تتخذ التصرفات القانونية للإدارة مظهران، یتجلى المظهر الأول في التصرفات التي تقوم بها لوحدها بإرادتها المنفردة ودون استشارة أو أخذ رأي المخاطبين بها ويكون ذلك في القرارات الإدارية وهي الوسيلة الفعالة التي تستخدمها الإدارة من أجل المحافظة على سير المرفق العام واستمراره، أما المظهر الثاني يمكن حصره في الأعمال القانونية للإدارة والتي یتعذر علیها القیام بها بمفردها، وإنما تستعين للقيام بها على أشخاص آخرين نظرا لعدم نجاعة التصرفات المنفردة في جميع الحالات، هذا التصرف القانوني يقوم على توافق إرادتين أو أكثر والمتمثل في العقود الإدارية.
ونظرا لعدم قدرة الوسيلة القانونية الأولى التي تملكها الإدارة على تلبية كل ما يحتاجه المواطن، لأن القرارات الإدارية تصدر بصفة انفرادية للإدارة ولا يمكن استعمالها في كل المجالات، لذا أصبح لجوء الإدارة إلى الوسيلة القانونية الثانية التي تحكمها مبدأ سلطان الإدارة والمتمثلة في العقد الإداري أمر محتم تفرضه الاحتياجات المتزايدة للمرتفقين في علاقتهم بالمرفق العمومي.[1]
وتتميز العقود الإدارية عن باقي العقود الأخرى التي تبرمها الإدارة من حيث النظام القانوني الذي تخضع له على ضوء معيار النظام القانوني يمكن تحديد القانون الواجب التطبيق، وكذلك المحكمة المختصة للنظر في المنازعات التي قد تنتج بسبب تطبيق هذه الأنواع من العقود، ووفقا لاتجاه الغالب في الفقه والقضاء يمكن تعريف العقد الإداري بأنه ( كل اتفاق يبرم بين الإدارة كسلطة عامة أو كشخص معنوي عام وبين شخص خاص، بهدف تدبير مرفق عام أو تنظيمه، وتظهر فيه نية الإدارة في الأخذ بأحكام القانون العام)، فالعقد الإداري يتميز على العقد في القانون الخاص من خلال المعيارين التاليين:
المعيار التشريعي للتمييز:
هذا المعيار يرتبط ارتباطا وثيقا بمفهوم السلطة، ومعيار تمييزه يكون واضحا حيث يقوم المشرع في هذه الحالة بتحديد طبيعة العقد الذي تكون الإدارة طرفا فيه، إما بطريقة مباشرة بتحديدها طبيعتها بنص قانوني، أو بطريقة غير مباشرة عندما يسند المشرع مهمة الاختصاص للبث في المنازعات المرتبطة بالعقد لجهة قضائية معينة، ومن العقود التي أعطاها المشرع صفة العقود الإدارية من خلال هذا المعيار، نجد عقود الصفقات العمومية وعقد التدبير المفوض.... إلخ، وفي هذا السياق ذهبت الغرفة الإدارية بالمغرب في قرار
لها بتاريخ 14 نوفمبر 1996 قرار عدد788 إلى أن الصفقة تعتبر عقدا إداريا بنص القانون.
لها بتاريخ 14 نوفمبر 1996 قرار عدد788 إلى أن الصفقة تعتبر عقدا إداريا بنص القانون.
المعيار القضائي للتمييز:
وقد ذهب قضاء مجلس الدولة الفرنسي في أن تسمية العقود الإدارية هي تلك التي يبرمها شخص معنوي عام بقصد تسيير مرفق عام، وتظهر فيه نية الإدارة في الأخذ بأحكام القانون العام، ويتجلى ذلك إما بتضمين تلك العقود شروطا غير مألوفة في القانون الخاص، أو بالسماح للمتعاقد مع الإدارة بالاشتراك مباشرة في تسيير المرفق العام، ومن خال هذا التعريف يمكن الاستخلاص أن المعيار القضائي لتمييز العقود الإدارية يقوم على ثلاثة شروط:
- أن تكون الإدارة طرفا في العقد.
- أن يكون العقد متصل بالمرفق العام.
- تلجأ الإدارة إلى استعمال أساليب وقواعد القانون العام في العقد غير مألوفة في القانون الخاص مثال (الامتيازات المخولة للإدارة في مواجهة المتعاقد معها، وبمقتضاه تستطيع تحميل المتعاقد التزامات تجعله في مركز غير متكافئ، وغير متساوي معها، وقد تحتفظ الإدارة لنفسها بالحق في التعديل.[2]
فالصفقة العمومية كعقد إداري تمثل تصرف قانوني للإدارة في الإفصاح عن إرادتها في إبرام عقد سالكة في ذلك طرق القانون العام الذي تتجلى مظاهره في الشروط
الاستثنائية وغیر المألوفة التي یتضمنها العقد وذلك بهدف تسيير أو تنظيم مرفق عام، فالصفقة العمومية كصورة من صور العقد الإداري أصبحت ضرورة لا غنى للإدارة عنه خاصة في الوقت الحالي الدي يعرف تشعب مناحي الحیاة وازدياد حاجيات المواطنين، وذلك بإشراك المتعاملين الخواص عن طريق الصفقة في تسییر وإدارة المرافق العامة ومواكبة التطورات الحاصلة في كل المجتمعات البشرية وما يوازيها من تزايد في حاجيات المواطنين، فالحفاظ على سير المرفق العام باطراد واستمرار و تحقيق التنمية الشاملة وكذا إشباع رغبات المواطنين عبر مجموع التراب الوطني ، يُلْزِمُ الدولة عبر إداراتها ومؤسساتها العمومية وجماعاتها الترابية، بمباشرة ما يسمى بالصفقات العمومية مقابل نضير مادي لشخص الخاص المبرم للصفقة العمومية. [3]
أما على مستوى التطور التاريخي للصفقات العمومية بالمغرب فقد مر تنظيمها خلال العقود الأخيرة بأربع محطات أساسية وهي مرسوم سنة 1998، ثم مرسوم سنة 2007، تم مرسوم 2013، وصولا إلى مرسوم 8 مارس 2023، فحسب مرسوم رقم 2.22431 الصادر بتاريخ 8 مارس 2023[4] ، فقد تتعدد الأنواع و المجالات التي تستهدفها صفقات العمومية حيث هناك صفقات بطبيعتها وتشمل (صفقات الأشغال، وصفقا التوريدات، وصفقات الخدمات)، تم صفقات بحسب طريقة التنفيذ وتظم ( صفقات الاطار والصفقات القابلة للتجديد تم الصفقات بأقساط اشتراطية )، تم صفقات بحسب الأثمان وتشمل صنفين ( الصنف الأول يضم صفقات بحسب بنية وطبيعة الأثمان فيشمل بضوره صفقات بثمن إجمالي، وصفقات بأثمان أحادية، وصفقة بثمن مركب، وصفقة بثمن بنسبة مئوية، الصنف الثاني يضم صفقات بحسب صيغة الأثمان فيشمل الصفقة بثمن ثابت، وصفقة بثمن قابل للمراجعة والصفقة بثمن مؤقت)[5].
بناء على ما سبق فالصفقة العمومية تعد رابطة تعاقدية أكثر تعقيدا من نظيرتها في القانون الخاص وذلك لكونها تنشأ بين قوتين غير متساويتين، فالإدارة هنا لها حقوق تفوق الحقوق المخولة للمتعاقد معها، إذ أنه من حقها تعديل العقد أو فسخه أو إنهاءه وقتما شاءت، وهو ما يحتم على القاضي الإداري العمل على تحقيق التوازن في هذه العلاقة التعاقدية خصوصا عندما يتعلق الأمر ببعض الظروف الطارئة و المستجدة التي من شأنها إرهاق المتعاقد و قلب اقتصاديات العقد رأسا على عقب، الأمر الذي يحيلنا على إشكالية رئيسية تتجلى في دور القضاء في حفظ التوازن المالي للعقد.[6]
وعليه فالعقود الإدارية تبرم من جهة بين شخص معنوي عام يعمل على تحقيق المصلحة العامة، ومن جهة أخرى بين شخص ذاتيا معنوي يسعى إلى تحقيق مصلحة خاصة، وتتضمن هذه العقود الإدارية مجموعة من الامتيازات لصالح صاحب المشروع - الإدارة-، تجعلها في موقف قوة اتجاه الشخص المتعاقد معها، وذلك للحرص على ضمان جودة تنفيذ مشروعها العام، وضمان حسن استمرارية خدماته،
إلا أنه لا يجب النظر إلى المتعاقد في إطار العقود الإدارية كمجرد متعاقد له التزامات عليه الوفاء بها وله مصلحة يرجو تحقيقها في إطار ما هو منصوص عليه في العقد، وإنما يتعين النظر إليه كشريك للإدارة في تحقيق المصلحة العامة، مما يستوجب مراعاة الإكراهات التي قد تعترضها أثناء تنفيذ التزاماتها، متى كانت ناشئة عن ظروف استثنائية أو حادث فجائي، ولو بالزيادة في أعباء الإدارة صاحبة المشروع ذلك هو السبيل الأمثل لتحقيق مصلحة المشروع، موضوع العلاقة التعاقدية، الذي هو من صميم المصلحة العامة التي يتعين الحرص على توفير جميع السبل الكفيلة لتحقيقها[7].
وعليه بناء على ما سبق تبرز أهمية الموضوع من خلال زاويتين:
* وزاوية عملية: تتمثل في تحديد وإبراز تطبيقات نظرية الطروف الطارئة والحماية القضائية للمتعاقد في شأنها من خلال التوجه الفرنسي والمصري والمغربي.
وللوقوف على الموضوع جيدا لابد من الإجابة عن التساؤلات التالية:
- ماذا يعنى بنظريه الظروف لطارئة؟
- وكيف يمكن تمييزها عن باقي النظريات مثال نظرية فعل الأمير، نظرية الصعوبات المادية غير المتوقعة، ونظرية القوة القاهرة؟
- وماهي تطبيقاتها على أرض الواقع؟
- وماهي مبررات اعتمادها؟
- وماهي تجليات الحماية القضائية للمتعاقد في ضل الظروف الطارئة التي تلحق بالصفقة العمومية أثناء وبعد ابرامها؟
- وكيف يلعب القاضي الإداري دورا في خلق التوازن في هذا النوع من الدعاوى؟
- وماهي تجليات الدور الإنشائي للقاضي الإداري في هذا الشأن؟
- ماهي تطبيقات نظرية الظروف الطارئة والحماية القضائية للمتعاقد فيها؟
المبحث الأول: نظرية الظروف الطارئة في العقد الإداري وتمييزها عن باقي النظريات الاستثنائية.
سنعمل خلال هذا المبحث على إعطاء تعريف دقيق لنظرية الظروف الطارئة من خلال الفقه والقضاء، وتمييزها عن نظريات فعل الأمير والصعوبات المادية غير المتوقعة وكذا نظرية القوة القاهرة نظرا لما يكتسيه هذا التمييز من أهمية كبرى مع وتحديد الشروط الأساسية التي يجب توافرها من أجل الأخذ بها مع تبيان مبررات اعتماد النظرية.
المطلب الأول: الإطار المفاهيمي لنظرية الظروف الطارئة.
لقد تعددت تعاريف نظرية الظروف الطارئة في صفوف فقهاء القانون، إذ عرفها البعض بأنها (عبارة عن أحداث وظروف لم تكن متوقعة حدثت أثناء تنفيذ العقد الإداري أدت إلى قلب اقتصادياته ، إذ كان من شأن هذه الظروف أن تجعل تنفيذ العقد أكثر عبأ وأكثر كلفة مما قدره المتعاقدان)، عرفها البعض الآخر(بأنها عبارة عن حوادث و ظروف لم تكن متوقعة عند إبرام العقد وتؤدي إلى قلب اقتصادياته مما تسبب في خسارة للمتعاقد غير محتملة ففي هذه الحالة من حق المتعاقد مع الإدارة أن يطالبها بتعويضه جزئيا عن هذه الخسارة، أما الاجتهاد القضائي الإداري المصري نجد المحكمة الإدارية العليا في مصر أكدت (أن تطبيق نظرية الحوادث الطارئة في الفقه والقضاء الإداري رهين بأن تطرأ خلال تنفيذ العقد الإداري حوادث أو ظروف طبيعية كانت أو اقتصادية أو من عمل جهة إدارية غير الجهة الإدارية المتعاقدة أو من عمل انسان أخر، لم تكن في حسبان المتعاقد عند ابرام العقد ، ولا يملك لها دفعا ومن شأنها أن تنزل خسائر فادحة تختل معها اقتصاديات العقد اختلالا جسيما، ومؤدى تطبيق هذه النظرية بعد توافر شروطها الزام جهة الإدارة المتعاقدة بمشاركة المتعاقد معها في احتمال نصيب الخسارة التي لحقت به طوال فترة الظروف الطارئة وذلك ضمانا لتنفيذ العقد الإداري، ويقتصر هنا دور القاضي الإداري على الحكم بالتعويض المناسب دون أن يكون له حق تعديل الالتزامات التعاقدية،[8] كما عرفتها المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 30/ 05/2007 تحت عدد 338” أن الظروف الطارئة هي تلك الظروف التي لا يمكن توقعها من جانب منجز الصفقة وأدت إلى حدوث تغييرات تمثلت في تمديد أجل إنجازها، وأدى هذا التمديد إلى حدوث اختلال في التوازن المالي للعقد.
المطلب الثاني: مبررات تطبيق نظرية الظروف الطارئة.
إن الشخص المتعاقد مع الإدارة يلقى على عاتقه الالتزام بالاستمرار في أداء الخدمة موضوع العقد، فإذا كان يدير مرفق عمومي يتعين عليه الاستمرار في أداء النشاط المرفقي مهما كانت الصعوبات التي تعترضه، نفس الأمر ينسحب على الصفقات العمومية، حيث يتعين الاستمرار في تنفيذ بنودها، إلا أن هذه القاعدة لا تؤخذ على إطلاقها في كافة الظروف كما هو الحال بالنسبة لحالة فيروس كورونا، حيث أنه يعتبر ظرف طارئ غير متوقع حين إبرام العقد، وخارج عن إرادة طرفي العقد، مما يجعل تنفيذ العقد معسرا، وبالتالي لا يعقل أن يترك المتعاقد الذي صادف صعوبات لم يكن في الإمكان توقعها على الرغم من اتخاذه الحيطة الواجبة ضحية لظروف لا يد له في إحداثها، وهل يصرف النظر عن احتياجات المرفق العام الذي ما أبرم العقد إلا لإشباع ما تقتضيه المصلحة العامة من حاجات كل هذه المعطيات تعتبر مبررات تجعل تطبيق نظرية الظروف الطارئة معطى أساسي وجوهري لضمان تزويد المرفق العام باحتياجاته سواء من حيث الديمومة في تأدية نشاطه أو بتنفيذ بنود الصفقة العمومية.[9]
المطلب الثالث: تمييز نظرية الظروف الطارئة عن بعض النظريات المشابهة لها.
هنا سنحاول إعطاء أوجه التشابه والاختلاف بين نظرية الظروف الطارئة وبعض النظريات الأخرى، إذ أنه إلى جانبها نجذ نظرية القوة القاهرة، ثم نظرية فعل الأمير ثم نظرية الصعوبات المادية غير المتوقعة.
1/ نظرية القوة القاهرة: وهي” كل أمر لا يستطيع الإنسان أن يتوقعه، ويجعل من تنفيذ الالتزام مستحيلا. كقيام حرب غير متوقعة أو فيضان أو زلزال...الخ، من هذا المنطلق تبرز أمامنا أوجه التشابه والاختلاف بين النظريتين، فالتشابه يتجلى في كون ألا يمكن بأي حال من الأحوال توقع حصول النظريتين، أي أنهما يأتيان بشكل مفاجئ دون علم مسبق من طرفي العقد، أما الاختلاف فيكمن في الآثار القانونية المترتبة على تحقق النظريتين، فالقوة القاهرة يستحيل خلالها تنفيذ الالتزامات التعاقدية استحالة تامة، ومن خلالها يتحرر المتعاقد من هاته الالتزامات وبالتالي يتم فسخ العقد أما نظرية الظروف الطارئة فهي لا تصل إلى حد الاستحالة بل ترهق المتعاقد فقط وبالتالي يمكنه إتمام تنفيذ التزاماته وطلب التعويض متى توفرت شروط تطبيق النظرية.
2/ نظرية فعل الأمير: تتشابه نظرية فعل الأمير مع نظرية الظروف الطارئة في بعض النقاط من أهمها، أن الادارة ملتزمة بدفع التعويض للمتعاقد معها ولكنها تختلف عنها في جوانب عديدة ويتمثل الاختلاف في أن التعويض عن نظرية فعل الأمير يكون تعويضا كاملا في حين التعويض عن نظرية الظروف الطارئة تعويضا جزئيا، كما يتمثل الاختلاف أيضا في الجهة التي تكون سببا في الضرر، إذ أنه في نظرية فعل الأمير تكون الإدارة المتعاقدة، أما في نظرية الظروف الطارئة فيكون السبب غالبا أجنبيا (حروب فيضانات زلازل …) ويمكن أن يكون أيضا جهة إدارية غير الإدارة المتعاقدة.
3/نظرية الصعوبات المادية غير المتوقعة: بدورها تتشابه مع نظرية الظروف الطارئة في بعض النقاط وتختلف عنها في نقاط أخرى، فمن أوجه التشابه أن كلتا النظريتين تهدف إلى إعادة التوازن المالي للعقد بعد حدوث ظروف طارئة واستثنائية غير متوقعة ولا يمكن دفعها وينتج عنها إرهاق للمتعاقد وعدم تمكنه من تنفيذ التزاماته دون نفقات إضافية، وتقوم الإدارة بتعويض المتعاقد المضرور في النظريتين معا، أما أوجه الاختلاف فتتجلى في مصدر الفعل الذي بتحققه تطبق نظرية الصعوبات المادية غير المتوقعة، التي تشترط أن تكون الصعوبات خارجة عن إرادة المتعاقدين سواء الإدارة او المتعاقد معها ومن بين الاختلافات بين النظريتين أيضا، أنه يتطلب تطبيق نظرية الظروف الطارئة اختلالا في اقتصاديات العقد في حين لا يشترط ذلك في الصعوبات المادية غير المتوقعة، ثم التعويض كوجه من أوجه الاختلاف والذي يكون كاملا في نظرية الصعوبات المادية غير المتوقعة فيما يكون جزئيا في نظرية الظروف الطارئة[10].
المبحث الثاني: تطبيقات نظرية الطروف الطارئة والحماية القضائية للمتعاقد فيها.
المطلب الاول: تطبيقات حماية القضاء الإداري الفرنسي للمتعاقد من مخاطر الظروف الطارئة.
مما لا شك فيه أن الحماية التي كرسها لاجتهاد القضائي للمتضرر من الصفقة العمومية هو ضمان تعويض المتعاقد عن المخاطر الاقتصادية التي قد تلحق بها قبل إتمامها (فيروس وباء زلازل بركان عواصف أزمة عالمية حرب ...الخ).
وتعتبر نظرية الظروف الطارئة ذات نشأة قضائية جاءت على إثر قرار مجلس الدولة الفرنسي في قضبة "الإنارة لمدينة "بوردو" التي تتلخص وقائعها في أن شركة الإضاءة لمدخنة "بوردو" ألزمت بمقتضى عقد امتياز[11] بتوريد الغاز والكهرباء للمدينة بسعر محدد، وعقب نشوب الحرب العالمية الأولى ارتفع سعر الفحم كذلك وأجور العمال، مما تسبب في إلحاق ضرر للملتزم فلم يعد باستطاعته تحمل الأعباء المالیة الجديدة، تقدمت الشركة المتعاقدة للجهة الإدارية مانحة الامتياز طلب لإعادة النظر في ثمن العقد، إلا أن الإدارة مانحة الامتياز رفضت طلب الشركة مما دفع هذه الأخيرة إلى اللجوء لمجلس الدولة الفرنسي الذي أقر أحقية الشركة في التوازن المالي للعقد وفقا للمبدأ الجديدة الذي قضى بأنه إذا طرأت ظروف جديدة لم يكن في الإمكان توقعها، وكان من شأنها أن تؤدي إلى اختلال اقتصاديات العقد اختلالا جسيما، فإن ذلك يستدعي مساهمة جهة الإدارة في تحمل جزء من الخسارة التي تلحق بالمتعاقد نتيجة هذه الظروف[12].
المطلب الثاني: تطبيقات حماية القضاء الإداري المصري للمتعاقد من مخاطر الظروف الطارئة.
لقـد تناولـت المحكمة الإدارية العليـا بدولة مصر نظريـة الظـروف الطارئـة في العديـد مـن أحكامهـا، مبينـة مفهومهـا وضوابـط وعلـة إعمالهـا ونطـاق الآثار المترتبة علـى حدوثهـا، إذ قضـت بـأن المقصود بنظريـة الظـروف الطارئـة، ( أن تطـرأ حــال مــدة تنفيــذ العقــد الإداري حــوادث أو ظــروف طبيعيــة أو اقتصاديــة، أو مــن عمــل جهــة إداريــة غيــر الجهة المتعاقدة، أو مـن عمـل إنسـان آخـر، لـم تكـن في حسـبان المتعاقد عنـد إبـرام العقـد، ولا يملك لها دفعا من شأنها أن تنزل به خسائر فادحة تختل معها اقتصاديـات العقـد في تحمل نصيب من خسائره، فإدا ما توافرت هذه الشروط مجتمعة التزمت معها في تحمل نصيب من الخسائر ضمانا لتنقيد العقد على الوجـه الـذي يكفـل حسـن سـير المرافق العامـة بانتظـام واطـراد، فنظريـة الظـروف الطارئـة تقـوم علـى فكـرة العدالـة المجردة التـي هـي قـوام القانـون الإداري، كمـا أن هدفهـا تحقيق المصلحة العامـة، فرائـد الجهة الإدارية هـو كفالـة حسـن سـير المرافق العامـة باسـتمرار وانتظـام، وحسـن أداء الأعمال والخدمات المطلوبة وسـرعة إنجازها، كمـا أن هدف المتعاقد مـع الإدارة هـو المعاونة في سـبيل المصلحة العامـة، ذلـك بـأن يـؤدي التزامـه بأمانـة وكفايـة، لقـاء ربـح أو أجـر عـادل وهـذا يقتضـي مـن الطرفان التسـاند والمشاركة للتغلـب علـى مـا يعتـرض تنفيـذ العقـد مـن صعوبـات ومـا يصادفـه مـن عقبـات، ويكـون مـن حـق المتعاقد المضار أن يطلـب مـن الطـرف الآخر مشـاركته هـذه الخسارة التـي تحتملهـا، فيعوضـه عنهـا تعويضـا جزئيـا.[13]
المطلب الثالث: تطبيقات حماية القضاء الإداري المغربي للمتعاقد من مخاطر الظروف الطارئة.
يمكن إبراز تطبيقات نظرية الظروف الطارئة في مجال العقود الإدارية بالمغرب من خلال الأحكام والقرارات الصادرة عن القضاء الإداري المغربي فيما يخص فض النزاعات التي تنشأ بين المتعاقد والإدارة إبان فترة الظروف الطارئة، فقد قضت المحكمة الإدارية بالرباط في الملف عدد 2006/228، بتاريخ 27/09/2012، في قضية بين مجموعة من المقاولات وبين الشركة الوطنية للطرق السيارة بالرباط، والتي تدور وقائعها حول اشغال بناء الجزء رقم 3 ب الفاصل بين شرق مدينة مكناس ومدينة فاس في نطاق الطريق السيار الرباط وفاس، إذ أن هذه المقاولات المدعية قد تكبدت مجموعة من الأضرار اللاحقة الناشئة عن الصفقة نتيجة ظروف التي صاحبت تنفيذها بالنظر للدراسات الأصلية للمشروع التي عرفت بعض التغييرات أثناء التنفيذ والمؤثرة على السير العادي للأشغال والمتسببة في تكاليف إضافية لم يتم مراعاتها أثناء إبرام الصفقة مما يستلزم اثمنة جديدة، والتمست المجموعة المدعية الحكم على الشركة الوطنية للطرق السيارة بأدائها تعويض على تلك الظروف الطارئة التي ألمت بها أثناء تنفيذ الصفقة وهو الأمر الذي أكدته الخبرة القضائية والتي تبين من خلالها أن المغارات الصلصالية والمنشآت المائية الإضافية وتأثيراتها والتي لا يمكن التنبؤ بمواقعها ولا حجمها في غياب استطلاعات مدققة متعددة التخصص يجعل شروط تطبيق نظرية الظروف الطارئة متوافرة لكون الالتزامات الجديدة المترتبة عنها أصبحت أكثر ارهاقا للمقاولة المدينة ونتج عنها تكاليف إضافية استثنائية قلبت موازين العقد، ولا تستوعب الأثمنة المتفق عليها، وهو الأمر الذي دفع القاضي الاداري إلى قبول الطلب شكلا وموضوعا والحكم بتعويض مجموعة المقاولات عن الاضرار التي ألمت بهم من جراء الظروف الطارئة.[14]
وصفوة القول ان نظرية الظروف الطارئة ساهمت في حماية الطرف الضعيف في العقود الإدارية من ضمنها عقود الصفقات العمومية والذي وضعته الظروف في مأزق حرج لا دخل له فيها نتج عنه اضطراب التوازن المالي للعقد، ولا شك أن ما نعيشه اليوم من ظروف استثنائية وصعبة في ظل تفشي وباء كرونا كمثال وما تمخض عنه من تداعيات انعكست بالسلب على أشخاص القانون الخاص المرتبطين بعقود إدارية مع الإدارة، سيجعل من هذه النظرية من وجهة نظري المتواضعة تحتمل الخطأ والصواب الأساس الذي سيبني عليه القضاء الإداري المغربي مبدأ الحكم بالتعويض للمتعاقد مع الإدارة إذا ما حالة الظروف الطارئة من تنفيذ العقد الإداري المبرم مع أشخاص القانون العام أمر مرهقا وعسيرا.[15]
الهوامش
سنعمل خلال هذا المبحث على إعطاء تعريف دقيق لنظرية الظروف الطارئة من خلال الفقه والقضاء، وتمييزها عن نظريات فعل الأمير والصعوبات المادية غير المتوقعة وكذا نظرية القوة القاهرة نظرا لما يكتسيه هذا التمييز من أهمية كبرى مع وتحديد الشروط الأساسية التي يجب توافرها من أجل الأخذ بها مع تبيان مبررات اعتماد النظرية.
المطلب الأول: الإطار المفاهيمي لنظرية الظروف الطارئة.
لقد تعددت تعاريف نظرية الظروف الطارئة في صفوف فقهاء القانون، إذ عرفها البعض بأنها (عبارة عن أحداث وظروف لم تكن متوقعة حدثت أثناء تنفيذ العقد الإداري أدت إلى قلب اقتصادياته ، إذ كان من شأن هذه الظروف أن تجعل تنفيذ العقد أكثر عبأ وأكثر كلفة مما قدره المتعاقدان)، عرفها البعض الآخر(بأنها عبارة عن حوادث و ظروف لم تكن متوقعة عند إبرام العقد وتؤدي إلى قلب اقتصادياته مما تسبب في خسارة للمتعاقد غير محتملة ففي هذه الحالة من حق المتعاقد مع الإدارة أن يطالبها بتعويضه جزئيا عن هذه الخسارة، أما الاجتهاد القضائي الإداري المصري نجد المحكمة الإدارية العليا في مصر أكدت (أن تطبيق نظرية الحوادث الطارئة في الفقه والقضاء الإداري رهين بأن تطرأ خلال تنفيذ العقد الإداري حوادث أو ظروف طبيعية كانت أو اقتصادية أو من عمل جهة إدارية غير الجهة الإدارية المتعاقدة أو من عمل انسان أخر، لم تكن في حسبان المتعاقد عند ابرام العقد ، ولا يملك لها دفعا ومن شأنها أن تنزل خسائر فادحة تختل معها اقتصاديات العقد اختلالا جسيما، ومؤدى تطبيق هذه النظرية بعد توافر شروطها الزام جهة الإدارة المتعاقدة بمشاركة المتعاقد معها في احتمال نصيب الخسارة التي لحقت به طوال فترة الظروف الطارئة وذلك ضمانا لتنفيذ العقد الإداري، ويقتصر هنا دور القاضي الإداري على الحكم بالتعويض المناسب دون أن يكون له حق تعديل الالتزامات التعاقدية،[8] كما عرفتها المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 30/ 05/2007 تحت عدد 338” أن الظروف الطارئة هي تلك الظروف التي لا يمكن توقعها من جانب منجز الصفقة وأدت إلى حدوث تغييرات تمثلت في تمديد أجل إنجازها، وأدى هذا التمديد إلى حدوث اختلال في التوازن المالي للعقد.
المطلب الثاني: مبررات تطبيق نظرية الظروف الطارئة.
إن الشخص المتعاقد مع الإدارة يلقى على عاتقه الالتزام بالاستمرار في أداء الخدمة موضوع العقد، فإذا كان يدير مرفق عمومي يتعين عليه الاستمرار في أداء النشاط المرفقي مهما كانت الصعوبات التي تعترضه، نفس الأمر ينسحب على الصفقات العمومية، حيث يتعين الاستمرار في تنفيذ بنودها، إلا أن هذه القاعدة لا تؤخذ على إطلاقها في كافة الظروف كما هو الحال بالنسبة لحالة فيروس كورونا، حيث أنه يعتبر ظرف طارئ غير متوقع حين إبرام العقد، وخارج عن إرادة طرفي العقد، مما يجعل تنفيذ العقد معسرا، وبالتالي لا يعقل أن يترك المتعاقد الذي صادف صعوبات لم يكن في الإمكان توقعها على الرغم من اتخاذه الحيطة الواجبة ضحية لظروف لا يد له في إحداثها، وهل يصرف النظر عن احتياجات المرفق العام الذي ما أبرم العقد إلا لإشباع ما تقتضيه المصلحة العامة من حاجات كل هذه المعطيات تعتبر مبررات تجعل تطبيق نظرية الظروف الطارئة معطى أساسي وجوهري لضمان تزويد المرفق العام باحتياجاته سواء من حيث الديمومة في تأدية نشاطه أو بتنفيذ بنود الصفقة العمومية.[9]
المطلب الثالث: تمييز نظرية الظروف الطارئة عن بعض النظريات المشابهة لها.
هنا سنحاول إعطاء أوجه التشابه والاختلاف بين نظرية الظروف الطارئة وبعض النظريات الأخرى، إذ أنه إلى جانبها نجذ نظرية القوة القاهرة، ثم نظرية فعل الأمير ثم نظرية الصعوبات المادية غير المتوقعة.
1/ نظرية القوة القاهرة: وهي” كل أمر لا يستطيع الإنسان أن يتوقعه، ويجعل من تنفيذ الالتزام مستحيلا. كقيام حرب غير متوقعة أو فيضان أو زلزال...الخ، من هذا المنطلق تبرز أمامنا أوجه التشابه والاختلاف بين النظريتين، فالتشابه يتجلى في كون ألا يمكن بأي حال من الأحوال توقع حصول النظريتين، أي أنهما يأتيان بشكل مفاجئ دون علم مسبق من طرفي العقد، أما الاختلاف فيكمن في الآثار القانونية المترتبة على تحقق النظريتين، فالقوة القاهرة يستحيل خلالها تنفيذ الالتزامات التعاقدية استحالة تامة، ومن خلالها يتحرر المتعاقد من هاته الالتزامات وبالتالي يتم فسخ العقد أما نظرية الظروف الطارئة فهي لا تصل إلى حد الاستحالة بل ترهق المتعاقد فقط وبالتالي يمكنه إتمام تنفيذ التزاماته وطلب التعويض متى توفرت شروط تطبيق النظرية.
2/ نظرية فعل الأمير: تتشابه نظرية فعل الأمير مع نظرية الظروف الطارئة في بعض النقاط من أهمها، أن الادارة ملتزمة بدفع التعويض للمتعاقد معها ولكنها تختلف عنها في جوانب عديدة ويتمثل الاختلاف في أن التعويض عن نظرية فعل الأمير يكون تعويضا كاملا في حين التعويض عن نظرية الظروف الطارئة تعويضا جزئيا، كما يتمثل الاختلاف أيضا في الجهة التي تكون سببا في الضرر، إذ أنه في نظرية فعل الأمير تكون الإدارة المتعاقدة، أما في نظرية الظروف الطارئة فيكون السبب غالبا أجنبيا (حروب فيضانات زلازل …) ويمكن أن يكون أيضا جهة إدارية غير الإدارة المتعاقدة.
3/نظرية الصعوبات المادية غير المتوقعة: بدورها تتشابه مع نظرية الظروف الطارئة في بعض النقاط وتختلف عنها في نقاط أخرى، فمن أوجه التشابه أن كلتا النظريتين تهدف إلى إعادة التوازن المالي للعقد بعد حدوث ظروف طارئة واستثنائية غير متوقعة ولا يمكن دفعها وينتج عنها إرهاق للمتعاقد وعدم تمكنه من تنفيذ التزاماته دون نفقات إضافية، وتقوم الإدارة بتعويض المتعاقد المضرور في النظريتين معا، أما أوجه الاختلاف فتتجلى في مصدر الفعل الذي بتحققه تطبق نظرية الصعوبات المادية غير المتوقعة، التي تشترط أن تكون الصعوبات خارجة عن إرادة المتعاقدين سواء الإدارة او المتعاقد معها ومن بين الاختلافات بين النظريتين أيضا، أنه يتطلب تطبيق نظرية الظروف الطارئة اختلالا في اقتصاديات العقد في حين لا يشترط ذلك في الصعوبات المادية غير المتوقعة، ثم التعويض كوجه من أوجه الاختلاف والذي يكون كاملا في نظرية الصعوبات المادية غير المتوقعة فيما يكون جزئيا في نظرية الظروف الطارئة[10].
المبحث الثاني: تطبيقات نظرية الطروف الطارئة والحماية القضائية للمتعاقد فيها.
المطلب الاول: تطبيقات حماية القضاء الإداري الفرنسي للمتعاقد من مخاطر الظروف الطارئة.
مما لا شك فيه أن الحماية التي كرسها لاجتهاد القضائي للمتضرر من الصفقة العمومية هو ضمان تعويض المتعاقد عن المخاطر الاقتصادية التي قد تلحق بها قبل إتمامها (فيروس وباء زلازل بركان عواصف أزمة عالمية حرب ...الخ).
وتعتبر نظرية الظروف الطارئة ذات نشأة قضائية جاءت على إثر قرار مجلس الدولة الفرنسي في قضبة "الإنارة لمدينة "بوردو" التي تتلخص وقائعها في أن شركة الإضاءة لمدخنة "بوردو" ألزمت بمقتضى عقد امتياز[11] بتوريد الغاز والكهرباء للمدينة بسعر محدد، وعقب نشوب الحرب العالمية الأولى ارتفع سعر الفحم كذلك وأجور العمال، مما تسبب في إلحاق ضرر للملتزم فلم يعد باستطاعته تحمل الأعباء المالیة الجديدة، تقدمت الشركة المتعاقدة للجهة الإدارية مانحة الامتياز طلب لإعادة النظر في ثمن العقد، إلا أن الإدارة مانحة الامتياز رفضت طلب الشركة مما دفع هذه الأخيرة إلى اللجوء لمجلس الدولة الفرنسي الذي أقر أحقية الشركة في التوازن المالي للعقد وفقا للمبدأ الجديدة الذي قضى بأنه إذا طرأت ظروف جديدة لم يكن في الإمكان توقعها، وكان من شأنها أن تؤدي إلى اختلال اقتصاديات العقد اختلالا جسيما، فإن ذلك يستدعي مساهمة جهة الإدارة في تحمل جزء من الخسارة التي تلحق بالمتعاقد نتيجة هذه الظروف[12].
المطلب الثاني: تطبيقات حماية القضاء الإداري المصري للمتعاقد من مخاطر الظروف الطارئة.
لقـد تناولـت المحكمة الإدارية العليـا بدولة مصر نظريـة الظـروف الطارئـة في العديـد مـن أحكامهـا، مبينـة مفهومهـا وضوابـط وعلـة إعمالهـا ونطـاق الآثار المترتبة علـى حدوثهـا، إذ قضـت بـأن المقصود بنظريـة الظـروف الطارئـة، ( أن تطـرأ حــال مــدة تنفيــذ العقــد الإداري حــوادث أو ظــروف طبيعيــة أو اقتصاديــة، أو مــن عمــل جهــة إداريــة غيــر الجهة المتعاقدة، أو مـن عمـل إنسـان آخـر، لـم تكـن في حسـبان المتعاقد عنـد إبـرام العقـد، ولا يملك لها دفعا من شأنها أن تنزل به خسائر فادحة تختل معها اقتصاديـات العقـد في تحمل نصيب من خسائره، فإدا ما توافرت هذه الشروط مجتمعة التزمت معها في تحمل نصيب من الخسائر ضمانا لتنقيد العقد على الوجـه الـذي يكفـل حسـن سـير المرافق العامـة بانتظـام واطـراد، فنظريـة الظـروف الطارئـة تقـوم علـى فكـرة العدالـة المجردة التـي هـي قـوام القانـون الإداري، كمـا أن هدفهـا تحقيق المصلحة العامـة، فرائـد الجهة الإدارية هـو كفالـة حسـن سـير المرافق العامـة باسـتمرار وانتظـام، وحسـن أداء الأعمال والخدمات المطلوبة وسـرعة إنجازها، كمـا أن هدف المتعاقد مـع الإدارة هـو المعاونة في سـبيل المصلحة العامـة، ذلـك بـأن يـؤدي التزامـه بأمانـة وكفايـة، لقـاء ربـح أو أجـر عـادل وهـذا يقتضـي مـن الطرفان التسـاند والمشاركة للتغلـب علـى مـا يعتـرض تنفيـذ العقـد مـن صعوبـات ومـا يصادفـه مـن عقبـات، ويكـون مـن حـق المتعاقد المضار أن يطلـب مـن الطـرف الآخر مشـاركته هـذه الخسارة التـي تحتملهـا، فيعوضـه عنهـا تعويضـا جزئيـا.[13]
المطلب الثالث: تطبيقات حماية القضاء الإداري المغربي للمتعاقد من مخاطر الظروف الطارئة.
يمكن إبراز تطبيقات نظرية الظروف الطارئة في مجال العقود الإدارية بالمغرب من خلال الأحكام والقرارات الصادرة عن القضاء الإداري المغربي فيما يخص فض النزاعات التي تنشأ بين المتعاقد والإدارة إبان فترة الظروف الطارئة، فقد قضت المحكمة الإدارية بالرباط في الملف عدد 2006/228، بتاريخ 27/09/2012، في قضية بين مجموعة من المقاولات وبين الشركة الوطنية للطرق السيارة بالرباط، والتي تدور وقائعها حول اشغال بناء الجزء رقم 3 ب الفاصل بين شرق مدينة مكناس ومدينة فاس في نطاق الطريق السيار الرباط وفاس، إذ أن هذه المقاولات المدعية قد تكبدت مجموعة من الأضرار اللاحقة الناشئة عن الصفقة نتيجة ظروف التي صاحبت تنفيذها بالنظر للدراسات الأصلية للمشروع التي عرفت بعض التغييرات أثناء التنفيذ والمؤثرة على السير العادي للأشغال والمتسببة في تكاليف إضافية لم يتم مراعاتها أثناء إبرام الصفقة مما يستلزم اثمنة جديدة، والتمست المجموعة المدعية الحكم على الشركة الوطنية للطرق السيارة بأدائها تعويض على تلك الظروف الطارئة التي ألمت بها أثناء تنفيذ الصفقة وهو الأمر الذي أكدته الخبرة القضائية والتي تبين من خلالها أن المغارات الصلصالية والمنشآت المائية الإضافية وتأثيراتها والتي لا يمكن التنبؤ بمواقعها ولا حجمها في غياب استطلاعات مدققة متعددة التخصص يجعل شروط تطبيق نظرية الظروف الطارئة متوافرة لكون الالتزامات الجديدة المترتبة عنها أصبحت أكثر ارهاقا للمقاولة المدينة ونتج عنها تكاليف إضافية استثنائية قلبت موازين العقد، ولا تستوعب الأثمنة المتفق عليها، وهو الأمر الذي دفع القاضي الاداري إلى قبول الطلب شكلا وموضوعا والحكم بتعويض مجموعة المقاولات عن الاضرار التي ألمت بهم من جراء الظروف الطارئة.[14]
وصفوة القول ان نظرية الظروف الطارئة ساهمت في حماية الطرف الضعيف في العقود الإدارية من ضمنها عقود الصفقات العمومية والذي وضعته الظروف في مأزق حرج لا دخل له فيها نتج عنه اضطراب التوازن المالي للعقد، ولا شك أن ما نعيشه اليوم من ظروف استثنائية وصعبة في ظل تفشي وباء كرونا كمثال وما تمخض عنه من تداعيات انعكست بالسلب على أشخاص القانون الخاص المرتبطين بعقود إدارية مع الإدارة، سيجعل من هذه النظرية من وجهة نظري المتواضعة تحتمل الخطأ والصواب الأساس الذي سيبني عليه القضاء الإداري المغربي مبدأ الحكم بالتعويض للمتعاقد مع الإدارة إذا ما حالة الظروف الطارئة من تنفيذ العقد الإداري المبرم مع أشخاص القانون العام أمر مرهقا وعسيرا.[15]
الهوامش
[1] أ-علي مبهوبي: دور القاضي الإداري في حماية الطرف المتعاقد مع الإدارة، رسالة نيل شهادة الماستر في الحقوق، كلية الحقوق والعلوم السياسية جامعة بوضياف بالجزائر، السنة الدراسية 2018/2019.
[2] -أ-علي مبهوبي: دور القاضي الإداري في حماية الطرف المتعاقد مع الإدارة، مرجع سابق.
[3] -ا- محدم بفقير العمل القضائي للغرفة الإدارية بمحكمة النقض خلال سنتي 2014 و2015 الجزء الثاني منشورات دراسات قضائية سلسلة عمل الماكم المغربية، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، الطبعة الأولى 2016، ص 32.
[4] - مريم الحيداوي: الصفقات العمومية بالمغرب طبقا للمرسوم الجديد رقم 2.22.431، مجلة القانون الدستوري والعلوم الإدارية، العدد التاسع مايو 2023، ص 2016..
[5] أ- مريم الحيداوي: الصفقات العمومية بالمغرب طبقا للمرسوم الجديد رقم 2.22.431، مرجع سابق، ص 2016.2017.2018.
[6] أ-سيف الدين فايدة: تطبيقات نظرية الظروف الطارئة على العقود الإدارية، مقال منشور بالمجلة الالكترونية مجلة القانون والأعمال الدولية.
[7]-أ- عبد القادر لحريشي: الإشكالات المطروحة في تنفيذ الصفقات العمومية النجمة عن الظروف الاستثنائية، مقال منشور بالمجلة الالكترونية marocdroit.
[8] -أ- سيف الدين فايدة: تطبيقات نظرية الظروف الطارئة على العقود الإدارية، مرجع سابق.
[9] - أ- إبراهيم أنوض: نظرية الظروف الطارئة وأثرها على العقد الإداري جائحة كرونا فيروس كمجال للتطبيق، مقال منشور بمجلة القانون والأعمال الدولية، بتاريخ 18 أيريل 2024.
[10] -أ-أنور الشقروني: نزاعات المتعاقدين مع الغدارة في مجال الصفقات العمومية، أي حماية قضائية، مقال منشور بسلسة الأيام الدراسية لمحكمة الاستئناف الإدارية بالرباط، الطبعة 6 سنة 2010.
[11]- يقصد بعقد الامتياز الإداري أن تعهد الدولة أو الأشخاص العامة الأخرى على الملتزم بإدارة مرفق عام واستغلاله لمدة محددة، وذلك عن طريق عمال وأموال يقدمها الملتزم وعلى مسؤوليته في مقابل تقاضي رسوم من المنتفعين بهذا المرفق العام.، ويعتبر عقد الامتياز من العقود الإدارية التي حددها المشرع المصر ي ونص عليها في قانون مجلس الدولة رقم ٤٧ لسنة، عكس المشرع المغربي لا يوجد أي نص قانوني صريح خاص بعقود الامتياز كأحد صور العقود الإدارية بطبيعته المادية لا القانونية.
[12] -أ-عبد الحفيظ مانع، محمد هاملي: أثر الظروف الطارئة على تنفيذ العقد الإداري دراسة مقارنة، مجلة الدراسات والبحوث القانونية، المجلد 7/العدد 1(2022).
[13] - حكـم المحكمة الإدارية العليـا المصرية طعـن رقـم 459 بتاريخ 4/4/1993.
[14] -حكم المحكمة الإدارية بالرباط، ملف عدد 228/2006 بتاريخ 2012/09/27، قسم القضاء الشامل، بين مجموعة من المقاولات والشركة الوطنية للطرق السيارة بالرباط.
[15] - إبراهيم أنوض: نظرية الظروف الطارئة وأثرها على العقد الإداري جائحة كرونا فيروس كمجال للتطبيق، مرجع سابق.