مقدمة
إن انعقاد العقد صحيحا مستوفيا لكل أركانه وشروطه، يجعل منه شريعة في مواجهة طرفيه؛ حيث تنصرف إليهما آثاره دون أن تتعداهما - كقاعدة عامة - إلى الغير، وهذا ما يعبر عنه بمبدأ نسبية آثار العقد.
يقصد إذن بمبدأ نسبية آثار العقد من جهة، اقتصار آثار العقد على طرفيه[[1]]url:#_ftn1 وعدم انصرافها إلى الغير إلا في حالات معينة وضمن حدود محددة ) نسبية آثار العقد من حيث الأشخاص (، ومن جهة ثانية عدم إمكانية إلزام الأطراف المتعاقدة إلا بما تضمنه العقد أو تفرضه طبيعة المعاملة .وبعبارة أخرى، فإن القوة الملزمة للعقد ليس لها أثر إلا على المتعاقدين ومن في حكمهم، وليس لها أثر إلا على ما تضمنه العقد، وما تستلزمه طبيعة التعامل.
ولما كان الأمر كذلك، فإن تناول موضوع نسبية آثار العقد له أهمية بالغة، تتجلى بالأساس في تحديد مدى نسبية آثار العقد سواء بالنسبة للأشخاص أو الموضوع؛ إذ إن المبدأ هو "العقد شريعة المتعاقدين"، فلا يستطيع أحدهما بحسب الأصل أن ينقضه أو يعدل في أحكامه، ما لم يسمح له العقد نفسه بذلك أو يسمح له به القانون، كما لا يملك أن يصرف آثاره إلى غيره.
لكن تطور المعاملات، وما يفرضه ذلك من ضرورة الحفاظ على استقرارها، أفرز مظاهر جديدة لتصرفات عقدية تعبر عن أنها خروج عن ما كرسه هذا المبدأ ) العقد شريعة المتعاقدين ( من أحكام.
وأمام كل هذا وذاك، يحق لنا أن نتساءل عن: ما هي تجليات مبدأ نسبية آثار العقد من حيث الأشخاص؟ وما هي مظاهر هذا المبدأ من حيث موضوع العقد؟
وبغية الوقوف على إجابة لهذه الإشكالات، فقد ارتأينا الاعتماد على منهج تحليلي نقوم من خلاله بتحليل كل الأحكام في ضوء النصوص القانونية والآراء الفقهية والقضائية،وذلك في هيكلة ثنائية كالآتي:
الفصل الأول : نسبية آثار العقد من حيث الأشخاص.
الفصل الثاني: نسبية آثار العقد من حيث الموضوع.
الفصل الأول: نسبية آثار العقد من حيث الأشخاص
إذا انعقد العقد صحيحا ترتبت آثاره التي أرادها عاقديه؛ أي أن هذه الآثار تنسحب إلى العاقدين، ولا تمتد إلى غيرهما، وهذا ما يعبر عنه بنسبية آثار العقد من حيث الأشخاص.
لكن إذا كان المبدأ هو اقتصار آثار العقد على المتعاقدين، فإنه ولاعتبارات ترجع إلى العدالة واستقرار التعامل تنصرف كذلك إلى الغير.
المبحث الأول : آثار العقد بالنسبة إلى المتعاقدين
يقصد بالمتعاقدين تبعا للمفهوم الضيق من كان طرفا في العقد سواء بصفة شخصية أو بصفته نائبا كالوكيل أو الولي أو المقدم أو الوصي، والذين يمثلون الموكل أو القاصر أو ناقص الأهلية.وهؤلاء هم الذين يعتبرون طرفا ي العقد و ليس النائب الذي يمثلهم مادام أن النيابة تم باسم الأصيل ولحسابه.
لذلك فإن الحديث عن آثار العقد بالنسبة إلى المتعاقدين لا يعني أن هذه الآثار تنصرف فقط إلى من كان طرفا في العقد وعبر عن إرادته، وإنما كذلك من يمثله هذا الطرف في التعاقد.
فالعقد الذي يبرمه الشخص كما ينصرف آثره إليه، ينصرف كذلك إلى خلفه العام ) المطلب الأول(، وقد ينصرف إلى خلفه الخاص [[2]]url:#_ftn2 ) المطلب الثاني(، كما قد يمتد إلى دائينه ( المطلب الثالث).
المطلب الأول : الخلف العام
يعرف الخلف العام بأنه كل من يخلف سلفه في كل ذمته أو في كسر حسابي محدد منها [[3]]url:#_ftn3 . وطبقا للفصل 229 من ق.ل.ع [[4]]url:#_ftn4 ، فإن المبدأ أو القاعدة هي انصراف آثر العقد إلى الخلف العام ) الفقرة الأولى(، والاستثناء هو عدم انصرافه إليه في حالات محددة ) الفقرة الثانية (.
الفقرة الأولى: المبدأ : انصراف آثر العقد إلى الخلف العام
إن القاعدة المقررة في القانون المغربي بناء على الفصل 229 من ق.ل.ع، هي أن آثر العقد ينسحب إلى المتعاقدين والخلف العام دون المساس بالقواعد المتعلقة بالميراث.
ومفاد ذلك أن الحقوق التي ينشئها العقد تنتقل إلى الوارث بعد موت الموروث المتعاقد، أما الالتزامات فتقرر في شأنها الشريعة الإسلامية أنه " لا تركة إلا بعد سداد الدين"؛ أي أن الالتزام يبقى في التركة، ولا تنتقل هذه الأخيرة إلى ذمة الوارث حتى ينقضي هذا الالتزام وتكون التركة طاهرة من أي التزام[[5]]url:#_ftn5 .
وقد كرس المشرع المغربي ذات الحكم في الفقرة الأولى من الفصل 229 من ق.ل.ع، ونص على أنه في حالة قبول الورثة لتركة مورثهم لا يلتزمون إلا في حدود أموال التركة وبنسبة مناب كل واحد منهم. وهو ما أكده المجلس الأعلى[[6]]url:#_ftn6 كذلك في أحد قرارته ؛ حيث قرر:
" إن ديون الهالك تخرج من تركته، وإن وارثيه ليسوا بمسؤولين عن ديونهم مادام لم يثبت أن الهالك خلف متروكا، وأن الورثة حازوه قبل قضاء الديون المتخلفة في ذمة الهالك. ومن جهة أخرى أن مسؤوليتهم في ذلك فردية تكون على نسبة ما حازه كل منهم في نصيبه، ولهذا فإن محكمة الموضوع قد خرقت هذه المبادئ عندما قضت على الورثة بالأداء على سبيل التضامن بينهم بدون أن تقوم بتصفية التركة، إذ تختبر هل ترك الهالك متروكا يفي بقضاء ديونه ،وهل حاز الورثة منه شيئا وما مقدار ما حازه كل واحد منهم من ذلك لتجري أحكام الشريعة الإسلامية على مقتضاها"[[7]]url:#_ftn7 .
وعليه فإن آثر العقد ينصرف إلى الخلف العام، بشكل يجعله في منزلة العاقد، وذلك في حدود ما أصابه من الحقوق في التركة ، ويسري في حقه ما كان يسري في حق السلف بخصوص العقد4.
الفقرة الثانية : الاستثناء عدم انصراف آثر العقد إلى الخلف العام
أشار الفصل 229 من ق. ل. ع إلى حالات ثلاث ، تشكل في مجملها استثناءات من مبدأ سريان آثار العقد على الخلف العام ، نوجزها في النقاط التالية:
أولا: حالة إرادة المتعاقدين
طبقا لمبدأ العقد شريعة المتعاقدين، فإنه إذا تضمن العقد أن آثرا من آثاره لا ينتقل من السلف العاقد إلى خلفه فإنه لا ينتقل تبعا لذلك، كلما صح الشر ط لعدم مخالفته للنظام العام أو الآداب. ومثال هذه الحالة أن يؤجر شخص لآخر منزلا لمدة معينة، ويتفقان على إنهاء الإجارة بموت المستأجر إذا وقع قبل فوات هذه المدة.
ثانيا : حالة طبيعة العقد
إذا اقتضت طبيعة التعامل عدم انتقال آثاره إلى الخلف العام، فإن هذه الآثار لا تنسحب إلى هذا الأخير سواء كان المانع من الانتقال قانونيا أو ماديا.
فلو حصل شخص على حق انتفاع بموجب عقد، فإن هذا الحق لا ينتقل بعد موته إلى ورثته، اعتبارا لطبيعته القانونية التي تقتضي بأن ينقضي بموت صاحبه.
وأيضا كل عقد أبرم وكانت فيه شخصية المتعاقد محل اعتبار كعقد التطبيب مثلا ، فإن ما ينشأ عنه من آثار لا تنتقل إلى الورثة نظرا لطبيعة العقد المادية.
ثالثا: حالة نص القانون
قد يتضمن القانون نصا صريحا يقضي بعدم انتقال آثار العقد إلى الخلف، وبالتالي يصبح المنع بقوة القانون ولا يكون للأطراف الاتفاق على مخالفته وإلا كان الاتفاق مخالفا للنظام العام.
ومن ذلك ما نص عليه الفصل 929 من ق.ل.ع في فقرته الخامسة، بأن الوكالة تنتهي بقوة القانون بموت الموكل أو الوكيل، وبالتالي فإن آثار هذا العقد لا يمكن أن تنتقل إلى الخلف.
وفي نهاية مطاف هذا المطلب نشير إلى أن الخلف العام قد يتحول في بعض الحالات إلى الغير، مثل حالة الوصية لأحد الورثة[[8]]url:#_ftn8 ، فهذه الوصية لا تسري إزاء بقية الورثة لأنهم يعتبرون من الغير في هذه الحالة، فحقهم في التركة مستقل في العلاقة فيما بينهم عن إرادة المورث وفقا للشريعة الإسلامية. وكذا مثل حالة الوصية بأكثر من الثلث التي لا تنفذ إزاء الورثة فيما يتجاوز الثلث؛ إذ يعتبرون غيرا في علاقتهم مع الموصى له.
المطلب الثاني: الخلف الخاص
يقصد بالخلف الخاص من يتلقى من سلفه حقا معينا كان قائما في ذمة هذا السلف، سواء كان الحق عينيا أم شخصيا. فالخلفية هنا خلفية خاصة تثبت على حق محدد وليس على عنصر مشاع في الذمة المالية.[[9]]url:#_ftn9
وسيرا على نهج المشرع الفرنسي فالمشرع المغربي لم ينظم العلاقة بين السلف والخلف الخاص بشكل صريح[[10]]url:#_ftn10 خلافا لجل التشريعات العربية[[11]]url:#_ftn11 . وبحكم هذا الفراغ التشريعي يمكن بيان آثر العقد بالنسبة للخلف الخاص على ضوء المبادئ القانونية العامة، وما اهتدت إليه التشريعات المقارنة.
وانطلاقا من تلك المصادر يمكن الوقوف عند مبدأين نبرز على ضوءهما ضوابط انتقال الحقوق والالتزامات من السلف إلى الخلف الخاص، نوردهما كالآتي :
الفقرة الأولى : لا يمكن للشخص أن ينقل لغيره أكثر مما يملك.
يقضي هذا المبدأ بانتقال الشيء أو الحق إلى الخلف الخاص وفقا للحالة التي كان عليها في ذمة سلفه، فالحقوق والالتزامات التي يحصل فيها الاستخلاف الخاص يلزم أن تكون قد تقررت للسلف بمقتضى العقد.
وجلي أن هذا المبدأ لا يعدو أن يكون إلا تكريسا لمبدأ آخر معروف هو: " فاقد الشيء لا يعطيه" ؛حيث لا يستطيع السلف أن ينقل لخلفه الخاص أكثر مما يملك من حقوق وما عليه من التزامات تتصل بالشيء محل الاستخلاف[[12]]url:#_ftn12 .
وعليه، فانتقال الشيء محل الاستخلاف إلى الخلف الخاص يستتبع انتقال كافة الالتزامات والحقوق المتصلة به شريطة أن تكون من مستلزماته. وتعد الحقوق من مستلزمات الشيء إذا كانت تابعة ومكملة له، ونمثل لذلك بالحقوق التي يكون الغرض منها درء الضرر عن الشيء كحالة ضمان العيوب الخفية؛ فالبائع الذي باع شيئا معينا إلى مشتر قام ببيع نفس الشيء إلى مشتر ثاني، فإنه من حق هذا الأخير أن يرجع على البائع الأول إذا ظهر في المبيع عيب خفي[[13]]url:#_ftn13 . وتعتبر الالتزامات أيضا من مستلزمات الشيء إذا كانت محددة له ومقيدة لاستعمالاته، وكمثال عن ذلك تلك الالتزامات التي تقيد من استعمال حق الملكية؛ كالتزام بائع المنزل، محل الاستخلاف بعدم استعماله كمقهى أو متجر، و التزام مالك الأرض بمراعاة قيود معينة عند البناء في أرضه، فعند بيع المنزل أو الأرض ينتقل نفس الالتزام إلى المشتري.
وغني عن التذكير أن هذا المبدأ المقرر سواء على مستوى الحقوق أو الالتزامات يعد تكريسا للقاعدة الفقهية المعروفة ب: "الفرع يتبع الأصل"؛ أي متى كانت الحقوق والالتزامات من توابع الشيء المستخلف انتقلت معه إلى الخلف الخاص.
الفقرة الثانية: يجب أن يكون الخلف الخاص عالما بما أنشأه العقد الذي أبرمه سلفه.
في هذا الإطار درج الفقهاء [[14]]url:#_ftn14 على التمييز بين الحقوق والالتزامات من حيث علم الخلف الخاص بها، فعلى مستوى الحقوق لا يلزم أن يتوفر عند تلقي الخلف الخاص للشيء محل الاستخلاف علمه الحقيقي بها، وإنما يكتفي بمجرد العلم الافتراضي بها، باعتبارها عناصر إيجابية من شأنها الزيادة من ما تحتويه ذمته المالية من أصول.
وإذا كان المطلوب بالنسبة للحقوق هو مجرد العلم الافتراضي، فإن الالتزامات وبالعكس من ذلك يجب العلم بها علميا يقينيا؛ أي ليس فقط العلم بمعناه البسيط، باعتبارها قيودا من شأنها التأثير بالزيادة في خصوم ذمته؛ إذ لما كانت هذه الالتزامات قيودا على حق الخلف الخاص كان من السائغ اشتراط علم ذلك الخلف بوجود هذه القيود.[[15]]url:#_ftn15 فمثلا المشتري لعقار كان بائعه المالك قد التزم بعدم تحويله إلى فندق بمقتضى عقد سابق، لا يفترض تقييده بهذا الالتزام إلا إذا كان عالما به وقت شرائه له.[[16]]url:#_ftn16
المطلب الثالث : الدائنين
إن آثار العقد الذي يجريه الشخص تكون سارية في وجه دائنه؛ إذ إن هذا العقد ينعكس على هذا الأخير سلبا وإيجابا حسب ما إذا كان من شأنه الانتقاص أو الزيادة في الذمة المالية للمدين .
هذا وإذا كانت التشريعات المقارنة [[17]]url:#_ftn17 ، قد اعتبرت الدائن من الخلف العام عملا بالقاعدة التقليدية التي تعتبر الدائن من الخلف ذي الصفة العامة اعتبارا إلى أن له حق ارتهان أو ضمان عام على ذمة المدين بمجموعها[[18]]url:#_ftn18 ، فإن التقنين المدني المغربي لم يضفي هذا الوصف على الدائن، وإنما اكتفى في الفصل 1241 من ق.ل.ع بتقرير حق الضمان العام للدائن على أموال مدينه، ثم التدخل بعدة وسائل قانونية لحماية الدائن من التصرفات القانونية الضارة به والتي تصدر من المدين بقصد الإضرار بدائنه، وهي الحالة التي يمكن اعتباره فيها من الغير. ومن هذه الوسائل نذكر دعوى الصورية ودعوى توقيع الحجز التحفظي ثم حق الحبس. وهي الوسائل التي سنتناولها تباعا في الفقرات الموالية.
الفقرة الأولى : دعوى الصورية
نص المشرع المغربي على هذه المكنة القانونية في الفصل 22 من ق.ل.ع[[19]]url:#_ftn19 . فدعوى الصورية تخول للدائن حق الطعن في العقد الذي أبرمه مدينه بشكل صوري للإضرار بدائنيه فقط بنقص الذمة المالية له.
فالدائن بواسطة هذه الدعوى يعمل على الكشف عن الحقيقة التي أراد المدين إخفاءها من أجل إعمالها في حقه دون التصوير الكاذب الذي ركن إليه[[20]]url:#_ftn20 . و يسعى إلى إعادة الأموال التي خصمت من الذمة المالية للمدين كأثر للعقد الصوري الذي أبرمه لتظل داخلة في ضمانه العام.
الفقرة الثانية : دعوى توقيع الحجز التحفظي
نص القانون المغربي على هذه الدعوى في الفصل 138 من ق.ل.ع[[21]]url:#_ftn21 ونظم إجراءاتها في الفرع الأول من الباب الرابع من القسم السادس من قانون المسطرة المدنية. فمن خلال المقتضيات الواردة في هذه النصوص القانونية يتضح أن للدائن إقامة دعوى الحجز التحفظي، وذلك في سبيل منع المدين من التصرف في الأموال المراد الحجز عليها ، حتى و لو كان دين الدائن مقرونا بأجل.
غير أن إقامة هذه الدعوى يبقى رهين بضرورة وجود مبررات تجعل الدائن يخشى إعسار المدين أو فراره.
الفقرة الثالثة : حق الحبس
يعرف الفصل 291 من ق.ل.ع حق الحبس بأنه "حق الحبس هو حق حيازة الشيء المملوك للمدين وعدم التخلي عنه إلا بعد وفاء ما هو مستحق للدائن. ولا يمكن أن يباشر إلا في الأحوال الخاصة التي يقررها القانون".
فبالرجوع إلى هذا التعريف يمكن القول بأن للدائن حق حبس أموال المدين إذا كانت بحوزته إلى أن يتمكن من استيفاء دينه. وبذلك يكون هذا الحق تطبيقا لما جاء في الفصل 235 من ق.ل.ع[[22]]url:#_ftn22 الذي ينص على مبدأ الدفع بعدم التنفيذ المخول لكلا المتعاقدين في العقود الملزمة للجانبين في حالة عدم تنفيذ المتعاقد الأخر لالتزامه المقابل.
المبحث الثاني: آثار العقد بالنسبة إلى الغير
لما كان الغير هو الأجنبي عن حالة التعاقد ، فهو كل شخص خلاف المتعاقدين وخلفائهما ودائنيهما، فهو بالتالي لا يتأثر بالعقد ولا يحمله بأي التزام.
فالعقد المبرم إذن بين المتعاقدين كما لا يضر الغير ) المطلب الأول(، فهو لا ينفعه ) المطلب الثاني( وذلك وفقا لقاعدة نسبية آثار العقد.
المطلب الأول: العقد لا يضر الغير
إذا كان الغير طبقا لمبدأ نسبية آثار العقد لا يتأثر بما يبرمه غيره من العقود، فإن هناك حالات استثنائية وإن كانت تشكل في عمقها مجرد تطبيق لمبدأ العقد لا يضر الغير، تجعل الغير يتحمل بالتزامات في إطار عقد لم يشارك في إبرامه ، وأهم هذه الحالات:
كرس المشرع المغربي أحكام هذا الالتزام في الفصول من 36 إلى 38 من ق.ل.ع، ويقصد بالالتزام عن الغير شرط إقراره إياه، أن يلتزم شخص باسم غيره، شرط أن يقر هذا الغير هذا الالتزام .
وتتحقق هذه الصورة عندما يتصرف شخص عن آخر دون أن يكون وكيلا، إما لأنه وكيل وتجاوز حدود وكالته، وإما لأنه غير وكيل أصلا ولكن تربطه بمن يتصرف عنه صلة خاصة تجعله موقن بأنه سيقر تصرفه.[[23]]url:#_ftn23
وتطبيقا لمبدأ سلطان الإرادة، فإن الغير الذي أبرم الالتزام باسمه له الحرية المطلقة في أن يرفض هذا الالتزام أو أن يقبل به، لذلك نميز بين أحكام رفض الغير للالتزام الذي ابرم باسمه، وأحكام إقراره:
أولا :حالة رفض الالتزام
إذا رفض الغير العقد المبرم باسمه، فلا يمكن إلزامه به ولا ترتيب أية مسؤولية على الملتزم إزاء الطرف الآخر؛ لأن الالتزام وقع في الأصل معلقا على شرط واقف هو أن يحظى التعاقد بإقرار الغير المتعاقد باسمه، فضلا عن أن الملتزم لم يتعهد إزاء متعاقديه بالحصول على هذا الإقرار. وفي هذا يختلف هذا النوع عن ما يسمى بالتعهد عن الغير.
ثانيا :حالة إقرار الالتزام
يجب أن يكون الإقرار داخل أجل معقول، وللملتزم أن يطلب من هذا الغير التصريح بموقفه والإفصاح عن نيته في ما إذا كان ينوي إقرار الاتفاق داخل أجل أقصاه 15 يوما من تاريخ الإعلام بالعقد[[24]]url:#_ftn24 ، وإذا ما أجاز هذا الغير التصرف داخل هذا الأجل انقلب الملتزم عن الغير وكيلا؛ إذ "الإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة"[[25]]url:#_ftn25 ، وينتج هذا الإقرار أثره في مابين المتعاقد الآخر والمقر) الغير( من وقت إبرام التصرف الذي وقع إقراره؛ بمعنى أن للإقرار أثر رجعي في مابين المقر والمتعاقد الآخر دون الغير الذي لا يكون للإقرار أي أثر في مواجهته إلا من تاريخ حصوله طبقا للفصل 37 من ق.ل.ع.
وإذا كانت إذن لهذا الغير الحرية المطلقة في أن يقبل ما التزم به الملتزم باسمه أو يرفضه، فإن ذلك يعضد ما أكدناه من أن هذا الالتزام ليس استثناءا من قاعدة " العقد لا يضر الغير" بقدر ما هو تطبيق لها، مادام هذا الغير لا يلتزم إلا برضاه وعن حرية تامة.
الفقرة الثانية : التعهد عن الغير.
يقصد بالتعهد عن الغير ذلك العقد الذي يتم بين شخصين بمقتضاه يلتزم أحدهما وهو "المتعهد" بان يجعل شخصا ثالثا يلتزم في مواجهة المتعاقد معه[[26]]url:#_ftn26 .
وإذا كان المشرع المغربي قد أقر صراحة الالتزام عن الغير شرط إقراره إياه، فإنه وبخلاف جل التشريعات المقارنة كالتشريع المصري الجديد في مادته 153[[27]]url:#_ftn27 لم يقر صراحة "التعهد عن الغير". لكن ورغم ذلك فإن الفقه القانوني قد أجمع على إمكانية الأخذ به طالما ليس فيه ما يخالف النظام العام من جهة، ثم إن المبادئ القانونية العامة في التشريع المغربي لا تتعارض مع الأخذ بأحكام التشريعات التي كرست هذا النظام.
وفي ضوء كل ذلك، فإن التعهد عن الغير يستلزم حتى يكون صحيحا توافر ثلاثة شروط:
أولا : أن يتعاقد المتعهد عن الغير باسمه لا باسم الغير الذي يتعهد عنه
ومن هنا فالمتعهد إذ يعمل لنفسه وينصرف إليه أثر العقد، فإن مركزه القانوني يختلف عن مركز كل من الوكيل والفضولي[[28]]url:#_ftn28 ، كما يختلف عن الملتزم عن الغير الذي يتعاقد باسم الغير لا باسمه كما بينا سلفا، وبالتالي فإن العلاقة بين المتعهد والمتعاقد الآخر هي علاقة تعاقدية يترتب على عدم وفاء المتعهد بالتزامه تحقق مسؤوليته العقدية.
ثانيا : أن تتجه نية المتعهد إلى إلزام نفسه بهذا التعهد لا إلزام الغير
حيث إنه إذا تعاقد باسمه مع إرادة إلزام غيره بتعاقده، يجعل العقد باطلا لاستحالة المحل. لذلك فإن قبول الغير للتعهد هو الذي يولد عقد آخر جديد بين هذا الغير والمتعاقد الآخر، ويكون هذا العقد هو مصدر التزام الغير وليس تعاقد المتعهد، وفي هذا يظهر الاختلاف بين التعهد عن الغير والاشتراط لمصلحة الغير الذي تنصرف فيه نية المشترط إلى إكساب الغير حقا مباشرا من ذات العقد الذي أبرمه المشترط مع المتعهد[[29]]url:#_ftn29 . وكذلك الأمر بالنسبة للالتزام عن الغير شرط إقراره إياه؛ إذ إن إقرار الغير لهذا الالتزام لا يولد عقدا جديدا، بل يبقى العقد الذي أبرم باسمه هو الذي ينتج آثاره.
ثالثا : أن يكون محل التزام المتعهد القيام بعمل هو حمل الغير على قبول هذا التعهد
إن التزام المتعهد هنا هو التزام بتحقيق نتيجة وليس فقط التزاما بوسيلة؛ بحيث إذا رفض الغير إبرام هذا العقد تحمل المتعهد المسؤولية العقدية [[30]]url:#_ftn30 . وإذا كان الأمر كذلك فإنه في حالة ما إذا قبل الغير إبرام هذا العقد لكن تراخى عن تنفيذه فلا مسؤولية على المتعهد مادام قد التزم فقط بضمان ابرام العقد لا بتنفيذه.[[31]]url:#_ftn31
والغير حسب ما سبق له أن يقبل تعهد المتعهد فيتحمل الالتزام الناتج عنه وتنصرف إليه أثره بشكل فوري لا رجعي، وله أن يرفضه ودون أن يتحمل بأية مسؤولية ويكون المتعهد في هذا الفرض هو المسؤول عن إخلاله بالتزامه العقدي وتعويض المتعاقد معه أو تنفيذ ما التزم به عن الغير بشكل شخصي.[[32]]url:#_ftn32
ولما كانت لهذا الغير الحرية في قبول التعهد أو رفضه مثل ما عليه الحال في الالتزام عن الغير، فإن ذلك يجعل التعهد عن الغير مرة أخرى تطبيقا لمبدأ العقد لا يضر الغير وليس استثناءا منه.
المطلب الثاني : العقد لا ينفع الغير
إذا كان المبدأ الأصيل في العقود هو عدم انتفاع الغير بها) الفقرة الأولى( ، فإن اطلاقية هذا المبدأ لم تصمد طويلا بالحالة التي كان عليه في عهد القانون الروماني بسبب ظروف الحياة التي نعيشها والتي أدت إلى قبول استثناءات بالغة الأهمية في إطاره، وتتركز هذه الاستثناءات بالأساس على نظام الاشتراط لمصلحة الغير ) الفقرة الثانية( .
الفقرة الأولى : المبدأ العقد لا يكسب نفعا للغير.
إن الغير الأجنبي لا يتأثر بعقد يبرمه غيره و لا يسري بحقه أي أثر من ذلك العقد ، وقد عبر المشرع المغربي في ق.ل.ع عن هذا المبدأ في المادة 228 التي نصت على أنه :"الالتزامات لا تلزم إلا من كان طرفا في العقد ، فهي لا تضر الغير ولا تنفعهم إلا في الحالات المذكورة في القانون". وهنا نود أن نشير إلى أن المشرع المغربي على غرار نظيره الفرنسي قد عمد إلى بحث آثار العقد في معرض حديثه عن آثار الالتزامات بوجه عام[[33]]url:#_ftn33 ، معتبرا بذلك آثار الالتزام هي نفسها آثار العقد مع أن هناك اختلاف كبير بين الموضوعين، إذ العقد يرمي بصورة أساسية إلى إنشاء الالتزامات، أما الالتزامات فهي تهدف بالأساس إلى إجبار المدين على تنفيذ ما التزم به.
ورجوعا إلى نص المادة أعلاه يتبين أنها تتضمن البحث في قاعدتين مختلفتين، تعتمد الأولى على الجانب السلبي المتمثل في عدم سريان ما ينتج عن العقد من التزامات تجاه الغير الذي لم يكن طرفا في العقد)...فهي لا تضر الغير...(. والثانية على الجانب الايجابي؛ حيث إنه إذا كان الأصل أن العقد لا يضر الغير، فالأصل أيضا أنه لا ينفعهم [[34]]url:#_ftn34 ، وهذا الأصل الأخير هو الذي يقره المبدأ الذي نحن بصدد دراسته والذي يقول بعدم انصراف الحقوق المتولدة عن عقد لم يكن الغير طرفا فيه إلى هذا الغير إلا استثناء وبنص القانون ، كما هو الأمر بالنسبة للاشتراط لمصلحة الغير الذي يعد من أبرز هذه الاستثناءات .
الفقرة الثانية: الاستثناء: الاشتراط لمصلحة الغير
الاشتراط لمصلحة الغير هو عقد ينشأ بموجبه لشخص أجنبي عن العقد- ويسمى المنتفع- حق مباشر تجاه أحد المتعاقدين - ويسمى المتعهد- اشترطه عليه المتعاقد الآخر- ويسمى المشترط-[[35]]url:#_ftn35 . ومن هذا التعريف يتضح أن الاشتراط لمصلحة الغير يشكل استثناء من مبدأ العقد لا يكسب نفعا للغير، واستثناء لما قرره الفصل 33 من ق، ل،ع [[36]]url:#_ftn36 .
وقد خصه المشرع المغربي بالفصلين 34 و 35 من ق.ل.ع؛ حيث أقر فيهما جواز الاشتراط لمصلحة الغير وبين الآثار التي تترتب عليه سواء بالنسبة للمشترط أم بالنسبة للمنتفع أم الغير.
و للاشتراط لمصلحة الغير صور عديدة؛ إذ إن نطاقه واسع جدا في الحياة العملية، فهذه الصور نجد أثارها في عقود الهبة بعوض، وفي عقود التأمين ،وفي عقود نقل البضائع وفي عقود المرافق العامة.... ؛ ففي عقد التأمين مثلا يؤمن المتعاقد على حياته لمصلحته ومصلحة أولاده بعده إذا مات قبل مدة معينة ، أو يؤمن لمصلحة أولاده فقط[[37]]url:#_ftn37 .
وللقول بتحقق الاشتراط لمصلحة الغير، لابد من توافر ثلاثة شروط:
الفصل الثاني: نسبية آثار العقد من حيث الموضوع
طبقا لمبدأ سلطان الإدارة تنشأ العقود، وعملا بمبدأ العقد شريعة المتعاقدين تحدد التزامات المتعاقدين ويلتزم الأطراف بكل ماجاء فيه، فهو يحتوي قوة تحتم على الطرفين الرضوخ والإذعان له في كل ما يحتويه.
لكن ورغم كل ذلك، فإن العقد أيضا نسبي في أثر قوته الملزمة من حيث الموضوع الذي انصب عليه التعاقد .كما أن الملتزم بالعقد مسؤول عن تنفيذه، وكل إخلال من طرفه ببنوده يرتب عليه مسؤولية عقدية كجزاء على إخلاله.
وعلى ضوء ذلك ارتأينا، تقسيم هذا الفصل إلى مبحثين نتناول في الأول تحديد موضوع العقد، ونخصص الثاني للتعريج على جزاء الإخلال بالعقد من خلال تناول المسؤولية العقدية.
المبحث الأول: تحديد موضوع العقد
تقتضي طبيعة هذا المبحث التطرق إلى مسألة البحث عن حقيقة ما ذهبت إليه إرادة المتعاقدين، وهي الحقيقة التي لا يمكن التوصل إليها إلا عن طريق تفسير العقد ) المطلب الأول)، ثم تناول تحديد مضمون العقد ومدى إلزامية تنفيذه ) المطلب الثاني(.
المطلب الأول : تفسير العقد
تناول المشرع المغربي تفسير العقود في الفرع الأول من الباب الثاني من القسم السابع من الكتاب الأول من ق. ل.ع تحت عنوان "في تأويل الاتفاقات".
وبالرجوع إلى المقتضيات المنظمة في هذا الفرع نجد المشرع قد تطرق لثلاث حالات في تفسير العقود نتناولها تباعا كالآتي:
الفقرة الأولى: عبارة العقد الواضحة.
إن وضوح عبارة العقد لا يعني عدم جواز تفسيرها؛ إذ المطلوب هو الوصول إلى وضوح نية المتعاقدين في العقد وليس وضوح العبارة في ذاتها؛ حيث يمكن أن تكون العبارة واضحة لكن الظروف تدل على أن المتعاقدين أساءا استعمال هذا التعبير الواضح[[41]]url:#_ftn41 .
وحسب الفصل 461 من ق.ل.ع[[42]]url:#_ftn42 ، فإن وضوح اللفظ المستعمل في العقد يعقل إرادة القاضي في تفسيره، إلا أن عدم استقامة اللفظ مع نية المتعاقدين يجعل القاضي ينحرف عن معناه الظاهر للوصول إلى توافق اللفظ والمعنى المقصود، لكن لا يجوز للقاضي أن يفعل ذلك إلا بشرطين:
الفقرة الثانية : عبارة العقد الغامضة.
تعرض المشرع المغربي لحالات غموض عبارة العقد في الفصل 462 من ق.ل.ع؛ حيث يكون العقد في هذه الحالة في حاجة إلى تفسير، ومن هذه الحالات:
وتسهيلا لمهمة القاضي في هذا المضمار، وضع المشرع عدة قواعد لتفسير العقد الغامض العبارة حددها في الفصول من 463 إلى 473 من ق.ل.ع.
وجدير بالذكر أن العقود المبرمة في إطار القوانين الخاصة التي تسعى إلى توفير حماية قانونية لأحد الأطراف لا تخضع لهذه القواعد العامة، بل تفسر دائما لصالح الطرف الضعيف الذي أراد القانون حمايته، ومثال ذلك عقد التأمين الذي يفسره دائما بالمعنى الأكثر فائدة للمؤمن له.
وبهذا يتضح أن المتعاقدين لا يلتزمان إلا بما قصدته إرادتهما ولا يلتزمان بشيء آخر، وفي هذا تعبير على نسبية آثار العقد من حيث الموضوع.
الفقرة الثالثة : حالة الشك.
قد يتعذر أحيانا ترجيح أحد المعاني التي تحصلها العبارة، وبقي الشك في التعرف على قصد المتعاقدين قائما، وفي هذه الحالة فإن الفصل 473 من ق.ل.ع[[46]]url:#_ftn46 جاء بجواب شاف في تفسير الشك؛ حيث قضي بتفسير الشك لفائدة المدين.
وفي تبرير هذا الحكم قال الفقيه أحمد حسن البرعي:" أن الأصل هو براءة الذمة والاستثناء أن يكون الشخص ملتزما، والقاعدة أن الاستثناء لا يتوسع فيه "[[47]]url:#_ftn47 . هذا فضلا عن أن الدائن هو المكلف بإثبات الالتزام، فإن ثار شك حول مداه وأراد الدائن أن يأخذ بالمدى الواسع ولم يستطيع إثباته بقي بعدها الأخذ بالمدى الضيق للالتزام، لأنه هو الذي قام عليه الدليل[[48]]url:#_ftn48 . وكذلك فإنه لما كان السبب في وجود الشك هو عدم وضوح الالتزام، فإن ذلك يعتبر خطأ من الدائن الذي يمليه وبالتالي وقع عليه تحمل تبعة خطائه.
وآيا كانت مبررات هذه القاعدة، فالمهم أن المشرع قد كرسها قاصدا بذلك قطع سبل التفسيرات الخاطئة التي من شأنها تحريف ما قصده المتعاقدين من وراء تصرفهما القانوني.
المطلب الثاني: تحديد نطاق العقد والالتزام بما ورد فيه
إن الانتهاء من التعرف عن الإدارة المشتركة للمتعاقدين، يحتم المرور إلى مرحلة أخرى من مراحل تحديد آثار العقد من حيث الموضوع، ألا وهي تحديد نطاق هذا العقد ) الفقرة الأولى(، وذلك قصد إلزام المتعاقدين بتنفيذه ) الفقرة الثانية (.
الفقرة الأولى: تحديد نطاق العقد.
يتولى القاضي بعد انتهائه من عملية التفسير، إذا كان هناك ما يستلزمها، تحديد نطاق العقد أو ما يصطلح عليه بمضمون العقد وذلك بحصر الالتزامات المتولدة عنه والمترتبة على طرفيه. وتحديد نطاق العقد يقتضي أولا معرفة ماهيته؛ أي إعطائه الوصف القانوني الذي يتفق وما انصرفت إليه الإرادة المشتركة للمتعاقدين، وهذه العملية) تكييف العقد ( تعتبر مسألة قانونية يقوم بها القاضي دون التقيد بالوصف الذي أعطاه له المتعاقدين[[49]]url:#_ftn49 .
وقاضي الموضوع يقوم بهذه العملية من تلقاء نفسه حتى ولو لم يطلب منه ذلك[[50]]url:#_ftn50 ، فبتبيانه لماهية العقد يكون قد استطاع أن يكمل إرادة المتعاقدين تحديدا لنطاق العقد، وهذا الأخير قد لا يقتصر فقط على الالتزامات الصريحة المعددة فيه، بل يمكن أن يتناول التزامات تكميلية تعتبر من مستلزماته الضرورية، ولتحديد هذه الالتزامات والتي لم ينص عليها في صلب العقد، يلجأ القاضي إلى القواعد المكملة تشريعية كانت أو عرفية، وإلى قواعد العدالة والإنصاف وهذا ما جاء به صريح الفصل 231 من ق.ل.ع[[51]]url:#_ftn51 .
وهكذا نخلص إلى أن نسبية أثر العقد من حيث نطاق العقد تفرض على المتعاقدين الالتزام بما اتفقا عليه في العقد، وبما تستلزمه طبيعة الشيء محل العقد، أو يفرضه العرف أو قواعد العدالة.
الفقرة الثانية: الالتزام بما ورد في العقد.
طبقا للفصل 230 من ق.ل.ع الذي ينص على أن "الالتزامات التعاقدية المنشأة على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة إلى منشئيها ،ولا يجوز إلغاؤها إلا برضاهما معا أو في الحالات المنصوص عليها في القانون "، فكل عقد مستوفى لكل شروطه القانونية يكسب صفة القانون المصغر بين الطرفين[[52]]url:#_ftn52 ، وذلك تبعا لقاعدة العقد شريعة المتعاقدين ، فلا يجوز نقضه أو تعديله إلا باتفاق الطرفين أو استنادا للأسباب التي يقرها القانون؛ إذ إنه ما دام قد نشأ عن إرادتين متوافقتين، فيجب ألا ينقض أو يعدل إلا عن طريق الإدارة المشتركة التي أنشأته، هذا من جهة .ومن جهة أخرى يجب على كل طرف في العقد أن ينفد التزاماته العقدية سواء منها الأصلية أو التي تكون من مستلزمات العقد، وفقا لطبيعته أو طبقا للقانون أو العرف أو قواعد العدالة.
ويقصد بقاعدة الالتزام بالعقد أن العقد يلزم طرفيه فيكون على المدين أن ينفذ التزاماته كما تعهد بها، ويكون للدائن أن يصر على التنفيذ عند إعراض المدين عن تنفيذ التزاماته[[53]]url:#_ftn53 ، لأن العبرة بالتنفيذ عينا. كما يجب أن يحصل التنفيذ بحسن النية من جانب المدين فلا يلجأ إلى غش أو تدليس أو تحايل، ويقع على الدائن أيضا واجب أخلاقي يتمثل في جعل التنفيذ على يد المدين حاصلا بالشكل الطبيعي، فمثلا إذا التزم مقاول بتركيب أدوات من نوع معين وتعذر الحصول عليها إلا بجهد ونفقات كبيرة، فليس للدائن أن يرفض أدوات من نوع آخر إذا كانت لا تقل عنها جودة.
وإذا كانت القاعدة هي تنفيذ العقد بجميع ما أشتمل عليه إلا أن هذه القاعدة يرد عليها في أغلب القوانين الحديثة استثناءا هام، وهو ما تقضي به نظرية الظروف الطارئة من جواز تعديل العقد بواسطة القاضي[[54]]url:#_ftn54 .
وبهذا فإن نسبية أثر العقد تحتم على الطرفين الالتزام بما ورد في صلبه، كما تقتضي بعدم جواز تعديله انفرادا من أحد الطرفين، إلا إذا نص على ذلك صراحة في العقد أو في الحالات التي أقرها القانون.
المبحث الثاني : المسؤولية العقدية.
إن قاعدة العقد شريعة المتعاقدين تفرض على طرفي العقد تنفيذه كل حسب ما التزم به، وعبر عنه سلطان إرادته، وإلا ترتب عن ذلك جزاء حدده المشرع في مساءلته مسؤولية عقدية.
فالمسؤولية العقدية إذن هي الجزاء الذي يترتب على عدم تنفيذ المتعاقد لما التزم به في العقد؛ حيث يكون للمتعاقد الآخر مطالبته بتنفيذ التزامه قضاء وترتيب المسؤولية عليه كلما توافرت أركانها الثلاثة المتمثلة في الخطأ والضرر والعلاقة السببية، وهي الأركان التي سنتناولها تباعا في المطالب الموالية.
المطلب الأول: الخطأ العقدي.
يقصد بالخطأ العقدي عدم تنفيذ المدين لالتزامه الناشئ عن العقد أو تأخره في تنفيذه. وهذا ما جاء في مضمون الفصل 263 من ق.ل.ع[[55]]url:#_ftn55 ، الذي يعتبر أن المدين إذا لم يقم بتنفيذ الالتزام أصلا، أو تأخر في تنفيذه، فإنه في كلتا الحالتين يرتكب خطأ عقديا يستوجب معه مسؤوليته ولو لم يكن التنفيذ بسوء نية؛ أي أن الخطأ يقوم سواء كان عدم التنفيذ عمدا أو بإهمال.
ولمعرفة ما إذا كان المدين منفذا أو غير منفذ لالتزاماته يرجع إلى تقسيم الالتزامات من حيث هدفها[[56]]url:#_ftn56 ، فإذا كنا بصدد التزام بتحقيق نتيجة فإن التنفيذ لا يتم إلا بتحقق تلك النتيجة، وإذا تخلفت وقع المدين في خطأ عدم التنفيذ، أما إذا كنا بصدد الالتزام ببذل عناية، فيعد المدين منفذا لالتزامه متى بذل في ذلك عناية الشخص المعتاد، سواء تحققت النتيجة المرجوة أو لم تتحقق.
وآيا كان الأمر فإن الهدف من تنظيم قواعد المسؤولية العقدية، وخاصة تحديد ما يعتبر في إطارها خطا عقديا هو الالتزام بما ورد في العقد وعدم الخروج عنه تطبيقا لمبدأ نسبية آثار العقد وضمانا لقوته الملزمة.
المطلب الثاني: الضرر
لا يكفي لقيام المسؤولية العقدية توافر الخطأ العقدي من جانب المدين، وإنما لابد أن يلحق هذا الخطأ ضررا بالدائن.
وعليه فالضرر يعد الركن الثاني من المسؤولية العقدية، ويقصد به حسب الفصل 264 من ق.ل.ع: " الضرر هو ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب متى كانا ناتجين مباشرة عن عدم الوفاء بالالتزام ..."، ولا يقتصر التعويض في المسؤولية العقدية على الضرر المادي، وهو ما فات الدائن من كسب وما لحقه من خسارة[[57]]url:#_ftn57 ، بل يشمل أيضا الضرر المعنوي وهو ما يؤدي الشخص من جوانب معنوية كالكرامة والشرف مثلا، وإن كان الغالب في إطار المسؤولية العقدية أن الضرر يكون في غالب الأحيان ماديا يصيب الدائن في ذمته المالية.
كما أن الضرر قد يكون ضررا حالا[[58]]url:#_ftn58 ، وقد يكون محقق الوقوع في المستقبل [[59]]url:#_ftn59 ، وقد يكون محتمل الوقوع[[60]]url:#_ftn60 ) إما أن يقع أو لا يقع ( ،ولا يعوض عنه إلا في حالة تحققه.
وإذا لم يترتب على خطأ المدين ضرر للدائن على هذه الكيفية فلا تعويض، كما في حالة تأخر مقاول في تسليم مبنى كان سيؤجر كمدرسة، طالما تم التسليم قبل الموعد المحدد لبدء سريان الإيجار[[61]]url:#_ftn61 .ومعلوم أن تقدير التعويض يدخل ضمن المسائل الموضوعية التي ينظر فيها القاضي في إطار ما له من سلطة تقديرية وفقا لظروف كل حالة.
المطلب الثالث: العلاقة السببية.
يشترط لقيام المسؤولية العقدية أن يكون الخطأ هو السبب المباشر لتحقق الضرر؛ أي قيام رابطة سببية بينهما، وهذا ما أكدته المادة 264 من ق.ل.ع بقولها:"...متى كانا ناتجين مباشرة عن عدم الوفاء بالالتزام..." وقد يحدث أن يتحقق الخطأ والضرر ولا تقوم المسؤولية العقدية، باعتبار أن خطأ الدائن لم يكن سببا لتحقيق الضرر الذي أصاب المدين[[62]]url:#_ftn62 .
وإذا كان الأصل أن يكون الضرر ناتجا عن سبب واحد، فإنه قد ينتج أحيانا عن أكثر من سبب[[63]]url:#_ftn63 ، كما في الحالة الآتي يكون فيها عدم التنفيذ ناتجا عن فعل المدين وتدخل الغير، فتكون مسؤولية المدين في هذا الجانب عقدية، بينما تكون مسؤولية الغير تقصيرية، أما فيما يخص ما إذا كان عدم التنفيذ ناتجا بفعل قوة قاهرة فإن التزام المدين يسقط ولا يحق للدائن مساءلته، مادام قد أقام الدليل على وجود القوة القاهرة.والمبدأ أن علاقة السببية بين الخطأ والضرر قائمة، ويقع على المدين عبء نفيها في حالة تمسكه بعدم وجودها[[64]]url:#_ftn64 .
خاتمة
تلكم إذن هي مختلف الأحكام التي تتعلق بموضوع مبدأ نسبية آثار العقد، والتي استطاعنا من خلال تناولها الوصول إلى حقيقتين أساسيتين:
الأولى تتمثل في أن العقد ينتج آثاره في مواجهة عاقديه، ولكنه لا يقف عندهما بل يتعداهما إلى من يحلون محلهما في حقوقهما التي ينظمها، كما أنه قد يؤثر بطريق غير مباشر في دائنيهما من خلال ما يؤدي إليه من زيادة أو نقص في الضمان العام، ثم أن القاعدة الأساسية العامة في آثار العقود بالنسبة إلى الغير هي أنها لا تنصرف إليهم، فلا ترتب لهم في الأصل حقا ولا تحملهم بالتزام، ولكن هذه القاعدة يشهد الواقع بأن لها استثناءات .
والثانية تتجلى في أن المتعاقدين يلتزمان بما تضمنه العقد ولا يتحملان بشيء آخر؛ أي أن العقد نسبي أيضا في آثر قوته الملزمة من حيث موضوع التعاقد. والملتزم بالعقد مسؤول عن ذلك مسؤولية عقدية ، وهي الجزاء الذي يكفل للعقد قوته الملزمة .
كما أن تناولها لهذا الموضوع قد أبان عن وجود عدة ثغرات قانونية في هذا الإطار نبرزها من خلال هذه التوصيات:
وبنعمته تتم الصالحات.
لائحة المراجع
إن انعقاد العقد صحيحا مستوفيا لكل أركانه وشروطه، يجعل منه شريعة في مواجهة طرفيه؛ حيث تنصرف إليهما آثاره دون أن تتعداهما - كقاعدة عامة - إلى الغير، وهذا ما يعبر عنه بمبدأ نسبية آثار العقد.
يقصد إذن بمبدأ نسبية آثار العقد من جهة، اقتصار آثار العقد على طرفيه[[1]]url:#_ftn1 وعدم انصرافها إلى الغير إلا في حالات معينة وضمن حدود محددة ) نسبية آثار العقد من حيث الأشخاص (، ومن جهة ثانية عدم إمكانية إلزام الأطراف المتعاقدة إلا بما تضمنه العقد أو تفرضه طبيعة المعاملة .وبعبارة أخرى، فإن القوة الملزمة للعقد ليس لها أثر إلا على المتعاقدين ومن في حكمهم، وليس لها أثر إلا على ما تضمنه العقد، وما تستلزمه طبيعة التعامل.
ولما كان الأمر كذلك، فإن تناول موضوع نسبية آثار العقد له أهمية بالغة، تتجلى بالأساس في تحديد مدى نسبية آثار العقد سواء بالنسبة للأشخاص أو الموضوع؛ إذ إن المبدأ هو "العقد شريعة المتعاقدين"، فلا يستطيع أحدهما بحسب الأصل أن ينقضه أو يعدل في أحكامه، ما لم يسمح له العقد نفسه بذلك أو يسمح له به القانون، كما لا يملك أن يصرف آثاره إلى غيره.
لكن تطور المعاملات، وما يفرضه ذلك من ضرورة الحفاظ على استقرارها، أفرز مظاهر جديدة لتصرفات عقدية تعبر عن أنها خروج عن ما كرسه هذا المبدأ ) العقد شريعة المتعاقدين ( من أحكام.
وأمام كل هذا وذاك، يحق لنا أن نتساءل عن: ما هي تجليات مبدأ نسبية آثار العقد من حيث الأشخاص؟ وما هي مظاهر هذا المبدأ من حيث موضوع العقد؟
وبغية الوقوف على إجابة لهذه الإشكالات، فقد ارتأينا الاعتماد على منهج تحليلي نقوم من خلاله بتحليل كل الأحكام في ضوء النصوص القانونية والآراء الفقهية والقضائية،وذلك في هيكلة ثنائية كالآتي:
الفصل الأول : نسبية آثار العقد من حيث الأشخاص.
الفصل الثاني: نسبية آثار العقد من حيث الموضوع.
الفصل الأول: نسبية آثار العقد من حيث الأشخاص
إذا انعقد العقد صحيحا ترتبت آثاره التي أرادها عاقديه؛ أي أن هذه الآثار تنسحب إلى العاقدين، ولا تمتد إلى غيرهما، وهذا ما يعبر عنه بنسبية آثار العقد من حيث الأشخاص.
لكن إذا كان المبدأ هو اقتصار آثار العقد على المتعاقدين، فإنه ولاعتبارات ترجع إلى العدالة واستقرار التعامل تنصرف كذلك إلى الغير.
المبحث الأول : آثار العقد بالنسبة إلى المتعاقدين
يقصد بالمتعاقدين تبعا للمفهوم الضيق من كان طرفا في العقد سواء بصفة شخصية أو بصفته نائبا كالوكيل أو الولي أو المقدم أو الوصي، والذين يمثلون الموكل أو القاصر أو ناقص الأهلية.وهؤلاء هم الذين يعتبرون طرفا ي العقد و ليس النائب الذي يمثلهم مادام أن النيابة تم باسم الأصيل ولحسابه.
لذلك فإن الحديث عن آثار العقد بالنسبة إلى المتعاقدين لا يعني أن هذه الآثار تنصرف فقط إلى من كان طرفا في العقد وعبر عن إرادته، وإنما كذلك من يمثله هذا الطرف في التعاقد.
فالعقد الذي يبرمه الشخص كما ينصرف آثره إليه، ينصرف كذلك إلى خلفه العام ) المطلب الأول(، وقد ينصرف إلى خلفه الخاص [[2]]url:#_ftn2 ) المطلب الثاني(، كما قد يمتد إلى دائينه ( المطلب الثالث).
المطلب الأول : الخلف العام
يعرف الخلف العام بأنه كل من يخلف سلفه في كل ذمته أو في كسر حسابي محدد منها [[3]]url:#_ftn3 . وطبقا للفصل 229 من ق.ل.ع [[4]]url:#_ftn4 ، فإن المبدأ أو القاعدة هي انصراف آثر العقد إلى الخلف العام ) الفقرة الأولى(، والاستثناء هو عدم انصرافه إليه في حالات محددة ) الفقرة الثانية (.
الفقرة الأولى: المبدأ : انصراف آثر العقد إلى الخلف العام
إن القاعدة المقررة في القانون المغربي بناء على الفصل 229 من ق.ل.ع، هي أن آثر العقد ينسحب إلى المتعاقدين والخلف العام دون المساس بالقواعد المتعلقة بالميراث.
ومفاد ذلك أن الحقوق التي ينشئها العقد تنتقل إلى الوارث بعد موت الموروث المتعاقد، أما الالتزامات فتقرر في شأنها الشريعة الإسلامية أنه " لا تركة إلا بعد سداد الدين"؛ أي أن الالتزام يبقى في التركة، ولا تنتقل هذه الأخيرة إلى ذمة الوارث حتى ينقضي هذا الالتزام وتكون التركة طاهرة من أي التزام[[5]]url:#_ftn5 .
وقد كرس المشرع المغربي ذات الحكم في الفقرة الأولى من الفصل 229 من ق.ل.ع، ونص على أنه في حالة قبول الورثة لتركة مورثهم لا يلتزمون إلا في حدود أموال التركة وبنسبة مناب كل واحد منهم. وهو ما أكده المجلس الأعلى[[6]]url:#_ftn6 كذلك في أحد قرارته ؛ حيث قرر:
" إن ديون الهالك تخرج من تركته، وإن وارثيه ليسوا بمسؤولين عن ديونهم مادام لم يثبت أن الهالك خلف متروكا، وأن الورثة حازوه قبل قضاء الديون المتخلفة في ذمة الهالك. ومن جهة أخرى أن مسؤوليتهم في ذلك فردية تكون على نسبة ما حازه كل منهم في نصيبه، ولهذا فإن محكمة الموضوع قد خرقت هذه المبادئ عندما قضت على الورثة بالأداء على سبيل التضامن بينهم بدون أن تقوم بتصفية التركة، إذ تختبر هل ترك الهالك متروكا يفي بقضاء ديونه ،وهل حاز الورثة منه شيئا وما مقدار ما حازه كل واحد منهم من ذلك لتجري أحكام الشريعة الإسلامية على مقتضاها"[[7]]url:#_ftn7 .
وعليه فإن آثر العقد ينصرف إلى الخلف العام، بشكل يجعله في منزلة العاقد، وذلك في حدود ما أصابه من الحقوق في التركة ، ويسري في حقه ما كان يسري في حق السلف بخصوص العقد4.
الفقرة الثانية : الاستثناء عدم انصراف آثر العقد إلى الخلف العام
أشار الفصل 229 من ق. ل. ع إلى حالات ثلاث ، تشكل في مجملها استثناءات من مبدأ سريان آثار العقد على الخلف العام ، نوجزها في النقاط التالية:
أولا: حالة إرادة المتعاقدين
طبقا لمبدأ العقد شريعة المتعاقدين، فإنه إذا تضمن العقد أن آثرا من آثاره لا ينتقل من السلف العاقد إلى خلفه فإنه لا ينتقل تبعا لذلك، كلما صح الشر ط لعدم مخالفته للنظام العام أو الآداب. ومثال هذه الحالة أن يؤجر شخص لآخر منزلا لمدة معينة، ويتفقان على إنهاء الإجارة بموت المستأجر إذا وقع قبل فوات هذه المدة.
ثانيا : حالة طبيعة العقد
إذا اقتضت طبيعة التعامل عدم انتقال آثاره إلى الخلف العام، فإن هذه الآثار لا تنسحب إلى هذا الأخير سواء كان المانع من الانتقال قانونيا أو ماديا.
فلو حصل شخص على حق انتفاع بموجب عقد، فإن هذا الحق لا ينتقل بعد موته إلى ورثته، اعتبارا لطبيعته القانونية التي تقتضي بأن ينقضي بموت صاحبه.
وأيضا كل عقد أبرم وكانت فيه شخصية المتعاقد محل اعتبار كعقد التطبيب مثلا ، فإن ما ينشأ عنه من آثار لا تنتقل إلى الورثة نظرا لطبيعة العقد المادية.
ثالثا: حالة نص القانون
قد يتضمن القانون نصا صريحا يقضي بعدم انتقال آثار العقد إلى الخلف، وبالتالي يصبح المنع بقوة القانون ولا يكون للأطراف الاتفاق على مخالفته وإلا كان الاتفاق مخالفا للنظام العام.
ومن ذلك ما نص عليه الفصل 929 من ق.ل.ع في فقرته الخامسة، بأن الوكالة تنتهي بقوة القانون بموت الموكل أو الوكيل، وبالتالي فإن آثار هذا العقد لا يمكن أن تنتقل إلى الخلف.
وفي نهاية مطاف هذا المطلب نشير إلى أن الخلف العام قد يتحول في بعض الحالات إلى الغير، مثل حالة الوصية لأحد الورثة[[8]]url:#_ftn8 ، فهذه الوصية لا تسري إزاء بقية الورثة لأنهم يعتبرون من الغير في هذه الحالة، فحقهم في التركة مستقل في العلاقة فيما بينهم عن إرادة المورث وفقا للشريعة الإسلامية. وكذا مثل حالة الوصية بأكثر من الثلث التي لا تنفذ إزاء الورثة فيما يتجاوز الثلث؛ إذ يعتبرون غيرا في علاقتهم مع الموصى له.
المطلب الثاني: الخلف الخاص
يقصد بالخلف الخاص من يتلقى من سلفه حقا معينا كان قائما في ذمة هذا السلف، سواء كان الحق عينيا أم شخصيا. فالخلفية هنا خلفية خاصة تثبت على حق محدد وليس على عنصر مشاع في الذمة المالية.[[9]]url:#_ftn9
وسيرا على نهج المشرع الفرنسي فالمشرع المغربي لم ينظم العلاقة بين السلف والخلف الخاص بشكل صريح[[10]]url:#_ftn10 خلافا لجل التشريعات العربية[[11]]url:#_ftn11 . وبحكم هذا الفراغ التشريعي يمكن بيان آثر العقد بالنسبة للخلف الخاص على ضوء المبادئ القانونية العامة، وما اهتدت إليه التشريعات المقارنة.
وانطلاقا من تلك المصادر يمكن الوقوف عند مبدأين نبرز على ضوءهما ضوابط انتقال الحقوق والالتزامات من السلف إلى الخلف الخاص، نوردهما كالآتي :
الفقرة الأولى : لا يمكن للشخص أن ينقل لغيره أكثر مما يملك.
يقضي هذا المبدأ بانتقال الشيء أو الحق إلى الخلف الخاص وفقا للحالة التي كان عليها في ذمة سلفه، فالحقوق والالتزامات التي يحصل فيها الاستخلاف الخاص يلزم أن تكون قد تقررت للسلف بمقتضى العقد.
وجلي أن هذا المبدأ لا يعدو أن يكون إلا تكريسا لمبدأ آخر معروف هو: " فاقد الشيء لا يعطيه" ؛حيث لا يستطيع السلف أن ينقل لخلفه الخاص أكثر مما يملك من حقوق وما عليه من التزامات تتصل بالشيء محل الاستخلاف[[12]]url:#_ftn12 .
وعليه، فانتقال الشيء محل الاستخلاف إلى الخلف الخاص يستتبع انتقال كافة الالتزامات والحقوق المتصلة به شريطة أن تكون من مستلزماته. وتعد الحقوق من مستلزمات الشيء إذا كانت تابعة ومكملة له، ونمثل لذلك بالحقوق التي يكون الغرض منها درء الضرر عن الشيء كحالة ضمان العيوب الخفية؛ فالبائع الذي باع شيئا معينا إلى مشتر قام ببيع نفس الشيء إلى مشتر ثاني، فإنه من حق هذا الأخير أن يرجع على البائع الأول إذا ظهر في المبيع عيب خفي[[13]]url:#_ftn13 . وتعتبر الالتزامات أيضا من مستلزمات الشيء إذا كانت محددة له ومقيدة لاستعمالاته، وكمثال عن ذلك تلك الالتزامات التي تقيد من استعمال حق الملكية؛ كالتزام بائع المنزل، محل الاستخلاف بعدم استعماله كمقهى أو متجر، و التزام مالك الأرض بمراعاة قيود معينة عند البناء في أرضه، فعند بيع المنزل أو الأرض ينتقل نفس الالتزام إلى المشتري.
وغني عن التذكير أن هذا المبدأ المقرر سواء على مستوى الحقوق أو الالتزامات يعد تكريسا للقاعدة الفقهية المعروفة ب: "الفرع يتبع الأصل"؛ أي متى كانت الحقوق والالتزامات من توابع الشيء المستخلف انتقلت معه إلى الخلف الخاص.
الفقرة الثانية: يجب أن يكون الخلف الخاص عالما بما أنشأه العقد الذي أبرمه سلفه.
في هذا الإطار درج الفقهاء [[14]]url:#_ftn14 على التمييز بين الحقوق والالتزامات من حيث علم الخلف الخاص بها، فعلى مستوى الحقوق لا يلزم أن يتوفر عند تلقي الخلف الخاص للشيء محل الاستخلاف علمه الحقيقي بها، وإنما يكتفي بمجرد العلم الافتراضي بها، باعتبارها عناصر إيجابية من شأنها الزيادة من ما تحتويه ذمته المالية من أصول.
وإذا كان المطلوب بالنسبة للحقوق هو مجرد العلم الافتراضي، فإن الالتزامات وبالعكس من ذلك يجب العلم بها علميا يقينيا؛ أي ليس فقط العلم بمعناه البسيط، باعتبارها قيودا من شأنها التأثير بالزيادة في خصوم ذمته؛ إذ لما كانت هذه الالتزامات قيودا على حق الخلف الخاص كان من السائغ اشتراط علم ذلك الخلف بوجود هذه القيود.[[15]]url:#_ftn15 فمثلا المشتري لعقار كان بائعه المالك قد التزم بعدم تحويله إلى فندق بمقتضى عقد سابق، لا يفترض تقييده بهذا الالتزام إلا إذا كان عالما به وقت شرائه له.[[16]]url:#_ftn16
المطلب الثالث : الدائنين
إن آثار العقد الذي يجريه الشخص تكون سارية في وجه دائنه؛ إذ إن هذا العقد ينعكس على هذا الأخير سلبا وإيجابا حسب ما إذا كان من شأنه الانتقاص أو الزيادة في الذمة المالية للمدين .
هذا وإذا كانت التشريعات المقارنة [[17]]url:#_ftn17 ، قد اعتبرت الدائن من الخلف العام عملا بالقاعدة التقليدية التي تعتبر الدائن من الخلف ذي الصفة العامة اعتبارا إلى أن له حق ارتهان أو ضمان عام على ذمة المدين بمجموعها[[18]]url:#_ftn18 ، فإن التقنين المدني المغربي لم يضفي هذا الوصف على الدائن، وإنما اكتفى في الفصل 1241 من ق.ل.ع بتقرير حق الضمان العام للدائن على أموال مدينه، ثم التدخل بعدة وسائل قانونية لحماية الدائن من التصرفات القانونية الضارة به والتي تصدر من المدين بقصد الإضرار بدائنه، وهي الحالة التي يمكن اعتباره فيها من الغير. ومن هذه الوسائل نذكر دعوى الصورية ودعوى توقيع الحجز التحفظي ثم حق الحبس. وهي الوسائل التي سنتناولها تباعا في الفقرات الموالية.
الفقرة الأولى : دعوى الصورية
نص المشرع المغربي على هذه المكنة القانونية في الفصل 22 من ق.ل.ع[[19]]url:#_ftn19 . فدعوى الصورية تخول للدائن حق الطعن في العقد الذي أبرمه مدينه بشكل صوري للإضرار بدائنيه فقط بنقص الذمة المالية له.
فالدائن بواسطة هذه الدعوى يعمل على الكشف عن الحقيقة التي أراد المدين إخفاءها من أجل إعمالها في حقه دون التصوير الكاذب الذي ركن إليه[[20]]url:#_ftn20 . و يسعى إلى إعادة الأموال التي خصمت من الذمة المالية للمدين كأثر للعقد الصوري الذي أبرمه لتظل داخلة في ضمانه العام.
الفقرة الثانية : دعوى توقيع الحجز التحفظي
نص القانون المغربي على هذه الدعوى في الفصل 138 من ق.ل.ع[[21]]url:#_ftn21 ونظم إجراءاتها في الفرع الأول من الباب الرابع من القسم السادس من قانون المسطرة المدنية. فمن خلال المقتضيات الواردة في هذه النصوص القانونية يتضح أن للدائن إقامة دعوى الحجز التحفظي، وذلك في سبيل منع المدين من التصرف في الأموال المراد الحجز عليها ، حتى و لو كان دين الدائن مقرونا بأجل.
غير أن إقامة هذه الدعوى يبقى رهين بضرورة وجود مبررات تجعل الدائن يخشى إعسار المدين أو فراره.
الفقرة الثالثة : حق الحبس
يعرف الفصل 291 من ق.ل.ع حق الحبس بأنه "حق الحبس هو حق حيازة الشيء المملوك للمدين وعدم التخلي عنه إلا بعد وفاء ما هو مستحق للدائن. ولا يمكن أن يباشر إلا في الأحوال الخاصة التي يقررها القانون".
فبالرجوع إلى هذا التعريف يمكن القول بأن للدائن حق حبس أموال المدين إذا كانت بحوزته إلى أن يتمكن من استيفاء دينه. وبذلك يكون هذا الحق تطبيقا لما جاء في الفصل 235 من ق.ل.ع[[22]]url:#_ftn22 الذي ينص على مبدأ الدفع بعدم التنفيذ المخول لكلا المتعاقدين في العقود الملزمة للجانبين في حالة عدم تنفيذ المتعاقد الأخر لالتزامه المقابل.
المبحث الثاني: آثار العقد بالنسبة إلى الغير
لما كان الغير هو الأجنبي عن حالة التعاقد ، فهو كل شخص خلاف المتعاقدين وخلفائهما ودائنيهما، فهو بالتالي لا يتأثر بالعقد ولا يحمله بأي التزام.
فالعقد المبرم إذن بين المتعاقدين كما لا يضر الغير ) المطلب الأول(، فهو لا ينفعه ) المطلب الثاني( وذلك وفقا لقاعدة نسبية آثار العقد.
المطلب الأول: العقد لا يضر الغير
إذا كان الغير طبقا لمبدأ نسبية آثار العقد لا يتأثر بما يبرمه غيره من العقود، فإن هناك حالات استثنائية وإن كانت تشكل في عمقها مجرد تطبيق لمبدأ العقد لا يضر الغير، تجعل الغير يتحمل بالتزامات في إطار عقد لم يشارك في إبرامه ، وأهم هذه الحالات:
- الالتزام عن الغير شرط إقراره إياه ) الفقرة الأولى(.
- التعهد عن الغير ) الفقرة الثانية(.
كرس المشرع المغربي أحكام هذا الالتزام في الفصول من 36 إلى 38 من ق.ل.ع، ويقصد بالالتزام عن الغير شرط إقراره إياه، أن يلتزم شخص باسم غيره، شرط أن يقر هذا الغير هذا الالتزام .
وتتحقق هذه الصورة عندما يتصرف شخص عن آخر دون أن يكون وكيلا، إما لأنه وكيل وتجاوز حدود وكالته، وإما لأنه غير وكيل أصلا ولكن تربطه بمن يتصرف عنه صلة خاصة تجعله موقن بأنه سيقر تصرفه.[[23]]url:#_ftn23
وتطبيقا لمبدأ سلطان الإرادة، فإن الغير الذي أبرم الالتزام باسمه له الحرية المطلقة في أن يرفض هذا الالتزام أو أن يقبل به، لذلك نميز بين أحكام رفض الغير للالتزام الذي ابرم باسمه، وأحكام إقراره:
أولا :حالة رفض الالتزام
إذا رفض الغير العقد المبرم باسمه، فلا يمكن إلزامه به ولا ترتيب أية مسؤولية على الملتزم إزاء الطرف الآخر؛ لأن الالتزام وقع في الأصل معلقا على شرط واقف هو أن يحظى التعاقد بإقرار الغير المتعاقد باسمه، فضلا عن أن الملتزم لم يتعهد إزاء متعاقديه بالحصول على هذا الإقرار. وفي هذا يختلف هذا النوع عن ما يسمى بالتعهد عن الغير.
ثانيا :حالة إقرار الالتزام
يجب أن يكون الإقرار داخل أجل معقول، وللملتزم أن يطلب من هذا الغير التصريح بموقفه والإفصاح عن نيته في ما إذا كان ينوي إقرار الاتفاق داخل أجل أقصاه 15 يوما من تاريخ الإعلام بالعقد[[24]]url:#_ftn24 ، وإذا ما أجاز هذا الغير التصرف داخل هذا الأجل انقلب الملتزم عن الغير وكيلا؛ إذ "الإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة"[[25]]url:#_ftn25 ، وينتج هذا الإقرار أثره في مابين المتعاقد الآخر والمقر) الغير( من وقت إبرام التصرف الذي وقع إقراره؛ بمعنى أن للإقرار أثر رجعي في مابين المقر والمتعاقد الآخر دون الغير الذي لا يكون للإقرار أي أثر في مواجهته إلا من تاريخ حصوله طبقا للفصل 37 من ق.ل.ع.
وإذا كانت إذن لهذا الغير الحرية المطلقة في أن يقبل ما التزم به الملتزم باسمه أو يرفضه، فإن ذلك يعضد ما أكدناه من أن هذا الالتزام ليس استثناءا من قاعدة " العقد لا يضر الغير" بقدر ما هو تطبيق لها، مادام هذا الغير لا يلتزم إلا برضاه وعن حرية تامة.
الفقرة الثانية : التعهد عن الغير.
يقصد بالتعهد عن الغير ذلك العقد الذي يتم بين شخصين بمقتضاه يلتزم أحدهما وهو "المتعهد" بان يجعل شخصا ثالثا يلتزم في مواجهة المتعاقد معه[[26]]url:#_ftn26 .
وإذا كان المشرع المغربي قد أقر صراحة الالتزام عن الغير شرط إقراره إياه، فإنه وبخلاف جل التشريعات المقارنة كالتشريع المصري الجديد في مادته 153[[27]]url:#_ftn27 لم يقر صراحة "التعهد عن الغير". لكن ورغم ذلك فإن الفقه القانوني قد أجمع على إمكانية الأخذ به طالما ليس فيه ما يخالف النظام العام من جهة، ثم إن المبادئ القانونية العامة في التشريع المغربي لا تتعارض مع الأخذ بأحكام التشريعات التي كرست هذا النظام.
وفي ضوء كل ذلك، فإن التعهد عن الغير يستلزم حتى يكون صحيحا توافر ثلاثة شروط:
أولا : أن يتعاقد المتعهد عن الغير باسمه لا باسم الغير الذي يتعهد عنه
ومن هنا فالمتعهد إذ يعمل لنفسه وينصرف إليه أثر العقد، فإن مركزه القانوني يختلف عن مركز كل من الوكيل والفضولي[[28]]url:#_ftn28 ، كما يختلف عن الملتزم عن الغير الذي يتعاقد باسم الغير لا باسمه كما بينا سلفا، وبالتالي فإن العلاقة بين المتعهد والمتعاقد الآخر هي علاقة تعاقدية يترتب على عدم وفاء المتعهد بالتزامه تحقق مسؤوليته العقدية.
ثانيا : أن تتجه نية المتعهد إلى إلزام نفسه بهذا التعهد لا إلزام الغير
حيث إنه إذا تعاقد باسمه مع إرادة إلزام غيره بتعاقده، يجعل العقد باطلا لاستحالة المحل. لذلك فإن قبول الغير للتعهد هو الذي يولد عقد آخر جديد بين هذا الغير والمتعاقد الآخر، ويكون هذا العقد هو مصدر التزام الغير وليس تعاقد المتعهد، وفي هذا يظهر الاختلاف بين التعهد عن الغير والاشتراط لمصلحة الغير الذي تنصرف فيه نية المشترط إلى إكساب الغير حقا مباشرا من ذات العقد الذي أبرمه المشترط مع المتعهد[[29]]url:#_ftn29 . وكذلك الأمر بالنسبة للالتزام عن الغير شرط إقراره إياه؛ إذ إن إقرار الغير لهذا الالتزام لا يولد عقدا جديدا، بل يبقى العقد الذي أبرم باسمه هو الذي ينتج آثاره.
ثالثا : أن يكون محل التزام المتعهد القيام بعمل هو حمل الغير على قبول هذا التعهد
إن التزام المتعهد هنا هو التزام بتحقيق نتيجة وليس فقط التزاما بوسيلة؛ بحيث إذا رفض الغير إبرام هذا العقد تحمل المتعهد المسؤولية العقدية [[30]]url:#_ftn30 . وإذا كان الأمر كذلك فإنه في حالة ما إذا قبل الغير إبرام هذا العقد لكن تراخى عن تنفيذه فلا مسؤولية على المتعهد مادام قد التزم فقط بضمان ابرام العقد لا بتنفيذه.[[31]]url:#_ftn31
والغير حسب ما سبق له أن يقبل تعهد المتعهد فيتحمل الالتزام الناتج عنه وتنصرف إليه أثره بشكل فوري لا رجعي، وله أن يرفضه ودون أن يتحمل بأية مسؤولية ويكون المتعهد في هذا الفرض هو المسؤول عن إخلاله بالتزامه العقدي وتعويض المتعاقد معه أو تنفيذ ما التزم به عن الغير بشكل شخصي.[[32]]url:#_ftn32
ولما كانت لهذا الغير الحرية في قبول التعهد أو رفضه مثل ما عليه الحال في الالتزام عن الغير، فإن ذلك يجعل التعهد عن الغير مرة أخرى تطبيقا لمبدأ العقد لا يضر الغير وليس استثناءا منه.
المطلب الثاني : العقد لا ينفع الغير
إذا كان المبدأ الأصيل في العقود هو عدم انتفاع الغير بها) الفقرة الأولى( ، فإن اطلاقية هذا المبدأ لم تصمد طويلا بالحالة التي كان عليه في عهد القانون الروماني بسبب ظروف الحياة التي نعيشها والتي أدت إلى قبول استثناءات بالغة الأهمية في إطاره، وتتركز هذه الاستثناءات بالأساس على نظام الاشتراط لمصلحة الغير ) الفقرة الثانية( .
الفقرة الأولى : المبدأ العقد لا يكسب نفعا للغير.
إن الغير الأجنبي لا يتأثر بعقد يبرمه غيره و لا يسري بحقه أي أثر من ذلك العقد ، وقد عبر المشرع المغربي في ق.ل.ع عن هذا المبدأ في المادة 228 التي نصت على أنه :"الالتزامات لا تلزم إلا من كان طرفا في العقد ، فهي لا تضر الغير ولا تنفعهم إلا في الحالات المذكورة في القانون". وهنا نود أن نشير إلى أن المشرع المغربي على غرار نظيره الفرنسي قد عمد إلى بحث آثار العقد في معرض حديثه عن آثار الالتزامات بوجه عام[[33]]url:#_ftn33 ، معتبرا بذلك آثار الالتزام هي نفسها آثار العقد مع أن هناك اختلاف كبير بين الموضوعين، إذ العقد يرمي بصورة أساسية إلى إنشاء الالتزامات، أما الالتزامات فهي تهدف بالأساس إلى إجبار المدين على تنفيذ ما التزم به.
ورجوعا إلى نص المادة أعلاه يتبين أنها تتضمن البحث في قاعدتين مختلفتين، تعتمد الأولى على الجانب السلبي المتمثل في عدم سريان ما ينتج عن العقد من التزامات تجاه الغير الذي لم يكن طرفا في العقد)...فهي لا تضر الغير...(. والثانية على الجانب الايجابي؛ حيث إنه إذا كان الأصل أن العقد لا يضر الغير، فالأصل أيضا أنه لا ينفعهم [[34]]url:#_ftn34 ، وهذا الأصل الأخير هو الذي يقره المبدأ الذي نحن بصدد دراسته والذي يقول بعدم انصراف الحقوق المتولدة عن عقد لم يكن الغير طرفا فيه إلى هذا الغير إلا استثناء وبنص القانون ، كما هو الأمر بالنسبة للاشتراط لمصلحة الغير الذي يعد من أبرز هذه الاستثناءات .
الفقرة الثانية: الاستثناء: الاشتراط لمصلحة الغير
الاشتراط لمصلحة الغير هو عقد ينشأ بموجبه لشخص أجنبي عن العقد- ويسمى المنتفع- حق مباشر تجاه أحد المتعاقدين - ويسمى المتعهد- اشترطه عليه المتعاقد الآخر- ويسمى المشترط-[[35]]url:#_ftn35 . ومن هذا التعريف يتضح أن الاشتراط لمصلحة الغير يشكل استثناء من مبدأ العقد لا يكسب نفعا للغير، واستثناء لما قرره الفصل 33 من ق، ل،ع [[36]]url:#_ftn36 .
وقد خصه المشرع المغربي بالفصلين 34 و 35 من ق.ل.ع؛ حيث أقر فيهما جواز الاشتراط لمصلحة الغير وبين الآثار التي تترتب عليه سواء بالنسبة للمشترط أم بالنسبة للمنتفع أم الغير.
و للاشتراط لمصلحة الغير صور عديدة؛ إذ إن نطاقه واسع جدا في الحياة العملية، فهذه الصور نجد أثارها في عقود الهبة بعوض، وفي عقود التأمين ،وفي عقود نقل البضائع وفي عقود المرافق العامة.... ؛ ففي عقد التأمين مثلا يؤمن المتعاقد على حياته لمصلحته ومصلحة أولاده بعده إذا مات قبل مدة معينة ، أو يؤمن لمصلحة أولاده فقط[[37]]url:#_ftn37 .
وللقول بتحقق الاشتراط لمصلحة الغير، لابد من توافر ثلاثة شروط:
- أن يتعاقد المشترط باسمه لا باسم المنتفع وهذا ما يميزه عن الوكالة والفضالة.
- أن تنصرف إرادة المتعاقد إلى إنشاء حق مباشر للمنتفع، فمصدر هذا الحق هو العقد ذاته.
- أن تكون للمشترط مصلحة شخصية ) مادية أو أدبية (، وهذا ما يميزه عن الفضولي في الفضالة. والاشتراط يصح لمصلحة شخص ولو كان غير معين وقت عقد الاشتراط.
- علاقة المشترط أو المتعاقد بالمتعهد أو الملتزم : تحدد هذه العلاقة بمقتضى العقد الذي توافق عليه الطرفان، وبقوته يمكن للمشترط أن يطالب المتعهد بتنفيد التزامه.
- علاقة المشترط بالمنتفع : قد تكون هذه العلاقة إما من قبيل التبرع وإما من قبيل المعاوضة، وذلك تبعا لقصد المشترط من العقد[[39]]url:#_ftn39 ، وهو ما جاء به الفصل 34 من ق.ل.ع الذي نص على أنه:" ومع ذلك يجوز الاشتراط لمصلحة الغير، ولو لم يعين إذا كان سببا لاتفاق أبرمه معاوضة المشترط نفسه أو سببا للتبرع لمنفعة الواعد ..." ،ذلك أنه سواء كانت طبيعة العلاقة بين المشترط والمنتفع علاقة تبرع أم معاوضة ، فإن حق المنتفع في الاستفادة من الاشتراط متوقف على عدم رفضه له.
- علاقة المنتفع بالمتعهد : تعد هذه العلاقة أهم ما في الاشتراط لمصلحة الغير، لأنها هي التي تضفي عليه طابعه الخاص كاستثناء من قاعدة نسبية آثر العقد وعدم انصراف أثاره إلى غير المتعاقدين؛ إذ ينشأ عن هذه العلاقة حق مباشر للمنتفع يكون مصدره عقد الاشتراط.
الفصل الثاني: نسبية آثار العقد من حيث الموضوع
طبقا لمبدأ سلطان الإدارة تنشأ العقود، وعملا بمبدأ العقد شريعة المتعاقدين تحدد التزامات المتعاقدين ويلتزم الأطراف بكل ماجاء فيه، فهو يحتوي قوة تحتم على الطرفين الرضوخ والإذعان له في كل ما يحتويه.
لكن ورغم كل ذلك، فإن العقد أيضا نسبي في أثر قوته الملزمة من حيث الموضوع الذي انصب عليه التعاقد .كما أن الملتزم بالعقد مسؤول عن تنفيذه، وكل إخلال من طرفه ببنوده يرتب عليه مسؤولية عقدية كجزاء على إخلاله.
وعلى ضوء ذلك ارتأينا، تقسيم هذا الفصل إلى مبحثين نتناول في الأول تحديد موضوع العقد، ونخصص الثاني للتعريج على جزاء الإخلال بالعقد من خلال تناول المسؤولية العقدية.
المبحث الأول: تحديد موضوع العقد
تقتضي طبيعة هذا المبحث التطرق إلى مسألة البحث عن حقيقة ما ذهبت إليه إرادة المتعاقدين، وهي الحقيقة التي لا يمكن التوصل إليها إلا عن طريق تفسير العقد ) المطلب الأول)، ثم تناول تحديد مضمون العقد ومدى إلزامية تنفيذه ) المطلب الثاني(.
المطلب الأول : تفسير العقد
تناول المشرع المغربي تفسير العقود في الفرع الأول من الباب الثاني من القسم السابع من الكتاب الأول من ق. ل.ع تحت عنوان "في تأويل الاتفاقات".
وبالرجوع إلى المقتضيات المنظمة في هذا الفرع نجد المشرع قد تطرق لثلاث حالات في تفسير العقود نتناولها تباعا كالآتي:
الفقرة الأولى: عبارة العقد الواضحة.
إن وضوح عبارة العقد لا يعني عدم جواز تفسيرها؛ إذ المطلوب هو الوصول إلى وضوح نية المتعاقدين في العقد وليس وضوح العبارة في ذاتها؛ حيث يمكن أن تكون العبارة واضحة لكن الظروف تدل على أن المتعاقدين أساءا استعمال هذا التعبير الواضح[[41]]url:#_ftn41 .
وحسب الفصل 461 من ق.ل.ع[[42]]url:#_ftn42 ، فإن وضوح اللفظ المستعمل في العقد يعقل إرادة القاضي في تفسيره، إلا أن عدم استقامة اللفظ مع نية المتعاقدين يجعل القاضي ينحرف عن معناه الظاهر للوصول إلى توافق اللفظ والمعنى المقصود، لكن لا يجوز للقاضي أن يفعل ذلك إلا بشرطين:
- أن يفرض أولا المعنى الواضح من اللفظ هو ذات المعنى الذي اتجهت إليه إرادة المتعاقدين.
- عدم الانحراف عن المعنى الظاهر إلا بتوافر ظروف في القضية المطروحة مع بيانها في الحكم[[43]]url:#_ftn43 .
الفقرة الثانية : عبارة العقد الغامضة.
تعرض المشرع المغربي لحالات غموض عبارة العقد في الفصل 462 من ق.ل.ع؛ حيث يكون العقد في هذه الحالة في حاجة إلى تفسير، ومن هذه الحالات:
- إذا كانت الألفاظ المستعملة لا يتأتى التوفيق بينها وبين الغرض الواضح الذي قصده المتعاقدين عند تحرير العقد. ففي هذه الحالة يتحرر القاضي من الألفاظ المستعملة ويقرر العمل بنيتهما الحقيقية[[44]]url:#_ftn44 .
- إذا كانت الألفاظ المستعملة غير واضحة بنفسها، أو كانت لا تعبر تعبيرا كاملا عن قصد صاحبها.
- إذا كان الغموض ناشئا عن مقارنة بنود العقد المختلفة؛ بحيث تثير الشك حول مدلول تلك البنود.
وتسهيلا لمهمة القاضي في هذا المضمار، وضع المشرع عدة قواعد لتفسير العقد الغامض العبارة حددها في الفصول من 463 إلى 473 من ق.ل.ع.
وجدير بالذكر أن العقود المبرمة في إطار القوانين الخاصة التي تسعى إلى توفير حماية قانونية لأحد الأطراف لا تخضع لهذه القواعد العامة، بل تفسر دائما لصالح الطرف الضعيف الذي أراد القانون حمايته، ومثال ذلك عقد التأمين الذي يفسره دائما بالمعنى الأكثر فائدة للمؤمن له.
وبهذا يتضح أن المتعاقدين لا يلتزمان إلا بما قصدته إرادتهما ولا يلتزمان بشيء آخر، وفي هذا تعبير على نسبية آثار العقد من حيث الموضوع.
الفقرة الثالثة : حالة الشك.
قد يتعذر أحيانا ترجيح أحد المعاني التي تحصلها العبارة، وبقي الشك في التعرف على قصد المتعاقدين قائما، وفي هذه الحالة فإن الفصل 473 من ق.ل.ع[[46]]url:#_ftn46 جاء بجواب شاف في تفسير الشك؛ حيث قضي بتفسير الشك لفائدة المدين.
وفي تبرير هذا الحكم قال الفقيه أحمد حسن البرعي:" أن الأصل هو براءة الذمة والاستثناء أن يكون الشخص ملتزما، والقاعدة أن الاستثناء لا يتوسع فيه "[[47]]url:#_ftn47 . هذا فضلا عن أن الدائن هو المكلف بإثبات الالتزام، فإن ثار شك حول مداه وأراد الدائن أن يأخذ بالمدى الواسع ولم يستطيع إثباته بقي بعدها الأخذ بالمدى الضيق للالتزام، لأنه هو الذي قام عليه الدليل[[48]]url:#_ftn48 . وكذلك فإنه لما كان السبب في وجود الشك هو عدم وضوح الالتزام، فإن ذلك يعتبر خطأ من الدائن الذي يمليه وبالتالي وقع عليه تحمل تبعة خطائه.
وآيا كانت مبررات هذه القاعدة، فالمهم أن المشرع قد كرسها قاصدا بذلك قطع سبل التفسيرات الخاطئة التي من شأنها تحريف ما قصده المتعاقدين من وراء تصرفهما القانوني.
المطلب الثاني: تحديد نطاق العقد والالتزام بما ورد فيه
إن الانتهاء من التعرف عن الإدارة المشتركة للمتعاقدين، يحتم المرور إلى مرحلة أخرى من مراحل تحديد آثار العقد من حيث الموضوع، ألا وهي تحديد نطاق هذا العقد ) الفقرة الأولى(، وذلك قصد إلزام المتعاقدين بتنفيذه ) الفقرة الثانية (.
الفقرة الأولى: تحديد نطاق العقد.
يتولى القاضي بعد انتهائه من عملية التفسير، إذا كان هناك ما يستلزمها، تحديد نطاق العقد أو ما يصطلح عليه بمضمون العقد وذلك بحصر الالتزامات المتولدة عنه والمترتبة على طرفيه. وتحديد نطاق العقد يقتضي أولا معرفة ماهيته؛ أي إعطائه الوصف القانوني الذي يتفق وما انصرفت إليه الإرادة المشتركة للمتعاقدين، وهذه العملية) تكييف العقد ( تعتبر مسألة قانونية يقوم بها القاضي دون التقيد بالوصف الذي أعطاه له المتعاقدين[[49]]url:#_ftn49 .
وقاضي الموضوع يقوم بهذه العملية من تلقاء نفسه حتى ولو لم يطلب منه ذلك[[50]]url:#_ftn50 ، فبتبيانه لماهية العقد يكون قد استطاع أن يكمل إرادة المتعاقدين تحديدا لنطاق العقد، وهذا الأخير قد لا يقتصر فقط على الالتزامات الصريحة المعددة فيه، بل يمكن أن يتناول التزامات تكميلية تعتبر من مستلزماته الضرورية، ولتحديد هذه الالتزامات والتي لم ينص عليها في صلب العقد، يلجأ القاضي إلى القواعد المكملة تشريعية كانت أو عرفية، وإلى قواعد العدالة والإنصاف وهذا ما جاء به صريح الفصل 231 من ق.ل.ع[[51]]url:#_ftn51 .
وهكذا نخلص إلى أن نسبية أثر العقد من حيث نطاق العقد تفرض على المتعاقدين الالتزام بما اتفقا عليه في العقد، وبما تستلزمه طبيعة الشيء محل العقد، أو يفرضه العرف أو قواعد العدالة.
الفقرة الثانية: الالتزام بما ورد في العقد.
طبقا للفصل 230 من ق.ل.ع الذي ينص على أن "الالتزامات التعاقدية المنشأة على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة إلى منشئيها ،ولا يجوز إلغاؤها إلا برضاهما معا أو في الحالات المنصوص عليها في القانون "، فكل عقد مستوفى لكل شروطه القانونية يكسب صفة القانون المصغر بين الطرفين[[52]]url:#_ftn52 ، وذلك تبعا لقاعدة العقد شريعة المتعاقدين ، فلا يجوز نقضه أو تعديله إلا باتفاق الطرفين أو استنادا للأسباب التي يقرها القانون؛ إذ إنه ما دام قد نشأ عن إرادتين متوافقتين، فيجب ألا ينقض أو يعدل إلا عن طريق الإدارة المشتركة التي أنشأته، هذا من جهة .ومن جهة أخرى يجب على كل طرف في العقد أن ينفد التزاماته العقدية سواء منها الأصلية أو التي تكون من مستلزمات العقد، وفقا لطبيعته أو طبقا للقانون أو العرف أو قواعد العدالة.
ويقصد بقاعدة الالتزام بالعقد أن العقد يلزم طرفيه فيكون على المدين أن ينفذ التزاماته كما تعهد بها، ويكون للدائن أن يصر على التنفيذ عند إعراض المدين عن تنفيذ التزاماته[[53]]url:#_ftn53 ، لأن العبرة بالتنفيذ عينا. كما يجب أن يحصل التنفيذ بحسن النية من جانب المدين فلا يلجأ إلى غش أو تدليس أو تحايل، ويقع على الدائن أيضا واجب أخلاقي يتمثل في جعل التنفيذ على يد المدين حاصلا بالشكل الطبيعي، فمثلا إذا التزم مقاول بتركيب أدوات من نوع معين وتعذر الحصول عليها إلا بجهد ونفقات كبيرة، فليس للدائن أن يرفض أدوات من نوع آخر إذا كانت لا تقل عنها جودة.
وإذا كانت القاعدة هي تنفيذ العقد بجميع ما أشتمل عليه إلا أن هذه القاعدة يرد عليها في أغلب القوانين الحديثة استثناءا هام، وهو ما تقضي به نظرية الظروف الطارئة من جواز تعديل العقد بواسطة القاضي[[54]]url:#_ftn54 .
وبهذا فإن نسبية أثر العقد تحتم على الطرفين الالتزام بما ورد في صلبه، كما تقتضي بعدم جواز تعديله انفرادا من أحد الطرفين، إلا إذا نص على ذلك صراحة في العقد أو في الحالات التي أقرها القانون.
المبحث الثاني : المسؤولية العقدية.
إن قاعدة العقد شريعة المتعاقدين تفرض على طرفي العقد تنفيذه كل حسب ما التزم به، وعبر عنه سلطان إرادته، وإلا ترتب عن ذلك جزاء حدده المشرع في مساءلته مسؤولية عقدية.
فالمسؤولية العقدية إذن هي الجزاء الذي يترتب على عدم تنفيذ المتعاقد لما التزم به في العقد؛ حيث يكون للمتعاقد الآخر مطالبته بتنفيذ التزامه قضاء وترتيب المسؤولية عليه كلما توافرت أركانها الثلاثة المتمثلة في الخطأ والضرر والعلاقة السببية، وهي الأركان التي سنتناولها تباعا في المطالب الموالية.
المطلب الأول: الخطأ العقدي.
يقصد بالخطأ العقدي عدم تنفيذ المدين لالتزامه الناشئ عن العقد أو تأخره في تنفيذه. وهذا ما جاء في مضمون الفصل 263 من ق.ل.ع[[55]]url:#_ftn55 ، الذي يعتبر أن المدين إذا لم يقم بتنفيذ الالتزام أصلا، أو تأخر في تنفيذه، فإنه في كلتا الحالتين يرتكب خطأ عقديا يستوجب معه مسؤوليته ولو لم يكن التنفيذ بسوء نية؛ أي أن الخطأ يقوم سواء كان عدم التنفيذ عمدا أو بإهمال.
ولمعرفة ما إذا كان المدين منفذا أو غير منفذ لالتزاماته يرجع إلى تقسيم الالتزامات من حيث هدفها[[56]]url:#_ftn56 ، فإذا كنا بصدد التزام بتحقيق نتيجة فإن التنفيذ لا يتم إلا بتحقق تلك النتيجة، وإذا تخلفت وقع المدين في خطأ عدم التنفيذ، أما إذا كنا بصدد الالتزام ببذل عناية، فيعد المدين منفذا لالتزامه متى بذل في ذلك عناية الشخص المعتاد، سواء تحققت النتيجة المرجوة أو لم تتحقق.
وآيا كان الأمر فإن الهدف من تنظيم قواعد المسؤولية العقدية، وخاصة تحديد ما يعتبر في إطارها خطا عقديا هو الالتزام بما ورد في العقد وعدم الخروج عنه تطبيقا لمبدأ نسبية آثار العقد وضمانا لقوته الملزمة.
المطلب الثاني: الضرر
لا يكفي لقيام المسؤولية العقدية توافر الخطأ العقدي من جانب المدين، وإنما لابد أن يلحق هذا الخطأ ضررا بالدائن.
وعليه فالضرر يعد الركن الثاني من المسؤولية العقدية، ويقصد به حسب الفصل 264 من ق.ل.ع: " الضرر هو ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب متى كانا ناتجين مباشرة عن عدم الوفاء بالالتزام ..."، ولا يقتصر التعويض في المسؤولية العقدية على الضرر المادي، وهو ما فات الدائن من كسب وما لحقه من خسارة[[57]]url:#_ftn57 ، بل يشمل أيضا الضرر المعنوي وهو ما يؤدي الشخص من جوانب معنوية كالكرامة والشرف مثلا، وإن كان الغالب في إطار المسؤولية العقدية أن الضرر يكون في غالب الأحيان ماديا يصيب الدائن في ذمته المالية.
كما أن الضرر قد يكون ضررا حالا[[58]]url:#_ftn58 ، وقد يكون محقق الوقوع في المستقبل [[59]]url:#_ftn59 ، وقد يكون محتمل الوقوع[[60]]url:#_ftn60 ) إما أن يقع أو لا يقع ( ،ولا يعوض عنه إلا في حالة تحققه.
وإذا لم يترتب على خطأ المدين ضرر للدائن على هذه الكيفية فلا تعويض، كما في حالة تأخر مقاول في تسليم مبنى كان سيؤجر كمدرسة، طالما تم التسليم قبل الموعد المحدد لبدء سريان الإيجار[[61]]url:#_ftn61 .ومعلوم أن تقدير التعويض يدخل ضمن المسائل الموضوعية التي ينظر فيها القاضي في إطار ما له من سلطة تقديرية وفقا لظروف كل حالة.
المطلب الثالث: العلاقة السببية.
يشترط لقيام المسؤولية العقدية أن يكون الخطأ هو السبب المباشر لتحقق الضرر؛ أي قيام رابطة سببية بينهما، وهذا ما أكدته المادة 264 من ق.ل.ع بقولها:"...متى كانا ناتجين مباشرة عن عدم الوفاء بالالتزام..." وقد يحدث أن يتحقق الخطأ والضرر ولا تقوم المسؤولية العقدية، باعتبار أن خطأ الدائن لم يكن سببا لتحقيق الضرر الذي أصاب المدين[[62]]url:#_ftn62 .
وإذا كان الأصل أن يكون الضرر ناتجا عن سبب واحد، فإنه قد ينتج أحيانا عن أكثر من سبب[[63]]url:#_ftn63 ، كما في الحالة الآتي يكون فيها عدم التنفيذ ناتجا عن فعل المدين وتدخل الغير، فتكون مسؤولية المدين في هذا الجانب عقدية، بينما تكون مسؤولية الغير تقصيرية، أما فيما يخص ما إذا كان عدم التنفيذ ناتجا بفعل قوة قاهرة فإن التزام المدين يسقط ولا يحق للدائن مساءلته، مادام قد أقام الدليل على وجود القوة القاهرة.والمبدأ أن علاقة السببية بين الخطأ والضرر قائمة، ويقع على المدين عبء نفيها في حالة تمسكه بعدم وجودها[[64]]url:#_ftn64 .
خاتمة
تلكم إذن هي مختلف الأحكام التي تتعلق بموضوع مبدأ نسبية آثار العقد، والتي استطاعنا من خلال تناولها الوصول إلى حقيقتين أساسيتين:
الأولى تتمثل في أن العقد ينتج آثاره في مواجهة عاقديه، ولكنه لا يقف عندهما بل يتعداهما إلى من يحلون محلهما في حقوقهما التي ينظمها، كما أنه قد يؤثر بطريق غير مباشر في دائنيهما من خلال ما يؤدي إليه من زيادة أو نقص في الضمان العام، ثم أن القاعدة الأساسية العامة في آثار العقود بالنسبة إلى الغير هي أنها لا تنصرف إليهم، فلا ترتب لهم في الأصل حقا ولا تحملهم بالتزام، ولكن هذه القاعدة يشهد الواقع بأن لها استثناءات .
والثانية تتجلى في أن المتعاقدين يلتزمان بما تضمنه العقد ولا يتحملان بشيء آخر؛ أي أن العقد نسبي أيضا في آثر قوته الملزمة من حيث موضوع التعاقد. والملتزم بالعقد مسؤول عن ذلك مسؤولية عقدية ، وهي الجزاء الذي يكفل للعقد قوته الملزمة .
كما أن تناولها لهذا الموضوع قد أبان عن وجود عدة ثغرات قانونية في هذا الإطار نبرزها من خلال هذه التوصيات:
- الإفصاح صراحة عن اعتبار الخلف من المتعاقدين مهتديا في ذلك بما تقره النظرية الحديثة في موضوع نسبية آثار العقد
- يجب على المشرع المغربي بحث آثار العقد بشكل منفصل عن آثار الالتزام، وليس الخلط بينهما معتبرا آثار الالتزام هي نفسها آثار العقد.
- يجب على المشرع المغربي تنظيم العلاقة بين السلف والخلف الخاص على غرار ما فعله في معرض الحديث عن الخلف العام في الفصل 229 ق.ل.ع.
- تنظيم التعهد عن الغير بمقتضى نص صريح على غرار ما فعلته جل التشريعات المقارنة.
وبنعمته تتم الصالحات.
لائحة المراجع
- أحمد حسن البرعي،" نظرية الالتزام في القانون المغربي، مصادر الالتزام العقد" دون ذكر الطبعة ،مطبعة دار الثقافة - الدار البيضاء.
- عاطف النقيب " نظرية العقد " منشورات عويدات، بيروت – باريس ، دون ذكر الطبعة.
- عبد الحي حجازي" النظرية العامة للالتزام " الجزء الثاني مصادر الالتزام، طبعة1954،مطبعة نهضة مصر .
- عبد الرزاق أحمد السنهوري،"الوسيط في شرح القانون المدني،الجزء الأولأ مصادر الالتزام"،دون ذكر الطبعة و المطبعة.
- عبد الفتاح عبد الباقي، "نظرية العقد والإرادة المنفردة ، دراسة معمقة و مقارنة بالفقه الإسلامي"،طبعة 1984 ،دون ذكر المطبعة.
- فواز صالح ."القانون المدني النظرية العامة للالتزامات مصادر الالتزام"، دون ذكراسم المطبعة ،وتاريخ الطبعة
- مأمون الكزبري،" نظرية الالتزامات في ضوء قانون الالتزامات والعقود المغربي"،الجزء الأول، مصادر الالتزام، بدون ذكر المطبعة وتاريخ الطبعة.
- محمد الشرقاني " نظرية العقد ، دراسته في قانون الالتزامات والعقود وأحكام القضاء والتشريع المقارن"، الطبعة الأولى1996 ،مطبعة دار ليلي للطباعة والنشر، مراكش.
- محمد لبيب شنب، "موجز في مصادر الالتزام، المصادر الإرادية:العقد والإرادة المنفردة "،طبعة 1970، دار النهضة العربية للطباعة و النشر، بيروت- لبنان.
الهوامش
[[1]]url:#_ftnref1 - اتجه الفقه بشأن نطاق مبدأ نسبية آثار العقد في مواجهة أطرافه إلى اتجاهين:
- اتجاه أول: وهو اتجاه تقليدي ينظر إلى مبدأ بنسبة آثار العقد في ضوء مرحلة تكوينه فقط ، وبالتالي فإن أطراف العلاقة العقدية هم فقط من شاركوا في تكوينه.
- اتجاه ثاني: وهو اتجاه حديث ، وينظر إلى مبدأ نسبية آثار العقد بمفهوم أكثر شمولا يتناول أطراف العقد بنظرة موضوعية تشمل كل من ساهم في تنفيذ بنوده.
ونحن بدورنا نرى جدية ومنطقية الاتجاه الثاني لذلك فإن تحليلنا لمحور نسبية آثار العقد بالنسبة للمتعاقدين سنتبع فيه منطق هذا الاتجاه.
- اتجاه أول: وهو اتجاه تقليدي ينظر إلى مبدأ بنسبة آثار العقد في ضوء مرحلة تكوينه فقط ، وبالتالي فإن أطراف العلاقة العقدية هم فقط من شاركوا في تكوينه.
- اتجاه ثاني: وهو اتجاه حديث ، وينظر إلى مبدأ نسبية آثار العقد بمفهوم أكثر شمولا يتناول أطراف العقد بنظرة موضوعية تشمل كل من ساهم في تنفيذ بنوده.
ونحن بدورنا نرى جدية ومنطقية الاتجاه الثاني لذلك فإن تحليلنا لمحور نسبية آثار العقد بالنسبة للمتعاقدين سنتبع فيه منطق هذا الاتجاه.
[[2]]url:#_ftnref2 - وينصرف الكلام هنا إلى نظرية الاستخلاف، التي يقصد بها في مدلولها الفني حلول شخص محل آخر في علاقة قانونية تظل عناصرها الموضوعية على حالها كما كانت قبل الانتقال، وينقسم الاستخلاف إلى قسمين: استخلاف بين الأحياء ويحصل بين شخصين دون توقف على موت السلف فهو استخلاف حال الحياة ، ثم استخلاف بسبب الوفاة ولا يحصل إلا إذ مات السلف .
[[3]]url:#_ftnref3 - عبد الحي حجازي" النظرية العامة للالتزام " الجزء الثاني مصادر الالتزام، مطبعة نهضة مصر، طبعة 1954، ص 241 .
[[4]]url:#_ftnref4 - ينص الفصل 229 من ق.ل.ع على أنه " تنتج الالتزامات أثرها لا بين المتعاقدين فحسب ، ولكن أيضا بين ورثتهما وخلفائهما، ما لم يكن العكس مصرحا به أو ناتجا عن طبيعة الالتزام أو عن القانون ومع ذلك ، فالورثة لا يلتزمون إلا في حدود أموال التركة وبنسبة مناب كل واحد منهم.
وإذا رفض الورثة التركة لم يجبروا على قبولها ولا على تحمل ديونها وفي هذه الحالة ليس للدائنين إلا أن يباشروا ضد التركة حقوقهم."
وإذا رفض الورثة التركة لم يجبروا على قبولها ولا على تحمل ديونها وفي هذه الحالة ليس للدائنين إلا أن يباشروا ضد التركة حقوقهم."
[[5]]url:#_ftnref5 - أحمد حسن البرعي،" نظرية الإلتزام في القانون المغربي، مصادر الالتزام ،العقد" مطبعة دار الثقافة ، الدار البيضاء، دون ذكر الطبعة ، ص 188
- تجد الإشارة إلى أن تسمية هذا المجلس قد تغيرت بمقتضى دستور سنة 2011 وأصبح يسمى بمحكمة النقض[6]
3 - المجلس الأعلى الغرفة المدنية، القرار رقم 2710 الصادر في 4 يونيو 1969، منشور بمجموعة قضاء المجلس الأعلى ، العدد التاسع ، السنة الأولى، يونيو 1969 ، ص 50 .
4 - ومن ذلك نورد على سبيل المثال لا الحصر :
- أن الاوراق العرفية حجة بتاريخها على الخلف العام كما كانت على سلفه ، طبقا للفصل 425 من ق.ل.ع .
- أنه في إطار الصورية يسري في حق الخلف العام العقد الحقيقي دون العقد الصوري، طبقا للفصل 22 من ق.ل.ع.
4 - ومن ذلك نورد على سبيل المثال لا الحصر :
- أن الاوراق العرفية حجة بتاريخها على الخلف العام كما كانت على سلفه ، طبقا للفصل 425 من ق.ل.ع .
- أنه في إطار الصورية يسري في حق الخلف العام العقد الحقيقي دون العقد الصوري، طبقا للفصل 22 من ق.ل.ع.
[[8]]url:#_ftnref8 - يشترط لصحة هذه الوصية :
- أن تكون الوصية في حدود الثلث، طبقا للمادة 277 من مدونة الأسرة التي تنص على أن" الوصية عقد يوجب حقا في ثلث مال عاقده يلزم بموته".
- الحصول على إجازة بقية الورثة، طبقا للمادة 280 من مدونة الأسرة التي تنص على أن " لا وصية لوارث إلا اجازها بقية الورثة، غير أن ذلك لا يمنع من تلقي الاشهاد بها ".
- أن تكون الوصية في حدود الثلث، طبقا للمادة 277 من مدونة الأسرة التي تنص على أن" الوصية عقد يوجب حقا في ثلث مال عاقده يلزم بموته".
- الحصول على إجازة بقية الورثة، طبقا للمادة 280 من مدونة الأسرة التي تنص على أن " لا وصية لوارث إلا اجازها بقية الورثة، غير أن ذلك لا يمنع من تلقي الاشهاد بها ".
[[9]]url:#_ftnref9 - محمد الشرقاني " نظرية العقد ، دراسته في قانون الالتزامات والعقود وأحكام القضاء والتشريع المقارن"، الطبعة الأولى-1996، مطبعة دار ليلي للطباعة والنشر ، مراكش، ص 246 .
[[10]]url:#_ftnref10 - في إطار إبراز صفة الخلف الخاص بالنسبة لآثار العقد نجد بعض الإشارات التي تدل ضمنيا على أن الخلف الخاص ينزل منزلة المتعاقد ومن ذلك ما جاء في الفصل 22 من ق.ل.ع. الذي ينص على أنه" ...ويعتبر الخلف الخاص غيرا بالنسبة لأحكام هذا الفصل ." ،ومعنى ذلك أن المبدأ هو اعتبار الخلف الخاص من المتعاقدين بالمفهوم الواسع والاستثناء هو اعتباره غيرا كما في هذا الفصل.
- كالتشريع المصري والتشريع العراقي والتشريع الليبي.[11]
[[12]]url:#_ftnref12 - محمد الشرقاني ، م س ،ص 248 .
[[13]]url:#_ftnref13 فالأساس إذن هو ارتباط الحق بالشيء وليس بالشخص فلو استأجر شخص مرآبا يحتفظ فيه بسيارته ، فإن حقه في الكراء لا يينتقل إلى مشتري السيا رة.
[[14]]url:#_ftnref14 - عبد الحي حجازي وغيره.
عبد الحي حجازي ، م ،س،ص 249 - [15]
[[16]]url:#_ftnref16 - تجدر الإشارة هنا إلى أن الأمر يختلف حسب ما إذا كان هذا العقار محفظا، حيث إن ما يتعلق بوضعه الحقوقي يسهل معرفته بالرجوع إلى ما هو مقيد في سجلات المحافظة العقارية، وتكون بذلك هذه الإمكانية دليل على علم الخلف الخاص بتلك الإلتزمات بما لايقبل إثبات العكس ، وما إذا كان غير محفظ حيث لايكون للخلف الخاص أية وسيلة لمعرفة الوضع الحقوقي لهذا العقار سوى السلف وهو الحكم نفسه الذي يسري إذا كان الشيء منقولا حيث يجب العلم اليقيني من السلف بكل ما يقيد الشيء من التزامات .
[[17]]url:#_ftnref17 - مثل المادة 222 من قانون الموجبات والعقود اللبناني.
- - عاطف النقيب " نظرية العقد "، منشورات عويدات بيروت – باريس ، دون ذكر الطبعة ص 401 [18]
[[19]]url:#_ftnref19 - ينص الفصل 22 من ق.ل.ع على أن " الاتفاقات السرية المعارضة أو غيرها من التصريحات المكتوبة لا يكون لها أثر فيما بين المتعاقدين ومن يرثهما، فلا يحتج بها على الغير إذا لم يكن يعلم بها. ويعتبر الخلف الخاص غيرا بالنسبة لأحكام هذا الفصل,"
[[20]]url:#_ftnref20 - محمد الشرقاني ، م س ،ص 252.
[[21]]url:#_ftnref21 - ينص الفصل 138 من ق.ل.ع على أنه " يجوز للدائن بدين مقترن بأجل أن يتخذ، ولو قبل حلول الأجل كل الإجراءات التحفظية لحفظ حقوقه ، و يجوز له أيضا أن يطلب كفيلا أو أية ضمانة أخرى أو أن يلجأ إلى الحجز التحفظي، إذا كانت له مبررات معتبرة تجعله يخشى اعسار المدين أو فراره."
[[22]]url:#_ftnref22 - ينص الفصل 235 من ق.ل.ع على أنه " في العقود الملزمة للطرفين ، يجوز لكل متقاعد منهما أن يمتنع عن أداء التزامه إلى أن يؤدي المتعاقد الأخر التزامه المقابل، و ذلك ما لم يكن أحدهما ملتزما، حسب الاتفاق أو العرف، بان ينفذ نصيبه من الالتزام أولا......"
- محمد الشرقاني، م، س، ص 255 [23]
[[24]]url:#_ftnref24 - ينص الفصل 36 من ق.ل.ع على أنه " يجوز الإلتزام عن الغير على شرط إقراره إياه ، وفي هذه الحالة يكون للطرف الآخر أن يطلب قيام هذا الغير بالتصريح بما إذا كان ينوي إقرار الاتفاق . ولا يبقى هذا الطرف ملتزما إذا لم يصدر الاقرار داخل أجل معقول على أن لا يتجاوز هذا الأجل 15 يوما بعد الإعلام بالعقد."
[[25]]url:#_ftnref25 - قاعدة "الإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة " تعتبر من القواعد الفقهية الإسلامية التي يتم استثمارها في المجال القانوني .
[[26]]url:#_ftnref26 - محمد لبيب شنب، "موجز في مصادر الالتزام، المصادر الإرادية : العقد والإرادة المنفردة "،طبعة 1970 ، دار النهضة العربية للطباعة و النشر- بيروت لبنان- ص264.
[[27]]url:#_ftnref27 - عبد الرزاق أحمد السنهوري"الوسيط في شرح القانون المدني،الجزء الأول، مصادر الالتزام"،دون ذكر تاريخ الطبعة و المطبعة، ص 453 .
[[28]]url:#_ftnref28 - عبد الرزاق أحمد السنهوري،م.س.ص 454.
[[29]]url:#_ftnref29 - نفسه ص 454.
[[30]]url:#_ftnref30 - محمد الشرقاني، م.س.ص 258
[[31]]url:#_ftnref31 - من هنا يظهر الاختلاف بين المتعهد عن الغير والكفيل الذي يكفل تنفيذ التزام المدين بعد تحققه ولا يكفل إنشاءه . أما المتعهد عن الغير وبخلاف الكفيل فيكفل إيجاد الالتزام في ذمة الغير لا تنفيذه من طرف هذا الغير.
[[32]]url:#_ftnref32 - بذلك نتلمس الفوارق بين الالتزام عن الغير والتعهد عنه ، حيث إن إقرار الغير في الالتزام عن الغير له أثر رجعي عكس القبول في التعهد عن الغير الذي له أثر فوري . ثم إن رفض الغير في الالتزام عن الغير لا يرتب أية مسؤولية على الملتزم بخلاف رفض الغير في التعهد عنه الذي يجعل المتعهد مسؤولا مسؤولية عقدية.
[[33]]url:#_ftnref33 - الباب الاول من القسم الرابع من الكتاب الأول من ق . ل.ع
[[34]]url:#_ftnref34 - عبد الفتاح عبد الباقي، "نظرية العقد والإرادة المنفردة ، دراسة معمقة و مقارنة بالفقه الإسلامي"،طبعة 1984 ،دون ذكر المطبعة، ص 589.
[[35]]url:#_ftnref35 - فواز صالح ."القانون المدني النظرية العامة للالتزامات مصادر الالتزام"، دون ذكر اسم المطبعة ،وتاريخ الطبعة ،ص 123 .
[[36]]url:#_ftnref36 ينص الفصل 33 على أنه " لا يحق لأحد أن يلزم غيره، ولا أن يشترط لصالحه إلا إذا كانت له سلطة النيابة عنه بمقتضى وكالة أو بمقتضى القانون".
[[37]]url:#_ftnref37 - مأمون الكزيري،" نظرية الالتزامات في ضوء قانون الالتزامات والعقود المغربي"،الجزء الأول ، مصادر الإلتزام، بدون ذكر المطبعة وتاريخ الطبعة ص 272 .
[[38]]url:#_ftnref38 - محمد لبيب شنب، م.يس .ص271 وما بعدها.
[[39]]url:#_ftnref39 - للتوسع أكثر أنظر مأمون الكزبري ، مرجع سابق ص 281
[[40]]url:#_ftnref40 - قرار رقم 972 ، صادر 17 دجنبر 1980 في الملف المدني رقم 85227 منشور في مجموعة قرارات المجلس الأعلى المادة المدنية، 1966 – 1982، منشورات جمعية تنمية البحوث والدراسات القضائية 1985 .
[[41]]url:#_ftnref41 - عبد الرزاق أحمد السنهوري م .س. ص 490 .
[[42]]url:#_ftnref42 - ينص الفصل 461 من ق.ل.ع على أنه : " إذا كانت ألفاظ العقد صريحة، امتنع البحث عن قصده صاحبها ".
[[43]]url:#_ftnref43 - عبد الرزاق أحمد السنهوري م.س ص 49 ومابعدها.
3- مأمون الكزبري، م، س، ص238.
3- مأمون الكزبري، م، س، ص238.
[[45]]url:#_ftnref45 - قرار المجلس الأعلى في الحكم عدد 308 صادر بتاريخ 20 أبريل 1966، منشور بمجلة القضاء والقانون العدد 85/87 ، يناير مارس 1968 ص 289
[[46]]url:#_ftnref46 - ينص الفصل 473 من ق.ل.ع " عند الشك يؤول الالتزام بالمعنى الأكثر فائدة للملتزم ".
[[47]]url:#_ftnref47 - أحمد حسن البرعي .م.س ص 216.
[[48]]url:#_ftnref48 - ويعبر الفقهاء الشرعيين على هذه القاعدة بالاستصحاب .
[[49]]url:#_ftnref49 - أحمد حسن برعي، مرجع سابق ،ص 217
[[50]]url:#_ftnref50 - وقد قرر المجلس الأعلى في هذا الصدد" أن المحكمة لما صرحت أن الحق المتنازع في شأنه لا يمكن اعتباره منشأ لشركة قراض لعدم استيفائه للشروط الأساسية المتطلبة قانونا في هذا الشأن، وأنه يكون عقدا ذا طبيعة خاصة تكون قد أولت بما لها من كامل السلطة ،ذلك العقد الذي لم توضح ماهيته.
- قرار رقم 178 الصادرة في 27 مارس 1968 مجلة " قضاء المجلس الأعلى " العدد الأول، السنة الأولى أكتوبر 1968 ص 28 .
[[51]]url:#_ftnref51 - ينص الفصل 231 على أنه"...وهو لا يلزم بما وقع التصريح به فحسب، بل أيضا بكل ملحقات الالتزام التي يقررها القانون، أو العرف أو الإنصاف وفقا لما تقتضيه طبيعته".
[[52]]url:#_ftnref52 - وإذا كان العقد بمنزلة الشريعة في علاقة طرفيه فإنه لا يبلغ مستوى القانون أثرا وجوهرا ، إذ إن العقد يسري على طرفيه بينما ينطبق القانون بالمدى الواسع والشامل، ويبقى العقد خاضعا للقانون الذي يحدد له شروط إنشائه صحيحا، ويفرض توافقه مع الأحكام القانونية والتنظيمية الآمرة ومع مبادئ النظام العام والآداب.
[[53]]url:#_ftnref53 - عاطف النقيب، م، س، ص 390 .
[[54]]url:#_ftnref54 - أحمد حسن البرعي، م ، س ،ص 219
[[55]]url:#_ftnref55 - ينص على أنه" يستحق التعويض، إما بسبب عدم الوفاء بالالتزام، وإما بسبب التأخر في الوفاء به وذلك ولو لم يكن هنالك أي سوء نية من جانب المدين..."
[[56]]url:#_ftnref56 - التفريق بين الالتزام بتحقيق نتيجة والالتزام يبذل عناية اقترحه، دموج demogue، واعتمده كثير من الفقهاء منهم هنري وليون مازو .وغيرهم .
[[57]]url:#_ftnref57 - فواز صالح، م، س،ص 108 .
[[58]]url:#_ftnref58 - كالمستعير الذي لا يبذل العناية المطلوبة ويتلف العين المعارة .
[[59]]url:#_ftnref59 - ومثاله : أن يتعاقد مصنع على شراء كمية من المواد الأولية اللازمة له، لحاجته لها في المستقبل فيخل المتعاقد الآخر بالتزامه فهنا لم يلحق المصنع ضرر حال ، ولكن سيلحقه في المستقبل عندما ينفد ما لديه من المواد.
- كما لو أجرى المستأجر تعديلات في العين المؤجرة أدت إلى حدوث خلل بها يحتمل معه انهيارها في المستقبل [60]
[[61]]url:#_ftnref61 - محمد حسن برعي، م،س، ص 226 .
[[62]]url:#_ftnref62 - عاطف النقيب م،س، ص 473
[[63]]url:#_ftnref63 - في حالة ما إذا تعددت الأسباب التي ساهمت في وقوع الضرر نجد نظريات حاولت إيجاد حل لذلك من بينها نظرية تكافؤ الأسباب ونظرية السبب المنتج .
[[64]]url:#_ftnref64 - عبد الرزاق أحمد السنهوري، م، س، ص 564