يبدو أننا مازلنا نعيش فصولا جديدة لتفاعل أدبيات الفكر السياسي حول تقسيم السلطات أو فصلها واستقلالها، أو حتى توازنات السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية. وهـو بالمناسبة نقـاش قـديــم ـ جـديـد، ظهرت إرهاصاتـه مع أفلاطون وأرسطو ومونتسكيو في كتابه "روح القـوانيـن"، وهانس كيلسـون ونوبيرطو بوبيو وغيرهم من منظرين وحقوقيين وفلاسفـة، ساهموا في إغناء النقاش وأيضا في تحصين مبدأ فصل السلطات بـرفعـه إلى ضمانة للديمقراطية وللحرية، وإلى التنصيص عليه في جل الدساتير الكونية، بل جعلوا منه الفيْصل بيـن المنظمة الدكتاتورية والديمقراطية...
ولأن مبدأ فيصل السلطـات هو خـارج كل تأويل انفعالي أو مصادرة فكرية، فإننا نعيـش بين الفينة والأخرى شرارات الاصطدام أو التجاوز البعيد عن منطـق التوازن والتعاون بين السلطات الثلاث...
لقد كان اصطدام الرئيس الأمريكي ترامب بالقضاة الفيدراليين الأمريكيين بمناسبة طعنهم في قانونية وفي دستورية المرسوم الرئاسي ليوم 27 يناير، والخاص بمنع دخول مواطنين من 7 دولة ذات أغلبية مسلمة، إحدى شرارات الصراع وتجاوز الاختصاصات بين سُـلطتيْ التنفيذ والقضاء.
ويبدو أن كفة الصراع مالت لصالح السلطة القضائية، وهو ما جعل الرئيس يلوح بإصدار أمر تنفيذي جديد يدخل حيز التنفيذ يوم 16 مارس الجاري، بعد القيام بتعديلات مهمة، منها حذف دولة العـراق من لائحة الدول الممنوعة، باعتباره حليفا أساسيا للقضاء على "داعش"، والتأكيد أن المرسوم الرئاسي الجديد ليس له أثر رجعي، بمعنى أنه لن يسري على المهاجرين المقيمين بصفة قانونية أو المتوفرين على تأشيرات قبل صدور المرسوم الرئاسي. لكن حتى النسخـة الثانية لم تسلم من انتقادات بعض القضاة الفيدراليين، كقضاة هـواي مثلا، الذين لوحوا بعدم دستورية الأمر التنفيذي الرئاسي الجـديـد!
لقد حدثت حالة من التشنج بمجـرد طعـن القضاة الفيدراليين الأمريكيين (السلطة القضائية) في قانونية الأمر الرئاسي لترامب في يناير 2017، وهي حالة دفعت الأخير إلى وصف القضاء بـ"المُسيس"، واستنفر كـل مستشاريه من أجل الرد على القضاة بإصدار مرسوم جديد، في تحد شخصي يتجاوز خطوط التعاون بين السلطات؛ وكأن الأمر يتعلق بتسيير مجلس إدارة إحدى شركاته، وليس بدولة لها أعـراف وقـوانين؛ وهــو ما نبهت إليه السـيدة سـالي ييتس، القائمة بأعمال وزيـر العـدل، بـتشكيكها في قانونية الأمر التنفيذي للرئيس، ما دفعه إلى إقالتها من منصبها يوم 31 يناير 2017!
إن إصدار مرسوم ثان يُعدل من مضمون الأول، يعني أن ترامب خسـر جولة الصراع أمام السلطة القضائية، بل انسحب من درجات التقاضي بعـدم ذهابه إلى محكمة النقض؛ كما تضمن رسالة مهمة له مفادها أن قراراته ليست خارجة عن رقابة وعيون القضاة الأمريكيين، وتضمنت أيضا تأكيدا لقوة السلطة القضائية بأمريكا، وأنها رحى توازن السلطات وضمانة للحرية وللديمقراطية.
الصراع والتشنج نفسه عاشه فرانسوا فيون، مرشح الحزب اليميني في رئاسيات فرنسا 2017؛ فبعد الاستماع إليه من طرف القضاة في قضية "الوظائف الوهمية" الخاصة بزوجته وأبنائه، فقد الكثير من وزنه السياسي وضاعت حظوظه بالمرور إلى الجولة الثانية في ماي المقبل، بعد أن كان قريبا جدا من قصر الإيليزي؛ وهو أيضا وصف القضاء بـ"المُـسيس" بعد أن قلص الأخير من طموحه السياسي وسحب البساط من تحت قدميْه!
ولم تنج مارين لوبان، المرشحة القوية عن حزب الجبهة الوطنية، من تداعيات استدعائها للتحقيق من طرف القضاة الفرنسيين، واعتبرت أن توقيت الاستدعاء، الذي يتزامن مع الحملة الانتخابية للرئاسيات في أبـريـل 2017، مقصود و"مُـسيس".
لقد انتهت العديد من حالات التجاذب والصراع "الخفي"، خاصة بين السلطة القضائية والسلطة التنفيذية، بالإطاحة برموز ورجالات اعتقدوا أنهم خارج المساءلة القضائية، وأن مراكزهم السياسية والوظيفية مانعة لولوجهـم لقاعات الاستماع والمحكمات الفرنسية. وفي أكثر من مناسبة أبانت السلطات القضائية عن دورها في ضمان التوازن بين السلطات، وأنها ضمانة للحرية والديمقراطية بفرنسا.
وغيـر بعيـد عـن فـرنـسـا، شكـل قرار محكمة العدل العليا بلندن يوم 3 نونبر 2016 صدمة لحكومة تيريزا ماي، وأدخلها في سجالات قانونية وفقهية مع السلطة القضائية البريطانية التي استجابت لطلب طعـن تقدم به مجموعة مواطنين بريطانيين، وفي مقدمتهم السـيدة "جين ميلر". وقد تضمن قرار محكمة العدل العليا بلندن أن الحكومة لا يُمكنها البدء في تفعيل الفصل 50 دون مصادقة البرلمان البريطاني أولا على نتائج الاستفتاء الشعبي ليوم 23 يونيو 2016، الخاص بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؛ وهـو صراع مال لصالح السلطة القضائية.. لذلك نلاحظ اليوم وجود تنسيق بين حكومة تيريزا ماي والبرلمان البريطاني في مسألة "البريكسيت".
إن فصل السلطات وتوازنها شكل في أكثر من حدث سياسي أو قانوني حالة لتمرين ديمقراطي وصورة عن صراع أزلي حول استقلالية السلطات، وأن مراقبة قانونية ودستورية القرارات من اختصاص مؤسسات القضاء وعبر درجات التقاضي.. كما يبرز أن المطلوب ليس تنازع الاختصاصات بين السلطات الثلاث، بل تكاملها حتى نضمن الحرية والديمقراطية… لكن ماذا عن استفتاء تركيا في أبـريـل 2017، والخاص بتعديل دستوري يتضمن إضافة اختصاصات قضائية لمؤسسة رئيس الجمهورية؟!
ولأن مبدأ فيصل السلطـات هو خـارج كل تأويل انفعالي أو مصادرة فكرية، فإننا نعيـش بين الفينة والأخرى شرارات الاصطدام أو التجاوز البعيد عن منطـق التوازن والتعاون بين السلطات الثلاث...
لقد كان اصطدام الرئيس الأمريكي ترامب بالقضاة الفيدراليين الأمريكيين بمناسبة طعنهم في قانونية وفي دستورية المرسوم الرئاسي ليوم 27 يناير، والخاص بمنع دخول مواطنين من 7 دولة ذات أغلبية مسلمة، إحدى شرارات الصراع وتجاوز الاختصاصات بين سُـلطتيْ التنفيذ والقضاء.
ويبدو أن كفة الصراع مالت لصالح السلطة القضائية، وهو ما جعل الرئيس يلوح بإصدار أمر تنفيذي جديد يدخل حيز التنفيذ يوم 16 مارس الجاري، بعد القيام بتعديلات مهمة، منها حذف دولة العـراق من لائحة الدول الممنوعة، باعتباره حليفا أساسيا للقضاء على "داعش"، والتأكيد أن المرسوم الرئاسي الجديد ليس له أثر رجعي، بمعنى أنه لن يسري على المهاجرين المقيمين بصفة قانونية أو المتوفرين على تأشيرات قبل صدور المرسوم الرئاسي. لكن حتى النسخـة الثانية لم تسلم من انتقادات بعض القضاة الفيدراليين، كقضاة هـواي مثلا، الذين لوحوا بعدم دستورية الأمر التنفيذي الرئاسي الجـديـد!
لقد حدثت حالة من التشنج بمجـرد طعـن القضاة الفيدراليين الأمريكيين (السلطة القضائية) في قانونية الأمر الرئاسي لترامب في يناير 2017، وهي حالة دفعت الأخير إلى وصف القضاء بـ"المُسيس"، واستنفر كـل مستشاريه من أجل الرد على القضاة بإصدار مرسوم جديد، في تحد شخصي يتجاوز خطوط التعاون بين السلطات؛ وكأن الأمر يتعلق بتسيير مجلس إدارة إحدى شركاته، وليس بدولة لها أعـراف وقـوانين؛ وهــو ما نبهت إليه السـيدة سـالي ييتس، القائمة بأعمال وزيـر العـدل، بـتشكيكها في قانونية الأمر التنفيذي للرئيس، ما دفعه إلى إقالتها من منصبها يوم 31 يناير 2017!
إن إصدار مرسوم ثان يُعدل من مضمون الأول، يعني أن ترامب خسـر جولة الصراع أمام السلطة القضائية، بل انسحب من درجات التقاضي بعـدم ذهابه إلى محكمة النقض؛ كما تضمن رسالة مهمة له مفادها أن قراراته ليست خارجة عن رقابة وعيون القضاة الأمريكيين، وتضمنت أيضا تأكيدا لقوة السلطة القضائية بأمريكا، وأنها رحى توازن السلطات وضمانة للحرية وللديمقراطية.
الصراع والتشنج نفسه عاشه فرانسوا فيون، مرشح الحزب اليميني في رئاسيات فرنسا 2017؛ فبعد الاستماع إليه من طرف القضاة في قضية "الوظائف الوهمية" الخاصة بزوجته وأبنائه، فقد الكثير من وزنه السياسي وضاعت حظوظه بالمرور إلى الجولة الثانية في ماي المقبل، بعد أن كان قريبا جدا من قصر الإيليزي؛ وهو أيضا وصف القضاء بـ"المُـسيس" بعد أن قلص الأخير من طموحه السياسي وسحب البساط من تحت قدميْه!
ولم تنج مارين لوبان، المرشحة القوية عن حزب الجبهة الوطنية، من تداعيات استدعائها للتحقيق من طرف القضاة الفرنسيين، واعتبرت أن توقيت الاستدعاء، الذي يتزامن مع الحملة الانتخابية للرئاسيات في أبـريـل 2017، مقصود و"مُـسيس".
لقد انتهت العديد من حالات التجاذب والصراع "الخفي"، خاصة بين السلطة القضائية والسلطة التنفيذية، بالإطاحة برموز ورجالات اعتقدوا أنهم خارج المساءلة القضائية، وأن مراكزهم السياسية والوظيفية مانعة لولوجهـم لقاعات الاستماع والمحكمات الفرنسية. وفي أكثر من مناسبة أبانت السلطات القضائية عن دورها في ضمان التوازن بين السلطات، وأنها ضمانة للحرية والديمقراطية بفرنسا.
وغيـر بعيـد عـن فـرنـسـا، شكـل قرار محكمة العدل العليا بلندن يوم 3 نونبر 2016 صدمة لحكومة تيريزا ماي، وأدخلها في سجالات قانونية وفقهية مع السلطة القضائية البريطانية التي استجابت لطلب طعـن تقدم به مجموعة مواطنين بريطانيين، وفي مقدمتهم السـيدة "جين ميلر". وقد تضمن قرار محكمة العدل العليا بلندن أن الحكومة لا يُمكنها البدء في تفعيل الفصل 50 دون مصادقة البرلمان البريطاني أولا على نتائج الاستفتاء الشعبي ليوم 23 يونيو 2016، الخاص بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؛ وهـو صراع مال لصالح السلطة القضائية.. لذلك نلاحظ اليوم وجود تنسيق بين حكومة تيريزا ماي والبرلمان البريطاني في مسألة "البريكسيت".
إن فصل السلطات وتوازنها شكل في أكثر من حدث سياسي أو قانوني حالة لتمرين ديمقراطي وصورة عن صراع أزلي حول استقلالية السلطات، وأن مراقبة قانونية ودستورية القرارات من اختصاص مؤسسات القضاء وعبر درجات التقاضي.. كما يبرز أن المطلوب ليس تنازع الاختصاصات بين السلطات الثلاث، بل تكاملها حتى نضمن الحرية والديمقراطية… لكن ماذا عن استفتاء تركيا في أبـريـل 2017، والخاص بتعديل دستوري يتضمن إضافة اختصاصات قضائية لمؤسسة رئيس الجمهورية؟!