إذا كان مشرع كل من ظهيري فاتح يوليو 1914 بشأن الملك العام و30 نونبر 1918 بشأن الاحتلال المؤقت للملك العمومي حسبما وقع تغييرهما وتتميمهما ، قد أوجد حيلة قانونية للخروج من القيد القانوني الذي يمنع تفويت أو كراء الأملاك العمومية ، عن طريق ما يسمى برخصة الاحتلال المؤقت وأوكل هذا الاختصاص للسلطة السياسية المكلفة بالتجهيز فضلا عن السلطة المكلفة بالصيد البحري متى تعلق الأمر بإنجاز مزارع بحرية بالملك العام واستخراج الرمال القعرية . ويتم ذلك ضمن شروط معينة من أهمها عدم تأثير المشروع على الصحة والسلامة البيئية والبنيات التحتية والمنشآت الفنية والموارد الطبيعية وخاصة المائية. وبصفة عامة باحترام كامل للشروط القانونية والتقنية التي يتضمنها اتفاق منح الامتياز ودفتر التحملات، مع الالتزام بأداء إتاوة سنوية محددة سلفا.
وقد تكفل قرار وزير التجهيز والنقل رقم 3371.14 بتاريخ 29 شتنبر 2014 بتحديد الإتاوة المستحقة عن الاحتلال المؤقت للملك العمومي للدولة المنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 29 يناير 2015 ص 816، بحيث جعل الحد الأدنى 800 درهم في السنة يدفع مسبقا ، مع بعض الاستثناءات للمنظمات النقابية والثقافية والاجتماعية فضلا عن بعض المشاريع التي لها أهمية خاصة بالنسبة لخلق فرص الشغل ، محاربة التلوث أو نقل التكنولوجية الحديثة حيث تستفيد من تخفيض يصل إلى خمسين في المئة بعد موافقة السلطة السياسية المعنية وعدم اعتراض وزارة الاقتصاد والمالية .
وفي حالة مخالفة القوانين الجاري بها العمل يلزم المخالف بجبر الضرر الذي لحق بالمجتمع عن طريق أداء تعويض مدني ناهيك عن المتابعة القضائية .
وهذه المسطرة المعول عليها في تدبير الملك العمومي _ باعتباره كما جاء في ديباجة ظهير 1914 أعلاه مملوك على الشياع بين الجميع وأن مهمة الدولة هو تدبيره باعتبارها وكيلة عن العموم في ذلك _ هي بداية، مسطرة قانونية وتنظيمية أتت بإرادة صريحة من المشرع ، ذلك أنه طبقا للفصل الأول من ظهير 30 نونبر 1918 أعلاه فإن كل مطلب يتعلق بإشغال قطعة ما من الأملاك العمومية مؤقتا يوجه إلى وزير التجهيز ويضمن فيه تصريحا الغرض من إشغالها والتغييرات التي ينوي الطالب إحداثها بهيئتها وسعة الأبنية وغيرها من الأماكن التي يريد إنشائها فيها مع كيفية تهيئتها ،ويجب عليه إذا دعا لذلك أن يتعهد كتابة بدفع واجب الكراء المحدد قبل صدور الرخصة .
وتكون مدة الرخصة في جميع الأحوال محددة في الزمان غير أنه يمكن إلغاء هذه الرخصة في أي وقت وحين بأسباب معللة ، وهذا ما أكد عليه الفصل السادس من ظهير 1918 أعلاه ، عندما نص على أنه "يمكن إبطال الرخص في كل آن لسبب من الأسباب التي تستدعيها المنفعة العمومية ..."
والجدير بالتنبيه أن هذا الاتجاه أخذت به الجماعات الترابية كذلك ، وتجسد خاصة في دورية وزير الداخلية رقم 118 م. م .ج .م بتاريخ 2 يوليو 2001 موجهة إلى الولاة والعمال حول تنظيم إشهار بالطرق العمومية وملحقاتها وتوابعها والتي حددت أقصى مدة للاستغلال المؤقت للملك العمومي في 5 سنوات تبتدئ من تاريخ المصادقة على قرار الاستغلال المؤقت من طرف سلطات الوصاية وتبقى المدة قابلة للتجديد بكيفية صريحة وبقرار جديد يؤخذ بنفس المسطرة المتبعة بالنسبة للرخصة الأولى . وتعتبر الرخصة شخصية يمنع منعا باتا التنازل أو تفويتها للغير بأي شكل من الأشكال .
وقد ورد في تعليل للمحكمة الإدارية بالدار البيضاء بتاريخ 19 يناير 2004 بمناسبة إصدارها لحكم في الملف رقم 149/2003 غ بأنه " وحيث إن كانت "الأملاك الجماعية العامة " لا تقبل التصرفات المألوفة في القوانين الخاصة كالبيع والهبة والكراء والحجز والتقادم، فإنها قابلة للاستغلال الذي لا يتنافى مع تخصيصها للمنفعة العامة .."
الحاصل من كل هذه التوطئة أن اللجوء إلى الاستغلال المؤقت ورد من أجل تثمين الملك العمومي للدولة والجماعات الترابية استنادا إلى ترخيص تشريعي وبمقتضى إتاوة محددة من طرف السلطة التنظيمية المختصة .
لكن ما يطرح أكثر من علامات الاستفهام ، هل يحق للدولة أو الجماعات الترابية اللجوء إلى هذه المسطرة بمناسبة أملاكها الخاصة ؟
بداية لا بد من التأكيد أنه من خلال بحث ميداني قمت به مؤخرا لمدينة الدار البيضاء بمناسبة زيارتي للمعرض الدولي للكتاب ، تبين لي أن بعض الأملاك الحضرية الخاصة للدولة تخضع لمسطرة الاستغلال المؤقت خاصة ضمن الدائرة السياحية لهذه المدينة، وذلك مقابل مبالغ سنوية زهيدة جدا إن لم نقل تافهة . بينما يقوم المستفيدون من هذه الرخصة بكرائها من الباطن بأثمنة خيالية شهرية دون أن تتحرك الجهة المختصة لا بإلغاء الرخصة ولا العمل على تحيين الإتاوة السنوية، وتساءلت مع نفسي ألا يعتبر هذا مظهرا من مظاهر الريع ؟ . وهذا ما دفعن إلى إعادة طرح السؤال هل من حق مديرية أملاك الدولة بحكم أنها هي من حظيت بثقة السلطة التنظيمية ومنحتها صلاحية تدبير وتسيير والحفاظ على أملاك الدولة الخاصة غير الغابوية أن تلتجئ إلى مسطرة منح رخص الاستغلال المؤقت للملك الخاص للدولة ؟ وفي حالة الإيجاب هل يدخل هذا الاختصاص في المجال الإداري الصرف أي اختصاصات المسؤول الأول عن المديرية ومن يعمل تحت إمارته أو في المجال التنظيمي الصرف أي من اختصاص وزير الاقتصاد والمالية أو بتفويض منه باعتباره رجل سياسة ؟
أمام انعدام أي مدونة أي نص خاص ينظم أملاك الدولة الخاصة بالمغرب رغم مرور أكثر من 60 سنة على الاستقلال ووجود جهة سياسية تدبر هذه الأملاك منذ أكثر من قرن ، لا يسع الباحث إلا الاستعانة بالقواعد العامة
عادة أملاك الدولة الخاصة تخضع لما تخضع له باقي الأملاك الخاصة إلا ما استثني بنص صريح، وهنا يأتي مجال المرسوم الملكي رقم 330.66 بتاريخ 10 محرم 1387 (21 أبريل 1967) بسن نظام عام للمحاسبة العمومية كما وقع تعديله وتتميمه، _ وهو بالمناسبة ما يدخل في مجال السلطة التنظيمية وإن صدر بمرسوم ملكي أثناء حالة الاستثناء - الذي نص في فصله 82 أن التفويتات والاقتناءات لفائدة الدولة تتم بقرار لوزير الاقتصاد والمالية أي كان سقفها المالي.
وهذا ما خول لوزير الاقتصاد والمالية أن يفوض بعض اختصاصاته في هذا المجال لبعض مساعديه، أو للولاة متى تعلق الأمر بمشاريع استثمارية محددة على سبيل الحصر ، شريطة ألا يتجاوز الغلاف المالي للمشروع 200 مليون درهم، تفعيلا للرسالة الملكية السامية الموجهة للوزير الأول بتاريخ 9 يناير 2002 بخصوص التدبير اللامتمركز للاستثمار .
وفي هذا المجال تتم دراسة الملف بالمركز الجهوي للاستثمار المختص ويصدر قرار للوالي يرخص بمقتضاه ببيع ملك الدولة الخاص بقيمة لا تتجاوز 10 في المئة من الغلاف المالي المخصص للمشروع ا لاستثماري.
وتقريبا هي نفس المسطرة المتبعة من أجل كراء أملاك الدولة الخاصة إلا ما تعلق بالأملاك الفلاحية حيث يتم كرائها عن طريق مسطرة طلب عروض الأثمان بعد نشر الإعلان عن الكراء و فتح الأظرف من طرف لجنة وزارية مشتركة والتي يعهد إليها كذلك بتتبع الانجازات المضمنة في دفتر التحملات ويحق لها العمل على التصريح بفسخ عقد الكراء ، وعلى المتضرر اللجوء إلى القضاء .
من كل ما سلف، يتضح أنه لا يوجد أي نص قانوني يسمح للدولة (الملك الخاص) أن تدبر أملاكها عن طريق رخصة الاستغلال المؤقت ، ولاسيما عن طريق التراضي مع ما يستتبع ذلك من غياب للشفافية ، وفي اعتقادنا فإن جميع التصرفات من هذا القبيل تدخل في مجال الخروج عن القواعد العامة التي تحكم الملك الخاص للدولة ،ذلك أن الإطار القانوني الذي يحكم استغلال الأملاك الخاصة للدولة وخاصة الحضرية هو الكراء العادي أو الكراء من أجل الاستثمار. وأن الجهة القضائية المختصة للبت في أي نزاع من هذا القبيل هي المحاكم العادية . أما في حالة ركوب أمواج الاحتلال المؤقت فإن باب المحاكم الإدارية يفتح على مصراعيه ، وهذه المحاكم تعتبر نفسها مختصة بمجرد ورود أي شرط في العقد أو الرخصة غير مألوف من قبيل إلغاء الرخصة بدون تعويض...
وهذا ما يجعلنا لا نتردد بالقول بأن كل رخص الاستغلال المؤقت التي تصدرها مديرية أملاك الدولة والمتعلقة بالملك الخاص للدولة باطلة ولا أساس قانوني لها إلا ما تعلق بفتح المجال للبعض للاستفادة بأملاك الدولة دون إتباع المسطرة القانونية المطلوبة والمتمثلة في المنافسة أسوة بالعقارات الفلاحية التي تفتح للمنافسة الشفافة . علما أن حتى الإتاوة المعمول بها لا تساعد على تنمية موارد الدولة المالية، ويكفي الرجوع إلى القانون المالي لسنة 2019 حيث مجموع مداخل المديرية المذكورة لا يتعدى 355 مليون درهم منها 323 مليون درهم تتأتى من الكراء والتكاليف الكرائية ولا يوجد أي باب خاص بالاستغلال المؤقت لأملاك الدولة الخاصة ، مما يجعل مسؤولية الخزنة الإقليميين والجهويين قائمة بخصوص تلقيهم أوامر بالتحصيل غير مبنية على أساس قانوني سليم، وقد تطالهم أيدي النيابة العامة استنادا إلى الفصل 243 من القانون الجنائي الدي ينص على أنه " يعد مرتكبا للغدر ، ويعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس وبغرامة من خمسة آلاف إلى مائة ألف درهم ، كل قاض أو موظف عمومي طلب أو تلقى أو فرض أوامر بتحصيل ما يعلم أنه غير مستحق أو أنه يتجاوز المستحق ، سواء للإدارة العامة أو الأفراد الذين يحصل لحسابهم أو لنفسه خاصة . تضاعف العقوبة إذا كان المبلغ يفوق مائة الف درهم."
بل أن الفصل الموالي، 244، يعاقب بالعقوبات المقررة أعلاه كل ذي سلطة عامة أمر بتحصيل جبايات مباشرة أو غير مباشرة لم يقررها القانون .
وعليه ندعو وزير الاقتصاد والمالية باعتباره المكلف بإعداد سياسة الدولة في المجالات المالية والنقدية والقرض والمالية الخارجية وترشيد القطاع العام وخوصصة المنشآت العامة وتتبع تنفيذها وفقا للنصوص التشريعية والتنظيمية المعمول بها مع مراعاة الاختصاصات المنوط برئيس الحكومة بشأن تنسيق وتتبع تنفيذ السياسة الحكومية في مجال العلاقات مع المؤسسات التابعة لمجموعة البنك الدولي طبقا للمادة الأولى من المرسوم رقم 2.07.995 صادر في 23 من شوال 1429 (23 أكتوبر 2008) بشأن اختصاصات وتنظيم وزارة الاقتصاد والمالية، فضلا عن أنه مسؤول بصفة شخصية عن أعمال تابعيه ، إلى وضع حد لمنح رخص استغلال أملاك الدولة الخاصة خارج القانون ، وبالضبط في المناطق ذات الجدب الاقتصادي والمالي لأنها تحرج الولاة و لاسيما إذا لم تعرض على المراكز الجهوية للاستثمار لإبداء الرأي واتخاذ المتعين ، ونعتقد أن ضررها على المستوى المالي وانعدام المساواة بين المواطنين أكثر من نفعها خاصة وأن الرخص من هذا القبيل تتحول مع المدة إلى مؤبدة عوضا أن تبقى مؤقتة ، وذلك بالطبع دون أن يؤدي إلى الإضرار بالمستفيدين الحاليين ، حيث يبقى محفوظا كل ما اكتسب برخصة إدارية إلى حين انتهاء مدته مع المنع الكلي لتجديد الرخص القائمة حاليا.