MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




قراءة في مشروع المرسوم بتحديد التشغيل بموجب عقود بالإدارات العمومية

     

د/ العربي محمد مياد



قراءة في مشروع المرسوم بتحديد التشغيل بموجب عقود بالإدارات العمومية

تفتقت عبقرية الوزارة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالوظيفة العمومية وتحديث الإدارة، وأعدت مشروع مرسوم تحت رقم 2.15.770 في بتحديد شروط وكيفية التشغيل بموجب عقود بالإدارات العمومية.

 ويدخل هذا المشروع مرسوم في إطار مجموعة من التعديلات التي  تتخذها الحكومة بإرادة منفردة في قطاع الوظيفة العمومية تارة تحت ستار مرسوم وأخرى تحت غطاء التفسير والتأويل.

   وفي هذا الإطار نذكر،  بأنه بتاريخ 5 غشت 2015 صدر المرسوم رقم 2.13.436  المتعلق بنقل الموظفين المنتمين إلى الهيئات المشتركة بين الادارات فصدر المنشور رقم 1 بتاريخ 4 يناير 2016 ليحدد كيفية تطبيقه  بخصوص حركية الموظفين بين الإدارات العمومية والترابية لاسيما على صعيد المصالح اللاممركزة. وقبله صدر المرسوم رقم 2.13.422 بتاريخ 30يناير 2014 بتحديد كيفيات تطبيق الفصل 64 المكرر مرتين من الظهير الشريف رقم 1.58.008 الصادر في 24 فبراير 1958 بمثابة النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية المتعلق بالوضع رهن الإشارة.
    هذا المرسوم الذي نظم مسطرة الوضع رهن الإشارة للموظفين العموميين لدى إدارات عمومية أو جماعات ترابية لمدة قد تصل إلى 3 سنوات قابلة للتجديد .

    وهذه مسطرة مثل غيرها تدعي السلطة الحكومية المشرفة على قطاع الوظيفة العمومية أنها تأخذ بعين الاعتبار  مصالح الموظفين كما المصلحة العامة ، رغم ما أثرته من نقاش طويل سواء بين أنفسهم أو تمثيلياتهم النقابية والجمعوية  .

   ولنفرض جدلا أن ما تدعيه الحكومة صحيح، لنا أن تساءل عن المغزى  من تنزيلها لمشروع مرسوم في موضوع التوظيف بالتعاقد ، خلال أيام وليالي محسوبة قبل انتهاء ولايتها القانونية .

    وقبل الجواب على هذا التساؤل، نرى من الفائدة التذكير أنه حسب الإحصاء الذي قامت به وزارة الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة سنة 2014 فإنه يبلغ العدد الإجمالي لموظفي الإدارات العمومية لا يتعدى 536.004 موظفة وموظفا،  من بينه 3198 متعاقدا، منه 501.811 موظفة وموظفا  بالمصالح اللاممركزة و34.193 موظفة وموظفا بالمصالح المركزية .

     وعلى هذا الأساس يقدر معدل التغطية على الصعيد الوطني ب16 موظفا لكل 1000 نسمة، بحيث تستفيد جهة الرباط الكبرى ب 21% تليها جهة الدار البيضاء الكبرى ب 15% ، وتقدر نسبة التأنيث 35%، وهو ما يعادل 188.811 موظفة منها 132.929 في موقع التأطير ولا تتعدى نسبة المسؤولية النظامية 19%. وتقدر نسبة الاطر العليا ( سلم الأجور 10 فما فوق ) حوالي 66% أي 352.714 إطارا .

  ويمثل الموظفون العاملون بإدارتهم الأصلية حوالي 98%، فيما يمثل الموظفون في وضعية الالحاق 1.3%.وتستحوذ  وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني على ما يناهز 53% من العدد الإجمالي للموظفين تليها وزارة الداخلية بحوالي 16%.

   وهكذا يلاحظ بأن قطاع الوظيفة العمومية ليس بالقطاع الذي تروج له الحكومة بأنه يلتهم الميزانية العامة للدولة . ويكفي الرجوع إلى أبواب القوانين المالية  المتعاقبة للتأكد من ذلك.

أما بخصوص التشغيل بالعقود ، فلا بد من التذكير بأنه  تنفيذا للمرسوم رقم 2.05.1367 بتاريخ 2 دجنبر 2005 صدر المنشور رقم 9 بتاريخ 25 يونيو 2009 حول ترقية الأعوان المتعاقدين في إطار القانون العام ، حيث يتم ترقي الأعوان المتعاقدين العاملين بالإدارات العمومية والجماعات الترابية في الدرجة أو الإطار وذلك مماثلة مع الموظفين النظامين ، ويتم هذا الترقي في الدرجة أو الاطار بواسطة ملحقات عقود باقتراح من الإدارات العمومية والجماعات الترابية المعنية يتم عرضها على تأشيرة السلطتين الحكوميتين المكلفتين بالمالية والوظيفة العمومية .

   غير أن مشروع المرسوم الذي نحن بصدده ، أوجد  تغطية أساسه التشريعي في الفصل 6 المكرر الذي ينص على أنه " يمكن للإدارات العمومية عند الاقتضاء أن تشغل أعوانا بموجب عقود وفق الشروط والكيفيات المحددة بموجب مرسوم . ولا ينتج عن هذا التشغيل في أي حال من الأحوال حق الترسيم في أطر الإدارة."

   يستشف من هذا الفصل أن التوظيف بالعقود إنما هو وسيلة لكي يلج البعض الإدارة العمومية دون ان يكون له أي حق من الحقوق التي يستفيد منها قرينه المرسم . هذه القاعدة ولا شك ستجعلنا نفهم كنه المبادرة الحكومية على ما سنوضح:

  بداية لابد من التنبيه أن مشروع المرسوم المذكور يتضمن 18 مادة مقسمة إلى ثلاثة أبواب ينظم  الباب الأول المقتضيات العامة والباب الثاني شروط وكيفيات تشغيل الخبراء بموجب عقود والباب الثالث شروط وكيفيات تشغيل الأعوان بموجب عقود .

  وهكذا  يتضح أن الغاية من إصدار المشروع المرسوم المذكور ، هو فتح الإمكانيات للحكومة  للتشغيل بموجب عقود لصنفين من المتعاقدين :
*خبراء لإنجاز مشاريع أو دراسات أو تقديم استشارات أو خبرات أو القيام بمهام محددة ، يتعذر القيام من قبل الإدارة بإمكانياتها الذاتية ؛
*أعوان للقيام بوظائف ذات طابع مؤقت أو عرضي .

 وقد اكدت المادة 3 من هذا المشروع مرسوم بأنه لا يمكن في جميع الأحوال أن يؤدي هذا التشغيل بموجب عقود إلى ترسيم المتعاقد معه في أطر الإدارة .

   وللاستفادة من تشغيل  الخبراء بالعقود لابد من تحقق بعض الشروط أهما ألا يقل مستوى المرشح على الاجازة مع تجربة مهنية لا تقل عن 10 سنوات في القطاع العام أو الخاص ، وألا يتجاوز عدد الخبراء بالنسبة لكل قطاع 12 خبيرا .

   ويتم تشغيل الخبراء بموجب عقود لا تتعدى مدتها سنتين، ويمكن تجديد هذه العقود لمدة محددة إضافية دون أن تتجاوز 4 سنوات.ويستفيد هذا الخبير من أجرة جزافية شهرية حسب مستواه العلمي وتجربته المهنية وطبيعة المهام المراد اسنادها بالإضافة إلى التعويضات عن التنقل . وهذا هو مربط الفرس.

   أما بالنسبة للأعوان فمدة تشغيلهم لا تتعدى 12 شهرا قابلة للتمديد مرة واحدة ، شريطة حصولهم على شهادة أو دبلوم يسمح بولوج درجة من الدرجات النظامية المماثلة للمنصب الذي سيشغله العون المزمع التعاقد معه ناهيك التجربة والمؤهلات الحرفية  أو المهنية .

   ويتم التشغيل بموجب عقود بناء على مباره بعد عملية انتقاء أولي بناء على دراسة لملفات المرشحين .

   يستشف من هذا المشروع مرسوم أن هناك رغبة لدى واضعه، هو فتح المجال لمن خرج من الباب لكي يعود من النافذة إلى دواليب الإدارة العمومية .وذلك عن طريق فتح الباب للمقربين من المتقاعدين والمغادرين في إطار المغادرة الطوعية و لما لا ذوي القربى من "المناضلين الحزبيين " وغيرهم.
   ويكفي التأكيد أن الإدارة العمومية والترابية تضم ما يناهز 40 ألف متصرف مستواهم  الجامعي لا يقل عن الإجازة  في مختلف التخصصات ، بالإضافة إلى أكثر من 11ألف مهندس وأكثر من 12ألف طبيبا وصيدليا وغيرهم .

 وهذا يعني أن المبرر الذي تعتمده السلطة الحكومية المكلفة بتحديث الإدارة  من الصعب فهمه كما سوق له ، ولنا أن تساءل  هل بهذه المبادرة الحكومية سيتم القطع  مع موضة الصفقات العمومية الخاصة بالدراسات  أو المناولة التي اتخذتها بعض الإدارات تصرفا معتادا، حتى لو كان موضوع الدراسة  عاديا من قبيل وضع هيكلة لمديرية ما ، أو اعداد مشروع قانون  مع وجود مقترح قانون سابق عليه  ؟ لاسيما مع وجود خبراء تابعين لتلك الإدارات وهم في موضع تهميش ممنهج، والبعض منهم هو من يصادق على منتوج الشركة التي أعدت الدراسة إن لم يكن شارك فيها عن طريق المناولة من الباطن .

   في اعتقدنا ، فإن السبب المعلن لإصدار مشروع المرسوم بالتشغيل بالعقود لا يمكن إقراره بكل بساطة، خاصة وأن الوزارة المعنية ومعها الحكومة ما فتئت تعتمد تقنية المراسيم من أجل تهميش دور السلطة التشريعية صاحبة الاختصاص في مجال الوظيفة العمومية والتشغيل.

   وهذا ما أكده الفصل 71 من الدستور الذي اعتبر من مجال القانون،  كل ما يتعلق بالوظيفة العمومية والضمانات الأساسية للموظفين المدنيين والعسكريين بالإضافة إلى علاقات الشغل ...

وختاما، نرى بأنه أننا على يقين بأن هذه الحكومة لا تلتفت إلى الخبراء المتواجدين بقطاعي الوظيفة العمومية والترابية  ولا سيما الحاملين لشهادة دكتوراه الدولة والدكتوراه الوطنية متشبثة بشعار" مطرب الحي لا يطرب "، والأمل معقود على الحكومة المقبلة لعلها بمعية أغلبها تنفض الغبار على المقترح قانون الذي تقدمت  به إحدى الفرق البرلمانية من أجل رفع الحيف عن الخبراء  العموميين ، والذي تعاملت معهم الحكومة الحالية بالإقبار.
    كما أننا نقول بأعلى صوتنا بأن الموظفين العاملين بالإدارات العمومية لحد الآن ولا سيما الخبراء منهم يعتبرون مناضلين بما تحمله هذه الكلمة من معنى ، وكان بإمكانهم الولوج إلى القطاع الخاص الوطني أو الاجنبي وفضلوا خدمة وطنهم من موقعهم ، مع علمهم أن دخلهم زهيدا مقارنة مع زملائهم في القطاع الخاص أو المؤسسات العمومية . لذا يتعين على كل المسؤولين الحكوميين وغير الحكوميين اتخاذ هذا المعطى بعين الاعتبار، قبل اصدار أحكام قيمة بعيدا عن الموضوعية ./.
 



الاربعاء 3 غشت 2016

تعليق جديد
Twitter