لقد جرد القانون القديم مراقب الحسابات من كل قيمة أو فعالية أو آثر حقيقي وجعل المتصرفين لا يولونه أي اهتمام، بل شكل تزكية ضمنية لقراراتهم، تحول دون تقويم اعوجاجهم خصوصا أمام خلو هذا القانون من أي تحديد، لاختصاصات مراقب الحسابات، مما لم يمكن من تحقيق حماية حقيقية للمصلحة الاجتماعية، خصوصا أنه لم تكن للمراقبين سوى مجرد صفة وكلاء مأجورين[1].
لكن بصدور القانون 95/17 أخذت هذه المؤسسة نصيبها من الاهتمام، بضمان فعاليتها وذلك من خلال تطوير نظامها القانوني، وتخويلهم الإمكانات اللازمة للقيام بمهامهم على أحسن وجه، بأن وسع من نطاق اختصاصاتهم، إذ تخضع تقريبا كل العمليات التي تعرفها حياة الشركة لتدخلهم، كما جعل مراقبتهم للحسابات مراقبة دائمة[2].
ومن أجل ضمان تأدية مراقب الحسابات لمهامه كما ينبغي، لا بد من أن يتمتع باستقلال قانوني، يحصنه ضد محاولات إخضاعه لرغبات مجلس الإدارة، وفي غياب هذه الاستقلالية سيصعب الحديث عن قيامه بمراقبة فعالة، وهذا الاستقلال يتجلى في تدخل قاضي المستعجلات كضمانة قوية لا في تعيينه وإعفاءه من مهامه من جهة(الفقرة الأولى) ولا في كذلك تجريحه من جهة أخرى(الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: دور قاضي المستعجلات في تعيين وإعفاء مراقب الحسابات
اقتضت أهمية شركات المساهمة إنشاء جهاز لرقابة، الأعمال والحسابات حماية للشركة والمساهمين أنفسهم الذين يتعذر عليهم ممارسة الرقابة بصورة جدية، نظرا لنقصان الخبرة، حيث يحول تعقد المسائل الحسابية دون إمكانية قيامهم بفحص حسابات الشركة[3].
وهكذا تم التنصيص على إلزامية تعيين مراقب الحسابات بالنسبة لشركات المساهمة في المادة 159 من ق.ش.م، والتي جاء فيها :" يجب أن يتم في كل شركة مساهمة تعيين مراقب أو مراقبين للحسابات يعهد إليهم بمهمة مراقبة وتتبع حسابات الشركة..."، وهذا التعيين يتم عبر الجمعية العامة كأصل غير أنه في حالة تقاعسها يبرز دور قاضي المستعجلات (أولا) كما أن مراقب الحسابات قد تمنعه أسباب من إتمام مهامه فيتم إعفاءه بتدخل قاضي المستعجلات(ثانيا).
أولا: دور قاضي المستعجلات في تعيين مراقب الحسابات
بالرجوع إلى المادة 163 من القانون 95/17 نجد أن المشرع المغربي، خول للجمعية العامة مهمة تعيين مراقب الحسابات كأصل عام، غير أنه في حالة تقاعس الجمعية العامة، عن القيام بهذا التعيين، يتدخل قاضي المستعجلات وهذا ما نصت عليه المادة 165 من نفس القانون:" في حالة عدم تعيين الجمعية العامة لمراقبي الحسابات يعمل رئيس المحكمة بصفته قاضي المستعجلات، على تعيينهم بأمر، منه وذلك من أي مساهم على أن تتم دعوة المتصرفين بصفة قانونية.
تنتهي المهمة المعهود بها بهذه الكيفية حينما تقوم الجمعية العامة بتعيين مراقبي الحسابات".
إن هذه الضمانة مهمة لترسيخ استقلالية مراقبي الحسابات في أداء مهامهم، لأن تدخل قاضي المستعجلات كطرف محايد، يضفي مصداقية على تلك التعيينات، لأن تعيين الجمعية العامة لمراقب الحسابات يكون بناءا على اقتراح المسيرين، هذا ما يبشر على أن العلاقة ستكون جيدة مع المجلس الإداري، غير أنه قد يسود إحساس لدى المراقبين بأنهم مدينين للمسيرين، هذا ما قد يؤدي إلى التغاضي عن بعض ممارسات وتصرفات المسيرين.
وهكذا ولضمان هذه الاستقلالية بعدما أبانت المقتضيات عن قصورها، لجأ المشرع الفرنسي إلى تمديد مدة تعيين مراقبي الحسابات إلى ست سنوات، وعلى خلاف ذلك حددها المشرع المغربي في ثلاث سنوات، في حين أن المتصرفين يعينون لمدة ست سنوات، ليصبح مراقب الحسابات مهددا بعدم اقتراح تجديد مهامه من طرف المتصرفين[4].
وبالرجوع إلى المادة 165 من القانون 95/17 نجد أنها مكنت كل مساهم من تقديم طلب، تعيين مراقب للحسابات إلى قاضي المستعجلات، ولم يربط ذلك بأي شرط، باستثناء دعوة المتصرفين بصفة قانونية، وهذا ما يعد في حد ذاته ضمانة مهمة، وهو نفس الأمر بالنسبة لشركة التضامن حيث لم يربط تقديم طلب التعيين من طرف كل شريك بأي شرط[5]، وعلى خلاف ما تقدم فقد اشترطت المادة 80 فيما يتعلق بالشركات ذات المسؤولية المحدودة، نسبة ربع رأس المال لتقديم الطلب من كل شريك أو عدة شركاء إلى قاضي المستعجلات وهذا ما كرسه الأمر الاستعجالي الصادر عن المحكمة التجارية بمراكش[6].
وعليه فإن هذا الاستثناء يقوي ضمانات توفر الشركة، على مراقبين يهتمون بمراقبة تسييرها، خصوصا عندما يتم ربط هذا الاستثناء بطلب من ذوي الصفة، وهم المساهمون بصفتهم هذه لا بصفتهم أعضاء في الجمعية العامة، مهما كان عددهم ومهما كانت نسبة امتلاكهم، لرأسمال الشركة وهو ما يصب في اتجاه حماية أقلية المساهمين[7].
ومن الناحية العملية فإن قاضي المستعجلات بعد توصله بالطلب من أحد المساهمين، وتأكده من صفته إلى جانب تأكده من قيامه بطلب هذا التعيين من المتصرفين، دون جدوى وبعد أن تتم دعوة المتصرفين بصفة قانونية للجلسة، فإنه يأمر بتعيين مراقب أو مراقب الحسابات من بين المراقبين المقيدين في جدول هيئة الخبراء المحاسبيين[8].
إن تدخل قاضي المستعجلات في تعيين مراقب الحسابات، بنص خاص ليس إلا استثناء لتبقى الصلاحية في التعيين للجمعية العامة، لذا فلا مجال للحديث عن نزول القضاء منزلة بعض أجهزة الشركة، فالاستثناء لا يقاس عليه ولا يتوسع في تفسيره، لأن قاضي المستعجلات لا يتدخل إلا في حالة التقاعس وتماطل أجهزة إدارة الشركة حفاظا على مصلحة الشركة.
ثانيا: دور قاضي المستعجلات في إعفاء مراقب الحسابات
قد لا تنتهي مهام مراقب الحسابات بنهاية ولاية تعيينه، إذ قد تحول بينه وبين ممارسة مهامه صعوبات، مما قد يؤدي إلى إعفاءه.
كانت الجمعية العامة هي التي تقوم بعزل مراقب الحسابات، دون تعليل في ظل قانون 1922[9] غير أنه بصدور قانون 95/17 تم دعم استقرار هذا الجهاز بمجموعة من الضمانات، فيما يتعلق بشروط إعفاءه، لا من ناحية الأشخاص المسموح لهم بتقديم طلب الإعفاء، أو الأسباب الموجبة للإعفاء.
1: الأشخاص المخول لهم تقديم طلب الإعفاء
طبقا للمادة 179 من ق.ش.م، فالأشخاص الذين يمكنهم تقديم طلب الإعفاء، هم مجلس الإدارة أو مجلس الرقابة، أو من مساهم أو عدة مساهمين يمثلون ما لا يقل عن 5 في المائة من رأس مال الشركة، أو الجمعية العامة، كما تمت اضافة مجلس القيم المنقولة بالنسبة للشركات التي تدعو الجمهور للاكتتاب، ليتبين أن المشرع المغربي وسع من دائرة الأشخاص المخول لهم تقديم طلب الإعفاء، عكس ما هو الأمر بالنسبة للتعيين، ولعل إدخال قاضي المستعجلات في مسطرة إعفاء مراقب الحسابات ضمانة لاستقرار هذا الجهاز، تفاديا لكل إعفاء تعسفي، ويتضح هذا من خلال حصر الأشخاص الذين يمكنهم تقديم طلب إعفاء مراقب الحسابات، ويلاحظ أن المشرع المغربي من خلال المادة 179 لم يخول لا إلى المدير العام ولا إلى المدير العام المنتدب، ولا حتى لمجلس الإدارة الجماعية الحق في تقديم طلب الإعفاء رغم أن هذا الأخير الأكثر احتكاكا به[10]، أما المشرع الفرنسي فقد خول حق تقديم طلب إعفاء مراقب الحسابات بناء على المادة L225-233 من مدونة التجارة الفرنسية لأجهزة الإدارة والتسيير دون إقصاء أي عضو منها، بالإضافة إلى كل مساهم أو عدة مساهمين يملكون ما لا يقل عن 5 في المائة من رأس المال، وكذا لجنة المقاولة أما الشركات التي تدعو الجمهور للاكتتاب، فمنحت هذا الحق أيضا للسلطة المكلفة بالأسواق المالية تدعيما للدور الذي تقوم به هذه المؤسسة بالإضافة إلى باقي الاختصاصات الموكولة لها[11]، كما أن تمديد هذه المكنة لتشمل لجنة المقاولة و النيابة العامة من شأنه، أن يضفي الفعالية على هذه المسطرة لكون هذه الأجهزة خارجة عن الشركة ومن المستبعد تواطؤها. 2- الأسباب الموجبة للإعفاء
لإعفاء مراقب الحسابات يجب أن يستند ذلك على أسباب والتي حددتها المادة 179 في:" يمكن إعفاء مراقب أو عدة مراقبين للحسابات من مهامهم في حالة ارتكابهم خطأ، أو إذا عاقهم عائق مهما كان سببه قبل انقضاء المدة العادية لمهامهم.."،[12] من خلال هذه المادة يتبين أن المشرع حصر أسباب الإعفاء في الخطأ أو العائق والملاحظ أنه لم يتم تحديد المقصود بكل منهما، فما مضمون كلا السببين اللذان تحدثت عنهما المادة ؟
الخطأ:
في ظل الفراغ التشريعي عرف الإعفاء بسبب الخطأ اختلافا فقهيا وقضائيا، وفي هذا الإطار فخطأ مراقب الحسابات يعني عدم أداؤه لمهامه أو أداؤها بشكل خاطئ أو ناقص، أو بكيفية سيئة أو بإهمال أو تواطؤ أو في بدل عناية الرجل المعتاد في أدائها، أو اقتران تنفيذ المهمة بسوء نية، أو مخالفة المقتضيات القانونية أو حدوث إحدى حالات التنافي[13]، والملاحظ أن القضاء الفرنسي رفض إعفاء مراقب الحسابات لسبب عدم كفاية المراقبة وخرق مبدأ الحفاظ على السر المهني والتأخر في وجوب الإعلام بانطلاق مسطرة الإنذار في المقاولات التي تعاني من صعوبات، ما لم يقترن ذلك بعنصر سوء النية[14]. وهكذا فإن الأخذ بالخطأ كمبرر يجب أن يكون بسوء النية، مع العلم أن المشرع المغربي والفرنسي، جاء ذكر الخطأ مجردا، وقد برز اتجاه آخر يرى أن الإعفاء يترتب عن تنفيذ المهام بشكل غير سليم أو تنفيذها بطريقة سيئة[15]، والملاحظ أن الاتجاهان معا جانبا الصواب فالأول خرج عن فلسفة النص والثاني قيد وضيق من عمل المراقب، حيث قد يصبح مؤاخذا على الخطأ البسيط[16]، رغم أن هذا الرأي الأخير يوافق الصواب استنادا إلى دقة الشروط التي يتطلبها القانون في ممارسة مهنة المراقبة، ولما قد يحققه من ضمانات تهم حماية المصلحة الاجتماعية[17].
وعموما إذا تمت الاستجابة للطلب المعلل فالجمعية العامة تقوم بتعيين مراقب مكان المعزول مع تعويضه، ويعد التعليل من الضمانات التي تجعل هذا الجهاز يزاول مهامه في استقرار بعيدا عن الطلبات التعسفية.
العائق:
بما ان المادة 179 من ق.ش.م، لم تحدد مضمون العائق ليبرز دور الفقه، الذي قسم العوائق إلى داخلية وخارجية، الأولى تهم مراقب الحسابات نفسه كوجود ظروف خاصة تمنعه من ممارسة مهامه، وأما الخارجية فهي تخص المرض مثلا[18]، أو البعد عن مقر العمل أو كثرة المهام التي يزاولها بجانب شغله منصب مراقب الحسابات وهذه كلها أسباب تؤدي إلى عرقلة مهام الرقابة. وخلاصة القول فإن تدخل القضاء بالنظر في مشروعية أسباب إعفاء مراقب الحسابات وجديتها والتي تعتبر من أمور الواقع التي له سلطة تقديرها [19].
\الفقرة الثانية: دور قاضي المستعجلات في تجريح مراقب الحسابات
عمل المشرع المغربي على وضع مجموعة من الضمانات والقواعد، التي تكرس استقلال مراقب الحسابات ومن بينها قواعد التجريح والتي أقحم فيها دور قاضي المستعجلات الذي يتلقى طلب التجريح من الأشخاص، المحددة في المادة 164 من ق.ش.م،(أولا) ووضع كذلك مسطرة خاصة لضمان استقلالية وحياد هذا الجهاز(ثانيا).
أولا: الأشخاص المخول لهم تقديم طلب التجريح
بالرجوع إلى المادة 164 من ق.ش.م، التي نصت على أنه :" يمكن لمساهم أو عدة مساهمين يمثلون ما لا يقل، عن 5 في المائة من رأسمال الشركة توجيه طلب لرئيس المحكمة بصفته قاضي المستعجلات، بتجريح مراقب أو مراقبي الحسابات الذين عينتهم الجمعية العامة على أن يكون هذا التجريح لأسباب صحيحة..."، لقد حصر المشرع دائرة الأشخاص الذين أتيحت لهم هذه الإمكانية في المساهمين بصفتهم هذه، لكن وعلى عكس ما يتعلق بضوابط التعيين والإعفاء فالمشرع اشترط امتلاك نسبة 5 في المائة، بعدما كانت 10 في المائة، وتم تعديلها بموجب 05-20 وهو تعديل يندرج في إطار إشراك الأقلية، وتفعيل دورها داخل الشركة، كما تمت إضافة مجلس القيم المنقولة كطرف مخول له تقديم طلب التجريح بالنسبة للشركات التي تدعو الجمهور للاكتتاب.
أما المشرع الفرنسي فقد وسع من دائرة الأشخاص بموجب المادة L225-230 من مدونة التجارة، فبالإضافة إلى كل مساهم أو عدة مساهمين يملكون ما لا يقل عن 5 في المائة من رأسمال الشركة والسلطة المكلفة بالأسواق المالية، نجد لجنة المقاولة والنيابة العامة، وهو الأمر الذي لا نجده لدى المشرع المغربي، ونقصد هنا (النيابة العامة ولجنة المقاولة) و كما سبق وأن ذكرنا فإن تدخلهما في هذه المسطرة يشكل ضمانة هامة لفعالية دور مراقب الحسابات، ويمكن القول أن هذا التعدد يترجم تعدد المصالح داخل الشركة.
والذي ينبغي الإشارة إليه أن التجريح لا يشمل مراقبي الحسابات، المعينين بمقتضى النظام الأساسي أو عقد منفصل، كما لا يشمل كذلك المعينين بأمر القضاء، ولعل هذا يجد تفسيره في أن مدة مهامهم قصيرة، فالتعيين بمقتضى النظام الأساسي والعقد المنفصل، لا تتجاوز مدته سنة مالية[20]، ونفس الأمر بالنسبة للتعيين بأمر القضاء الذي ينتهي بتعيين الجمعية العامة مراقبي الحسابات[21]، لتصبح مسطرة التجريح محصورة في مراقبي الحسابات المعينين من طرف الجمعية العامة، وهذا يعد قصور والأحرى أن يتم تمديد مسطرة التجريح لتسع كل أشكال التعيين لأن الأسباب التي دعت إلى سن مسطرة التجريح قائمة حتى في الحالات الأخرى[22].
ومما تقدم فإن التعديل التشريعي الذي خفض النسبة من 10 في المائة إلى 5 في المائة، وسع من دائرة الحماية ليس فقط لأقلية المساهمين كما يعتقد البعض، بل حتى الأغلبية لأن النسبة المحددة تشكل مجرد الحدود الدنيا، وعليه فالتجريح وإن كان في ظاهره مخصص لحماية الأقلية، فإنه يخدم المصلحة الاجتماعية للشركة[23].
ثانيا: مسطرة التجريح
نصت المادة 164 من ق.ش.م، في فقرتها الثانية :"... يتعين تقديم طلب معلل إلى الرئيس تحت طائلة عدم القبول داخل أجل ثلاثين يوما ابتداء من تاريخ التعيين موضوع الخلاف..."، من هنا يتبين أن تقديم الطلب من طرف الأشخاص الذين سبق وأن ذكرناهم يجب أن يتم داخل أجل ثلاثين يوما ابتداء من تاريخ التعيين، وجزاء تخلف ذلك عدم قبول الطلب لتخلف الشرط الشكلي، لعدم احترام الأجل والسؤال الذي يمكن طرحه هل هذا الأجل كاف لاكتشاف سبب التجريح؟
لقد اختلف الباحثون حول هذه المسألة بين من ذهب في نفس نهج المشرع المغربي ومن خالفه.
فالأول يرى أن الفترة المتاح خلالها تجريح مراقب الحسابات هي فترة معقولة، من شأنها أن تجعل وضعية مراقب الحسابات مستقرة داخل الشركة، أمام كل تهديد لاستقراره (الطلبات التعسفية)[24]، وإن كان الأجل قصيرا فإن هناك طريقا آخر يتمثل في سلوك مسطرة الإعفاء[25].
أما الثاني فيرى أنها مدة غير كافية، ولا يمكن معها معرفة أسباب التجريح، وخاصة إذا كان الأمر يتعلق بانعدام استقلاليتهم عن الجهة التي عينتهم، لأن هذه الأمور تظهر مع مرور الوقت لدى كان حريا بالمشرع أن يترك المدة مفتوحة دون تقييد، باستثناء الأسباب الصحيحة[26]، أو أن يحتسب هذا الأجل من تاريخ نشوء سبب التجريح لا من تاريخ التعيين، وهو موقف ينسجم والمبادئ العامة القاضية بحماية المصلحة الاجتماعية[27].
إن استجماع هذه الشروط لا يفيد إقرار الطلب، بل لابد من توفر أسباب صحيحة وهذا ما أكدته المادة 164 من ق.ش.م، من خلال العبارة " أن يكون التجريح لأسباب صحيحة"، هذه الأسباب لم يحدد مضمونها وكما هو واضح، فالعبارة جاءت عامة وفضفاضة[28]، فما هي إذن طبيعة الأسباب التي يمكن بناء طلب التجريح عليها؟
إن المشرع يقصد من خلال هذه المادة أن تكون أسباب التجريح معللة أي منطقية ومشروعة، وجدية بما تنصب عليه من كل تصرف أو واقعة من شأنها أن تبعث أو تثير الشك جديا في كفاءة مراقب الحسابات، أو شرفه أو نزاهته أو في حياده واستقلاليته عن الأغلبية التي عينته[29]، وبالتالي يمكن القول أن الأساس الصحيح الذي يبني عليه المساهم طلب تجريحه هو أحد حالات التنافي التي حددها المشرع في المادة 161 من ق.ش.م.م غير أنه من المستبعد أن تقوم الجمعية العامة بتعيين مراقب الحسابات، سقط في إحدى حالات التنافي، وعموما فإذا سقط مراقب الحسابات في إحدى حالات التنافي ولم تكن الجمعية العامة على علم عند تعيينه، فإن للأشخاص المحددين في المادة 164 من ق.ش.م، المغربي تقديم الطلب، بناء على حالة التنافي أو أي سبب من الأسباب التي تؤثر على حياد وتجرد واستقلالية مراقب الحسابات.
والملاحظ أن القضاء الفرنسي لم يستقر على مجرد الارتياب أو "الشك الجدي"، حيث انتقل بالاجتهاد الذي جاءت به محكمة الاستئناف "بكولمار" من "الشك الجدي" إلى "الإثبات الموضوعي"، مع وجوب تقدير هذا العنصر داخل أجل 30 يوما، وتتجلى وقائع هذا القرار في أن المحكمة الابتدائية "بستراسبورغ" قبلت طلبا لتجريح مراقب الحسابات بناءا على أن هذا الأخير كان مستشارا في شركة مملوكة لأغلبية المساهمين، وعندما عرض النزاع "بمحكمة كولمار" قضت بإلغاء القرار الابتدائي معللة قرارها" بعدم وجود إثبات موضوعي"[30]..
إن المشرع المغربي في هذه الحالة المرتبطة بالتجريح نص على أجل 30 يوما وهذا يفيد أن الاستعجال المفترض يزول بانتهاء الأجل، لأن المشرع وضع هذا النص الخاص و راعى فيه طبيعة الحق نفسه المطلوب صيانته وزمن الظروف المحيطة به، وهي هنا العلاقة أو النزاع الذي قد يربط بين مراقب الحسابات وأحد المساهمين، لا من فعل الخصوم أو اتفاقاتهم فلا يتوافر الاستعجال لمجرد رغبة رافع الدعوى في الحصول على حكم في طلبات بسرعة، ولكن بتوفر تلك الظروف التي افترض المشرع بوجودها، أن هناك عنصر استعجال[31].
الهوامش
[1] - المصطفى بوزمان : حماية المصلحة الاجتماعية في شركات المساهمة، مطبعة المعارف الجديدة، 2016. ،ص 134.
[2] - محمد صابر: دور رئيس المحكمة بصفته قاضي المستعجلات في شركات المساهمة، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية – مراكش –السنة الجامعية 2010/2011.، ص171.
[3] - عبد الواحد حمداوي: تعسف الأغلبية في شركة المساهمة، دراسة مقارنة، مطبعة الأمنية – الرباط – 2013. ،ص 308.
[4] - عبد الواحد حمداوي: م.س، ص313.
[5] - المادة 12 من القانون 5/96، المتعلق بباقي الشركات.
[6] - أمر استعجالي رقم 652 صادر بتاريخ 10/11/2009 في الملف رقم 579/1/2009، غير منشور.
- وفي نفس الاتجاه سار أمر آخر:
- أمر استعجالي رقم 156 الصادر عن المحكمة التجارية بمراكش بتاريخ 24/03/2009 في الملف رقم 73/1/2009، غير منشور.
- وفي نفس الاتجاه سار أمر آخر:
- أمر استعجالي رقم 156 الصادر عن المحكمة التجارية بمراكش بتاريخ 24/03/2009 في الملف رقم 73/1/2009، غير منشور.
[7] - المصطفى بوزمان: م.س، ص141.
[8] - إذ جاء في المادة 160 من القانون رقم 95/17 مايلي:"لا يحق لأي كان مزاولة مهام مراقب الحسابات مالم يكن مقيدا في جدول هيئة الخبراء المحاسبيين".
[9] - الذي كان يطبق بموجبه قانون الشركات الفرنسي لسنة1867.
[10] - فاطمة الزهراء المريزق: الرقابة الداخلية في شركة المساهمة، رسالة لنيل دبلوم ماستر قانون المقاولة، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية-مكناس- 2010-2011، ص101.
[11] -رشيد الطاهر، مستجدات القانون 05/20 المعدل والمتمم لقانون شركات المساهمة، منشور بمجلة المحاكم المغربية، ع 116 شتنبر- أكتوبر 2008، ص9ِ2.
[12] - وهي نفس الأسباب الواردة في المادةL823-7 من مدونة التجارة الفرنسية.
[13] - المصطفى بوزمان: م.س، ص164.
[14] - أشار إليه عبد اللطيف الشنتوف: القضاء الاستعجالي في المادة التجارية، بحث لنيل الدكتوراه في العلوم القانونية، جامعة محمد الخامس اكدال-الرباط-السنة الجامعية 2012/2013.، ص 315
-la cour d‘ appel de paris : 03.06.1998
-la cour d‘ appel de paris : 03.06.1998
[15] - عبد الواحد حمداوي:م.س،ص 314.
[16] - فاطمة الزهراء المريزق:م.س، ص103.
[17] - المصطفى بوزمان:م.س،ص 165.
[18] - عبد اللطيف الشنتوف:م.س، ص315.
[19] - المصطفى بوزمان:م.س،ص 166.
[20] - المادة 163 من القانون95/17 المتعلق بشركة المساهمة
[21] - المادة 165 من القانون 95/17 المتعلق بشكة المساهمة.
[22] - فاطمة الزهراء المريزق:م.س،ص 96.
[23] - المصطفى بوزمان:م.س، ص169.
[24] - فاطمة الزهراء المريزق :م.س، ص97.
[25] - المادة 179 من القانون 95/17 المتعلق بشركة المساهمة.
[26] - عبد اللطيف الشنتوف:م.س،ص321.
[27] - المصطفى بوزمان:م.س، ص172.
[28] - ونفس الأمر يتعلق بالمشرع الفرنسي عندما نص عليها بموجب المادةL225-233 من مدونة التجارة.
[29] - المصطفى بوزمان:م.س،ص 169.
[30] - قرار صادر بمحكمة الاستئناف بكولمار الصادر بتاريخ23-02-1983.
- أورده عبد اللطيف الشنتوف:م.س، ص323.
- أورده عبد اللطيف الشنتوف:م.س، ص323.
[31] - سمير محمد المحادين: ، صلاحيات قاضي الأمور المستعجلة، (دراسة مقارنة)، رسالة ماجستير في القانون الخاص، جامعة الشرق الأوسط، 2014. ص 29.