كلمة الباحثة لتقديم موضوع الرسالة أثناء المناقشة
بسم الله الرحمن الرحيم
تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا الصلاة والسلام الأتمان الأكملان على من اصطفاه من جميع خلقه وجعله للناس بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ورضي الله عن صحابته وآل بيته الذين طهروا تطهيرا.
بداية أتقدم بأخلص عبارات الشكر الجزيل والمقرون بالاحترام والتقدير إلى أستاذي الجليل الدكتور إدريس الفاخوري الذي قبل برحابة صدر وطيب خاطر الإشراف على هذه الرسالة وعلى نصائحه وإرشاداته القيمة الذي لم يبخل في تقديمها لي والتي كانت السند في إجاز هذه الرسالة.
كما لا يفوتني أن أتوجه أيضا بجزيل الشكر وعظيم الامتنان إلى أستاذتي الفاضلة الدكتورة دنيا مباركة رئيسة ماستر قانون العقود والعقار على ما بذلته من جهد وتفاني كبيرين والتي لم تبخل علينا بشيء من سعة علمها وفي تأطيرها لنا طوال سنوات الماستر راجية من الله تعالى أن يمدها بالصحة والعافية وطول العمر إن شاء الله.
كما أنه يسرني أن أتقدم بجزيل الشكر وعظيم الامتنان إلى السادة أعضاء لجنة المناقشة الذين تحملوا عناء قراءة هذا البحث.
كما لا يفوتني بالمناسبة أن أقدم خالص شكري وامتناني لأعضاء الطاقم البيداغوجي على كل مجهوداتهم القيمة من أجل تكويننا أفضل تكوين وعلى كل أوجه المساعدة التي يقدمونها للطلبة.
وبعد، لا تخفى على أحد أن سياسة التعمير وتهيئة المجال العمراني في الآونة الأخيرة أصبح ينظر إليها كأحد الركائز الأساسية التي تقوم عليها التنمية البشرية باعتبارها الرهان الأكبر الذي أخذته الدولة على عاتقها. كما أن النمو الديمغرافي المتزايد جعل مسألة التعمير مرتعا خصبا للدارسة لكونها أصبحت تطرف في إطارها مجموعة من الإشكالات خصوصا أمام الدور المهم الذي يلعبه التعمير في مجال الاستثمار والتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وفي هذا السياق كان طبيعيا أن يهتم التشريع المغربي بتنظيم المجال وأن تصدر بهذا الخصوص جملة من النصوص القانونية بضبط الجوانب المتعلقة بالتعمير.
غير أن هذه القوانين التي تم وضعها سواء إبان الحقبة الاستعمارية أو بعدها قد أبانت عن عجزها وقصورها في الحد من الاختلالات المجالية الشيء الذي سيدفع إلى ضرورة البحث عن الرقابة القضائية التي لا تعلوها لا رقابة ولا سلطة. فإذا كانت تهيئة المجال تشكل قطاعا يفرض بشكل أساسي التعاون بين الدولة والجماعات المحلية لأن مصلحة الأولى تلتقي مع المصالح الثانية وحيث أنها تدخلها جد متكامل، فإن الحقيقة التي لا محبذ عنها أن تدخل جميع هذه الأجهزة في تهيئة المجال وتنظيمه لا يمكن أن يأتي أكله ما لم تكن هناك رقابة قضائية حقيقية. ومن هنا أقر المشرع دورا للقضاء بمختلف أشكاله في مجال التعمير كمرحلة أخيرة في مواجهة الخروقات التعميرية التي يعرفها هذا الميدان وتجدر الإشارة إلى أنه وإن كانت الإدارة تلعب دورا هاما في ضبط ومراقبة العمران وإذا كان القضاء الإداري المغربي قد عبر عن اجتهاداته في كثير من المنازعات الإدارية بشكل عام، فإن ميدان التعمير يبقى المجال الذي تمتد إليه الرقابة القضائية بالشكل الكافي نظرا لكون أغلبية النزاعات تجد تسويتها في المرحلة الإدارية دون إرتقائها إلى منازعات قضائية.
من هنا يظهر أن للموضوع أهمية كبيرة تتمظهر من خلال الإشكالات التي يطرحها القضاء كمرحلة أخيرة في مجال الخروقات التعميرية، كما تظهر هذه الأهمية في كون موضوع الدراسة هو موضوع الساعة، فعندما نعرف أن مختلف قوانين التعمير قد أعطت أهمية لمجال التعمير والإسكان ويتبين من الواقع العملي أن السلطات لم تتمكن لحد الآن من إيجاد تشريع متكامل ينظم المجال بشكل يجعل منه في آن واحد قانونا مرنا وفي النفس الوقت قانونا رادعا، فإن الملجأ الوحيد المعول عليه هو القضاء.
ولهذه الأسباب إرتأيت أن أعالج موضوع رسالتي والتي جاءت تحت عنوان: "رقابة القضاء الإداري على مشروعية قرارات التعمير" بناء على قوانين التعمير والقوانين المرتبطة به بهدف إرساء نظرية عامة تنبني ربما على ملئ الثغرات القانونية استنادا إلى الواقع العملي أمام الإدارة والعمل القضائي الذي يزخر بعدة إشكالات تدفع للنقاش والنقد والتحليل والتي حصرناها في أهم إشكال هو أن التعمير في المغرب تبرزه ميزة خاصة وتتعلق بالتناقض الكبير الموجود بين صرامة القوانين وتشتت المجال الحضري، هل ذلك يعود إلى إشكالية توزيع الاختصاص في ميدان التعمير؟ أم أن الأمر مرتبط بقصور في فعالية الآليات القانونية التنظيمية المعتمدة؟ وهل فعلا القضاء الإداري كفيل بتوفير الحماية والرقابة اللازمة في مجال التعمير والبناء؟ وإذا كان الأمر كذلك فما هي حدود هذه الرقابة وما هي معوقاتها؟ وهل يمكن الاعتماد فقط على قوانين التعمير والقضاء للحد من هذه الاختلالات؟ ام لا بد من إعادة النظر في مجموعة من الآليات التي لها تأثير مباشر على قطاع التعمير.
من هنا يمكن طرح الإشكالية المركزية والتي تتمحور فيما يلي:
إلى أي حد استطاع القضاء الإداري أن يلعب دورا فعالا في إعادة التوازن إلى المنظومة القانونية والذي أثبت الواقع العملي فشلها وذلك من خلال فحصه لشرعية القرارات الإدارية المتعلقة بالتعمير؟
واستنادا للواقع العملي أمام الإدارة والعمل القضائي الذي يزخر بعدة إشكالات فرضت علي الإستعانة بالمنهج النقدي والمنهج التحليلي للإلمام بواقع تدخل الإدارة في ميدان التعمير وتحليل كيفية تعامل القضاء مع المقتضيات القانونية المتعلقة بالتعمير.
وعلى هدي ما سبق وحتى يتم الوصول إلى تحليل شاف لمختلف الجوانب التي يطرحها الموضوع إرتأيت أن أعالجه في فصلين: خصصت الفصل الأول للحديث عن الرقابة القضائية على قرارات الترخيص بالبناء، والفصل الثاني للحديث عن الرقابة القضائية على قرارات وقف الأشغال والهدم.
فبخصوص الفصل الأول تناولت فيه الحديث عن المسطرة المتبعة لدراسة رخص البناء وأيضا أنواع القرارات المتعلقة برخص البناء كقرارات منح الترخيص وقرارات رفض منح الترخيص وتناولت أيضا في هذا الفصل الحديث عن الطعن في القرارات المتسمة بالتجاوز في استعمال السلطة، أما بخصوص الفصل الثاني فتناولت فيه الحديث عن الرقابة القضائية على قرارات وقف الأشغال والهدم من خلال تبيان الجهات المختصة بإصدار هذه القرارات والإجراءات المتخذة لإصدارها وأيضا لبعض حالات الطعن في هذه القرارات.
وفي ختام هذه الدراسة أود أن أشير إلى القضاء الإداري يلعب دورا جد مهم في مراقبته للأعمال الإدارية في مجال التعمير نظرا لما له من سلطة واسعة يباشرها بالنسبة لسائر القرارات الإدارية الأخرى، إلا أن ما يجب الإشارة إليه أيضا أن هذه الرقابة سواء الإدارية أو القضائية المعمول بها حاليا تبقى ناقصة ولم تحقق الأهداف المرجوة منها الشيء الذي جعلنا نتوصل إلى قناعة مفادهها أن غياب قوانين صارمة ساهمت بشكل ملحوظ في تدني هذه الرقابة، ولهذا ولضمان نجاعة وفعالية هذه الرقابة بات لزاما التفكير في بعض الحلول والتي نذكر منها:
- إعادة النظر في الجهاز القضائي الخاص بالتعمير مع ضرورة العناية بالتكوين المستمر لهؤلاء القضاة.
- مراجعة قوانين التعمير مع ضرورة الإسراع بإيجاد مدونة تشريعية موحدة بذلا من سد الفراغ التشريعي عن طريق إصدار دوريات ومناشير تفتقر أحيانا على الدقة والنجاعة.
- ضرورة استحداث محاكم متخصصة في ميدان العقار والتعمير للبت السريع في المشاكل التي تعترض الاستغلال الفعال للعقار.