يتعلق الأمر بالحكم عدد 4409 بتاريخ 22/07/2014 في الملف الإداري رقم 312/7110/2014، قضى بعدم قبول دعوى رفعتها "جمعية" الحرية الآن، لجنة حماية حرية الصحافة"ورامية إلى إلغاء القرار الإداري الصادر بتاريخ 09/05/2014 عن والي جهة الرباط سلا زمور زعير، عامل عمالة الرباط، الذي بموجبه تم رفض تسلم ملف التصريح بتأسيس هذه الجمعية. وجاء تعليل الحكم لعدم قبول الدعوى بكون الطعن ورد على القضاء قبل ثبوت اكتساب الجمعية الطاعنة للشخصية القانونية، التي تؤهلها للتقاضي والترافع أمام المحاكم، وذلك بناء على دفع أثارته الإدارة المطلوبة في الدعوى وسمته "انتفاء الصفة لدى الطاعنة".
وعلى إثره أثيرت، في منابر إعلامية، نقاشات حول الموضوع استغربت ما انتهت إليه المحكمة الإدارية في قضائها، وألقى البعد السياسي للقرار، المطلوب إلغاؤه في الدعوى، بظلاله على الموضوع بصورة جعلت السجال السياسي يختلط بالتحليل القانوني رغم ما هو قائم بينهما من تمايز سمته، من زاوية محددة، دقة التحليل القانوني وعقلانيته وبعده عن الهوى والعاطفة في التناول.
لذا ارتأت هذه المساهمة فائدة في أن تقارب الحكم، محل النقاش، بمقترب قانوني بحت بعد إيراد وقائع وملابسات القضية في أفق تحصيل الناتج القانوني وفق البيان التالي:
- معطيات الملف وفق المستفاد من بيانات الحكم
يستفاد من معطيات الحكم أن أصل النزاع يعود إلى يوم 09/05/2014 عندما قامت الجمعية، المحدثة من طرف مجموعة من الأشخاص الذاتيين، بتكليف مفوض قضائي تولى تسليم وثائق تأسيس جمعية تحت إسم " الحرية الآن، لجنة حماية حرية الصحافة والتعبير بالمغرب" لوالي ولاية جهة الرباط سلا زمور زعير، عامل عمالة الرباط. وسجل المفوض القضائي، في مهمته، رفض تسلم الملف من طرف الجهة الإدارية المختصة. واعتبرت الجمعية ذلك قرارا إداريا قدمت بشأنه طعنا أمام المحكمة الإدارية ملتمسة إلغاء قرار رفض التسلم وإلغاء القرار الضمني الصادر عن نفس الجهة الإدارية القاضي برفض التصريح بتأسيس الجمعية مع ترتيب الآثار القانونية، وذلك بناء على حيثيات تتعلق بالمشروعتين الداخلية والخارجية للقرار الإداري لا داعي لبسط حيثياتهما، مادام أن المحكمة تصدت للدعوى في الشكل دونما حاجة للخوض في الجوهر.
وأجابت الإدارة المطلوبة في الدعوى مثيره "انعدام الصفة" (التوصيف السليم هو انعدام الأهلية) لدى طالبة الإلغاء، إضافة إلى مناقشتها لجوهر المنازعة. وفي تعقيب الجمعية طالبة الإلغاء، تمسكت بتوفرها على الصفة من يوم اتفاق المؤسسين على التأسيس، وأن التصريح لدى السلطة المحلية هو مجرد إشعار غير مؤثر في عملية الإنشاء والتأسيس.
وبناء على ذلك قضت المحكمة الإدارية بالرباط في حكمها بعدم قبول الدعوى شكلا لعدم توفر الجمعية على الأهلية في التقاضي بالاستناد على حيثيات قانونية.
ويلاحظ من المعطيات السابقة ما يلي:
- أن الجمعية الطاعنة أكدت عدم إيداع ملف تأسيسها، وأنها بالنتيجة لم تتسلم من الإدارة المعنية وصل التصريح بالتأسيس؛
- أن الطاعنة لم تميز بين عنصر تأسيس الجمعية وعنصر اكتسابها الشخصية رغم ما بينهما من تغاير ينبغي إدراكه وترتيب الناتج القانوني عليه؛
- أن المدعى عليها أثارت انعدام صفة المدعية في التقاضي، ولم تعمل هذه الأخيرة على استدراك أو إصلاح الخلل الشكلي، إن كان لإصلاح المسطرة محل أصلا وفق ما سيأتي بيانه؛
- أنها تمسكت بانتفاء الخلل الشكلي المثار ودعمت موقفها بحيثيات محددة؛
- أن المحكمة، بما لها من سلطة مخولة بموجب الفصل 3 من قانون المسطرة المدنية في هذا الصدد، أعادت تكييف دفع المدعى عليها وفق صحيح القانون وصرحت بانتفاء الأهلية وليس الصفة.
- المناقشة القانونية
انطلق حكم إدارية الرباط من واقعة عدم استلام المدعى عليها لملف التصريح بتأسيس الجمعية، وأن سريان الأجل الأقصى لمنح الوصل ( 60يوما) يتوقف وجودا وعدما على حصول واقعة استيلام ملف التصريح. ولما كان الأمر على نحو ذلك مقترنا بعدم حصول الجمعية المحدثة على الوصل، خلصت المحكمة في قناعتها إلى عدم توفر الجمعية على الشخصية القانونية التي تؤهلها للتقاضي في استقلال عن الأعضاء المؤسسين لها، مع تأكيد المحكمة على اكتساب الشخصية القانونية بعد الحصول على الوصل أو على إثر نيل حكم قضائي يلغي قرار رفض منح الوصل.
وارتكازا على ذلك، صرحت المحكمة بعدم قبول الدعوى على الشكل الذي قدمته به بناء على مقتضى الفقرة الأولى من الفصل 1 من قانون المسطرة المدنية، و"عدم القبول على الحالة" يفيد إمكانية التقديم من جديد بعد استدراك ما يمكن استدراكه. ولتعليل عدم إعمال الفقرة الثانية من الفصل 1 سالف ذكره، الناص على إنذار المدعي بتصحيح المسطرة، أكد الحكم، محل النقاش، على أن حتمية ترتيب جزاء عدم القبول معلل بكون المدعى عليها أثارت الدفع، ولم تبادر الجمعية المدعية إلى استدراك الأمر بتصحيح المسطرة.
وترتيبا عليه فإن الحكم يثير إشكاليتين، وهما:
- هل يستقيم في صحيح القانون القول بأن هذه الجمعية لم تكتسب الشخصية القانونية لاعتبار عدم قيام التصريح بها لدى جهة الإدارة المعنية وعدم الحصول على وصل بذلك؟
- إذا كان الجواب بالإيجاب، فهل كانت المحكمة ملزمة بإنذار المدعية باستدراك الخلل الشكلي؟ ويتفرع عن هذه الإشكالية سؤالان فرعيان مفادهما: هل هذا الخلل الشكلي يقبل أصلا الاستدراك؟ وإذا كان الخلل مستدركا، ألا يشترط أن تصحح المسطرة داخل أجل الطعن بالإلغاء المقرر في المادة 23 من القانون 90-41 بمثابة قانون المحاكم الإدارية؟
2-1 أهمية استيفاء شرط الأهلية في التقاضي
إن إشكالية توفر أهلية الجمعية في التقاضي من عدمه في نازلة الحال، تحيل على النقاش المتعلق بمفهومي الحق والدعوى. ودون الخوض في نقاش نظري معمق في مضمار ذلك، يمكن تعريف الحق بأنه رابطة قانونية بين الشخص وبين شيء أو مال أو فعل، وتتميز هذه الرابطة بقدرة، مخولة بمقتضى القانون خاصة القواعد الجوهرية منه، لفائدة الشخص، تمكنه من ممارسة سلطات في نطاق هذه العلاقة بغاية تحقيق مصلحة مشروعة وجديرة بالحماية القانونية.
وتعرف الدعوى بكونها آلية قانونية مسطرية تمكن صاحب الحق المعتدى عليه من اقتضاء الحق وإصباغ الحماية عليه بموجب حكم قضائي يتوج الدعوى بغاية إضفاء صبغة الإلزام على حق قائم قبل مباشرة التقاضي.
ولضمان حسن سير العدالة لفائدة من يجب من الأطراف المتدخلة، سن المشرع شروطا شكلية بدرجات متفاوتة من الأهمية، منها على وجه الخصوص شرط الأهلية، المصلحة والصفة (من مشمولات النظام العام)، يتعين استيفائها تحت طائلة ترتيب جزاء عدم المقبولية، الذي يحول دون نظر الدعوى في جوهرها في الحالة التي قدمت بها على الأقل. ونظرا لدقة هذه الشكليات وطابعها التقني، أقر المشرع قاعدة إلزامية المؤازرة بمحامي ( المادة 3 من القانون 90-41 بخصوص المادة الإدارية) المفترض إلمامه بأصول المرافعات ودرايته بشعاب التقاضي، وذلك لحكمة تروم الدفاع عن الحق باختيار أنجع مسطرة مع توخي حسن تدبيرها في الشقين الشكلي والجوهري. ولاينفي ذلك مطلقا ورود إمكانية الخطأ من طرف جهازي الدفاع أو القضاء لكون العمل البشري يحتمل الخطأ والصواب، لذلك شرعت إمكانية إصلاح المسطرة، بوجه خاص، بالنسبة للجهاز الأول وطرق الطعن بالنسبة لعمل للثاني، بل أكثر من ذلك ذهب المشرع إلى حد إقرار مسؤولية الدولة عن الخطأ القضائي (الفصل 122 من الدستور).
وبالرجوع إلى نازلة الحال، فإن الجمعية الطاعنة عقدت جمعها التأسيسي، ولم تستوف شرط إيداع ملفها لدى السلطة الإدارية المختصة ولا شرط تسلم الوصل منها، ولم تتمكن من استصدار حكم قضائي يلغي قرار رفض تسلم الوصل.
وتفيد هذه المعطيات مجتمعة عدم اكتساب الشخصية الاعتبارية كما انتهى إليه الحكم مثار النقاش، والذي جاء مصادفا لعين الصواب في قضائه بعدم أهلية الطاعنة في التقاضي.
وتوضيح ذلك أن القانون يشترط على الشخص، لكي يمتلك حق التقاضي مدعيا أو مدعى عليه، أن يتمتع بأهلية الأداء التي تعني القدرة على مباشرة التصرفات القانونية كإبرام العقود والتقاضي أمام المحاكم، وهذه الأهلية لا تتأتى للجمعية بمجرد اتفاق الأعضاء المؤسسين في محضر قانوني، بل لابد لها من الوجود الخارجي الحقيقي الذي يتحقق باعتراف السلطة لها بذلك صراحة أو ضمنا أو باستصدار حكم قضائي يقر حقها. وما يؤكد ذلك تنصيص الفصل 6 من قانون الجمعيات على التالي:" كل جمعية صرح بتأسيسها بصفة قانونية يحق لها أن تترافع أمام المحاكم ...".
وبمفهوم المخالفة لهذا المقتضى، فكل جمعية لم يصرح بتأسيسها لا يحق لها الترافع أمام المحاكم لأن قيام الشخصية المعنوية، اللازمة للترافع، يدور وجودا وعدما مع استيفاء شكلية التصريح والحصول على وصل بذلك من لدن السلطة الإدارية المختصة.
وينبني على ما سبق ضرورة التمييز بين نشوء الجمعية الذي يتحقق بمجرد قيام الاتفاق بين الأعضاء المؤسسين وبين اكتساب الشخصية المعنوية لاحقا عبر شروط يستلزمها الفصل 6 من قانون الجمعيات.
وبخصوص استدلال أحد الآراء المخالفة بقرار مجلس الدولة الفرنسي بتاريخ 21 مارس 1919، الذي صرح بأحقية رئيس جمعية غير مصرح بها في بسط دعوى الشطط في استعمال السلطة، فيجدر التنويه إلى أن هذا القرار كان محل نقد من جانب الفقه الفرنسي، الذي عاب، بصفة اساسية، على هذا التوجه وقوعه في خلط بين عدم المقبولية المستمدة من الصفة وعدم المقبولية المستمدة من انتفاء الأهلية واعتباره الثانية مرادفة للأولى .
M. ALEXANDRE CIAUDO : l’irrecevabilité en contentieux administratif français, L’Harmattan, 2011, P : 501, 502 , 503 et 504)
ولو كان الأمر في قضية "جمعية الحرية الآن..." متعلقا بالصفة والمصلحة دون غيرهما، لاستقام القول بتوفرهما لوجود تصرف إداري مؤثر في المركز القانوني، وقيام علاقة بين حق حماية هذا المركز وصاحب هذا الحق.
وللزيادة في الوضوح، وعلى سبيل القياس، تجدر الإشارة إلى استقرار اجتهاد محكمة النقض المغربية في القضاء بعدم تمتع الشركة التجارية في طور التأسيس بالشخصية المعنوية والأهلية القانونية إلا بعد القيام بإجراءات الشهر عن طريق النشر والقيد في السجل التجاري( قرار عدد 57 بتاريخ 13/01/2010 الملف عدد 1414/2008، التقرير السنوي لمحكمة النقض لسنة 2010 ص:144). وهذا دليل إضافي، من مجال بعيدا عن السياسة وملابساتها، على قيام الفرق بين تأسيس الكيان القانوني ( الجمعية أو الشركة) وبين اكتساب الشخصية المعنوية.
وبخصوص ما انتهى إليه الرأي القائل بأن رفض تسلم الملف ينزل منزلة استلامه واعتبار بالنتيجة الوصل مسلما بانصرام أجل 60 يوما على واقعة الرفض، المرادفة للتسلم في فهم هذا الرأي، فإنه يستدعي التوقف عنده لبيان أنه لايصمد أمام النقاش والحجة المضادة، باعتبار أن النص القانوني المنظم يتحدث عن التصريح بصفة قانونية، ولا يتناول رفض تلقي التصريح. وحتى إذا تمت مسايرة هذا الٍرأي وافترضنا جدلا أن رفض تسلم الملف يرادف التصريح بصفة قانونية، وما يترتب على ذلك من نتائج فرعية تفضي إلى اكتساب الجمعية للشخصية القانونية، فإن ذلك يقود إلى وضع مفارق، مفاده أن دعوى الإلغاء( حاصل الطلب فيها هو إلغاء قرار رفض تلقي التصريح وإلغاء القرار الضمني برفض منح الوصل) ستبقى، في هذه الحالة، غير ذات موضوع وغير ذات جدوى، ولا طائل أو مصلحة من ورائها في واقع افتراضي لصحة ما ذهب إليه الرأي المخالف.
2-2 مدى لزوم إنذار المتقاضية بعد معاينة انتفاء الأهلية
ينص الفصل 1 من قانون المسطرة المدنية على أن المحكمة تنذر" الطرف بتصحيح المسطرة داخل أجل تحدده". وهذا المقتضى يستدعي إمعان النظر فيه، في ارتباطه بنازلة جمعية الحرية الآن، وذلك لابراز ما يلي:
- أنه لئن كان النص القانوني لا يتضمن صيغة الوجوب في فحواه، فإن اجتهاد محكمة النقض درج على لزوم إنذار الطرف المعني لتصحيح المسطرة؛
- أن لزوم إنذاره مقيد بإثارة انعدام الأهلية أو الصفة أو المصلحة من طرف المحكمة بصورة تلقائية، كما هو مستفاد من قراءة متأنية لألفاظ الفقرة الثانية من الفصل 1 من قانون المسطرة المدنية، أما إذا أثاره الطرف الآخر في الخصومة، فالمحكمة غير ملزمة بسلك مسطرة الإنذار بالتصحيح لتحقق الغاية المستهدفة من طرف المشرع سواء حصل التنبيه من المحكمة أو من الخصم، وبالتالي فإن الإنذار ليس غاية في حد ذاته.
وبالعودة إلى بيانات الحكم، موضوع النقاش، فإن الإدارة المدعى عليها أثارت الدفع، وتمسكت الجمعية الطاعنة بانتفاء الخلل الشكلي، وقدرت المحكمة قيام هذا الأخير عن صواب وفق الشروح المبينة سابقا، ورتبت عليه الجزاء القانوني الذي هو عدم مقبولية الدعوى. وقد تنبه الحكم لذلك معللا إعراضه عن نهج مسطرة الإنذار بالتصحيح بالحيثية التالية: "فضلا عن أن حتمية ترتيب هذا الأثر القانوني يفرضها أيضا أن الطرف المطلوب في الطعن أثار دفعا بهذا المعنى، غير أن الطاعنة لم تبادر إلى استدراك الأمر بتصحيح المسطرة.....".
وجدير ذكره، أنه على ضوء ما تراكم من اتجاهات متطورة في الاجتهاد القضائي الوطني( الذي سايرته المحكمة الإدارية بالرباط في نازلة الحال)، نصت الفقرة 2 من الفصل 3 من مشروع قانون المسطرة المدنية الحالي، المنبثق عن الحوار الوطني حول الإصلاح الشامل والعميق للعدالة، على التالي: " لا يمكن للمحكمة أن تصرح في هذه الحالات بعدم قبول الدعوى إلا إذا أنذرت الطرف المعني بتصحيح المسطرة داخل أجل تحدده، ما لم يكن أحد الأطراف قد أثار هذا الدفع".
و على فرض عدم إثارة الدفع من طرف المدعى عليها، فإن هذه الدراسة تعتقد أن الحكم يتسق مع صحيح القانون- في هذا الواقع الافتراضي- في عدم إنذار الطرف المعني بالتصحيح من جانب المدعى عليها، لأن ذلك لا يستساغ حدوثه إلا إذا كان خلل انتفاء الأهلية قابل للاستدراك، وبشرط إضافي مؤداه قيام الاستدراك داخل أجل الطعن في القرار الإداري كما هو الشأن في نازلة الحال.
وقد توفرت لدى المحكمة المعطيات الكافية بعدم قابليته للاستدراك لانقضاء أجل الطعن في القرار خلال الفترة الممتدة من تاريخ تحرير المفوض القضائي لمحضر الامتنـاع عـن التسلم(09/05/2014) وتاريـخ جواب المطلوبة فـي الدعـوى ( 10/07/2014 و18/07/2014)، كما أن الاستدراك ( اكتساب الشخصية المعنوية) في نازلة الحال يتحقق باستلام ملف التصريح وحصول الطاعنة على وصل بالإيداع. وإذا تحقق ذلك أصبحت الدعوى في جوهرها غير ذات موضوع، لأن منتهى غاية ما تطلبه الطاعنة في الموضوع أن تقوم السلطة المحلية بإجراءات مفضية إلى اكتساب الجمعية للشخصية.
كما أنه توفرت لدى المحكمة معطيات مضمنة في عريضة طعن الجمعية المدعية تفيد عدم توفر هذه الأخيرة على أهلية الأداء بصورة يستقيم معها الحكم بعدم قبول الدعوى، لأن المعيار الواجب الاعتداد به في قيام الأهلية من عدمه هو تاريخ تقديم الطعن وفق ما استقر عليه العمل القضائي
( قرار محكمة الاستئناف بالدار البيضاء تحت عدد 604بتاريخ 25/02/1981، منشور في مؤلف ذ محمد بفقير: قانون المسطرة المدنية والعمل القضائي، مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء، سنة 2008، ص: 21).
وغني عن البيان أن الإنذار بالتصحيح يقتصر مفعوله على الطرف المدعي ( لايخاطب أطرافا خارج الخصومة القضائية) ولا ينصرف إلى استدراك الموقف بقيام شخص أو أشخاص آخرين، قد تكون له أو لهم الصفة والأهلية والمصلحة بالحلول محل الجمعية الطاعنة، لأن ذلك يقتضي بسط دعوى مستقلة بمبادرة من هؤلاء، أو على الأقل المبادرة تلقائيا إلى سلك مسطرة التدخل الإرادي في الدعوى.
وقد تساءل البعض عن السبيل إلى اقتضاء الحق إذا كانت الطاعنة قد طرقت أبواب القضاء حامي الحقوق والحريات، ولم يكلف نفسه عناء البت في جوهر الدعوى مانحا لجهة الإدارة، الخارقة للقانون وفق ما انتهى إليه هذا الرأي، وضعا مميزا على حساب شخص يقف القانون بجانبه؟
الجواب هو أن اقتضاء الحق يقتضي حسن اختيار المسطرة الواجبة وتدبير مخاطر الإخلالات الشكلية المحتملة، وإلا ضاع الحق أو تأخر اقتضاءه في أحسن الأحوال لأسباب تعزى إلى مدى امتلاك المهارات والقدرات التدبيرية للمنازعة.
وفي هذا المعنى ينبغي استحضار أن المقبولية la recevabilité في الدعوى الإدارية تشكل مرحلة مسطرية حاسمة، يتعين اجتيازها بنجاح في أفق إخضاع الإدارة لرقابة المشروعية، وبالتالي تتحكم مقبولية الدعوى في توسيع حقوق المدارين أو تضييقها وفي مدى رقابة المشروعية على تصرفات الإدارة.
ويرى فقه القانون أن المقبولية في الدعوى تكتسي أهمية خاصة في نطاق تقابل المشروعية مع الأمن القانوني كمبدئين أساسيين يسودان في القانون العام، ويقتضي التوفيق بينهما أن يقوم القاضي الإداري برقابة هادفة إلى إخضاع الإدارة لضابط المشروعية، دون إغفال الأمن القانوني لفائدة الإدارة والمدارين على حد سواء. M. ALEXANDRE CIAUDO : نفس المرجع ص: 23 و24).
وإذا كان الأمن القانوني من مشمولات المباديء العامة للقانون ( قرار مجلس الدولة الفرنسي بتاريخ 24 مارس 2006)، فإن مضامينه تشمل استقرار الأوضاع القانونية ويقينية القواعد القانونية والمراكز القانونية، وبالتالي يرى فقه القانون أن المقبولية أو عدم المقبولية L’irrecevabilité في الدعوى الإدارية آلية للتوفيق بين مبدأ الأمن القانوني ومبدأ المشروعية( ALEXANDRE CIAUDO، نفس المرجع ص.: 24).
فعلى سبيل المثال والتوضيح إذا أخذنا قرارا معيبا بعيوب عدم المشروعية صادرا عن جهة الإدارة، فإن مبدأ المشروعية يقتضي إخضاعه لرقابة قاضي الإلغاء لإرجاع الإدارة إلى جادة الصواب، غير أن قاعدة استقرار المراكز القانونية، المستمدة من مبدأ الأمن القانوني، تحجب مبدئيا رقابة قاضي المشروعية إذا تحصن القرار بانقضاء ميعاد الطعن ( المادة 23 من القانون 90-41) ولو بأقل من يوم واحد، وسيكون حكم القاضي الإداري بعدم قبول دعوى الطعن بالإلغاء في هذا القرار صائبا رغم عدم مشروعية القرار الإداري المعيب. وهل يصح تحميل المحكمة مسؤولية تفويت فرصة إحقاق المشروعية (إلغاء القرار) بفعل حكمها بعدم القبول أم أن وزر ذلك يتحمله المتقاعس عن الطعن داخل الأمد القانوني؟ وهل شرعت نظرية الأجل ( ومنها أجل المادة 23 سالفة الذكر) لتطبق ويرتب عليها جزاء عدم القبول في الحالة الموجبة أم تم إقرارها لكي لاتطبق، علما بأنها قاعدة قانونية ملزمة و واجبة الإتباع، و تختلف جذريا عن القاعدة الأدبية أو الأخلاقية؟
وبالرجوع مجددا إلى الحكم، محل النقاش، فإنه لم يكتف بتعليل ما ذهب إليه في قضائه، بل تعامل بوظيفة بيداغوجية مع الطعن من خلال التلميح إلى المسطرة الواجبة الإتباع، وهي تقديم الدعوى من طرف المؤسسين للجمعية لتجاوز عدم توفر الجمعية الطاعنة على الأهلية، وفي هذا المعنى جاء في الحكم التالي:" فإن الجمعية تكون بذلك غير متوفرة على الشخصية القانونية في استقلال عن الأعضاء المؤسسين".
وبناء عليه، ترى هذه الدراسة أن الحكم، بقدر صرامته في استلزام الشروط الشكلية، أوحى بالمسطرة البديلة التي يمكن سلكها لتفادي جزاء عدم القبول ونيل غاية سماع الدعوى في الجوهر.
أخيرا ثمة ملاحظة أنهي بها الحديث، وتتعلق بمؤاخذة البعض على حكم المحكمة الإدارية عدم بته في مشروعية القرار الإداري المطلوب إلغاؤه بعد الحكم بعدم قبول الدعوى، وفي مضمار ذلك يتعين العودة إلى تعريف عدم القبول من حيث أنه" وسيلة تفضي إلى تصريح القضاء بعدم قبول دعوى المدعي دونما حاجة إلى تقدير مدى وجاهة مرتكزاتها في الجوهر"، وبالتالي يحجب عدم القبول إمكانية سماع الدعوى في الموضوع، وإذا خاض القضاء في الجوهر امتنع عنه النطق بعدم القبول لأنهما أمران لا يلتقيان في الحكم مطلقا وإلا عد ذلك ضربا من ضروب العبث.