يعتبر اختصاص مراقبة التسيير من الرقابة الإدارية التي يمارسها المجلس الأعلى للحسابات، وتكمن خصوصية هذه الرقابة في كون القرارات والملاحظات والتوصيات التي يعبر عنها المجلس في إطار ممارسته لهذه الرقابة، لا تكتسي صبغة إلزامية وليست لها آثار جزائية، ذلك أن رقابة التسيير لا تسعى إلى معاقبة المسؤولين عن الإختلالات والتجاوزات التي يرتكبونها، بل يتم الإكتفاء فقط بتوجيههم إلى مدى واقعية الخطط وطرق تنفيذها. ومن ثم فإن دور المجلس الأعلى للحسابات لا يتعدى تقدير وتقويم أداء التسيير من حيث الكيف، والإدلاء عند الاقتضاء باقتراحات وتوصيات حول الوسائل الكفيلة بتحسين طرقه وأساليبه، والزيادة في فعاليته ومردوديته، والكشف عن مكامن الضعف والنقص التي تعتري تدبير وتسيير الأجهزة العمومية.
من بين هذه الأجهزة العمومية التي تخضع لرقابة التسيير التي يمارسها المجلس الأعلى للحسابات، نجد المقاولات العمومية، وتشمل هذه المراقبة جميع أوجه تسيير هذه المقاولات، ويستوجب ممارستها القيام بمجموعة من الإجراءات، كما أنها تستهدف تحقيق مجموعة من الأهداف، وينتج عنها آثار على المستوى التدبيري لهذه المقاولات. فما هي مسطرة رقابة التسيير؟(أ) وما هي أهداف إخضاع المقاولات العمومية لرقابة التسيير؟ وما هي آثار رقابة التسيير على تدبير المقاولات العمومية؟(ب).
أ- إجراءات رقابة التسيير
يلزم القانون المقاولات العمومية، سنويا، بتوجيه الحسابات والوثائق المحاسبية إلى المجلس الأعلى للحسابات، وفق الكيفيات والشكليات المنصوص عليها في النصوص التنظيمية الجاري بها العمل. ويتوصل المجلس بالإضافة إلى ذلك، بمحاضر الهيئات التداولية للمقاولات العمومية مرفقة بنسخ من تقارير المحاسبين المعتمدين أو المراقبين الداخليين والخارجيين.
ويجب كذلك، على مسؤولي المقاولات العمومية، تقديم جميع الوثائق التي يطلبها قضاة المجلس الأعلى للحسابات، وتزويدهم بكافة المعلومات التي تتعلق بتسيير هذه المقاولات. وفي حالة التأخير في تقديم هذه الوثائق المحاسبية، يمكن للرئيس الأول أن يحكم بموجب أمر على الأشخاص المسؤولين، بغرامة يمكن أن يصل مبلغها الأقصى إلى ألف(1000) درهم. ويمكن بالإضافة إلى ذلك أن يحكم بغرامة مالية تهديدية يصل مبلغها الأقصى إلى خمس مائة(500) درهم عن كل شهر تأخير.
تبدأ عملية إجراء مراقبة التسيير على المقاولات العمومية، من خلال الإعداد المسبق للملفات المتعلقة بالمقاولات المزمع إخضاعها للرقابة، والمحددة في برنامج أشغال المجلس المنصوص عليه في المادة الثامنة من القانون رقم 99-62 المتعلق بمدونة المحاكم المالية.
ويتم الافتتاح الرسمي لأشغال الرقابة من قبل رئيس الغرفة المختصة، وذلك من خلال توجيه رسالة إلى المسؤولين عن المقاولة العمومية المسجلة ضمن البرنامج، لإخباره بالمراقبة المزمع القيام بها.
بعد ذلك، يعين رئيس الغرفة المستشارين المكلفين بالمراقبة، ويخول لهم الحق في الإطلاع على جميع المستندات أو الوثائق الكفيلة بتزويدهم بمعلومات حول تسيير المقاولات العمومية الخاضعة للمراقبة، ويمكن لهم كذلك الاستماع إلى الأشخاص الذين يرون أن إفادتهم ضرورية، وفي حالة عدم استجابة المعنيين بالأمر لطلبات المستشارين ترفع بشأن ذلك تقارير إلى الرئيس الأول للمجلس للبث فيها.
وبعد القيام بالتحريات الضرورية، وجمع العناصر المقنعة، ودراسة الملفات، يتم تبليغ الملاحظات المسجلة من طرف المستشارين المقررين إلى المسؤولين عن المقاولات العمومية المراقبة، والذين يحق لهم الإدلاء بتعقيباتهم وردودهم عند الاقتضاء داخل أجل شهرين. وعند انصرام هذا الأجل يحرر المستشار تقريرا يوجهه إلى رئيس الغرفة.
ويتم التداول بشأن التقرير المقدم من قبل الغرفة المختصة، والتي تتشكل من خمسة أعضاء من بينهم الرئيس والمستشار الذي قام بالمراقبة، ويقدم المستشار تقريره بالنسبة لكل ملف، ويمكن للغرفة الاستماع للأشخاص المعنيين بالملاحظات المسجلة بخصوص التقرير المعد حول عملية مراقبة التسيير، ويتم توجيه رسائل تتضمن هذه الملاحظات إلى المسؤولين عن المقاولات العمومية وذلك من طرف رئيس الغرفة المختصة، والتي يجب أن يتم الإجابة عنها في أجل لا يمكن أن يقل عن شهر.
بناء على نتائج مداولة الغرفة المختصة، وإن اقتضى الحال على نتائج التحريات التكميلية وتعقيبات مسؤولي المقاولات العمومية، يقوم المستشار المقرر بإعداد مشروع تقرير خاص، وإخضاعه للمداولة.
وفي حالة اكتشاف الغرفة مخالفة تندرج ضمن المخالفات المنصوص عليها في المواد 54و55و56 من القانون رقم 99-62، يتم إشعار الوكيل العام للملك بذلك طبقا لمقتضيات المادة 57 من نفس القانون. وإذا تم اكتشاف عناصر مكونة للتسيير بحكم الواقع طلبت الغرفة المختصة من المستشار أن يهيء تقريرا في الموضوع يوجهه إلى الوكيل العام للملك، أما إذا كانت الأعمال المكتشفة تستوجب عقوبة جنائية أو تأديبية طبقت مقتضيات المادة 111 من القانون رقم 99-62.
يوجه الرئيس الأول التقرير الخاص الذي أعده المستشار المقرر، والذي تم التداول بشأنه في الغرفة المختصة، إلى الوزير الأول والوزير المكلف بالمالية والوزير الوصي، ويحق لهؤلاء الإدلاء بملاحظاتهم وتعقيباتهم والتعبير عن آرائهم داخل أجل يحدده الرئيس الأول على ألا يقل عن شهر. بعد ذلك يتم توجيه هذا التقرير مرفقا بالآراء والتعاليق المتوصل بها إلى لجنة البرامج والتقارير لأجل إدراجها، عند الاقتضاء، في التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات.
ويمكن إجمال مختلف مراحل مسطرة مراقبة التسيير فيما يلي:
- تخطيط عمليات مراقبة التسيير من خلال إعداد الملفات حول المقاولة العمومية موضوع الرقابة؛
- الافتتاح الرسمي للرقابة من قبل رئيس الغرفة المختصة، وذلك بتوجيه رسالة إلى المسؤول عن المقاولة العمومية المسجلة ضمن البرنامج، لإخباره بالمراقبة المزمع القيام بها؛
- مقابلة المسؤولين عن المقاولة العمومية المعنيين بالأمر في عين المكان؛
- القيام بالتحريات اللازمة وجمع العناصر المقنعة ودراسة الملفات من طرف المستشار المقرر؛
- تبليغ الملاحظات إلى المسؤولين عن المقاولة العمومية المراقبة؛
- جواب المقاولة العمومية المراقبة في أجل شهرين؛
- إعداد التقرير حول عملية مراقبة التسيير؛
- الإستماع المحتمل للأشخاص المعنيين بالملاحظات أمام الغرفة المختصة؛
- مداولة الغرفة المختصة حول الملاحظات المسجلة بخصوص التقرير المعد من قبل المستشار المقرر؛
- توجيه رسائل تتضمن ملاحظات إلى المسؤولين عن المقاولات العمومية المعنية وذلك من طرف رئيس الغرفة المختصة؛
- جواب المسؤولين المعنيين في أجل لا يمكن أن يقل عن شهر؛
- إعداد مشروع تقرير خاص وإخضاعه لمداولة الغرفة؛
- التعقيبات المحتملة للوزراء والمسؤولين المعنيين بالأمر؛
- إدراج الملاحظات، عند الاقتضاء، بتقارير المجلس الأعلى للحسابات.
ويجدر التذكير في هذا الصدد، بأنه منذ دخول القانون رقم 99-62 بمثابة مدونة المحاكم المالية حيز التطبيق، قامت هذه المحاكم بإنجاز 420 مهمة لمراقبة التدبير، منها 115 مهمة أنجزت من طرف المجلس الأعلى للحسابات و305 من طرف المجالس الجهوية. وفي إطار ممارسته لرقابة التسيير برسم سنة 2008 أنجز المجلس ما يقارب 50 مهمة شملت قطاعات مختلفة، كان من بينها قطاع المقاولات العمومية، وقد تضمن التقرير السنوي للمجلس لسنة 2008 ملخصا لثلاثة تقارير خاصة بالمقاولات العمومية من أصل 30 تقرير منشور، همت المقاولات التالية:
• الشركة الوطنية للنقل والوسائل اللوجستيكية؛
• الشركة المغربية للألعاب والرياضة؛
• الشركة الوطنية لتهيئة خليج أكادير (صونابا).
وقد توصل المجلس الأعلى على ضوء النتائج التي أسفرت عنها مراقبة التسيير التي خضعت لها هذه المقاولات الثلاث، عن تسجيل مجموعة من الملاحظات تم تبليغها إلى المسؤولين المعنيين عن تسيير هذه المقاولات، ومقابل هذه الملاحظات المسجلة تم تقديم اقتراحات وتوصيات، الهدف منها هو الرفع من جودة ونجاعة التدبير. لذلك يحق لنا أن نتساءل عن آثار رقابة التسيير التي يمارسها المجلس الأعلى للحسابات على تجويد طرق وأساليب تدبير المقاولات العمومية؟
ب- آثار رقابة التسيير على تدبير المقاولات العمومية
إن الهدف الأساسي من إخضاع المقاولات العمومية لرقابة التسيير التي يمارسها المجلس الأعلى للحسابات، هو حماية الأموال العمومية التي تتلقاها هذه المقاولات من الدولة أو من المؤسسات العمومية، من كل تبذير أو ضياع أو إهمال.
ويهدف المجلس الأعلى للحسابات من خلال ممارسته لاختصاص رقابة التسيير كما هو منصوص عليه في المادة 75 من القانون رقم 99-62، إلى تقدير وتقييم تسيير المقاولات العمومية من حيث الكيف، وكذا تقييم أساليب العمل، وذلك من أجل تقديم الاقتراحات والبدائل الكفيلة بتحسين طرق هذا التسيير، والرفع من فعاليته ومردوديته.
وتشمل هذه المراقبة جميع أوجه ومظاهر التسيير، حيث يقيم المجلس الأعلى للحسابات لهذا الغرض، مدى تحقيق الأهداف المحددة والنتائج المحققة، وكذا تكاليف وشروط اقتناء واستخدام الوسائل المستعملة. وتشمل رقابة المجلس الأعلى أيضا مشروعية وصدق العمليات المنجزة، وكذا حقيقة الخدمات المقدمة والتوريدات المسلمة والأشغال المنجزة. كما يتأكد المجلس من أن الأنظمة والإجراءات المطبقة داخل المقاولات العمومية، تضمن التسيير الأمثل لمواردها واستخداماتها وحماية ممتلكاتها وتسجيل كافة العمليات المنجزة.
إن مراقبة التسيير التي يمارسها المجلس الأعلى للحسابات، لا تنحصر فقط في النظر في مدى شرعية التدبير الذي يقوم به مسؤولي المقاولات العمومية ، وإنما تتجاوز ذلك لتمتد إلى تقييم كافة مظاهره. وهو الأمر الذي يعني أنه يعتمد منطق ومسعى تقييم النتائج والجودة في الأداء، ذلك أنه مهما يكن تدبير هذه المقاولات شرعيا بالنظر إلى مطابقته للنصوص والقوانين الجاري بها العمل، فإنه لا يعتبر بالضرورة جيدا إلا عند ما يتم احترام مبادئ الفعالية والنجاعة والاقتصاد.
إن اعتماد المجلس الأعلى للحسابات لهذه المراقبة المرتكزة على النتائج بدل الاكتفاء فقط بمراقبة المشروعية، تنجم عنها آثار إيجابية على مستوى تحسين جودة تدبير المقاولات العمومية والمصالح العمومية الأخرى الخاضعة لرقابته.
ومن أجل قياس آثار مراقبة التسيير على تدبير المقاولات العمومية، سنعتمد على التقارير السنوية التي يصدرها المجلس الأعلى للحسابات طبقا لمقتضيات المادة 100 من القانون رقم 99-62 المتعلق بمدونة المحاكم المالية، وسيتم التركيز على التقرير السنوي لسنة 2007، من خلال دراسة نموذج الشركة الوطنية للطرق السيارة بالمغرب.
تعتبر الشركة الوطنية للطرق السيارة بالمغرب شركة مساهمة برأسمال يبلغ 4,4 مليار درهم سنة 2006، ويمتلك صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية نسبة 95% من الرأسمال، فيما الباقي تمتلكه خزينة الدولة.
وقد أسفرت عملية مراقبة التدبير التي قام بها المجلس الأعلى للحسابات بشأن هذه المقاولة العمومية عن تسجيل جملة من الإختلالات التي كانت محل ملاحظات وتوصيات، وتتوزع على أربعة محاور رئيسية:
• التدبير التقني؛
• التسيير المالي والمحاسبي؛
• السياسة التجارية والتسعيرية؛
• الإطار المؤسساتي للشركة وعلاقتها بالوصاية.
على مستوى التدبير التقني:
1. نقص في الدراسات التقنية المتعلقة ببعض النقط الحساسة أثناء القيام بالدراسات، وهو ما ينجم عنه تأخر في الإنجاز وفق الآجال المقررة، والزيادة في تكاليف الإنجاز نتيجة القيام بأشغال الصيانة، وهذا ما حذا بالمجلس الأعلى إلى توصية الشركة بضرورة إيلاء أهمية خاصة للدراسات التقنية المتعلقة بالنقط الحساسة وخاصة الردوم ذات الإرتفاع الكبير والمنشآت الفنية الكبرى؛
2. قيام جهاز واحد متمثل في المختبر العمومي للتجارب والدراسات بمراقبة خارجية مزدوجة، وهو ما أثر على نجاعة مخطط تأمين الجودة الذي وضعته الشركة، لذلك أوصى المجلس الأعلى الشركة بالقيام بكل التدابير اللازمة لإيجاد حل لوضعية تضارب المصالح الناجمة عن غياب منافسة حقيقية في مجال المراقبة التقنية لأشغال بناء الطرق السيارة؛
3. اللجوء إلى مقاولات ضعيفة القدرة المالية في إنجاز الأشغال، مما يؤثر سلبا على جودة المشاريع المنجزة وكذا التأخير في إنجازها، لذلك يوصي المجلس الأعلى بإيلاء أهمية كبيرة لمعيار القدرة المالية للمقاولات مع الحفاظ على التنافسية والإبقاء على مجهود البحث عن التكلفة الاقتصادية؛
4. عدم وجود صيانة منتظمة للبنية التحتية للطرق السيارة، وهو ما من شأنه أن يعرض سلامة مستعملي الطرق للخطر، لذلك يتوجب إعطاء أهمية كبيرة لصيانة شبكة الطرق السيارة، عن طريق إعداد حدود دنيا للتدخل من أجل المحافظة على شروط السلامة والراحة؛
5. تدهور مؤشرات السلامة على الطرق السيارة، ويفسر ذلك بازدياد نسبة حوادث السير المسببة للوفيات لدى مستعملي الطرق السيارة، لذلك يجب القيام بالتحسين المستمر لشروط السلامة على الطرق السيارة، وذلك بتحديد أهداف قابلة للقياس وخاصة في مجال خفض نسبة الحوادث ومدة تدخل فرق الإسعاف؛
6. غياب مقاربة شمولية في الحفاظ على البيئة، وهو ما يؤثر سلبا على الأنظمة الايكولوجية المحيطة بمشاريع الطرق السيارة، لهذا يجب تحسين تدابير المحافظة على البيئة واحترام القوانين الجاري بها العمل في هذا الميدان؛
7. عدم استغلال وتوظيف تقنيات المعلومات الحديثة في تجهيز وتدبير الطرق السيارة، وهو ما ينتج عنه ضعف تأمين جودة عالية للمعلومات، لذلك يجب إيلاء أهمية كبيرة للمخاطر المتعلقة بالتقنيات الحديثة للمعلومات والاتصالات، وكذا استغلال الفرص المتاحة في مجال التقنيات الحديثة والتي من المنتظر أن تلعب دورا متزايدا في أنشطة الشركة.
على مستوى التدبير المالي والمحاسبي:
1. هشاشة وضعف الوضعية المالية للشركة، نتيجة نهج سياسة اللجوء المفرط إلى الاقتراض وما ينطوي عليه ذلك من مخاطر على ضمان التوازن المالي للشركة، لهذا يوصي المجلس الأعلى مختلف الأطراف المعنية تحمل مسؤولياتها كاملة من أجل معالجة الخطر المحتمل لتوقف الشركة عن أداء ما بذمتها من ديون والتزامات؛
2. تطبيق طرق محاسبية دون سند قانوني مقبول، وهو ما يؤثر سلبا على القوائم المالية للشركة، بحيث لا تفصح عن القيمة الحقيقية للأصول الموضوعة رهن إشارتها، لذلك يجب تبني حل مقبول لإشكالية احتساب واستخماد الأصول الموضوعة رهن إشارة الشركة وذلك حتى تتلاءم مع القوانين والمعايير المقبولة وتعكس اللوائح المالية للشركة وضعية ممتلكاتها بصورة صادقة وموثوق بها؛
3. تسجيل خروقات على مستوى تنفيذ الميزانية وتدبير السيولة النقدية وكذا تسجيل خسائر في الصرف، وهو ما ينتج عنه تحمل الشركة لمبالغ مالية إضافية كان بالإمكان تفاديها، لذلك يجب تحسين التدبير المالي للشركة، وذلك بإعطاء أهمية خاصة لمشاكل خسائر الصرف وتدبير التوقعات فيما يخص الميزانية.
على مستوى السياسة التجارية والتسعيرية :
1. عدم اعتماد نظام واضح في التسعير، وهو ما ينجم عنه ارتفاع أثمنة استعمال بعض المقاطع من الطرق السيارة، وخاصة تلك التي تعرف ازدحاما وإقبالا كبيرا كمقطع الدار البيضاء الرباط، لذلك يجب وضع نظام للتسعير أكثر إنصافا وذلك بالحرص على انسجام أكبر للتسعيرة الكيلومترية، وإلغاء النقائص التي تشوب استعمال البطائق الإدارية، إضافة إلى الأخذ بعين الإعتبار إحداث فئة خاصة بالعربات التي تتوفر على أكثر من ثلاث محاور؛
2. عدم توفر الشركة على سياسة وإستراتيجية واضحة في مجال التسويق، وهو ما ينتج عنه ارتفاع نسبة عدم الرضا لدى مستعملي الطرق السيارة، وضعف التواصل الخارجي، لذلك يجب إدخال مقاربة التسويق في ثقافة الشركة التي ظلت إلى عهد قريب ذات طابع تقني، وذلك من خلال تقوية التوجه نحو الزبون وتقليص عوامل عدم الرضا وإيلاء أهمية أكبر للتواصل.
على مستوى الإطار المؤسساتي للشركة وعلاقاتها بالوصاية:
1. تحديد غير دقيق للمحيط المفوض إلى الشركة من طرف السلطة المفوضة واعتماد برنامج-إطار متجاوز، وهذا ما أدى إلى عدم إعطاء الشركة ما يكفي من الرؤية البعيدة المدى، بالشكل الذي يسمح لها بإنجاز برمجة متوازنة تأخذ بعين الاعتبار الاكراهات التي يمكن أن تواجهها، لذلك يتوجب القيام بتحديد واضح للمحيط المبرمج بالنسبة للطرق السيارة على المستوى البعيد وذلك من أجل إعطاء الشركة رؤية أفضل في إطار برنامج محين للطرق السيارة، وكذا ضرورة تحديد التزامات واضحة بين المفوض والمفوض إليه وإدراجها في عقد برنامج جديد يقوم مقام البرنامج-الإطار 2004-2008؛
2. التأخير في المصادقة على اتفاقيات امتياز تدبير المرفق العمومي ودفاتر التحملات، وكذا التأخير في إخلاء الأراضي لبناء الطرق السيارة، وفي إخراج المشاريع القبلية من طرف المفوض، وهو ما من شأنه أن يعرض الشركة لمخاطر مالية قانونية، لذلك يجب معالجة النقائص التي تشوب بعض أفعال المفوض وخاصة التأخيرات الملاحظة على مستوى المصادقة على النصوص التنظيمية والوثائق القانونية الضرورية وإخراج الدراسات والمشاريع القبلية وإخلاء الأراضي المخصصة للطرق السيارة؛
3. اعتماد نظام غير واضح في مجال التتبع والمراقبة، وعدم تحديد طبيعة المراقبة المالية التي تمارسها وزارة المالية على الشركة، وهو ما يؤدي إلى ضعف الحكامة والتدقيق وتدبير المخاطر، لذلك يجب تحسين نظام الحكامة لدى الشركة وذلك عن طريق توضيح نظام المراقبة المالية المطبق عليها، وكذا تقوية استقلالية مجلس الإدارة ودوره في التتبع وخاصة في مجالات التدقيق وتدبير المخاطر وذلك في انسجام تام مع أفضل الممارسات في هذا الميدان.
انطلاقا من هذه الملاحظات التي تم تسجيلها من طرف المجلس الأعلى للحسابات أثناء ممارسته لرقابة التسيير على الشركة الوطنية للطرق السيارة، يمكن استنتاج أنها تنقسم إجمالا إلى نوعين:
• النوع الأول: يعتبر بمثابة مخالفات قانونية وتدبيرية؛
• النوع الثاني: يأخذ شكل توصيات، الهدف منها هو تحسين الأداء والتدبير بالشركة الوطنية للطرق السيارة.
وإذا كانت هذه الإختلالات المرتكبة من قبل مسيري الشركة الوطنية للطرق السيارة تعتبر في مجملها خرقا لقواعد قانونية، فإنها لا تشكل في واقع الأمر سوى نتائج وتداعيات لاختلالات في التدبير، سواء على صعيد البرمجة أو الهيكلة التنظيمية في توزيع الاختصاصات وإسناد المهام ووسائل وطرق تنفيذ وإنجاز الأهداف المرسومة من طرف هذه الشركة.
وقد تتبع المجلس الأعلى للحسابات مآل ومصير التوصيات التي تقدم بها بخصوص الملاحظات والإختلالات المسجلة على مستوى التدبير، حيث توصل إلى أن الشركة قامت بتنفيذ 12 توصية من أصل 15 أي ما يشكل 80%، في حين لازالت ثلاث توصيات في طور الإنجاز وهو ما يشكل نسبة 20%. وهو ما يؤكد بأن المجلس يلعب دورا مهما على مستوى عقلنة تدبير المقاولات العمومية.
ويبين الجدول التالي مآل التوصيات التي تقدم بها المجلس الأعلى للحسابات بخصوص الملاحظات التي سجلها على مستوى تدبير الشركة الوطنية للطرق السيارة بالمغرب:
عدد التوصيات التوصيات المنجزة في طور الإنجاز غير منجزة
العدد النسبة العدد النسبة العدد النسبة
15 توصية 12 80% 3 20% - -
المصدر: تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2009، ص 547.
ورغم الدور الفعال الذي يلعبه المجلس الأعلى للحسابات في تجويد تدبير المقاولات العمومية من خلال ممارسته لرقابة التسيير، إلا أن واقع ممارسة المجلس لهذا الاختصاص، منذ دخول مدونة المحاكم المالية حيز التطبيق، يتميز بالضعف والمحدودية، مقارنة بعدد المقاولات العمومية. ذلك أن العدد الإجمالي لهذه المقاولات التي خضعت لمراقبة التسيير منذ 2006 إلى حدود سنة 2009 لم يتجاوز 87 مقاولة. منها 15 مقاولة برسم سنة 2006، و25 سنة 2007 و26 سنة 2008 ثم 21 سنة 2009. كما هو مبين في الجدول التالي:
تطور عدد المقاولات العمومية الخاضعة لمراقبة التدبير من طرف المحاكم المالية ما بين 2006-2009
السنة 2006 2007 2008 2009
عدد المقاولات 15 25 26 21
من بين هذه الأجهزة العمومية التي تخضع لرقابة التسيير التي يمارسها المجلس الأعلى للحسابات، نجد المقاولات العمومية، وتشمل هذه المراقبة جميع أوجه تسيير هذه المقاولات، ويستوجب ممارستها القيام بمجموعة من الإجراءات، كما أنها تستهدف تحقيق مجموعة من الأهداف، وينتج عنها آثار على المستوى التدبيري لهذه المقاولات. فما هي مسطرة رقابة التسيير؟(أ) وما هي أهداف إخضاع المقاولات العمومية لرقابة التسيير؟ وما هي آثار رقابة التسيير على تدبير المقاولات العمومية؟(ب).
أ- إجراءات رقابة التسيير
يلزم القانون المقاولات العمومية، سنويا، بتوجيه الحسابات والوثائق المحاسبية إلى المجلس الأعلى للحسابات، وفق الكيفيات والشكليات المنصوص عليها في النصوص التنظيمية الجاري بها العمل. ويتوصل المجلس بالإضافة إلى ذلك، بمحاضر الهيئات التداولية للمقاولات العمومية مرفقة بنسخ من تقارير المحاسبين المعتمدين أو المراقبين الداخليين والخارجيين.
ويجب كذلك، على مسؤولي المقاولات العمومية، تقديم جميع الوثائق التي يطلبها قضاة المجلس الأعلى للحسابات، وتزويدهم بكافة المعلومات التي تتعلق بتسيير هذه المقاولات. وفي حالة التأخير في تقديم هذه الوثائق المحاسبية، يمكن للرئيس الأول أن يحكم بموجب أمر على الأشخاص المسؤولين، بغرامة يمكن أن يصل مبلغها الأقصى إلى ألف(1000) درهم. ويمكن بالإضافة إلى ذلك أن يحكم بغرامة مالية تهديدية يصل مبلغها الأقصى إلى خمس مائة(500) درهم عن كل شهر تأخير.
تبدأ عملية إجراء مراقبة التسيير على المقاولات العمومية، من خلال الإعداد المسبق للملفات المتعلقة بالمقاولات المزمع إخضاعها للرقابة، والمحددة في برنامج أشغال المجلس المنصوص عليه في المادة الثامنة من القانون رقم 99-62 المتعلق بمدونة المحاكم المالية.
ويتم الافتتاح الرسمي لأشغال الرقابة من قبل رئيس الغرفة المختصة، وذلك من خلال توجيه رسالة إلى المسؤولين عن المقاولة العمومية المسجلة ضمن البرنامج، لإخباره بالمراقبة المزمع القيام بها.
بعد ذلك، يعين رئيس الغرفة المستشارين المكلفين بالمراقبة، ويخول لهم الحق في الإطلاع على جميع المستندات أو الوثائق الكفيلة بتزويدهم بمعلومات حول تسيير المقاولات العمومية الخاضعة للمراقبة، ويمكن لهم كذلك الاستماع إلى الأشخاص الذين يرون أن إفادتهم ضرورية، وفي حالة عدم استجابة المعنيين بالأمر لطلبات المستشارين ترفع بشأن ذلك تقارير إلى الرئيس الأول للمجلس للبث فيها.
وبعد القيام بالتحريات الضرورية، وجمع العناصر المقنعة، ودراسة الملفات، يتم تبليغ الملاحظات المسجلة من طرف المستشارين المقررين إلى المسؤولين عن المقاولات العمومية المراقبة، والذين يحق لهم الإدلاء بتعقيباتهم وردودهم عند الاقتضاء داخل أجل شهرين. وعند انصرام هذا الأجل يحرر المستشار تقريرا يوجهه إلى رئيس الغرفة.
ويتم التداول بشأن التقرير المقدم من قبل الغرفة المختصة، والتي تتشكل من خمسة أعضاء من بينهم الرئيس والمستشار الذي قام بالمراقبة، ويقدم المستشار تقريره بالنسبة لكل ملف، ويمكن للغرفة الاستماع للأشخاص المعنيين بالملاحظات المسجلة بخصوص التقرير المعد حول عملية مراقبة التسيير، ويتم توجيه رسائل تتضمن هذه الملاحظات إلى المسؤولين عن المقاولات العمومية وذلك من طرف رئيس الغرفة المختصة، والتي يجب أن يتم الإجابة عنها في أجل لا يمكن أن يقل عن شهر.
بناء على نتائج مداولة الغرفة المختصة، وإن اقتضى الحال على نتائج التحريات التكميلية وتعقيبات مسؤولي المقاولات العمومية، يقوم المستشار المقرر بإعداد مشروع تقرير خاص، وإخضاعه للمداولة.
وفي حالة اكتشاف الغرفة مخالفة تندرج ضمن المخالفات المنصوص عليها في المواد 54و55و56 من القانون رقم 99-62، يتم إشعار الوكيل العام للملك بذلك طبقا لمقتضيات المادة 57 من نفس القانون. وإذا تم اكتشاف عناصر مكونة للتسيير بحكم الواقع طلبت الغرفة المختصة من المستشار أن يهيء تقريرا في الموضوع يوجهه إلى الوكيل العام للملك، أما إذا كانت الأعمال المكتشفة تستوجب عقوبة جنائية أو تأديبية طبقت مقتضيات المادة 111 من القانون رقم 99-62.
يوجه الرئيس الأول التقرير الخاص الذي أعده المستشار المقرر، والذي تم التداول بشأنه في الغرفة المختصة، إلى الوزير الأول والوزير المكلف بالمالية والوزير الوصي، ويحق لهؤلاء الإدلاء بملاحظاتهم وتعقيباتهم والتعبير عن آرائهم داخل أجل يحدده الرئيس الأول على ألا يقل عن شهر. بعد ذلك يتم توجيه هذا التقرير مرفقا بالآراء والتعاليق المتوصل بها إلى لجنة البرامج والتقارير لأجل إدراجها، عند الاقتضاء، في التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات.
ويمكن إجمال مختلف مراحل مسطرة مراقبة التسيير فيما يلي:
- تخطيط عمليات مراقبة التسيير من خلال إعداد الملفات حول المقاولة العمومية موضوع الرقابة؛
- الافتتاح الرسمي للرقابة من قبل رئيس الغرفة المختصة، وذلك بتوجيه رسالة إلى المسؤول عن المقاولة العمومية المسجلة ضمن البرنامج، لإخباره بالمراقبة المزمع القيام بها؛
- مقابلة المسؤولين عن المقاولة العمومية المعنيين بالأمر في عين المكان؛
- القيام بالتحريات اللازمة وجمع العناصر المقنعة ودراسة الملفات من طرف المستشار المقرر؛
- تبليغ الملاحظات إلى المسؤولين عن المقاولة العمومية المراقبة؛
- جواب المقاولة العمومية المراقبة في أجل شهرين؛
- إعداد التقرير حول عملية مراقبة التسيير؛
- الإستماع المحتمل للأشخاص المعنيين بالملاحظات أمام الغرفة المختصة؛
- مداولة الغرفة المختصة حول الملاحظات المسجلة بخصوص التقرير المعد من قبل المستشار المقرر؛
- توجيه رسائل تتضمن ملاحظات إلى المسؤولين عن المقاولات العمومية المعنية وذلك من طرف رئيس الغرفة المختصة؛
- جواب المسؤولين المعنيين في أجل لا يمكن أن يقل عن شهر؛
- إعداد مشروع تقرير خاص وإخضاعه لمداولة الغرفة؛
- التعقيبات المحتملة للوزراء والمسؤولين المعنيين بالأمر؛
- إدراج الملاحظات، عند الاقتضاء، بتقارير المجلس الأعلى للحسابات.
ويجدر التذكير في هذا الصدد، بأنه منذ دخول القانون رقم 99-62 بمثابة مدونة المحاكم المالية حيز التطبيق، قامت هذه المحاكم بإنجاز 420 مهمة لمراقبة التدبير، منها 115 مهمة أنجزت من طرف المجلس الأعلى للحسابات و305 من طرف المجالس الجهوية. وفي إطار ممارسته لرقابة التسيير برسم سنة 2008 أنجز المجلس ما يقارب 50 مهمة شملت قطاعات مختلفة، كان من بينها قطاع المقاولات العمومية، وقد تضمن التقرير السنوي للمجلس لسنة 2008 ملخصا لثلاثة تقارير خاصة بالمقاولات العمومية من أصل 30 تقرير منشور، همت المقاولات التالية:
• الشركة الوطنية للنقل والوسائل اللوجستيكية؛
• الشركة المغربية للألعاب والرياضة؛
• الشركة الوطنية لتهيئة خليج أكادير (صونابا).
وقد توصل المجلس الأعلى على ضوء النتائج التي أسفرت عنها مراقبة التسيير التي خضعت لها هذه المقاولات الثلاث، عن تسجيل مجموعة من الملاحظات تم تبليغها إلى المسؤولين المعنيين عن تسيير هذه المقاولات، ومقابل هذه الملاحظات المسجلة تم تقديم اقتراحات وتوصيات، الهدف منها هو الرفع من جودة ونجاعة التدبير. لذلك يحق لنا أن نتساءل عن آثار رقابة التسيير التي يمارسها المجلس الأعلى للحسابات على تجويد طرق وأساليب تدبير المقاولات العمومية؟
ب- آثار رقابة التسيير على تدبير المقاولات العمومية
إن الهدف الأساسي من إخضاع المقاولات العمومية لرقابة التسيير التي يمارسها المجلس الأعلى للحسابات، هو حماية الأموال العمومية التي تتلقاها هذه المقاولات من الدولة أو من المؤسسات العمومية، من كل تبذير أو ضياع أو إهمال.
ويهدف المجلس الأعلى للحسابات من خلال ممارسته لاختصاص رقابة التسيير كما هو منصوص عليه في المادة 75 من القانون رقم 99-62، إلى تقدير وتقييم تسيير المقاولات العمومية من حيث الكيف، وكذا تقييم أساليب العمل، وذلك من أجل تقديم الاقتراحات والبدائل الكفيلة بتحسين طرق هذا التسيير، والرفع من فعاليته ومردوديته.
وتشمل هذه المراقبة جميع أوجه ومظاهر التسيير، حيث يقيم المجلس الأعلى للحسابات لهذا الغرض، مدى تحقيق الأهداف المحددة والنتائج المحققة، وكذا تكاليف وشروط اقتناء واستخدام الوسائل المستعملة. وتشمل رقابة المجلس الأعلى أيضا مشروعية وصدق العمليات المنجزة، وكذا حقيقة الخدمات المقدمة والتوريدات المسلمة والأشغال المنجزة. كما يتأكد المجلس من أن الأنظمة والإجراءات المطبقة داخل المقاولات العمومية، تضمن التسيير الأمثل لمواردها واستخداماتها وحماية ممتلكاتها وتسجيل كافة العمليات المنجزة.
إن مراقبة التسيير التي يمارسها المجلس الأعلى للحسابات، لا تنحصر فقط في النظر في مدى شرعية التدبير الذي يقوم به مسؤولي المقاولات العمومية ، وإنما تتجاوز ذلك لتمتد إلى تقييم كافة مظاهره. وهو الأمر الذي يعني أنه يعتمد منطق ومسعى تقييم النتائج والجودة في الأداء، ذلك أنه مهما يكن تدبير هذه المقاولات شرعيا بالنظر إلى مطابقته للنصوص والقوانين الجاري بها العمل، فإنه لا يعتبر بالضرورة جيدا إلا عند ما يتم احترام مبادئ الفعالية والنجاعة والاقتصاد.
إن اعتماد المجلس الأعلى للحسابات لهذه المراقبة المرتكزة على النتائج بدل الاكتفاء فقط بمراقبة المشروعية، تنجم عنها آثار إيجابية على مستوى تحسين جودة تدبير المقاولات العمومية والمصالح العمومية الأخرى الخاضعة لرقابته.
ومن أجل قياس آثار مراقبة التسيير على تدبير المقاولات العمومية، سنعتمد على التقارير السنوية التي يصدرها المجلس الأعلى للحسابات طبقا لمقتضيات المادة 100 من القانون رقم 99-62 المتعلق بمدونة المحاكم المالية، وسيتم التركيز على التقرير السنوي لسنة 2007، من خلال دراسة نموذج الشركة الوطنية للطرق السيارة بالمغرب.
تعتبر الشركة الوطنية للطرق السيارة بالمغرب شركة مساهمة برأسمال يبلغ 4,4 مليار درهم سنة 2006، ويمتلك صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية نسبة 95% من الرأسمال، فيما الباقي تمتلكه خزينة الدولة.
وقد أسفرت عملية مراقبة التدبير التي قام بها المجلس الأعلى للحسابات بشأن هذه المقاولة العمومية عن تسجيل جملة من الإختلالات التي كانت محل ملاحظات وتوصيات، وتتوزع على أربعة محاور رئيسية:
• التدبير التقني؛
• التسيير المالي والمحاسبي؛
• السياسة التجارية والتسعيرية؛
• الإطار المؤسساتي للشركة وعلاقتها بالوصاية.
على مستوى التدبير التقني:
1. نقص في الدراسات التقنية المتعلقة ببعض النقط الحساسة أثناء القيام بالدراسات، وهو ما ينجم عنه تأخر في الإنجاز وفق الآجال المقررة، والزيادة في تكاليف الإنجاز نتيجة القيام بأشغال الصيانة، وهذا ما حذا بالمجلس الأعلى إلى توصية الشركة بضرورة إيلاء أهمية خاصة للدراسات التقنية المتعلقة بالنقط الحساسة وخاصة الردوم ذات الإرتفاع الكبير والمنشآت الفنية الكبرى؛
2. قيام جهاز واحد متمثل في المختبر العمومي للتجارب والدراسات بمراقبة خارجية مزدوجة، وهو ما أثر على نجاعة مخطط تأمين الجودة الذي وضعته الشركة، لذلك أوصى المجلس الأعلى الشركة بالقيام بكل التدابير اللازمة لإيجاد حل لوضعية تضارب المصالح الناجمة عن غياب منافسة حقيقية في مجال المراقبة التقنية لأشغال بناء الطرق السيارة؛
3. اللجوء إلى مقاولات ضعيفة القدرة المالية في إنجاز الأشغال، مما يؤثر سلبا على جودة المشاريع المنجزة وكذا التأخير في إنجازها، لذلك يوصي المجلس الأعلى بإيلاء أهمية كبيرة لمعيار القدرة المالية للمقاولات مع الحفاظ على التنافسية والإبقاء على مجهود البحث عن التكلفة الاقتصادية؛
4. عدم وجود صيانة منتظمة للبنية التحتية للطرق السيارة، وهو ما من شأنه أن يعرض سلامة مستعملي الطرق للخطر، لذلك يتوجب إعطاء أهمية كبيرة لصيانة شبكة الطرق السيارة، عن طريق إعداد حدود دنيا للتدخل من أجل المحافظة على شروط السلامة والراحة؛
5. تدهور مؤشرات السلامة على الطرق السيارة، ويفسر ذلك بازدياد نسبة حوادث السير المسببة للوفيات لدى مستعملي الطرق السيارة، لذلك يجب القيام بالتحسين المستمر لشروط السلامة على الطرق السيارة، وذلك بتحديد أهداف قابلة للقياس وخاصة في مجال خفض نسبة الحوادث ومدة تدخل فرق الإسعاف؛
6. غياب مقاربة شمولية في الحفاظ على البيئة، وهو ما يؤثر سلبا على الأنظمة الايكولوجية المحيطة بمشاريع الطرق السيارة، لهذا يجب تحسين تدابير المحافظة على البيئة واحترام القوانين الجاري بها العمل في هذا الميدان؛
7. عدم استغلال وتوظيف تقنيات المعلومات الحديثة في تجهيز وتدبير الطرق السيارة، وهو ما ينتج عنه ضعف تأمين جودة عالية للمعلومات، لذلك يجب إيلاء أهمية كبيرة للمخاطر المتعلقة بالتقنيات الحديثة للمعلومات والاتصالات، وكذا استغلال الفرص المتاحة في مجال التقنيات الحديثة والتي من المنتظر أن تلعب دورا متزايدا في أنشطة الشركة.
على مستوى التدبير المالي والمحاسبي:
1. هشاشة وضعف الوضعية المالية للشركة، نتيجة نهج سياسة اللجوء المفرط إلى الاقتراض وما ينطوي عليه ذلك من مخاطر على ضمان التوازن المالي للشركة، لهذا يوصي المجلس الأعلى مختلف الأطراف المعنية تحمل مسؤولياتها كاملة من أجل معالجة الخطر المحتمل لتوقف الشركة عن أداء ما بذمتها من ديون والتزامات؛
2. تطبيق طرق محاسبية دون سند قانوني مقبول، وهو ما يؤثر سلبا على القوائم المالية للشركة، بحيث لا تفصح عن القيمة الحقيقية للأصول الموضوعة رهن إشارتها، لذلك يجب تبني حل مقبول لإشكالية احتساب واستخماد الأصول الموضوعة رهن إشارة الشركة وذلك حتى تتلاءم مع القوانين والمعايير المقبولة وتعكس اللوائح المالية للشركة وضعية ممتلكاتها بصورة صادقة وموثوق بها؛
3. تسجيل خروقات على مستوى تنفيذ الميزانية وتدبير السيولة النقدية وكذا تسجيل خسائر في الصرف، وهو ما ينتج عنه تحمل الشركة لمبالغ مالية إضافية كان بالإمكان تفاديها، لذلك يجب تحسين التدبير المالي للشركة، وذلك بإعطاء أهمية خاصة لمشاكل خسائر الصرف وتدبير التوقعات فيما يخص الميزانية.
على مستوى السياسة التجارية والتسعيرية :
1. عدم اعتماد نظام واضح في التسعير، وهو ما ينجم عنه ارتفاع أثمنة استعمال بعض المقاطع من الطرق السيارة، وخاصة تلك التي تعرف ازدحاما وإقبالا كبيرا كمقطع الدار البيضاء الرباط، لذلك يجب وضع نظام للتسعير أكثر إنصافا وذلك بالحرص على انسجام أكبر للتسعيرة الكيلومترية، وإلغاء النقائص التي تشوب استعمال البطائق الإدارية، إضافة إلى الأخذ بعين الإعتبار إحداث فئة خاصة بالعربات التي تتوفر على أكثر من ثلاث محاور؛
2. عدم توفر الشركة على سياسة وإستراتيجية واضحة في مجال التسويق، وهو ما ينتج عنه ارتفاع نسبة عدم الرضا لدى مستعملي الطرق السيارة، وضعف التواصل الخارجي، لذلك يجب إدخال مقاربة التسويق في ثقافة الشركة التي ظلت إلى عهد قريب ذات طابع تقني، وذلك من خلال تقوية التوجه نحو الزبون وتقليص عوامل عدم الرضا وإيلاء أهمية أكبر للتواصل.
على مستوى الإطار المؤسساتي للشركة وعلاقاتها بالوصاية:
1. تحديد غير دقيق للمحيط المفوض إلى الشركة من طرف السلطة المفوضة واعتماد برنامج-إطار متجاوز، وهذا ما أدى إلى عدم إعطاء الشركة ما يكفي من الرؤية البعيدة المدى، بالشكل الذي يسمح لها بإنجاز برمجة متوازنة تأخذ بعين الاعتبار الاكراهات التي يمكن أن تواجهها، لذلك يتوجب القيام بتحديد واضح للمحيط المبرمج بالنسبة للطرق السيارة على المستوى البعيد وذلك من أجل إعطاء الشركة رؤية أفضل في إطار برنامج محين للطرق السيارة، وكذا ضرورة تحديد التزامات واضحة بين المفوض والمفوض إليه وإدراجها في عقد برنامج جديد يقوم مقام البرنامج-الإطار 2004-2008؛
2. التأخير في المصادقة على اتفاقيات امتياز تدبير المرفق العمومي ودفاتر التحملات، وكذا التأخير في إخلاء الأراضي لبناء الطرق السيارة، وفي إخراج المشاريع القبلية من طرف المفوض، وهو ما من شأنه أن يعرض الشركة لمخاطر مالية قانونية، لذلك يجب معالجة النقائص التي تشوب بعض أفعال المفوض وخاصة التأخيرات الملاحظة على مستوى المصادقة على النصوص التنظيمية والوثائق القانونية الضرورية وإخراج الدراسات والمشاريع القبلية وإخلاء الأراضي المخصصة للطرق السيارة؛
3. اعتماد نظام غير واضح في مجال التتبع والمراقبة، وعدم تحديد طبيعة المراقبة المالية التي تمارسها وزارة المالية على الشركة، وهو ما يؤدي إلى ضعف الحكامة والتدقيق وتدبير المخاطر، لذلك يجب تحسين نظام الحكامة لدى الشركة وذلك عن طريق توضيح نظام المراقبة المالية المطبق عليها، وكذا تقوية استقلالية مجلس الإدارة ودوره في التتبع وخاصة في مجالات التدقيق وتدبير المخاطر وذلك في انسجام تام مع أفضل الممارسات في هذا الميدان.
انطلاقا من هذه الملاحظات التي تم تسجيلها من طرف المجلس الأعلى للحسابات أثناء ممارسته لرقابة التسيير على الشركة الوطنية للطرق السيارة، يمكن استنتاج أنها تنقسم إجمالا إلى نوعين:
• النوع الأول: يعتبر بمثابة مخالفات قانونية وتدبيرية؛
• النوع الثاني: يأخذ شكل توصيات، الهدف منها هو تحسين الأداء والتدبير بالشركة الوطنية للطرق السيارة.
وإذا كانت هذه الإختلالات المرتكبة من قبل مسيري الشركة الوطنية للطرق السيارة تعتبر في مجملها خرقا لقواعد قانونية، فإنها لا تشكل في واقع الأمر سوى نتائج وتداعيات لاختلالات في التدبير، سواء على صعيد البرمجة أو الهيكلة التنظيمية في توزيع الاختصاصات وإسناد المهام ووسائل وطرق تنفيذ وإنجاز الأهداف المرسومة من طرف هذه الشركة.
وقد تتبع المجلس الأعلى للحسابات مآل ومصير التوصيات التي تقدم بها بخصوص الملاحظات والإختلالات المسجلة على مستوى التدبير، حيث توصل إلى أن الشركة قامت بتنفيذ 12 توصية من أصل 15 أي ما يشكل 80%، في حين لازالت ثلاث توصيات في طور الإنجاز وهو ما يشكل نسبة 20%. وهو ما يؤكد بأن المجلس يلعب دورا مهما على مستوى عقلنة تدبير المقاولات العمومية.
ويبين الجدول التالي مآل التوصيات التي تقدم بها المجلس الأعلى للحسابات بخصوص الملاحظات التي سجلها على مستوى تدبير الشركة الوطنية للطرق السيارة بالمغرب:
عدد التوصيات التوصيات المنجزة في طور الإنجاز غير منجزة
العدد النسبة العدد النسبة العدد النسبة
15 توصية 12 80% 3 20% - -
المصدر: تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2009، ص 547.
ورغم الدور الفعال الذي يلعبه المجلس الأعلى للحسابات في تجويد تدبير المقاولات العمومية من خلال ممارسته لرقابة التسيير، إلا أن واقع ممارسة المجلس لهذا الاختصاص، منذ دخول مدونة المحاكم المالية حيز التطبيق، يتميز بالضعف والمحدودية، مقارنة بعدد المقاولات العمومية. ذلك أن العدد الإجمالي لهذه المقاولات التي خضعت لمراقبة التسيير منذ 2006 إلى حدود سنة 2009 لم يتجاوز 87 مقاولة. منها 15 مقاولة برسم سنة 2006، و25 سنة 2007 و26 سنة 2008 ثم 21 سنة 2009. كما هو مبين في الجدول التالي:
تطور عدد المقاولات العمومية الخاضعة لمراقبة التدبير من طرف المحاكم المالية ما بين 2006-2009
السنة 2006 2007 2008 2009
عدد المقاولات 15 25 26 21