تعبر السياسات العامة عن فعل جهاز الدولة، وكيفما تدخل الفاعل في إقرار السياسات العامة فإن هذه الأخيرة تتخذ وتتحدد على أنها صادرة عن جهاز قوي وسام، وهو جهاز الدولة.
والسياسات العامة من الاختصاصات التي تهتم بها الأجهزة العلمية الرسمية والشبه الرسمية المرتبطة بالدولة الحديثة، وحيث إن تطور العقلنة الذي مس أجهزة الدولة في القرن الواحد والعشرين حمل طموحا مشروعا يطرح نفسه، والمتمثل في البحث عن السبل الكفيلة بتحقيق خدمة الدولة، وبالتالي خدمة الإنسان وتوفير الظروف المادية والمعنوية لعيشه، ولذلك فإن الكثير من التغييرات والتطورات ذات الطبيعة الدستورية والاقتصادية والاجتماعية التي مست جهاز الدولة كانت تسعى، مما كانت تسعى إليه، منح الدولة الإمكانيات الكفيلة والفعالة لتحقيق أهدافها، ومن هنا نشأ طموح علمي أدى إلى تشجيع دراسة السياسات العامة وتقييمها كمرحلة هامة من مراحل الوعي بخطورة وتعقيد فعل الدولة.
وقد إعتبر البغض أن الدولة عبارة عن آلة عملاقة يجب تحسين أدائها للحصول على مردود جيد، وبالتالي أصبح رهان السياسات العمومية هو تقليص ذلك التباعد الذي يمكن أن يظهر بين الأهداف المحددة من طرف أصحاب القرار و تطبيق السياسة العامة من طرف البيروقراطية الإدارية.
وقد عرف هذا التخصص تطورا ملحوظا منذ بداية عقد الخمسينات، وبالخصوص بالولايات المتحدة الأمريكية والبلدان الأنكلوسكسونية .
أما في البلدان النامية فرغم بعض المحاولات الجريئة ببعض بلدان أمريكا اللاتينية وآسيا ، فإن دراسة السياسات العامة لازالت محتكرة من طرف الخبراء في الغرب، وغالبا ما يقوم خبراء المؤسسات المالية الدولية بإعداد دراسات حول السياسات العامة لهذه البلدان في غياب مراكز بحوث جدية، تستطيع أن تحقق تراكما محترما لدراسات حول السياسات العامة .
تحديد مفهوم السياسات العامة:
يحدد أحد متخصصي تقييم السياسات العامة (ريكان رندلي / Rejean Landry) السياسة العامة في كونها تتعلق بما تقرر الحكومة فعله أو عدم فعله، ويؤكد أن الحكومات تتدخل في أمور كثيرة، فهي تدير النزعات الاجتماعية، وتنتج الخبرات، وتوزع الخدمات المادية والمكافآت الرمزية.
كما أن السياسة العامة تتحدد في شكل برنامج عمل (programme d’action) خاص، بواحد أو أكثر من سلطة عمومية أو حكومية.
ويعني مصطلح السياسة العامة سلسلة طويلة من النشاطات المترابطة، التي تعني أكثر من مجرد قرار واحد.
والسياسة العامة هي مجموع التدخلات المقررة من طرف سلطة عمومية قصد حل مشكل يدخل في نطاق اختصاصها.
وبهذه التعاريف يمكن التأكيد أن السياسة العامة هي سياسة إرادية متحكم فيها وبها نوع من العقلانية المفترضة. ولا مجال للقول بأن هذه السياسة غير إرادية، لأن حتى عدم تدخل السلطات العمومية في قطاع ما يعتبر سياسة عامة تعتمد على ترك الأمور تجري كما هي عليه في الواقع، بمعنى أن إرادة السلطة العمومية يتم التعبير عنها بعدم التدخل.
ويمكن القول بأن هناك سياسة عامة عندما تقوم سلطة سياسية محلية أو وطنية بواسطة برنامج عمل متناسق بتغيير المحيط الثقافي أو الاجتماعي أو الاقتصادي للفاعلين الاجتماعيين.
ويحدد جون كلود توين (Jean Claude Thoenig) خمسة عناصر مكونة للسياسة العامة وهي:
- السياسة العامة مكونة من مجموعة من الإجراءات الملموسة التي تحدد محتوى السياسة.
- تتكون كذلك من قرارات أو أشكال منح الموارد مع حضور الإكراه، سواء كان ظاهرا أو مخفيا.
- السياسات العامة تتخذ في إطار عام للعمل، وهذا ما يميزها عن مجرد إجراءات بسيطة ومعزولة.
- السياسات العامة لها جمهور أو زبائن، أي أفراد ومجموعات ومنظمات تتأثر بهذه السياسة.
- السياسة العامة تحدد مبدئيا أهدافها التي ترمي الوصول إليها حسب معايير وقيم محددة.
إن السياسات العمومية تكتسي أهمية من خلال أن الدولة هي الجهاز الوحيد الذي بإمكانه أن يغير المحيط الاجتماعي والاقتصادي و السياسي من خلال سياسات عمومية ، سواء كان مصدر هده السياسة الحكومة، أو أي جهاز أخر تابع لها.
مميزات السياسة العامة:
بما أن السياسة العامة تتخذ رسميا باسم جهاز الدولة فإن لهذا الاعتبار تبعات مهمة وأساسية، وهذا ما يمنح للسياسات العامة مميزات خاصة تنفرد بها وتعطيها أهمية بالغة.
فالسياسة العامة تعبر منطقيا وافتراضيا على الأقل عن المصلحة العامة، ثم إنها تصدر في إطار محدد مسبقا من المشروعية، ومن المفترض كذلك أن تعبر السياسة العامة عن درجة محترمة من الانسجام، وأخيرا فإن ضخامة فعل السياسة العامة وخطورة المصالح التي تمسها تتطلب درجة كبرى من التوقعية لكي لا تؤدي السياسة العامة إلى إثارة آثار عكسية غير مرغوب فيها.
1- تهدف السياسة العامة تحقيق المصلحة العامة:
نظريا فإن دور الدولة يقوم على خدمة المصلحة العامة. والسياسة العامة هي التي تترجم عمليا المصلحة العامة التي تخدم جمهور المواطنين ، إلا أن الاطلاع على الكثير من السياسات العامة يجعل هذه الميزة نسبية، رغم أنها تعتبر ضرورية على الأقل في المراحل الأولى لتخطيط وإعداد برامج السياسات العامة، ولكن المقصود منها هو أن السياسة العامة عند إقرارها يجب أن تستهدف عموم مصالح المواطنين، ولا تقتصر على فئات قليلة تستفيد من خيرات البلاد على حساب الأغلبية العظمى من المواطنين.
وتجب الإشارة إلى النموذج الأمريكي الذي لا يجد حرجا في اعتبار سعي مجموعات المصالح إلى التدخل للتأثير في صناعة القرار وإقرار سياسات تستجيب لمصالحها، ولكنها تتخذ باسم جهاز الدولة الذي يفترض فيها احترام المصلحة العامة.
2- المشروعية:
إن إقرار السياسات العامة يتطلب إنتاج ترسانة من القرارات والقوانين التي تترجم الأهداف إلى إجراءات ملموسة، لذلك كان ضروريا أن يحترم تدخل السياسات العامة المشروعية القانونية، لأنها لابد من أن تحترم الإطار العام الذي تجري فيه، فالدستور كقانون أسمى بالبلاد إذا كان يحمي الملكية الخاصة فإن سياسة التأميم تعتبر لاغية، رغم إقرارها من طرف جهاز الدولة، فاحترام المشروعية من المميزات الأساسية لسن السياسة العامة.
وعادة ما يقوم جهاز حكومي بإعداد دراسات قانونية تؤطر كل سياسة عامة تعتزم الدولة إقرارها، وتشير بذلك إلى الحدود القانونية التي تحيط بكل قرار غير سليم يخرج عن نطاق المشروعية.
3- الانسجام:
لابد من توفر درجة مهمة من الانسجام في الفعل العام، فيتعبر معيبا أن تسن سياسة عمومية تمس بإحدى السياسات العامة الأخرى، لأن ذلك سيؤدي إلى الارتباك وهدر الجهود والمال، خصوصا وأن هناك تداخلا منطقيا وواقعيا بين مجموعة من القطاعات التي تؤثر في بعضها البعض، فالزيادة في أسعار الطاقة يمس من قريب أسعار النقل العام والخاص، ويمس كثيرا من القطاعات الحيوية، لذلك فإن الانسجام مطلوب وأساسي سواء داخل بنية السياسة العامة أو خارجها، أي بعلاقتها مع سياسات أخرى.
4- التوقعية:
حيث إن السياسة العامة تمس قطاعات اقتصادية واجتماعية، وتمس الملايين من الساكنة، وتمس كذلك كل ثروات البلد، فإن القدرة التوقعية ضرورية حتى لا تكون نتائج السياسة العامة عكسية، فتكون لها آثار سلبية.
ومن المفروض أن تملك الحكومات والأجهزة العمومية مؤسسات تستطيع تحديد درجة نجاح أو فشل السياسة العامة في الوصول إلى أهدافها.
أبعاد السياسة العامة:
إن لكل سياسة عامة أبعاد تركب وحدتها، فالبعد السياسي أساسي، وهو كذلك لا ينفصل على البعد الاجتماعي، لأن السياسة مهما تعقدت فهي موجهة للجمهور وخدمة مصالحه العامة، وكما أن البعد المالي والاقتصادي ضروري لترى السياسات العامة النور فإن هذه الأبعاد ترتبط فيما بينها لتشكل أبعاد السياسة العامة، وسنحاول النظر إليها كالتالي:
أ- البعد السياسي:
يتمثل البعد السياسي في السياسة العامة في كون هذه الأخيرة نتاج قرار إرادة سياسية، سواء عبرت عن قرار اتخذه فرد أو مجموعة من الأفراد، ويثار هنا نقاش حول موضوع الشرعية، أي المدى الذي يجعل سياسة ما تتوافق مع المعتقدات التي يؤمن بها الشعب ، مما يجعل السياسة مقبولة، في حين أن السياسات التي تمس نظم معتقداته تلقى مقاومة ورفض، وهذا ما يهدد فشل مقرري السياسة في تحقيق الأهداف المتوخاة منها.
والبعد السياسي من الأبعاد الضرورية لفهم كل سياسة عمومية، فهذا البعد هو الذي يعطي معنى للأرقام والإحصائيات، وكذا للوسائل المادية والسيولات المالية المستعملة في كل سياسة عامة.
ب- البعد الاجتماعي:
كيفما كانت طبيعة كل سياسة عامة فإن هذه الأخيرة تهدف من بين ما تهدف إليه توزيع الموارد المعبأة في المجتمع، وتكمن هنا الوظيفة التوزيعية للسياسة العامة والبعد الاجتماعي لها.
فالثروة والسلع والخدمات وكل الموارد المادية تشكل نقطة التقاء المصالح بين مجموعة من الفاعلين والفئات الاجتماعية. والسياسة العامة التي تسنها هنا الحكومة باسم الصالح العام تهدف إلى توزيع هذه الموارد على مختلف الشرائح الاجتماعية. مع الإشارة إلى دور مجموعات الضغط سواء كانت عريضة كالنقابات أو محدودة الأعضاء كمنظمات أرباب الشغل. هذه المجموعات تتقاطع مصالحها، ومن المفروض نظريا أن تقوم الدولة بالتحكيم السياسي بين مختلف هذه المصالح عبر تبني بعضها وتحيين بعضها إلى ظروف أفضل، رغم أن العرف السياسي يؤكد أن الأحزاب السياسية التي تقود الحكومة سواء كانت يسارا أو يمينا تمثل مصالح فئوية واجتماعية حقيقية تدافع عنها وتترجمها من خلال السياسات العامة المتبعة.
فسياسة دعم الموارد الأولية الأكثر استهلاكا تعبر عن دعم الفئات الاجتماعية الأكثر فقرا، وتقديم المعونات للفلاحين يترجم الامتداد الاجتماعي للحكومة، رغم أن هناك استثناءات يمكن ملاحظتها، فرغم كون الحكومة ذات تكوين يساري فإنها لا تستطيع تجاهل أصحاب رؤوس الأموال والثروات والقوى الاقتصادية المختلفة، إذ يملك هؤلاء الإمكانيات و القدرات التي تمكنهم من الدفاع عن مصالحهم عند سن كل سياسة عامة.
ج- البعد الاقتصادي والمالي:
إن المال هو الوقود الحقيقي لكل سياسة عمومية، فالتنفيذ المادي لكل سياسة عامة يتوقف على ما يرصد من موارد مالية تهدف إلى إنجاح وتنفيذ هذه السياسة، وكثيرا ما تبرر الحكومات عجزها عن مواجهة المشاكل التي تعترض تطبيق برامجها بنقص الاعتمادات المالية، وبالتالي عدم توفرها على الوسائل التي توصل إلى تحقيق أهدافها. إلا أن الحكومة "تأخذ مواردها من المجتمع من خلال مختلف أنظمة التضريب" وتعود مرة أخرى لتوزيعها من خلال تنفيذ مختلف السياسات العامة القطاعية التي تشرف عليها، فإن البعد المالي يرتبط بسياسة تعبئة الموارد التي تتبعها الحكومة والأجهزة العمومية التابعة لها.
وكل سياسة عمومية لا تتوفر على الوسائل المالية والاقتصادية لإنجاحها تعتبر سياسة بدون مفعول يذكر، ويعبر عن ضعف الإرادة السياسية للحكومة. وتوفير الموارد المالية لبعض البرامج الحكومية بشكل مستمر أو استثنائي يترجم الاهتمام الحكومي بالقطاع المستهدف الذي توليه الحكومة العناية المطلوبة.
إن أي بناء أو تحليل للسياسات العمومية عليه أن يأخذ هذه الأبعاد الثلاثة بعين الاعتبار، فالسياسي والاجتماعي والمالي ما هو في الأول والأخير إلا ترجمة متوازية للسياسة العامة التي يحددها جمس أندرسون في "منهج عمل قصدي أو هادف يتبعه فاعل أو أكثر في التعامل مع مشكلة ما" .
السياسة والبرامج والخطة:
هناك مفهومان أساسيان يرتبطان بمفهوم السياسة العامة الذي حددناه سابقا ، وهما كل من مفهومي البرنامج والخطة، لذا وجب تمييزها لكيلا يختلطا بالمفهوم الذي نحن بصدد ؛ فالبرنامج يشكل تحديدا أو ترجمة إجرائية للسياسات العامة، فالبرنامج هو الذي يعطي مدلولا ملموسا للسياسة العامة من خلال السقف الزمني الذي يمكن أن يغطيه، ثم التكلفة المالية للبرنامج، ثم الإجراءات ذات الطابع المسطري أو القانوني المصاحب للبرنامج.
فالبرنامج أقل درجة من السياسة العامة، فهذه الأخيرة يمكن أنت تتكون من مجموعة من البرامج المتجانسة لخدمة هدف واحد، مثلا سياسة الإصلاح الزراعي يمكن أن تتكون من: برنامج خاص لضم الملكيات، برنامج آخر لتوزيع الأراضي على الفلاحين، برنامج محدد لتوسيع المساحات المسقية، ثم برنامج لتحقيق الاكتفاء الذاتي من بعض المزروعات. وكل هذه البرامج هي مكونة لسياسة الإصلاح الزراعي العامة التي تؤطر هده البرامج
أما الخطة فهي الوثيقة التي تتضمن البرامج المختلفة التي تعبر عن السياسات العامة للدولة.
وإذا أردنا ترتيب هذه المفاهيم الثلاثة يمكن أن نضع السياسة العامة كإطار عام توجد فيه خطط أو خطة، ثم داخل هذه الخطة أو الخطط توجد برامج تعبر عن الطابع الإجرائي للسياسة العمومية.
والسياسات العامة من الاختصاصات التي تهتم بها الأجهزة العلمية الرسمية والشبه الرسمية المرتبطة بالدولة الحديثة، وحيث إن تطور العقلنة الذي مس أجهزة الدولة في القرن الواحد والعشرين حمل طموحا مشروعا يطرح نفسه، والمتمثل في البحث عن السبل الكفيلة بتحقيق خدمة الدولة، وبالتالي خدمة الإنسان وتوفير الظروف المادية والمعنوية لعيشه، ولذلك فإن الكثير من التغييرات والتطورات ذات الطبيعة الدستورية والاقتصادية والاجتماعية التي مست جهاز الدولة كانت تسعى، مما كانت تسعى إليه، منح الدولة الإمكانيات الكفيلة والفعالة لتحقيق أهدافها، ومن هنا نشأ طموح علمي أدى إلى تشجيع دراسة السياسات العامة وتقييمها كمرحلة هامة من مراحل الوعي بخطورة وتعقيد فعل الدولة.
وقد إعتبر البغض أن الدولة عبارة عن آلة عملاقة يجب تحسين أدائها للحصول على مردود جيد، وبالتالي أصبح رهان السياسات العمومية هو تقليص ذلك التباعد الذي يمكن أن يظهر بين الأهداف المحددة من طرف أصحاب القرار و تطبيق السياسة العامة من طرف البيروقراطية الإدارية.
وقد عرف هذا التخصص تطورا ملحوظا منذ بداية عقد الخمسينات، وبالخصوص بالولايات المتحدة الأمريكية والبلدان الأنكلوسكسونية .
أما في البلدان النامية فرغم بعض المحاولات الجريئة ببعض بلدان أمريكا اللاتينية وآسيا ، فإن دراسة السياسات العامة لازالت محتكرة من طرف الخبراء في الغرب، وغالبا ما يقوم خبراء المؤسسات المالية الدولية بإعداد دراسات حول السياسات العامة لهذه البلدان في غياب مراكز بحوث جدية، تستطيع أن تحقق تراكما محترما لدراسات حول السياسات العامة .
تحديد مفهوم السياسات العامة:
يحدد أحد متخصصي تقييم السياسات العامة (ريكان رندلي / Rejean Landry) السياسة العامة في كونها تتعلق بما تقرر الحكومة فعله أو عدم فعله، ويؤكد أن الحكومات تتدخل في أمور كثيرة، فهي تدير النزعات الاجتماعية، وتنتج الخبرات، وتوزع الخدمات المادية والمكافآت الرمزية.
كما أن السياسة العامة تتحدد في شكل برنامج عمل (programme d’action) خاص، بواحد أو أكثر من سلطة عمومية أو حكومية.
ويعني مصطلح السياسة العامة سلسلة طويلة من النشاطات المترابطة، التي تعني أكثر من مجرد قرار واحد.
والسياسة العامة هي مجموع التدخلات المقررة من طرف سلطة عمومية قصد حل مشكل يدخل في نطاق اختصاصها.
وبهذه التعاريف يمكن التأكيد أن السياسة العامة هي سياسة إرادية متحكم فيها وبها نوع من العقلانية المفترضة. ولا مجال للقول بأن هذه السياسة غير إرادية، لأن حتى عدم تدخل السلطات العمومية في قطاع ما يعتبر سياسة عامة تعتمد على ترك الأمور تجري كما هي عليه في الواقع، بمعنى أن إرادة السلطة العمومية يتم التعبير عنها بعدم التدخل.
ويمكن القول بأن هناك سياسة عامة عندما تقوم سلطة سياسية محلية أو وطنية بواسطة برنامج عمل متناسق بتغيير المحيط الثقافي أو الاجتماعي أو الاقتصادي للفاعلين الاجتماعيين.
ويحدد جون كلود توين (Jean Claude Thoenig) خمسة عناصر مكونة للسياسة العامة وهي:
- السياسة العامة مكونة من مجموعة من الإجراءات الملموسة التي تحدد محتوى السياسة.
- تتكون كذلك من قرارات أو أشكال منح الموارد مع حضور الإكراه، سواء كان ظاهرا أو مخفيا.
- السياسات العامة تتخذ في إطار عام للعمل، وهذا ما يميزها عن مجرد إجراءات بسيطة ومعزولة.
- السياسات العامة لها جمهور أو زبائن، أي أفراد ومجموعات ومنظمات تتأثر بهذه السياسة.
- السياسة العامة تحدد مبدئيا أهدافها التي ترمي الوصول إليها حسب معايير وقيم محددة.
إن السياسات العمومية تكتسي أهمية من خلال أن الدولة هي الجهاز الوحيد الذي بإمكانه أن يغير المحيط الاجتماعي والاقتصادي و السياسي من خلال سياسات عمومية ، سواء كان مصدر هده السياسة الحكومة، أو أي جهاز أخر تابع لها.
مميزات السياسة العامة:
بما أن السياسة العامة تتخذ رسميا باسم جهاز الدولة فإن لهذا الاعتبار تبعات مهمة وأساسية، وهذا ما يمنح للسياسات العامة مميزات خاصة تنفرد بها وتعطيها أهمية بالغة.
فالسياسة العامة تعبر منطقيا وافتراضيا على الأقل عن المصلحة العامة، ثم إنها تصدر في إطار محدد مسبقا من المشروعية، ومن المفترض كذلك أن تعبر السياسة العامة عن درجة محترمة من الانسجام، وأخيرا فإن ضخامة فعل السياسة العامة وخطورة المصالح التي تمسها تتطلب درجة كبرى من التوقعية لكي لا تؤدي السياسة العامة إلى إثارة آثار عكسية غير مرغوب فيها.
1- تهدف السياسة العامة تحقيق المصلحة العامة:
نظريا فإن دور الدولة يقوم على خدمة المصلحة العامة. والسياسة العامة هي التي تترجم عمليا المصلحة العامة التي تخدم جمهور المواطنين ، إلا أن الاطلاع على الكثير من السياسات العامة يجعل هذه الميزة نسبية، رغم أنها تعتبر ضرورية على الأقل في المراحل الأولى لتخطيط وإعداد برامج السياسات العامة، ولكن المقصود منها هو أن السياسة العامة عند إقرارها يجب أن تستهدف عموم مصالح المواطنين، ولا تقتصر على فئات قليلة تستفيد من خيرات البلاد على حساب الأغلبية العظمى من المواطنين.
وتجب الإشارة إلى النموذج الأمريكي الذي لا يجد حرجا في اعتبار سعي مجموعات المصالح إلى التدخل للتأثير في صناعة القرار وإقرار سياسات تستجيب لمصالحها، ولكنها تتخذ باسم جهاز الدولة الذي يفترض فيها احترام المصلحة العامة.
2- المشروعية:
إن إقرار السياسات العامة يتطلب إنتاج ترسانة من القرارات والقوانين التي تترجم الأهداف إلى إجراءات ملموسة، لذلك كان ضروريا أن يحترم تدخل السياسات العامة المشروعية القانونية، لأنها لابد من أن تحترم الإطار العام الذي تجري فيه، فالدستور كقانون أسمى بالبلاد إذا كان يحمي الملكية الخاصة فإن سياسة التأميم تعتبر لاغية، رغم إقرارها من طرف جهاز الدولة، فاحترام المشروعية من المميزات الأساسية لسن السياسة العامة.
وعادة ما يقوم جهاز حكومي بإعداد دراسات قانونية تؤطر كل سياسة عامة تعتزم الدولة إقرارها، وتشير بذلك إلى الحدود القانونية التي تحيط بكل قرار غير سليم يخرج عن نطاق المشروعية.
3- الانسجام:
لابد من توفر درجة مهمة من الانسجام في الفعل العام، فيتعبر معيبا أن تسن سياسة عمومية تمس بإحدى السياسات العامة الأخرى، لأن ذلك سيؤدي إلى الارتباك وهدر الجهود والمال، خصوصا وأن هناك تداخلا منطقيا وواقعيا بين مجموعة من القطاعات التي تؤثر في بعضها البعض، فالزيادة في أسعار الطاقة يمس من قريب أسعار النقل العام والخاص، ويمس كثيرا من القطاعات الحيوية، لذلك فإن الانسجام مطلوب وأساسي سواء داخل بنية السياسة العامة أو خارجها، أي بعلاقتها مع سياسات أخرى.
4- التوقعية:
حيث إن السياسة العامة تمس قطاعات اقتصادية واجتماعية، وتمس الملايين من الساكنة، وتمس كذلك كل ثروات البلد، فإن القدرة التوقعية ضرورية حتى لا تكون نتائج السياسة العامة عكسية، فتكون لها آثار سلبية.
ومن المفروض أن تملك الحكومات والأجهزة العمومية مؤسسات تستطيع تحديد درجة نجاح أو فشل السياسة العامة في الوصول إلى أهدافها.
أبعاد السياسة العامة:
إن لكل سياسة عامة أبعاد تركب وحدتها، فالبعد السياسي أساسي، وهو كذلك لا ينفصل على البعد الاجتماعي، لأن السياسة مهما تعقدت فهي موجهة للجمهور وخدمة مصالحه العامة، وكما أن البعد المالي والاقتصادي ضروري لترى السياسات العامة النور فإن هذه الأبعاد ترتبط فيما بينها لتشكل أبعاد السياسة العامة، وسنحاول النظر إليها كالتالي:
أ- البعد السياسي:
يتمثل البعد السياسي في السياسة العامة في كون هذه الأخيرة نتاج قرار إرادة سياسية، سواء عبرت عن قرار اتخذه فرد أو مجموعة من الأفراد، ويثار هنا نقاش حول موضوع الشرعية، أي المدى الذي يجعل سياسة ما تتوافق مع المعتقدات التي يؤمن بها الشعب ، مما يجعل السياسة مقبولة، في حين أن السياسات التي تمس نظم معتقداته تلقى مقاومة ورفض، وهذا ما يهدد فشل مقرري السياسة في تحقيق الأهداف المتوخاة منها.
والبعد السياسي من الأبعاد الضرورية لفهم كل سياسة عمومية، فهذا البعد هو الذي يعطي معنى للأرقام والإحصائيات، وكذا للوسائل المادية والسيولات المالية المستعملة في كل سياسة عامة.
ب- البعد الاجتماعي:
كيفما كانت طبيعة كل سياسة عامة فإن هذه الأخيرة تهدف من بين ما تهدف إليه توزيع الموارد المعبأة في المجتمع، وتكمن هنا الوظيفة التوزيعية للسياسة العامة والبعد الاجتماعي لها.
فالثروة والسلع والخدمات وكل الموارد المادية تشكل نقطة التقاء المصالح بين مجموعة من الفاعلين والفئات الاجتماعية. والسياسة العامة التي تسنها هنا الحكومة باسم الصالح العام تهدف إلى توزيع هذه الموارد على مختلف الشرائح الاجتماعية. مع الإشارة إلى دور مجموعات الضغط سواء كانت عريضة كالنقابات أو محدودة الأعضاء كمنظمات أرباب الشغل. هذه المجموعات تتقاطع مصالحها، ومن المفروض نظريا أن تقوم الدولة بالتحكيم السياسي بين مختلف هذه المصالح عبر تبني بعضها وتحيين بعضها إلى ظروف أفضل، رغم أن العرف السياسي يؤكد أن الأحزاب السياسية التي تقود الحكومة سواء كانت يسارا أو يمينا تمثل مصالح فئوية واجتماعية حقيقية تدافع عنها وتترجمها من خلال السياسات العامة المتبعة.
فسياسة دعم الموارد الأولية الأكثر استهلاكا تعبر عن دعم الفئات الاجتماعية الأكثر فقرا، وتقديم المعونات للفلاحين يترجم الامتداد الاجتماعي للحكومة، رغم أن هناك استثناءات يمكن ملاحظتها، فرغم كون الحكومة ذات تكوين يساري فإنها لا تستطيع تجاهل أصحاب رؤوس الأموال والثروات والقوى الاقتصادية المختلفة، إذ يملك هؤلاء الإمكانيات و القدرات التي تمكنهم من الدفاع عن مصالحهم عند سن كل سياسة عامة.
ج- البعد الاقتصادي والمالي:
إن المال هو الوقود الحقيقي لكل سياسة عمومية، فالتنفيذ المادي لكل سياسة عامة يتوقف على ما يرصد من موارد مالية تهدف إلى إنجاح وتنفيذ هذه السياسة، وكثيرا ما تبرر الحكومات عجزها عن مواجهة المشاكل التي تعترض تطبيق برامجها بنقص الاعتمادات المالية، وبالتالي عدم توفرها على الوسائل التي توصل إلى تحقيق أهدافها. إلا أن الحكومة "تأخذ مواردها من المجتمع من خلال مختلف أنظمة التضريب" وتعود مرة أخرى لتوزيعها من خلال تنفيذ مختلف السياسات العامة القطاعية التي تشرف عليها، فإن البعد المالي يرتبط بسياسة تعبئة الموارد التي تتبعها الحكومة والأجهزة العمومية التابعة لها.
وكل سياسة عمومية لا تتوفر على الوسائل المالية والاقتصادية لإنجاحها تعتبر سياسة بدون مفعول يذكر، ويعبر عن ضعف الإرادة السياسية للحكومة. وتوفير الموارد المالية لبعض البرامج الحكومية بشكل مستمر أو استثنائي يترجم الاهتمام الحكومي بالقطاع المستهدف الذي توليه الحكومة العناية المطلوبة.
إن أي بناء أو تحليل للسياسات العمومية عليه أن يأخذ هذه الأبعاد الثلاثة بعين الاعتبار، فالسياسي والاجتماعي والمالي ما هو في الأول والأخير إلا ترجمة متوازية للسياسة العامة التي يحددها جمس أندرسون في "منهج عمل قصدي أو هادف يتبعه فاعل أو أكثر في التعامل مع مشكلة ما" .
السياسة والبرامج والخطة:
هناك مفهومان أساسيان يرتبطان بمفهوم السياسة العامة الذي حددناه سابقا ، وهما كل من مفهومي البرنامج والخطة، لذا وجب تمييزها لكيلا يختلطا بالمفهوم الذي نحن بصدد ؛ فالبرنامج يشكل تحديدا أو ترجمة إجرائية للسياسات العامة، فالبرنامج هو الذي يعطي مدلولا ملموسا للسياسة العامة من خلال السقف الزمني الذي يمكن أن يغطيه، ثم التكلفة المالية للبرنامج، ثم الإجراءات ذات الطابع المسطري أو القانوني المصاحب للبرنامج.
فالبرنامج أقل درجة من السياسة العامة، فهذه الأخيرة يمكن أنت تتكون من مجموعة من البرامج المتجانسة لخدمة هدف واحد، مثلا سياسة الإصلاح الزراعي يمكن أن تتكون من: برنامج خاص لضم الملكيات، برنامج آخر لتوزيع الأراضي على الفلاحين، برنامج محدد لتوسيع المساحات المسقية، ثم برنامج لتحقيق الاكتفاء الذاتي من بعض المزروعات. وكل هذه البرامج هي مكونة لسياسة الإصلاح الزراعي العامة التي تؤطر هده البرامج
أما الخطة فهي الوثيقة التي تتضمن البرامج المختلفة التي تعبر عن السياسات العامة للدولة.
وإذا أردنا ترتيب هذه المفاهيم الثلاثة يمكن أن نضع السياسة العامة كإطار عام توجد فيه خطط أو خطة، ثم داخل هذه الخطة أو الخطط توجد برامج تعبر عن الطابع الإجرائي للسياسة العمومية.
العوامل المؤثرة في بناء السياسات العمومية:
السياسات العمومية لا تظهر بالصدفة كالفطر بل هي نتيجة عمل إرادي وواع تتداخل فيه مجموعة من العناصر التي تجعل إقرار هذه السياسة أو تلك عملا ناتجا عن مسلسل معقد من تجسيد مجموعة من العناصر والوضعيات والأنساق التي تنتج السياسة العامة. وقد حاول لولي (Lolie) أن يحدد ثمانية عناصر أساسية تؤثر في تأسيس السياسات العامة وهي:
1- شخصية متخذي القرار الرئيسيين.
2- مميزات المجموعات التي تتخذ القرار.
3- التمظهرات (configuration) المتغيرة للوضع الاقتصادي والسياسي.
4- تركيب القوى السياسية.
5- بنية المؤسسات السياسية.
6- الثقافة السياسية.
7- تعريف أو تحديد المجتمع السياسي.
8- الموقع الجغرافي للبلد.
فدور هذه العناصر حاسم ورئيسي في بناء السياسات التي تنتج عن عملية مهمة ومعقدة من تجميع ومفاوضة بين مختلف هذه العناصر، وكما في كل عملية سياسية فإن الانتقاء الطبيعي يقع بين العناصر القوية والرئيسية وأخرى تقل أهميتها، فصحيح مثلا أن المحيط السياسي والاجتماعي له تأثير قوي على الفاعلين وقرارهم، ولكن هذا غير كاف لاتخاذ قرار ما، فالمحيط يوفر الظروف المساعدة لاتخاذ القرار، ولكن هذا الأخير يبقى بيد الفاعلين الذين يمكنهم وحدهم اتخاذ القرار.
وهنا تكمن صعوبة تحديد العناصر الأساسية المؤثرة في بناء السياسات العمومية، وكذا الإحاطة بالإطار القانوني والسياسي الذي يحيط بكل سياسة عامة ولو على الأقل على المستوى النظري، رغم ما يحيط بمسلسل البناء هذا من استثناءات تتطلبها المشاكل المراد معالجتها والانتظارات السياسية والاجتماعية التي تحول هذه الاستثناءات إلى واقع دائم يتم تأطيره عبر شرعتنها من خلال القنوات القانونية.
تقييم السياسات العمومية:
تعتبر مسألة التقييم في السياسات العامة مرحلة أساسية وضرورية في تكملة والتعامل مع هذه السياسات، حيث إن تنفيذها والبرامج المصاحبة لها لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية، بل بالنظر إلى مدة الولاية السياسية التي يتمتع بها السياسيون التي هي محدودة فإن للسياسات العامة مراحل للتقييم مهمة، يتم من خلالها قياس مدى قدرة تنفيذ السياسات لبلوغ الأهداف المحددة مسبقا، رغم أنه دائما ما يلجأ الساسة إلى تحديد أو الإعلان عن أهداف لا يمكن قياس درجة نجاحها بسهولة، وهي ذات طبيعة نوعية أكثر منها كمية، لكل هذا تصعب عملية التقييم، رغم أنها ضرورية لمسيري السياسات العمومية لأن التقييم يساهم في إعادة النظر والتصحيح في مسار التنفيذ، ويمكن سواء من تدعيم أو تقويم أو التخلي الجزئي عن البرامج التي أثبتت التجربة أنها بدون فائدة، ولا يمكن أن تبلغ الأهداف المحددة سلفا.
إلا أن إشكالات ذات طبيعة منهجية وابستمولوجية تطرح نفسها عندما نستمر في تحديد مفهوم التقييم في حقل الفعل العمومي (Action publique). فمنهجيا يجب التمييز بين التقييم الكمي والتقييم الكيفي:
فالأول: يركز عملية تقييمه على الكم، فالمؤشرات الاجتماعية والاقتصادية تعتبر المادة الخام التي يحبذها ممارسو هذا المنهج، ويتم استعمال الجداول و مختلف مؤشرات القياس ، كما يتم اللجؤ إلى المقارنات بين السياسات العمومية خلال مراحل زمنية معينة.
ودفع انتشار التقييم الكمي في الستينات دعاة هذا المذهب إلى الذهاب أبعد من ذلك عندما آمنوا بالتجريب في حقل الفعل العمومي من خلال يقينهم آنذاك أن استعمال هذا التقييم سيجعل متخذي القرار يختارون بين القرار العقلاني والأصلح بين مختلف البدائل التي تمت دراستها بمناهج كمية، وأن الفاعل العمومي لا يملك إلا أن يختار الحل الأمثل والعقلاني.
وقد اعتبر صاحب الكتاب هذا المنهج إيديولوجية أثرت في الباحثين الأمريكيين خاصة (Donald Campbee) في كتابه "مجتمع التجريب".
أما الثاني/ وهو التقييم النوعي فيتأسس على تفسير الأيديولوجية أو النظرية التي تؤطر البرنامج أو السياسة، والبحث عن العلاقة بين نظام القيم المعلن عنه في السياسة العامة والسياسة المطبقة فعلا على الواقع.
وعملية التقييم ضرورية لتغذية الانعكاسات التدبيرية للسياسات العامة، وهذا ما يجعل أن صانعي السياسات العمومية غالبا ما يقومون بموازاة مع مسلسل تنفيذ السياسة العامة بالقيام بتقييمات موازية تستطيع تحديد مواطن القصور في بلوغ الأهداف مما يسمح بتدارك مكامن النقص، والقيام بعملية التصحيح إلى انتهاء التنفيذ الفعلي للسياسة العامة.
السياسات العمومية لا تظهر بالصدفة كالفطر بل هي نتيجة عمل إرادي وواع تتداخل فيه مجموعة من العناصر التي تجعل إقرار هذه السياسة أو تلك عملا ناتجا عن مسلسل معقد من تجسيد مجموعة من العناصر والوضعيات والأنساق التي تنتج السياسة العامة. وقد حاول لولي (Lolie) أن يحدد ثمانية عناصر أساسية تؤثر في تأسيس السياسات العامة وهي:
1- شخصية متخذي القرار الرئيسيين.
2- مميزات المجموعات التي تتخذ القرار.
3- التمظهرات (configuration) المتغيرة للوضع الاقتصادي والسياسي.
4- تركيب القوى السياسية.
5- بنية المؤسسات السياسية.
6- الثقافة السياسية.
7- تعريف أو تحديد المجتمع السياسي.
8- الموقع الجغرافي للبلد.
فدور هذه العناصر حاسم ورئيسي في بناء السياسات التي تنتج عن عملية مهمة ومعقدة من تجميع ومفاوضة بين مختلف هذه العناصر، وكما في كل عملية سياسية فإن الانتقاء الطبيعي يقع بين العناصر القوية والرئيسية وأخرى تقل أهميتها، فصحيح مثلا أن المحيط السياسي والاجتماعي له تأثير قوي على الفاعلين وقرارهم، ولكن هذا غير كاف لاتخاذ قرار ما، فالمحيط يوفر الظروف المساعدة لاتخاذ القرار، ولكن هذا الأخير يبقى بيد الفاعلين الذين يمكنهم وحدهم اتخاذ القرار.
وهنا تكمن صعوبة تحديد العناصر الأساسية المؤثرة في بناء السياسات العمومية، وكذا الإحاطة بالإطار القانوني والسياسي الذي يحيط بكل سياسة عامة ولو على الأقل على المستوى النظري، رغم ما يحيط بمسلسل البناء هذا من استثناءات تتطلبها المشاكل المراد معالجتها والانتظارات السياسية والاجتماعية التي تحول هذه الاستثناءات إلى واقع دائم يتم تأطيره عبر شرعتنها من خلال القنوات القانونية.
تقييم السياسات العمومية:
تعتبر مسألة التقييم في السياسات العامة مرحلة أساسية وضرورية في تكملة والتعامل مع هذه السياسات، حيث إن تنفيذها والبرامج المصاحبة لها لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية، بل بالنظر إلى مدة الولاية السياسية التي يتمتع بها السياسيون التي هي محدودة فإن للسياسات العامة مراحل للتقييم مهمة، يتم من خلالها قياس مدى قدرة تنفيذ السياسات لبلوغ الأهداف المحددة مسبقا، رغم أنه دائما ما يلجأ الساسة إلى تحديد أو الإعلان عن أهداف لا يمكن قياس درجة نجاحها بسهولة، وهي ذات طبيعة نوعية أكثر منها كمية، لكل هذا تصعب عملية التقييم، رغم أنها ضرورية لمسيري السياسات العمومية لأن التقييم يساهم في إعادة النظر والتصحيح في مسار التنفيذ، ويمكن سواء من تدعيم أو تقويم أو التخلي الجزئي عن البرامج التي أثبتت التجربة أنها بدون فائدة، ولا يمكن أن تبلغ الأهداف المحددة سلفا.
إلا أن إشكالات ذات طبيعة منهجية وابستمولوجية تطرح نفسها عندما نستمر في تحديد مفهوم التقييم في حقل الفعل العمومي (Action publique). فمنهجيا يجب التمييز بين التقييم الكمي والتقييم الكيفي:
فالأول: يركز عملية تقييمه على الكم، فالمؤشرات الاجتماعية والاقتصادية تعتبر المادة الخام التي يحبذها ممارسو هذا المنهج، ويتم استعمال الجداول و مختلف مؤشرات القياس ، كما يتم اللجؤ إلى المقارنات بين السياسات العمومية خلال مراحل زمنية معينة.
ودفع انتشار التقييم الكمي في الستينات دعاة هذا المذهب إلى الذهاب أبعد من ذلك عندما آمنوا بالتجريب في حقل الفعل العمومي من خلال يقينهم آنذاك أن استعمال هذا التقييم سيجعل متخذي القرار يختارون بين القرار العقلاني والأصلح بين مختلف البدائل التي تمت دراستها بمناهج كمية، وأن الفاعل العمومي لا يملك إلا أن يختار الحل الأمثل والعقلاني.
وقد اعتبر صاحب الكتاب هذا المنهج إيديولوجية أثرت في الباحثين الأمريكيين خاصة (Donald Campbee) في كتابه "مجتمع التجريب".
أما الثاني/ وهو التقييم النوعي فيتأسس على تفسير الأيديولوجية أو النظرية التي تؤطر البرنامج أو السياسة، والبحث عن العلاقة بين نظام القيم المعلن عنه في السياسة العامة والسياسة المطبقة فعلا على الواقع.
وعملية التقييم ضرورية لتغذية الانعكاسات التدبيرية للسياسات العامة، وهذا ما يجعل أن صانعي السياسات العمومية غالبا ما يقومون بموازاة مع مسلسل تنفيذ السياسة العامة بالقيام بتقييمات موازية تستطيع تحديد مواطن القصور في بلوغ الأهداف مما يسمح بتدارك مكامن النقص، والقيام بعملية التصحيح إلى انتهاء التنفيذ الفعلي للسياسة العامة.