بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه
السيد رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب
السيد الرئيس الأول للمجلس الأعلى
السيد الوكيل العام للملك لدى المجلس الأعلى
السيد والي صاحب الجلالة
السيد نقيب هيئة المحامين بأكادير
السيد رئيس الاتحاد الدولي للمحامين
السادة المسؤولون القضائيون والقضاة
السادة النقباء
زملائي المحامين
حضرات السيدات والسادة
يشرفني ويسعدني أن أشارك معكم اليوم في افتتاح المؤتمر السابع والعشرين لجمعية هيئات المحامين بالمغرب، ليس فقط بصفتي وزيرا للعدل، بل وكزميل لكم يتشرف بانتمائه لمهنة المحاماة، هذه المهنة النبيلة "العريقة كالقضاء، المجيدة كالفضيلة، والضرورية كالعدالة".
وأغتنم هذه المناسبة لأتوجه بالشكر والتقدير لجمعية هيآت المحامين بالمغرب، ولهيأة المحامين بأكادير على حسن تنظيم أشغال هذا المؤتمر، الذي يجسد في الواقع مسارا غنيا ومتواصلا لجهود الجمعية من أجل الرفع من مستوى العمل المهني للمحامي، والرقي بالممارسة المهنية إلى مستوى سمو رسالة مهنة المحاماة ونبل أعرافها وتقاليدها، وكذا تعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وسيادة حكم القانون واستقلال القضاء ونزاهته، وحصانة الدفاع وحريته واستقلاله ونزاهته، هذا فضلا عن تجند الجمعية الدائم والمستميت من أجل الدفاع عن المصالح العليا للوطن وعن وحدته الترابية.
وإن تنظيم المؤتمر السابع والعشرين لجمعية هيئات المحامين بالمغرب تحت شعار "إصلاح جهاز العدالة: إرادة سياسية، وتغيير دستوري"، ليأتي في خضم الإصلاحات والأوراش الكبرى التي تعرفها المملكة، والتي يحتل القضاء فيها صدارة الاهتمام، إذ يعتبر أولوية في برامج الإصلاح، بالنظر للدور الحيوي للقضاء في البناء الديمقراطي، وتحقيق الأمن القضائي، وترسيخ الثقة الكفيلة بالتحفيز على المبادرة والاستثمار.
ولذلك، فإن تنظيم هذا المؤتمر، يعكس، حقا، مدى وعي نساء ورجال مهنة المحاماة بأهمية المرحلة التي وصل إليها مسار إصلاح القضاء بالمغرب، ويؤكد،كذلك، الحرص المبدئي والدائم لجمعية هيئات المحامين بالمغرب، على مواصلة جهود الجمعية الدؤوبة، من أجل المساهمة في إرساء مقومات منظومة عدالة مستقلة، حديثة وفعالة ببلادنا، وفق ما تشهد به الأدبيات والتوصيات البناءة للجمعية بهذا الخصوص.
حضرات السيدات والسادة
زملائي الأعزاء
إن إصلاح منظومة العدالة موضوع آني يتسم براهنيته المتجددة، المستندة على مرجعيات متعددة، في مقدمتها الإجماع الوطني على مطلب إعادة النظر في منظومتنا القضائية، والتفاف كافة القوى السياسية والفعاليات المدنية حول مطلب إصلاح القضاء، وذلك في انسجام تام مع الإرادة المولوية السامية، التي طالما عبر عنها جلالة الملك محمد السادس نصره الله، لاسيما في خطاب 20 غشت 2009 الذي حدد فيه جلالته مبادئ وأهداف ومحاور إصلاح منظومة العدالة، والمتمثلة في " تعزيز ضمانات استقلال القضاء، وتحديث المنظومة القانونية، وتأهيل الهياكل والموارد البشرية، والرفع من النجاعة القضائية، وترسيخ التخليق، وحسن التفعيل".
ومواصلة لهذا المسار المتقدم في برامج الإصلاح القضائي، جاء الخطاب الملكي السامي ليوم 8 أكتوبر 2010، الذي أسس لمفهوم جديد لإصلاح منظومة العدالة يرمي إلى جعل "القضاء في خدمة المواطن". وقد أكد جلالة الملك في هذا الخطاب على أن "السلطة القضائية، بقدر ما هي مستقلة عن الجهازين التشريعي والتنفيذي، فإنها جزء لا يتجزأ من سلطة الدولة. فالقضاء مؤتمن على سمو دستور المملكة، وسيادة قوانينها، وحماية حقوق والتزامات المواطنة".
وقد تم تتويج هذه الوتيرة المتصاعدة في مجال الإصلاح القضائي، بالخطاب التاريخي ليوم 9 مارس 2011، الذي أعلن فيه جلالة الملك نصره الله عن إصلاح دستوري عميق، شكل القضاء أحدَ المجالات المعنية به، حيث أكد حفظه الله على إجراء تعديل دستوري شامل، يستند على سبعة مرتكزات أساسية، في طليعتها "الارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة"، توطيدا لسمو الدستور، ولسيادة القانون، والمساواة أمامه. وذلك موازاة مع ترسيخ دولة الحق والمؤسسات، وتوسيع مجال الحريات الفردية والجماعية، وضمان ممارستها، وتعزيز منظومة حقوق الإنسان بكل أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والثقافية والبيئية، ولاسيما دسترة التوصيات الوجيهة لهيئة الإنصاف والمصالحة، والالتزامات الدولية للمغرب.
لقد شكل الخطاب الملكي التاريخي ليوم 9 مارس 2011 منعطفا حاسما في تطوير عملية الإصلاح الفعلي لمنظومة العدالة، وتعبيرا واضحا، ومن أعلى مستوى، عن إرادة سياسية حقيقية للإصلاح، من خلال المعالجة الدستورية الحديثة للشأن القضائي، وذلك بالارتقاء بالقضاء إلى مصاف كل من السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، وتكريس موقعه دستوريا كسلطة قضائية مستقلة.
حضرات السيدات والسادة
زملائي الأعزاء
إن المراجعة الدستورية المرتقبة بشأن ما يتعلق بالقضاء، ستؤسِّس، ولا شك، للمبادئ العامة، وستكرس القواعد والضوابط الكلية، لكل ما له صله بميدان القضاء.
وستنطلق بعد ذلك مرحلة هامة جدا كذلك، من أجل تشريع وتفصيل تلك المبادئ والقواعد الدستورية العامة المرتبطة بالقضاء، من خلال إعداد النصوص القانونية العملية، لاسيما ما يتعلق بمراجعة النظام الأساسي للقضاة، والمجلس الأعلى للقضاء، والتنظيم القضائي، ومعايير الولوج إلى سلك القضاء، والتكوين بالمعهد العالي للقضاء، وإعادة النظر في الإطار القانوني المنظم لمختلف المهن القضائية ومساعدي القضاء، وغير ذلك من النصوص ذات الصلة بالميدان القضائي.
وعلى ذلك؛ فإن المراجعة الدستورية للمقتضيات المتعلقة بالشأن القضائي، ستكون بداية لورش ضخم، يتعلق بالتحضير لمتطلبات ومقومات السلطة القضائية المستقلة التي أعلن عنها صاحب الجلالة. بما سيكرس دور القضاء في توطيد سيادة القانون والمساواة أمامه وضمان المحاكمة العادلة، والتحفيز على التنمية، والالتزام بسيادة القانون في إحقاق الحقوق ورفع المظالم.
وسيتطلب الأمر بدون ريب، انخراطا لمختلف الفاعلين في المجال القضائي للنهوض بهذا الورش الاستراتيجي، استمرارا للنهج التشاركي والتشاوري الذي طبع مختلف مراحل مسار الإصلاح القضائي في بلادنا.
حضرات السيدات والسادة
زملائي الأعزاء
إن إصلاح القضاء مسار من العمل المتواصل في الزمن، وسلسلة من البرامج والمنجزات المتتالية في التحقيق، وفي هذا الإطار فقد وضعت وزارة العدل خططا متكاملة ومضبوطة، تجسد العمق الاستراتيجي للإصلاح، وفق مقاربة شاملة ومتكاملة للمجالات الأساسية للإصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة برمتها، وذلك على عدة مستويات مؤسساتية وتنظيمية وتشريعية:
- فعلى المستوى المؤسساتي: ترمي هذه البرامج إلى دعم استقلالية القضاء، وتحديث المنظومة القانونية، وتأهيل الهياكل القضائية والإدارية والبشرية، وترسيخ التخليق؛
- أما على المستوى التنظيمي: فإن برامج الوزارة تهدف إلى تحقيق نتائج ملموسة لفائدة المواطن، في مجالات ضمان مقومات المحاكمة العادلة، وفعالية ونجاعة القضاء، ونهج الحكامة الجيدة، وكذا ترسيخ الاحترافية، والشفافية، ونزاهة وجودة الأحكام، والرقي بمستوى الخدمات القضائية، وتسهيل ولوج المتقاضين إلى المحاكم، وتبسيط المساطر والإجراءات القضائية، وإحداث قضاء القرب الذي سيحل محل محاكم الجماعات والمقاطعات، فضلا عن تفعيل اللاتمركز لضمان الفعالية، والرفع من مستوى الخدمات الاجتماعية لقضاة وموظفي العدل؛
- أما بالنسبة للمستوى التشريعي: فقد أعدت وزارة العدل ثمانية وعشرين (28) مشروع نص قانون أو مرسوم، وهي مشاريع تهم مختلف المناحي المرتبطة بالقضاء، ومجال الأعمال، والسياسة الجنائية، منها ما صادق عليه البرلمان ونشر في الجريدة الرسمية، ومنها ما زال معروضا على البرلمان، بحيث إن النصوص التي تعني وزارة العدل تشكل النسبة الكبرى من النصوص المعروضة على المؤسسة التشريعية.
وفي إطار تفعيل التواصل والانفتاح على باقي الفاعلين في الحقل القضائي، لاسيما مع السادة المحامين، فإن وزارة العدل عملت على تكريس ثقافة التشاور والحوار من خلال لجنة إصلاح مهنة المحاماة، التي قامت بجهود مهمة، سواء فيما يتعلق بتقديم مقترحات جديدة لتعديل بعض مقتضيات قانون المحاماة، أو دراسة آليات وسبل تفعيل المرسوم الصادر مؤخرا والمتعلق بالاعتمادات المالية المخصصة لتغطية أتعاب ومصاريف المحامين، مقابل الخدمات التي يقدمونها في إطـار المساعدة القضائية، وكذا تدارس مشروع المرسوم المتعلق بإحداث مؤسسة تُعنى بتكوين المحامين، هذا التكوين الذي نعتبره جميعا من أهم مكونات ومقومات إصلاح منظومة العدالة.
حضرات السيدات والسادة
زملائي الأعزاء
إن توفر الإرادة السياسة يعتبر من أهم مقومات كل إصلاح، ونعلم جميعا أن الإرادة السياسية لإصلاح جهاز القضاء بل إصلاح منظومة العدالة برمتها، إرادة متوفرة، ومعبر عنها بكل قوة ووضوح من قبل صاحب الجلالة نصره الله، والتي أكدها جلالته بمناسبة خطاب 9 مار س2011.
وإن التغيير الدستوري الذي سيهم الشأن القضائي في بلادنا، سيوفر آليات دستورية متقدمة، من شأنها تمكين القضاء من القيام بدوره في المجتمع الديمقراطي المعاصر، حتى يكون القضاء المغربي في مستوى تطلعات المواطنين وثقتهم.
وإن ربح هذا الرهان ليتطلب تعبئة شاملة، لا تقتصر على أسرة القضاء والعدالة، وإنما تشمل كافة المؤسسات والفعاليات بل وكل المواطنين. وإن للسادة المحامين دورا فعالا ومحوريا في إنجاح هذا الورش الاستراتيجي، باعتبارهم جزء من أسرة القضاء يشاركون القضاة في تحقيق العدالة وترسيخها. ولقد أكدت جمعية هيئات المحامين بالمغرب منذ تأسيسها، على أن إصلاح القضاء شأن وطني، لا يمكن النهوض به إلا بتكاثف وتكامل جهود جميع أعضاء أسرة العدالة.
ومن هنا أهمية هذا المؤتمر السابع والعشرين لجمعية هيئات المحامين بالمغرب، الذي يبرهن بوضوح عن الإسهام الفعال للجمعية في تحقيق الإصلاح القضائي المنشود.
أتمنى لأشغال مؤتمرنا هذا كامل التوفيق والنجاح.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه
السيد رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب
السيد الرئيس الأول للمجلس الأعلى
السيد الوكيل العام للملك لدى المجلس الأعلى
السيد والي صاحب الجلالة
السيد نقيب هيئة المحامين بأكادير
السيد رئيس الاتحاد الدولي للمحامين
السادة المسؤولون القضائيون والقضاة
السادة النقباء
زملائي المحامين
حضرات السيدات والسادة
يشرفني ويسعدني أن أشارك معكم اليوم في افتتاح المؤتمر السابع والعشرين لجمعية هيئات المحامين بالمغرب، ليس فقط بصفتي وزيرا للعدل، بل وكزميل لكم يتشرف بانتمائه لمهنة المحاماة، هذه المهنة النبيلة "العريقة كالقضاء، المجيدة كالفضيلة، والضرورية كالعدالة".
وأغتنم هذه المناسبة لأتوجه بالشكر والتقدير لجمعية هيآت المحامين بالمغرب، ولهيأة المحامين بأكادير على حسن تنظيم أشغال هذا المؤتمر، الذي يجسد في الواقع مسارا غنيا ومتواصلا لجهود الجمعية من أجل الرفع من مستوى العمل المهني للمحامي، والرقي بالممارسة المهنية إلى مستوى سمو رسالة مهنة المحاماة ونبل أعرافها وتقاليدها، وكذا تعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وسيادة حكم القانون واستقلال القضاء ونزاهته، وحصانة الدفاع وحريته واستقلاله ونزاهته، هذا فضلا عن تجند الجمعية الدائم والمستميت من أجل الدفاع عن المصالح العليا للوطن وعن وحدته الترابية.
وإن تنظيم المؤتمر السابع والعشرين لجمعية هيئات المحامين بالمغرب تحت شعار "إصلاح جهاز العدالة: إرادة سياسية، وتغيير دستوري"، ليأتي في خضم الإصلاحات والأوراش الكبرى التي تعرفها المملكة، والتي يحتل القضاء فيها صدارة الاهتمام، إذ يعتبر أولوية في برامج الإصلاح، بالنظر للدور الحيوي للقضاء في البناء الديمقراطي، وتحقيق الأمن القضائي، وترسيخ الثقة الكفيلة بالتحفيز على المبادرة والاستثمار.
ولذلك، فإن تنظيم هذا المؤتمر، يعكس، حقا، مدى وعي نساء ورجال مهنة المحاماة بأهمية المرحلة التي وصل إليها مسار إصلاح القضاء بالمغرب، ويؤكد،كذلك، الحرص المبدئي والدائم لجمعية هيئات المحامين بالمغرب، على مواصلة جهود الجمعية الدؤوبة، من أجل المساهمة في إرساء مقومات منظومة عدالة مستقلة، حديثة وفعالة ببلادنا، وفق ما تشهد به الأدبيات والتوصيات البناءة للجمعية بهذا الخصوص.
حضرات السيدات والسادة
زملائي الأعزاء
إن إصلاح منظومة العدالة موضوع آني يتسم براهنيته المتجددة، المستندة على مرجعيات متعددة، في مقدمتها الإجماع الوطني على مطلب إعادة النظر في منظومتنا القضائية، والتفاف كافة القوى السياسية والفعاليات المدنية حول مطلب إصلاح القضاء، وذلك في انسجام تام مع الإرادة المولوية السامية، التي طالما عبر عنها جلالة الملك محمد السادس نصره الله، لاسيما في خطاب 20 غشت 2009 الذي حدد فيه جلالته مبادئ وأهداف ومحاور إصلاح منظومة العدالة، والمتمثلة في " تعزيز ضمانات استقلال القضاء، وتحديث المنظومة القانونية، وتأهيل الهياكل والموارد البشرية، والرفع من النجاعة القضائية، وترسيخ التخليق، وحسن التفعيل".
ومواصلة لهذا المسار المتقدم في برامج الإصلاح القضائي، جاء الخطاب الملكي السامي ليوم 8 أكتوبر 2010، الذي أسس لمفهوم جديد لإصلاح منظومة العدالة يرمي إلى جعل "القضاء في خدمة المواطن". وقد أكد جلالة الملك في هذا الخطاب على أن "السلطة القضائية، بقدر ما هي مستقلة عن الجهازين التشريعي والتنفيذي، فإنها جزء لا يتجزأ من سلطة الدولة. فالقضاء مؤتمن على سمو دستور المملكة، وسيادة قوانينها، وحماية حقوق والتزامات المواطنة".
وقد تم تتويج هذه الوتيرة المتصاعدة في مجال الإصلاح القضائي، بالخطاب التاريخي ليوم 9 مارس 2011، الذي أعلن فيه جلالة الملك نصره الله عن إصلاح دستوري عميق، شكل القضاء أحدَ المجالات المعنية به، حيث أكد حفظه الله على إجراء تعديل دستوري شامل، يستند على سبعة مرتكزات أساسية، في طليعتها "الارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة"، توطيدا لسمو الدستور، ولسيادة القانون، والمساواة أمامه. وذلك موازاة مع ترسيخ دولة الحق والمؤسسات، وتوسيع مجال الحريات الفردية والجماعية، وضمان ممارستها، وتعزيز منظومة حقوق الإنسان بكل أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والثقافية والبيئية، ولاسيما دسترة التوصيات الوجيهة لهيئة الإنصاف والمصالحة، والالتزامات الدولية للمغرب.
لقد شكل الخطاب الملكي التاريخي ليوم 9 مارس 2011 منعطفا حاسما في تطوير عملية الإصلاح الفعلي لمنظومة العدالة، وتعبيرا واضحا، ومن أعلى مستوى، عن إرادة سياسية حقيقية للإصلاح، من خلال المعالجة الدستورية الحديثة للشأن القضائي، وذلك بالارتقاء بالقضاء إلى مصاف كل من السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، وتكريس موقعه دستوريا كسلطة قضائية مستقلة.
حضرات السيدات والسادة
زملائي الأعزاء
إن المراجعة الدستورية المرتقبة بشأن ما يتعلق بالقضاء، ستؤسِّس، ولا شك، للمبادئ العامة، وستكرس القواعد والضوابط الكلية، لكل ما له صله بميدان القضاء.
وستنطلق بعد ذلك مرحلة هامة جدا كذلك، من أجل تشريع وتفصيل تلك المبادئ والقواعد الدستورية العامة المرتبطة بالقضاء، من خلال إعداد النصوص القانونية العملية، لاسيما ما يتعلق بمراجعة النظام الأساسي للقضاة، والمجلس الأعلى للقضاء، والتنظيم القضائي، ومعايير الولوج إلى سلك القضاء، والتكوين بالمعهد العالي للقضاء، وإعادة النظر في الإطار القانوني المنظم لمختلف المهن القضائية ومساعدي القضاء، وغير ذلك من النصوص ذات الصلة بالميدان القضائي.
وعلى ذلك؛ فإن المراجعة الدستورية للمقتضيات المتعلقة بالشأن القضائي، ستكون بداية لورش ضخم، يتعلق بالتحضير لمتطلبات ومقومات السلطة القضائية المستقلة التي أعلن عنها صاحب الجلالة. بما سيكرس دور القضاء في توطيد سيادة القانون والمساواة أمامه وضمان المحاكمة العادلة، والتحفيز على التنمية، والالتزام بسيادة القانون في إحقاق الحقوق ورفع المظالم.
وسيتطلب الأمر بدون ريب، انخراطا لمختلف الفاعلين في المجال القضائي للنهوض بهذا الورش الاستراتيجي، استمرارا للنهج التشاركي والتشاوري الذي طبع مختلف مراحل مسار الإصلاح القضائي في بلادنا.
حضرات السيدات والسادة
زملائي الأعزاء
إن إصلاح القضاء مسار من العمل المتواصل في الزمن، وسلسلة من البرامج والمنجزات المتتالية في التحقيق، وفي هذا الإطار فقد وضعت وزارة العدل خططا متكاملة ومضبوطة، تجسد العمق الاستراتيجي للإصلاح، وفق مقاربة شاملة ومتكاملة للمجالات الأساسية للإصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة برمتها، وذلك على عدة مستويات مؤسساتية وتنظيمية وتشريعية:
- فعلى المستوى المؤسساتي: ترمي هذه البرامج إلى دعم استقلالية القضاء، وتحديث المنظومة القانونية، وتأهيل الهياكل القضائية والإدارية والبشرية، وترسيخ التخليق؛
- أما على المستوى التنظيمي: فإن برامج الوزارة تهدف إلى تحقيق نتائج ملموسة لفائدة المواطن، في مجالات ضمان مقومات المحاكمة العادلة، وفعالية ونجاعة القضاء، ونهج الحكامة الجيدة، وكذا ترسيخ الاحترافية، والشفافية، ونزاهة وجودة الأحكام، والرقي بمستوى الخدمات القضائية، وتسهيل ولوج المتقاضين إلى المحاكم، وتبسيط المساطر والإجراءات القضائية، وإحداث قضاء القرب الذي سيحل محل محاكم الجماعات والمقاطعات، فضلا عن تفعيل اللاتمركز لضمان الفعالية، والرفع من مستوى الخدمات الاجتماعية لقضاة وموظفي العدل؛
- أما بالنسبة للمستوى التشريعي: فقد أعدت وزارة العدل ثمانية وعشرين (28) مشروع نص قانون أو مرسوم، وهي مشاريع تهم مختلف المناحي المرتبطة بالقضاء، ومجال الأعمال، والسياسة الجنائية، منها ما صادق عليه البرلمان ونشر في الجريدة الرسمية، ومنها ما زال معروضا على البرلمان، بحيث إن النصوص التي تعني وزارة العدل تشكل النسبة الكبرى من النصوص المعروضة على المؤسسة التشريعية.
وفي إطار تفعيل التواصل والانفتاح على باقي الفاعلين في الحقل القضائي، لاسيما مع السادة المحامين، فإن وزارة العدل عملت على تكريس ثقافة التشاور والحوار من خلال لجنة إصلاح مهنة المحاماة، التي قامت بجهود مهمة، سواء فيما يتعلق بتقديم مقترحات جديدة لتعديل بعض مقتضيات قانون المحاماة، أو دراسة آليات وسبل تفعيل المرسوم الصادر مؤخرا والمتعلق بالاعتمادات المالية المخصصة لتغطية أتعاب ومصاريف المحامين، مقابل الخدمات التي يقدمونها في إطـار المساعدة القضائية، وكذا تدارس مشروع المرسوم المتعلق بإحداث مؤسسة تُعنى بتكوين المحامين، هذا التكوين الذي نعتبره جميعا من أهم مكونات ومقومات إصلاح منظومة العدالة.
حضرات السيدات والسادة
زملائي الأعزاء
إن توفر الإرادة السياسة يعتبر من أهم مقومات كل إصلاح، ونعلم جميعا أن الإرادة السياسية لإصلاح جهاز القضاء بل إصلاح منظومة العدالة برمتها، إرادة متوفرة، ومعبر عنها بكل قوة ووضوح من قبل صاحب الجلالة نصره الله، والتي أكدها جلالته بمناسبة خطاب 9 مار س2011.
وإن التغيير الدستوري الذي سيهم الشأن القضائي في بلادنا، سيوفر آليات دستورية متقدمة، من شأنها تمكين القضاء من القيام بدوره في المجتمع الديمقراطي المعاصر، حتى يكون القضاء المغربي في مستوى تطلعات المواطنين وثقتهم.
وإن ربح هذا الرهان ليتطلب تعبئة شاملة، لا تقتصر على أسرة القضاء والعدالة، وإنما تشمل كافة المؤسسات والفعاليات بل وكل المواطنين. وإن للسادة المحامين دورا فعالا ومحوريا في إنجاح هذا الورش الاستراتيجي، باعتبارهم جزء من أسرة القضاء يشاركون القضاة في تحقيق العدالة وترسيخها. ولقد أكدت جمعية هيئات المحامين بالمغرب منذ تأسيسها، على أن إصلاح القضاء شأن وطني، لا يمكن النهوض به إلا بتكاثف وتكامل جهود جميع أعضاء أسرة العدالة.
ومن هنا أهمية هذا المؤتمر السابع والعشرين لجمعية هيئات المحامين بالمغرب، الذي يبرهن بوضوح عن الإسهام الفعال للجمعية في تحقيق الإصلاح القضائي المنشود.
أتمنى لأشغال مؤتمرنا هذا كامل التوفيق والنجاح.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.