعني أنها تخضع للقواعد العامة لهذين الطريقين وكذلك لتطبيقهما متى توافرت شروط ذلك
لذلك سنحاول التطرق للطعن بالنقض على اعتبار خصوصيته في المادة الاجتماعية و قد نظمه المشرع في الفصل288 من قانون المسطرة المدنية على أنه: *يمكن الطعن بالنقض الأحكام الصادرة انتهائيا من طرف المحكمة في القضايا الاجتماعية وكذا القرارات الصادرة عن محكمة الاستئناف طبق المسطرة العادية*
وهذا يعني أن المشرع لم يجعل للقضايا الاجتماعية خصوصية معينة وهو ما يقتضي منا التطرق إلى موجبات النقض (اولا) واجراءاته (ثانيا) قبل الانتقال الى آثاره (ثالثا)
أولا موجبات النقض
ينص الفصل 359 من قانون المسطرة المدنية على أنه :*يجب أن تكون طلبات نقض الأحكام على المجلس الأعلى مبنية على أحد الأسباب الآتية :
1- خرق القانون الداخلي
2- خرق قاعدة مسطرية أضر بأحد الأطراف
3- عدم الاختصاص
4- الشطط في استعمال السلطة
5- عدم ارتكاز الحكم على أساس قانوني أو انعدام التعليل*
فتبعا للفصل أعلاه ينبني النقض أمام محكمة النقض باعتبارها محكمة قانون على الأسباب التالية:
1-خرق القانون الداخلي
يقصد بالقانون الداخلي القانون الموضوعي الذي يتعلق بالعلاقات بين الأفراد سواء كانت مالية أو أسرية، وسواء كانت متعلقة بالمغاربة فيما بينهم، أو بهم في علاقتهم مع الأجانب بشرط أن تكون داخلة في القانون الخاص
وقد منح المشرع للمتضرر الطعن بالنقض في حالة الخطأ في تطبيق القانون الموضوعي الداخلي، وهناك عدة صور يجوز فيها التمسك بهذا الطريق يمكن في مخالفة القانون، أو الخطأ في تطبيقه أوالخطأ في تفسيره
2-خرق القواعد المسطرية
على خلاف الطعن بالنقض لخرق القانون الموضوعي، استلزم المشرع لمباشرة النقض بناء على خرق القانون الشكلي أن يضر ذلك الخرق بمصالح أحد الأطراف فقد نص في الفقرة الثانية من الفصل 359 من قانون المسطرة المدنية على أنه
*يجب أن تكون طلبات نقض الأحكام المعروضة على المجلس الأعلى مبنية علىالأسباب الآتية....2-خرق قاعدة مسطرية أضر بأحد الأطراف....
غير أن القضاء لم يستقر على القواعد الإجرائية المرتبة لطلب النقض إلا حديثا وهذه القواعد هي إجمالا:
-القواعد المسطرية التي ينتج عن تخلفها بطلان الحكم
-القواعد المسطرية المتعلقة بحقوق الدفاع
-القواعد المسطرية التي لا تمس بحقوق الدفاع لكنها متصلة بالنظام العام
ومن القواعد الإجرائية التي يترتب على خرقها البطلان إغفال الحكم لعبارة باسم جلالة الملك أو إصدار الحكم من طرف قاض لم يؤد اليمين بعد أو من قاض لم يعدمتمتعا بولاية القضاء
ومن. القواعد المسطرية المتصلة بحقوق الدفاع، عدم استدعاء الأطراف بطريقة قانونية وعدم تبليغ القضايا المتعلقة بالنيابات الشرعية إلى النيابة العامة ورفض السماع للشاهد بعد أن يكون قد أدى اليمين القانونية
: القواعد الإجرائية التي تتعلق بالنظام العام والتي تعتبر سببا لممارسة طريق النقض على الرغم من عدم مساسها بحقوق الدفاع، القواعد الماسة بالصفة والمصلحةشو الاهلية لمباشرة حق التقاضي والقواعد المنظمة الطرق الطعن ولآجالها، وبعض القواعد اللازمة لصدور الأحكام والقواعد المتعلقة بأداء الرسوم القضائية
ويشترط في جميع الحالات أن يثبت الطاعن بالنقض في الحكم أو القرار تضررهمن خرق القاعدة المسطرية التي تشكل الأساس القانوني الذي ينبني عليه الطعنبالنقض ونعتقد أن اشتراط إضرار خرق القواعد الشكلية بمصالح الأطرافكسبب للطعن بالنقض غير لازم، إذ يكفي أن يكون الخرق قد طال قاعدة جوهريةلقيام وقبول الطعن المذكور
3-عدم الاختصاص
4-الشطط في استعمال السلطة.
نظم المشرع الشطط في استعمال السلطة في الفقرة الرابعة من الفصل 359 من قانون المسطرة المدنية، وفي الفصلين 353 و382 من نفس القانون ويتحقق تجاوز السلطة أو الشطط في استعمالها بشكل عام في تدخل القضاء في اختصاص السلطتين التشريعية والتنفيذية، فليس له أن يبت مثلا دستورية القوانين، ولا أن يقوم بتفسير عمل إداري يرجع الاختصاص فيه إلى السلطة الإدارية
5-انعدام الأساس القانوني أو انعدام التعليل
اختلفت آراء الفقهاء حول تعريف انعدام الأساس القانوني، فهناك من يرى أنه. عدم إبراز أسباب الحكم لجميع العناصر الواقعية اللازمة لتطبيق القاعدة القانونية.الواجبة،وهناك من يقول إن انعدام الأساس القانوني يتحقق في الوقت الذي لا يقومفيه قاضي الموضوع بوصف دقيق للمعطيات الواقعية التي تسمح لمحكمة النقض.بممارسة رقابتها
ويرى الأستاذ محمد الكشبور أن انعدام الأساس القانوني ليس سوى خلل في التسبيب يمنع محكمة النقض من مباشرة وظيفتها
ثانيا إجراءات النقض
نظم المشرع المغربي إجراءات تقديم طلبات النقضفي الفصل 354 وما يليه من قانون المسطرة المدنية.
فقبول النقض لابد من تقديمه في شكل عريضة كتابية موقعة من طرف احدالمدافعين المقبولين للترافع أمام محكمة النقض، ومن ثم يجوز للمحكمة أن تشطب علىالقضية تلقائيا ومن غير استدعاء الطرف المعني، إذا كانت العريضة موقعة من قبلالطاعن نفسه، او موقعة من طرف مدافع لا تتوافر فيه الشروط اللازمة للترافع أماممحكمة النقض ، وكما هو ملاحظ فهذه القواعد الشكلية مؤثرة إلى حد بعيد على سير القضية ومالها، وذلك خلافا للقواعد الإجرائية المرنة المنصوص عليها بالنسبة للمحاكم الابتدائية والاستئنافية
ولا يكفي للتقاضي أمام محكمة النقض أن يتم توقيع عريضة النقض من طرفمحام مقبول للترافع أمام المحكمة المذكورة بالنسبة لطالب النقض، وإنما يتعين علىالمطلوب ضده النقض إذا أراد الرد على العريضة التي تقدم بها الطالب أن يقدم بدورهعريضة جوابية موقع عليها من طرف محام مقبول لدى نفس المحكمة، وهذا ما تم التنصيص عليه في الفصل 365 من قانون المسطرة المدنية الذي جاء فيه أنه:
*يجب على الأطراف المعنية بالأمر أن يقدموا مذكرات جوابهم وكذا المستنداتالتي يريدون استعمالها في ظرف ثلاثين يوما من تاريخ التبليغ.
يتعين - مع مراعاة مقتضيات الفقرتين 4 و5 من الفصل 354 –ان يوقع على هذهالمذكرة من له الصفة وفقا للفقرة الأولى من الفصل المذكور*.
ويجب أن تتوفر في العريضة أو المقال البيانات الاتية والا تعرضت لعدم القبول :
1- بيان أسماء الأطراف العائلية والشخصية وموطنهم الحقيقي
2-ملخص الوقائع والوسائل وكذا المستنتجات
3-إرفاقه بنسخة من الحكم النهائي أو نسخة من المقرر الإداري المطعون فيه وارفاقه علاوة على ذلك إذا كان الأمر يتعلق بطلب الإلغاء للشطط في استعمال السلطة بالمقرر الذي يرفض التظلم الأولي المنصوص عليه في الفقرة الثانية من الفصل 360 وبمستند يثبت تقديم المذكور إذا كان قد قدم....*
وقد عرفت الفقرة الأخيرة من الفصل 355 تعديلا بمقتضى القانون رقم 25.05الصادر الأمر بتنفيذه بموجب الظهير الشريف رقم 1.05.113بتاريخ 23 نونبر 2005
إذ نصت على أنه في حالة تقديم أية نسخة أو كان عدد النسخ غير مساو لعدد الاطراف تطلب كتابة الضبط من الطاعن الإدلاء بها داخل عشرة أيام تحت طائلة إدراج القضية بالجلسة واصدار المحكمة لقرارها بعدم القبول
وبهذا يكون المشرع قد ساوى بين مرحلة النقض ومرحلة الاستئناف في هذه المسألةوفق ما نص عليه الفصل 142 من قانون المسطرة المدنية على الرغم من أن الجزاء في مرحلة الاستئناف هو التشطيب على القضية أي إلغاؤها.
وإلى جانب ما سبق يقضي الفصل 357 من قانون المسطرة المدنية بضرورة أداءالوجيبة القضائية في نفس الوقت الذي يقدم فيه مقاله وإلا تعرضت العريضة لعدمالقبول ما لم يكن الطالب في النقض متمتعا بالمساعدة القضائية.
وقد أكد المجلس الأعلى (محكمة النقض) على ضرورة أداء الوجيبة المذكورة فيالوقت الذي تقدم فيه العريضة في قرار له إذ جاء فيه :
*حيث ان عريضة النقض... وضعت أمام المحكمة المصدرة للقرار بتاريخ 15 يوليوز1978 بينما لم يؤد الوجيبة القضائية إلا بتاريخ 18 يوليوز من نفس السنة مما يجعلالطلب معرضا للجزاء المنصوص عليه في الفصل المذكور*
ويجب أن يودع المقال أو العريضة بكتابة ضبط المحكمة المصدرة للحكم المطعون فيهاو في كتابة ضبط محكمة النقض إذا تعلق الأمر بطلب الإلغاء ضد مقررات السلطةالإدارية وتلتزم المحكمة التي تم ايداع العريضة أمامها بإحالة المقال بعد تسجيلهفي سجل خاص لذلك اضافة الى المستندات المرفقة بها، وملف الدعوى وعند الضرورةملف المسطرة الى كتابة ضبط محكمة النقض، وذلك دون مصاريف.
ويسلم كاتب الضبط وصلا إلى الأطراف عند طلبه، ويعتبر وصلا نسخة المقالالموضوع عليها طابع بالتاريخ لكتابة الضبط التي تلقت طلب الطعن
ويتعين تقديم طلب الطعن بالنقض داخل أجل ثلاثين يوما من يوم تبليغ الحكمالطعون فيه إلى الشخص نفسه أو إلى موطنه الحقيقي وهذا ما لم ينص المشرععلى أجل أخر بنصوص خاصة
وعليه لا يسري أجل النقض إلا إذا وقع التبليغ للشخص نفسه أو إلى موطنهالحقيقي، أما أن يسري من التبليغ بالجلسة فهذا غير مقبول بالنسبة للنقض أماممحكمة النقض خلافا لما عليه الأمر بالنسبة للمحاكم الاستئنافية.
وقد أوضح المجلس الأعلى (محكمة النقض) هذا الاختلاف في أحد قراراته إذ جاء فيه
*حيث إن اجل الطعن بالنقض لا يسري إلا إذا بلغ الحكم أو القرار إلى الشخصنفسه أو إلى موطنه الحقيقي طبقا لإجراءات التبليغ العادية المنصوص عليها فيالفصول 37-38-39 من قانون المسطرة المدنية وان التبليغ بالجلسة طبقا للفصل 50 مننفس القانون يحرك أجل الاستئناف إذا تم على الشكل المتطلب قانونا ولا أثر له علىأجل الطعن بالنقض* .
وإذا تم تقديم عريضتين اثنتين في شأن نفس القرار أو الحكم داخل الأجلالقانوني، وجب ضم بعضهما إلى بعض، ولا يجوز تقديم الواحدة على الأخرى بناء علىتاريخ التقديم
ثالثا اثار الطعن بالنقض
على خلاف طرق الطعن العادية، لا يترتب على تقديم طلب النقض وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وإنما يبقى التنفيذ قائما، غير أن المشرع المغربي استثني من هذا المبدأ بعض المسائل التي ينتج عن الطعن بالنقض فيها وقف التنفيذ. وهكذا نص الفصل 361 من قانون المسطرة المدنية على أنه:
*لا يوقف الطعن أمام المجلس الأعلى التنفيذ إلا في الأحوال الآتية:
1- في الأحوال الشخصية.
2- في الزور الفرعي
3- التحفيظ العقاري
يمكن علاوة على ذلك للمجلس بطلب صريح من رافع الدعوى وبصفة استثنائية يأمر بإيقاف تنفيذ القرارات والأحكام الصادرة في القضايا الإدارية ومقررات السلطات الإدارية التي وقع ضدها طلب الإلغاء*
وتجدر الإشارة إلى أن القرارات الصادرة عن محكمة النقض تنتج بعض الآثاربالنسبة للأطراف، والحكم المطعون فيه، والصوائر، والغرامات المدنية، والتعويض و أنه تختلف هذه الآثار بحسب طبيعة القرار هل يرفض الطعن أو ينقض الحكم المطعون فيه.
ففي الحالة الأولى التي يتم فيها رفض الطعن، يصبح الحكم المطعون فيه حائزالقوة الشيء المقضي به، ويضحي نهائيا ولا يقبل أي طريق آخر من طرق الطعن. كما ينحصر آثر قرار الرفض على أطراف النزاع أو من يمثلهم، ولا يمكن أن ينسحب على الأغيار، وليس هذا في حقيقة الأمر إلا إعمالا لمبدأ نسبية أثر قوة الشيء المقضي بهويرتب رفض الطعن الحكم على الخاسر بأدائه للمصاريف وللغرامة المدنية لصالحا لخزينة إلى جانب الحكم عليه بالتعويض عن الأضرار التي قد تلحق بالمطلوب في النقض
وقد نص على هذه المقتضيات الفصل 376 من قانون المسطرة المدنية الذي جاء فيه:
*يحكم على الطرف الذي خسر الدعوى بأداء المصاريف غير أنه يمكن توزيعها بين الأطراف.
يحق للمجلس أيضا ان يبت في الطلب الذي يمكن ان يرفعه اليه المطلوب ضده النقض للمطالبة بتعويض عن الضرر الذي لحقه بسبب رفع الطعن التعسفي *
اما في حالة نقض الحكم المطعون فيه، فإن آثار قرار النقض تختلف بحسب ما إذا كان النقض كليا او جزئيا
فاذا كان النقض كليا فان اثره لا ينحصر في الاسباب المبني عليها الطعن و انما يتعدى ذلك ليطال باقي اجزاء الحكم المرتبطة به و لو لم يقم قرار محكمة النقض بذكرها على و جه التخصيص
وقد قرر المجلس الأعلى في هذا الإطار أنه:
*يترتب على النقض والإحالة رد النزاع والأطراف إلى الحالة التي كانوا عليها قبل صدور الحكم المنقوض
ويترتب على النقض كذلك، وبحكم التبعية بطلان جميع الأحكام والقرارات التيترتبط بالقرار المنقوض والتي تكون نتيجة له*
اما إذا كان جزئيا، فإن أثره لا ينسحب إلا على الأسباب التي أقيم عليها الطعن،أما ما دون ذلك، فيبقى مكتسبا وحائزا لقوة الشيء المقضي به.
وينتج عن النقض بنوعيه - في بعض الحالات -إحالة القضية على محكمة أخرىغير تلك التي أصدرت الحكم المطعون فيه شريطة أن تكون من نفس درجتها، أو علىنفس المحكمة، لكن بتشكيله قضائية غير التي قرر نقض الحكم الصادر عنها
وتكون المحكمة المحال عليها، والتي تعرف بمحكمة الإحالة ملزمة بأن تتقيد بالنقطة القانونية التي تمت بصددها الإحالة، وهذا ما تنص عليه الفقرة الثانية من الفصل369 المعدل بظهير 10-09-1993
*إذا بت المجلس الأعلى في قراره في نقطة قانونية على المحكمة التي أحيل عليها الملف أن تتقيد بقرار المجلس الأعلى في هذه النقطة*
وقد أكد المجلس الأعلى (محكمة النقض) على ضرورة التزام محكمة الاحالة بالنقطة القانونية التي كلفها بالبت فيها في قرار له ورد في إحدى حيثياته ما يلي
*حيث يعيب الطاعنون على القرار عدم الرد على ملتمسات قدمت بصفة قانونية حيث أدلى الهالك بمذكرة بعد النقض محررة بتاريخ 89/12/14 ألح فيها على مقتضيات الفصل 369 من قانون المسطرة المدنية التي تنص على أنه إذا بت المجلس الأعلى في نقطة قانونية يتعين على المحكمة التي أحيل عليها الملف أن تتقيد بقرار المجلس الاعلى في هذه النقطة
إن محكمة الاستئناف أغفلت هذا الدفع في حين أن عماد الدعوى يدور حول أداء او عرض باقي الثمن قبل انتهاء الأجل المضروب لذلك، فالمجلس وجه محكمة الاستئناف في قراره الصادر بتاريخ 1988-04-20 غير أن محكمة الاستئناف لم تستجيب لتوجيه المجلس الأعلى، وبذلك تكون قد عرضت قرارها للنقض
\
المطلب الثاني:خصوصيات تنفيذ الأحكام الاجتماعية وقواعد التحكيم.
الفقرة الأولى: تنفيذ الأحكام الاجتماعية.
بالرجوع إلى الفصل 147 من قانون المسطرة المدنية، نجد أن التنفيذ المعجل يكون إما بحكم القانون أو قضائيا، هذا الأخير ينقسم بدوره إلى نوعين:
- التنفيذ المعجل القضائي الإجباري وهو الذي تكون فيه المحكمة مضطرة إلى الأمر بالتنفيذ المعجل للحكم، لكن شريطة وجود سند رسمي أو تعهد معترف به أو حكم سابق غير مستأنف.
- التنفيذ المعجل الاختياري وهو الذي يتمتع فيه القاضي بسلطة تقديرية واسعة، إذ له أن يأمر به أم لا بحسب ظروف ووقائع كل نازلة.
وسواء تعلق الأمر بهذا التنفيذ أو ذاك فإنه يمكن للأطراف في حال صدور الأمر بالتنفيذ المعجل تقديم طلب من أجل إيقاف التنفيذ وذلك عبر مقال مستقل عن الدعوى الأصلية، يقدم أمام المحكمة التي تنظر في التعرض أو الاستئناف، ويتم البت في الطلب في غرفة المشورة والتي تأمر بإيقاف التنفيذ المعجل لمدة معينة أو تعلق متابعة التنفيذ كليا أو جزئيا على تقديم كفالة من طالبه، أو ترفض الطلب، ويتم استمرار إجراءات التنفيذ.
أما التنفيذ المعجل بحكم القانون فهو الذي يكون مصدره النص القانوني ويكون له محل إذا ارتأى المشرع لغاية معينة تمتيع بعض القضايا بالتنفيذ المعجل القانوني، وهو لا يقبل الإيقاف وفقا لما نصت عليه الفقرة الأخيرة من الفصل 147 من قانون المسطرة المدنية،
وقد أولى المشرع المغربي الطبقة الشغيلة أهمية متميزة عندما خص القضايا الاجتماعية بمبدأ النفاذ المعجل بقوة القانون، حيث جاء في الفصل 285 من قانون المسطرة المدنية على " يكون الحكم مشمولا بالتنفيذ المعجل بحكم القانون في قضايا حوادث الشغل والأمراض المهنية، وفي قضايا الضمان الاجتماعي، وقضايا عقود الشغل والتدريب المهني رغم كل تعرض أو استئناف".
وتجب الإشارة إلى أنه بالنسبة لقضايا حوادث الشغل والأمراض المهنية فإنها لم تكن موضوع نقاش في مدى شمولها بالنفاذ المعجل بقوة القانون، وفي ذلك قررت المحكمة الابتدائية بمراكش وهي تبت في قضايا حوادث الشغل والأمراض المهنية: "حيث إن الأحكام في المادة الاجتماعية مشمولة بالنفاذ المعجل" ، وفي أحكام أخرى أجابت عن طلب النفاذ المعجل بالقول: "حيث إن الأحكام الصادرة في إطار ظهير 06/02/1963 تكون مشمولة بالنفاذ المعجل بقوة القانون" .
على الرغم من عمومية الفصل 285 وصراحته في ترتيب النفاذ المعجل بالنسبة للأحكام الصادرة في المادة الاجتماعية ،فإنه قد أثار العديد من النقاشات والاختلافات سواء على مستوى الفقه أو القضاء.
ومن بين أهم هذه النقاشات التي أثيرت ما يتعلق بالطبيعة القانونية لمسؤولية المشغل عن الطرد التعسفي، فهناك من يرى أنها ذات طابع عقدي ومن ثم فكل حكم صادر في إطارها يتمتع بالتنفيذ المعجل بقوة القانون، وهناك من يذهب إلى أنها ناشئة عن إخلال المشغل بالتزام قانوني- أي أنها مسؤولية تقصيرية- وتبعا لذلك فهي لا تدخل في إطار الفصل 285، وإذا صدر حكم في قضية الطرد التعسفي، فإنه لا يتمتع بالتنفيذ المعجل القانوني، وإنما يخضع للقواعد العامة للتنفيذ
وقد درج العمل القضائي على شمول التعويضات الناتجة عن عقد العمل مثل الأجر والعطلة السنوية وشهادة الأجر بالنفاذ المعجل، دون باقي التعويضات الناتجة عن العمل غير المشروع للمؤاجر المتمثل في إنهاء عقد الشغل، والتي يخضعها من حيث التنفيذ المعجل لأحكام الفصل 147 من ق.م.م لا لمقتضيات الفصل 285 من ق.م.م.
وفي هذا الاتجاه أكد المجلس الأعلى ــ محكمة النقض حاليا ــ في قرار صادر عن الغرفة الاجتماعية : "لكن حيث إن الأحكام في شأن التعويض عن الطرد نتيجة فسخ عقد الشغل والخاضعة لتقدير المحكمة باستثناء الحقوق التي يستمدها العامل بمقتضى النصوص التشريعية تبقى خاضعة لمقتضيات الفصل 147 من ق.م.م، ويبقى على القاضي أن يبين الظروف التي استند عليها في الأمر بالنفاذ المعجل، لذا فإن محكمة الاستئناف كانت على صواب عندما استندت على الفصل 147 المذكور وقضت بإيقاف التنفيذ المعجل المأمور به من طرف القاضي الابتدائي الذي لم يبين الظروف التي استند عليها ".
وقد أكد المجلس الأعلى ــ محكمة النقض حاليا ــ هذا الاتجاه القانوني بصورة أوضح في العديد من قراراته الحديثة، نذكر من بينها على سبيل المثال قراره الصادر بتاريخ 11/04/1995 والذي جاء فيه: "إن التعويضات عن الطرد التعسفي والإعفاء ليست ناشئة عن عقد العمل، وإنما هي ناشئة عن إخلال المشغل بعدم التعسف في الطرد، وبذلك فإن التنفيذ المعجل بقوة القانون طبقا للفصل 285 من ق.م.م لا يشملها، وإنما يشمل الحقوق المتفرعة والناتجة مباشرة عن عقد العمل مثل الأجرة والتعويضات العائلية".
كما وضع المجلس الأعلى – محكمة النقض حاليا- تمييزا بين الحقوق العقدية الناتجة مباشرة عن عقد العمل والمتفرعة عنه مثل الأجرة والساعات الإضافية والعطلة السنوية، وبين الحقوق غير العقدية، وهي الحقوق والتعويضات المحكوم بها عن فسخ عقد الشغل بصفة تعسفية مؤكدا أن الحقوق العقدية تدخل في إطار المسؤولية العقدية، وتكون تبعا لذلك مشمولة بالتنفيذ المعجل بحكم القانون طبقا للفصل 285 من ق.م.م .
وقضاة محاكم الموضوع يسيرون في هذا الاتجاه، وهكذا جاء في حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بمراكش: "وحيث إن الأحكام الصادرة في المادة الاجتماعية وإن كانت مشمولة بالنفاذ المعجل بقوة القانون، فإن التعويضات الناتجة عن مسؤولية المشغل تستثنى من ذلك" .
وقد انتقد هذا الموقف الأستاذ امراني زنطار - ( أستاذ مساعد بكلية الحقوق بمراكش) في الموضوع الذي تقدم به في الندوة حول "القانون الاجتماعي حصيلة واصلاح" المنظمة من طرف كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالدار البيضاء يومي 10/11/ مارس 1989 وأورد في انتقاده ما يلي: " بالنسبة للخطأ، نقول بأن الخطأ العقدي هو عدم تنفيذ المدين لالتزامه الناشئ عن العقد، فالمدين قد التزم بالعقد، فيجب عليه تنفيذ التزامه… فإذا لم يقم المدين في العقد بالتزامه كان هذا هو الخطأ العقدي، ويستوي في ذلك ان يكون عدم قيام المدين بالالتزام ناشئا عن عمده أو عن إهماله أو عن فعله أي دون عمد وإهمال… ولعل هذه الأركان - أركان المسؤولية التعاقدية - هي نفس الأركان في المسؤولية التقصيرية، الأمر الذي جعل القضاء المغربي لا يضع حدا فاصلا بين المسؤوليتين… نخلص من ذلك أن جميع التعويضات المستحقة عن إنهاء عقد العمل ينبغي اعتبار مسؤولية رب العمل عنها مسؤولية تعاقدية وبالتالي شمولها بالنفاذ المعجل"
بالرغم من أن الطعن بالتعرض أو الاستئناف لا يؤخر تنفيذ الأحكام المشمولة بالنفاذ المعجل إلا أن المشرع أدرك الخطر الذي قد يلحق المحكوم عليه في بعض الأحيان نتيجة هذا التنفيذ، لذلك أحاطه ببعض الضمانات تتمثل في وقف التنفيذ أمام محكمة التعرض أو الاستئناف وإلزام المحكوم عليه بتقديم كفالة وبالمقابل فقد استوجب الأمر حماية المحكوم له ما أمكن من ضرر هذا الإيقاف وذلك ما عمل المشرع عليه انطلاقا من الفقرتين الثالثة والرابعة من الفصل 147 من ق م م، وقد منح المشرع المغربي لمحاكم الاستئناف بمقتضى الفصل 147 من ق م م سلطة واسعة لإيقاف النفاذ المعجل ولم يقيدها سوى بضرورة توضيح ظروف القضية، واسثنى من ذلك النفاذ المعجل بقوة القانون.
وهو ما ذهبت إليه المحاكم في بتها في طلبات إيقاف التنفيذ، حيث جاء قرار صادر عن المحكمة الاستئنافية بوجدة تحت عدد 367 بتاريخ 20/02/2002 “وحيث إن الطالب يلتمس إيقاف تنفيذ الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية ببركان، والقاضي عليه بأداء للمدعي مبلغا عن باقي الأجرة ومبلغ عن الأقدمية ومبلغا قبل التعويض عن الأعياد الدينية والوطنية ومبلغا عن الراحة الأسبوعية.
وحيث إن الطلب يتعلق بإيقاف تنفيذ حكم مشمول بالنفاذ المعجل بقوة القانون وحيث إنه طبقا للفصل 147 من ق م م لا يمكن إيقاف تنفيذ الحكم المشمول بالنفاذ المعجل بقوة القانون.
وحيث إن الأسباب الواردة في طلب إيقاف التنفيذ تبقى غير مؤسسة وغير وجيهة، لذلك يتعين رفضها مع بقاء الصائر وعلى رافعه”.
ونستنتج من هذا القرار أن قضاء الموضوع ترجم بشكل جلي رفضه لطلبات إيقاف التنفيذ الأحكام المشمولة بالنفاذ المعجل بقوة القانون .
أما موقف المجلس الأعلى –محكمة النقض حاليا- في موضوع النفاذ المعجل في القضايا الاجتماعية فيظهر أنه موقف بدأ بالتشديد في ضرورة احترام النفاذ المعجل، حيث جاء في إحدى قراراته الصادرة بتاريخ 14/05/1977 تحت عدد66 ملف اجتماعي عدد 59334 ما يلي: " وحيث إن الأحكام التي يمكن النظر في طلبات إيقاف تنفيذها هي تلك التي يأمر القضاة بحكم سلطتهم التقديرية بتنفيذها مؤقتا، أما الأحكام التي تنفذ بقوة القانون فلا يمكن إيقاف تنفيذها"، وجاء في القرار عدد 196 بتاريخ 31/10/1977 ملف 63644 " وحيث إن المبالغ المحكوم بها مرتبطة بعقد الشغل الذي كان يربط طرفي الدعوى" ورفض إيقاف التنفيذ.
ويتبين لنا من هذه القرارات أن المجلس الأعلى قد اعتمد لرفض طلب وقف التنفيذ على التفسير الحرفي للفصل 285 من ق م م، إذ اعتبر أن كل التعويضات المرتبطة بعقد الشغل يجب أن يصدر الحكم بتنفيذها بقوة القانون ولا يجوز الحكم بإيقاف تنفيذها، وأن المحكمة لا تتمتع بسلطة تقديرية بخصوصها.
لكن ذلك التوجه لم يدم طويلا لأن مواقف المجلس عرفت توجها آخر خلال تعامله مع طلبات إيقاف التنفيذ المعجل للأحكام، حيث جنح المجلس الأعلى(محكمة النقض) في إطار تفسيره للفصل 285 من ق م م إلى تحديد الحالات التي تكون فيها الأحكام مشمولة بالنفاذ المعجل قانونيا، والتي جسدها في التعويضات التي يستحقها الأجير قبل انتهاء علاقة العمل ومن أبرزها الأجرة والفارق في الأجرة وعلاوة الأقدمية والتعويضات العائلية، وكذا التعويض عن الإعفاء من الخدمة وبصورة أوضح كل التعويضات التي يستحقها أثناء قيام علاقة العمل، باستثناء التعويض عن الطرد التعسفي.
وبهذا فإن المجلس الأعلى (محكمة النقض) تراجع عن تفسيره السابق لعبارة قضايا عقود الشغل الواردة في الفصل 285 من ق م م وفي هذا الصدد يمكن إيراد قرار صادر عنه بتاريخ 28/05/1984 الذي جاء فيه: “وبما أن الأحكام الصادرة في شأن التعويض عن الطرد التعسفي تخضع لتقدير المحكمة نتيجة فسخ عقد العمل، باستثناء الحقوق التي سيستمدها العمال بمقتضى النصوص التشريعية تبقى خاضعة لمقتضيات الفصل 147 من ق.م.م فيما يتعلق بطلب إيقاف التنفيذ وفي الأحكام الصادرة بالرجوع إلى العمل ومن أجل نفس السبب تبقى خاضعة لمقتضيات الفصل المذكور باعتباره بديلا للتعويض عن الضرر”.
وخلاصة القول أن الاختلاف والتجاذب الحاصل على مستوى العمل القضائي بخصوص الفصل 285 من ق م م، يعود إلى غموض النص القانوني من جهة، والتطبيق من جهة ثانية، فإذا كانت غاية المشرع في إشمال الأحكام الاجتماعية بالتنفيذ المعجل بقوة القانون هو إسعاف فئة الأجراء من أجل الحصول على حقوقها وجعلها تستفيد من التعويضات المحكوم بها لها، لكن برجوعنا إلى التطبيقات القضائية يلاحظ أنها تحول دون تحقيق تلك الغاية.
وفي الختام، وبالرغم من أن التنفيذ المعجل القانوني لا يقبل تقديم طلب إيقافه، إلا أن بعض المحاكم تقبله وتنظر فيه، سواء كمحكمة موضوع أو كرئيس للمحكمة (قاضي الأمور المستعجلة) مع إنه مخالف للقانون، وهناك من يسلك طريقا آخر للوصول إلى إيقاف التنفيذ المعجل القانوني وذلك عن طريق تقديم طلب يرمي إلى البت في صعوبة التنفيذ، وكما هو معلوم إذا وافق قاضي الأمور المستعجلة على الطلب توقف التنفيذ كنتيجة لذلك.
الفقرة الثانية:خصوصيات الطعن في قرارات التحكيم في المادة الاجتماعية
تعد نزاعات الشغل إحدى المظاهر المميزة للمجتمعات المعاصرة، حيث أن علاقة الشغل هي علاقة قانونية تحمل بين ثناياها بوادر الخلاف، مما ترتب عليه تدخل المشرع لتنظيم العلاقة وخلق آليات قانونية للحوار لفض مختلف النزاعات القابلة للاندلاع في أية لحظة، وبالتالي خلق فضاء توافقي في إطار تقنيات المفاوضة الجماعية بين أطراف العلاقة سواء على مستوى القانوني والتنظيمي أو على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، وهكذا فقط جاء الكتاب السادس من مدونة الشغل معنونا بتسوية نزاعات الشغل الجماعية البديلة لفض النزاعات من مصالحه وتحكيم، وهذا الأخير يعتبر بمثابة الوسيلة التي تهدفف إلى وضع حد للنزاع الجماعي من طرف شخص أو هيئة أجنبية عنه، وذلك بمقتضى قرار ملزم، كما أنه الوسيلة التي تساعد من خلال قراراتها في إبرام الاتفاقات الجماعية التي يعجز طرفاها عن التوصل إليها بمفردهما.
والتحكيم هو إجراء اختياري يعتمده الطرفان المتنازعان ( الأجراء والمشغل) بمحض إرادتهما كوسيلة لحل النزاع القائم بينهما. ويقتضي هذا الإجراء انتقائهما معا لطرف محايد من غير القضاء يوكلان إليه أمر الفصل في النزاع، بدءا بتسلم الحكم للمحضر مرورا بمسطرة الاستدعاء والحضور وصولا إلى صدور المقرر التحكيمي، وقد عرفه المشرع المغربي في الفصل 306 من قانون المسطرة المدنية بأنه " يراد بالتحكيم حل نزاع من لدن هيئة تحكيمية تتلقى من الأطراف، مهمة الفصل في النزاع بناء على اتفاق تحكيم"
وقد جاء في الفصل 314 من ق م م على أن "عقد التحكيم هو الاتفاق الذي يلتزم فيه أطراف نزاع نشأ بينهم بعرض هذا النزاع على هيئة تحكيمية"
وتتجلى مزايا التحكيم في أنه يمكن من الفصل الخصومة بسرعة، وعدم التقيد عادة بقواعد المرافعات، وبقانون الشكل، الذي يكون أحيانا سببا في ضياع الحقوق، ويتناسب التحكيم مع الظروف الخاصة لأطراف الخصومة إذ يتم الاتفاق على عقد جلسات مع أوقات وامكنة تتناسب والتزاماتهم، وهو الأكثر فعالية لانه يخول للأطراف اختيار المحكم الأكثر كفاءة والذي يتسم بخصال حميدة وسلوك حسن، كما تكمن فعاليته في كون الأطراف يختارون القانون الواجب التطبيق سواء في الشكل او الجوهر.
ويعد التحكيم من أهم الوسائل التي يعمل بها في حل خلافات الشغل الجماعية، وقد نصت عليها مدونة الشغل الصادرة في 11 شتنبر 2003، هو من المؤسسات التي حظيت بعناية تشريعية خاصة وذلك قبل صدور مدونة الشغل نفسها، فمنذ صدور قانون المسطرة المدنية والتحكيم يتمتع بمكانة متميزة، بالنظر إلى عدد الفصول المخصصة له ( 306 إلى 327) وإن كان على مستوى الواقع لا يلجأ إليه إلا لماما.
وبالنظر إلى أن موضوعنا هو خصوصيات المسطرة في المادة الاجتماعية، فإننا قد أثرنا تركيز بحثنا على الطعن نزاعات الشغل الجماعية نظرا للخصوصيات التي تتميز بها على المستوى المسطري.
البند الأول: الجهة المختصة بالنظر في الطعن في قرار التحكيم.
فإذا كان قرار التحكيم يتمتع بحجية من شأنها أن تمنع عرض النزاع مرة أخرى على هيئات التسوية السلمية، وذلك بغية توفير الاستقرار والثبات في المراكز القانونية التي صدر بشأنها القرار، فإن هذا القرار يمكن أن يصدر مجانبا للصواب ويمكن ألا يكون مطابقا للحقيقة، وبهذا فقد عمل المشرع المغربي على تأمين مصلحة الأطراف المتنازعة وذلك بإتاحة الطعن في مقرر التحكيم الصادر بعد إعمال آلية التحكيم وفقا للمسطرة المنصوص عليها في مدونة الشغل.
غير أن الملاحظ أن الجهاز المختص بالنظر في الطعون المقدمة ضد القرار التحكيمي يختلف من تشريع لآخر، حيث إنه بالرجوع إلى المادة 575 من مدونة الشغل يتضح أن المشرع حدد الجهة التي لها صلاحية النظر في الطعون المقدمة ضد القرارات التحكيمية الصادرة في نزاعات الشغل الجماعية وهي الغرفة الاجتماعية بمحكمة النقض.
وبالتالي فقد ألغى المحكمة العليا للتحكيم التي كانت مختصة في ظل ظهير 19 يناير 1946 الملغى، بالنظر في الطعن في نزاعات الشغل الجماعية وأناط هذا الاختصاص بالغرفة الاجتماعية بمحكمة النقض التي تنعقد في هذه الحالة كغرفة تحكيمية.
البند الثاني: أسباب الطعن في قرار التحكيم.
إن معظم التشريعات تعترف لطرفي النزاع بحق الطعن في القرارات التحكيمية الصادرة في مجال نزاعات الشغل الجماعية، شريطة وجود سبب يستوجب ذلك، وهذا ماذهب إليه المشرع المغربي من خلال المادة 576 من مدونة الشغل التي نصت على أن الغرفة الاجتماعية بمحكمة النقض تقوم بمهام الغرفة التحكيمية، وتتولى البت في الطعون المقدمة أمامها بسبب الشطط في استعمال السلطة، أو بسبب خرق القانون:
أولا: الشطط في استعمال السلطة
وتتحقق هذه الحالة عندما يتجاوز المحكم السلطات المخول له بغية البث في النزاع الجماعي، أو حكم بأكثر مما طلب منه، أو تطرق إلى مواضيع لم يطلب منه التطرق إليها، أو إذا أقدم كذلك على إسقاط بعض المقتضيات الاتفاقية الجماعية دون رضا الأطراف أو تعديل هذه الاتفاقية الجماعية، بأن أضاف إليها شروط لم يقبلها الطرفين، ولم تحضي برضاها، وبصفة عامة يتحقق الشطط في استعمال السلطة عند تجاوز الهيئة التحكيمية على غرار القاضي حدود اختصاصه.
كما لا يجوز للمحكم أن يقوم بتفسير عمل إداري يرجع الاختصاص فيه إلى السلطة الإدارية، كما يجب على الحكم احترام شروط ومقتضيات الاتفاقيا ت الجماعية المبرمة بين طرفي النزاع الجماعي المعروض عليه، ولهذا يكون هناك شطط في استعمال السلطة.
ويشمل الطعن في القرارات التحكيمية الصادرة في نزاعات الشغل الجماعية الشطط في استعمال السلطة الذي يتحقق بصفة عامة عند تجاوز المحكم على غرار القاضي حدود اختصاصه وتدخله في مهام تخرج عن هذا الاختصاص، وهذا ما ذهبت إليه محكمة النقض ( المجلس الأعلى سابقا) في قراره عدد 438 الصادر عن غرفتين بتاريخ 27/05/1998 حيث قضى" أن المشرع استعمل في الفصل 382 مصطلح الحكم دون تقييد، مما يعني أنه يمكن أن ينصرف إلى كل الأحكام سواء كانت ابتدائية أو انتهائية، يدل على ذلك الفصل 381 من ق م م، الذي أعطى للوكيل العام للملك لدى المجلس الأعلى إمكانية الطعن في الأحكام التي تصدر على وجه مخالف للقواعد، أو لقواعد المسطرة قد استعمل مصطلح الحكم الانتهائي"
ثانيا: خرق القانون
يعتبر الطعن بالنقض بسبب خرق القانون من أهم أسباب الطعن أمام الجهة المختصة بالطعن وهي محكمة النقض سواء تعلق الأمر بنزاعات الشغل الجماعية أو غيرها، وهذا ما ذهبت إليه محكمة النقض (المجلس الأعلى سابقا في قراره عدد 129 بتاريخ 27/04/1997والذي قضى بأنه "لا تجب دعوة لجنة التحكيم للبت في مقدار التعويض المستحق للصحفي المفصول عن عمله، إلا إذا كانت مدة العمل التي قضاها هذا الصحفي تتجاوز 15 سنة وإلا فلا مبرر لهذا الإجراء..... وبالتالي فإن وزير الأنباء لم يرتكب أي شطط أو خرق لمقتضيات ظهير 18 أبريل 1942 لما لم يستجب لطلب الطاعن الرامي دعوة لجنة التحكيم المذكورة"
يقصد بخرق القانون أي الخطأ في تطبيقه أو في تأويله أو أن القرار المطعون فيه طبق قاعدة قانونية غير القاعدة القانونية الواجبة التطبيق، ويكون قد طبقها على النحو أدى إلى نتائج قانونية مخالفة لتلك التي قصدها المشرع، وبذلك فإن الطعن المستند إلى التطبيق الخاطئ أو التفسير الخاطئ لنصوص الاتفاقية( الاتفاقات الجماعية)، يعتبر طعنا مستندا إلى خرق القانون، ما دام أنه ثبت بأن الحكم قد أخطأ فعلا في تطبيق أو تفسير النصوص الاتفاقية التي تجمع بين طرفيي النزاع الجماعي.
ويظهر أن المادة 576 من مدونة الشغل حددت الأسباب والموجبات التي يجوز الطعن بناء عليها في القرارات التحكيمية الاجتماعية، وهي الشطط في استعمال السلطة وخرق القانون، وتكون المدونة الجديد قد خالفت ما نص عليه الفصل 359 من قانون المسطرة المدنية الذي أورد إلى جانب هذين السببين، كلا من خرق قاعدة مسطرية أضر بأحد الأطراف، وعدم الاختصاص، وعدم ارتكاز الحكم على أساس قانوني أو انعدام التعليل
وهذا خلافا لما كان عليه الوضع في ظهير 19 يناير 1946، المتعلق بالمصالحة والتحكيم الذي كان ينص على أن قرارات التحكيم الصادرة في نزاعات الشغل الجماعية لا تقبل الطعن سوى أمام المحكمة العليا للتحكيم، وهو ما نص عليه الفصل الرابع من نفس الظهير
البند الثالث: آجال وطرق الطعن في قرار التحكيم
ومن تجليات خصوصيات نزاع الشغل الجماعي نجد الآجال المنصوص عليها للطعن في القرار التحكيمي حيث يتوجب تقديم الطعن في أجل لا يتعدى 15 يوما من تاريخ تبليغ القرار المطعون فيه إلى أطراف النزاع، وهو ما نصت عليه المادة 577 من مدونة الشغل ، ويلاحظ أن الأجل أقل من ذلك المحدد للطعن بالنقض أمام المجلس الأعلى الذي تعد الغرفة الاجتماعية إحدى غرفه الست والمتمثل في ثلاثون يوما من تاريخ التبليغ،
كما أنه وتبسيطا للمساطر والإجراءات، قضت مدونة الشغل في المادة 577 المشار إليها أعلاه، بجواز ممارسة الطعن في القرارات التحكيمية بواسطة رسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل توجه إلى رئيس الغرفة الاجتماعية بصفتها غرفة تحكيمية، وهو الأمر الذي لا قيمة له أمام المجلس الأعلى كمحكمة قانون، حيث ضرورة الالتزام بعدة شكليات نصت عليها الفصول 354 وما يليها من ق م م.
ومن جهة أخرى، يتميز الطعن في القرارات التحكيمية الصادرة في النزاعات الاجتماعية بكونه مرتبط بآجال قصيرة جدا، فعلى الغرفة الاجتماعية بمحكمة النقض كغرفة تحكيمية أن تصدر قرارها في أجل أقصاه ثلاثون يوما من تاريخ رفع الطعن، ويبلغ الأطراف خلال الأربع وعشرين ساعة الموالية لتاريخ صدوره، وهذا ما نصت عليه المادة 578 من مدونة الشغل التي جاء فيها " يجب أن تصدر الغرفة التحكيمية قرارها في أجل أقصاه ثلاثون يوما من تاريخ رفع الطعن إليها، يجب تبليغ القرار التحكيمي الصادر عن الغرفة إلى الأطراف خلال الأربع والعشرين ساعة من تاريخ صدوره"
وهذه الخاصية لا وجود لمثيل لها في قانون المسطرة المدنية، إذ لا يربط المشرع صدور القرار عن محكمة النقض بأجل معين، وإنما يبقى للمستشارين بالمحكمة السلطة التقديرية الواسعة، حيث يبتون حسب نوعية القضايا المعروضة عليهم، ووفقا للانتهاء من إجراءات التحقيق.
وعليه فإن للغرفة الاجتماعية الحق في أن تصادق على القرارات الصادرة أو تنقضها. غير أن نقضها قد يكون كليا بحيث يشمل القرار برمته، وقد يقتصر على بعض جوانبه التي يكون شابها التقصير، دون بقية الجوانب الأخرى، وهذا إذا كان يمكن تجزئة مضمون القرار، وقد تطرقت المدونة للحالة التي تنقض فيها الغرفة الاجتماعية القرار التحكيمي المطعون فيه، حيث نصت في المادة 579 من مدونة الشغل على وجوبية إحالة الغرفة للنازلة إلى حكم جديد يتم تعيينه من طرف الأطراف وفي حالة عدم اتفاقهم يتم تعيينه من طرف الوزير المكلف للتشغيل.
وتجب الإشارة إلى أن محكمة النقض يمكن أن تيث كهيئة تحكيمية وذلك عندما يتم الطعن في الحكم التحكيمي للمحكم الجديد الذي أحالت عليه محكمة النقض الأطراف حيث تعين مستشارا مقررا من أعضائها بهدف إجراء بحث تكيميلي ثم تصدر حكم نهائي غير قابل للطعن أمام أي جهة أخرى خلال الثلاثين يوما الموالية لتاريخ صدور قرار النقض الثاني وتعتبر هذه الحالة الثانية _ البث كغرفة تحكيمية _ من أهم مستجدات مدونة الشغل وتمثل خروجا عن المبدأ العام المتجسد في كون محكمة النقض محكمة قانون تقتصر مهمتها على مراقبة مدى احترام مخنلف المحاكم للضوابط القانونية ،وذلك بجعلها محكمة واقع تفصل في النزاع بحكم نهائي غير قابل لأي طعن حسب المادة 580 من مدونة الشغل
وفي الختام، تجب الإشارة إلى أن بعض الفقه ، يرى أن معظم نزاعات الشغل الجماعية ذات طبيعة اقتصادية بأبعاد اجتماعية ومالية قد يستعصي على مستشاري النقض استعابها بسهولة لبعدها عن مجال تخصصهم المرتبط بالعمل القانوني، لذلك كان من الممكن النص على مشاركة مستشاري الغرفة الاجتماعية وهم يبتون في الطعون في قرارات التحكيم الصادرة في نزاعات الشغل الجماعية، أعضاء آخرون من خارج الهيئة القضائية ممن يتمتعون بالخبرة والكفاءة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي بالدراية الكاملة في الأوساط المهنية، وذلك لمساعدة القضاة المحترفين على الإحاطة بالأمور التي تهم الجوانب الاقتصادية"
خاتمة:
إن القواعد المسطرية في المادة الاجتماعية لها طبيعة خاصة، وهو ما يميزها عن تلك المعمول بها في باقي القضائي، هذه الخصوصيات تعكس الطابع الذي يتميز به قانون الشغل حيث يهدف إلى حماية الطرف الضعيف في العلاقة التعاقدية، الأمر الذي من شأنه أن يخلق توازنا بين التزامات المتعاقدين في المادة الاجتماعية، وبذلك صار للأجير حماية قانونية تخوله الدفاع عن مصالحه في مواجهة المشغل.
ولتحقيق هذه الحماية يجب أن تتسم الإجراءات المسطرية أمام المحاكم باليسر والمرونة والسرعة المطلوبة في البت في القضايا، والإسراع في تنفيذ الأحكام، الأمر الذي يضمن تمكين الأجير من مستحقاته في الوقت المناسب وممارسة حقه في التقاضي، وهذا لن يتأتى إلا عبر قواعد مسطرية تتلائم وطبيعة النزاعات في المادة الإجتماعية، وعليه فإنه من خلال تناولنا للخصوصيات المسطرة في المادة الإجتماعية فقد أثرنا إبداء الملاحظات التالية:
نظرا لما أثاره الفصل 285 من ق.م.م، نقاشات فقهية وقضائية بين من ذهب إلى وجوب تفسير عبارة ” عقود الشغل أو التدريب المهني” الواردة في الفصل المذكور تفسيرا ضيقا وبين من ذهب إلى ضرورة تفسير مضمون الفصل 285 من ق.م.م بشكل أشمل وأوسع وبالتالي تمديد امتياز النفاذ المعجل إلى كل النزاعات الاجتماعية، وفي اعتقادنا المتواضع فإن التنفيذ المعجل القانوني الذي نصت عليه هذه المادة 285 يجب أن يشمل جميع الأحكام الصادرة في القضايا الاجتماعية دون تمييز وبشكل عام.و لذلك يجب تدارك الأمر وحسم ما أثاره هذا الفصل من نقاشات فقهية و اجتهادات قضائية، مع ترك مجال لإعمال السلطة التقديرية للقضاء وذلك انسجاما مع مبادئ العدالة والإنصاف.
إذا كان المشرع قد خول للفاعلين الاجتماعيين إبرام الاتفاقيات الجماعية وخوض الحوار الاجتماعي بشتى أشكاله، فإنه من باب أولى إعطائهم إمكانية اللجوء إلى التحكيم وفي معزل عن الترابط المرحلي للتصالح.
على المشرع أن يجعل البت في نزاعات التحكيم على درجتين، تتمثل الأولى في عرض النزاع على المحكمين، ودرجة ثانية تنظر في طلب نقضه أمام المحكمة، ذلك أن وظيفة الغرفة الاجتماعية السهر على حسن تطبيق القانون وتوحيد تفسيره في الوقت الذي تكون فيه نزاعات الشغل الجماعية ذات طبيعة اقتصادية لا تطبق عليها نصوص قانونية بقدر ما يستند الحكم فيها إلى قواعد الانصاف.
ومن الأجدر أن تكون الجهة المنوطة بالنظر في الطعن في قرارات التحكيم، تتضمن في تشكيلها إلى جانب القضاة أشخاص ذوي الخبرة من الخبراء الاقتصاديين والاجتماعيين.
لائحة المراجع
الكتــــب باللغة العربية:
عبد اللطيف خالفي، الوسيط في مدونة الشغل، ج 2 مطبعة الوراقة الوطنية مراكش الطبعة 1، 2004 ص
الرسائـــل والاطروحــات:
أمال أزداد، التحكيم في نزاعات الشغل، رسالة ماستر، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بوجدة، 2008، ص 107
سهام مليكي ، دور التحكيم في نزاعات الشغل الجماعية، رسالة ماستر، كلية العلوم القانونية، الاقتصادية والاجتماعية بوجدة، 2011
المقالات:
مولاي امحمد الأمراني زنطار: غرفة المشورة بين صراحة النص القانوني والواقع القضائي في المادة الاجتماعية-المجلة المغربية لقانون واقتصاد التنمية-ع 22-سنة 1990
عبد الكريم الطالب، قواعد المسطرة في المادة الإجتماعية، مقال منشور على موقع www.mohamah.net، 3 أكتوبر 2016،
محمد عطاف، التنفيذ المعجل في المادة الاجتماعية، مقال منشور بمجلة المحاكم المغربية، عدد 64-65،
النقيب عبد الله درميش ، المداخلة في الندوة التي عقدها المعهد الوطني للدراسات القضائية ( الفوج 29 ) في اطار ندوات التكوين في موضوع " انهاء العلاقة الشغلية والاثار المترتبة عنه" - 13 يوليوز 2000 .
يونس الزهري التنفيذ المعجل على ضوء قانون المسطرة المدنية، مقال منشور بموقع www.bibliotdroit.com، 10 أبريل 2018
إشكاليات التنفيذ المعجل في المادة الاجتماعية بالمغرب، مقال منشور بموقع www.maroclaw.com ، ماي 2018
حاجي محمد، القواعد المسطرية للتحكيم في نزاعات الشغل الجماعية، مقال منشور على موقع www.frssiwa.blogspot.com ، أبريل 2017
حاجي محمد، القواعد المسطرية للتحكيم في نزاعات الشغل الجماعية، مقال منشور على موقع frssiwa.blogspot.com، أبريل 2017
محمد بومدين، المسطرة في القضايا الاجتماعية، مقال منشور بموقع www.alkanounia.com ، 14 يوليو 2015
هشام بلحسن،نزاعات الشغل ، مقال منشور بموقع www.alkanounia.com،
الاجتهادات القضائية:
قرار المجلس الأعلى عدد 547 الصادر بتاريخ 17/12/1979 في الملف الاجتماعي عدد 306/75- قضاء المجلس الأعلى ـ ع 28-ص 126.
قرار المجلس الأعلى عدد 376 صادر بتاريخ 28/5/1984، منشور بمجلة القضاء والقانون عدد 135-136، ص: 191
قرار عدد 129 بتاريخ 27/04/1997 في الملف المدني 500008، ندوة العمل القضائي والتحكيم التجاري، سلسلة دفاتر المجلس الأعلى، مطبعة الأمنية- الرباط، العدد 7 طبعة 2005
قرار عدد 438 الصادر عن غرفتين بتاريخ 27/05/1998في الملف الإداري رقم 692/5/96، ندوة العمل القضائي والتحكيم التجاري، سلسلة دفاتر المجلس الأعلى، مطبعة الأمنية- الرباط، العدد 7 طبعة 2005، ص 171 وما بعدها.
قرار المجلس الأعلى عدد 356 الصادر بتاريخ 11/04/1995 في الملف الاجتماعي عدد 8275/92- قضاء المجلس الأعلى ــ ع 48-ص 299.
قرار المجلس الأعلى عدد 1105 الصادر بتاريخ 29/04/1991 في الملف الاجتماعي 9080/90 منشور بمجلة الإشعاع – ع 6 –ص 61.
حكم المحكمة الابتدائية بمراكش عدد 1236 بتاريخ 30/10/2000 في الملف عدد 818/11/2000
حكم المحكمة الابتدائية بمراكش الصادر بتاريخ: 14/09/2000 في الملف عدد 310/12/2000.
حكم المحكمة الابتدائية بمراكش الصادر بتاريخ: 19/11/1998 في الملف عدد 767/97.
حكم المحكمة الابتدائية بمراكش الصادر بتاريخ: 14/09/2000 في الملف عدد: 732/98.
حكم المحكمة الابتدائية بمراكش عدد 906 بتاريخ 28/10/1999 في الملف عدد 405/99،
الفهرس
المقدمة 1
المبحث الأول : تأليف المحكمة وتقديم الدعوى وإجراءاتها 5
المطلب الأول: تأليف المحكمة وتقديم الدعوى 5
الفقرةالأولى : خاصية الاختصاص و تأليف المحكمة 5
البند الأول: الاختصاص 6
البند الثاني : تأليف المحكمة 10
الفقرة الثانية: تقديم الدعوى 12
المطلب الثاني: إجراءات الدعوى 15
الفقرة الأولى: قواعد الاستدعاء والتبليغ 15
الفقرة الثانية: الصلح والمساعدة القضائية 16
المبحث الثاني: الطعن في الأحكام الاجتماعية وتنفيذها وقواعد التحكيم 26
المطلب الأول : الطعن في الاحكام الاجتماعية 26
الفقرة الاولى طرق الطعن العادية 26
البند الاول: التعرض 27
البند الثاني: الاستئناف 31
الفقرة الثانية: طرق الطعن غير العادية 34
المطلب الثاني:خصوصيات تنفيذ الأحكام الاجتماعية وقواعد التحكيم. 45
الفقرة الأولى: تنفيذ الأحكام الاجتماعية. 45
الفقرة الثانية:خصوصيات الطعن في قرارات التحكيم في المادة الاجتماعية 52
البند الأول: الجهة المختصة بالنظر في الطعن في قرار التحكيم. 54
البند الثاني: أسباب الطعن في قرار التحكيم. 54
البند الثالث: آجال وطرق الطعن في قرار التحكيم 57
خاتمة 60