في شهر سبتمبر سنة 2008م، شهد العالم أزمة اقتصادية ومالية، اعتبرت الأسوأ من نوعها منذ زمن الكساد الكبير الذي حدث سنة 1929م. وقد ابتدأت الأزمة أولاً بالولايات المتحدة الأمريكية، ثم امتدت إلى معظم دول العالم، حيث شملت الدول الأوروبية والدول الآسيوية والدول الخليجية والدول النامية التي يرتبط اقتصادها مباشرة بالاقتصاد الأمريكي. وقد وصل عدد البنوك التي انهارت في الولايات المتحدة خلال العام 2008م إلى تسعة عشر بنكاً، كما توقع آنذاك المزيد من الانهيارات الجديدة بين البنوك الأمريكية البالغ عددها 8400 بنكاً.
وقبل أن يفيق العالم من هذه الأزمة، ومع منتصف شهر مارس 2020م، حدثت أزمة اقتصادية ومالية عالمية أخرى، حيث تسبَّبت جائحة كورونا في انهيار النشاط الاقتصادي العالمي. فعلى الرغم من تدابير التحفيز الاقتصادي منقطعة النظير التي تتخذها الحكومات في البلدان المتقدمة وكثير من البلدان النامية، من المتوقع أن يكون الكساد الذي أذكته الجائحة التي ضربت العالم في 2020 الأشد حدة منذ الحرب العالمية الثانية. وقدرت بعض التقارير أن يحدث انكماش في الاقتصاد العالمي بنسبة 5.2%.
وقبل أن يفيق العالم من آثار هذه الجائحة غير المسبوقة في آثارها وانتشارها، حدثت أزمة مالية واقتصادية عالمية أخرى من جراء الحرب الروسية الأوكرانية، والتي بدأت في الرابع والعشرين من فبراير 2022م، وما زالت ممتدة حتى تاريخه، والتي طالت بآثارها العالم أجمع. فوفقاً لبعض التقارير، ورغم الهجرة الجماعية للأموال، وتبخر أكثر من 11 تريليون دولار، وسط أسوأ سلسلة خسائر للأسهم العالمية منذ الأزمة المالية للعام 2008، إلا أن القاع لم يتم تحسسه بعد. وأدت عمليات البيع في مؤشر (MSCI ACWI) إلى خفض تقييمات الشركات بشكل كبير في جميع أنحاء الولايات المتحدة وأوروبا، لكن الاستراتيجيين في مورغان ستانلي، وسيتي جروب، يتوقعون أن تنخفض الأسهم أكثر وسط مخاوف من ارتفاع التضخم وتشديد البنوك المركزية لسياساتها النقدية، وتباطؤ النمو الاقتصادي خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية. وتُظهر المستويات الفنية المهمة تاريخياً لمؤشر (S&P 500)، أن المؤشر لديه مجال للانخفاض بنسبة 14% تقريباً قبل أن يصل إلى مستويات الدعم الرئيسية، في حين أن حصة الشركات التي سجلت حتى الآن أدنى مستوى لها في عام واحد لا تزال بعيدة كل البعد عن الرقم المسجل إبان مخاوف النمو الاقتصادي التي ضربت الأسهم في سنة 2018م.
وفيما يتعلق بالدول العربية، وبالإضافة إلى الأزمات سالفة الذكر، والتي طالت تأثيراتها السلبية الاقتصادات العربية، فقد عرفت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ما اصطلح على تسميته ثورات الربيع العربي، بما أدت إليه من فوضى عارمة في العديد من البلدان الناطقة بلغة الضاد.
وإذا كانت مصر قد استطاعت أن تنجو من المصير المظلم الذي آلت إليه الأوضاع في العديد من دول الربيع العربي، فإن الأزمة الاقتصادية تلقي بظلالها على المجتمع المصري، الأمر الذي استدعى من الحكومات المصرية المتعاقبة البحث عن أفضل السبل والسياسات لمواجهة آثار الأزمات العالمية والإقليمية المشار إليها آنفاً أو على الأقل التقليل من آثارها. ففي المؤتمر الصحفي المنعقد يوم الأحد الموافق الخامس عشر من مايو 2022م، قال رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، إن حكومته تقدر كلفة الأثر المباشر للحرب الروسية الأوكرانية على موازنتها، عند 130 مليار جنيه سنوياً، بينما تقدر كلفة الأثر غير المباشر للحرب ذاتها على الموازنة العامة بمبلغ 335 مليار جنيه سنوياً. واستطرد رئيس الوزراء، قائلاً إن الدولة تستهدف زيادة مشاركة القطاع الخاص في الاستثمارات المنفذة، من 30 بالمئة حالياً إلى 65 بالمئة خلال ثلاث سنوات. وأضاف رئيس الوزراء أن الدولة تسعى لتعزيز دور القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي، في إطار مكافحتها لآثار الصعوبات الاقتصادية العالمية الراهنة. وقال رئيس الوزراء: «نستهدف خفض عجز الموازنة لنحو 5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في السنوات الأربعة المقبلة، وخفض تكلفة الاقتراض وخدمة الدين الحكومي إلى 6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2025-2026». كما أعلن رئيس الوزراء أن مصر تسعى لتحقيق فائض أولي بنحو 2 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً، مع خفض المديونية إلى نحو 75 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، بحلول نهاية يونيو 2026م.
وهكذا، يغدو من الضروري أن يتركز الحديث في الوقت الحالي على الاقتصاد، وأن تتضافر جهود جميع المؤسسات في تحقيق الهدف المنشود، وهو التغلب على آثار الأزمات الاقتصادية والمالية العالمية على بلادنا. ومنظوراً إلى النيابة العامة باعتبارها إحدى الجهات الرئيسية فيما يتعلق بإنفاذ القانون وتطبيق السياسات العامة للدولة، يغدو من المهم أن نحاول من خلال هذه الدراسة إلقاء الضوء على حقيقة الدور الذي يمكن أن تضطلع به النيابة العامة في حماية الاقتصاد الوطني.
وانطلاقاً مما سبق، وحتى يتسنى إلقاء الضوء على الموضوع من جميع جوانبه، نرى من الملائم تقسيم هذه الدراسة إلى خمسة مطالب، كما يلي:
المطلب الأول: التحقيق في الجرائم البسيطة الواقعة على الشركات.
المطلب الثاني: محاذير الحبس الاحتياطي في جرائم الشركات.
المطلب الثالث: الطعن العلني في المنتجات.
المطلب الرابع: تداول ونشر الشائعات الكاذبة الماسة بسمعة المنتجات.
المطلب الخامس: تدخل النيابة العامة في دعاوى الإفلاس.
المطلب الأول
التحقيق في الجرائم البسيطة الواقعة على الشركات
المستشار الدكتور عبد المجيد محمود هو أحد أهم القامات القانونية والقضائية، ليس في مصر وحدها، وإنما في العالم العربي أجمع. وقد شغل منصب النائب العام لمدة سبعة أعوام تقريباً، من أول يوليو 2006م وحتى يوليو 2013م، تخللتها فترة سبعة أشهر تقريباً تم إبعاده خلالها عن المنصب بسبب الإعلان الدستوري الباطل الذي أصدره الرئيس الأسبق محمد مرسي. ولا نغالي إذا قلنا إن المستشار الدكتور عبد المجيد محمود هو أفضل من تولى منصب النائب العام خلال العقود الخمسة الأخيرة. ومن هنا، تأتي أهمية ما يمكن أن يقوله بشأن «دور النيابة العامة في حماية الاقتصاد الوطني». ففي أحد الأحاديث والحوارات الشخصية مع سيادته، حكى لي واقعة طريفة تعود إلى سنوات السبعينيات من القرن الماضي، وكان بطلها هو المهندس عثمان أحمد عثمان، الرئيس الأسبق لشركة المقاولون العرب، والذي كان يرتبط بعلاقة صداقة ومعرفة شخصية مع المستشار الدكتور عبد المجيد محمود. ففي إبان فترة رئاسته للشركة، قام أحد الخفراء بإتلاف بعض الأخشاب زهيدة القيمة. ونظراً لأن هذا السلوك يقع تحت طائلة التجريم، فقد باشرت نيابة الأموال العامة تحقيقاتها في الواقعة، حيث قام عضو النيابة العامة المنوط به التحقيق باستدعاء المهندس عثمان أحمد عثمان، لسؤاله عن معلوماته وأقواله عن الجريمة. وفي هذا التوقيت، كان مكان عمل المستشار عبد المجيد محمود في نيابة أمن الدولة، والتي تقع بجوار نيابة الأموال العامة، حيث كان يجري التحقيق. وبعد أن أبدى المهندس عثمان أحمد عثمان أقواله في الموضوع، ذهب إلى مكتب المستشار عبد المجيد محمود، لإلقاء التحية والسلام وتبادل أطراف الحديث معه لعدة دقائق. وفي هذا الحديث، استغرب المهندس عثمان أحمد عثمان من استدعاء النيابة العامة له في مثل هذه الموضوعات قليلة الأهمية، بما أدى إلى تعطيله وانشغاله عن المهام المنوطة به باعتباره رئيساً لمجلس إدارة الشركة. ووجه الاستغراب أن حجم الضرر المترتب على استدعائه والتسبب في ابتعاده عن مكان عمله، ولو لبعض الوقت، يفوق كثيراً حجم الضرر المترتب على مثل هذه الجريمة قليلة الأهمية. وتعليقاً على هذه الواقعة، نرى من الملائم الإشارة إلى إحدى السلطات الممنوحة للنيابة العامة، وهي الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى لعدم الأهمية، إذا كانت النيابة العامة قد قامت بالتحقيق فعلاً في الواقعة، وسؤال المتهم عنها. بل إن النيابة العامة تملك إصدار قرار بالحفظ، دون حاجة إلى مباشرة التحقيق.
المطلب الثاني
محاذير الحبس الاحتياطي في جرائم الشركات
على الصعيد العربي، وتحديداً في دولة الإمارات العربية المتحدة، وفي شهر نوفمبر 2021م، أمرت نيابة الأموال العامة الاتحادية بحبس رئيس مجلس إدارة شركة الاتحاد العقارية احتياطياً على ذمة التحقيق، وذلك بناء على شكوى مقدمة من هيئة الأوراق المالية والسلع. وفي رسالة موجهة إلى الرئيس التنفيذي لهيئة الأوراق المالية والسلع، قالت النيابة إنها باشرت التحقيق مع المتهم وأن القضية قيد التحقيق. وبناء على تعليمات هيئة الأوراق المالية والسلع باتخاذ اللازم نحو الإفصاح عن كتاب النيابة العامة على موقع سوق دبي المالي، أرفقت الشركة الكتاب الصادر من نيابة الأموال العامة الاتحادية. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، وإنما قامت جميع وسائل الإعلام الوطنية والأجنبية بنشر الخبر. وبمجرد صدور الأمر بحبسه احتياطياً، وافقت الجمعية العمومية للشركة على عزل رئيس مجلس الإدارة وثلاثة أعضاء في مجلس الإدارة، فيما رفضت عزل ثلاثة أعضاء آخرين. ومن ثم، كان من الطبيعي أن تهوي أسهم الشركة المدرجة في بورصة دبي نحو عشرة في المائة، بمجرد الإعلان عن حبس رئيس مجلس الإدارة احتياطياً.
وعلى المستوى العالمي، وفي جمهورية الصين الشعبية، وفي يوم الثلاثاء الموافق الثالث من شهر مايو الحالي، تراجعت أسهم شركة «علي بابا» الصينية، بشكل حاد، إثر تداول خبر عن اعتقال شخص يحمل اسما شبيها باسم مؤسس الشركة، «جاك ما»، وسط حالة من الهلع وسط المستثمرين. وبحسب شبكة (CNN)، فإن خبر الاعتقال أدى إلى هبوط أسهم الشركة بنسبة 9.4 في المئة، مما أدى لتراجع القيمة السوقية لـلشركة بنحو 26 مليار دولار في غضون دقائق قليلة فقط. وحصل التراجع بعدما أوردت وسيلة إعلام حكومية أن شخصاً يحمل اسم «ما» اعتقل في مدينة هانغزهو، على خلفية قضية متعلقة بالأمن القومي، في إشارة إلى اشتباه في «تآمره مع قوى أجنبية والنيل من سلطة الدولة». وبما أن مالك شركة «علي بابا» يسكن أيضاً في هذه المدينة الصينية، سرى الاعتقاد أنه هو المعني بالتوقيف. ولعلاج الموضوع، بادر رئيس التحرير السابق لصحيفة «جلوبال تايمز» المملوكة للحكومة الصينية، إلى تقديم التوضيح اللازم في هذا الشأن، مؤكداً عبر منصة «ويبو» الصينية الشبيهة بموقع «تويتر»، أن خلطاً ولبساً قد وقع. وبالإضافة إلى ذلك، بادرت الصحيفة إلى التوضيح بشكل أدق، فكتبت أن المتهم الفعلي من مواليد 1985م، ويعمل موظفاً في إحدى شركات التقنية، في حين أن مالك شركة «علي بابا» مولود في العام 1964م. وبفضل هذا التوضيح، عادت أسهم الشركة المملوكة للملياردير الشهير إلى التعافي، مستعيدة أغلب الخسائر التي منيت بها بعد نشر الخبر الملتبس.
وإذا كانت شبكة (CNN) قد رأت أن مسارعة مستثمرين إلى بيع أسهمهم في شركة التجارة الإلكترونية يكشف حجم «ضعف الثقة» السائد إزاء تعامل الحكومة الصينية مع القطاع الرقمي، بحسب قولها، فإننا نرى في ذلك أمراً طبيعياً ومثالاً حياً للمقولة الشهيرة القائلة إن «رأس المال جبان»، وأن أي خبر سلبي يتعلق بأي شركة أو بأي من رؤساء مجالس إدارتها من شأنه أن يؤثر سلباً على أسهم الشركة وتعاملاتها المالية. ولأجل ذلك، يبدو من الضروري وضع استراتيجية أو سياسة عامة حاكمة للتعامل مع قضايا الشركات، يستوي في ذلك الإجراءات القضائية المتخذة بواسطة جهات إنفاذ القانون أو آلية نشر الأخبار المتعلقة بها في وسائل الإعلام. وفي ظل الثورة المعلوماتية والفوضى التي تعم وسائل التواصل الاجتماعي، فإن الحاجة ماسة إلى حوكمة النشر في هذه الوسائل، وبحيث يحظر على الأفراد اللجوء إلى وسائل التواصل الاجتماعي لنشر أي شكوى أو واقعة منسوبة إلى أي شخص آخر، سواء كان شخصاً طبيعياً أو شركة.
المطلب الثالث
الطعن العلني في المنتجات
في الأسبوع الأول من شهر أبريل 2022م، انشغل المجتمع المصري بما أثير حول احتواء أحد أنواع الشوكولاتة ألمانية الصنع على بذور الخشخاش، حيث اشتهر الموضوع في وسائل الإعلام باسم «شوكولاتة الخشخاش». وتسببت إثارة الموضوع في جدل واسع في الأوساط الإعلامية والشعبية، وأكد جهاز حماية المستهلك التحفظ على سبعة آلاف وخمسمائة قطعة من هذه الشوكولاتة لتحليلها. وغني عن البيان أن إثارة الموضوع عبر وسائل التواصل الاجتماعي وفي وسائل الإعلام قد أدى إلى التأثير سلباً على الشركة المستوردة لهذا النوع من أنواع الشوكولاتة، وربما امتد التأثير إلى الشوكولاتة بجميع أنواعها.
وبعد التحقيق في الموضوع، انتهت النيابة العامة إلى ثبوت عدم احتواء الشكولاتة على أي مواد مخدرة. ولم تكتف النيابة العامة بذلك، وإنما أحسنت صنعاً بإصدارها بياناً، تهيب فيه بالكافة «الإبلاغ عن شكاواهم، أو ما يعتريهم من شك أو ريبة في أي أمر إلى الجهات الرسمية المختصة، وفي مقدمتها النيابة العامة، بدلاً من التسرع بنشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مما قد يكدر الأمن والسلم العامين، ولو بحسن نية، أو يدخل في دائرة التجريم ويستوجب المعاقبة». وفيما يتعلق بالتحقيق في القضايا الجنائية، نعتقد من المناسب أن يتم التعامل مع المتهمين وفق نظرية الضرورة بمبادئها الثلاثة، وهي: «الضرورات تبيح المحظورات»، و«يرتكب أخف الضررين»، و«الضرر يزال». فلا يتم اللجوء إلى الحبس الاحتياطي إلا متى كان هذا الإجراء ضرورياً، ولا تغني عنه الإجراءات الاحتياطية الأخرى، ومنها المنع من السفر.
المطلب الرابع
تداول ونشر الشائعات الكاذبة الماسة بسمعة المنتجات
منذ تفشي جائحة كورونا، والشائعات والاتهامات لا تنقطع حول هذا الفيروس ومصدره، وما إذا كان الأمر طبيعياً أم مدبراً. وبقدر ما تعددت الشائعات حول الفيروس ذاته، بقدر ما تعددت حول اللقاحات التي تم التوصل إليها لمكافحة الفيروس والحد من آثاره. وإذا كانت هذه الشائعات قد تلاشت وقلت حدتها في الآونة الأخيرة، إلا أنها لم تختف تماماً. ففي تغريدة منشورة يوم الأحد الموافق الخامس عشر من مايو 2022م، على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أثار النائب في مجلس النواب المصري، مصطفى بكري، الجدل بشأن انتهاء فيروس كورونا ومحاكمة شركة فايزر الأميركية التي صنعت لقاحاً مضاداً للفيروس. وقال بكري، وهو رئيس تحرير جريدة «الأسبوع»، إنه: «بعد قرار الأمم المتحدة بإغلاق ملف كورونا نهائيا، وبعد حكم محكمة العدل الدولية بطلب توقيف مدير شركة فايزر بتهمة الإبادة الجماعية، من حقنا أن نتساءل: من وراء هذا المخطط التآمري؟ الموضوع يجب ألا يمر مرور الكرام، بل يجب محاسبة كل من شارك أو تورط في هذه الجريمة». ورغم أن مصطفى بكري قد قام بحذف التغريدة في وقت لاحق، فإن نصها بقي منشوراً على صفحة جريدة الأسبوع بعنوان «بعد قرار توقيف مدير فايزر.. مصطفى بكري يطالب بمحاسبة المتورطين في جريمة وباء كورونا». وقالت الصحيفة المصرية: «طالب الإعلامي مصطفى بكري، عضو مجلس النواب، بمحاسبة دولية لكافة المتورطين في جريمة وباء كورونا بعدما أعلنت محكمة العدل الدولية إغلاق ملف كورونا وتوجيه اتهام إلى مدير شركة فايزر بالإبادة الجماعية». وقد قام مصطفى بكري بحذف التغريدة، في وقت مبكر من صباح اليوم التالي لنشرها، بعدما انهالت التعليقات الساخرة. ولام البعض على ما كتبه كونه رئيساً لتحرير صحيفة، ورغم ذلك ينشر خبراً لم يتأكد من صحته. ومن خلال البحث والتحقق من الموضوع، لم يتم العثور على أي خبر يتعلق بمحكمة العدل الدولية وتوجيه اتهام إلى مدير شركة فايزر. وكانت هيئة مكافحة الإشاعات السعودية أكدت، في منشور على تويتر، بتاريخ 23 أبريل 2022م، أن الخبر الذي تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي بعنوان «ألغت محكمة العدل الدولية جميع أشكال التلقيح لكورونا وبروتوكول منظمة الصحة العالمية وتلاحق مدير شركة فايزر» غير صحيح.
ومن ناحية أخرى، وتعليقاً على مقالنا المنشور بجريدة الوطن، يوم الثلاثاء الموافق العاشر من مايو 2022م، تحت عنوان «دور النيابة العامة في حماية الاقتصاد الوطني»، وردت لي رسالة عبر الواتس آب، من الصديق العزيز المستشار الجليل حاتم داوود، نائب رئيس مجلس الدولة، يقول فيها: «لقد اثرتم بمقالكم موضوع هام جداً نظراً لما يترتب على النشر بخصوص بعض المنتجات من خسائر فادحة قد تلحق بالمنتج أو المستورد. واعتقد أنه في كثير من الأحيان تكون الأخبار صادرة من جهات منافسة. وكثيراً ما نقرأ عن أبحاث علمية تجعل من بعض المنتجات خطراً داهماً على صحة الانسان، ثم نقرأ بعد فترة وجيزة عن أبحاث علمية عن المنتج ذاته في الاتجاه المضاد تماماً، الأمر الذي يوقعنا في حيرة شديدة، فلا ندرى من هو المصيب ومن المخطئ. لذلك، أشارككم الرأي تماماً بضرورة تنظيم طريقة التعرض للمنتجات المختلفة، بأن يكون الإبلاغ عنها موجهاً إلى الجهات الرسمية فقط».
والواقع أنه كثيراً ما ترد إلينا – عبر الواتس آب – رسائل، تتضمن التحذير من منتجات معينة، ويجري تداول هذه الرسائل بين الأفراد، بما يؤدي إلى التأثير سلباً على سمعة بعض المنتجات، والإضرار بالشركات المصنعة لها. وقد يتم نشر هذه المعلومات عبر الفيس بوك وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى، بما يؤدي إلى مشاركتها على نطاق أوسع. وكما تفضل المستشار الجليل حاتم داوود، لا ندري ما إذا كانت هذه المنشورات أو الرسائل صحيحة أم كاذبة. بل إننا لا نعلم شيئاً عن المصدر الأول لهذه الرسائل، والتي يقوم الناس بمشاركتها دون وعي، ودون تمحيص أو تدقيق. وفي الأغلب الأعم من الأحوال، لا نجد من جهات حماية المستهلك تحركاً، بالتحقق من مدى صحتها، وإصدار البيان المناسب بتأكيد صدقها أو تكذيبها.
المطلب الخامس
تدخل النيابة العامة في دعاوى الإفلاس
بقراءة نص المادة التاسعة والثمانين من قانون المرافعات المدنية والتجارية المصري رقم 13 لسنة 1968م، نجدها تجيز للنيابة العامة أن تتدخل في الصلح الواقي من الإفلاس. كذلك، وطبقاً للمادة السادسة والسبعين من قانون تنظيم إعادة الهيكلة والصلح الواقي والإفلاس رقم 11 لسنة 2018م، «يشهر إفلاس التاجر بناء على طلبه أو طلب أحد الدائنين أو النيابة العامة، ويجوز للمحكمة أن تقضى بشهر الإفلاس من تلقاء ذاتها…». وتجيز المادة السادسة والثمانون من القانون ذاته «للمحكمة من تلقاء ذاتها، أو بناء على طلب النيابة العامة أو المدين أو أحد الدائنين أو أمين التفليسة أو غيرهم من ذوي المصلحة، تعديل التاريخ المؤقت للتوقف عن الدفع وذلك حتى تاريخ إيداع قائمة الديون المحققة قلم كتاب المحكمة، …». وتجيز المادة التاسعة بعد المائة من القانون ذاته «للمحكمة بناء على طلب قاضي التفليسة أو النيابة العامة أو أمين التفليسة أو المراقب أن تأمر عند الاقتضاء بمنع المفلس من مغادرة البلاد لمدة لا تجاوز ستة أشهر قابلة للتجديد إذا قام بعمل من شأنه الإضرار بحقوق الدائنين…».
والبين من النصوص سالفة الذكر أن المشرع يعترف للنيابة العامة بدور مهم وفعال في دعاوى شهر الإفلاس والصلح الواقي من الإفلاس، الأمر الذي يستدعي التوقف عنده بالبحث والتأمل واستخلاص العبر والدروس. ولكن التساؤل يبقى عما إذا كانت النيابة العامة تمارس فعلاً الاختصاصات المنوطة بها في هذا الشأن، وماهية الاستراتيجية أو السياسة الحاكمة لدور النيابة العامة في هذا الصدد.