مقدمة
لقد شكل القانون التنظيمي الجديد المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية (1) تحولا تاريخيا في مغرب ما بعد دستور 2011 (2)، حيث تم تعزيز المشهد الديمقراطي ببلادنا عن طريق تعزيز المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة.
طبقا لأحكام الفصل 135 الفقرة الثالثة من الدستور المغربي لسنة 2011 : « تنتخب مجالس الجهات والجماعات بالاقتراع العام المباشر »
كما نصت الفقرة الأولى من الفصل 146 من الدستور المغربي لسنة 2011 : « تحدد بقانون تنظيمي بصفة خاصة :
شروط تدبير الجهات والجماعات الترابية الأخرى لشؤونها بكيفية ديمقراطية، وعدد أعضاء مجالسها، والقواعد المتعلقة بأهلية الترشيح، وحالات التنافي، وحالات منع الجمع بين الانتدابات، وكذا النظام الانتخابي، وأحكام تحسين تمثيلية النساء داخل المجالس المذكورة...».
إن هذا النص الجديد قد حقق قفزة نوعية في مجال تعزيز اللامركزية بالمغرب حيث نص لأول مرة في مادته 78 على : « ينتخب أعضاء مجالس الجهات بالاقتراع العام المباشر عن طريق الاقتراع باللائحة وبالتمثيل النسبي على أساس قاعدة أكبر بقية ودون طريقة مزج الأصوات والتصويت التفاضلي.
غير أن الانتخاب يباشر بالاقتراع الفردي بالأغلبية النسبية في دورة واحدة إذا كان الأمر يتعلق بانتخاب عضوا واحد في إطار دائرة واحدة ».
كما تم التنصيص في المادة 77 على تمثيلية النساء في المرسوم المتخذ باقتراح من وزير الداخلية في تحديد عدد الأعضاء الواجب انتخابهم في مجلس كل جهة وتوزيع عدد المقاعد على العمالات والأقاليم وعمالات المقاطعات المكونة لكل جهة من خلال ما يلي أن : « يمثل عدد مقاعد الدائرة الانتخابية المخصصة للنساء في كل عمالة أو إقليم أو عمالة مقاطعات على الأقل ثلث عدد المقاعد المخصصة للعمالة أو الإقليم أو عمالة المقاطعات المعنية برسم مجلس الجهة ».
كما تم سن عقوبات زجرية في مجال المخالفات المرتبكة بمناسبة الحملة الانتخابية والعمليات الانتخابية حيث تم التنصيص في الباب الثاني من الجزء الرابع على عقوبات تصل إلى الحبس لمدة أقصاها عشر سنوات وغرامة مالية أقصاها 100.000 درهم، وتتضاعف العقوبة إذا كان مرتكب المخالفة موظفا عموميا أو مأمورا من مأموري الإدارة أو جماعة ترابية، وكذلك الحرمان من التصويت لمدة سنتين ومن حق الترشح للانتخابات لفترتين انتدابيتين متتاليتين.
بالإضافة إلى جعل بطاقة التعريف الوطنية هي الوثيقة المستعملة في يوم الاقتراع بدل بطاقة الناخب تسهيلا للإجراءات المتعلقة بالتصويت، وكذا إمكانية التصويت بالوكالة لناخب مقيم خارج تراب المملكة...
إن تبني نظام معاصر وعام للامركزية هو من إن إبداع المغرب المستقل، فالنصوص الأولى المحددة لهذا التنظيم الجماعي بعد الاستقلال (3) هي ظهير 1 شتنبر 1959 بشأن انتخاب المجالس الجماعية (4) كما وقع تغييره وتتميمه الذي كرس لأول مرة قاعدة انتخاب أعضاء المجالس الجماعية لمدة ست سنوات بالاقتراع الأحادي بالاسمي بالأغلبية النسبية ثم ظهير 2 دجنبر 1959 كما تم تغييره وتتميمه (5) المتعلق بإحداث ورسم الحدود الترابية للجماعات. وتطورت التجربة في هذا المجال فيما بعد بمرسوم 30 يونيو 1992 (6)، واستمر التطور بمرسوم 31 ماي 1996 (7)، ومرسوم 31 دجنبر 1998 الذي وقع تتميمه بمرسوم 25 مارس 2003 بعد دخول نظام المقاطعات، المحدث بالميثاق الجماعي لسنة 2002، حيز التطبيق (8).
ويمكن إجمال مختلف تعديلات التقسيم الجماعي في ثلاثة اتجاهات، ميز كل منها مرحلة معينة من مراحل تطور مسلسل اللامركزية بالمملكة :
مرحلة التأسيس للفعل الجماعي وإرساء أسس اللامركزية، التي انطلقت سنة 1959 بأول تجربة في هذا المجال ؛
مرحلة ترسيخ الفعل الجماعي وتعزيز مكتسبات اللامركزية بالإصلاحات الجوهرية التي عرفتها سنة 1976 ؛
مرحلة تطوير الفعل الجماعي والارتقاء باللامركزية، كما يتجلى ذلك من خلال إصلاحات سنة 2002 (9).
إن دراسة المقتضيات الجديدة للقانون التنظيمي الجديد المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية تمثل فرصة مهمة للوقوف على مستجدات هذا القانون التنظيمي، وكذا لتقييم مستجداته في ميدان تعزيز الديمقراطية المحلية والحكامة الترابية.
وتبعا لذلك فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو ماهو الجديد الذي جاء به القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية وكيف يمكننا تقييم مستجدات هذا القانون التنظيمي ؟ وتتفرع عن هذه الإشكالية أسئلة فرعية :
كيف ساهم القانون التنظيمي الجديد في تدعيم الديمقراطية المحلية ؛
ماهي الوسائل الزجرية التي تم سنها في مجال محاربة المخالفات المرتبكة أثناء الحملة الانتخابية ؛
أي تقييم يمكننا تبنيه لمقتضيات هذا القانون التنظيمي الجديد.
ومما سبق، فقد تقرر تناول هذا القانون التنظيمي الجديد وفق المبحثين الآتيتين :
المبحث الأول : مستجدات القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية ؛
المبحث الثاني : تقييم مستجدات القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية
.
المبحث الأول
مستجدات القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية
إن مغرب اليوم، بعد أن تراكمت لديه التجارب والنتائج الأولى للديمقراطية واللامركزية، قد بلغ مستوى من النضج يؤهله لولوج مرحلة جدية لترسيخ الديمقراطية المحلية التي ستوظفها الجهوية لخدمة الازدهار الاقتصادي والاجتماعي. وهكذا فإن الجهة تبدو إطارا ملائما وحلقة رئيسية قادرة على إتمام الصرح المؤسساتي للمملكة باعتبار أن الجهة تبدع هيئة جديدة ستمكن ممثلي السكان من التداول في إطارها، بكيفية ديمقراطية، من خلال منتخبيهم في الجماعات الترابية والهيئات الاجتماعية المهنية، في شأن مطامح ومشاريع جهاتهم وبالتالي إعطاء الانطلاقة لديناميكية متميزة للمنافسة والتنمية الجهوية المندمجة (10).
تبعا لهذه المعطيات، ارتأينا تناول هذا المبحث وفق المطلبين الآتيين : تكريس الديمقراطية المحلية (المطلب الأول)، ومحاربة كل أشكال الفساد والرشوة (المطلب الثاني).
المطلب الأول : تكريس الديمقراطية المحلية
يلاحظ أن موضوع اللامركزية عامة وفكرة الجهوية خاصة، حظيت من لدن رائد العهد الجديد جلالة الملك محمد السادس باهتمام جد بالغ، فمنذ خطاب العرش لسنة 2001 الذي جاء فيه : « ...مولين عناية قصوى في هذا المجال للجهة والجهوية التي نعتبرها خيارا استراتيجيا وليس مجرد بناء نظري... »، وخطاب الذكرى السادسة والعشرين لانطلاق المسيرة الخضراء الذي ورد فيه : « ...إننا عازمون على توطيد الجهوية بمنظور للتنمية الجهوية المتوازنة... »، مرورا بخطاب العرش لسنة 2007 حيث قال جلالة الملك : « وفي هذا الصدد نؤكد من جديد توجهنا الراسخ لإقامة جهوية متدرجة ومتطورة »، وانتهاء بالخطابين الملكيين بمناسبة الذكرى 33 للمسيرة الخضراء، وحدث تنصيب اللجنة الاستشارية للجهوية اللذان يعدان مرجعية أساسية في تحديد الرؤية الملكية لمشروع الجهوية المتقدمة (11).
إذن فالخطب الملكية حول الجهوية الموسعة المرتقبة ليست بينها قطيعة إبستمولوجية أو منهجية بل هناك تكرار لنفس العبارات (12
تأسيسا على ما سبق، فقد جاء القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية بمجموعة من الآليات القانونية في مجال تدعيم الديمقراطية المحلية من خلال ما يلي :
انتخاب أعضاء مجالس الجهات بالاقتراع العام المباشر عن طريق الاقتراع باللائحة وبالتمثيل النسبي على أساس قاعدة أكبر بقية ودون استعمال طريقة مزج الأصوات والتصويت التفاضلي.
غير أن الانتخاب يباشر بالاقتراع الفردي بالأغلبية النسبية في دورة واحدة إذا كان الأمر يتعلق بانتخاب عضو واحد في إطار دائرة انتخابية واحدة ( المادة 78 من القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية ) ؛
تخصيص إحدى الدائرتين الانتخابيتين للنساء، ولا يحول ذلك دون حقهن في الترشح في الدائرة الانتخابية الأخرى ( المادة 76 الفقرة الثالثة من القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية ) ؛
إمكانية تقديم الترشيحات لانتخابات أعضاء مجالس الجهات ومجالس العمالات والأقاليم ومجالس الجماعات والمقاطعات من طرف المغاربة المقيمين بالخارج ( المادة 5 الفقرة الأولى من القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية ) ؛
جواز التصويت في الاقتراع عن طريق الوكالة للناخبين والناخبات المقيدين في اللوائح الانتخابية العامة المقيمين خارج تراب المملكة ( المادة 12 من القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية )...
إضافة إلى تعزيز الديمقراطية المحلية، فقد كرس القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية عقوبات زجرية في مجال المخالفات المرتكبة أثناء الحملة الانتخابية من أجل محاربة كل الفساد والرشوة التي تطبع سير العملية الانتخابية.
المطلب الثاني : محاربة الفساد والرشوة
ما انفكت المملكة المغربية منذ خطواتها الأولى على طريق بناء الدولة الوطنية المستقلة، تعمد إلى اتخاذ كل الإجراءات التي ترى أن من شأنها أن تساهم في تخليق العامة، وتعزيز آليات الوقاية من الفساد ومحاربته، وذلك وعيا منها لهذه الآفة من تأثير ضار على السياسات التنموية على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية.
وفي هذا السياق تدخل التدابير الساعية إلى توطيد قيم النزاهة والشفافية في تدبير الشأن العام
يرتكز المسلسل الانتخابي على مبدأ المساواة في جميع مراحله، ولا وجود للمساواة إلا إذا كانت الوسائل التي يحظى بها جميع المترشحين متقاربة. ويعني هذا وجوب استبعاد أن تتوقف حظوظ الفوز في الانتخابات على وفرة الوسائل المالية، والحرص على أن تستعمل تلك الوسائل بشفافية ضمانا لتخليق الحملة الانتخابية، ومن تم تدعيم المؤسسات الديمقراطية المنتخبة
تبعا لذلك، فقد سن المشرع المغربي في القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية مقتضيات قانونية لتخليق الحملة الانتخابية والحد من الظواهر السلبية المرتبطة بانتخابات مجالس الجماعات الترابية من خلال مايلي :
الغرامة من 10.000 إلى 50.000 درهم كل شخص قام بنفسه أو بواسطة غيره في يوم الاقتراع بتوزيع إعلانات أو منشورات انتخابية أو غير ذلك من
الوثائق الانتخابية ( المادة 39 الفقرة الأولى من القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية) ؛
الحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة من 10.000 إلى 50.000 درهم كل موظف عمومي أو مأموري الإدارة أو جماعة ترابية قام أثناء مزاولة عمله بتوزيع برامج المترشحين أو منشوراتهم أو غير ذلك من وثائقهم الانتخابية (المادة 39الفقرة الأخيرة من القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية) ؛
الحبس من سنتين إلى خمس سنوات وغرامة من 50.000 أو 100.000 درهم كل شخص يقوم بتسخير الوسائل أو الأدوات المشار إليها في المادة 37 من هذا القانون التنظيمي ( المادة 44 من القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية ) ؛
تضاعف العقوبة في الأحوال المقررة في المواد 62 إلى 64 أعلاه، إذ كان مرتكب المخالفة موظفا عموميا أو مأمور من مأموري الإدارة أو جماعة ترابية ( المادة 65 من القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية ) ؛
يترتب بقوة القانون على العقوبات الصادرة بموجب المواد من 62 إلى 64 أعلاه الحرمان من التصويت لمدة سنتين ومن حق الترشح للانتخابات لفترتين نيابيتين متتاليتين ( المادة 66 من القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية ) ؛
يجوز الحكم على مرتكب إحدى المخالفات المنصوص عليها في المادة 67 أعلاه بالحرمان من ممارسة حقوقه الوطنية لمدة لا تقل عن سنتين ولا تتعدى خمس سنوات ( المادة 68 من القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية ) ؛
في حالة العود تضاعف العقوبة بالحبس أو السجن و الغرامة المنصوص عليها في هذا الباب.
يعتبر في حالة العود، كل من سبق الحكم عليه من أجل مخالفة لأحكام هذا الباب، بحكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به، ثم ارتكب مخالفة مماثلة قبل مضي خمس سنوات من تاريخ قضاء تلك العقوبة أو تقادمها.
تتقادم الدعوى العمومية والدعوى المدنية المقامتان بموجب المادة 39 وما يليها من المواد إلى غاية المادة 43 والمادتين 45 و 57 بمضي ستة أشهر من يوم إعلان نتيجة الانتخابات ( المادة 69 من القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية )...
بعد استعراض المستجدات التي جاء بها القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية، فإن السؤال الذي يطرح نفسه بعد ذلك أي تقييم يمكنا وضعه لمستجدات هذا القانون التنظيمي ؟
المبحث الثاني
تقييم مستجدات القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية
إن تحليل المقتضيات القانونية للقانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية أبان عن كون هذا الأخير قد حقق قفزة نوعية في مجال تدعيم اللامركزية الترابية ببلادنا وذلك من خلال إرساء دعائم الجهوية المتقدمة المبنية على الأهداف الآتية :
ترسيخ الحكامة المحلية الجيدة ؛
تعزيز القرب من المواطن ؛
تفعيل التنمية الجهوية المندمجة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
إضافة إلى ما سبق، فقد كرس القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية قاعدة المحاسبة كلازمة لممارسة المسؤولية من أجل تخليق الحياة العامة بشكل عام والمحلية بشكل خاص.
مما سلف، فسوف نتناول هذا المبحث وفق المطلبين الآتيين : تعزيز الجهوية المتقدمة ( المطلب الأول)، ربط المسؤولية بالمحاسبة (المطلب الثاني
المطلب الأول : تعزيز الجهوية المتقدمة
لقد شكلت الجهوية المتقدمة مدخلا لإصلاح عميق لهياكل الدولة من خلال السير الحثيث المتدرج على درب اللامركزية واللاتمركز الفعليين النافذين، والديمقراطية المعمقة والتحديث الاجتماعي والسياسي والإداري للبلاد، والحكامة الجيدة
لقد كانت الغاية المنشودة من طرف جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده هي إعلان جهات قائمة الذات وقابلة للاستمرار، من خلال بلورة معايير عقلانية وواقعية، لمنظومة جهوية جديدة
لهذا فقد نصت المادة 78 من القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية على أن انتخاب أعضاء مجالس الجهات يتم بالاقتراع العام المباشر. والغاية من إدراج هذا النمط من الاقتراع هي حث المواطنين على الاهتمام بشؤون جهتهم وجعل المنتخبين مسؤولين مباشرة أمامهم
إضافة إلى ما سلف، فإن الاقتراع العام المباشر سيكون له وقع إيجابي لا محالة في تشكيل وعي وهوية جهويين، وفي هذا الإطار يمكن الاستفادة من التجارب الأجنبية خاصة قانون الجهة في فرنسا من خلال التعديل الذي طرأ عليه بتاريخ 10 يوليوز 1985، حيث أصبح يتشكل من المستشارين الجهويين الذين يتم انتخابهم بالاقتراع العام المباشر (19)، الأمر الذي يبين المنحنى الإيجابي الذي سلكه المشرع في دمقرطة البنية الانتخابية الجهوية
لذلك ولكي تكون الأحزاب المغربية على استعداد لمواجهة التحديات الجهوية، فهي مطالبة لكي تجدد ثقافتها السياسية، و كيفيات استقطابها وتأطيرها للنخب، حتى تضمن انضباطهم وحسن تدبيرهم للشؤون الجهوية، وهذا ما سيساعد على خلق الانسجام الفكري والتنظيمي بين المنتخبين المنتمين إلى حزب معين، وعملهم في إطار إستراتيجية حزبية معدة من قبل لتحقيق التقدم الشامل والدائم
وتكوين المنتخبين هو إكسابهم معارف جديدة تناسب المهام التي يمارسونها داخل المجلس الجهوي، واكتساب مؤهلات في الميادين المختلفة التي يكتشفونها أثناء الممارسة والتي لم يكونوا يعرفونها من قبل، وذلك بالقدر الذي يسمح للمنتخب بحسن إدراك نتائج الاختيارات الإستراتيجية التي يتخذها وفهم اللغة التقنية المستعملة من طرف الموظفين التقنيين المكلفين بالتنفيذ
إذا كانت الجهوية المتقدمة قد حظيت بأهمية بالغة في القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية، فإن ربط المسؤولية بالمحاسبة أصبح قاعدة أساسية في تسيير الشأن المحلي.
المطلب الثاني : ربط المسؤولية بالمحاسبة
استنادا للفقرة الثانية من الفصل الأول من الدستور المغربي لسنة 2011 : « ...يقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلط وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية والتشاركية، وعلى مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة... ».
كما نصت الفقرة الثانية من الفصل الثاني من الدستور المغربي لسنة 2011 : « ...تختار الأمة ممثليها في المؤسسات المنتخبة بالاقتراع الحر والنزيه والمنتظم... ». وكذا الفقرة الأولى من الفصل الحادي عشر من الدستور المغربي لسنة 2011 : « الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة هي أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي... ».
إن مبدأ المسؤولية ينطوي على بعد أخلاقي وبعد قانوني :
يتمثل البعد الأخلاقي في كون الشخص يمارس مسؤولية تجعل منه عضوا من أعضاء المجموعة ؛
أما البعد القانوني فيعني أن المسؤولية تتأسس على دعامتين ملازمتين : واجب الشفافية وضرورة دفع أو تقديم الحسابات.
وهذه المقاربة للمسؤولية أو ممارسة الحكامة تؤدي إلى الوقوف عند ثلاثة نتائج أساسية :
إن أية سلطة يمارسها الحكام والإدارات العمومية والجماعات الترابية تنطوي على مسؤولية الشخص الذي يمارسها أمام ليس فقط أولئك الذين قلدوه هذه المسؤولية مع إمكانية سحبها بل حتى أمام كل شخص يمكن أن يتأثر من ممارسة هذه السلطة في المجتمع أو في محيطها (23) ؛
إن مبدأ المسؤولية فيما يخص المرافق العامة المحلية والوطنية يؤسس في نفس الوقت لترابية المعايير والقواعد وتسلسل في الإخلاص والأمانة ؛
إن مبدأ المسؤولية يتجاوز الحكام والموظفين العموميين والمنتخبين لديهم مختلف الفاعلين الاجتماعين بخصوص احترام وتقدير المجتمع لأن هذا المبدأ يشكل أساس العقد الاجتماعي الضمني والصريح
تعتبر الشفافية خاصية من خصائص الحكامة (25)، وعنصرا من العناصر التي يجب أن يتأسس عليها التدبير الجيد للشأن العام المحلي.
لقد نهجت السلطات العمومية مقاربتين هامتين في مجال إقرار الشفافية و تخليق الحياة العامة، تقوم أولاهما على دعم الإطار القانوني والمؤسساتي، في حين تهم المقاربة الثانية مظاهر التدبير واستعمال الوسائل التكنولوجية الحديثة للإعلام والتواصل.
وتشكل الرسالة التي وجهها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله للمؤتمرين في المناظرة الوطنية حول « دعم أخلاقيات المرفق العمومي » المنعقدة بتاريخ 29 أكتوبر 1999 بالرباط، الانطلاقة الأولى لمسلسل الإصلاحات الإدارية
ويعتبر المفهوم الجديد للسلطة الذي أعلن عنه جلالة الملك محمد السادس نصره الله، في الخطاب الذي ألقاه بالدار البيضاء في 12 أكتوبر 1999 أمام المسؤولين عن الولايات والعمالات والأقاليم حجر الزاوية لكافة الإصلاحات التي شهدتها الحكامة المحلية ببلادنا.
تبعا لما سبق، فقد كرس الدستور المغربي لسنة 2011 بابا كاملا للحكامة الجيدة، حيث تمت دسترة :
تنظيم المرافق العمومية على أساس المساواة بين المواطنات والمواطنين في الولوج إليها، والإنصاف في تغطية التراب الوطني، والاستمرارية في أداء الخدمات ؛
إخضاع تسيير المرافق العمومية لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية والمبادئ والقيم الديمقراطية ؛
إلزام المرافق العمومية بتقديم الحساب عن تدبيرها للأموال العمومية مع خضوعها للمراقبة والتقييم طبقا للقوانين الجاري بها العمل ؛
إلزام كل شخص منتخب أو معين يمارس مسؤولية عمومية، بتقديم تصريح كتابي للممتلكات والأصول التي في حيازته بمجرد تسلمه لمهامه، وخلال ممارستها وعند انتهائها
خاتمة عامة
وخلاصة القول، فالقانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية قد حقق قفزة نوعية في مجال تدعيم اللامركزية الترابية ببلادنا التي عرفت نقلة متقدمة منذ صدور الدستور المغربي لسنة 2011 الذي ترجم الإرادة الملكية السامية لبناء مغرب جديد مبني على ثقافة التعددية والمشاركة والتضامن.
كما ينبغي الإشارة إلى أن القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية نص على قواعد زجرية في مجال المخالفات المرتكبة أثناء الحملة الانتخابية والتي من شأنها وضع حد للممارسات المشينة المرتكبة أثناء الحملات الانتخابية المحلية. هذا إضافة إلى تكريس ربط المسؤولية بالمحاسبة كضمان لحسن تسيير الشؤون المحلية في إطار الحكامة الجيدة.
لقد شكل القانون التنظيمي الجديد المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية (1) تحولا تاريخيا في مغرب ما بعد دستور 2011 (2)، حيث تم تعزيز المشهد الديمقراطي ببلادنا عن طريق تعزيز المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة.
طبقا لأحكام الفصل 135 الفقرة الثالثة من الدستور المغربي لسنة 2011 : « تنتخب مجالس الجهات والجماعات بالاقتراع العام المباشر »
كما نصت الفقرة الأولى من الفصل 146 من الدستور المغربي لسنة 2011 : « تحدد بقانون تنظيمي بصفة خاصة :
شروط تدبير الجهات والجماعات الترابية الأخرى لشؤونها بكيفية ديمقراطية، وعدد أعضاء مجالسها، والقواعد المتعلقة بأهلية الترشيح، وحالات التنافي، وحالات منع الجمع بين الانتدابات، وكذا النظام الانتخابي، وأحكام تحسين تمثيلية النساء داخل المجالس المذكورة...».
إن هذا النص الجديد قد حقق قفزة نوعية في مجال تعزيز اللامركزية بالمغرب حيث نص لأول مرة في مادته 78 على : « ينتخب أعضاء مجالس الجهات بالاقتراع العام المباشر عن طريق الاقتراع باللائحة وبالتمثيل النسبي على أساس قاعدة أكبر بقية ودون طريقة مزج الأصوات والتصويت التفاضلي.
غير أن الانتخاب يباشر بالاقتراع الفردي بالأغلبية النسبية في دورة واحدة إذا كان الأمر يتعلق بانتخاب عضوا واحد في إطار دائرة واحدة ».
كما تم التنصيص في المادة 77 على تمثيلية النساء في المرسوم المتخذ باقتراح من وزير الداخلية في تحديد عدد الأعضاء الواجب انتخابهم في مجلس كل جهة وتوزيع عدد المقاعد على العمالات والأقاليم وعمالات المقاطعات المكونة لكل جهة من خلال ما يلي أن : « يمثل عدد مقاعد الدائرة الانتخابية المخصصة للنساء في كل عمالة أو إقليم أو عمالة مقاطعات على الأقل ثلث عدد المقاعد المخصصة للعمالة أو الإقليم أو عمالة المقاطعات المعنية برسم مجلس الجهة ».
كما تم سن عقوبات زجرية في مجال المخالفات المرتبكة بمناسبة الحملة الانتخابية والعمليات الانتخابية حيث تم التنصيص في الباب الثاني من الجزء الرابع على عقوبات تصل إلى الحبس لمدة أقصاها عشر سنوات وغرامة مالية أقصاها 100.000 درهم، وتتضاعف العقوبة إذا كان مرتكب المخالفة موظفا عموميا أو مأمورا من مأموري الإدارة أو جماعة ترابية، وكذلك الحرمان من التصويت لمدة سنتين ومن حق الترشح للانتخابات لفترتين انتدابيتين متتاليتين.
بالإضافة إلى جعل بطاقة التعريف الوطنية هي الوثيقة المستعملة في يوم الاقتراع بدل بطاقة الناخب تسهيلا للإجراءات المتعلقة بالتصويت، وكذا إمكانية التصويت بالوكالة لناخب مقيم خارج تراب المملكة...
إن تبني نظام معاصر وعام للامركزية هو من إن إبداع المغرب المستقل، فالنصوص الأولى المحددة لهذا التنظيم الجماعي بعد الاستقلال (3) هي ظهير 1 شتنبر 1959 بشأن انتخاب المجالس الجماعية (4) كما وقع تغييره وتتميمه الذي كرس لأول مرة قاعدة انتخاب أعضاء المجالس الجماعية لمدة ست سنوات بالاقتراع الأحادي بالاسمي بالأغلبية النسبية ثم ظهير 2 دجنبر 1959 كما تم تغييره وتتميمه (5) المتعلق بإحداث ورسم الحدود الترابية للجماعات. وتطورت التجربة في هذا المجال فيما بعد بمرسوم 30 يونيو 1992 (6)، واستمر التطور بمرسوم 31 ماي 1996 (7)، ومرسوم 31 دجنبر 1998 الذي وقع تتميمه بمرسوم 25 مارس 2003 بعد دخول نظام المقاطعات، المحدث بالميثاق الجماعي لسنة 2002، حيز التطبيق (8).
ويمكن إجمال مختلف تعديلات التقسيم الجماعي في ثلاثة اتجاهات، ميز كل منها مرحلة معينة من مراحل تطور مسلسل اللامركزية بالمملكة :
مرحلة التأسيس للفعل الجماعي وإرساء أسس اللامركزية، التي انطلقت سنة 1959 بأول تجربة في هذا المجال ؛
مرحلة ترسيخ الفعل الجماعي وتعزيز مكتسبات اللامركزية بالإصلاحات الجوهرية التي عرفتها سنة 1976 ؛
مرحلة تطوير الفعل الجماعي والارتقاء باللامركزية، كما يتجلى ذلك من خلال إصلاحات سنة 2002 (9).
إن دراسة المقتضيات الجديدة للقانون التنظيمي الجديد المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية تمثل فرصة مهمة للوقوف على مستجدات هذا القانون التنظيمي، وكذا لتقييم مستجداته في ميدان تعزيز الديمقراطية المحلية والحكامة الترابية.
وتبعا لذلك فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو ماهو الجديد الذي جاء به القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية وكيف يمكننا تقييم مستجدات هذا القانون التنظيمي ؟ وتتفرع عن هذه الإشكالية أسئلة فرعية :
كيف ساهم القانون التنظيمي الجديد في تدعيم الديمقراطية المحلية ؛
ماهي الوسائل الزجرية التي تم سنها في مجال محاربة المخالفات المرتبكة أثناء الحملة الانتخابية ؛
أي تقييم يمكننا تبنيه لمقتضيات هذا القانون التنظيمي الجديد.
ومما سبق، فقد تقرر تناول هذا القانون التنظيمي الجديد وفق المبحثين الآتيتين :
المبحث الأول : مستجدات القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية ؛
المبحث الثاني : تقييم مستجدات القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية
.
المبحث الأول
مستجدات القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية
إن مغرب اليوم، بعد أن تراكمت لديه التجارب والنتائج الأولى للديمقراطية واللامركزية، قد بلغ مستوى من النضج يؤهله لولوج مرحلة جدية لترسيخ الديمقراطية المحلية التي ستوظفها الجهوية لخدمة الازدهار الاقتصادي والاجتماعي. وهكذا فإن الجهة تبدو إطارا ملائما وحلقة رئيسية قادرة على إتمام الصرح المؤسساتي للمملكة باعتبار أن الجهة تبدع هيئة جديدة ستمكن ممثلي السكان من التداول في إطارها، بكيفية ديمقراطية، من خلال منتخبيهم في الجماعات الترابية والهيئات الاجتماعية المهنية، في شأن مطامح ومشاريع جهاتهم وبالتالي إعطاء الانطلاقة لديناميكية متميزة للمنافسة والتنمية الجهوية المندمجة (10).
تبعا لهذه المعطيات، ارتأينا تناول هذا المبحث وفق المطلبين الآتيين : تكريس الديمقراطية المحلية (المطلب الأول)، ومحاربة كل أشكال الفساد والرشوة (المطلب الثاني).
المطلب الأول : تكريس الديمقراطية المحلية
يلاحظ أن موضوع اللامركزية عامة وفكرة الجهوية خاصة، حظيت من لدن رائد العهد الجديد جلالة الملك محمد السادس باهتمام جد بالغ، فمنذ خطاب العرش لسنة 2001 الذي جاء فيه : « ...مولين عناية قصوى في هذا المجال للجهة والجهوية التي نعتبرها خيارا استراتيجيا وليس مجرد بناء نظري... »، وخطاب الذكرى السادسة والعشرين لانطلاق المسيرة الخضراء الذي ورد فيه : « ...إننا عازمون على توطيد الجهوية بمنظور للتنمية الجهوية المتوازنة... »، مرورا بخطاب العرش لسنة 2007 حيث قال جلالة الملك : « وفي هذا الصدد نؤكد من جديد توجهنا الراسخ لإقامة جهوية متدرجة ومتطورة »، وانتهاء بالخطابين الملكيين بمناسبة الذكرى 33 للمسيرة الخضراء، وحدث تنصيب اللجنة الاستشارية للجهوية اللذان يعدان مرجعية أساسية في تحديد الرؤية الملكية لمشروع الجهوية المتقدمة (11).
إذن فالخطب الملكية حول الجهوية الموسعة المرتقبة ليست بينها قطيعة إبستمولوجية أو منهجية بل هناك تكرار لنفس العبارات (12
تأسيسا على ما سبق، فقد جاء القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية بمجموعة من الآليات القانونية في مجال تدعيم الديمقراطية المحلية من خلال ما يلي :
انتخاب أعضاء مجالس الجهات بالاقتراع العام المباشر عن طريق الاقتراع باللائحة وبالتمثيل النسبي على أساس قاعدة أكبر بقية ودون استعمال طريقة مزج الأصوات والتصويت التفاضلي.
غير أن الانتخاب يباشر بالاقتراع الفردي بالأغلبية النسبية في دورة واحدة إذا كان الأمر يتعلق بانتخاب عضو واحد في إطار دائرة انتخابية واحدة ( المادة 78 من القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية ) ؛
تخصيص إحدى الدائرتين الانتخابيتين للنساء، ولا يحول ذلك دون حقهن في الترشح في الدائرة الانتخابية الأخرى ( المادة 76 الفقرة الثالثة من القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية ) ؛
إمكانية تقديم الترشيحات لانتخابات أعضاء مجالس الجهات ومجالس العمالات والأقاليم ومجالس الجماعات والمقاطعات من طرف المغاربة المقيمين بالخارج ( المادة 5 الفقرة الأولى من القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية ) ؛
جواز التصويت في الاقتراع عن طريق الوكالة للناخبين والناخبات المقيدين في اللوائح الانتخابية العامة المقيمين خارج تراب المملكة ( المادة 12 من القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية )...
إضافة إلى تعزيز الديمقراطية المحلية، فقد كرس القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية عقوبات زجرية في مجال المخالفات المرتكبة أثناء الحملة الانتخابية من أجل محاربة كل الفساد والرشوة التي تطبع سير العملية الانتخابية.
المطلب الثاني : محاربة الفساد والرشوة
ما انفكت المملكة المغربية منذ خطواتها الأولى على طريق بناء الدولة الوطنية المستقلة، تعمد إلى اتخاذ كل الإجراءات التي ترى أن من شأنها أن تساهم في تخليق العامة، وتعزيز آليات الوقاية من الفساد ومحاربته، وذلك وعيا منها لهذه الآفة من تأثير ضار على السياسات التنموية على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية.
وفي هذا السياق تدخل التدابير الساعية إلى توطيد قيم النزاهة والشفافية في تدبير الشأن العام
يرتكز المسلسل الانتخابي على مبدأ المساواة في جميع مراحله، ولا وجود للمساواة إلا إذا كانت الوسائل التي يحظى بها جميع المترشحين متقاربة. ويعني هذا وجوب استبعاد أن تتوقف حظوظ الفوز في الانتخابات على وفرة الوسائل المالية، والحرص على أن تستعمل تلك الوسائل بشفافية ضمانا لتخليق الحملة الانتخابية، ومن تم تدعيم المؤسسات الديمقراطية المنتخبة
تبعا لذلك، فقد سن المشرع المغربي في القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية مقتضيات قانونية لتخليق الحملة الانتخابية والحد من الظواهر السلبية المرتبطة بانتخابات مجالس الجماعات الترابية من خلال مايلي :
الغرامة من 10.000 إلى 50.000 درهم كل شخص قام بنفسه أو بواسطة غيره في يوم الاقتراع بتوزيع إعلانات أو منشورات انتخابية أو غير ذلك من
الوثائق الانتخابية ( المادة 39 الفقرة الأولى من القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية) ؛
الحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة من 10.000 إلى 50.000 درهم كل موظف عمومي أو مأموري الإدارة أو جماعة ترابية قام أثناء مزاولة عمله بتوزيع برامج المترشحين أو منشوراتهم أو غير ذلك من وثائقهم الانتخابية (المادة 39الفقرة الأخيرة من القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية) ؛
الحبس من سنتين إلى خمس سنوات وغرامة من 50.000 أو 100.000 درهم كل شخص يقوم بتسخير الوسائل أو الأدوات المشار إليها في المادة 37 من هذا القانون التنظيمي ( المادة 44 من القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية ) ؛
تضاعف العقوبة في الأحوال المقررة في المواد 62 إلى 64 أعلاه، إذ كان مرتكب المخالفة موظفا عموميا أو مأمور من مأموري الإدارة أو جماعة ترابية ( المادة 65 من القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية ) ؛
يترتب بقوة القانون على العقوبات الصادرة بموجب المواد من 62 إلى 64 أعلاه الحرمان من التصويت لمدة سنتين ومن حق الترشح للانتخابات لفترتين نيابيتين متتاليتين ( المادة 66 من القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية ) ؛
يجوز الحكم على مرتكب إحدى المخالفات المنصوص عليها في المادة 67 أعلاه بالحرمان من ممارسة حقوقه الوطنية لمدة لا تقل عن سنتين ولا تتعدى خمس سنوات ( المادة 68 من القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية ) ؛
في حالة العود تضاعف العقوبة بالحبس أو السجن و الغرامة المنصوص عليها في هذا الباب.
يعتبر في حالة العود، كل من سبق الحكم عليه من أجل مخالفة لأحكام هذا الباب، بحكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به، ثم ارتكب مخالفة مماثلة قبل مضي خمس سنوات من تاريخ قضاء تلك العقوبة أو تقادمها.
تتقادم الدعوى العمومية والدعوى المدنية المقامتان بموجب المادة 39 وما يليها من المواد إلى غاية المادة 43 والمادتين 45 و 57 بمضي ستة أشهر من يوم إعلان نتيجة الانتخابات ( المادة 69 من القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية )...
بعد استعراض المستجدات التي جاء بها القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية، فإن السؤال الذي يطرح نفسه بعد ذلك أي تقييم يمكنا وضعه لمستجدات هذا القانون التنظيمي ؟
المبحث الثاني
تقييم مستجدات القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية
إن تحليل المقتضيات القانونية للقانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية أبان عن كون هذا الأخير قد حقق قفزة نوعية في مجال تدعيم اللامركزية الترابية ببلادنا وذلك من خلال إرساء دعائم الجهوية المتقدمة المبنية على الأهداف الآتية :
ترسيخ الحكامة المحلية الجيدة ؛
تعزيز القرب من المواطن ؛
تفعيل التنمية الجهوية المندمجة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
إضافة إلى ما سبق، فقد كرس القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية قاعدة المحاسبة كلازمة لممارسة المسؤولية من أجل تخليق الحياة العامة بشكل عام والمحلية بشكل خاص.
مما سلف، فسوف نتناول هذا المبحث وفق المطلبين الآتيين : تعزيز الجهوية المتقدمة ( المطلب الأول)، ربط المسؤولية بالمحاسبة (المطلب الثاني
المطلب الأول : تعزيز الجهوية المتقدمة
لقد شكلت الجهوية المتقدمة مدخلا لإصلاح عميق لهياكل الدولة من خلال السير الحثيث المتدرج على درب اللامركزية واللاتمركز الفعليين النافذين، والديمقراطية المعمقة والتحديث الاجتماعي والسياسي والإداري للبلاد، والحكامة الجيدة
لقد كانت الغاية المنشودة من طرف جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده هي إعلان جهات قائمة الذات وقابلة للاستمرار، من خلال بلورة معايير عقلانية وواقعية، لمنظومة جهوية جديدة
لهذا فقد نصت المادة 78 من القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية على أن انتخاب أعضاء مجالس الجهات يتم بالاقتراع العام المباشر. والغاية من إدراج هذا النمط من الاقتراع هي حث المواطنين على الاهتمام بشؤون جهتهم وجعل المنتخبين مسؤولين مباشرة أمامهم
إضافة إلى ما سلف، فإن الاقتراع العام المباشر سيكون له وقع إيجابي لا محالة في تشكيل وعي وهوية جهويين، وفي هذا الإطار يمكن الاستفادة من التجارب الأجنبية خاصة قانون الجهة في فرنسا من خلال التعديل الذي طرأ عليه بتاريخ 10 يوليوز 1985، حيث أصبح يتشكل من المستشارين الجهويين الذين يتم انتخابهم بالاقتراع العام المباشر (19)، الأمر الذي يبين المنحنى الإيجابي الذي سلكه المشرع في دمقرطة البنية الانتخابية الجهوية
لذلك ولكي تكون الأحزاب المغربية على استعداد لمواجهة التحديات الجهوية، فهي مطالبة لكي تجدد ثقافتها السياسية، و كيفيات استقطابها وتأطيرها للنخب، حتى تضمن انضباطهم وحسن تدبيرهم للشؤون الجهوية، وهذا ما سيساعد على خلق الانسجام الفكري والتنظيمي بين المنتخبين المنتمين إلى حزب معين، وعملهم في إطار إستراتيجية حزبية معدة من قبل لتحقيق التقدم الشامل والدائم
وتكوين المنتخبين هو إكسابهم معارف جديدة تناسب المهام التي يمارسونها داخل المجلس الجهوي، واكتساب مؤهلات في الميادين المختلفة التي يكتشفونها أثناء الممارسة والتي لم يكونوا يعرفونها من قبل، وذلك بالقدر الذي يسمح للمنتخب بحسن إدراك نتائج الاختيارات الإستراتيجية التي يتخذها وفهم اللغة التقنية المستعملة من طرف الموظفين التقنيين المكلفين بالتنفيذ
إذا كانت الجهوية المتقدمة قد حظيت بأهمية بالغة في القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية، فإن ربط المسؤولية بالمحاسبة أصبح قاعدة أساسية في تسيير الشأن المحلي.
المطلب الثاني : ربط المسؤولية بالمحاسبة
استنادا للفقرة الثانية من الفصل الأول من الدستور المغربي لسنة 2011 : « ...يقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلط وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية والتشاركية، وعلى مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة... ».
كما نصت الفقرة الثانية من الفصل الثاني من الدستور المغربي لسنة 2011 : « ...تختار الأمة ممثليها في المؤسسات المنتخبة بالاقتراع الحر والنزيه والمنتظم... ». وكذا الفقرة الأولى من الفصل الحادي عشر من الدستور المغربي لسنة 2011 : « الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة هي أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي... ».
إن مبدأ المسؤولية ينطوي على بعد أخلاقي وبعد قانوني :
يتمثل البعد الأخلاقي في كون الشخص يمارس مسؤولية تجعل منه عضوا من أعضاء المجموعة ؛
أما البعد القانوني فيعني أن المسؤولية تتأسس على دعامتين ملازمتين : واجب الشفافية وضرورة دفع أو تقديم الحسابات.
وهذه المقاربة للمسؤولية أو ممارسة الحكامة تؤدي إلى الوقوف عند ثلاثة نتائج أساسية :
إن أية سلطة يمارسها الحكام والإدارات العمومية والجماعات الترابية تنطوي على مسؤولية الشخص الذي يمارسها أمام ليس فقط أولئك الذين قلدوه هذه المسؤولية مع إمكانية سحبها بل حتى أمام كل شخص يمكن أن يتأثر من ممارسة هذه السلطة في المجتمع أو في محيطها (23) ؛
إن مبدأ المسؤولية فيما يخص المرافق العامة المحلية والوطنية يؤسس في نفس الوقت لترابية المعايير والقواعد وتسلسل في الإخلاص والأمانة ؛
إن مبدأ المسؤولية يتجاوز الحكام والموظفين العموميين والمنتخبين لديهم مختلف الفاعلين الاجتماعين بخصوص احترام وتقدير المجتمع لأن هذا المبدأ يشكل أساس العقد الاجتماعي الضمني والصريح
تعتبر الشفافية خاصية من خصائص الحكامة (25)، وعنصرا من العناصر التي يجب أن يتأسس عليها التدبير الجيد للشأن العام المحلي.
لقد نهجت السلطات العمومية مقاربتين هامتين في مجال إقرار الشفافية و تخليق الحياة العامة، تقوم أولاهما على دعم الإطار القانوني والمؤسساتي، في حين تهم المقاربة الثانية مظاهر التدبير واستعمال الوسائل التكنولوجية الحديثة للإعلام والتواصل.
وتشكل الرسالة التي وجهها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله للمؤتمرين في المناظرة الوطنية حول « دعم أخلاقيات المرفق العمومي » المنعقدة بتاريخ 29 أكتوبر 1999 بالرباط، الانطلاقة الأولى لمسلسل الإصلاحات الإدارية
ويعتبر المفهوم الجديد للسلطة الذي أعلن عنه جلالة الملك محمد السادس نصره الله، في الخطاب الذي ألقاه بالدار البيضاء في 12 أكتوبر 1999 أمام المسؤولين عن الولايات والعمالات والأقاليم حجر الزاوية لكافة الإصلاحات التي شهدتها الحكامة المحلية ببلادنا.
تبعا لما سبق، فقد كرس الدستور المغربي لسنة 2011 بابا كاملا للحكامة الجيدة، حيث تمت دسترة :
تنظيم المرافق العمومية على أساس المساواة بين المواطنات والمواطنين في الولوج إليها، والإنصاف في تغطية التراب الوطني، والاستمرارية في أداء الخدمات ؛
إخضاع تسيير المرافق العمومية لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية والمبادئ والقيم الديمقراطية ؛
إلزام المرافق العمومية بتقديم الحساب عن تدبيرها للأموال العمومية مع خضوعها للمراقبة والتقييم طبقا للقوانين الجاري بها العمل ؛
إلزام كل شخص منتخب أو معين يمارس مسؤولية عمومية، بتقديم تصريح كتابي للممتلكات والأصول التي في حيازته بمجرد تسلمه لمهامه، وخلال ممارستها وعند انتهائها
خاتمة عامة
وخلاصة القول، فالقانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية قد حقق قفزة نوعية في مجال تدعيم اللامركزية الترابية ببلادنا التي عرفت نقلة متقدمة منذ صدور الدستور المغربي لسنة 2011 الذي ترجم الإرادة الملكية السامية لبناء مغرب جديد مبني على ثقافة التعددية والمشاركة والتضامن.
كما ينبغي الإشارة إلى أن القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية نص على قواعد زجرية في مجال المخالفات المرتكبة أثناء الحملة الانتخابية والتي من شأنها وضع حد للممارسات المشينة المرتكبة أثناء الحملات الانتخابية المحلية. هذا إضافة إلى تكريس ربط المسؤولية بالمحاسبة كضمان لحسن تسيير الشؤون المحلية في إطار الحكامة الجيدة.