تقديم
تحظى إشكالات المستحقات المالية بحصة الأسد في المنازعات المرفوعة أمام القضاء بين المقاول وصاحب المشروع، باعتبار أن أساس العملية التعاقدية يدور حول الحصول على الأرباح المالية، لذلك تطرح بعض مساطر التنفيذ والمراقبة إشكالا يصعب حله من الناحية الواقعية بين الأطراف، وذلك راجع إما لإنجاز أشغال دون احترام مساطر الصفقات العمومية، أو إخلال صاحب المشروع بالتزاماته اتجاه المقاول بالامتناع عن الأداء، أو حول ممارسة بعض السلطات الرقابية التي تؤول إلى فرض جزاءات إدارية على المقاول، لهذا سيتم التطرق إلى ( الأشغال المنجزة خارج الضوابط القانونية؛ المحور الأول ) و ( مسؤولية الأطراف اتجاه الأداء المالي؛ المحورالثاني ).
المحور الأول : الأشغال خارج الضوابط القانونية
يمكن أن تلتقي إرادتي الطرفين في ظروف خاصة، تجعلهما يتفقان على إنجاز أشغال دون إبرام عقد ملحق، وتعتبر هذه العملية من أبرز الإشكالات التي تنشأ عند تنفيذ صفقات الأشغال[[1]]url:#_ftn1 ، ولذلك تطرح العديد من التساؤلات حول الحماية القانونية للمقاول الذي أنجز أشغال إضافية دون سلوك الإجراءات القانونية المنظمة للصفقة و مدى سلامة العلاقة التعاقدية بين الطرفين؟ وكيف عالج القضاء الإداري المغربي إشكالية الأشغال الخارجة عن الضوابط القانونية المنظمة للصفقات العمومية؟
اختلف القضاء الإداري المغربي حول إشكالية إنجاز الأشغال خارج الضوابط القانونية، حيث أخذ اتجاه للإقرار بضرورة سلوك مسطرة الإبرام، بالإضافة إلى نفي العلاقة التعاقدية الناتجة عن عدم سلك المسطرة القانونية، ويستشهد على ذلك بموقف الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى، والذي كان واضحا منذ 19 نونبر 1998، حيث ورد فيه أن " إبرام الصفقات العمومية يجب أن يتم وفق الشكليات التي يستوجبها القانون إما بسند طلبي أو عقد كتابي."[[2]]url:#_ftn2 ، وهو نفس ما أكده في قرار لاحق سنة 2004، بإقراره أن "... اعتماد الحكم على نظرية الإثراء بلا سبب بالرغم من عدم اعتمادها من الطالب تشترط لقيامها عدم خطأ المتضرر وفي نازلة الحال فإن الطالب بقبوله القيام بأشغال تفوق قيمتها 100.000 درهم _ وفي غياب إبرام صفقة عمومية ( حسبما يوجبه الفصل 51 من مرسوم 14/10/1976) يشكل مبدئيا خطأ من جانبه".
هذا التوجه، تبنته المحكمة الإدارية بفاس سنة 2005، حيث اعترفت بأنه "... وحيث أن تكليف مقاولة المدعي بالقيام بأشغال ... بصورة مباشرة، وحيث أن حياد الجهاز على عقد الصفقة رقم ... يعتبر تخليا من الطرفين عن المسطرة المتطلبة قانونا في إنجاز الصفقات العمومية، لا يمكن بحال أن يفضي إلى اعتبار المقاول المسؤول الوحيد عن الأضرار اللاحقة به من جراء عدم أداء مستحقاته التي بقيت مخلدة بذمة الجهة صاحبة المشروع مقابل الأشغال المنجزة من طرفه، وإنما تبقى هذه المسؤولية مشتركة بينه وبين صاحبة الأشغال، التي أمرت المدعية بإنجاز ما ذكر خارج نطاق الصفقة رقم 2/95 دون سلوك المساطر القانونية اللازمة في هذا المجال، تكون قد خالفت بدورها القانون الواجب التطبيق, خصوصا وأنها استفادت من ألأشغال المنجزة... "[[3]]url:#_ftn3 ، ويتضح من خلال هذا الحكم أن القاضي الإداري قام بتشطير المسؤولية بين المقاول وصاحب المشروع، وهو نفس الاجتهاد الذي سارت عليه المحكمة الإدارية بالرباط في الحكم الصادر بتاريخ 9 ماي 2012، الذي جاء فيه أن " إن ثبوت قيام المدعية بالأشغال بدون انتظار إبرام عقد الصفقة طبقا للفصول 1 و 9 و 10 من المرسوم رقم 2.98.482 الصادر في 11 رمضان 1419 الموافق 30 ديسمبر 1998 بتحديد شروط وأشكال إبرام صفقات الدولة، وكذا لبعض القواعد المتعلقة بتدبيرها ومراقبتها، لا يفضي إلى اعتبارها وحدها مسؤولة عن عدم إنجازها وفق مسطرة الصفقات العموميةّ، وإنما تبقى هذه المسؤولية مشتركة طبقا لقواعد العدل والإنصاف بينها وبين صاحبة المشروع التي قامت بتكليف المقاولة بإنجاز ما ذكر من أشغال دون سلوك المساطر القانونية في هذا المجال تكون بدورها قد خالفت القانون الواجب التطبيق، ومست بمبدأي الشفافية والمنافسة الحرة المكرسين دستوريا، ويتعين بدورها تحميلها وزرها، لإرغامها على احترام القانون، ذلك خصوصا أنها استفادت من الأشغال المنجزة."[[4]]url:#_ftn4 .
من خلال هذا الطرح، يتبين أن الإجراءات الشكلية للصفقات العمومية لا محيد عنها، إلا أن القضاء الإداري المغربي لم يسر وفق هذا النهج في جل اجتهاداته، فهناك من الأحكام التي اعترف فيها بحق المقاول في الحصول على المقابل المالي، والعلاقة التعاقدية بينه وبين صاحب المشروع، معتمدا في ذلك على أحكام القانون المدني، باستنباط نظرية الإثراء بلا سبب لحماية المصالح المالية للمتعاقد، ولذلك يبرز حكم المحكمة الإدارية بوجدة الذي جاء مرسخا لقاعدة أن "... المتعاقد بإنجاز أشغال إضافية يستحق عنها مبلغ القيام بها، رغم أن كيفية إبرام العقد الملحق قد تمت دون احترام المسطرة القانونية الواجبة التطبيق، وذلك استنادا للقواعد العامة... المدعية قامت بإنجاز أشغال إضافية، ولا تتحمل وزر خطأ المجلس بخصوص كيفية إبرام عقد الصفقة معها، كما لا يمكن الإثراء على حسابها..."[[5]]url:#_ftn5 .
و نفس القاعدة كرستها المحكمة الإدارية بالدار البيضاء في الحكم الصادر بتاريخ 7 دجنبر 2005، حيث تضمن أن "... وحيث لما كان الثابت أن المدعي نفذ أشغالا إضافية غير منصوص عليها في عقد الصفقة الأصلية، وأن هذه الأشغال كانت بناءا على طلب الإدارة بموجب رسالتها، وأن هذه الأشغال والأدوات التي طلبت إليه كانت من ضروريات ومستلزمات حسن التنفيذ للمشروع، وأن فائدة قد نتجت من ذلك للإدارة، فإن ذلك يعطيه حق المطالبة باستحقاق المقابل المالي عن ذلك..."[[6]]url:#_ftn6 .
في ذات السياق، عدلت الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى عن اجتهادها السابق، وتبنت طرح مضاد في قبولها الاعتراف بالعلاقة التعاقدية بين طرفي الصفقة، لذلك جاء القرار الصادر في 11 يوليوز 2007 متضمنا "... بالرجوع إلى وثائق الملف، وإلى فحوى الحكم المستأنف، والبحث المجرى في القضية من طرف القاضي المقرر، يتضح أن الأشغال المطالب بأدائها قد تم إنجازها فعلا_ وهو ما أكده الحكم المستأنف_ وأن شكليات ومواصفات إنجاز تلك الأشغال كما تتحدث عنها النصوص التشريعية والتنظيمية، لا يمكن مواجهة المقاول بها متى كان حسن النية، ومتى ثبت أن الإدارة أمرت بإنجاز تلك الأشغال في ظروف خاصة، ودون الالتزام بما تفرضه تلك النصوص، ومسؤوليتها في هذا الباب لا غبار عليها، مما يكون معه من اللازم على الإدارة التي أنجزت الأشغال لفائدتها ووقع تسليمها لها أن تؤدي مقابل تلك الأشغال ماليا، حتى لا تكون أمام حالة الإثراء بلا سبب على حساب الغير..."[[7]]url:#_ftn7 .
يشار إلى أن العمل القضائي الحديث، تبنى موقف وسط بين الأطروحات السابقة، حيث أكدت المحكمة الإدارية بالرباط من خلال الحكم المؤرخ في 23 ماي 2013 أن " تشطير المحكمة المسؤولية عن الخطأ في الصفقة لعدم احترام شروط إبرام صفقة الأشغال الإضافية يجعل المقاولة محقة فقط في استحقاق قيمة الأشغال على أساس تكلفتها لأن جهة الإدارة ملزمة فقط برد قيمة ما تسلمته من أشغال تحقيقا للتوازن بين المصلحة العامة التي تتوخاها الإدارة والمصلحة الخاصة للشركة المدعية مراعاة لدور القاضي الإداري في حماية المال العام"[[8]]url:#_ftn8 .
أيضا كرست هذا التوجه المحكمة الإدارية الرباط في حكمها الصادر بتاريخ 10 أكتوبر 2013 على أن "... لئن كانت الأشغال المنجزة خارج الصفقة لم تنضبط للقواعد القانونية المؤطرة للصفقات العمومية، فإن ما يترتب عنها من تحمل منجزها لنفقات و تحقق نفع ثابت لفائدة الجهة المنجزة لفائدتها شكل إثراء لهذه الأخيرة على حساب منجزة الأشغال بما أنفقته من مال... استحقاقها لمجموع مقابل الأشغال لما فيها نسبة الربح... لا استحقاقها لمقابل تكلفة الأشغال فقط..."[[9]]url:#_ftn9 .
المحور الثاني: الأداء المالي بين مسؤولية الإدارة ومسؤولية المقاول
تطرح مرحلة الأداء المالي عدة إشكالات قانونية وتطبيقية بين المقاول وصاحب المشروع، ما يجعل القضاء يتدخل للحسم في التفاصيل التي حالت دون حصول المتعاقد على حقه المالي، فقد يثار النزاع حول الفوائد القانونية الناجمة عن إخلال صاحب المشروع بالتزاماته، أو الجزاءات المالية المطبقة من لدن صاحب المشروع، كالحجز على الضمانات المالية، ويمكن أن يرجع السبب في عدم الأداء لإجراءات لا دخل للمقاول فيها، وهذا ما أبرزه العمل القضائي.
أولا : إشكالية الفوائد التأخيرية
منح المشرع المغربي للمقاول الحق في الحصول على فوائد التأخير عند إخلال صاحب المشروع بالتزاماته في أداء المقابل المالي[[10]]url:#_ftn10 ، وهو ما أكده قرار الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى الصادر بتاريخ 19 أكتوبر 2005 ، حيث أورد "... الحكم بالفوائد التأخيرية يجد سنده في جبر الضرر الناتج عن التأخير في الأداء اللاحق بالمدعية، بالنظر إلى طبيعتها كشركة وفي النازلة هي وسيلة لإجبار المستأنفة على التنفيذ..."[[11]]url:#_ftn11 .
كذلك قرار محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط، رسخت من خلال قرارها الصادر بتاريخ 16 يناير 2008 أن "... من شروط الاستجابة لطلب فوائد التأخير، أن يكون التأخير في الأداء منسوبا إلى الإدارة وحدها وأن تكون المبالغ المطالب بفوائد التأخير بشأنها، تتعلق بأشغال تم إنجازها بالفعل وتمت معاينة هذا الإنجاز..."[[12]]url:#_ftn12 .
يظهر أن المحاكم الإدارية لا تتردد في إقرار مسؤولية الإدارة عن تأخرها في تنفيذ التزاماتها، باعتبار أنه ليس من المنطقي الاستفادة من أشغال منجزة وفق ما هو منصوص عليه في العقد، تواجه بعدم أداء المقابل المالي للمقاول أو التأخر فيه، على أساس أن هذه الممارسة يمكن أن تؤثر سلبا على العلاقات التعاقدية بين الدولة والمقاولة.
ثانيا : إشكالية المساطر الإدارية في الأداء
يعرف المقابل المالي لصفقات الأشغال بعض الإشكالات القانونية تتعلق بالمساطر الإدارية الخاصة بالإنفاق، والتي تنعكس سلبا على الحقوق المالية للمقاول، و تلحق به أضرارا يلتمس جبرها عن طريق القضاء الإداري، في ذلك تقول المحكمة الإدارية بالرباط في الحكم الصادر بتاريخ 8 أكتوبر 2007 أن "... وحيث أنه بشأن الدفع المتعلق بعدم توفر الصفقة بداية على تأشير ومصادقة مراقب الالتزام بنفقات الدولة، فإن هذه العملية هي شأن إداري داخلي يهم العلاقة بين الجهة المدعى عليها كآمرة بالصرف وبين المراقب المالي المكلف بالالتزام بنفقات الدولة، وبالتالي فإن المدعيين ليسا ملزمين بالتحقق من توفر تأشيرة المراقب المالي قبل البدء في تنفيذ الأشغال، وأن المسؤولية هنا تقع على عاتق الإدارة المدعى عليها..."[[13]]url:#_ftn13 .
في نفس السياق، كان لمحكمة الاستئناف الإدارية بمراكش أن تسير وفق نفس الاتجاه بتضمينها في القرار الصادر بتاريخ 19 أبريل 2008 أن "... رفض التأشير على بطاقة الالتزام من طرف القابض لا يعفي رئيس المجلس البلدي بصفته آمرا بالصرف من ممارسة الصلاحيات المخولة له بموجب الفصلين 67 و 68 من المرسوم رقم 576_76_2 بشأن محاسبة الجماعات المحلية وهيآتها قصد تمكين صاحب الشأن من مستحقاته... "[[14]]url:#_ftn14 .
وكذلك، كانت الفرصة للمحكمة الإدارية بفاس أن تغني الاجتهاد الحاصل حول إشكالية المساطر الإدارية، من خلال الحكم الصادر بتاريخ 15 يونيو 2005، حيث أبرزت أنه : "... وحيث دفعت الجماعة المدعى عليها بكونها قد قامت بما يفرضه القانون عليها في مواجهة المدعية، من خلال تسليمها الحوالة المذكورة أعلاه، أن عدم صرفها يعود إلى القابض الذي لم يعمل على صرفها.
لكن حيث أنه، وفي غياب ما يفيد امتناع القابض عن صرف الحوالة، وأن الجماعة القروية المدعى عليها أو المدعية قد أحالوها عليه وامتنع من ذلك، أو ما دام أن الجماعة القروية لم تنكر كونها قد تسلمت الأشغال ... أو أنها لم يتم إنجازها طبقا للمواصفات، أو أنها لم تسلم المدعية هذه الحوالة ... التي تتوفر فيها الشروط القانونية المحاسبية المبررة لصرفها من خلال حملها لخاتم وتوقيع رئيس الجماعة، بل وتخصيص وإدراج مبلغ هذه المعاملة ضمن الميزانية الجماعية... ضمن ممارسة سنة... حسب تأشيرة الرئيس المضافة خلف الفاتورة عدد ... فإن ذلك يعني أن المدعية قد أنجزت ما اتفق عليه من أشغال بين الطرفين، مما يعطيها الحق في الحصول على المبالغ المساوية لقيمة هذه الأشغال..."[[15]]url:#_ftn15 .
ويتضح أن مرسوم آجال الأداء وفوائد التأخير جاء مستجيبا لهذه الاجتهادات القضائية، بمنحه للمحاسب العمومي بعض السلطات في صرف مستحقات المقاول، وكذلك تقليص الآجال،و يلاحظ أيضا أن العمل القضائي يعالج إشكالية المساطر الإدارية بتحميل الإدارة المسؤولية، وهو أمر منطقي لأن العقد الذي يربطه بالإدارة في منأى عن صعوبات التدبير الإداري لصاحب المشروع.
ثالثا: الضمانات
تستأثر إشكالية الحجز على الضمانات المالية باهتمام العمل القضائي، حيث تعد الأساس الذي يتنازع عليه الطرفين بين حق الحجز و حق الاسترجاع، إلا أن حق الحجز ليس مطلقا للإدارة، حيث لا يجوز أن يتعدى حدود المشروعية، مع حفظ ممارسته عند معاينة إخلال المقاول ببند من بنود الصفقة[[16]]url:#_ftn16 ، في ذلك تقول المحكمة الإدارية بالدار البيضاء في حكمها الصادر بتاريخ 3 يوليوز 2007 "... امتناع المتعاقد في التنفيذ يعطي للإدارة الحق في توقيع الجزاءات عن طريق الغرامة... "[[17]]url:#_ftn17 ، وجاء حكم المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 14 ماي 2013 مؤكدا لفرضية اقتران استرداد الضمان بتنفيذ الالتزامات التعاقدية، حيث أورد "... إن طلب استرجاع الكفالة النهائية مقيد بالتسليم النهائي للأشغال المتعاقد بخصوصها... "[[18]]url:#_ftn18 .
لكن، سلطة صاحب المشروع على الضمانات تحده بعض القيود لأنها تحجز على مبالغ مالية وضعها المقاول تحت تصرفها لضمان حسن التنفيذ، وليس أن تحجز خارج مايفرضه القانون، لذلك تستحضر مجموعة من الأحكام الحديثة الصادرة عن بعض المحاكم الإدارية، كحكم المحكمة الإدارية الرباط بتاريخ 13 أبريل 2013 الذي جاء متضمنا: "... وحيث أن طلب إرجاع مبلغ الضمانة البنكية وقدرها 132.200.00 درهم مؤسسا لقيام المدعية بتنفيذ وتسليم الأشغال موضوع عقد الصفقة حسب الثابت من تقرير الخبرة القضائية مما يحتم الحكم على المدعى عليها بإرجاعها مبلغه... "[[19]]url:#_ftn19 .
بعد ذلك، تم تكريس كل القواعد التي تحكم حق الحجز على الضمانات المالية، في أنه " ... وحيث إن طلب إرجاع مبلغ الاقتطاع الضامن المحدد في 85568.58 درهم مؤسس قانونا لثبوت قيام المدعية بتنفيذ وتسليم الأشغال موضوع عقد الصفقة حسب الثابت من محضر التسليم النهائي الذي يفيد تسلم الإدارة للمشروع موضوع الصفقة بتاريخ 5_5_2009 مما يحتم الحكم على المدعى عليها بإرجاعها مبلغه طبقا لأحكام المادة 16 من المرسوم..."[[20]]url:#_ftn20 .
من خلال ما سبق، يستنتج بأن المراحل النهائية للتنفيذ، تشكل حصة الأسد بين النزاعات التي تطرحها صفقات الأشغال، كونها المرحلة التي تفتح آجال أداء المستحقات المالية للمقاول، إلا أن تباين الأحكام والقرارات القضائية الصادرة في معالجة إشكالات التنفيذ، تصعب معرفة موقف القضاء الإداري المغربي، ومن بين أخطر المشاكل التي تهدد المصالح المالية للمقاول، مسألة التعاقد خارج الضوابط القانونية، لأن دولة الحق والقانون تفرض الاحترام الكامل للقانون، دون هضم الحقوق، وبالتالي انخراط الطرفين في علاقة تعاقدية خارج نظام الصفقات العمومية، يهدد بدرجة أولى اقتصاد المقاولة التي قبلت أن تنفذ الأشغال دون سلوك مساطر الإبرام، غير أن العمل القضائي المغربي استنبط نظرية الإثراء بلا سبب وتطبيقها على هذه الحالة من أجل حصول المقاول على مستحقاته، لكن في حالات أخرى نفى تلك العلاقة الرابطة بين المقاول والإدارة، الشيء الذي يعيق أداء المستحقات المالية للمقاول.
تجدر الإشارة إلى أن العمل القضائي في مجال الصفقات العمومية يأخذ منحى إيجابي في تعامله مع القضايا معروضة عليه، حيث يواصل البحث عن النظريات الملائمة لحل الإشكالات العالقة بين الإدارة والمقاول نظرا للأهمية البالغة لصفقات الأشغال العمومية في الدورة الاقتصادية، وما يمكن أن ينتج عنها من آثار وخيمة في حالة اضطراب العلاقات التعاقدية من تحميل المقاولات لخسائر مالية تؤثر على النسيج الاقتصادي الوطني.
تحظى إشكالات المستحقات المالية بحصة الأسد في المنازعات المرفوعة أمام القضاء بين المقاول وصاحب المشروع، باعتبار أن أساس العملية التعاقدية يدور حول الحصول على الأرباح المالية، لذلك تطرح بعض مساطر التنفيذ والمراقبة إشكالا يصعب حله من الناحية الواقعية بين الأطراف، وذلك راجع إما لإنجاز أشغال دون احترام مساطر الصفقات العمومية، أو إخلال صاحب المشروع بالتزاماته اتجاه المقاول بالامتناع عن الأداء، أو حول ممارسة بعض السلطات الرقابية التي تؤول إلى فرض جزاءات إدارية على المقاول، لهذا سيتم التطرق إلى ( الأشغال المنجزة خارج الضوابط القانونية؛ المحور الأول ) و ( مسؤولية الأطراف اتجاه الأداء المالي؛ المحورالثاني ).
المحور الأول : الأشغال خارج الضوابط القانونية
يمكن أن تلتقي إرادتي الطرفين في ظروف خاصة، تجعلهما يتفقان على إنجاز أشغال دون إبرام عقد ملحق، وتعتبر هذه العملية من أبرز الإشكالات التي تنشأ عند تنفيذ صفقات الأشغال[[1]]url:#_ftn1 ، ولذلك تطرح العديد من التساؤلات حول الحماية القانونية للمقاول الذي أنجز أشغال إضافية دون سلوك الإجراءات القانونية المنظمة للصفقة و مدى سلامة العلاقة التعاقدية بين الطرفين؟ وكيف عالج القضاء الإداري المغربي إشكالية الأشغال الخارجة عن الضوابط القانونية المنظمة للصفقات العمومية؟
اختلف القضاء الإداري المغربي حول إشكالية إنجاز الأشغال خارج الضوابط القانونية، حيث أخذ اتجاه للإقرار بضرورة سلوك مسطرة الإبرام، بالإضافة إلى نفي العلاقة التعاقدية الناتجة عن عدم سلك المسطرة القانونية، ويستشهد على ذلك بموقف الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى، والذي كان واضحا منذ 19 نونبر 1998، حيث ورد فيه أن " إبرام الصفقات العمومية يجب أن يتم وفق الشكليات التي يستوجبها القانون إما بسند طلبي أو عقد كتابي."[[2]]url:#_ftn2 ، وهو نفس ما أكده في قرار لاحق سنة 2004، بإقراره أن "... اعتماد الحكم على نظرية الإثراء بلا سبب بالرغم من عدم اعتمادها من الطالب تشترط لقيامها عدم خطأ المتضرر وفي نازلة الحال فإن الطالب بقبوله القيام بأشغال تفوق قيمتها 100.000 درهم _ وفي غياب إبرام صفقة عمومية ( حسبما يوجبه الفصل 51 من مرسوم 14/10/1976) يشكل مبدئيا خطأ من جانبه".
هذا التوجه، تبنته المحكمة الإدارية بفاس سنة 2005، حيث اعترفت بأنه "... وحيث أن تكليف مقاولة المدعي بالقيام بأشغال ... بصورة مباشرة، وحيث أن حياد الجهاز على عقد الصفقة رقم ... يعتبر تخليا من الطرفين عن المسطرة المتطلبة قانونا في إنجاز الصفقات العمومية، لا يمكن بحال أن يفضي إلى اعتبار المقاول المسؤول الوحيد عن الأضرار اللاحقة به من جراء عدم أداء مستحقاته التي بقيت مخلدة بذمة الجهة صاحبة المشروع مقابل الأشغال المنجزة من طرفه، وإنما تبقى هذه المسؤولية مشتركة بينه وبين صاحبة الأشغال، التي أمرت المدعية بإنجاز ما ذكر خارج نطاق الصفقة رقم 2/95 دون سلوك المساطر القانونية اللازمة في هذا المجال، تكون قد خالفت بدورها القانون الواجب التطبيق, خصوصا وأنها استفادت من ألأشغال المنجزة... "[[3]]url:#_ftn3 ، ويتضح من خلال هذا الحكم أن القاضي الإداري قام بتشطير المسؤولية بين المقاول وصاحب المشروع، وهو نفس الاجتهاد الذي سارت عليه المحكمة الإدارية بالرباط في الحكم الصادر بتاريخ 9 ماي 2012، الذي جاء فيه أن " إن ثبوت قيام المدعية بالأشغال بدون انتظار إبرام عقد الصفقة طبقا للفصول 1 و 9 و 10 من المرسوم رقم 2.98.482 الصادر في 11 رمضان 1419 الموافق 30 ديسمبر 1998 بتحديد شروط وأشكال إبرام صفقات الدولة، وكذا لبعض القواعد المتعلقة بتدبيرها ومراقبتها، لا يفضي إلى اعتبارها وحدها مسؤولة عن عدم إنجازها وفق مسطرة الصفقات العموميةّ، وإنما تبقى هذه المسؤولية مشتركة طبقا لقواعد العدل والإنصاف بينها وبين صاحبة المشروع التي قامت بتكليف المقاولة بإنجاز ما ذكر من أشغال دون سلوك المساطر القانونية في هذا المجال تكون بدورها قد خالفت القانون الواجب التطبيق، ومست بمبدأي الشفافية والمنافسة الحرة المكرسين دستوريا، ويتعين بدورها تحميلها وزرها، لإرغامها على احترام القانون، ذلك خصوصا أنها استفادت من الأشغال المنجزة."[[4]]url:#_ftn4 .
من خلال هذا الطرح، يتبين أن الإجراءات الشكلية للصفقات العمومية لا محيد عنها، إلا أن القضاء الإداري المغربي لم يسر وفق هذا النهج في جل اجتهاداته، فهناك من الأحكام التي اعترف فيها بحق المقاول في الحصول على المقابل المالي، والعلاقة التعاقدية بينه وبين صاحب المشروع، معتمدا في ذلك على أحكام القانون المدني، باستنباط نظرية الإثراء بلا سبب لحماية المصالح المالية للمتعاقد، ولذلك يبرز حكم المحكمة الإدارية بوجدة الذي جاء مرسخا لقاعدة أن "... المتعاقد بإنجاز أشغال إضافية يستحق عنها مبلغ القيام بها، رغم أن كيفية إبرام العقد الملحق قد تمت دون احترام المسطرة القانونية الواجبة التطبيق، وذلك استنادا للقواعد العامة... المدعية قامت بإنجاز أشغال إضافية، ولا تتحمل وزر خطأ المجلس بخصوص كيفية إبرام عقد الصفقة معها، كما لا يمكن الإثراء على حسابها..."[[5]]url:#_ftn5 .
و نفس القاعدة كرستها المحكمة الإدارية بالدار البيضاء في الحكم الصادر بتاريخ 7 دجنبر 2005، حيث تضمن أن "... وحيث لما كان الثابت أن المدعي نفذ أشغالا إضافية غير منصوص عليها في عقد الصفقة الأصلية، وأن هذه الأشغال كانت بناءا على طلب الإدارة بموجب رسالتها، وأن هذه الأشغال والأدوات التي طلبت إليه كانت من ضروريات ومستلزمات حسن التنفيذ للمشروع، وأن فائدة قد نتجت من ذلك للإدارة، فإن ذلك يعطيه حق المطالبة باستحقاق المقابل المالي عن ذلك..."[[6]]url:#_ftn6 .
في ذات السياق، عدلت الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى عن اجتهادها السابق، وتبنت طرح مضاد في قبولها الاعتراف بالعلاقة التعاقدية بين طرفي الصفقة، لذلك جاء القرار الصادر في 11 يوليوز 2007 متضمنا "... بالرجوع إلى وثائق الملف، وإلى فحوى الحكم المستأنف، والبحث المجرى في القضية من طرف القاضي المقرر، يتضح أن الأشغال المطالب بأدائها قد تم إنجازها فعلا_ وهو ما أكده الحكم المستأنف_ وأن شكليات ومواصفات إنجاز تلك الأشغال كما تتحدث عنها النصوص التشريعية والتنظيمية، لا يمكن مواجهة المقاول بها متى كان حسن النية، ومتى ثبت أن الإدارة أمرت بإنجاز تلك الأشغال في ظروف خاصة، ودون الالتزام بما تفرضه تلك النصوص، ومسؤوليتها في هذا الباب لا غبار عليها، مما يكون معه من اللازم على الإدارة التي أنجزت الأشغال لفائدتها ووقع تسليمها لها أن تؤدي مقابل تلك الأشغال ماليا، حتى لا تكون أمام حالة الإثراء بلا سبب على حساب الغير..."[[7]]url:#_ftn7 .
يشار إلى أن العمل القضائي الحديث، تبنى موقف وسط بين الأطروحات السابقة، حيث أكدت المحكمة الإدارية بالرباط من خلال الحكم المؤرخ في 23 ماي 2013 أن " تشطير المحكمة المسؤولية عن الخطأ في الصفقة لعدم احترام شروط إبرام صفقة الأشغال الإضافية يجعل المقاولة محقة فقط في استحقاق قيمة الأشغال على أساس تكلفتها لأن جهة الإدارة ملزمة فقط برد قيمة ما تسلمته من أشغال تحقيقا للتوازن بين المصلحة العامة التي تتوخاها الإدارة والمصلحة الخاصة للشركة المدعية مراعاة لدور القاضي الإداري في حماية المال العام"[[8]]url:#_ftn8 .
أيضا كرست هذا التوجه المحكمة الإدارية الرباط في حكمها الصادر بتاريخ 10 أكتوبر 2013 على أن "... لئن كانت الأشغال المنجزة خارج الصفقة لم تنضبط للقواعد القانونية المؤطرة للصفقات العمومية، فإن ما يترتب عنها من تحمل منجزها لنفقات و تحقق نفع ثابت لفائدة الجهة المنجزة لفائدتها شكل إثراء لهذه الأخيرة على حساب منجزة الأشغال بما أنفقته من مال... استحقاقها لمجموع مقابل الأشغال لما فيها نسبة الربح... لا استحقاقها لمقابل تكلفة الأشغال فقط..."[[9]]url:#_ftn9 .
المحور الثاني: الأداء المالي بين مسؤولية الإدارة ومسؤولية المقاول
تطرح مرحلة الأداء المالي عدة إشكالات قانونية وتطبيقية بين المقاول وصاحب المشروع، ما يجعل القضاء يتدخل للحسم في التفاصيل التي حالت دون حصول المتعاقد على حقه المالي، فقد يثار النزاع حول الفوائد القانونية الناجمة عن إخلال صاحب المشروع بالتزاماته، أو الجزاءات المالية المطبقة من لدن صاحب المشروع، كالحجز على الضمانات المالية، ويمكن أن يرجع السبب في عدم الأداء لإجراءات لا دخل للمقاول فيها، وهذا ما أبرزه العمل القضائي.
أولا : إشكالية الفوائد التأخيرية
منح المشرع المغربي للمقاول الحق في الحصول على فوائد التأخير عند إخلال صاحب المشروع بالتزاماته في أداء المقابل المالي[[10]]url:#_ftn10 ، وهو ما أكده قرار الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى الصادر بتاريخ 19 أكتوبر 2005 ، حيث أورد "... الحكم بالفوائد التأخيرية يجد سنده في جبر الضرر الناتج عن التأخير في الأداء اللاحق بالمدعية، بالنظر إلى طبيعتها كشركة وفي النازلة هي وسيلة لإجبار المستأنفة على التنفيذ..."[[11]]url:#_ftn11 .
كذلك قرار محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط، رسخت من خلال قرارها الصادر بتاريخ 16 يناير 2008 أن "... من شروط الاستجابة لطلب فوائد التأخير، أن يكون التأخير في الأداء منسوبا إلى الإدارة وحدها وأن تكون المبالغ المطالب بفوائد التأخير بشأنها، تتعلق بأشغال تم إنجازها بالفعل وتمت معاينة هذا الإنجاز..."[[12]]url:#_ftn12 .
يظهر أن المحاكم الإدارية لا تتردد في إقرار مسؤولية الإدارة عن تأخرها في تنفيذ التزاماتها، باعتبار أنه ليس من المنطقي الاستفادة من أشغال منجزة وفق ما هو منصوص عليه في العقد، تواجه بعدم أداء المقابل المالي للمقاول أو التأخر فيه، على أساس أن هذه الممارسة يمكن أن تؤثر سلبا على العلاقات التعاقدية بين الدولة والمقاولة.
ثانيا : إشكالية المساطر الإدارية في الأداء
يعرف المقابل المالي لصفقات الأشغال بعض الإشكالات القانونية تتعلق بالمساطر الإدارية الخاصة بالإنفاق، والتي تنعكس سلبا على الحقوق المالية للمقاول، و تلحق به أضرارا يلتمس جبرها عن طريق القضاء الإداري، في ذلك تقول المحكمة الإدارية بالرباط في الحكم الصادر بتاريخ 8 أكتوبر 2007 أن "... وحيث أنه بشأن الدفع المتعلق بعدم توفر الصفقة بداية على تأشير ومصادقة مراقب الالتزام بنفقات الدولة، فإن هذه العملية هي شأن إداري داخلي يهم العلاقة بين الجهة المدعى عليها كآمرة بالصرف وبين المراقب المالي المكلف بالالتزام بنفقات الدولة، وبالتالي فإن المدعيين ليسا ملزمين بالتحقق من توفر تأشيرة المراقب المالي قبل البدء في تنفيذ الأشغال، وأن المسؤولية هنا تقع على عاتق الإدارة المدعى عليها..."[[13]]url:#_ftn13 .
في نفس السياق، كان لمحكمة الاستئناف الإدارية بمراكش أن تسير وفق نفس الاتجاه بتضمينها في القرار الصادر بتاريخ 19 أبريل 2008 أن "... رفض التأشير على بطاقة الالتزام من طرف القابض لا يعفي رئيس المجلس البلدي بصفته آمرا بالصرف من ممارسة الصلاحيات المخولة له بموجب الفصلين 67 و 68 من المرسوم رقم 576_76_2 بشأن محاسبة الجماعات المحلية وهيآتها قصد تمكين صاحب الشأن من مستحقاته... "[[14]]url:#_ftn14 .
وكذلك، كانت الفرصة للمحكمة الإدارية بفاس أن تغني الاجتهاد الحاصل حول إشكالية المساطر الإدارية، من خلال الحكم الصادر بتاريخ 15 يونيو 2005، حيث أبرزت أنه : "... وحيث دفعت الجماعة المدعى عليها بكونها قد قامت بما يفرضه القانون عليها في مواجهة المدعية، من خلال تسليمها الحوالة المذكورة أعلاه، أن عدم صرفها يعود إلى القابض الذي لم يعمل على صرفها.
لكن حيث أنه، وفي غياب ما يفيد امتناع القابض عن صرف الحوالة، وأن الجماعة القروية المدعى عليها أو المدعية قد أحالوها عليه وامتنع من ذلك، أو ما دام أن الجماعة القروية لم تنكر كونها قد تسلمت الأشغال ... أو أنها لم يتم إنجازها طبقا للمواصفات، أو أنها لم تسلم المدعية هذه الحوالة ... التي تتوفر فيها الشروط القانونية المحاسبية المبررة لصرفها من خلال حملها لخاتم وتوقيع رئيس الجماعة، بل وتخصيص وإدراج مبلغ هذه المعاملة ضمن الميزانية الجماعية... ضمن ممارسة سنة... حسب تأشيرة الرئيس المضافة خلف الفاتورة عدد ... فإن ذلك يعني أن المدعية قد أنجزت ما اتفق عليه من أشغال بين الطرفين، مما يعطيها الحق في الحصول على المبالغ المساوية لقيمة هذه الأشغال..."[[15]]url:#_ftn15 .
ويتضح أن مرسوم آجال الأداء وفوائد التأخير جاء مستجيبا لهذه الاجتهادات القضائية، بمنحه للمحاسب العمومي بعض السلطات في صرف مستحقات المقاول، وكذلك تقليص الآجال،و يلاحظ أيضا أن العمل القضائي يعالج إشكالية المساطر الإدارية بتحميل الإدارة المسؤولية، وهو أمر منطقي لأن العقد الذي يربطه بالإدارة في منأى عن صعوبات التدبير الإداري لصاحب المشروع.
ثالثا: الضمانات
تستأثر إشكالية الحجز على الضمانات المالية باهتمام العمل القضائي، حيث تعد الأساس الذي يتنازع عليه الطرفين بين حق الحجز و حق الاسترجاع، إلا أن حق الحجز ليس مطلقا للإدارة، حيث لا يجوز أن يتعدى حدود المشروعية، مع حفظ ممارسته عند معاينة إخلال المقاول ببند من بنود الصفقة[[16]]url:#_ftn16 ، في ذلك تقول المحكمة الإدارية بالدار البيضاء في حكمها الصادر بتاريخ 3 يوليوز 2007 "... امتناع المتعاقد في التنفيذ يعطي للإدارة الحق في توقيع الجزاءات عن طريق الغرامة... "[[17]]url:#_ftn17 ، وجاء حكم المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 14 ماي 2013 مؤكدا لفرضية اقتران استرداد الضمان بتنفيذ الالتزامات التعاقدية، حيث أورد "... إن طلب استرجاع الكفالة النهائية مقيد بالتسليم النهائي للأشغال المتعاقد بخصوصها... "[[18]]url:#_ftn18 .
لكن، سلطة صاحب المشروع على الضمانات تحده بعض القيود لأنها تحجز على مبالغ مالية وضعها المقاول تحت تصرفها لضمان حسن التنفيذ، وليس أن تحجز خارج مايفرضه القانون، لذلك تستحضر مجموعة من الأحكام الحديثة الصادرة عن بعض المحاكم الإدارية، كحكم المحكمة الإدارية الرباط بتاريخ 13 أبريل 2013 الذي جاء متضمنا: "... وحيث أن طلب إرجاع مبلغ الضمانة البنكية وقدرها 132.200.00 درهم مؤسسا لقيام المدعية بتنفيذ وتسليم الأشغال موضوع عقد الصفقة حسب الثابت من تقرير الخبرة القضائية مما يحتم الحكم على المدعى عليها بإرجاعها مبلغه... "[[19]]url:#_ftn19 .
بعد ذلك، تم تكريس كل القواعد التي تحكم حق الحجز على الضمانات المالية، في أنه " ... وحيث إن طلب إرجاع مبلغ الاقتطاع الضامن المحدد في 85568.58 درهم مؤسس قانونا لثبوت قيام المدعية بتنفيذ وتسليم الأشغال موضوع عقد الصفقة حسب الثابت من محضر التسليم النهائي الذي يفيد تسلم الإدارة للمشروع موضوع الصفقة بتاريخ 5_5_2009 مما يحتم الحكم على المدعى عليها بإرجاعها مبلغه طبقا لأحكام المادة 16 من المرسوم..."[[20]]url:#_ftn20 .
من خلال ما سبق، يستنتج بأن المراحل النهائية للتنفيذ، تشكل حصة الأسد بين النزاعات التي تطرحها صفقات الأشغال، كونها المرحلة التي تفتح آجال أداء المستحقات المالية للمقاول، إلا أن تباين الأحكام والقرارات القضائية الصادرة في معالجة إشكالات التنفيذ، تصعب معرفة موقف القضاء الإداري المغربي، ومن بين أخطر المشاكل التي تهدد المصالح المالية للمقاول، مسألة التعاقد خارج الضوابط القانونية، لأن دولة الحق والقانون تفرض الاحترام الكامل للقانون، دون هضم الحقوق، وبالتالي انخراط الطرفين في علاقة تعاقدية خارج نظام الصفقات العمومية، يهدد بدرجة أولى اقتصاد المقاولة التي قبلت أن تنفذ الأشغال دون سلوك مساطر الإبرام، غير أن العمل القضائي المغربي استنبط نظرية الإثراء بلا سبب وتطبيقها على هذه الحالة من أجل حصول المقاول على مستحقاته، لكن في حالات أخرى نفى تلك العلاقة الرابطة بين المقاول والإدارة، الشيء الذي يعيق أداء المستحقات المالية للمقاول.
تجدر الإشارة إلى أن العمل القضائي في مجال الصفقات العمومية يأخذ منحى إيجابي في تعامله مع القضايا معروضة عليه، حيث يواصل البحث عن النظريات الملائمة لحل الإشكالات العالقة بين الإدارة والمقاول نظرا للأهمية البالغة لصفقات الأشغال العمومية في الدورة الاقتصادية، وما يمكن أن ينتج عنها من آثار وخيمة في حالة اضطراب العلاقات التعاقدية من تحميل المقاولات لخسائر مالية تؤثر على النسيج الاقتصادي الوطني.
[[1]]url:#_ftnref1 ) محمد آيت حسو، الإشكاليات القانونية التي تطرحها الصفقات المبرمة خارج الضوابط القانونية على ضوء الاجتهاد القضائي، أشغال ندوة علمية منظمة بشراكة بين وزارة العدل والحريات وجمعيات هيآت المحامين بالمغرب، يومي 6 و 7 يناير 2017 بالرباط، العدد الخامس_ إصدار خاص_ يناير 2017، حول موضوع " القاضي الإداري بين حماية الحقوق والحريات وتحقيق المصلحة العامة"، ص 132
[[2]]url:#_ftnref2 ) قرار الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى، عدد 1048،ملف إداري عدد 1277/96، الصادر في 19 نونبر 1998
[[3]]url:#_ftnref3 ) حكم المحكمة الإدارية بفاس، رقم 148، ملف عدد 26 ت/ 2002، الصادر بتاريخ 2 مارس 2005، منشور بمجلة المعيار، العدد 34،ص 251
[[4]]url:#_ftnref4 ) حكم المحكمة الإدارية بالرباط, حكم رقم 1700، ملف رقم 806/13/2009، الصادر بتاريخ 9 ماي 2012
[[5]]url:#_ftnref5 ) حكم المحكمة الإدارية بوجدة, الصادر بتاريخ 7/12/2004, رقم 315, أورده يوسف الصواب, " عدم التقيد بشكليات العقود الإدارية أية حماية للمتعاقد؟"، مساهمة في أعمال الندوة الجهوية الثالثة، بمناسبة الذكرى الخمسينية لتأسيس المجلس الأعلى، المنظمة بمراكش في 21_22 مارس 2007 حول موضوع : " قضايا العقود الإدارية، ونزع الملكية للمنفعة العامة، وتنفيذ الأحكام من خلال توجهات المجلس الأعلى"، مقال منشور بمجلة المجلس الأعلى، عدد 3، مطبعة الأمنية، الرباط,2007، ص 70
[[6]]url:#_ftnref6 ) حكم المحكمة الإدارية بالدار البيضاء، الصادر بتاريخ 7/12/2005، رقم 2057،ملف رقم 1367/2005
[[7]]url:#_ftnref7 ) قرار الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى عدد 609،ملف إداري عدد 2195/4/1/2006، المؤرخ في 11 يوليوز 2007
[[8]]url:#_ftnref8 ) حكم المحكمة الإدارية بالرباط, ملف رقم 49/13/2013، الصادر بتاريخ 23 ماي 2013
[[9]]url:#_ftnref9 ) حكم المحكمة الإدارية بالرباط، ملف عدد114/13/2012، بتاريخ 10 أكتوبر 2013
[[10]]url:#_ftnref10 ) مراد أيت ساقل، النظلم القانوني لفوائد التأخير، المجلة المغربية للقانون الاقتصادي، عدد 3، 2010، ص 82
[[11]]url:#_ftnref11 ) قرار الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى، عدد 760،ملف إداري عدد 1967/4/1/2005، المؤرخ في 19 أكتوبر 2005
[[12]]url:#_ftnref12 ) قرار محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط، عدد 62، ملف عدد 15/60/6، الصادر بتاريخ 16 يناير 2008
[[13]]url:#_ftnref13 ) حكم المحكمة الإدارية بالرباط، رقم 1938، الصادر بتاريخ 8 أكتوبر 2007
[[14]]url:#_ftnref14 ) قرار محكمة الاستئناف الإدارية بمراكش، عدد 146، ملف عدد 293/7/07/1، الصادر بتاريخ 9 أبريل 2008:
[[15]]url:#_ftnref15 ) حكم المحكمة الإدارية بفاس، رقم 379، ملف رقم 87ت/2004، صادر بتاريخ 15 يونيو 2005
[[16]]url:#_ftnref16 ) أنوار شقروني، الحماية القضائية للمتعاقدين مع الإدارة في مجال الصفقات العمومية، مجلة المعيار، عدد 40، دجنبر 2008، ص 100
[[17]]url:#_ftnref17 ) حكم المحكمة الإدارية بالدار البيضاء، عدد 334/2004، الصادربتاريخ 3يوليوز 2007، منشور بمجلة المحاكم الإدارية،العدد 4، يونيو 2011
[[18]]url:#_ftnref18 ) حكم المحكمة الإدارية بالرباط، حكم عدد 1738، ملف رقم 29/13/2011، الصادر بتاريخ 14 ماي 2013
[[19]]url:#_ftnref19 ) حكم المحكمة الإدارية بالرباط، ملف رقم 141/31/2012، الصادر بتاريخ 13 أبريل 2013
[[20]]url:#_ftnref20 ) حكم المحكمة الإدارية بالرباط، حكم رقم 896، ملف عدد 1/7114/2016، الصادر بتاريخ 28 يونيو 2016