MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




في آسيا: توقيف جماعي للقضاة لكونهم إنقلابيين، أم لكونهم أصحاب رأي؟

     

بقلم :
إدريس فــجـــــر
دكتور في الحقوق



في  آسيا: توقيف  جماعي  للقضاة  لكونهم إنقلابيين، أم لكونهم  أصحاب رأي؟


وأنا أطالــع   المقــــال  المفيد جـــدا  للأستاذة  حجيبــة   البــخاري،   حول "  المسطرة التأديبية للقضاة وضمانات المحاكمة العادلة  "  المنشور بأحد المواقع الالكترونية   ،  ربطت بينه  وبين فشل الانقلاب  العسكري  بإحدى الدول الإسلامية  و  الأسيوية  وانعكاساته  التراجيدية   على السلطة القضائية بهذا البلد ،


 هذا  الفشــــل الذريع  لطغمــــة  عسكرية   متهــــورة  ، غير محترفة    ،  يقابلــــه   تمكن  الحزب   "  الحاكم  "   لزعيمه  السيد  الرئيس الطيب  ... في  هذا البلد  طيلة 14 سنة خلت   مــــن تحقيق  النجاحات التالية   ومفاتيحها  هي   :


1- نجاحات اقتصادية  قياسية      ،  وهذا ليس بشيء جديد على هذا البلد الأسيوي النشيط  إقتصاديا واجتماعيا    ،  و الذي    لا يعرف  شعبه شيئا  إسمه  الكسل  و  يعمل بحيوية ونشاط  وله قدرة كبيرة على العمل  الشاق     ،    حتى أصبح  يضرب به المثل التالي   :
(( إنه  يعمل مثل الأتراك   :  il travaille  comme un TURC ))

2- نجاح   الحزب ((  الحاكم     )) في تأثيث نظام الدولة بحاضنة شعبية مستعدة للدفاع عنه وبصدور عارية تواجه بها البنادق والرشاشات  و  الدبابات الانقلابية   ،   كما فعل ذات   يوم  زعيم روسي اسمه  "   بوريس  يلتسن   "  ... وبالضبط   يوم 22 غشت 1991

3- نجاح حزب السيد  الرئيس  الطيب    ...  منذ توليه الحكم  من زرع نخبة إدارية في مفاصل الدولة الحساسة تؤازره  وتتعاون معه  أو تقدم  له  على الأقل  خدمة  سرية   بسيطة  و ناجعة  عند اللزوم  ، وبالمناسبة  فالحزب  في أي نظام سياسي  دستوري  كالأصل التجاري  ينجح   دائما في تسويق أفكاره  و منتوجه طالما  أنه هناك   حد أدنى من الشروط : مقاول شاطر  ،  دراسة جدوى  صائبة  ، محل تجاري ، واسم تجاري  ، وزبائن   ،  
يتلقون منتوجا  جيدا  ، وبأسعار مناسبة  ،  ويصاب الحزب أو الأصل التجاري بالوهن كلما تراجع   أو  ضعف  فكره  أو  منتوجه  ، وهذا موضوع  آخر  ، المهم أن  " المنتوج  السياسي   "  الذي  يقدمه حتى الآن السيد الرئيس الطيب ... لا زال  يحظى بالإقبال  عليه   داخليا ،  وبالاهتمام خارجيا .
و  لهذا  ابتهج العالم الحر والديمقراطي والمؤمن بمبادئ  حقوق الإنسان  لانتصار المبادئ الديمقراطية   والدستورية  في هذا البلد الفتي " ديمقراطيا " أنهكته الانقلابات العسكرية   حتى عهد  قريب  ، وكأن المجتمع الدولي  ممثلا بمجلس الأمن  بالأمم المتحدة  يوجه  من خلال هذا الحدث  رسالة قوية  مفادها  انه لا تغيير  ولا   إنقلاب  في النظم  السياسية  إلا عبر صناديق الاقتراع  والانتخابات  الحرة والنزيهة 

لكن هذا البلد   بما  انه   " ديمقراطي "   فــــالمفروض فيه أن يحمي  القضاة  و يضمن استقلال القضاء  باعتباره احد الأركان الأساسية في كل بناء ديمقراطي  ، ولهذا استغربت  الأوساط  الصحافية   والسياسية  الأجنبية  توقيف  2745 قاض  دفعة واحدة    من أصل حوالي  15000  قاض    بهذا البلد  -   أي   حوالي خمس    القضاة      -     وخلال 24 ساعة ما بين 15/7/2016و16/7/2016  ،  وهل هذه النسبة ( أي  خمس    القضاة   )    لن تشل   حركة  الآلة القضائية   بهذا البلد    بعد توقيفهم  عن العمل ؟فهل هذا التوقيف  الجماعي للقضاة له علاقة بالانقلاب  ؟  وهل هؤلاء القضاة  إنقلابيون  بالهوى   ،    أم لهم إصرار  وترصد على   الإنقلاب ،  وهو  أمر مخالف للقانون طبعا  في كلتا الحالتين  ؟  ذلك  أن القضاة في كل دول العالم  محرم عليهم الاقتراب من السياسة  أو مغازلة  السياسيين  و إلا جاز فصلهم  و توقيفهم مؤقتا  فرادى وجماعات   كما حصل في هذا
البلد   ،  وهل الحجج   المرفوعة  ضدهم  تعد  كافية لتوقيفهم   و  لإدانتهم مهنيا ومن ثم فصلهم  وفقا للنظام القانوني  في  هذا البلد ؟

وبحسب  بعض المنابر الإعلامية      ((   فإن السلطات لم تلق القبض فقط على المتعاونين مع الانقلاب ، بل أيضا على من ينتقدون  معالي   الرئيس   ...    ،   ممن لا علاقة لهم بالانقلاب   ... )) ، لن نستبق الأحداث    ، وربما التحقيق سيسلط المزيد من الأضواء  والحقائق     على توقيف القضاة بالجملة   حتى لا يقع الخلط بين تمتع    القاضي بحرية في التعبير   ،  وبين  ممارسته للنشاط السياسي أو النقابي المحظور عليه قانونا   ،    ومن ثم الإخلال بالالتزام  بواجب التحفظ  المفروض عليه  ، و إلا سنكون   أمام مشهد من  مشاهد  مطاردة الساحرات   وتصفية الحسابات   والرغبة في الانتقام     ،   ولكن التحقيق  النزيه  المنتظر هو الذي سيكشف عن كل  هذه الأشياء   ،  وبالأخص عن مدى ضلوع   هؤلاء القضاة في المحاولة  الانقلابية الفاشلة .

ولكن بالرغم من كل   ذلك يبقى  أمر توقيف  2745 قاض  دفعة واحدة   مثيرا للانتباه   و مؤشر على أن  الخلل لا يوجد في شخص القاضي أو القضاة الموقوفين  جماعيا بل الأزمة تطال  أيضا  مؤسسة وبنية القضاء  في هذا البلد  ، لأن الأمر لا يتعلق فقط بجماعة صغيرة من القضاة  تتواطأ  مع الانقلابيين  ، ولكن بفيلق  كبير  من القضاة  وفي  مقدمتهم كبار القضاة  في المحكمة الدستورية  والمحكمة الإدارية  والنيابة العامة    وغيرهم  ، فكيف آلت الأمور إلى هذا المــــآل   ؟  وهل  البلد سيعرف  تطهيرا قضائيا واسعا كما  لاحظ  ذلك بعض المتتبعين الأجانب  الذين  يقولون   بأنه   لا زالت الصورة لم تتضح بعد أمامهم  ، فتارة يتحدثون عن توقيف للقضاة   ، وتارة  أخرى يتحدثون   عن فصل جماعي  للقضاة  ، والبعض  الآخر من الملاحظين  كتب عن اعتقال القضاة المتورطين     ؟ فهل كل هذه الأحداث القضائية وقعت في ساعات قليلة  ، وفي ضوء أية ضمانات   ؟ ولهذا يرى أحد قادة الاتحاد الأوربي السيد جوهانس  هاهـــن  بان لائحة القضاة المغضوب علهم ربما كانت جاهزة حتى قبل الانقلاب ((جريدة  لوفيكارو  ، 18/7/2016  ))

وربطا لكل هذا بمقال الأستاذة  حجيبة   حول "  المسطرة التأديبية للقضاة وضمانات المحاكمة العادلة  " المشار إليه  ،   أقول بان  إيقاف  و  فصل القضاة بالجملة وفي  24 ساعة لا يستساغ    عمليا  في النظام   القانوني المغربي  الذي تلخص مسطرته التأديبية للقضاة  من الناحية العملية والقانونية فيما يلي  :

1- الخطأ المهني   غير الجنائي     :    يرتكبه القاضي   و   يستوجب مساءلته  ،  والخطأ   إما جسيم أو غير جسيم  
2-  الأجهزة المختصة  :   تعد   مذكرة  حول الموضوع وترفعها للسيد الوزير  لاتخاذ ما يراه مناسبا 
3- السيد الوزير  :  إما يقرر حفظ الملف  ، أو  يأمر  بفتح بحث أو تحقيق وهو ما يتم في الغالب 
4- المفتشية العامة  : تباشر البحث والتحقيق بالاستماع  إلى القاضي  و أطراف أخرى  ، وجمع أدلة الإثبات إن وجدت 
5-  المفتشية العامة  : تعد تقريرا بعد انتهاء  التفتيش وترفعه إلى السيد الوزير الذي يقرر حفظ الملف  ، أو  يأمر  بمتابعة  القاضي أمام المجلس التأديبي  ، وبتوقيفه عن العمل إن كانت الأخطاء المرتكبة فادحة 
6-   تعيين مقرر    :   وهو إما وكيل عام محكمة استئناف في الغالب   ،    أو رئيس أول محكمة استئناف  ، يطرح أسئلة دقيقة  ويتلقى أجوبة  من القاضي المتابع  ، ويحرر تقريرا في الموضوع يضمنه نظريته  و  يضعه بالملف  ،  ويقدمه شفاهيا للمجلس التأديبي 
7-  المحاكمة التأديبية  :  أمام المجلس التأديبي يستدعى لها القاضي المتابع  ويمكن من الدفاع عن نفسه 

وهذه المسطرة   التأديبية  قد تستغرق      عادة   ،   وفي المتوسط ما بين 3 أو 4  أشهر إلى  12  شهرا    
إن النظام القانوني التأديبي   القديم    للقضاة    ((   رغم    ما كان يقال عنه   لاسيما فيما يخص تفريد العقوبة التأديبية   ))    ومن خلال المحطات السبع التي  يجب أن يمر   بها حتما   فهو  يضمن للقاضي  من الناحية الإجرائية  أو المسطرية  شيئين   أساسيين  إثنين   وهمـــــا  :

1-  التحقيق مع القاضي  وجمع الأدلة ضده 
2-  تمكين القاضي من الدفاع عن نفسه  أمام المجلس التأديبي 
ولهذا لا أتصور إيقاف القضاة   أو فصلهم بالجملة   في القانون المغربي  الذي رفع  عاليا   من سقف الضمانات  التأديبية  للقضاة   بفضل دستور 2011  ،  وظهير 24مارس 2016 المتعلق  بالقانون التنظيمي  المنظم للمجلس الأعلى للسلطة القضائية  مقارنة بالنظام القانوني السابق( ظهير 11/11/1974))


***

إن البلد  الذي هزته محاولة انقلابية فاشلة    -  لحسن الحظ  -   ويسعى إلى دخول الاتحاد الأوربي من أوسع أبوابه  وهو الاقتصاد والمال  و الاستثمار  ،  عليه ألا ينسى بوابة  الديمقراطية  واستقلال القضاء الذي تحرص عليه أوروبا الغربية اشد الحرص   ، فهذه البوابة يحرسها حارس أمين  لا يلجها  إلا من تتوافر فيه شروط  القيم الأوربية  ومعايير الديمقراطية  وحقوق الإنسان واستقلال القضاء   كما وردت في ميثاق أوروبا لحقوق الإنسان  والذي تسهر على تطبيقه  المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان  ، و لا تعترف   أوروبا  بالأزمات السياسية او الأمنية  مبررا  لإغلاق  بوابة  الديمقراطية  واستقلال القضاء ، ولهذا السبب قالت السيد  فريديريكا موغريني  المسؤولة على السياسة  الخارجية  بالاتحاد الأوربي   : ((لا  تتخذوا  إجراءات ضد الدستور   ،  ولا ذريعة لهذا البلد  في الابتعاد عن  نظام دولة القانون  ))      "   جريدة لوفيكارو  ، 18/7/2016     "
ونحن واثقون أن هذا البلد  الذي نمى قدراته  الاقتصادية والاجتماعية  بشكل ملفت للانتباه  في السنوات الأخيرة    ،  سيعرف بذكائه   -   المعروف به تاريخيا   -  وحضارته وتراثه    كيف يتجاوز أزمته السياسية والقضائية  ،  ولن يبتعد كثيرا عن  نظام دولة   الحق و القانون  ،   كما طالبت بذلك السيدة   فريديريكا موغريني   ،    فالمسالة مسالة  وقت  .



الاثنين 18 يوليوز 2016
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter