MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




مفهوم "الأزمة" محاولة في التأصيل

     

محمد لكموش
دكتور في العلوم السياسية



 مفهوم "الأزمة"  محاولة في التأصيل
تعاني مختلف التنظيمات والمؤسسات والدول على مستوى التدبير، من أزمات نتيجة سوء التسيير أو الضغط الاجتماعي في حالة عدم القدرة للاستجابة لمطالب المجتمع؛
لقد أضحت متلازمة الأزمات في العصر الحالي تأخذ بعدا شموليا ما بين الأزمة التدبيرية والتسييرية، وما بين الأزمة السياسية والأمنية والاقتصادية والتنموية والاجتماعية والثقافية...؛ وما بين الأزمة الهيكلية والأزمات الظرفية؛

تجدر الإشارة بداية إلى أن مفهوم "أزمة crise " هي مفهوم طبي، انتقل إلى الاقتصاد ثم إلى الديموغرافيا، ثم استعمل في باقي الحقول الاجتماعية والإنسانية.[1]
يعرف معجم ويبستر Webster الأزمة بأنها "نقطة تحول إلى الأفضل أو الأسوأ، وهي لحظة حاسمة، أو وقت عصيب، أي وضع وصل إلى مرحلة حرجة".

كما توجد تعريفات متعددة للأزمة في الأدبيات العربية، فيذهب أحد تلك التعريفات إلى أنها "خلل يؤثر تأثيرا ماديا على النظام كله، ويهدد الافتراضات الرئيسية التي يقوم عليها النظام"، وفي تعريف آخر هي (حدث مفاجئ "غير متوقع" يؤدي إلى صعوبة التعامل معه، ومن ثم ضرورة البحث عن وسائل وطرق لإدارته بشكل يحد من آثاره السلبية).

أما بالنسبة للأزمة السياسية تعني في أوسع معانيها "موقفا مفاجئا يهدد بتحول جذري في الوضع القائم بسبب المفاجأة وضيق الوقت المتاح لاتخاذ القرار، والتهديد القائم للمصالح الحيوية". وبهذا المعنى تحدث الأزمة للفرد، كما تحدث للجماعة والدول[2].

لا بد من الإشارة إلى أنه بعد توالي صدمات كبرى على العالم منذ بداية هذا العقد من القرن الحادي والعشرين كثر وصف الأزمات في كتابات المتابعين والتقارير الدولية المتخصصة؛ فمنها ما أطلق على الأزمات وصف المتعددة والمتراكبة باستخدام مصطلح "بوليكرايسيس Polycrisis"، وهي كلمة مدمجة بجمع كلمتين «بولي» كصفة تعني التعدد، و«كرايسيس» بمعنى أزمة. وبعد الجائحة الصحية التي سببها فيروس كورونا، وما أعقب ذلك من تدهور أمني أحدثته الأزمة الأوكرانية بتداعيات اقتصادية وسياسية، انتشرت كلمة مدمجة أخرى اعتبرت الأكثر تعبيرا عن الأوضاع، وهي "بيرماكرايسيس Permacrisis" ومعناها «الأزمة المستمرة»، والتي صنفها قاموس كولينز الشهير بأنها الكلمة الأكثر تعبيرا عن الأوضاع في العام الماضي. وهذه الصفات للأزمات تلخص أحداثا وصدمات في عالم تعرض مؤخرا لخمس مربكات كبرى تشمل تداعيات جائحة كورونا، والحرب في أوكرانيا، والتضخم المرتفع في أسعار الطاقة والغذاء، والركود أو التراجع المستمر في النمو الاقتصادي، وتحديات الديون في البلدان النامية والأسواق الناشئة. وثمة أزمة سادسة، وهي الحروب التجارية جراء اتباع إجراءات حمائية متزايدة، وكأن اضطراب سلاسل الإمداد غير كاف لإلحاق الضرر بالتجارة الدولية. ويتزامن مع ذلك كله أزمة سابعة، تتمثل في تغيرات المناخ.[3]

أما على مستوى ترتيب المخاطر يمكننا الاسترشاد بأحد التقارير الذي تصدره سنويًا مؤسسة أكسا للتأمين بالمشاركة مع مجموعة يوراسيا، وهو تقرير «المخاطر المستقبلية» لعام 2022 والتي تعتمد على مسوح واستقصاءات لرأي الخبراء حول أرجاء العالم. وقد اعتمد في ترتيب المخاطر على استطلاع رأي 4500 من خبراء المخاطر من 58 دولة، بالإضافة إلى عينة من عشرين ألف شخص من 15 دولة. وقد جاء تصنيفها للمخاطر، بالتعاون مع معهد إيبسوس للأبحاث، على النحو الآتي:

1- تغيرات المناخ.
2 - الاضطرابات الجيوسياسية.
3 - مخاطر الأمن السيبراني.
4 - تحديات الطاقة.
5 - الأوبئة والأمراض المعدية.
6 - التوترات الاجتماعية.
7 - مخاطر على الموارد الطبيعية والتنوع البيئي.
8 - مخاطر مالية.
9 - مخاطر الاقتصاد الكلي.
10 - مخاطر السياسات النقدية والمالية.
ومن ناحية أخرى، أعد المنتدى الاقتصادي العالمي تحديثا لتقريره السنوي عن المخاطر العالمية وفقا لتصنيف حددتها فى خمس مجموعات: اقتصادية، وبيئية، وجيوسياسية، ومجتمعية، وتكنولوجية. وجاء الترتيب من حيث خطورة التأثير في الأجل القصير على النحو الآتي:
1 - أزمة تكاليف المعيشة.
2 - الكوارث الطبيعية والتقلب الحاد في الطقس.
3 - مصادمات جيواقتصادية.
4 - الفشل في تخفيف الانبعاثات الضارة بالمناخ.
5 - تدهور التماسك الاجتماعي مع زيادة حدة الاستقطاب المجتمعي.
6 - تزايد الحوادث البيئية واسعة المدى.
7 - فشل التكيف مع تغيرات المناخ.
8 - زيادة الجرائم السيبرانية.
9 - أزمات في الموارد الطبيعية.
10 - زيادة حالات الهجرة الجماعية الإجبارية.

إلا أن هذه المخاطر لا تشكل أزمات بالضرورة إلا إذا أهملت؛ فالمشكلات التي تسببها مثل هذه المخاطر يمكن التعامل معها مبكرا، ولكنها سرعان ما تتحول لأزمات عند التقاعس مع التصدي لها، وفي حالة الفشل في علاج الأزمة فهي تتفاقم حتى تصبح كارثة بمتطلبات أكثر تكلفة للقضاء عليها.[4]

فما هي محددات الأزمة ومفاعيلها داخل التنظيمات السياسية وما هي طرق تدبيرها وتجاوزها؟؛ وقبل كل ذلك متى يتم الحديث عن "الأزمة" كحدث أو خطر يهدد أي تنظيم؟؛ علما أن استعماله المكثف يكون من قبل السياسي والإعلامي وكذا في العلاقات الدبلوماسية ما بين الدول، وهو ما ينعكس على مدلوله العلمي الأكاديمي.

أولا: " الأزمة" في دساتير المملكة

بالعودة إلى دساتير المملكة منذ أول دستور لسنة 1962 إلى غاية دستور 1996، لا وجود لذكر "الأزمة"، إلا في دستور سنة 2011 الذي نص في الفقرة الأولى من الفصل 54 منه : " يُحدث مجلس أعلى للأمن، بصفته هيئة للتشاور بشأن استراتيجيات الأمن الداخلي والخارجي للبلاد، وتدبير حالات الأزمات، والسهر أيضا على مأسسة ضوابط الحكامة الأمنية الجيدة".
يفهم من عبارة "تدبير حالات الأزمات" أنها جاءت بصيغة عامة تهم كافة الأزمات المتعلقة سواء بالأمن الداخلي والخارجي للبلاد، في مختلف القطاعات سواء في المجال الأمني أو الصحي أو الاقتصادي أو الاجتماعي، فضلا عن الأزمات الدبلوماسية التي يعرفها المغرب في البيئة الإقليمية خاصة مع الجزائر حول قضية الوحدة الترابية الوطنية، والدولية مثال فرنسا.

ثانيا: "الأزمة" في الخطب الملكية

جاء في خطاب الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى ال 64 لثورة الملك والشعب بتاريخ 20/08/2017 وفي سياق حديثه عن أزمة الكركرات أنه قد مكن تدبيرها: " بطريقة استباقية، هادئة وحازمة، من إفشال محاولات تغيير الوضع بصحرائنا، ومن دفن وهم "الأراضي المحررة"، التي يروج لها أعداء المغرب.".

وفي الرسالة الموجهة إلى القمة الاستثنائية لمجموعة دول الساحل والصحراء بتاريخ 13/04/2019 اعتبر جلالته أن تجمع دول الساحل والصحراء سيمكن: " من تعزيز الدور المنوط بتجمعنا، باعتباره مخاطباً متميزاً لحل الأزمات التي يشهدها فضاؤنا، في إطار مقاربة تروم التكامل مع بقية التجمعات الاقتصادية الإقليمية، والاتحاد الإفريقي، والأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وغيرها من الأطراف المعنية."

 وفي سياق الأزمة الصحية التي عاشتها بلادنا على إثر جائحة كوفيد 19 وبمناسبة عيد العرش بتاريخ 29/07/2020 قال جلالة الملك: إننا ندرك حجم الآثار السلبية، التي خلفتها هذه الأزمة، ليس على المستوى الصحي فقط، وإنما أيضا على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي .

وهو المفهوم الذي ورد في البرنامج الحكومي 2021-2026 بمناسبة الحديث عن كوفيد-19، وكذا عند مواجهة أزمة الركود لعام 2020 والناجم عن التوقف الاضطراري المفاجئ للآلة الإنتاجية، وكذا عند التطرق للأزمة المالية العالمية.

وبمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثالثة من الولاية التشريعية الحادية عشرة بتاريخ 13/10/2023 أكد جلالته أن فاجعة الحوز : "مكنت بلادنا من تجاوز المحن والأزمات، والتي تجعلنا دائما أكثر قوة وعزما، على مواصلة مسارنا، بكل ثقة وتفاؤل".

إلا أنه يجب التأكيد أنه رغم وجود مجموعة من المشاكل والصعوبات التي تواجهها بعض القطاعات الاجتماعية سواء المتمثلة في ندرة الماء بسبب قلة التساقطات أو مشكل الصحة العمومية أو التعليم فإنها لم ترقى إلى مستوى وجود أزمة بها أهمها:
 
  • مشكل الجفاف
بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية الحادية عشرة بتاريخ 14/10/2022 قال الملك محمد السادس:" إن مشكلة الجفاف وندرة المياه، لا تقتصر على
المغرب فقط، وإنما أصبحت ظاهرة كونية، تزداد حدة، بسبب التغيرات المناخية.
كما أن الحالة الراهنة للموارد المائية، تسائلنا جميعا، حكومة ومؤسسات ومواطنين، وتقتضي منا التحلي بالصراحة والمسؤولية، في التعامل معها، ومعالجة نقط الضعف، التي تعاني منها.
فقد أصبح المغرب يعيش في وضعية إجهاد مائي هيكلي. ولا يمكن حل جميع المشاكل، بمجرد بناء التجهيزات المائية المبرمجة، رغم ضرورتها وأهميتها البالغة.
لذا، ندعو لأخذ إشكالية الماء، في كل أبعادها، بالجدية اللازمة، لاسيما عبر القطع مع كل أشكال التبذير، والاستغلال العشوائي وغير المسؤول، لهذه المادة الحيوية.
كما ينبغي ألا يكون مشكل الماء، موضوع مزايدات سياسية، أو مطية لتأجيج التوترات الاجتماعية.
وكلنا كمغاربة، مدعوون لمضاعفة الجهود، من أجل استعمال مسؤول وعقلاني للماء.
وهو ما يتطلب إحداث تغيير حقيقي في سلوكنا تجاه الماء. وعلى الإدارات والمصالح العمومية، أن تكون قدوة في هذا المجال."
 
  • مشكل التعليم
في الرسالة السامية للملك محمد السادس الموجهة إلى المشاركين في "اليوم الوطني حول التعليم الأولي" بتاريخ 18/07/2018 أكد الملك محمد السادس:" أن إصلاح قطاع التربية والتكوين، وفي مقدمته التعليم الأولي، يكتسي أهمية كبيرة بالنسبة للأجيال القادمة. لأن أطفال اليوم، هم رجال الغد."
كما اعتبر أن إصلاح التعليم: "هو قضية المجتمع بمختلف مكوناته، من قطاعات حكومية وجماعات ترابية ومجالس استشارية ومؤسسات وطنية وفاعلين جمعويين ومثقفين ومفكرين، دون إغفال الدور المركزي والحاسم للأسرة في التربية المبكرة للأطفال، ومتابعة مسارهم الدراسي وتقويمه."
 
  • مشكل حقوق الإنسان
في الذكرى 38 للمسيرة الخضراء لسنة 2013، تساؤل الملك محمد السادس: هل هناك أزمة ثقة بين المغرب وبعض مراكز القرار لدى شركائه الاستراتيجيين، بخصوص قضية حقوق الإنسان بأقاليمنا الجنوبية. بل إن مجرد وضع هذا السؤال يوضح أن هناك شيئا غير طبيعي في هذه المسألة.


ثالثا: في كيفية تدبير "الأزمة"

يذهب بعض المتخصصين أنه في ظل الظروف المعقدة حرى بمؤسسات صنع القرار القيام بأمرين متلازمين: أولهما، يكون بالاسترشاد ببيانات فعلية ومعلومات تفصيلية محدثة باستمرار. وثانيهما، هو تتبع الظواهر الاقتصادية والسياسية الكبرى وتوجهاتها العامة، ومدى تأثيرها على الأمور الجارية، والتحسب لها بسيناريوهات بديلة بقدر عال من المرونة للتغيرات المفاجئة، وعوامل الارتباط بينها، خاصة في حالة الأزمات المتداخلة والمتراكبة.  
كما يجب أيضا الاعتماد على مصادر متعددة للاستشراف للوقاية من المخاطر في عالم تكتنفه أزمة مستمرة تتنوع في مسبباتها بما يجعل الاقتصاد في حالة دائمة من إدارة الأزمات. فظروف اللايقين الراهنة أكثر صعوبة في التعامل معها من أحوال المخاطرة المحدودة أو العالية التي يمكن فيها التعرف على نسب احتمال وقوع الحدث بقدر عال من الدقة. فالتوقعات في هذا العالم شديد التغير، الذي يعاني من أزمة في الثقة وفوائض في الأزمات، ليست كسابقتها من توقعات تصيب وتخطئ. وبالتالي يجب التعامل مع التوقعات المتواترة بدرجة أكبر من الحذر.
ومن المستفاد في التعامل مع الأزمات المركبة والمتداخلة أنها تتطلب تعاونا مكثفا بين أطراف حكومية وغير حكومية تشمل القطاع الخاص والمجتمع المدني. كما أنها تستوجب تنسيقا للجهود على أربعة مستويات: المستوى العالمي والإقليمي، وعلى المستوى الوطني المركزي، وكذا على المستوى المحلي، باتخاذ كل السبل الممكنة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة وأولها القضاء على الفقر المدقع.[5]

في الأخير، يمكن القول أنه وفي ظل عالم اللايقين وبروز الأزمات المركبة، أضحت الحكومات في حاجة إلى صياغة سياسات عمومية تقوم على الوقاية من مخاطر الأزمات، باعتبارها السبيل الأنسب لتجنب مضاعفات تفاقمها للتمكن من السيطرة عليها.


الهوامش
[1] - عبد الوهاب بلغراس، ملتقى دولي:" الأزمات في تاريخ المغرب الكبير"، أنظر الرابط الالكتروني: https://doi.org/10.4000/insaniyat.3269
[2] - علاء عبد الحفيظ، الأزمات السياسية الدولية: المفهوم ـ الأنواع ـ الإدارة، أنظر المقال على الموقع الالكتروني: https://eipss-eg.org/wp-content/uploads/2020/04/.
 
[3] - د. محمود محيي الدين، مواجهة الازمات في عالم شديد التغير، الملف المصري، العدد 104، أبريل 2023، أنظر الموقع الالكتروني للمجلة: https://acpss.ahram.org.eg/Esdarat/MalafMasry/104/files/downloads/Mallf-104-April-2023-Final.pdf
[4] - د. محمود محيي الدين، مواجهة الازمات في عالم شديد التغير، نفس المرجع السابق.
[5] - د. محمود محيي الدين، مواجهة الازمات في عالم شديد التغير، نفس المرجع السابق.



الثلاثاء 20 فبراير 2024
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter