لم تعد السياسة العقابية مبنية على إنزال العقوبة والحبس لأجل ردع الجاني فحسب، بل أصبحت تهتم بشخصية الجاني ومحاولة إدماجه داخل المجتمع وذلك بتفريد العقوبة وتتبع مراحل احتجازه داخل المؤسسة السجنية بل وحتى خارجها تفاديا للعود وتطبيقا لتدابير وقائية سليمة تتماشى مع المواثيق الدولية الرامية إلى حماية السجناء ومراعاة لسياسة جنائية عادلة حتى بعد مرحلة النطق بالحكم.
ولقد جاء إحداث مؤسسة قاضي تنفيذ العقوبات، ليشكل ترجمة عملية لرغبة حقوقية طالما راودت مهمتي الشأن الحقوقي والقانوني بالمغرب،حيث أقدم المشرع المغربي ،اقتباسا من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي،بإحداث هذه المؤسسة بموجب قانون رقم 1/22 بظهير 3 أكتوبر 2002.
وقد عهد إليها بترسيخ الضمانات المطلوبة في الدعوى العمومية لفترة ما بعد صدور الحكم القضائي مرسخة بذلك استمرار الحماية القضائية للمحكوم عليه بعد الحسم في القضية الزجرية وصدور الحكم بالعقوبة.
فمن اذن هو قاضي العقوبات؟ وكيف يتم تعيينه؟وما هي اختصاصاته؟ وهل نجحت هذه المؤسسة في تحقيق الأهداف المتوخاة من وراء إنشائها؟
أسئلة عديدة نحاول الإجابة عنها من خلال العرض التالي:
- I
نشأة مؤسسة قاضي العقوبات:
في إطار الإصلاح العقابي الذي شهدته فرنسا خلال سنة 1945 ثم إحداث مؤسسة قاضي تنفيذ العقوبات الذي رسخ نظام تدخل القضاء في مرحلة تنفيذ الجزاء آخذا بذلك بعض صلاحيات المؤسسات السجنية ليمنح بذلك للجهاز القضائي مهمة تتبع وتنفيذ مقرراته وفقا لسياسة الإشراف ومراعاة المحكوم عليهم.
ولقد تم تأكيد اعتماد هذه المؤسسة فيما بعد وذلك بنص المادتين 721و722 من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي لسنة 1958 والذي زاد من صلاحيات قاضي العقوبة لأجل إعادة إدماج المحكوم عليهم وإخضاعهم لعلاج عقابي تدريجي يسمح بتحقيق أهداف السياسة القضائية والتدابير الاحترازية،حيث أصبح هذا القاضي يحدد الأنظمة العلاجية الملائمة مثل نظام الحرية النصفية، نظام الوضع في الخارج،وصلاحية خفض مدة العقوبة إذا كانت مدة العقوبة المقررة لا تتعدى ثلاثة اشهر.
وفي سنة 1972 تضاعفت سلطاته لتشمل نظام الإفراج الشرطي الذي أصبح يصادق عليه بمقرر إذا كان منطوق الحكم لا يتجاوز ثلاثة سنوات بعدما كان دوره في السابق مقتصرا على مجرد إبداء رأيه.
ونظرا لفعالية هذه المؤسسة على الصعيد العملي فقد تبنته مجموعة من التشريعات من بينها المشرع الايطالي منذ سنة 1930 استنادا لمشروع الفقيه فيري
ferry
،بل خلال سنة 1975 صدر قانون يجعل من هذه المؤسسة مؤسسة قضائية جماعية
institution judiciaire collégiale
ممثلة في قسم الإشراف والموجودة على مستوى محاكم الاستئناف.
كما أقدم المشرع التونسي بمقتضى القانون عدد 77 لسنة 2000 المؤرخ في 31 يوليوز 2000 إلى إرساء مؤسسة قاضي تنفيد العقوبات كمؤسسة تهدف إلى تأهيل المساجين وتوفير الضمانات
للمحكوم عليهم بعقوبة سالبة للحرية. كما قام المشرع المغربي، وكما جاء في التقديم، بتبني هذه المؤسسة التي تعتبر من أهم مستجدات قانون المسطرة الجنائية الأخير.
- II
تعريف قاضي تطبيق العقوبات:
لم يقدم المشرع المغربي على إعطاء تعريف لقاضي العقوبات، وحسناً فعل مادامت هذه مهمة الفقه والقضاء، وربما يكون السبب في ذلك راجع لكون قاضي العقوبات يتوفر على صلاحيات متعددة بموجب القانون والتي تساهم في عملية العلاج العقابي.
ويمكن تعريفه كالأتي : هو قاضي متخصص بالمحكمة الابتدائية، مهمته الأساسية تتبع حياة المحكوم عليهم داخل وخارج السجن مطبقا ضدهم القرارات القضائية السالبة للحرية، حيث تبتدئ مهمته بعد النطق بالحكم ويحدد أهم الأساليب لتطبيق العقوبة الناجعة الخاصة بكل متهم.
ويتم تعيين قاضي العقوبات من بين قضاة المحكمة الابتدائية(يعد من قضاة محكمة الاستئناف بفرنسا) بمرسوم وزير العدل ولمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد ويتم إعفاؤه بنفس الكيفية (الفصل 596 من ق.م.ج).
والملاحظ أن مصدر التعيين يشكل إشكالية الاستقلالية، حيث يعين من قبل الوزير الأول الذي يعتبر سلطة تنفيذية، زيادة على أن قاضي العقوبات يتوجب عليه طلب تسخير القوة القومية عند الضرورة من النيابة العامة، هذا الأمر يمكن أن يؤدي إلى تداخل السلط وعدم حياد القضاء.
و لعل الملاحظة المهمة التي يتعين إبداؤها بداية هو أن قاضي تطبيق العقوبات و إن كان يحمل صفة قاضي فانه لا يصدر في إطار مهامه أية أحكام أو أوامر قضائية وان له صلاحية محدودة في إعطاء آراء استشارية واقتراحية واتخاذ قرارات يمكن وصفها بالقرارات الإدارية مع التساؤل حول مدى قابليتها للطعن بالإلغاء.
إذا كان الأمر كذلك فلماذا سمي قاضيا مع أن هذه الصفة تعني بالأساس البث بمقتضى أحكام أو أوامر في كل نزاع يعرض عليه، وانه متى امتنع عليه أصبح عمله إداريا وهو ما لا يتوخاه المشرع من إدخال القاضي إلى ممارسة الرقابة على تطبيق العقوبة احتراما لحقوق الإنسان وعدم تركها فقط في يد الموظفين الإداريين، ونعتقد أن الهدف من ذلك هو إدخال عنصر قضائي إلى المؤسسات السجنية التي كانت حكرا على الإداريين حتى يكون قنطرة وصل بين المحكوم عليه وبين القضاء الحاكم، وعموماً فإننا نعتقد أن مهمة قاضي تطبيق العقوبات تتمثل في ما يلي:
III-
اختصاصات قاضي تطبيق العقوبات:
إن خلق هذه الوظيفة الدخيلة على سلك القضاء، لابد أن تكون لها انعكاسات عملية ايجابية تساير منطق العدالة الجنائية التي تروم اشتراك القضاء إلى جانب السلطة التنفيذية في تنفيذ الأحكام
والجزاءات الصادرة عن مختلف محاكم المملكة ومراقبة مدى ملائمة العقوبة بالنسبة لشخصية الجاني.كما أن إحداث هذه المؤسسة لا يمكنه أن يخلو من شوائب متعلقة بصلاحياته والتي يمكن
تقييمها بشكل نسبي نظرا لحداثة عهدها.
1
-دور قاضي العقوبات في تطبيق العقوبةوعلاقته بالمؤسسة السجنية :
يقوم قاضي العقوبات بتنفيذ المقررات القضائية السالبة للحرية والمحكوم بها من لدن المحاكم المختصة ضد السجناء والواجب قضاؤها داخل المؤسسة السجنية (الفقرة الثانية من الفصل 608 ق.م.ج)، وتهدف هذه المهمة إلى مراقبة مدى تكريس احترام حقوق السجين من طرف الإدارة السجنية والتأكد من تطبيق العقوبة المحكوم بها وكذا حماية السجين من خطر التعسف وسعي إلى تقويم سلوكه بإتباع أساليب تفريد العقوبة وآخذا بعين الاعتبار شخصية الجاني، سنه، مستواه الثقافي ودرجة الخطورة الإجرامية لديه.
وطبقا للمادة 596 يقوم قاضي تطبيق العقوبات بتتبع مدى تطبيق القانون المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية في شان قانونية الاعتقال، وحقوق السجناء ومراقبة سلامة إجراءات التأديب.
إلا أن المشرع المغربي لم يشير إلى الجزاء الواجب اتخاذه في حالة وقوف القاضي على حالة عدم مطابقة التدابير المقررة مع ما هو مطبق بالمؤسسة السجنية، كأن يتم الزجر بقاصر في نفس الزنزانة مع احد المحكوم عليهم بالعود أو جنوح جنسي أو يكون ذو طبيعة إجرامية خطيرة، فالقاضي يكتفي هنا برفع تقرير عن كل معاينة أو زيارة يضمن ملاحظاته ويوجهه إلى وزير العدل ويحيل نسخة منه إلى النيابة العامة حسبما جاء في الفقرة السادسة من الفصل 596.
فالرقابة إذن وان كانت تمارس من طرف قاضي تنفيذ العقوبات وفقا للقانون، إلا أنها تبقى عديمة الجدوى مادام قاضي العقوبات لا يتمتع بصلاحيات واسعة تمكنه من إجبار تطبيق السياسة العقابية. إذ العبرة من الرقابة القضائية في النتائج والممارسات الميدانية وليست الرقابة في حد ذاتها.
لذا فالمشرع مطالب بتعديل وتنقيح جديد يمكن قاضي تنفيذ العقوبات من صلاحيات أكثر فعالية ونجاعة كلما تعلق الأمر بمخالفة أوامره الرامية إلى تتبع وضعية المحكوم عليهم وحسن معاملتهم.
وعلى مستوى آليات المراقبة و في إطار اختصاصاته الميدانية والرقابية، فقد خوله القانون مهمة زيارة المؤسسات السجنية التابعة لدائرة المحكمة الابتدائية التي ينتمي إليها، وذلك مرة كل شهر على الأقل. والمؤسسة السجنية وطبقا للفصل 608 من ق.م.ج هي المكان الوحيد الذي اسند إليه المشرع مهمة استقبال الأشخاص الصادرة في حقهم تدابير سالبة للحرية والمخصصة لإيواء المدانيين وتضم على الخصوص:
السجون المركزية: وتخصص لإيواء المدنيين المحكوم عليهم بعقوبات طويلة الأمد.
السجون الفلاحية: وتختص بالتكوين المهني في الميدان الفلاحي وبتهييء بعض المدانين الذين اقترب الإفراج عنهم للعودة إلى الحياة العادية.
السجون المحلية: وتختص هذه المؤسسات بتلقين المدانين تكوينا مهنيا يتماشى مع مؤهلاتهم الذاتية قصد تأهيلهم للاندماج في الحياة العملية بعد الإفراج عنهم.
مراكز الإصلاح والتهذيب: وهي عبارة عن وحدات متخصصة في التكفل بالأحداث والأشخاص المدانين الذين لا تتعدى أعمارهم 18 سنة قصد إعادة إدماجهم في الوسط الاجتماعي.
و ضرورة قيام قاضي تطبيق العقوبات بزيارة المؤسسة السجنية ثم التنصيص عليه في المادتين 596/4 و616 من قانون المسطرة الجنائية بنوع من التكرار على الرغم من اختلاف الصيغة المستعملة في المادتين. ذلك أن تفقد السجناء كما هو معبر عنه في المادة 616 لا يمكن أن يتم دون زيارة لمحل الاعتقال، هذا التكرار الذي لا يمكن فهمه إلا في إطار التأكيد على ضرورة الحرص على هذه الزيارة باعتبارها الأساس الذي تنبني عليه باقي الصلاحيات.
فقاضي العقوبات ملزم، تنفيذا لمقتضيات هاتين المادتين، بان يتفقد المساجين وان يتأكد من شرعية اعتقالهم وذلك من خلال الطواف على العنابر وأماكن الاعتقال الانفرادي، والتأكد من مدى احترام المؤسسة لما يفرضه القانون المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية،كتخصيص حي مستقل للأشخاص الذين لا تتعدى أعمارهم 18 سنة أو على الأقل تخصيص محل مستقل لهم (المادة 5و6 من القانون رقم 98.23) وتصنيف المعتقلين بحسب الفئة التي ينتمون إليها، بان يفصل المعتقلون في زنازين خاصة منعا لاتصالهم بغيرهم ضمانا لحسن سير إجراءات التحقيق الجنائي، ومدى استجابة أماكن الاعتقال للمتطلبات الصحية والإنسانية التي يفرضها القانون.
وخلال هذه الدورات التفقدية ، يستطيع قاضي العقوبات أيضا أن يتصل مباشرة وشخصيا بكل معتقل، أو معتقل احتياطي، أو مدان، أو مكرها بدنيا، ويستفسره عن ظروف الاعتقال خاصة بالنسبة للجوانب التي يمكن مراقبتها بشكل سطحي، كما هو الأمر بالنسبة لحسن المعاملة مثلا. وعليه إذ ذلك أن يستفسرهم عن وضعيتهم الجنائية الحقيقية، إذا ظهر له أن وضعيتهم تلك منصوص عليها في السجلات بصفة غير صحيحة، ويعمل على إيجاد حل سريع إن أمكن للمشاكل التي هي من هذا القبيل، وعليه أيضا أن يستمع إليهم إذا طلبوا منه ذلك كتابة أو شفويا أثناء الزيارة.
كما يتعين على قاضي تطبيق العقوبة عند اتصاله بالسجناء، أن يبين لهم بصفة صريحة، الوصف القائم به ويستفسرهم عما إذا كانت لهم مطالب يقدمونها حول وضعيتهم الجنائية. ذلك أن الزيارة الميدانية تمكنه من الإطلاع أكثر عن الأوضاع والظروف الواقعية للمساجين، وتعتبر هذه الزيارة ضرورية لأنها تبقى أنجع وسيلة لاعتمادها على أسلوب الملاحظة الشخصية والتشبث الدقيق لكل ما يشاهده سواء بالنسبة للحالة العامة للسجن أو حالة السجناء. كما تشكل هذه الزيارات فرصة سانحة لقاضي تطبيق العقوبات كي يقترب أكثر من شكليات وطلبات المعتقلين، فرصة يستطيع من خلالها تدارك الأخطاء التي قد تقع أثناء تنفيذ العقوبة.
إلا أن الزيارة مرة واحدة في الشهر تعتبر غير كافية في نظرنا لأنه كلما تتكاثف الزيارات بقدر ما يقترب قاضي تنفيذ العقوبات من المحكوم عليهم ومن التعرف على شخصيتهم لضمان نجاح هدف العقوبة الذي هو محاولة إدماجهم داخل المجتمع عند انتهاء المدة المحكوم بها. لكن أمر تواتر الزيارات يبقى مرهونا بالسلطة التقديرية لقاضي العقوبات كما هو الشأن بالنسبة لساعات الزيارة لان المشرع لم يحدد زمنا معينا يتولى فيه القاضي الزيارة. فقد تكون داخل أو خارج التوقيت الإداري.
كما أن المشرع لم ينص على اصطحاب قاضي تطبيق العقوبات لكاتب ضبط عند قيامه بمهمة الزيارة وهو ما يثير التساؤل عن مدى قانونية هذا الأمر،خاصة وانه لا يوجد من بين النصوص المنظمة لصلاحيات قاضي تطبيق العقوبات ما يشير إلى استعانته في القيام بمهمته بكاتب للضبط فضلا عن كون هذا الأخير يبقى أجنبيا عن المؤسسة السجنية وبالتالي فانه يخضع في زيارتها للقواعد المنظمة لذلك والتي تجعل الزيارة من اختصاص مدير المؤسسة حسبما يستفاد من المادة 75من القانون المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية.
ومن بين آليات المراقبة أيضا، يتوفر قاضي تنفيذ العقوبات على إمكانية الإطلاع على الدفتر الخاص بكل سجين يساعده على تتبع وضعيته والقرارات التأديبية الصادرة في حقه، كما يمكنه من مراقبة مدى احترام الآجال خاصة بالنسبة لعقوبة الإيداع بغرفة انفرادية مع مدى متابعة الطبيب للسجين المعاقب.
إلا أن قاضي التنفيد ليس له حق الاعتراض على القرارات التأديبية الصادرة عن الإدارة السجنية أو حق شرط موافقته عند توقيع عقوبة العزل الانفرادي، وتتقاطع صلاحياته مع بعض مواد القانون الجنائي(ف 24. 28 و 29 من القانون الجنائي)والقوانين الداخلية للسجون.
كما أن قرارات قاضي التنفيذ تطرح إشكال يخص الطبيعة القانونية، ففيما يذهب البعض إلى اعتبارها قرارات إدارية لأن القاضي يقوم باتخاذ القرار من تلقاء نفسه ولا يقوم بفض منازعة. و هناك من اعتبرها قرارات قضائية بحكم صدورها عن قاضي تابع للمحكمة الابتدائية.
في حين اقر اتجاه ثالث بضرورة البحث عن معيار يمكن الاستناد إليه لضبط الطبيعة القانونية لقرارات قاضي العقوبات ومن أهم المعايير التي وقع اعتمادها في فرنسا تلك المتعلقة بالقرارات الماسة بطبيعة العقوبة، وقد فرق مجلس الدولة في قراره المعروف باسم قرار ثيرون
Arrêt Thêron
المؤرخ في 9 نونبر 1996 من بين قرارات التي تمثل شكلا من أشكال المعالجة السجنية، والتي يمكن الطعن فيها لدى المحكمة الإدارية وبالتالي تعتبر قرارات إدارية و التدابير التي تمس العقوبة والتي يعود الطعن فيها إلى القضاء العادي تعتبر قرارات قضائية. وفي إطار المراقبة دائما،يقوم قاضي تنفيذ العقوبات بالسهر على احترام حقوق السجناء المنسجمة مع نصوص المواثيق والمعاهدات الدولية خاصة منها الاتفاقيات التي صادق عليها المغرب والمتعلقة بمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملات والعقوبات القاسية أو الاإنسانية أو المهنية بمقتضى الظهير الشريف رقم 362.93.1 الصادر في 27 نونبر 1996.
ويدخل ضمن هذه الحقوق تبعا لذلك تلك التي تندرج ضمن ما يعرف بالحقوق الطبيعية اللصيقة بالإنسان والمتمثلة في صون ذات المحكوم عليه وكرامته ماديا ومعنويا من اي مهانة تعسفية صادرة عن أية جهة كانت وبأي مبرر كان. ويدخل ضمنها أيضا الحفاظ على التوازن في المعاملة العقابية بين مقتضيات الدفاع الاجتماعي و احترام الحقوق الفردية للمحكوم عليهم.
فارتكاب الجريمة لا يفقد المجرم إنسانيته والحكم القضائي بالإدانة لا يعدم حقوق المحكوم عليه وحرياته، وإنما يضعه في مركز جديد يختلف عن مركزه السابق المخصص له كانسان حر
ومواطن بريء فالمحكوم عليه ككل مواطن له حق الدولة، وككل إنسان له إزاء المجموعة التي ينتمي إليها أيضا حقوق فلا يجرد من شيء منها إلا بمقتضى القانون.
2
-دور قاضي تنفيذ العقوبات في مسطرة الإفراج المقيد بشروط :
يقوم قاضي تنفيذ العقوبات في إطار اختصاصاته الميدانية، بتقديم اقتراحاته بخصوص الإفراج الشرطي وفقا للشروط المحددة في الفصل 622 من قانون المسطرة الجنائية،حيث ينظر على ضوء الملف المتعلق بالسجين في مدى توفرشروط السراح، بما فيها التحقق من أن السجين برهن من خلال سيرته، داخل السجن عن ارتداعه أو إذا ظهر سراحه مفيداً للمجتمع.
إن إعطاء قاضي تطبيق العقوبة هذه المهمة لا يمكن فهمه إلا من خلال الوقوف على وظيفة العقوبة التي تعود بدورها الى البحث في مشروعية العقاب القائمة على أساس الموازنة بين مبدأي النفعية والأخلاقية فبين هذين الموقفين يقف قاضي تطبيق العقوبة موفقا بين الأمرين، فمتى اتضح له أن فكرة العدالة قد تحققت إلا وخوله المشرع تقديم مقترحات حول الإفراج المقيد بشروط، غير أن هذا الاقتراح ينبغي أن ينسجم مع المقتضيات القانونية المنظمة للموضوع إذ فضلا عن تحسن سلوك المحكوم عليه وبرهنته على ذلك من خلال سيرته داخل المؤسسة التي ينفذ بها العقوبة، ينبغي أن تحترم باقي الشروط المنصوص عليها في الفصل 622 من قانون المسطرة الجنائية، وان سلطة اقتراح تمتيع المحكوم عليه بالإفراج الشرطي هي سلطة تقديرية، وهو ما يفرض بالضرورة عدم تجاوزها للنص القانوني من خلال ما يفرضه من شروط.
وهكذا فلا يمكن لقاضي تطبيق العقوبات اقتراح تمتيع المحكوم عليه بالانفراج الشرطي إلا إذا توفرت فيه الشروط التالية:
-قضاء نصف العقوبة المحكوم بها على الأقل، متى كانت الجريمة المنفذ من اجلها تتصف بوصف جنحة يقل الحد الأقصى للعقوبة المقررة لها عن 5 سنوات.
-قضاء ثلث العقوبة المحكوم بها على الأقل، متى كانت الجريمة المنفذ من اجلها تتصف بوصف جناية مطلقة او جنحة يزيد الحد الاقصى للعقوبة لها 5 سنوات.
-قضاء ثلاث سنوات على الأقل من الاعتقال الفعلي، إذ تعلق الأمر بمحكوم عليه بالإقصاء، على أن تحسب المدة المذكورة ابتداء من اليوم الذي يصبح فيه تدبير الإقصاء ساري المفعول.
ولا يفوتن في هذا المجال الإشارة إلى أن احتساب المدد المبينة أعلاه يجب أن يأخذ بعين الاعتبار قواعد ضم أو دمج او تخفيض العقوبات او استبدالها تبعا للقواعد المعمول بها في هذا الشأن.
و اختصاص قاضي تطبيق العقوبات فيما يخص اقتراح الإفراج المقيد بشروط ليس من شانه أن يسحب الاختصاص من مدير المؤسسة السجينة التي تنفد بها العقوبة. هذه الصلاحية التي تجد سندها في الفصل 625 من قانون المسطرة الجنائية تطبيقا لمقتضيات المادة 155 من المرسوم رقم 485.00.2 الصادر بتاريخ 3/11/2003 فمن خلال هذه المقتضيات يمكن أن يرشح الشخص المعتقل للاستفادة من الإفراج المقيد بشروط دون طلب منه ودلك باقتراح من مدير المؤسسة السجنية التي يقضي بها فترة عقوبته متى ثبت حسن سيرته داخل المؤسسة و اجتمعت الشروط المبينة أعلاه.
هذا وأوجبت المادة 628 من قانون المسطرة الجنائية إبلاغ قاضي تطبيق العقوبات بنسخة من قرار الإفراج المقيد بشروط هنا يثار التساؤل عريضا حول سبب هذا الإبلاغ، خاصة وان المشرع لم يعطي إي اختصاص لقاضي تطبيق العقوبة في تتبع سيرة المفرج عنه أو تتبع مدى احترامه لشروط الإفراج المحددة في القرار خلافا لما عليه الشأن بالنسبة كوكيل الملك أو عامل الإقليم او غيرهما ممن أناطت بهما المادة المذكورة صلاحية تتبع المفرج عنه، فهل يعتبر ذلك مؤشرا على تخويله هذا الاختصاص؟
وإجمالا يمكن القول بان الإفراج المقيد بشروط هو بمثابة الوسيلة التي تشجع السجين على إتباع السلوك القويم داخل السجن لحمله على تحسين سلوكه وبالرجوع إلى الجادة واستحقاقه بالتالي
التنقيص في مدة السجن، الا انه إلى جانب ذلك يبقى لقرار الإفراج الشرطي وظيفة مهمة تتمثل في مقاومة الجريمة وإدماج المحكوم عليه في الحياة الاجتماعية.
3
-دور قاضي تنفيذ العقوبات في تطبيق مسطرة الإكراه البدني:
الإكراه البدني هو آلية قانونية وتقنية للتنفيذ الجبري تسلط بناء على طلب صريح من الدائن المستفيد من الحكم أو من يقوم مقامه، على المدين غير المعسر الذاتي دون الاعتباري والمتماطل أو الممتنع عن تنفيذ مقتضيات الحكم الصادر بأداء دين محدد في مقداره،سواء كان مصدره مديونية خاصة أو عامة. ومع مراعاة الاستثناءات المقررة بنص صريح في القانون...فتصرف إلى شخصه وتمسه في ذاته بغية إرغامه على تبرئة ذمته المالية اتجاه الدائن المستفيد من الحكم بعد استئناف جميع طرق التنفيذ العادية في حقه التي ظلت دون جدوى وعجزت عن تحقيق مرادها وكذا بعد سبقية إنذاره بصفة قانونية ونظامية، ويتحقق ذلك عن طريق إيداع هذا المدين بالسجن لمدة محددة زمنيا طبقا للقانون وتتناسب مع القدر المالي المحكوم به.
علما أن هذه المسطرة لا تتناقص مع شريعتنا السمحاء التي أجازت تطبيق هذا المبدأ بشروط وأساليب محددة،فقد اقر فقهاء الإسلام مبدأ حبس المدين الذي يمتنع عن الوفاء بديونه رغم قدرته ويسره، حيث اعتبروا الحبس في حالة المماطلة المتعمد جزاء لظلم المدين دائنه لقوله صلى الله عليه وسلم » مطل الغني ظلم « ، فلا يجوز حبس المدين ا المعسر الذي لا مال له لأداء دينه وإنما ينظر إلى حين يسره لقوله تعالى '' وان كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ، وان تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون ''.
ويقوم قاضي تطبيق العقوبات في إطار مسطرة الإكراه البدني بالتأكد من صحة الإجراءات القانونية والشكليات النظامية، حيث يقوم ببسط رقابة قضائية جديدة من درجة ثانية تعزز الرقابة الأولى التي يقوم بها قاضي النيابة العامة، وذلك بالتحقق من توافر الشروط الموضوعية والإجراءات الشكلية المتبعة في سلوك مسطرة الإكراه البدني. وتمتد رقابته أيضا لتشمل حتى الشكلية المستندية للوثائق المحتج بها من قبل طالب الإكراه البدني حيث يتحقق من صحة الوثائق المعززة للطلب ومدى حجيتها الاثباتية.
وتبرز أهمية دور قاضي تطبيق العقوبات في سياق مسطرة الإكراه البدني،في انه يتعذر وبقوة القانون، إلقاء القبض على الشخص المزمع إكراهه في غياب صدور آمر عنه وتؤكد ذلك الفقرة الاخيرة من الفصل 640 من قانون المسطرة الجنائية :''لا يأمر وكيل الملك أعوان القوة العمومية بالقاء القبض على الشخص المطلوب تطبيق الإكراه البدني في حقه الا بعد صدور قرار بالموافقة على ذلك عن قاضي تطبيق العقوبات على مراعاة مقتضيات المادة 641 بعده...''.
أما فيما يتعلق بتقنية التداول بين مؤسسة النيابة العامة وقاضي العقوبات بشان تطبيق مسطرة الإكراه البدني فتجدر الإشارة إلى انه بمجرد استنفاد الإجراءات القانونية لمسطرة الإكراه البدني وتقديم الوثائق المعززة بالطلب ويقوم وكيل الملك أو احد نوابه بإحالة الملف على قاضي العقوبات بعد قيام مؤسسة كتابة النيابة العامة بترقيم الملف وتسجيل بياناته (الرقم الترتيبي للملف مرجع المسطرة هوية الطالب والمطلوب في مسطرة الإكراه البدني وبياناتهما التعريفية... الخ ).
وبعد تفحص قاضي العقوبات للمسطرة يصدر هذا الأخير إما مقررا بالموافقة الميدانية على تطبيق مسطرة الإكراه البدني حيث يحيل ملف المسطرة من جديد على مصلحة النيابة العامة التي تصدر فورا أمرا قضائيا إلى أفراد القوة العمومية بإلقاء القبض على المكره بدنيا والزج به في السجن لقضاء مدة الإكراه الموازية لقيمة الدين المسطرة في منطوق الحكم الصادر بالأداء.
أما إذا ارتأى قاضي تطبيق العقوبات إصدار مقرر بالرفض فيتعين عليه وجوبا تعليل قراره والإشارة في مقرره إلى سبب الرفض والنقط التي اعتبرها إخلالا بشرط موضوعي أو إجراء مسطري والذي يمكن بموجبه على مسطرة الإكراه البدني صحتها، حتى تتدارك النيابة العامة هذا الخلل وإصلاح المسطرة على ضوء النقطة التي بث فيها قاضي العقوبة.
وإذا كان المقرر يهم الإخلال بنقطة قانونية غير قابلة للتداول أو الإصلاح، قررت النيابة العامة فقط حفظ الملف استنادا للعلة المضمنة بمقرر قاضي تطبيق العقوبة كما هو الشأن. مثلا بالنسبة لبلوغ المكره أكثر من ستين سنة أو كون العقوبة الصادرة مرتبطة بالسجن المؤبد...الفصل 626 من قانون المسطرة الجنائية .
وصلة بهذا الموضوع تطرح إشكالية في الحالة التي يعمد فيها قاضي النيابة العامة الى إصدار أمر إلى أعوان القوة العمومية لاعتقال المكره بدنيا دون أسبقية إحالة ملف المسطرة على قاضي العقوبات..؟
لا شك أن الاعتقال المذكور يكون متسما بالتجاوز والشطط ويعتبر باطلا بطلانا مطلقا ولو في حالة اكتمال صحة الشروط الموضوعية للمسطرة.ففي هده الحالة يمكن للمدين المكره الطعن في صحة إجراءات الإكراه البدني أمام رئيس المحكمة الابتدائية الكائن مقرها بمحل القبض أو الاعتقال حيث يبث الرئيس في الخلاف بشكل استعجالي.
وهناك إشكالية أخرى، لا تقل أهمية بالنسبة للأولى، والمتمثلة في الحالة التي تقوم خلالها مسالة نزاعية بين قاضي العقوبات من جهة والنيابة العامة وطالب الإكراه البدني من جهة ثانية،الحالة التي سيبقي خلالها رأي قاضي تطبيق العقوبات على رفض طلب تطبيق مسطرة الإكراه البدني، متعللا مثلا بكون الجريمة الصادر فيها الحكم بالأداء جريمة سياسية في حين أن الآمر ليس كذلك، أو كون المطلوب في الإكراه البدني يرتبط بقرابة أو مصاهرة مع الطالب،بينا أن درجة الارتباط ليست من نفس الدرجة المنصوص عليها قانونا،(الفصل636 ق.م.ج) التي تحضر تطبيق مسطرة الإكراه البدني في حق المدين .
ففي مثل هذا التصور الافتراضي الذي تخالف النيابة العامة أو طالب الإكراه البدني توجهه،فهل يمكن المنازعة والطعن في مقرر قاضي تطبيق العقوبات؟وما هي الجهة المؤهلة في طلب الطعن؟وما هي الآثار المترتبة عن ذلك؟
لم يتطرق المشرع المغربي لهذه الإشكالية لم يحسن فيها بنص تشريعي صريح كما انه لم ينص على كون مقرر قاضي العقوبات بشان الإكراه البدني الغير قابل للطعن..الأمر الذي يجعلنا أمام مجموعة من التساؤلات التي ستظل معلقة حتى إشعار آخر.
خلاصة:
وعموما، وكتقييم نسبي، يمكن القول أن مؤسسة قاضي تنفيذ العقوبات جاءت لتعزيز سياسة الإشراف والمراقبة من طرف الجهاز القضائي حتى بعد مرحلة النطق بالحكم وكذا تبني مبادئ حقوق الإنسان و الحريات الشخصية وحسن معاملة السجناء ومحاولة تغيير هدف العقوبة من مجرد جزاء لفعل إجرامي الى إصلاح وتقويم الشخص الجاني.
غير أن التطبيق العملي يستوجب التعجيل بتوسيع اختصاصات قاضي التنفيذ وتعديل بعض مواد القانون الجنائي وقانون تنظيم وتسيير المؤسسات السجنية حتى لا يكون هناك تنازع في اختصاص وحتى يتم استيعاب التطبيق الفعلي لسياسة العقوبة والتدبير الوقائيين.
ومن المأخذ أيضا عدم تمديد اختصاصات قاضي تطبيق العقوبات إلى باقي انواع العقوبات، وللاقتصار على نوع واحد منها وهو العقوبة السالبة للحرية،خاصة وان التنفيذ الجزئي ينص بحقوق المحكوم عليه مهما كان نوعها. وكذلك عدم إشراك العقوبات في تشكيلة لجنة التأديب والاكتفاء بالتنصيص على مراقبة إجراءات التأديب فقط.
ومهما يكن فان إرساء مؤسسة تنفيذ مؤسسة قاضي العقوبات في القانون المغربي يعد لبنة جديدة في صرح القضاء المغربي يعكس تطور نظرة مجتمعنا الى العقوبة ويبرز هدف الدولة في إصلاح السجين ودعم حقوقه وضمان حرمته البدنية وكرامته.
المراجع:
-
قانون المسطرة الجنائية، امحمد لفروجي ، 2006.
- يوسف بنباصر''الدليل العملي والقضائي في مسطرة الاكراه البدني ''، سلسلة بنباصر للدراسات القانونية والأبحاث القضائية،العدد الرابع الثالثة 2005.
- محمد بنعليلو ،مؤسسة قاضي التطبيق العقوبات من خلال قانون المسطرة الجديد، مجلة القصر العدد التاسع 2004
ولقد جاء إحداث مؤسسة قاضي تنفيذ العقوبات، ليشكل ترجمة عملية لرغبة حقوقية طالما راودت مهمتي الشأن الحقوقي والقانوني بالمغرب،حيث أقدم المشرع المغربي ،اقتباسا من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي،بإحداث هذه المؤسسة بموجب قانون رقم 1/22 بظهير 3 أكتوبر 2002.
وقد عهد إليها بترسيخ الضمانات المطلوبة في الدعوى العمومية لفترة ما بعد صدور الحكم القضائي مرسخة بذلك استمرار الحماية القضائية للمحكوم عليه بعد الحسم في القضية الزجرية وصدور الحكم بالعقوبة.
فمن اذن هو قاضي العقوبات؟ وكيف يتم تعيينه؟وما هي اختصاصاته؟ وهل نجحت هذه المؤسسة في تحقيق الأهداف المتوخاة من وراء إنشائها؟
أسئلة عديدة نحاول الإجابة عنها من خلال العرض التالي:
- I
نشأة مؤسسة قاضي العقوبات:
في إطار الإصلاح العقابي الذي شهدته فرنسا خلال سنة 1945 ثم إحداث مؤسسة قاضي تنفيذ العقوبات الذي رسخ نظام تدخل القضاء في مرحلة تنفيذ الجزاء آخذا بذلك بعض صلاحيات المؤسسات السجنية ليمنح بذلك للجهاز القضائي مهمة تتبع وتنفيذ مقرراته وفقا لسياسة الإشراف ومراعاة المحكوم عليهم.
ولقد تم تأكيد اعتماد هذه المؤسسة فيما بعد وذلك بنص المادتين 721و722 من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي لسنة 1958 والذي زاد من صلاحيات قاضي العقوبة لأجل إعادة إدماج المحكوم عليهم وإخضاعهم لعلاج عقابي تدريجي يسمح بتحقيق أهداف السياسة القضائية والتدابير الاحترازية،حيث أصبح هذا القاضي يحدد الأنظمة العلاجية الملائمة مثل نظام الحرية النصفية، نظام الوضع في الخارج،وصلاحية خفض مدة العقوبة إذا كانت مدة العقوبة المقررة لا تتعدى ثلاثة اشهر.
وفي سنة 1972 تضاعفت سلطاته لتشمل نظام الإفراج الشرطي الذي أصبح يصادق عليه بمقرر إذا كان منطوق الحكم لا يتجاوز ثلاثة سنوات بعدما كان دوره في السابق مقتصرا على مجرد إبداء رأيه.
ونظرا لفعالية هذه المؤسسة على الصعيد العملي فقد تبنته مجموعة من التشريعات من بينها المشرع الايطالي منذ سنة 1930 استنادا لمشروع الفقيه فيري
ferry
،بل خلال سنة 1975 صدر قانون يجعل من هذه المؤسسة مؤسسة قضائية جماعية
institution judiciaire collégiale
ممثلة في قسم الإشراف والموجودة على مستوى محاكم الاستئناف.
كما أقدم المشرع التونسي بمقتضى القانون عدد 77 لسنة 2000 المؤرخ في 31 يوليوز 2000 إلى إرساء مؤسسة قاضي تنفيد العقوبات كمؤسسة تهدف إلى تأهيل المساجين وتوفير الضمانات
للمحكوم عليهم بعقوبة سالبة للحرية. كما قام المشرع المغربي، وكما جاء في التقديم، بتبني هذه المؤسسة التي تعتبر من أهم مستجدات قانون المسطرة الجنائية الأخير.
- II
تعريف قاضي تطبيق العقوبات:
لم يقدم المشرع المغربي على إعطاء تعريف لقاضي العقوبات، وحسناً فعل مادامت هذه مهمة الفقه والقضاء، وربما يكون السبب في ذلك راجع لكون قاضي العقوبات يتوفر على صلاحيات متعددة بموجب القانون والتي تساهم في عملية العلاج العقابي.
ويمكن تعريفه كالأتي : هو قاضي متخصص بالمحكمة الابتدائية، مهمته الأساسية تتبع حياة المحكوم عليهم داخل وخارج السجن مطبقا ضدهم القرارات القضائية السالبة للحرية، حيث تبتدئ مهمته بعد النطق بالحكم ويحدد أهم الأساليب لتطبيق العقوبة الناجعة الخاصة بكل متهم.
ويتم تعيين قاضي العقوبات من بين قضاة المحكمة الابتدائية(يعد من قضاة محكمة الاستئناف بفرنسا) بمرسوم وزير العدل ولمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد ويتم إعفاؤه بنفس الكيفية (الفصل 596 من ق.م.ج).
والملاحظ أن مصدر التعيين يشكل إشكالية الاستقلالية، حيث يعين من قبل الوزير الأول الذي يعتبر سلطة تنفيذية، زيادة على أن قاضي العقوبات يتوجب عليه طلب تسخير القوة القومية عند الضرورة من النيابة العامة، هذا الأمر يمكن أن يؤدي إلى تداخل السلط وعدم حياد القضاء.
و لعل الملاحظة المهمة التي يتعين إبداؤها بداية هو أن قاضي تطبيق العقوبات و إن كان يحمل صفة قاضي فانه لا يصدر في إطار مهامه أية أحكام أو أوامر قضائية وان له صلاحية محدودة في إعطاء آراء استشارية واقتراحية واتخاذ قرارات يمكن وصفها بالقرارات الإدارية مع التساؤل حول مدى قابليتها للطعن بالإلغاء.
إذا كان الأمر كذلك فلماذا سمي قاضيا مع أن هذه الصفة تعني بالأساس البث بمقتضى أحكام أو أوامر في كل نزاع يعرض عليه، وانه متى امتنع عليه أصبح عمله إداريا وهو ما لا يتوخاه المشرع من إدخال القاضي إلى ممارسة الرقابة على تطبيق العقوبة احتراما لحقوق الإنسان وعدم تركها فقط في يد الموظفين الإداريين، ونعتقد أن الهدف من ذلك هو إدخال عنصر قضائي إلى المؤسسات السجنية التي كانت حكرا على الإداريين حتى يكون قنطرة وصل بين المحكوم عليه وبين القضاء الحاكم، وعموماً فإننا نعتقد أن مهمة قاضي تطبيق العقوبات تتمثل في ما يلي:
III-
اختصاصات قاضي تطبيق العقوبات:
إن خلق هذه الوظيفة الدخيلة على سلك القضاء، لابد أن تكون لها انعكاسات عملية ايجابية تساير منطق العدالة الجنائية التي تروم اشتراك القضاء إلى جانب السلطة التنفيذية في تنفيذ الأحكام
والجزاءات الصادرة عن مختلف محاكم المملكة ومراقبة مدى ملائمة العقوبة بالنسبة لشخصية الجاني.كما أن إحداث هذه المؤسسة لا يمكنه أن يخلو من شوائب متعلقة بصلاحياته والتي يمكن
تقييمها بشكل نسبي نظرا لحداثة عهدها.
1
-دور قاضي العقوبات في تطبيق العقوبةوعلاقته بالمؤسسة السجنية :
يقوم قاضي العقوبات بتنفيذ المقررات القضائية السالبة للحرية والمحكوم بها من لدن المحاكم المختصة ضد السجناء والواجب قضاؤها داخل المؤسسة السجنية (الفقرة الثانية من الفصل 608 ق.م.ج)، وتهدف هذه المهمة إلى مراقبة مدى تكريس احترام حقوق السجين من طرف الإدارة السجنية والتأكد من تطبيق العقوبة المحكوم بها وكذا حماية السجين من خطر التعسف وسعي إلى تقويم سلوكه بإتباع أساليب تفريد العقوبة وآخذا بعين الاعتبار شخصية الجاني، سنه، مستواه الثقافي ودرجة الخطورة الإجرامية لديه.
وطبقا للمادة 596 يقوم قاضي تطبيق العقوبات بتتبع مدى تطبيق القانون المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية في شان قانونية الاعتقال، وحقوق السجناء ومراقبة سلامة إجراءات التأديب.
إلا أن المشرع المغربي لم يشير إلى الجزاء الواجب اتخاذه في حالة وقوف القاضي على حالة عدم مطابقة التدابير المقررة مع ما هو مطبق بالمؤسسة السجنية، كأن يتم الزجر بقاصر في نفس الزنزانة مع احد المحكوم عليهم بالعود أو جنوح جنسي أو يكون ذو طبيعة إجرامية خطيرة، فالقاضي يكتفي هنا برفع تقرير عن كل معاينة أو زيارة يضمن ملاحظاته ويوجهه إلى وزير العدل ويحيل نسخة منه إلى النيابة العامة حسبما جاء في الفقرة السادسة من الفصل 596.
فالرقابة إذن وان كانت تمارس من طرف قاضي تنفيذ العقوبات وفقا للقانون، إلا أنها تبقى عديمة الجدوى مادام قاضي العقوبات لا يتمتع بصلاحيات واسعة تمكنه من إجبار تطبيق السياسة العقابية. إذ العبرة من الرقابة القضائية في النتائج والممارسات الميدانية وليست الرقابة في حد ذاتها.
لذا فالمشرع مطالب بتعديل وتنقيح جديد يمكن قاضي تنفيذ العقوبات من صلاحيات أكثر فعالية ونجاعة كلما تعلق الأمر بمخالفة أوامره الرامية إلى تتبع وضعية المحكوم عليهم وحسن معاملتهم.
وعلى مستوى آليات المراقبة و في إطار اختصاصاته الميدانية والرقابية، فقد خوله القانون مهمة زيارة المؤسسات السجنية التابعة لدائرة المحكمة الابتدائية التي ينتمي إليها، وذلك مرة كل شهر على الأقل. والمؤسسة السجنية وطبقا للفصل 608 من ق.م.ج هي المكان الوحيد الذي اسند إليه المشرع مهمة استقبال الأشخاص الصادرة في حقهم تدابير سالبة للحرية والمخصصة لإيواء المدانيين وتضم على الخصوص:
السجون المركزية: وتخصص لإيواء المدنيين المحكوم عليهم بعقوبات طويلة الأمد.
السجون الفلاحية: وتختص بالتكوين المهني في الميدان الفلاحي وبتهييء بعض المدانين الذين اقترب الإفراج عنهم للعودة إلى الحياة العادية.
السجون المحلية: وتختص هذه المؤسسات بتلقين المدانين تكوينا مهنيا يتماشى مع مؤهلاتهم الذاتية قصد تأهيلهم للاندماج في الحياة العملية بعد الإفراج عنهم.
مراكز الإصلاح والتهذيب: وهي عبارة عن وحدات متخصصة في التكفل بالأحداث والأشخاص المدانين الذين لا تتعدى أعمارهم 18 سنة قصد إعادة إدماجهم في الوسط الاجتماعي.
و ضرورة قيام قاضي تطبيق العقوبات بزيارة المؤسسة السجنية ثم التنصيص عليه في المادتين 596/4 و616 من قانون المسطرة الجنائية بنوع من التكرار على الرغم من اختلاف الصيغة المستعملة في المادتين. ذلك أن تفقد السجناء كما هو معبر عنه في المادة 616 لا يمكن أن يتم دون زيارة لمحل الاعتقال، هذا التكرار الذي لا يمكن فهمه إلا في إطار التأكيد على ضرورة الحرص على هذه الزيارة باعتبارها الأساس الذي تنبني عليه باقي الصلاحيات.
فقاضي العقوبات ملزم، تنفيذا لمقتضيات هاتين المادتين، بان يتفقد المساجين وان يتأكد من شرعية اعتقالهم وذلك من خلال الطواف على العنابر وأماكن الاعتقال الانفرادي، والتأكد من مدى احترام المؤسسة لما يفرضه القانون المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية،كتخصيص حي مستقل للأشخاص الذين لا تتعدى أعمارهم 18 سنة أو على الأقل تخصيص محل مستقل لهم (المادة 5و6 من القانون رقم 98.23) وتصنيف المعتقلين بحسب الفئة التي ينتمون إليها، بان يفصل المعتقلون في زنازين خاصة منعا لاتصالهم بغيرهم ضمانا لحسن سير إجراءات التحقيق الجنائي، ومدى استجابة أماكن الاعتقال للمتطلبات الصحية والإنسانية التي يفرضها القانون.
وخلال هذه الدورات التفقدية ، يستطيع قاضي العقوبات أيضا أن يتصل مباشرة وشخصيا بكل معتقل، أو معتقل احتياطي، أو مدان، أو مكرها بدنيا، ويستفسره عن ظروف الاعتقال خاصة بالنسبة للجوانب التي يمكن مراقبتها بشكل سطحي، كما هو الأمر بالنسبة لحسن المعاملة مثلا. وعليه إذ ذلك أن يستفسرهم عن وضعيتهم الجنائية الحقيقية، إذا ظهر له أن وضعيتهم تلك منصوص عليها في السجلات بصفة غير صحيحة، ويعمل على إيجاد حل سريع إن أمكن للمشاكل التي هي من هذا القبيل، وعليه أيضا أن يستمع إليهم إذا طلبوا منه ذلك كتابة أو شفويا أثناء الزيارة.
كما يتعين على قاضي تطبيق العقوبة عند اتصاله بالسجناء، أن يبين لهم بصفة صريحة، الوصف القائم به ويستفسرهم عما إذا كانت لهم مطالب يقدمونها حول وضعيتهم الجنائية. ذلك أن الزيارة الميدانية تمكنه من الإطلاع أكثر عن الأوضاع والظروف الواقعية للمساجين، وتعتبر هذه الزيارة ضرورية لأنها تبقى أنجع وسيلة لاعتمادها على أسلوب الملاحظة الشخصية والتشبث الدقيق لكل ما يشاهده سواء بالنسبة للحالة العامة للسجن أو حالة السجناء. كما تشكل هذه الزيارات فرصة سانحة لقاضي تطبيق العقوبات كي يقترب أكثر من شكليات وطلبات المعتقلين، فرصة يستطيع من خلالها تدارك الأخطاء التي قد تقع أثناء تنفيذ العقوبة.
إلا أن الزيارة مرة واحدة في الشهر تعتبر غير كافية في نظرنا لأنه كلما تتكاثف الزيارات بقدر ما يقترب قاضي تنفيذ العقوبات من المحكوم عليهم ومن التعرف على شخصيتهم لضمان نجاح هدف العقوبة الذي هو محاولة إدماجهم داخل المجتمع عند انتهاء المدة المحكوم بها. لكن أمر تواتر الزيارات يبقى مرهونا بالسلطة التقديرية لقاضي العقوبات كما هو الشأن بالنسبة لساعات الزيارة لان المشرع لم يحدد زمنا معينا يتولى فيه القاضي الزيارة. فقد تكون داخل أو خارج التوقيت الإداري.
كما أن المشرع لم ينص على اصطحاب قاضي تطبيق العقوبات لكاتب ضبط عند قيامه بمهمة الزيارة وهو ما يثير التساؤل عن مدى قانونية هذا الأمر،خاصة وانه لا يوجد من بين النصوص المنظمة لصلاحيات قاضي تطبيق العقوبات ما يشير إلى استعانته في القيام بمهمته بكاتب للضبط فضلا عن كون هذا الأخير يبقى أجنبيا عن المؤسسة السجنية وبالتالي فانه يخضع في زيارتها للقواعد المنظمة لذلك والتي تجعل الزيارة من اختصاص مدير المؤسسة حسبما يستفاد من المادة 75من القانون المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية.
ومن بين آليات المراقبة أيضا، يتوفر قاضي تنفيذ العقوبات على إمكانية الإطلاع على الدفتر الخاص بكل سجين يساعده على تتبع وضعيته والقرارات التأديبية الصادرة في حقه، كما يمكنه من مراقبة مدى احترام الآجال خاصة بالنسبة لعقوبة الإيداع بغرفة انفرادية مع مدى متابعة الطبيب للسجين المعاقب.
إلا أن قاضي التنفيد ليس له حق الاعتراض على القرارات التأديبية الصادرة عن الإدارة السجنية أو حق شرط موافقته عند توقيع عقوبة العزل الانفرادي، وتتقاطع صلاحياته مع بعض مواد القانون الجنائي(ف 24. 28 و 29 من القانون الجنائي)والقوانين الداخلية للسجون.
كما أن قرارات قاضي التنفيذ تطرح إشكال يخص الطبيعة القانونية، ففيما يذهب البعض إلى اعتبارها قرارات إدارية لأن القاضي يقوم باتخاذ القرار من تلقاء نفسه ولا يقوم بفض منازعة. و هناك من اعتبرها قرارات قضائية بحكم صدورها عن قاضي تابع للمحكمة الابتدائية.
في حين اقر اتجاه ثالث بضرورة البحث عن معيار يمكن الاستناد إليه لضبط الطبيعة القانونية لقرارات قاضي العقوبات ومن أهم المعايير التي وقع اعتمادها في فرنسا تلك المتعلقة بالقرارات الماسة بطبيعة العقوبة، وقد فرق مجلس الدولة في قراره المعروف باسم قرار ثيرون
Arrêt Thêron
المؤرخ في 9 نونبر 1996 من بين قرارات التي تمثل شكلا من أشكال المعالجة السجنية، والتي يمكن الطعن فيها لدى المحكمة الإدارية وبالتالي تعتبر قرارات إدارية و التدابير التي تمس العقوبة والتي يعود الطعن فيها إلى القضاء العادي تعتبر قرارات قضائية. وفي إطار المراقبة دائما،يقوم قاضي تنفيذ العقوبات بالسهر على احترام حقوق السجناء المنسجمة مع نصوص المواثيق والمعاهدات الدولية خاصة منها الاتفاقيات التي صادق عليها المغرب والمتعلقة بمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملات والعقوبات القاسية أو الاإنسانية أو المهنية بمقتضى الظهير الشريف رقم 362.93.1 الصادر في 27 نونبر 1996.
ويدخل ضمن هذه الحقوق تبعا لذلك تلك التي تندرج ضمن ما يعرف بالحقوق الطبيعية اللصيقة بالإنسان والمتمثلة في صون ذات المحكوم عليه وكرامته ماديا ومعنويا من اي مهانة تعسفية صادرة عن أية جهة كانت وبأي مبرر كان. ويدخل ضمنها أيضا الحفاظ على التوازن في المعاملة العقابية بين مقتضيات الدفاع الاجتماعي و احترام الحقوق الفردية للمحكوم عليهم.
فارتكاب الجريمة لا يفقد المجرم إنسانيته والحكم القضائي بالإدانة لا يعدم حقوق المحكوم عليه وحرياته، وإنما يضعه في مركز جديد يختلف عن مركزه السابق المخصص له كانسان حر
ومواطن بريء فالمحكوم عليه ككل مواطن له حق الدولة، وككل إنسان له إزاء المجموعة التي ينتمي إليها أيضا حقوق فلا يجرد من شيء منها إلا بمقتضى القانون.
2
-دور قاضي تنفيذ العقوبات في مسطرة الإفراج المقيد بشروط :
يقوم قاضي تنفيذ العقوبات في إطار اختصاصاته الميدانية، بتقديم اقتراحاته بخصوص الإفراج الشرطي وفقا للشروط المحددة في الفصل 622 من قانون المسطرة الجنائية،حيث ينظر على ضوء الملف المتعلق بالسجين في مدى توفرشروط السراح، بما فيها التحقق من أن السجين برهن من خلال سيرته، داخل السجن عن ارتداعه أو إذا ظهر سراحه مفيداً للمجتمع.
إن إعطاء قاضي تطبيق العقوبة هذه المهمة لا يمكن فهمه إلا من خلال الوقوف على وظيفة العقوبة التي تعود بدورها الى البحث في مشروعية العقاب القائمة على أساس الموازنة بين مبدأي النفعية والأخلاقية فبين هذين الموقفين يقف قاضي تطبيق العقوبة موفقا بين الأمرين، فمتى اتضح له أن فكرة العدالة قد تحققت إلا وخوله المشرع تقديم مقترحات حول الإفراج المقيد بشروط، غير أن هذا الاقتراح ينبغي أن ينسجم مع المقتضيات القانونية المنظمة للموضوع إذ فضلا عن تحسن سلوك المحكوم عليه وبرهنته على ذلك من خلال سيرته داخل المؤسسة التي ينفذ بها العقوبة، ينبغي أن تحترم باقي الشروط المنصوص عليها في الفصل 622 من قانون المسطرة الجنائية، وان سلطة اقتراح تمتيع المحكوم عليه بالإفراج الشرطي هي سلطة تقديرية، وهو ما يفرض بالضرورة عدم تجاوزها للنص القانوني من خلال ما يفرضه من شروط.
وهكذا فلا يمكن لقاضي تطبيق العقوبات اقتراح تمتيع المحكوم عليه بالانفراج الشرطي إلا إذا توفرت فيه الشروط التالية:
-قضاء نصف العقوبة المحكوم بها على الأقل، متى كانت الجريمة المنفذ من اجلها تتصف بوصف جنحة يقل الحد الأقصى للعقوبة المقررة لها عن 5 سنوات.
-قضاء ثلث العقوبة المحكوم بها على الأقل، متى كانت الجريمة المنفذ من اجلها تتصف بوصف جناية مطلقة او جنحة يزيد الحد الاقصى للعقوبة لها 5 سنوات.
-قضاء ثلاث سنوات على الأقل من الاعتقال الفعلي، إذ تعلق الأمر بمحكوم عليه بالإقصاء، على أن تحسب المدة المذكورة ابتداء من اليوم الذي يصبح فيه تدبير الإقصاء ساري المفعول.
ولا يفوتن في هذا المجال الإشارة إلى أن احتساب المدد المبينة أعلاه يجب أن يأخذ بعين الاعتبار قواعد ضم أو دمج او تخفيض العقوبات او استبدالها تبعا للقواعد المعمول بها في هذا الشأن.
و اختصاص قاضي تطبيق العقوبات فيما يخص اقتراح الإفراج المقيد بشروط ليس من شانه أن يسحب الاختصاص من مدير المؤسسة السجينة التي تنفد بها العقوبة. هذه الصلاحية التي تجد سندها في الفصل 625 من قانون المسطرة الجنائية تطبيقا لمقتضيات المادة 155 من المرسوم رقم 485.00.2 الصادر بتاريخ 3/11/2003 فمن خلال هذه المقتضيات يمكن أن يرشح الشخص المعتقل للاستفادة من الإفراج المقيد بشروط دون طلب منه ودلك باقتراح من مدير المؤسسة السجنية التي يقضي بها فترة عقوبته متى ثبت حسن سيرته داخل المؤسسة و اجتمعت الشروط المبينة أعلاه.
هذا وأوجبت المادة 628 من قانون المسطرة الجنائية إبلاغ قاضي تطبيق العقوبات بنسخة من قرار الإفراج المقيد بشروط هنا يثار التساؤل عريضا حول سبب هذا الإبلاغ، خاصة وان المشرع لم يعطي إي اختصاص لقاضي تطبيق العقوبة في تتبع سيرة المفرج عنه أو تتبع مدى احترامه لشروط الإفراج المحددة في القرار خلافا لما عليه الشأن بالنسبة كوكيل الملك أو عامل الإقليم او غيرهما ممن أناطت بهما المادة المذكورة صلاحية تتبع المفرج عنه، فهل يعتبر ذلك مؤشرا على تخويله هذا الاختصاص؟
وإجمالا يمكن القول بان الإفراج المقيد بشروط هو بمثابة الوسيلة التي تشجع السجين على إتباع السلوك القويم داخل السجن لحمله على تحسين سلوكه وبالرجوع إلى الجادة واستحقاقه بالتالي
التنقيص في مدة السجن، الا انه إلى جانب ذلك يبقى لقرار الإفراج الشرطي وظيفة مهمة تتمثل في مقاومة الجريمة وإدماج المحكوم عليه في الحياة الاجتماعية.
3
-دور قاضي تنفيذ العقوبات في تطبيق مسطرة الإكراه البدني:
الإكراه البدني هو آلية قانونية وتقنية للتنفيذ الجبري تسلط بناء على طلب صريح من الدائن المستفيد من الحكم أو من يقوم مقامه، على المدين غير المعسر الذاتي دون الاعتباري والمتماطل أو الممتنع عن تنفيذ مقتضيات الحكم الصادر بأداء دين محدد في مقداره،سواء كان مصدره مديونية خاصة أو عامة. ومع مراعاة الاستثناءات المقررة بنص صريح في القانون...فتصرف إلى شخصه وتمسه في ذاته بغية إرغامه على تبرئة ذمته المالية اتجاه الدائن المستفيد من الحكم بعد استئناف جميع طرق التنفيذ العادية في حقه التي ظلت دون جدوى وعجزت عن تحقيق مرادها وكذا بعد سبقية إنذاره بصفة قانونية ونظامية، ويتحقق ذلك عن طريق إيداع هذا المدين بالسجن لمدة محددة زمنيا طبقا للقانون وتتناسب مع القدر المالي المحكوم به.
علما أن هذه المسطرة لا تتناقص مع شريعتنا السمحاء التي أجازت تطبيق هذا المبدأ بشروط وأساليب محددة،فقد اقر فقهاء الإسلام مبدأ حبس المدين الذي يمتنع عن الوفاء بديونه رغم قدرته ويسره، حيث اعتبروا الحبس في حالة المماطلة المتعمد جزاء لظلم المدين دائنه لقوله صلى الله عليه وسلم » مطل الغني ظلم « ، فلا يجوز حبس المدين ا المعسر الذي لا مال له لأداء دينه وإنما ينظر إلى حين يسره لقوله تعالى '' وان كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ، وان تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون ''.
ويقوم قاضي تطبيق العقوبات في إطار مسطرة الإكراه البدني بالتأكد من صحة الإجراءات القانونية والشكليات النظامية، حيث يقوم ببسط رقابة قضائية جديدة من درجة ثانية تعزز الرقابة الأولى التي يقوم بها قاضي النيابة العامة، وذلك بالتحقق من توافر الشروط الموضوعية والإجراءات الشكلية المتبعة في سلوك مسطرة الإكراه البدني. وتمتد رقابته أيضا لتشمل حتى الشكلية المستندية للوثائق المحتج بها من قبل طالب الإكراه البدني حيث يتحقق من صحة الوثائق المعززة للطلب ومدى حجيتها الاثباتية.
وتبرز أهمية دور قاضي تطبيق العقوبات في سياق مسطرة الإكراه البدني،في انه يتعذر وبقوة القانون، إلقاء القبض على الشخص المزمع إكراهه في غياب صدور آمر عنه وتؤكد ذلك الفقرة الاخيرة من الفصل 640 من قانون المسطرة الجنائية :''لا يأمر وكيل الملك أعوان القوة العمومية بالقاء القبض على الشخص المطلوب تطبيق الإكراه البدني في حقه الا بعد صدور قرار بالموافقة على ذلك عن قاضي تطبيق العقوبات على مراعاة مقتضيات المادة 641 بعده...''.
أما فيما يتعلق بتقنية التداول بين مؤسسة النيابة العامة وقاضي العقوبات بشان تطبيق مسطرة الإكراه البدني فتجدر الإشارة إلى انه بمجرد استنفاد الإجراءات القانونية لمسطرة الإكراه البدني وتقديم الوثائق المعززة بالطلب ويقوم وكيل الملك أو احد نوابه بإحالة الملف على قاضي العقوبات بعد قيام مؤسسة كتابة النيابة العامة بترقيم الملف وتسجيل بياناته (الرقم الترتيبي للملف مرجع المسطرة هوية الطالب والمطلوب في مسطرة الإكراه البدني وبياناتهما التعريفية... الخ ).
وبعد تفحص قاضي العقوبات للمسطرة يصدر هذا الأخير إما مقررا بالموافقة الميدانية على تطبيق مسطرة الإكراه البدني حيث يحيل ملف المسطرة من جديد على مصلحة النيابة العامة التي تصدر فورا أمرا قضائيا إلى أفراد القوة العمومية بإلقاء القبض على المكره بدنيا والزج به في السجن لقضاء مدة الإكراه الموازية لقيمة الدين المسطرة في منطوق الحكم الصادر بالأداء.
أما إذا ارتأى قاضي تطبيق العقوبات إصدار مقرر بالرفض فيتعين عليه وجوبا تعليل قراره والإشارة في مقرره إلى سبب الرفض والنقط التي اعتبرها إخلالا بشرط موضوعي أو إجراء مسطري والذي يمكن بموجبه على مسطرة الإكراه البدني صحتها، حتى تتدارك النيابة العامة هذا الخلل وإصلاح المسطرة على ضوء النقطة التي بث فيها قاضي العقوبة.
وإذا كان المقرر يهم الإخلال بنقطة قانونية غير قابلة للتداول أو الإصلاح، قررت النيابة العامة فقط حفظ الملف استنادا للعلة المضمنة بمقرر قاضي تطبيق العقوبة كما هو الشأن. مثلا بالنسبة لبلوغ المكره أكثر من ستين سنة أو كون العقوبة الصادرة مرتبطة بالسجن المؤبد...الفصل 626 من قانون المسطرة الجنائية .
وصلة بهذا الموضوع تطرح إشكالية في الحالة التي يعمد فيها قاضي النيابة العامة الى إصدار أمر إلى أعوان القوة العمومية لاعتقال المكره بدنيا دون أسبقية إحالة ملف المسطرة على قاضي العقوبات..؟
لا شك أن الاعتقال المذكور يكون متسما بالتجاوز والشطط ويعتبر باطلا بطلانا مطلقا ولو في حالة اكتمال صحة الشروط الموضوعية للمسطرة.ففي هده الحالة يمكن للمدين المكره الطعن في صحة إجراءات الإكراه البدني أمام رئيس المحكمة الابتدائية الكائن مقرها بمحل القبض أو الاعتقال حيث يبث الرئيس في الخلاف بشكل استعجالي.
وهناك إشكالية أخرى، لا تقل أهمية بالنسبة للأولى، والمتمثلة في الحالة التي تقوم خلالها مسالة نزاعية بين قاضي العقوبات من جهة والنيابة العامة وطالب الإكراه البدني من جهة ثانية،الحالة التي سيبقي خلالها رأي قاضي تطبيق العقوبات على رفض طلب تطبيق مسطرة الإكراه البدني، متعللا مثلا بكون الجريمة الصادر فيها الحكم بالأداء جريمة سياسية في حين أن الآمر ليس كذلك، أو كون المطلوب في الإكراه البدني يرتبط بقرابة أو مصاهرة مع الطالب،بينا أن درجة الارتباط ليست من نفس الدرجة المنصوص عليها قانونا،(الفصل636 ق.م.ج) التي تحضر تطبيق مسطرة الإكراه البدني في حق المدين .
ففي مثل هذا التصور الافتراضي الذي تخالف النيابة العامة أو طالب الإكراه البدني توجهه،فهل يمكن المنازعة والطعن في مقرر قاضي تطبيق العقوبات؟وما هي الجهة المؤهلة في طلب الطعن؟وما هي الآثار المترتبة عن ذلك؟
لم يتطرق المشرع المغربي لهذه الإشكالية لم يحسن فيها بنص تشريعي صريح كما انه لم ينص على كون مقرر قاضي العقوبات بشان الإكراه البدني الغير قابل للطعن..الأمر الذي يجعلنا أمام مجموعة من التساؤلات التي ستظل معلقة حتى إشعار آخر.
خلاصة:
وعموما، وكتقييم نسبي، يمكن القول أن مؤسسة قاضي تنفيذ العقوبات جاءت لتعزيز سياسة الإشراف والمراقبة من طرف الجهاز القضائي حتى بعد مرحلة النطق بالحكم وكذا تبني مبادئ حقوق الإنسان و الحريات الشخصية وحسن معاملة السجناء ومحاولة تغيير هدف العقوبة من مجرد جزاء لفعل إجرامي الى إصلاح وتقويم الشخص الجاني.
غير أن التطبيق العملي يستوجب التعجيل بتوسيع اختصاصات قاضي التنفيذ وتعديل بعض مواد القانون الجنائي وقانون تنظيم وتسيير المؤسسات السجنية حتى لا يكون هناك تنازع في اختصاص وحتى يتم استيعاب التطبيق الفعلي لسياسة العقوبة والتدبير الوقائيين.
ومن المأخذ أيضا عدم تمديد اختصاصات قاضي تطبيق العقوبات إلى باقي انواع العقوبات، وللاقتصار على نوع واحد منها وهو العقوبة السالبة للحرية،خاصة وان التنفيذ الجزئي ينص بحقوق المحكوم عليه مهما كان نوعها. وكذلك عدم إشراك العقوبات في تشكيلة لجنة التأديب والاكتفاء بالتنصيص على مراقبة إجراءات التأديب فقط.
ومهما يكن فان إرساء مؤسسة تنفيذ مؤسسة قاضي العقوبات في القانون المغربي يعد لبنة جديدة في صرح القضاء المغربي يعكس تطور نظرة مجتمعنا الى العقوبة ويبرز هدف الدولة في إصلاح السجين ودعم حقوقه وضمان حرمته البدنية وكرامته.
المراجع:
-
قانون المسطرة الجنائية، امحمد لفروجي ، 2006.
- يوسف بنباصر''الدليل العملي والقضائي في مسطرة الاكراه البدني ''، سلسلة بنباصر للدراسات القانونية والأبحاث القضائية،العدد الرابع الثالثة 2005.
- محمد بنعليلو ،مؤسسة قاضي التطبيق العقوبات من خلال قانون المسطرة الجديد، مجلة القصر العدد التاسع 2004