يعتبر خطاب الملك في افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الأولى من الولاية التشريعية العاشرة أمام البرلمان، خطاب حاول من خلاله عاهل البلاد أن يعطي نظرة شاملة للعلاقة التي تربط المواطن بالإدارة، والمشاكل التي تعتري هذه العلاقة سواء من خلال طول المساطر الإدارية، وعدم وجود آليات تواصلية كافية لخدمة المواطن في أحسن الأحوال وفي ظروف جيدة. فالخطاب الملكي شخص الأعطاب الكثيرة والكبرى التي تشهدها الإدارة سواء كانت مركزية، جهوية، أو حتى خارجية كالسفارات والقنصليات.
فالخطاب الملكي يمثل خطاب الملك المواطن، لاعتباره نابع من هموم وانتظارات المواطنين، هو خطاب يحمل هذه الهموم إلى البرلمانيين وإلى الحكومة بصفة خاصة، من أجل العمل على مصلحة المواطن وجعل هذا المبدأ هو أساس العمل البرلماني والحكومي. فهذا الخطاب حاول رصد مختلف الأعطاب التي تعرفها الإدارة المغربية من رشوة وموارد بشرية ضعيفة وغيركافية، وطول المساطر، والشطط في استعمال السلطة، هذه الأشياء حسب الملك هي تعيق عجلة التنمية بالبلاد. فما الجدوى حسب الخطاب الملكي من حكومة وبرلمانيين وجهوية متقدمة إن لم تكن في مصلحة المواطنات والمواطنين، وإن لم تساهم في حل مشاكلهم وهمومهم. فنداء الملك اليوم أمام البرلمان هو دق لناقوس الخطر من أجل إيجاد حلول بديلة وناجعة من أجل العمل على إيجاد حلول لانتظارات المواطنات والمواطنين المغاربة، بحيث أعطى الملك أمثلة على ذلك :" إن المرافق والإدارات العمومية، تعاني من عدة نقائص، تتعلق بالضعف في الأداء، وفي جودة الخدمات، التي تقدمها للمواطنين. كما أنها تعاني من التضخم ومن قلة الكفاءة، وغياب روح المسؤولية لدى العديد من الموظفين. إن الإدارة تعاني، بالأساس، من ثقافة قديمة لدى أغلبية المغاربة".
لذلك، الخطاب الملكي يعتبر مرحلة جديدة في تعامل المؤسسة الملكية مع المؤسسة البرلمانية بالمغرب، وهو ما أكده عاهل البلاد من خلال قوله:" إن افتتاح السنة التشريعية ليس مجرد مناسبة دستورية، للتوجه لأعضاء البرلمان، وإنما هو منبر أتوجه من خلاله، في نفس الوقت للحكومة وللأحزاب، ولمختلف الهيآت والمؤسسات والمواطنين. كما أنه أيضا لا يشكل فقط، فرصة لتقديم التوجيهات، والنقد أحيانا، بخصوص العمل النيابي والتشريعي، بل هو منبر أستمع من خلاله لصوت المواطن، الذي تمثلونه". الشيء الذي يؤكد على أطروحة الملك المواطن الذي يعمل على الاستماع لما في صدور المواطنين الذي يحكمهم، وهو يشكل نقطة محورية يساهم من خلالها عاهل البلاد في إيصال هموم المواطنين إلى الحكومة أو البرلمان عبر خطاباته الجديدة التي تتسم بالصراحة والواقعية، فالملك كما أكد من خلال ما يلي:" يقال كلام كثير بخصوص لقاء المواطنين بملك البلاد، والتماس مساعدته في حل العديد من المشاكل والصعوبات. وإذا كان البعض لا يفهم توجه عدد من المواطنين إلى ملكهم من أجل حل مشاكل وقضايا بسيطة، فهذا يعني أن هناك خللا في مكان ما. أنا بطبيعة الحال أعتز بالتعامل المباشر مع أبناء شعبي، وبقضاء حاجاتهم البسيطة، وسأظل دائما أقوم بذلك في خدمتهم .ولكن هل سيطلب مني المواطنون التدخل لو قامت الإدارة بواجبها ؟ الأكيد أنهم يلجؤون إلى ذلك بسبب انغلاق الأبواب أمامهم، أو لتقصير الإدارة في خدمتهم، أو للتشكي من ظلم أصابهم". فالنجاعة الإدارية تعتبر مفتاحا للتنمية، وتحقيق انتظارات المواطنين يشكل حجر أساس هذه التنمية.
فعاهل البلاد يتحدث من خلال خطابه عن الإخفاقات التي تعرفها الإدارة العمومية المغربية، بالرغم من الإصلاحات الإدارية التي عرفتها الإدارة المغربية، فالبوادر الأولية للإصلاح، بدأت بمنعطف قبل معاهدة فاس الموقعة يوم 30 مارس 1912، ، حيث كانت الإدارة المخزنية أنذاك تتكون من أجهزة مركزية (السلطان والوزراء)، ومن إدارة محلية تستمد شرعيتها واختصاصاتها من السلطان (العامل، أو الباشا، والمحتسب بالمدن والقواد بالبوادي)؛ ومنعطف فترة الحماية (1912-1955)، حيث أدخلت السلطات الفرنسية إصلاحات جذرية على الإدارة المغربية بغية فرض سيادتها واستغلال خيرات البلاد. والمنعطف الأخير هو لبعد الاستقلال وإلى يومنا هذا عملت وتعمل الحكومات المتتالية على إصلاح الإدارة والإدارة العامة لتطويرها.
لذلك، ومن وجهة نظرنا، بأن الاخفاقات التي عرفتها الحكومة السابقة هي عدم تطبيقها للأساسيات والمؤسسات والهيئات الحكماتية المنصوص عليها في دستور 2011، والتي جاءت في الباب الثاني عشر، بالإضافة إلى ميثاق المرافق العمومية التي لم تعمل الحكومة كذلك على تدبيره والعمل به على الوجه الأمثل، وذلك من أجل تجاوز الإكراهات والمشاكل التي تعتري الإدارة العمومية المغربية، فالدستور بقي لحد الآن حبرا عل ورق، ومؤسساته الحكماتية لم تطبق بعد على أرض الواقع، ما نتج عنه الإخفاقات التي تعرفها الإدارة العمومية اليوم ببلادنا.
من جانب آخر، أكد عاهل البلاد على أنه:" من غير المعقول أن يتحمل المواطن، تعب وتكاليف التنقل إلى أي إدارة، سواء كانت قنصلية أو عمالة، أو جماعة ترابية، أو مندوبية جهوية وخاصة إذا كان يسكن بعيدا عنها، و لا يجد من يستقبله، أو من يقضي غرضه .ومن غير المقبول، أن لا تجيب الإدارة على شكايات وتساؤلات الناس وكأن المواطن لا يساوي شيئا، أو أنه مجرد جزء بسيط من المنظر العام لفضاء الإدارة. فبدون المواطن لن تكون هناك إدارة. ومن حقه أن يتلقى جوابا عن رسائله، وحلولا لمشاكله، المعروضة عليها. وهي ملزمة بأن تفسر الأشياء للناس وأن تبرر قراراتها التي يجب أن تتخذ بناء على القانون .وعلى سبيل المثال، فالعديد من المواطنين يشتكون من قضايا نزع الملكية ، لأن الدولة لم تقم بتعويضهم عن أملاكهم، أو لتأخير عملية التعويض لسنوات طويلة تضر بمصالحهم، أو لأن مبلغ التعويض أقل من ثمن البيع المعمول به، وغيرها من الأسباب. إن نزع الملكية يجب أن يتم لضرورة المصلحة العامة القصوى، وأن يتم التعويض طبقا للأسعار المعمول بها، في نفس تاريخ القيام بهذه العملية مع تبسيط مساطر الحصول عليه". ما جاء في هذه السطور يؤكد إهتمام الملك وقربه من المواطنين وبمشاكلهم وهمومهم. فالإدارة العمومية يجب أن تكون مساهمة فعلية في عملية التنمية، فمظاهر من قبيل مرض الفساد الإداري المفضي إلى انعدام المسؤولية، يسمح بتوصيف النظام الإداري المغربي، بالنظام المنغلق وغير المنفتح على محيطه.
في الشق المتعلق بالاستثمار، حاول الملك محمد السادس رصد مختلف العراقيل التي تعرفها العملية الاستثمارية ببلادنا، الشيء الذي أكده من خلال قوله:" إن هذا الوضع غير مقبول ، ولا ينبغي أن يستمر. فالمستثمر عندما لا يتلقى جوابا وإذا لم يتم حل المشكل الذي يواجهه، فإنه يرجع أمواله إلى البنك، إذا كان مقيما في المغرب. أما إذا كان من أبناء الجالية، وفضل الاستثمار في وطنه، فإنه يكون مجبرا على العودة بأمواله إلى الخارج .وبذلك يتم حرمان الوطن من فرص الاستثمار والتنمية، وحرمان المواطنين من فرص الشغل. إن الشباك الوحيد ليس إلا واحدا من الأوراش، لمعالجة العراقيل التي تواجه الاستثما وإذا لم يتم إيجاد الحلول الناجعة لها، بعد كل هذه السنوات، فكيف سيتم تطبيق باقي النقط المهمة الواردة في رسالتنا إلى الوزير الأول والتي تخص علاقة المواطن بالإدارة وتبسيط المساطر وتشجيع الاستثمار؟". جل هذه العراقيل التي تطرق إليها عاهل البلاد في ميدان الاستثمار، تعكس الصورة السلبية لتعامل الإدارة مع المستثمرين، والتي تساهم بشكل غير مباشر في تفويت فرص استثمارية مهمة للبلاد هي بحاجة ماسة إليها في ظل تفاقم العجز المالي، وفي ظل زيادة نسبة البطالة التي تعرفها بلادنا. لذلك أكد الملك على ضرورة إيجاد حلول ناجعة لهذه المشكلة تساهم في خلق فرص شغل وتساهم في الدفع بالعجلة التنموية للمملكة.
أما فيما يخص تعميم الإدارة الإلكترونية، فقد خصها الملك بكلامه :" يتعين تعميم الإدارة الإلكترونية بطريقة مندمجة ، تتيح الولوج المشترك للمعلومات بين مختلف القطاعات والمرافق .فتوظيف التكنولوجيات الحديثة، يساهم في تسهيل حصول المواطن، على الخدمات، في أقرب الآجال، دون الحاجة إلى كثرة التنقل والاحتكاك بالإدارة، الذي يعد السبب الرئيسي لانتشار ظاهرة الرشوة، واستغلال النفوذ. وهو ما سبق أن أكدنا على ضرورة محاربته في مفهومنا للسلطة ". فتعميم الآليات الإلكترونية بإداراتنا العمومية المغربية، هي أولا وقبل كل شيء نتيجة طبيعية لثورة المعلومات وبزوغ فجر مجتمع المعرفة، لهذا فإن تفعيل الآليات الإلكترونية في مرافق الدولة كلها هو جزء من السعي إلى الولوج إلى عالم المعلومات والاتصالات الحديثة من أوسع الأبواب، لخدمة المواطن والمقاولة ووضع الإدارات العمومية في وضع خاضع أكثر للمساءلة، ولفسح الفرص لمزيد من التنمية.
فالإدارة المندمجة والفاعلة في التنمية، تتطابق أدوارها وأبعادها مع التدبير والحكامة الجدية، وبذلك تصبح الإدارة في ظل المقاربة الجديدة لمنظومة الحكامة الجيدة في الميدان الإداري، إدارة استراتيجية، مبادرة وفعالة، وإدارة مشاركة، مرنة ومتعاونة (قطاع عام- قطاع خاص)، وطلك في اتجاه تجويد التدبير العمومي، مما يقتضي معه الاهتمام بالعنصر وبالمورد البشري بالأساس، والابتعاد عن تغليب الجوانب الشكلية التقنية في كل عملية لإصلاح الإدارة، فالتخبط الذي نعيشه في أولويات الإصلاح الإداري، يدفع إلى الدعوة إلى عقلنة استراتيجيات الإصلاح في هذا الجانب، بما يكرس أهداف ومرامي الحكامة الجيدة ومؤسساتها الدستورية في قطاع الإدارة، ويسمح بإرساء مفاهيم من قبيل "المنظور الجديد للخدمة العامة". أما الجانب الإلكتروني، وضرورة إدخال الأدوات والآليات الإلكترونية إلأى الإدارة المغربية، فمنذ إطلاق مخطط المغرب الرقمي لسنة 2013، إطلاق برنامج الحكومة الإلكترونية سنة 2009، الذي اتخذ كهدف له تطوير 89 خدمة موجهة للإدارات والمرتفقين والشركات، لم يلمس المواطن المغربي أي تطور على مستوى خدمات الإدارة العمومية المغربية، مما يستدعي معه العمل على إعادة النظر في هذا المشروع وبسط نتائجه وأهدافه التي تحققت على أرض الواقع ومحاسبة المسؤولين عن فشله. من جانب آخر، فلا يمكننا الحديث عن إدارة تقدم خدماتها للمواطن إلكترونيا دون أن يكون هذا الأخير غير مستخدم لها، لدى فعلى المواطن أن يشارك هو أيضا في هذا المشروع التنموي، وذلك عن طريق تعلمه لهذه التكنولوجيا الحديثة حتى يساهم بشكل فعلي وفعال في خلق شروط وظروف نجاح هذا الصرح التنموي، الذي سيقدم خدمة ستيسر للمواطن المغربي عملية احتكاكه بالإدارة، وأيضا تسهيل الخدمات بشكل يصبح اكتظاظ الإدارات من الأمور غير المرغوب فيها، كما يجب العمل على وضع وتفعيل هيئات الحكامة الجيدة ومبادئ الدستور الجديد عل أرض الواقع، فواقع الحال لا يبين التطبيق الأمثل والجدي لهذه المبادئ والمؤسسات المنصوص عليها في هذه الوثيقة، والتي يمكن إجمالها في مؤسسة الوسيط، والهيأة المكلفة بالمناصفة ومحاربة جميع أشكال التمييز، ومجلس المنافسة، والهيأة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، ومبادئ المساواة أمام المواطنين في الولوج إلى الإدارة، وجودة التدبير، والشفافية، والحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة، وذلك من أجل إنجاح هذا الورش وحتى ينخرط الجميع بروح من المسؤولية والمواطنة الإيجابية.
فالخطاب الملكي يمثل خطاب الملك المواطن، لاعتباره نابع من هموم وانتظارات المواطنين، هو خطاب يحمل هذه الهموم إلى البرلمانيين وإلى الحكومة بصفة خاصة، من أجل العمل على مصلحة المواطن وجعل هذا المبدأ هو أساس العمل البرلماني والحكومي. فهذا الخطاب حاول رصد مختلف الأعطاب التي تعرفها الإدارة المغربية من رشوة وموارد بشرية ضعيفة وغيركافية، وطول المساطر، والشطط في استعمال السلطة، هذه الأشياء حسب الملك هي تعيق عجلة التنمية بالبلاد. فما الجدوى حسب الخطاب الملكي من حكومة وبرلمانيين وجهوية متقدمة إن لم تكن في مصلحة المواطنات والمواطنين، وإن لم تساهم في حل مشاكلهم وهمومهم. فنداء الملك اليوم أمام البرلمان هو دق لناقوس الخطر من أجل إيجاد حلول بديلة وناجعة من أجل العمل على إيجاد حلول لانتظارات المواطنات والمواطنين المغاربة، بحيث أعطى الملك أمثلة على ذلك :" إن المرافق والإدارات العمومية، تعاني من عدة نقائص، تتعلق بالضعف في الأداء، وفي جودة الخدمات، التي تقدمها للمواطنين. كما أنها تعاني من التضخم ومن قلة الكفاءة، وغياب روح المسؤولية لدى العديد من الموظفين. إن الإدارة تعاني، بالأساس، من ثقافة قديمة لدى أغلبية المغاربة".
لذلك، الخطاب الملكي يعتبر مرحلة جديدة في تعامل المؤسسة الملكية مع المؤسسة البرلمانية بالمغرب، وهو ما أكده عاهل البلاد من خلال قوله:" إن افتتاح السنة التشريعية ليس مجرد مناسبة دستورية، للتوجه لأعضاء البرلمان، وإنما هو منبر أتوجه من خلاله، في نفس الوقت للحكومة وللأحزاب، ولمختلف الهيآت والمؤسسات والمواطنين. كما أنه أيضا لا يشكل فقط، فرصة لتقديم التوجيهات، والنقد أحيانا، بخصوص العمل النيابي والتشريعي، بل هو منبر أستمع من خلاله لصوت المواطن، الذي تمثلونه". الشيء الذي يؤكد على أطروحة الملك المواطن الذي يعمل على الاستماع لما في صدور المواطنين الذي يحكمهم، وهو يشكل نقطة محورية يساهم من خلالها عاهل البلاد في إيصال هموم المواطنين إلى الحكومة أو البرلمان عبر خطاباته الجديدة التي تتسم بالصراحة والواقعية، فالملك كما أكد من خلال ما يلي:" يقال كلام كثير بخصوص لقاء المواطنين بملك البلاد، والتماس مساعدته في حل العديد من المشاكل والصعوبات. وإذا كان البعض لا يفهم توجه عدد من المواطنين إلى ملكهم من أجل حل مشاكل وقضايا بسيطة، فهذا يعني أن هناك خللا في مكان ما. أنا بطبيعة الحال أعتز بالتعامل المباشر مع أبناء شعبي، وبقضاء حاجاتهم البسيطة، وسأظل دائما أقوم بذلك في خدمتهم .ولكن هل سيطلب مني المواطنون التدخل لو قامت الإدارة بواجبها ؟ الأكيد أنهم يلجؤون إلى ذلك بسبب انغلاق الأبواب أمامهم، أو لتقصير الإدارة في خدمتهم، أو للتشكي من ظلم أصابهم". فالنجاعة الإدارية تعتبر مفتاحا للتنمية، وتحقيق انتظارات المواطنين يشكل حجر أساس هذه التنمية.
فعاهل البلاد يتحدث من خلال خطابه عن الإخفاقات التي تعرفها الإدارة العمومية المغربية، بالرغم من الإصلاحات الإدارية التي عرفتها الإدارة المغربية، فالبوادر الأولية للإصلاح، بدأت بمنعطف قبل معاهدة فاس الموقعة يوم 30 مارس 1912، ، حيث كانت الإدارة المخزنية أنذاك تتكون من أجهزة مركزية (السلطان والوزراء)، ومن إدارة محلية تستمد شرعيتها واختصاصاتها من السلطان (العامل، أو الباشا، والمحتسب بالمدن والقواد بالبوادي)؛ ومنعطف فترة الحماية (1912-1955)، حيث أدخلت السلطات الفرنسية إصلاحات جذرية على الإدارة المغربية بغية فرض سيادتها واستغلال خيرات البلاد. والمنعطف الأخير هو لبعد الاستقلال وإلى يومنا هذا عملت وتعمل الحكومات المتتالية على إصلاح الإدارة والإدارة العامة لتطويرها.
لذلك، ومن وجهة نظرنا، بأن الاخفاقات التي عرفتها الحكومة السابقة هي عدم تطبيقها للأساسيات والمؤسسات والهيئات الحكماتية المنصوص عليها في دستور 2011، والتي جاءت في الباب الثاني عشر، بالإضافة إلى ميثاق المرافق العمومية التي لم تعمل الحكومة كذلك على تدبيره والعمل به على الوجه الأمثل، وذلك من أجل تجاوز الإكراهات والمشاكل التي تعتري الإدارة العمومية المغربية، فالدستور بقي لحد الآن حبرا عل ورق، ومؤسساته الحكماتية لم تطبق بعد على أرض الواقع، ما نتج عنه الإخفاقات التي تعرفها الإدارة العمومية اليوم ببلادنا.
من جانب آخر، أكد عاهل البلاد على أنه:" من غير المعقول أن يتحمل المواطن، تعب وتكاليف التنقل إلى أي إدارة، سواء كانت قنصلية أو عمالة، أو جماعة ترابية، أو مندوبية جهوية وخاصة إذا كان يسكن بعيدا عنها، و لا يجد من يستقبله، أو من يقضي غرضه .ومن غير المقبول، أن لا تجيب الإدارة على شكايات وتساؤلات الناس وكأن المواطن لا يساوي شيئا، أو أنه مجرد جزء بسيط من المنظر العام لفضاء الإدارة. فبدون المواطن لن تكون هناك إدارة. ومن حقه أن يتلقى جوابا عن رسائله، وحلولا لمشاكله، المعروضة عليها. وهي ملزمة بأن تفسر الأشياء للناس وأن تبرر قراراتها التي يجب أن تتخذ بناء على القانون .وعلى سبيل المثال، فالعديد من المواطنين يشتكون من قضايا نزع الملكية ، لأن الدولة لم تقم بتعويضهم عن أملاكهم، أو لتأخير عملية التعويض لسنوات طويلة تضر بمصالحهم، أو لأن مبلغ التعويض أقل من ثمن البيع المعمول به، وغيرها من الأسباب. إن نزع الملكية يجب أن يتم لضرورة المصلحة العامة القصوى، وأن يتم التعويض طبقا للأسعار المعمول بها، في نفس تاريخ القيام بهذه العملية مع تبسيط مساطر الحصول عليه". ما جاء في هذه السطور يؤكد إهتمام الملك وقربه من المواطنين وبمشاكلهم وهمومهم. فالإدارة العمومية يجب أن تكون مساهمة فعلية في عملية التنمية، فمظاهر من قبيل مرض الفساد الإداري المفضي إلى انعدام المسؤولية، يسمح بتوصيف النظام الإداري المغربي، بالنظام المنغلق وغير المنفتح على محيطه.
في الشق المتعلق بالاستثمار، حاول الملك محمد السادس رصد مختلف العراقيل التي تعرفها العملية الاستثمارية ببلادنا، الشيء الذي أكده من خلال قوله:" إن هذا الوضع غير مقبول ، ولا ينبغي أن يستمر. فالمستثمر عندما لا يتلقى جوابا وإذا لم يتم حل المشكل الذي يواجهه، فإنه يرجع أمواله إلى البنك، إذا كان مقيما في المغرب. أما إذا كان من أبناء الجالية، وفضل الاستثمار في وطنه، فإنه يكون مجبرا على العودة بأمواله إلى الخارج .وبذلك يتم حرمان الوطن من فرص الاستثمار والتنمية، وحرمان المواطنين من فرص الشغل. إن الشباك الوحيد ليس إلا واحدا من الأوراش، لمعالجة العراقيل التي تواجه الاستثما وإذا لم يتم إيجاد الحلول الناجعة لها، بعد كل هذه السنوات، فكيف سيتم تطبيق باقي النقط المهمة الواردة في رسالتنا إلى الوزير الأول والتي تخص علاقة المواطن بالإدارة وتبسيط المساطر وتشجيع الاستثمار؟". جل هذه العراقيل التي تطرق إليها عاهل البلاد في ميدان الاستثمار، تعكس الصورة السلبية لتعامل الإدارة مع المستثمرين، والتي تساهم بشكل غير مباشر في تفويت فرص استثمارية مهمة للبلاد هي بحاجة ماسة إليها في ظل تفاقم العجز المالي، وفي ظل زيادة نسبة البطالة التي تعرفها بلادنا. لذلك أكد الملك على ضرورة إيجاد حلول ناجعة لهذه المشكلة تساهم في خلق فرص شغل وتساهم في الدفع بالعجلة التنموية للمملكة.
أما فيما يخص تعميم الإدارة الإلكترونية، فقد خصها الملك بكلامه :" يتعين تعميم الإدارة الإلكترونية بطريقة مندمجة ، تتيح الولوج المشترك للمعلومات بين مختلف القطاعات والمرافق .فتوظيف التكنولوجيات الحديثة، يساهم في تسهيل حصول المواطن، على الخدمات، في أقرب الآجال، دون الحاجة إلى كثرة التنقل والاحتكاك بالإدارة، الذي يعد السبب الرئيسي لانتشار ظاهرة الرشوة، واستغلال النفوذ. وهو ما سبق أن أكدنا على ضرورة محاربته في مفهومنا للسلطة ". فتعميم الآليات الإلكترونية بإداراتنا العمومية المغربية، هي أولا وقبل كل شيء نتيجة طبيعية لثورة المعلومات وبزوغ فجر مجتمع المعرفة، لهذا فإن تفعيل الآليات الإلكترونية في مرافق الدولة كلها هو جزء من السعي إلى الولوج إلى عالم المعلومات والاتصالات الحديثة من أوسع الأبواب، لخدمة المواطن والمقاولة ووضع الإدارات العمومية في وضع خاضع أكثر للمساءلة، ولفسح الفرص لمزيد من التنمية.
فالإدارة المندمجة والفاعلة في التنمية، تتطابق أدوارها وأبعادها مع التدبير والحكامة الجدية، وبذلك تصبح الإدارة في ظل المقاربة الجديدة لمنظومة الحكامة الجيدة في الميدان الإداري، إدارة استراتيجية، مبادرة وفعالة، وإدارة مشاركة، مرنة ومتعاونة (قطاع عام- قطاع خاص)، وطلك في اتجاه تجويد التدبير العمومي، مما يقتضي معه الاهتمام بالعنصر وبالمورد البشري بالأساس، والابتعاد عن تغليب الجوانب الشكلية التقنية في كل عملية لإصلاح الإدارة، فالتخبط الذي نعيشه في أولويات الإصلاح الإداري، يدفع إلى الدعوة إلى عقلنة استراتيجيات الإصلاح في هذا الجانب، بما يكرس أهداف ومرامي الحكامة الجيدة ومؤسساتها الدستورية في قطاع الإدارة، ويسمح بإرساء مفاهيم من قبيل "المنظور الجديد للخدمة العامة". أما الجانب الإلكتروني، وضرورة إدخال الأدوات والآليات الإلكترونية إلأى الإدارة المغربية، فمنذ إطلاق مخطط المغرب الرقمي لسنة 2013، إطلاق برنامج الحكومة الإلكترونية سنة 2009، الذي اتخذ كهدف له تطوير 89 خدمة موجهة للإدارات والمرتفقين والشركات، لم يلمس المواطن المغربي أي تطور على مستوى خدمات الإدارة العمومية المغربية، مما يستدعي معه العمل على إعادة النظر في هذا المشروع وبسط نتائجه وأهدافه التي تحققت على أرض الواقع ومحاسبة المسؤولين عن فشله. من جانب آخر، فلا يمكننا الحديث عن إدارة تقدم خدماتها للمواطن إلكترونيا دون أن يكون هذا الأخير غير مستخدم لها، لدى فعلى المواطن أن يشارك هو أيضا في هذا المشروع التنموي، وذلك عن طريق تعلمه لهذه التكنولوجيا الحديثة حتى يساهم بشكل فعلي وفعال في خلق شروط وظروف نجاح هذا الصرح التنموي، الذي سيقدم خدمة ستيسر للمواطن المغربي عملية احتكاكه بالإدارة، وأيضا تسهيل الخدمات بشكل يصبح اكتظاظ الإدارات من الأمور غير المرغوب فيها، كما يجب العمل على وضع وتفعيل هيئات الحكامة الجيدة ومبادئ الدستور الجديد عل أرض الواقع، فواقع الحال لا يبين التطبيق الأمثل والجدي لهذه المبادئ والمؤسسات المنصوص عليها في هذه الوثيقة، والتي يمكن إجمالها في مؤسسة الوسيط، والهيأة المكلفة بالمناصفة ومحاربة جميع أشكال التمييز، ومجلس المنافسة، والهيأة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، ومبادئ المساواة أمام المواطنين في الولوج إلى الإدارة، وجودة التدبير، والشفافية، والحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة، وذلك من أجل إنجاح هذا الورش وحتى ينخرط الجميع بروح من المسؤولية والمواطنة الإيجابية.