صدر عن محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط القرار عدد 3492 بتاريخ 21 يوليوز 2014[1] قضى بتأييد حكم المحكمة الإدارية بالرباط عدد 2868 الصادر بتاريخ 26/12/2013[2]. وقد قضى هذا الأخير بإلغاء قرار وزير التعليم العالي، الذي هو عبارة عن مذكرة موجهة لرؤساء الجامعات بإعادة فتح باب الترشيحات لمنصب عميد أو مدير المؤسسات الجامعية.
ويستفاد من القرار الاستئنافي المذكور أن أصل النزاع في الملف يعود إلى كون طالبي الإلغاء ترشحا – على إثر فتح باب الترشيح من طرف رئاسة جامعة الحسن الثاني بالمحمدية بتاريخ 25/07/2011– لشغل منصب عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالمحمدية. وشاركا في مباراة الانتقاء بتاريخ 16/11/2011 التي أسفرت عن اختيارهما وتصدر أحدهما المرتبة الأولى والآخر المرتبة الثالثة، وذلك تمهيدا لإحالة ملفيهما وملف المرشح المتصدر للمرتبة الثانية على المؤسسة الملكية قصد تسمية واحد من المنتقاة أسماؤهم في مباراة الانتقاء.
وبتاريخ 22/08/2012 أصدر وزير التعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي قرارا إداريا تحت عدد 1205/01 بإلغاء نتائج جميع المباريات وإعادة فتح باب الترشيحات في هذه الحالة، وما يماثلها على صعيد الجامعات المغربية.
وقد بني طعن طالبي الإلغاء- وفق المستفاد من حيثيات القرار القضائي- على مساس القرار الإداري بحقوقهما وخرق مبدأ المساواة وعدم مراعاة مبدأ استمرارية المرفق العمومي وعدم التقيد بقاعدة تعليل التصرف الإداري المطعون فيه.
وفي معرض تعقيبها على عريضة الطعن، أفادت وزارة التعليم العالي بأن إلغاء نتائج المباريات، بما في ذلك المتعلقة بكلية الحقوق بالمحمدية، تم على أساس سريان الفصل 92 من دستور سنة 2011 على هذه المباريات، إضافة- وفق ما ورد على لسان القرار القضائي- إلى انطباق "القانون التنظيمي"[3] رقم 412.212.02 المؤرخ في 11/10/2012 عليها. وزاد التعقيب بالقول بأن الإعلان عن المباراة تم في إطار القانون القديم ( دستور 1996)، الذي يجعل سلطة التسمية راجعة إلى المؤسسة الملكية، وأن الدستور الحالي جعل اختصاص التعيين منعقدا للمجلس الحكومي برئاسة رئيس الحكومة.
وتثير المعطيات السابق بيانها الملاحظات التالية التي لها أهمية في استيعاب معطيات القضية وتحصيل ناتجها القانوني:
ومؤدى ذلك أن الاختصاص في تعيين عمداء الكليات أضحى منعقدا للمجلس الحكومي منذ نشر الدستور في 30 يوليوز 2011، وبديهي أن القانون التنظيمي لن يأتي بقاعدة مناقضة لهذا الاختصاص المقرر بنص دستوري واضح المعنى وقاطع الدلالة، سيما باستحضار الرقابة الوجوبية للمجلس الدستوري على طائفة القوانين التنظيمية.
ونظرا لما يكتنف الموضوع من إشكالات قانونية متصلة بما سبق وغيره، ارتأت هذه المساهمة الخوض في مناقشة القرار الاستئنافي وتحليله من الزوايا الآتية بعده، مع التركيز على القيمة المضافة للقرار القضائي في بلورة ركائز الأمن القانوني.
1 حول اختصاص محكمة النقض بالبت في المنازعة ابتدائيا ونهائيا
يسجل، حسبما ورد في القرار القضائي، أن الجهة المطلوبة في الدعوى لم تثر في مواجهة الطاعنين المادة 9 من القانون 90-41 المحدث للمحاكم الإدارية[6]، التي تنص على أنه، استثناء من أحكام المادة 8 منه تظل محكمة النقض مختصة ابتدائيا وانتهائيا في طلبات الإلغاء بسبب تجاوز السلطة المتعلقة بكل قرار إداري يتعدى تنفيذه دائرة الاختصاص المحلي لمحكمة إدارية[7]، علما بأن قرار وزارة التعليم العالي المطعون فيه موجه لرؤساء الجامعات المغربية بغية تنفيذ آثاره القانونية على مستوى موزع على دوائر نفوذ كل المحاكم الإدارية دون استثناء.
ويتحصل من ذلك أن المحكمة الإدارية ومحكمة الاستئناف بتتا في طلب الإلغاء، رغم انعقاد الاختصاص للغرفة الإدارية بمحكمة النقض ابتدائيا وانتهائيا. وتكمن أهمية الوقوف عند قاعدة الاختصاص، في هذا المضمار، من زاوية حسن سير العدالة في ظل قيام إمكانية تقديم طعون مماثلة بشأن ذات المنصب وأيضا نفس القرار الإداري من جانب مرشحين في جامعات أخرى[8]، مع ما ينطوي عليه ذلك من خطورة صدور أحكام متباينة ومتناقضة بشأن نفس القرار في دعاوى الإلغاء، التي توصف بأنها دعاوى عينية وموضوعية، وتسري آثار أحكامها المطلقة على الكافة.
2/ حول سلامة ما انتهى إليه قضاء القرار الاستئنافي
خلافا لما ذهب إليه البعض[9]، فإن القرار الاستئنافي، في تقدير هذه المساهمة العلمية، جاء مصادفا للصواب في قضائه بعدم مشروعية القرار الإداري الطعين لما اعتراه من علل تستوجب ترتيب جزاء الإلغاء( الفقرة 2)، ولا ينتقص من صوابيته إعماله لقواعد قانونية لم يطلب رافع الدعوى تطبيقها على نازلته( الفقرة 1).
2.1 حول مراعاة القرار الاستئنافي للفصل 3 من قانون المسطرة المدنية
استدل القرار القضائي، محل المناقشة، بمقتضيات من الوثيقة الدستورية والمادة 6 من القانون التنظيمي رقم 12.02 يتعلق بالتعيين في المناصب العليا[10] والفصل 20 من القانون 00.01 المتعلق بتنظيم التعليم العالي[11] لينتهي إلى التصريح بكون القرار المطعون فيه بالإلغاء موسوم بعيب مخالفة القانون.
وبقدر وجاهة التعليل القانوني وفق ما سيأتي شرحه في الفقرة الموالية، فإن إثارة هذه المقتضيات، دون أن يحتج بها طالبي الإلغاء صراحة، لا يشكل أية مخالفة لمقتضىى الفصل 3 من قانون المسطرة المدنية خلافا لما انتهى إليه البعض[12] طالما أن الحياد الذي توخاه الفصل الآنف ذكره من القاضي ينصرف فحسب إلى إلزامه بالبت في حدود طلبات الأطراف وعدم تغيير موضوعها وسببها؛ ذلك أن المقطع الأخير من ذات الفصل ينص، بوضوح وبلا غموض، على أن القضاء يبت في الخصومة طبقا للنصوص المطبقة على النازلة، و لو لم يطلب الأطراف ذلك بكيفية صريحة، وبالتالي ليس ثمة نص قانوني يمنع القرار الاستئنافي من تعليل قضائه بالمقتضيات القانونية السارية النفاذ.
وفي هذا المعنى قضت محكمة النقض بالتالي: "تكييف الدعوى والبحث عن النص القانوني الواجب التطبيق هو من صميم اختصاص المحكمة التي عليها تكييف الدعوى التكييف القانوني السليم وتخضعها للقاعدة القانونية الواجبة التطبيق، ولو لم يطلبها الأطراف أو طلبوا غيرها"[13].
2.2 استجابة القرار القضائي لدواعي الأمن القانوني
انطلق القرار القضائي، مثار النقاش، من استكمال الإجراءات المسطرية المفضية إلى انتقاء 3 مرشحين لمنصب عميد كلية الحقوق بالمحمدية بدءا من فتح باب الترشيحات مرورا بدراسة طلبات الترشيح أمام لجنة تعينها وزارة التعليم العالي وفق ما سنته الفقرة 4 من المادة 20 من القانون 01. 00، وصولا إلى حصر قائمة المقبولين الثلاثة من طرف مجلس الجامعة[14] كما هو منصوص عليه في الفقرة الخامسة من المادة 20 السالف ذكره.
وكل هذه الإجراءات والمساطر تندرج في باب ركن الشكل والمسطرة في عناصر المشروعية الخارجية[15] لقرار التعيين في المنصب، تمهيدا لعرض ملفات المرشحين المقبولين على الجهة المالكة لحق التسمية بغية اتخاذ القرار النهائي.
وقد توخى المشرع من الإجراءات التحضيرية[16] لقرار التعيين في المؤسسة الجامعية تحقيق غايتين متناغمتين ومتلازمتين، وهما:
وما يزكي ما انتهت إليه المحكمة أن عملية دراسة ملفات المترشحين من طرف اللجنة المختصة واتخاذ مجلس الجامعة لقراره بحصر قائمة المقبولين وترتيبهم حسب درجة الاستحقاق تمت في ظل ما أتى به دستور سنة 2011 في فصليه 49 و92 من أحكام ومقتضيات. وقد يقول قائل أن الوزارة المعنية كانت تنتظر صدور القانون التنظيمي والمرسوم التطبيقي له لجلاء الموقف ومعرفة ما إذا كان التعيين في منصب عميد الكلية سيندرج ضمن اختصاصات المجلس الحكومي أم سيبقى في دائرة الاختصاص الملكي، غير أن هذا الموقف يصطدم بحقيقة حسم الفصل 92 من الدستور في اختصاص تعيين عمداء الكليات واتخاذ وزارة التعليم العالي لقرارها المطعون فيه قبل صدور المرسوم الآنف ذكره،فضلا عن حقيقة أن تغير الاختصاص من عدمه غير مؤثر على الإجراءات المتعلقة بركن الشكل في القرار لاستقلال هذه الأخيرة عن مبدأ الاختصاص، ولاستنفاذها في ظل قانون لم يتغير بعد آيلولة الاختصاص للمجلس الحكومي. كما أن هذه الإجراءات الشكلية والمسطرية اتخذت في ظل سيادة قانون ساري النفاذ، وتبقى سليمة وإن افترضنا جدلا تغير قواعد من متعلقات الشكل والمسطرة في القرار الإداري، والحال ليس كذلك وفق ما تؤكده المادة 6 من القانون التنظيمي 12. 02.
ويتحصل من ذلك أنه، وعلى فرض عدم جود مقتضى انتقالي وعلى فرض تعديل المادة 20 من القانون 01.00 في باب ركن الشكل في قرارات تعيين عمداء الكليات، فإن إلغاء الإجراءات المستنفذة لا يستقيم مع القانون في تقدير هذه الدراسة للاعتبارات التالية:
وما يدعم هذه الحيثية القانونية الاعتبارات الغائية التي كانت وراء إقرار المشرع لهذه الإجراءات الشكلية والمسطرية لما تحققه، على حد سواء، من نفع عام لفائدة حسن سير مرفق التعليم العالي في الكلية المعنية، ومن ضمانات يتوجب توفيرها في سبيل إشاعة الموضوعية في التعاطي مع طلبات الترشيح، وذلك وفق ما تقدم بيانه.
وترتيبا عليه، تنتفي كافة المبررات الموضوعية والقانونية لإلغاء العملية بحجة تغير الجهة المالكة لحق التسمية في المنصب، علما بأن عملية الإجراءات الشكلية والمسطرية ستعاد بنفس الكيفيات وأمام ذات اللجنة المعينة من طرف الوزارة الوصية وأمام ذات مجلس الجامعة، وذلك على حساب المرشحين المقبولين الناشئة لهم أوضاع قانونية معينة، دون إغفال عنصر إطالة أمد شغور المنصب وتأثيره على حسن سير المرفق.
الاعتبار الثاني، مفاده وقوع مباراة الانتقاء واختيار مجلس الجامعة لقائمة المقبولين، ومنهم طالبي الإلغاء، بعد نفاذ دستور 2011، الذي نص فصله 92، بمنتهى الوضوح، على انعقاد الاختصاص للمجلس الحكومي في مجال تعيين عمداء الكلية، مع ما استتبع ذلك من عدم إتيان القانون التنظيمي بأي مستجد قانوني يسوغ تغيير مجرى الأمور سواء فيما تعلق بركن الاختصاص أو بركن الشكل والمسطرة.
صحيح أن طالبي الإلغاء لم ينشأ لهما حق مكتسب بصدور قرار نهائي بالتسمية في المنصب المتنافس من أجله، بل وضعية قانونية تقدمهما عن الغير، مع قيام حظوظ للظفر بالمنصب، سيما باستحضار أن المرشح الثالث تدخل إراديا في الدعوى[22]، وأن احترام مجموع أوضاعهم القانونية المشكلة على نحو سليم تفيد أن التسمية في المنصب ستؤول إلى واحد منهم.
و يحيل مفهوم الحق المكتسب المثار في القضية الحالية، من جانب الإدارة المطلوبة في الدعوى، على النقاش الفقهي حول إشكالية تطبيق القانون من حيث الزمن، حيث كانت النظرية الكلاسيكية تلجأ إلى معيار، قوامه التمييز بين الحق المكتسب droit acquis ومجرد آمال واحتمالات simples expectatives[23] والخلوص إلى عدم جواز مساس القانون الجديد بالحقوق المكتسبة مقابل جواز تعديل أوضاع قانونية تدخل في حكم الاحتمال ومجرد الأمل.
وبالمقابل هجرت النظرية الحديثة مفهوم الحقوق المكتسبة، واستعاضت عنه بمفهوم الوضعية القانونية، الذي من خلاله حجبت عن القانون الجديد إمكانية التراجع عن الشروط التي على أساسها تشكلت الوضعية القانونية للمستفيد، وكذا انتفاء إمكانية محو أو تعديل الآثار المنتجة قبل خروجه إلى حيز الوجود[24].
الاعتبار الرابع: مفاده أن إجراءات الشكل والمسطرة في قرار التسمية في مثل هذه الحالة ، تستدعي سن مقتضى انتقالي، وهو ما فطن إليه المشرع نسبيا عند إقراره المادة 6 من القانون التنظيمي رقم 12.02 في باب ركن الشكل في القرار، لكنه فاته أن يفرد مقتضى يخص قاعدة الاختصاص بالنسبة للأوضاع الجارية من تاريخ إقرار الدستور إلى غاية تبني القانون التنظيمي السالف ذكره.
ولما كان الأمر على نحو ذلك من عدم تشريع المقتضى الانتقالي في هذا المضمار، فإنه تجدر الإشارة إلى موقف مجلس الدولة الفرنسي، الذي استند على قاعدتي الأمن القانوني والثقة المشروعة[25] la confiance légitime، ليخلص في قضائه، بصدد نظره في منازعة متصلة بمدونة قواعد السلوك تتعلق بمهنة مراقبي الحسابات، إلى ما يلي:
" أن أي مقتضى تشريعي أو تنظيمي لا يمكن أن يطبق على وضعيات تعاقدية جارية في تاريخ دخوله حيز التنفيذ دون أن يكتسي طابع التنفيذ بأثر رجعي...
وللزيادة في الوضوح، تستحضر هذه الدراسة مقولة مأثورة، ذات دلالة عميقة، تقول "دور القانون( القانون الجديد) هو التكفل بحل إشكالات المستقبل، الماضي ينفلت من سلطته، وأينما حظي إنفاذ القانون بأثر رجعي، فليس الآمان وحده من يصبح في خبر كان، بل أيضا ظل الآمان يختفي من الوجود"[29].
ثمة ملاحظات وتساؤلات أخيرة، وتتعلق بما قد ينتظره تنفيذ قرار محكمة الاستئناف الإدارية الرباط من صعوبات قانونية وعملية عند استحضار الواقعة القانونية المتصلة بتعيين عميد لكلية الحقوق بالمحمدية بعد اتخاذ القرار الإداري مثار النقاش في نازلة الحال.
ويثور التساؤل أيضا حول مدى سلامة عملية التعيين هذه في ظل إجرائها إثر إلغاء، دون موجب حق، عملية قانونية كانت ستتوج بتسمية أحد الطاعنين، أو المتدخل إراديا في الدعوى. وما مصير كافة التصرفات والقرارات المتخذة من طرف العميد إذا انتهينا إلى القول بعدم سلامة تعيينه؟ وكيف سيحصل تنفيذ القرار القضائي إن كان أصلا للتنفيذ محل، هل باستئناف الإجراءات التي كانت سارية لفائدة المحكوم لهما، ومن كان معهما ضمن قائمة المقبولين، وذلك لغاية تعيين واحد منهم، علما بأن عملية التسمية تنصب فحسب على المناصب الشاغرة وفق ما يستلزمه الفصل 7 من القانون الأساسي للوظيفة العمومية[30]، والواقع أن منصب العميد يشغله حاليا شخص آخر.
وكلها إشكالات من صميم الأمن القانوني منظورا إليها من زاوية المعين حاليا في منصب عميد كلية الحقوق بالمحمدية( وربما المعينين في كليات أخرى عند تطابق أو تشابه الحيثيات مع نازلة الحال)، ومن زاوية الذين تم تفويت فرصة التعيين[31] في نازلة الحال أو ما في حكمها.
والثابت أن القرار الاستئنافي محل النقاش، يشكل أرضية قانونية يمكن التأسيس عليها لتقديم طلبات التعويض عن الضرر لقيام مسؤولية الدولة عن تفويت الفرص الواقع تبديدها[32] بفعل قرار ثبتت عدم مشروعيته بقرار قضائي نهائي قابل للتنفيذ بمدلول الفصل 361 من قانون المسطرة المدنية.
ولما كان الأمر في نازلة الحال يخص منازعةذات صلة بتنفيذ وتطبيق قوانين هادفة إلى وضع لبنات الحكامة الجيدة والتدبير بالأهداف، وما يفترض أن يرافقهما من سيادة ثقافة تعلي شأن المهنية في التدبير العمومي، فإن ثمة ملاحظة تستوقف هذه الدراسة، ومؤداها أن هذه القضية وغيرها من القضايا المماثلة، تساءل التدبير العمومي في نجاعته وقدراته المهنية في المادة القانونية وفي توخيه الوقاية من المنازعات، وذلك من زاوية الرهانات المالية[33] المترتبة عن ذلك في زمن ندرة الموارد وتعاظم الانتظارات المجتمعية، وأيضا من زاوية هاجس التقيد بقواعد المشروعية "الضامنة لتجانس وفعالية النشاط الإداري وبعده عن التعسف والتحكم "[34]، والمتناسقة مع النجاعة والتدبير بالأهداف وبالنتائج. ولعل في التوجهات الحالية للمجلس الأعلى للحسابات لتقييم قدرات التدبير العمومي في مجال المنازعات ما يؤشر إلى انعطافة هامة في منحى رقابة التدبير العمومي، ويؤمل أن تسفر هذه الأخيرة عن توصيات واقتراحات منيرة لسبل بلورة تصورات كفيلة بتقوية القدرات القانونية للإدارات العمومية، إن على مستوى صناعة وإنشاء التصرفات الإدارية أو على صعيد التقاضي دفاعا عن المراكز والأوضاع القانونية للدولة والإدارات العمومية.
ويستفاد من القرار الاستئنافي المذكور أن أصل النزاع في الملف يعود إلى كون طالبي الإلغاء ترشحا – على إثر فتح باب الترشيح من طرف رئاسة جامعة الحسن الثاني بالمحمدية بتاريخ 25/07/2011– لشغل منصب عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالمحمدية. وشاركا في مباراة الانتقاء بتاريخ 16/11/2011 التي أسفرت عن اختيارهما وتصدر أحدهما المرتبة الأولى والآخر المرتبة الثالثة، وذلك تمهيدا لإحالة ملفيهما وملف المرشح المتصدر للمرتبة الثانية على المؤسسة الملكية قصد تسمية واحد من المنتقاة أسماؤهم في مباراة الانتقاء.
وبتاريخ 22/08/2012 أصدر وزير التعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي قرارا إداريا تحت عدد 1205/01 بإلغاء نتائج جميع المباريات وإعادة فتح باب الترشيحات في هذه الحالة، وما يماثلها على صعيد الجامعات المغربية.
وقد بني طعن طالبي الإلغاء- وفق المستفاد من حيثيات القرار القضائي- على مساس القرار الإداري بحقوقهما وخرق مبدأ المساواة وعدم مراعاة مبدأ استمرارية المرفق العمومي وعدم التقيد بقاعدة تعليل التصرف الإداري المطعون فيه.
وفي معرض تعقيبها على عريضة الطعن، أفادت وزارة التعليم العالي بأن إلغاء نتائج المباريات، بما في ذلك المتعلقة بكلية الحقوق بالمحمدية، تم على أساس سريان الفصل 92 من دستور سنة 2011 على هذه المباريات، إضافة- وفق ما ورد على لسان القرار القضائي- إلى انطباق "القانون التنظيمي"[3] رقم 412.212.02 المؤرخ في 11/10/2012 عليها. وزاد التعقيب بالقول بأن الإعلان عن المباراة تم في إطار القانون القديم ( دستور 1996)، الذي يجعل سلطة التسمية راجعة إلى المؤسسة الملكية، وأن الدستور الحالي جعل اختصاص التعيين منعقدا للمجلس الحكومي برئاسة رئيس الحكومة.
وتثير المعطيات السابق بيانها الملاحظات التالية التي لها أهمية في استيعاب معطيات القضية وتحصيل ناتجها القانوني:
- أن فتح باب الترشيح في نازلة الحال كان بتاريخ 25 يوليوز2011؛ أي بعد إجراء الاستفتاء على الدستور، وإن لم يتخذ ظهير إصداره إلا بتاريخ 29 يوليوز 2011، ولم ينشر في الجريدة الرسمية إلا في اليوم الموالي لإصداره[4].
- نفاذ الفصل 92 من دستور 2011 قبل تنظيم المباراة الملغاة نتائجها، بما يفيد إجراءها داخل حيز زمني طاله تطبيق المقتضى السالف ذكره؛
- احتجاج وزارة التعليم العالي بما سمته، حسبما ورد في القرار القضائي، القانون التنظيمي رقم 412. 212 . 02 بتاريخ 11/10/2012 لتسويغ قرارها المؤرخ في 22/08/2012، والحال أن هذا التشريع هو مجرد مرسوم بتطبيق أحكام المادتين 4 و5 من القانون التنظيمي عدد 212. 02. و بالتوقف عند التاريخين، تاريخ القرار الإداري وتاريخ المرسوم 412. 212. 02، يتبين أن هذا الأخير كان في حكم العدم أثناء صناعة القرار الإداري، الذي يتوجب أن يؤسس ركن محله على المقتضيات القانونية والتنظيمية القائمة في إبان اتخاذه وليس بناء على نصوص تصدر في وقت لاحق.
- استدلال وزارة التعليم العالي، أثناء تبادل المذكرات، بالقانون التنظيمي عدد 212. 02، علما بأن القانون التنظيمي المذكور لم يأت بجديد في مضمار اختصاص المجلس الحكومي في تعيين عمداء الكليات، الذي حسم فيه الفصل 92 من الدستور ولم يحل في بنده 11 على القانون التنظيمي، في مادة الاختصاص، إلا لتتميم[5] قائمة الوظائف التي يتم التعيين في لمجلس الحكومي.
ونظرا لما يكتنف الموضوع من إشكالات قانونية متصلة بما سبق وغيره، ارتأت هذه المساهمة الخوض في مناقشة القرار الاستئنافي وتحليله من الزوايا الآتية بعده، مع التركيز على القيمة المضافة للقرار القضائي في بلورة ركائز الأمن القانوني.
1 حول اختصاص محكمة النقض بالبت في المنازعة ابتدائيا ونهائيا
يسجل، حسبما ورد في القرار القضائي، أن الجهة المطلوبة في الدعوى لم تثر في مواجهة الطاعنين المادة 9 من القانون 90-41 المحدث للمحاكم الإدارية[6]، التي تنص على أنه، استثناء من أحكام المادة 8 منه تظل محكمة النقض مختصة ابتدائيا وانتهائيا في طلبات الإلغاء بسبب تجاوز السلطة المتعلقة بكل قرار إداري يتعدى تنفيذه دائرة الاختصاص المحلي لمحكمة إدارية[7]، علما بأن قرار وزارة التعليم العالي المطعون فيه موجه لرؤساء الجامعات المغربية بغية تنفيذ آثاره القانونية على مستوى موزع على دوائر نفوذ كل المحاكم الإدارية دون استثناء.
ويتحصل من ذلك أن المحكمة الإدارية ومحكمة الاستئناف بتتا في طلب الإلغاء، رغم انعقاد الاختصاص للغرفة الإدارية بمحكمة النقض ابتدائيا وانتهائيا. وتكمن أهمية الوقوف عند قاعدة الاختصاص، في هذا المضمار، من زاوية حسن سير العدالة في ظل قيام إمكانية تقديم طعون مماثلة بشأن ذات المنصب وأيضا نفس القرار الإداري من جانب مرشحين في جامعات أخرى[8]، مع ما ينطوي عليه ذلك من خطورة صدور أحكام متباينة ومتناقضة بشأن نفس القرار في دعاوى الإلغاء، التي توصف بأنها دعاوى عينية وموضوعية، وتسري آثار أحكامها المطلقة على الكافة.
2/ حول سلامة ما انتهى إليه قضاء القرار الاستئنافي
خلافا لما ذهب إليه البعض[9]، فإن القرار الاستئنافي، في تقدير هذه المساهمة العلمية، جاء مصادفا للصواب في قضائه بعدم مشروعية القرار الإداري الطعين لما اعتراه من علل تستوجب ترتيب جزاء الإلغاء( الفقرة 2)، ولا ينتقص من صوابيته إعماله لقواعد قانونية لم يطلب رافع الدعوى تطبيقها على نازلته( الفقرة 1).
2.1 حول مراعاة القرار الاستئنافي للفصل 3 من قانون المسطرة المدنية
استدل القرار القضائي، محل المناقشة، بمقتضيات من الوثيقة الدستورية والمادة 6 من القانون التنظيمي رقم 12.02 يتعلق بالتعيين في المناصب العليا[10] والفصل 20 من القانون 00.01 المتعلق بتنظيم التعليم العالي[11] لينتهي إلى التصريح بكون القرار المطعون فيه بالإلغاء موسوم بعيب مخالفة القانون.
وبقدر وجاهة التعليل القانوني وفق ما سيأتي شرحه في الفقرة الموالية، فإن إثارة هذه المقتضيات، دون أن يحتج بها طالبي الإلغاء صراحة، لا يشكل أية مخالفة لمقتضىى الفصل 3 من قانون المسطرة المدنية خلافا لما انتهى إليه البعض[12] طالما أن الحياد الذي توخاه الفصل الآنف ذكره من القاضي ينصرف فحسب إلى إلزامه بالبت في حدود طلبات الأطراف وعدم تغيير موضوعها وسببها؛ ذلك أن المقطع الأخير من ذات الفصل ينص، بوضوح وبلا غموض، على أن القضاء يبت في الخصومة طبقا للنصوص المطبقة على النازلة، و لو لم يطلب الأطراف ذلك بكيفية صريحة، وبالتالي ليس ثمة نص قانوني يمنع القرار الاستئنافي من تعليل قضائه بالمقتضيات القانونية السارية النفاذ.
وفي هذا المعنى قضت محكمة النقض بالتالي: "تكييف الدعوى والبحث عن النص القانوني الواجب التطبيق هو من صميم اختصاص المحكمة التي عليها تكييف الدعوى التكييف القانوني السليم وتخضعها للقاعدة القانونية الواجبة التطبيق، ولو لم يطلبها الأطراف أو طلبوا غيرها"[13].
2.2 استجابة القرار القضائي لدواعي الأمن القانوني
انطلق القرار القضائي، مثار النقاش، من استكمال الإجراءات المسطرية المفضية إلى انتقاء 3 مرشحين لمنصب عميد كلية الحقوق بالمحمدية بدءا من فتح باب الترشيحات مرورا بدراسة طلبات الترشيح أمام لجنة تعينها وزارة التعليم العالي وفق ما سنته الفقرة 4 من المادة 20 من القانون 01. 00، وصولا إلى حصر قائمة المقبولين الثلاثة من طرف مجلس الجامعة[14] كما هو منصوص عليه في الفقرة الخامسة من المادة 20 السالف ذكره.
وكل هذه الإجراءات والمساطر تندرج في باب ركن الشكل والمسطرة في عناصر المشروعية الخارجية[15] لقرار التعيين في المنصب، تمهيدا لعرض ملفات المرشحين المقبولين على الجهة المالكة لحق التسمية بغية اتخاذ القرار النهائي.
وقد توخى المشرع من الإجراءات التحضيرية[16] لقرار التعيين في المؤسسة الجامعية تحقيق غايتين متناغمتين ومتلازمتين، وهما:
- تنوير الجهة المالكة لسلطة التعيين بغية تمكينها من اتخاذ قرار بتعيين المرشح الأكثر كفاءة وتأهيلا لإدارة مرفق الكلية، بما يستجيب لحاجة التطوير وحسن التدبير بأعلى قدر من الكفاية الإنتاجيةla performance.. كما أن هذه الإجراءات تعد مدخلا أساسيا لإرساء "آلية الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة والفعالية في التدبير العمومي"[17] القائم على التعاقد والتدبير بالأهداف، وذلك اتساقا مع المبادئ المقررة في الفصول من 154 إلى 715 من دستور سنة 2011.
- توفير ضمانات قانونية[18] بفتح عمليات التباري على أوسع نطاق بما يضمن سيادة مبدئي المساواة و تكافؤ الفرص أمام الأشخاص المتوفرين على الشروط المتطلبة، انسجاما مع الفقرة الأولى من ديباجة الدستور وكذا الفصل 6 و البند 8 من الفصل 31 من ذات الوثيقة الدستورية وكذا الفصل1 من القانون الأساسي الوظيفة العمومية[19]. كما أن إناطة مهام دراسة الملفات للجنة معينة من طرف الوزارة الوصية وكذا إسناد الصلاحية لمجلس الجامعة لحصر قائمة المرشحين المقبولين يوفران ضمانات الحياد والنزاهة في سبيل اختيار الشخص الأكثر مهنية و جدارة واستحقاقا للمنصب المتبارى بشأنه.
وما يزكي ما انتهت إليه المحكمة أن عملية دراسة ملفات المترشحين من طرف اللجنة المختصة واتخاذ مجلس الجامعة لقراره بحصر قائمة المقبولين وترتيبهم حسب درجة الاستحقاق تمت في ظل ما أتى به دستور سنة 2011 في فصليه 49 و92 من أحكام ومقتضيات. وقد يقول قائل أن الوزارة المعنية كانت تنتظر صدور القانون التنظيمي والمرسوم التطبيقي له لجلاء الموقف ومعرفة ما إذا كان التعيين في منصب عميد الكلية سيندرج ضمن اختصاصات المجلس الحكومي أم سيبقى في دائرة الاختصاص الملكي، غير أن هذا الموقف يصطدم بحقيقة حسم الفصل 92 من الدستور في اختصاص تعيين عمداء الكليات واتخاذ وزارة التعليم العالي لقرارها المطعون فيه قبل صدور المرسوم الآنف ذكره،فضلا عن حقيقة أن تغير الاختصاص من عدمه غير مؤثر على الإجراءات المتعلقة بركن الشكل في القرار لاستقلال هذه الأخيرة عن مبدأ الاختصاص، ولاستنفاذها في ظل قانون لم يتغير بعد آيلولة الاختصاص للمجلس الحكومي. كما أن هذه الإجراءات الشكلية والمسطرية اتخذت في ظل سيادة قانون ساري النفاذ، وتبقى سليمة وإن افترضنا جدلا تغير قواعد من متعلقات الشكل والمسطرة في القرار الإداري، والحال ليس كذلك وفق ما تؤكده المادة 6 من القانون التنظيمي 12. 02.
ويتحصل من ذلك أنه، وعلى فرض عدم جود مقتضى انتقالي وعلى فرض تعديل المادة 20 من القانون 01.00 في باب ركن الشكل في قرارات تعيين عمداء الكليات، فإن إلغاء الإجراءات المستنفذة لا يستقيم مع القانون في تقدير هذه الدراسة للاعتبارات التالية:
- الاعتبار الأول: مؤداه وجوب إدراك أوجه التمايز بين ركن الشكل والمسطرة في القرار الإداري وركن الاختصاص، لكون كل منهما قائم الذات ومستقلا عن الآخر، بحيث أن الإجراءات الشكلية التحضيرية في هذه الحالة تكفل حقوق المتنافسين وتعين سلطة التعيين في اتخاذ القرار عن بينة وحسن اطلاع، في حين أن مؤدى ركن الاختصاص ينصرف إلى ضرورة صدور القرار عن الجهة أو الشخص المؤهل قانونا[20]. وينبني على ذلك أنه متى تغيرت قواعد الاختصاص، بعد تمام اجراءات الشكل والمسطرة على نحو سليم وما يتفرع عن ذلك من تمام قيام أوضاع (حصر لائحة المقبولين)لفائدة الأغيار، فإن مبدأ الأمن القانوني يقتضي استكمال الإجراءات المفضية إلى خروج القرار إلى حيز الوجود، مع مراعاة المطابقة لقواعد الاختصاص[21] السارية النفاذ يوم إصدار القرار.
وما يدعم هذه الحيثية القانونية الاعتبارات الغائية التي كانت وراء إقرار المشرع لهذه الإجراءات الشكلية والمسطرية لما تحققه، على حد سواء، من نفع عام لفائدة حسن سير مرفق التعليم العالي في الكلية المعنية، ومن ضمانات يتوجب توفيرها في سبيل إشاعة الموضوعية في التعاطي مع طلبات الترشيح، وذلك وفق ما تقدم بيانه.
وترتيبا عليه، تنتفي كافة المبررات الموضوعية والقانونية لإلغاء العملية بحجة تغير الجهة المالكة لحق التسمية في المنصب، علما بأن عملية الإجراءات الشكلية والمسطرية ستعاد بنفس الكيفيات وأمام ذات اللجنة المعينة من طرف الوزارة الوصية وأمام ذات مجلس الجامعة، وذلك على حساب المرشحين المقبولين الناشئة لهم أوضاع قانونية معينة، دون إغفال عنصر إطالة أمد شغور المنصب وتأثيره على حسن سير المرفق.
الاعتبار الثاني، مفاده وقوع مباراة الانتقاء واختيار مجلس الجامعة لقائمة المقبولين، ومنهم طالبي الإلغاء، بعد نفاذ دستور 2011، الذي نص فصله 92، بمنتهى الوضوح، على انعقاد الاختصاص للمجلس الحكومي في مجال تعيين عمداء الكلية، مع ما استتبع ذلك من عدم إتيان القانون التنظيمي بأي مستجد قانوني يسوغ تغيير مجرى الأمور سواء فيما تعلق بركن الاختصاص أو بركن الشكل والمسطرة.
- الاعتبار الثالث: وله صلة بما أثارته المدعى عليها أثناء سريان الدعوى عند دفعها- حسبما ورد في القرار الاستئنافي- بعدم قيام حق مكتسب لدى رافعي الدعوى.
صحيح أن طالبي الإلغاء لم ينشأ لهما حق مكتسب بصدور قرار نهائي بالتسمية في المنصب المتنافس من أجله، بل وضعية قانونية تقدمهما عن الغير، مع قيام حظوظ للظفر بالمنصب، سيما باستحضار أن المرشح الثالث تدخل إراديا في الدعوى[22]، وأن احترام مجموع أوضاعهم القانونية المشكلة على نحو سليم تفيد أن التسمية في المنصب ستؤول إلى واحد منهم.
و يحيل مفهوم الحق المكتسب المثار في القضية الحالية، من جانب الإدارة المطلوبة في الدعوى، على النقاش الفقهي حول إشكالية تطبيق القانون من حيث الزمن، حيث كانت النظرية الكلاسيكية تلجأ إلى معيار، قوامه التمييز بين الحق المكتسب droit acquis ومجرد آمال واحتمالات simples expectatives[23] والخلوص إلى عدم جواز مساس القانون الجديد بالحقوق المكتسبة مقابل جواز تعديل أوضاع قانونية تدخل في حكم الاحتمال ومجرد الأمل.
وبالمقابل هجرت النظرية الحديثة مفهوم الحقوق المكتسبة، واستعاضت عنه بمفهوم الوضعية القانونية، الذي من خلاله حجبت عن القانون الجديد إمكانية التراجع عن الشروط التي على أساسها تشكلت الوضعية القانونية للمستفيد، وكذا انتفاء إمكانية محو أو تعديل الآثار المنتجة قبل خروجه إلى حيز الوجود[24].
الاعتبار الرابع: مفاده أن إجراءات الشكل والمسطرة في قرار التسمية في مثل هذه الحالة ، تستدعي سن مقتضى انتقالي، وهو ما فطن إليه المشرع نسبيا عند إقراره المادة 6 من القانون التنظيمي رقم 12.02 في باب ركن الشكل في القرار، لكنه فاته أن يفرد مقتضى يخص قاعدة الاختصاص بالنسبة للأوضاع الجارية من تاريخ إقرار الدستور إلى غاية تبني القانون التنظيمي السالف ذكره.
ولما كان الأمر على نحو ذلك من عدم تشريع المقتضى الانتقالي في هذا المضمار، فإنه تجدر الإشارة إلى موقف مجلس الدولة الفرنسي، الذي استند على قاعدتي الأمن القانوني والثقة المشروعة[25] la confiance légitime، ليخلص في قضائه، بصدد نظره في منازعة متصلة بمدونة قواعد السلوك تتعلق بمهنة مراقبي الحسابات، إلى ما يلي:
" أن أي مقتضى تشريعي أو تنظيمي لا يمكن أن يطبق على وضعيات تعاقدية جارية في تاريخ دخوله حيز التنفيذ دون أن يكتسي طابع التنفيذ بأثر رجعي...
وفي غياب أي مقتضى انتقالي في المرسوم المطعون فيه، فإن المتطلبات و قواعد المنع المستمدة من هذه المدونة (قواعد السلوك متعلقة بمهنة مراقبي الحسابات) قد تخلق، في دائرة الأوضاع التعاقدية المشكلة قبل المدونة، عوامل التشويش والإرباك المنافية لمبدأ الأمن القانوني"[26].
وإذا كان القضاء الفرنسي صارما في قضائه بعدم جواز إصدار التشريع الفرعي وكذا القرارات الإدارية بأثر رجعي، فإنه يتوجب إعمال القاعدة باعتماد قاعدة القياس من باب أولى في النظام القانوني المغربي، لأن عدم الرجعية فيه مقررة بقاعدة بلغت في سموها درجة القاعدة الدستورية بموجب الفقرة الأخيرة من الفصل 6 من دستور 2011[27]، في حين أن هذه القاعدة وقع تشريعها في فرنسا بمقتضى قانون عادي[28] ، يقع في مرتبة أدنى من القواعد الدستورية. وللزيادة في الوضوح، تستحضر هذه الدراسة مقولة مأثورة، ذات دلالة عميقة، تقول "دور القانون( القانون الجديد) هو التكفل بحل إشكالات المستقبل، الماضي ينفلت من سلطته، وأينما حظي إنفاذ القانون بأثر رجعي، فليس الآمان وحده من يصبح في خبر كان، بل أيضا ظل الآمان يختفي من الوجود"[29].
ثمة ملاحظات وتساؤلات أخيرة، وتتعلق بما قد ينتظره تنفيذ قرار محكمة الاستئناف الإدارية الرباط من صعوبات قانونية وعملية عند استحضار الواقعة القانونية المتصلة بتعيين عميد لكلية الحقوق بالمحمدية بعد اتخاذ القرار الإداري مثار النقاش في نازلة الحال.
ويثور التساؤل أيضا حول مدى سلامة عملية التعيين هذه في ظل إجرائها إثر إلغاء، دون موجب حق، عملية قانونية كانت ستتوج بتسمية أحد الطاعنين، أو المتدخل إراديا في الدعوى. وما مصير كافة التصرفات والقرارات المتخذة من طرف العميد إذا انتهينا إلى القول بعدم سلامة تعيينه؟ وكيف سيحصل تنفيذ القرار القضائي إن كان أصلا للتنفيذ محل، هل باستئناف الإجراءات التي كانت سارية لفائدة المحكوم لهما، ومن كان معهما ضمن قائمة المقبولين، وذلك لغاية تعيين واحد منهم، علما بأن عملية التسمية تنصب فحسب على المناصب الشاغرة وفق ما يستلزمه الفصل 7 من القانون الأساسي للوظيفة العمومية[30]، والواقع أن منصب العميد يشغله حاليا شخص آخر.
وكلها إشكالات من صميم الأمن القانوني منظورا إليها من زاوية المعين حاليا في منصب عميد كلية الحقوق بالمحمدية( وربما المعينين في كليات أخرى عند تطابق أو تشابه الحيثيات مع نازلة الحال)، ومن زاوية الذين تم تفويت فرصة التعيين[31] في نازلة الحال أو ما في حكمها.
والثابت أن القرار الاستئنافي محل النقاش، يشكل أرضية قانونية يمكن التأسيس عليها لتقديم طلبات التعويض عن الضرر لقيام مسؤولية الدولة عن تفويت الفرص الواقع تبديدها[32] بفعل قرار ثبتت عدم مشروعيته بقرار قضائي نهائي قابل للتنفيذ بمدلول الفصل 361 من قانون المسطرة المدنية.
ولما كان الأمر في نازلة الحال يخص منازعةذات صلة بتنفيذ وتطبيق قوانين هادفة إلى وضع لبنات الحكامة الجيدة والتدبير بالأهداف، وما يفترض أن يرافقهما من سيادة ثقافة تعلي شأن المهنية في التدبير العمومي، فإن ثمة ملاحظة تستوقف هذه الدراسة، ومؤداها أن هذه القضية وغيرها من القضايا المماثلة، تساءل التدبير العمومي في نجاعته وقدراته المهنية في المادة القانونية وفي توخيه الوقاية من المنازعات، وذلك من زاوية الرهانات المالية[33] المترتبة عن ذلك في زمن ندرة الموارد وتعاظم الانتظارات المجتمعية، وأيضا من زاوية هاجس التقيد بقواعد المشروعية "الضامنة لتجانس وفعالية النشاط الإداري وبعده عن التعسف والتحكم "[34]، والمتناسقة مع النجاعة والتدبير بالأهداف وبالنتائج. ولعل في التوجهات الحالية للمجلس الأعلى للحسابات لتقييم قدرات التدبير العمومي في مجال المنازعات ما يؤشر إلى انعطافة هامة في منحى رقابة التدبير العمومي، ويؤمل أن تسفر هذه الأخيرة عن توصيات واقتراحات منيرة لسبل بلورة تصورات كفيلة بتقوية القدرات القانونية للإدارات العمومية، إن على مستوى صناعة وإنشاء التصرفات الإدارية أو على صعيد التقاضي دفاعا عن المراكز والأوضاع القانونية للدولة والإدارات العمومية.
[1] صدر في الملف عدد 203/7205/14، قرار قضائي منشور في المجلة الالكترونية:" موقع العلوم القانونية " بتاريخ29 أكتوبر 2014.
[2] صدر في الملف الإداري عدد 2012/7110/306، حكم غير منشور.
[3] النص الحامل لرقم 412. 12.. 2 وتاريخ 11 أكتوبر 2012 ليس قانونا تنظيميا، بل هو مرسوم بتطبيق أحكام المادتين 4 و5 من القانون التنظيمي رقم 212. 02، وبالتالي وجب التصحيح توخيا للدقة وصحة المعلومة القانونية. هذا، ويثور التساؤل حول مدى مخالفة عملية إصدار المرسوم التطبيقي للفصلين 49 و92 من الدستور، الذي أحال فقط على قانون تنظيمي دون غيره، خاصة إذا أخدنا بعين الاعتبار أن المرسوم لا يخضع لرقابة دستورية القوانين سواء كانت وجوبية أو اختيارية، خلافا للقوانين التنظيمية التي تخضع لزوما لرقابة دستورية القوانين. هذا بالإضافة إلى كون مجال القوانين التنظيمية مجالا تشريعيا، ولا يحق للحكومة التشريع في دائرته.
[4] منشور في الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر بتاريخ 30 يوليوز 2011.
[5] أكد المجلس الدستوري بدوره أن الدستور في فصله 92 اسند للقانون التنظيمي مهمة تتميم لائحة الوظائف التي يتم التعيين في المجلس الحكومي، تراجع الحيثيتين الأولى والثانية من مناقشته في الجوهر في نص القرار عدد12 /862 م. د في الملف رقم 2/1363 بتاريخ 12 يوليوز 2012.
[6] صدر بشأنه الظهير الشريف رقم 225-91- بتاريخ 10 شتنبر 1993، منشور في الجريدة الرسمية عدد4227 بتاريخ 3 نونبر 1993.
[7] صدرت عن القضاء الإداري المغربي العديد من الأحكام في نطاق تطبيق هذه المادة، وذهب إلى القضاء بشمول المقتضى للقرارات الإدارية السلبية والايجابية، ومن ذلك قرار محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط عدد 931 بتاريخ 09/07/2008 في الملف رقم 65/08/5، منشور في: المنتقى من عمل القضاء في المنازعات الإدارية، من إعداد وزارة العدل، منشورات جمعية نشر المعرفة القانونية والقضائية، سنة 2010، ص: 27 و28. حكم المحكمة الإدارية بالدار البيضاء رقم 1755 بتاريخ 06/12/2010، والذي قضى بالتالي:" مادام القرار المطعون فيه يتعدى تنفيذه دائرة اختصاص محكمة إدارية، فإن المجلس الأعلى يبقى هو المختص في الطعن بالإلغاء المقدم بشأنه".
[8] الفقرة 2 من المادة 10 من القانون 90-41 تمنح لطالب الإلغاء الخيار بين بسط دعواه في المحكمة التي يوجد موطنه في دائرة اختصاصها أو التي صدر القرار بدائرة اختصاصها.
[9] ذ خالد هلال: نسبية آثار الأحكام القضائية وحدود تنفيذها على المراكز القانونية والأوضاع القائمة، مقال منشور في موقع العلوم القانونية الالكتروني بتاريخ 29 أكتوبر 2014.
[10] قانون تنظيمي يتعلق بتطبيق أحكام الفصلين 49 و92 من الدستور مؤرخ في 17 يوليوز 2012 ، منشور في الجريدة الرسمية عدد6066 بتاريخ 19 يوليوز 2012.
[11] صدر بشأنه الظهير الشريف رقم 199. 00. 1 بتاريخ 19 ماي 2000، منشور في الجريدة الرسمية عدد 4798 بتاريخ 25 ماي 2000.
[12] ذ خالد هلال: مقال سبق ذكره.
[13] قرار عدد 68 بتاريخ 06/01/1988 في الملف المدني رقم 823، يراجع مؤلف ذ محمد بفقير: قانون المسطرة المدنية والعمل القضائي المغربي، مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء، طبعة 1 ، سنة 2008، ص: 26
[14] نصت المادة 9 من القانون 01. 00 على تركيبة مجلس الجامعة التي تضم ممثلين عن جسم هيئة التدريس في الجامعة وجسم الموظفين الإداريين والجسم الطلابي.
[15] تصنف أركان القرار الإداري الخمسة إلى صنف المشروعية الخارجية للقرار الإداري( ركن الشكل والمسطرة وركن الاختصاص(، وصنف المشروعية الداخلية ( ركن المحل، ركن السبب وركن الغاية). يراجع في هذا الإطار:
- استاذنا مليكة الصروخ: مشروعية القرارات الإدارية، مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء، سنة 2010، ص: 103 وما يليها.
- M. René Chapus : Droit administratif général, tome 1, 15 édition, Montchrestien, p1023 et s.
[16] يقصد بذلك فتح باب التباري على المنصب، تقديم ملفات الترشيح أمام لجنة التقييم والدراسة التي يجريها مجلس الجامعة.
[17] وهو ما أكدت عليه الحكومة، عند تقديم مشروع القانون التنظيمي رقم 02.12 أمام مجلس المستشارين. يراجع محضر الجلسة رقم 815 بتاريخ 29 ماي 2012.
[18] أتت المادة 2 من القانون التنظيمي القانون التنظيمي رقم 412.212.02 المؤرخ في 11/10/ 2012 على التأكيد على أهمية هذه الضمانات.
[19] وردت هذه المباديء في الكثير من النصوص القانونية، منها:
- البند 8 من الفصل 92 من الدستور؛
- المادة 4 من القانون التنظيمي رقم 212.02 بتاريخ 17 يوليوز 2012؛
- المرسوم رقم 412. 12.02 بتاريخ 11 أكتوبر 20121.
[20] يراجع مؤلف أستاذنا مليكة الصروخ: مرجع سبق ذكره ، ص: 104 وما بعدها.
- M. René Chapus : op cit, p : 1091 et 1092.
[21] هذه القاعدة نجد ما يماثلها في قانون المسطرة الجنائية ( القانون 01 .22 منشور في الجريدة الرسمية عدد 5078 بتاريخ 30 يناير 2003)، حيث تنص المادة 754 منه على أنه: " تبقى إجراءات المسطرة التي انجزت قبل تاريخ تطبيق هذا القانون صحيحة ولا داعي لإعادتها"، كما نصت المادة 753 على التالي: " إذا وقع تغيير في الاختصاص نتيجة تطبيق القانون الجديد، ينقل الملف بقوة القانون وبدون أي إجراء إلى هيئة الحكم أو التحقيق التي أصبحت مختصة".
[22] لم يتضمن الحكم ما يفيد مباشرة المرشح الثالث لمسطرة التدخل الإرادي، وقد وردت الإشارة إلى ذلك في مقال الأستاذ خالد هلال( سبق ذكره) بصدد تعليقه على عدم تجاوب القرار الاستئنافي مع مسطرة التدخل الإرادي المباشرة حسب قول ذ هلال. مع التنويه في هذا المقام إلى وجوب التعامل بحذر قانوني مع التدخل الإرادي في دعوى الإلغاء من زاوية صرامة الأجل القانوني المتصل بها.
[23] M. Nidhoim Attoumane : Conflit de loi dans le temps, la règle de la non-rétroactivité des lois, article publié le 09/06/2010 au site : Comores- droit.
[24] M. Nidhoim Attoumane : art p cit.
[25] للتوسع في هذا المفهوم في النظام القانوني المغربي، يرجع أستاذنا:
M. Mohamed Amine Benabdellah : Le principe de confiance légitime, REMALD, 2011, n°101, p.127 et s.
M. Mohamed Amine Benabdellah : Le principe de confiance légitime, REMALD, 2011, n°101, p.127 et s.
[26] Arrêt du 24 mars 2006, voir :
- M. Sébastien FERRARI : sécurité juridique et droit administratif, commentaire sous Ass, 24 mars 2006, art accessible via la recherche automatique.
- M. fabien Grech : le principe de sécurité juridique dans l’ordre constitutionnel français, étude accessible via la recherche automatique, p : 14.
- Jacqueline MRAND-DEVILLER : Droit administratif : cours, thèmes de réflexions, commentaires d’arrêts avec corrigés, Montchrestien, lexenso, éditions, 12 édition 2011, P : 336, 337 et 338.
- M. Sébastien FERRARI : sécurité juridique et droit administratif, commentaire sous Ass, 24 mars 2006, art accessible via la recherche automatique.
- M. fabien Grech : le principe de sécurité juridique dans l’ordre constitutionnel français, étude accessible via la recherche automatique, p : 14.
- Jacqueline MRAND-DEVILLER : Droit administratif : cours, thèmes de réflexions, commentaires d’arrêts avec corrigés, Montchrestien, lexenso, éditions, 12 édition 2011, P : 336, 337 et 338.
[27] يناظره الفصل 4 من دستور 1996.
[28] M. Mohamed Jalal ESSAID : introduction à l’étude du droit, collection connaissances, 3 édition, 2005 , p : 257.
- M. Mohamed Amine Benabdellah :
** le conseil constitutionnel et le principe de non- rétroactivité des lois, note sous décision n 467-2001 du conseil constitutionnel du 31 décembre 2001, loi de finances 2002 , REMALD 2002, p : 100.
** Principe de non-rétroactivité des actes administratifs et mesures favorables ou défavorables, REMALD, 2010, n° 90-91, p. 75 et s.
- M. Mohamed Amine Benabdellah :
** le conseil constitutionnel et le principe de non- rétroactivité des lois, note sous décision n 467-2001 du conseil constitutionnel du 31 décembre 2001, loi de finances 2002 , REMALD 2002, p : 100.
** Principe de non-rétroactivité des actes administratifs et mesures favorables ou défavorables, REMALD, 2010, n° 90-91, p. 75 et s.
[29] قيلت بمناسبة تقديم الفصل 2 من القانون الفرنسي، يراجع:
M. Closset – Marchal : l’application dans le temps des lois de droit judicaire, Brussel, Bruylant, 1983, p : 9.
M. Closset – Marchal : l’application dans le temps des lois de droit judicaire, Brussel, Bruylant, 1983, p : 9.
[30] ينص الفصل من القانون الأساسي للوظيفة العمومية المؤرخ في 24 فبراير 1958 على التالي: "يمنع كل تعيين أو كل ترق إلى درجة، إذا لم يكن من ذلك شغل منصب شاغر".
[31] يراجع للمزيد من التفاصيل مؤلف أستاذنا محمد بنعبد الله:
- la réparation du préjudice pour la perte d’une chance dans le contentieux des concours et examen, art publié dans l’ouvrage intitulé :" Contribution à la doctrine du droit administratif marocain, n 77 Collection Manuels et Travaux Universitaire, vol 2 , p 221 et s.
يراجع أيضا:
-M. Alice Minet : La perte de chance en droit administratif, L.G.D.J, Lextenso éditions, année 2014, Bibliothèque de droit public.
- la réparation du préjudice pour la perte d’une chance dans le contentieux des concours et examen, art publié dans l’ouvrage intitulé :" Contribution à la doctrine du droit administratif marocain, n 77 Collection Manuels et Travaux Universitaire, vol 2 , p 221 et s.
يراجع أيضا:
-M. Alice Minet : La perte de chance en droit administratif, L.G.D.J, Lextenso éditions, année 2014, Bibliothèque de droit public.
[32] نشأت نظرية التعويض عن تفويت الفرصة في فرنسا في المادة المدنية، ومن الصدف أن القضاء الإداري الفرنسي طبقها أول مرة عن تفويت الفرصة في مجال التعيين أو التسمية في الوظيفة العمومية الفرنسية بشأن موظف فوتت له فرصة الترقية بعدم تقييده في قوائم الترقيات، يراجع في هذا المعنى:
- M. Alice Minet : op. cit, p : 2
- M. Alice Minet : op. cit, p : 2
[33] يسجل في نازلة الحال أنه لم يتم إدخال الوكالة القضائية للمملكة في الدعوى لكونها مندرجة في قضاء الإلغاء، ولم تنتدب للدفاع عن وزارة التعليم العالي.
- [34] M. Jacqueline MRAND-DEVILLER : Droit administratif : cours, thèmes de réflexions, commentaires d’arrêts avec corrigés, Montchrestien, lexenso, éditions, 12 édition 2011, P : 225.