قضت محكمة الإستئناف الإدارية بالرباط في قرارها عدد 3492 الصادر بتاريخ 21 يوليوز 2014 في الملف الإداري رقم 203/7205/14 علنيا حضوريا وانتهائيا في الشكل بقبول الاستئناف وفي الموضوع بتأييد الحكم المستأنف الصادر عن المحكمة الإدارية بالدار البيضاء الحكم عدد 2868 الصادر بتاريخ 26 دجنبر 2013 في الملف رقم 306/7110/2012 القاضي في الشكل بقبول الطلب وفي الموضوع بإلغاء القرار الإداري المطعون فيه الصادر عن وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر مع ما يترتب عن ذلك من آثار قانونية.
وجاء في حيثيات الحكم عدد 2868 أعلاه '' ... أن قيام وزير التعليم العالي بإلغاء نتائج المباراة التي نظمت في إطار القانون رقم 00-01 المتعلق بتنظيم التعليم العالي رغم أن أحكامه لازالت سارية المفعول، يجعل قراره الصادر بهذا الخصوص مناقض للمقتضيات الواردة في المادة السادسة من القانون التنظيمي المشار إليها أعلاه الأمر الذي يكون معه مشوبا بعيب مخالفة القانون. وحيث استنادا على ما سبق وبصرف النظر عن باقي الوسائل المثارة يكون القرار المطعون فيه مشوبا بتجاوز السلطة الأمر الذي يستوجب الحكم بإلغائه مع ترتيب كافة الآثار القانونية عن ذلك".
وجاء في قاعدة القرار الإستئنافي عدد 3492 الذي أيد الحكم المذكور أن إقدام وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر على إلغاء نتائج مباراة نظمت في إطار القانون رقم 01.00 بشأن تنظيم مباراة التعليم العالي رغم أن أحكامه لا تزال سارية المفعول قرارا مناقضا لمقتضيات المادة السادسة من القانون التنظيمي رقم 02/12 المتعلق بالتعيين في المناصب العليا وموسوما بعيب مخالفة القانون والحكم المستأنف بقضائه بإلغائه كان حكما صائبا وواجبا التأييد.
ويثير قرار محكمة الإستئناف الإدارية بالرباط أعلاه إشكالية مركزية تتعلق بمدى قابلية تلك الأحكام القضائية لتنفيذها وحدود ذلك التنفيذ على الأوضاع القائمة ومدى تأثيره على الحقوق المكتسبة المتولدة لدى الغير، كلها إشكالات لا محالة تتفرع عنها إشكالات أخرى من قبيل إثارة الصعوبة القانونية والواقعية لتنفيذها ومدى جواز طلب التعويض عن عدم تنفيذها نتيجة امتناع الإدارة عن ذلك ؟
وللتعليق على هذا القرار، لا بد من استعراض وقائعه وحيثياته ومنطوقه.
أولا : مضمون القرار الإستئنافي عدد 3492 موضوع التعليق :
بــاسم جلالــة الملــك وطـبقـا للقـــانــون
****
بتاريــخ 21 يوليوز 2014.
أصدرت محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط في جلستها العلنية القرار الذي نصه.
بين : السيد وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر؛
الكائن بهذه الصفة بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر بزنقة إدريس الأكبر حسان الرباط النائب عنه الأستاذ عبد الكبير طبيح المحامي بهيئة الدار البيضاء.
المستأنف من جهة
وبـين : - السيد محمد الزرهوني؛ والسيد محمد شاذي؛
الجاعلين محل المخابرة معهما بمكتب الأستاذين محمد كرامي وفتيحة السوسي المحاميين بهيئة الدار البيضاء.
- الدولة المغربية في شخص السيد رئيس الحكومة بالرباط.
- الوكيل القضائي للمملكة بوزارة الاقتصاد والمالية بالرباط.
المستأنف عليه من جهة أخرى
الوقائع:
بناء على المقال الاستئنافي المرفوع بتاريخ 14/02/2014 من طرف السيد وزير التربية الوطنية والتعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر الذي يعرض فيه بواسطة محاميه الأستاذ عبد الكبير طبيح أنه يستأنف الحكم عدد 2868 الصادر بتاريخ 26/12/2013 في الملف رقم 306/7110/2012 عن المحكمة الإدارية بالدار البيضاء القاضي :
في الشكل : بقبول الطلب.
وفي الموضوع : بإلغاء القرار الإداري المطعون فيه مع ما يترتب عن ذلك من آثار قانونية.
وبناء على جواب المستأنف عليهما بواسطة محامييهما ملتمسين رد وسائل الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف.
وبناء على تعقيب نائب المستأنف مؤكدا وسائل استئنافه ورد الدفوع المثارة والتصريح بعدم اختصاص المحكمة للبت في الطعن وبعدم قبوله لخرقه مقتضيات الفصل 24 و32 من قانون المسطرة المدنية.
وبناء على الأوراق الأخرى والمذكرات المدلى بها في الملف.
وبناء على المادتين الخامسة والخامسة عشر من القانون رقم 03.80 المحدثة بموجبه محاكم استئناف إدارية.
وبناء على قانون المسطرة المدنية.
وبناء على الإعلام بتعيين القضية في الجلسة العلنية المنعقدة بتاريخ 07/04/2014.
وبناء على المناداة على الأطراف ومن ينوب عنهم لجلسة 07/07/2014.
وبعد الاستماع إلى الآراء الشفهية للمفوض الملكي للدفاع عن القانون والحق السيد إسماعيل زكير الذي أكد فيها ما جاء في مستنتجاته الكتابية تقرر حجز القضية للمداولة لجلسة 21 يوليوز 2014 قصد النطق بالقرار الآتي.
وبعد المداولة طبقا للقانون
في الشكل :
حيث لما كان الثابت أنه ليس بالملف ما يفيد تبليغ المستأنف بالحكم المستأنف فإن طعنه فيه بالاستئناف بتاريخ 14/02/2014 يكون واقعا خلال الأجل القانوني وأنه وباستيفائه للشروط والشكليات المتطلبة قانونا فهو مقبول شكلا.
في الموضوع :
حيث يستفاد من أوراق الملف ومحتوى الحكم المستأنف أنه بتاريخ 18/10/2012 تقدم السيد محمد الزرهوني والسيد محمد شادي بمقال أمام المحكمة الإدارية بالدار البيضاء عرضا فيه بواسطة محامييهما أنهما أستاذين للتعليم العالي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بجامعة الحسن الثاني بالمحمدية وبتاريخ 25/07/2011 أعلنت رئاسة الجامعة عن فتح باب الترشيح لشغل منصب عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالمحمدية فتقدما بترشيحهما من أجل التنافس على المنصب المذكور وشاركا في المباراة المجراة بتاريخ 16/11/2011 وبعد مداولات اللجنة المكلفة بالانتقاء تم ترتيب المرشحين الثلاثة الأوائل على الشكل التالي 1/ محمد الزرهوني 2/ إدريس عبادي 3/ محمد شادي، وبتاريخ 22/08/2012 أصدر وزير التعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي قرارا تحت عدد 1205/01 يقضي بإلغاء المباراة المذكورة والإعلان عن فتح باب الترشيح من جديد لنفس المنصب وأنهما وجها تظلما بشأن ذلك إلى وزير التعليم العالي وإلى رئيس الجامعة للتراجع عن هذا القرار لكونه مشوب بالشطط في استعمال السلطة لمساسه بحقوقهما وضرب مبدأ المساواة أمام القانون وخرق مبدأ الاستمرارية فضلا على عدم استناده إلى مبرر معقول ودون أي تعليل خرقا لقاعدة إلزامية تعليل القرارات الإدارية والتمسا الحكم بإلغائه مع ما يترتب من أثار قانونية. وأجاب وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر عارضا أنه بتاريخ 12/07/2011 تم الإعلان عن فتح باب الترشيحات لشغل منصب عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالمحمدية وحدد تاريخ 29/07/2011 لسحب ملفات الترشيح وتاريخ 09/09/2011 كأخر أجل لإيداع ملفات الترشيح وبتاريخ 21/10/2011 تم تعيين لجنة المباراة وبتاريخ 16/11/2011 تم اجتياز المباراة وبتاريخ 22/08/2012 تم إلغاء جميع المباريات المتعلقة برئاسة مؤسسة جامعية بالمغرب وأنه ستسري على النازلة مقتضيات الفصل 92 من الدستور التي تسند تعيين عمداء الجامعات إلى رئيس الحكومة إضافة إلى مقتضيات القانون التنظيمي رقم 02.212.412 الصادر بتاريخ 11/10/2012 وأضاف بأن الإعلان عن المباراة تم في إطار القانون القديم أي قبل صدور الظهير بتنفيذ الدستور الجديد بالجريدة الرسمية بتاريخ 30/07/2011 الذي كان يعطي لجلالة الملك سلطة التعيين في منصب عميد كما هو منصوص عليه في المادة الثانية من الظهير الشريف رقم 1.99.205 الصادر بتاريخ 29/09/1999 وأن سلطة التعيين بالنسبة للعمداء صار يتداول بشأنها في مجلس حكومي يرأسه رئيس الحكومة وبناء على ذلك صدر القرار القاضي بإلغاء جميع عمليات الترشيح لشغل منصب عميد أو مدير مؤسسة جامعية وأن الوزارة وجهت مذكرة إلى رؤساء الجامعات بإعادة فتح باب الترشيحات بالمؤسسات المذكورة مما يكون معه قرار إلغاء عملية الترشيح قرارا مشروعا لا تجاوز للسلطة فيه والتمس الحكم برفض الطعن. وبعد تعقيب الطاعنين وتمام الإجراءات صدر الحكم وفق ما أشير إليه أعلاه وهو الحكم المستأنف من طرف وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر بواسطة محاميه ملتمسا التصريح بعدم اختصاص المحكمة للبت في الطعن وبعدم قبوله لخرقه مقتضيات الفصلين 24 و32 من قانون المسطرة المدنية.
في أسباب الاستئناف
حيث يعيب المستأنف الحكم المستأنف بمجانبته للصواب وقضى به بعدم القبول لعدم إشارة المستأنف عليهما إلى عنوانهما الشخصي في مقال الطعن ولرفعهما طعنا واحدا رغم عدم توفرهما على سند مشترك ولكون القرار المطعون فيه ذي صبغة وطنية ويهم باب الترشيح لسبعة وعشرين مؤسسة جامعية وعمادات أساسا وإحتياطيا لأن الدستور الجديد نقل اختصاصات وتعيين العمداء من المجال الخاص بالملك إلى المجال الخاص برئيس الحكومة الذي يتداول بشأنه في مجلس للحكومة طبقا للفصل 92 من دستور 2011 ولا حق لهما في التمسك بالحقوق المكتسبة لأن من بينهما شخص ثالث هو السيد إدريس عبادي وأن السلطة الحكومية تنتقي ثلاثة أسماء وتقترحها على جلالة الملك الذي يعين منهم عميد الكلية فضلا على أنه لا ضرر لحقهما من القرار المطعون فيه وأن الحكم المستأنف عطل الفصل المذكور طبقا لأحكام دستور 2011.
في الوسائل المتعلقة بعدم قبول الطعن.
وحيث من جهة أولى فإنه ولئن كان الثابت قانونا أنه وبموجب المادة 32 من قانون المسطرة المدنية المحال عليه بمقتضى المادة السابعة من القانون رقم 41.90 المحدث للمحاكم الإدارية والمادة الخامسة عشرة من القانون رقم 80.03 بشأن محاكم الاستئناف الإدارية أن مقال الطعن يجب أن يتضمن الأسماء العائلية والشخصية للطاعنين وصفتهم ومهنتهم وموطنهم أو محل إقامتهم فإن الثابت أنه لا بطلان من غير ضرر وأن في تحديد الطاعنين لمحل المخابرة معهما لدى وكلائهما بعناوينهما المحدد في دعوى الطعن احترام للمقتضى المذكور.
وحيث من جهة ثانية فإنه ولما كان الثابت أن المصلحة هي مناط كل دعوى أو طعن وأنه يستشف من وثائق الملف أن الطاعنين تقدما بترشيحهما من أجل التنافس على منصب عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالمحمدية وشاركا في المباراة المجراة بتاريخ 16/11/2011 وبعد مداولات اللجنة المكلفة بالانتقاء تم ترتيب المرشحين الثلاثة الأوائل على الشكل التالي 1/ محمد الزرهوني 2/ ادريس عبادي 3/ محمد شادي وبتاريخ 22/08/2012 أصدر وزير التعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي قرارا تحت عدد 1205/01 يقضي بإلغاء المباراة المذكورة والإعلان عن فتح باب الترشيح من جديد لنفس المنصب فإن هذا القرار يقوم سندا مشتركا لهما في تقديم طعن واحد.
وحيث من جهة أخيرة فإن الثابت أن القرار المطعون فيه يخص ترشيح الطاعنين للمنصب المذكور فإنه لا أساس لما تمسك به المستأنف من أنه قرار ذي صبغة وطنية ما دام أن مؤدى طعنهما من حيث أثاره القانونية لا يتعلق بباقي المؤسسات الجامعية ولكنه محصور في القرار الإداري المتعلق بمنصب عمادة كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالمحمدية.
وحيث تبعا لذلك يتعين رد الوسائل المثارة بشأن ذلك.
في باقي الوسائل.
وحيث لئن كان الثابت أن دستور سنة 2011 نقل اختصاص تعيين عمداء الكليات من المجال الخاص بجلالة الملك إلى المجال الخاص برئيس الحكومة الذي يتداول بشأنه في مجلس حكومي طبقا للفصل 92 منه وأن تعيين العمداء في دستور سنة 1996 كان يتم بظهير شريف من جلالة الملك بعدما يقدم له وزير التعليم العالي ثلاثة أسماء يتم اختيارهم وفقا للمادة العشرين من القانون رقم 01.00 المتعلق بتنظيم التعليم العالي فإن الثابت أن الأمر في النازلة يتعلق بمباراة أجريت بتاريخ 16 نونبر 2011 أسفرت مداولاتها عن ترتيب المرشحين الثلاثة الأوائل كما يلي محمد الزرهوني/ إدريس عبادي/ محمد شادي ثم بمباراة ثانية بتاريخ 15 دجنبر 2012 تحت إشراف لجنة انتقاء جديدة مكونة من السادة محمد مرزاق رئيسا وعضوية كل من السادة محمد عبد النبوي/ ومحمد أبو الجواد/ وعبد الحميد بلفاروق/ ومحمد الأزهر وأسفرت مداولاتها عن ترتيب المرشحين على أساس المعايير العلمية المحددة.
وتمت المصادقة على ذلك خلال انعقاد مجلس جامعة الحسن الثاني المحمدية وليس بقرار تعيين مما يجعل المصلحة في الطعن قائمة والضرر متحقق.
وحيث أنه وبالرجوع إلى مقتضيات المادة السادسة من القانون رقم 02/12 المتعلق بالتعيين في المناصب العليا يتبين أنها تنص على أنه تظل الأحكام الجاري بها العمل في تاريخ دخوله حيز التنفيذ وأنه أمام عدم إلغاء مقتضيات المادة العشرين من القانون رقم 01.00 المتعلق بتنظيم التعليم العالي وعدم ثبوت تعارضها مع المبادئ والمعايير الواردة في القانون التنظيمي المتعلق بالتعيين في المناصب العليا فإن عملية الترشيح وإيداع الملفات والانتقاء والمصادقة على قرار اللجنة المختصة تكون قد تمت استنادا إلى نص قانوني لا يزال ساري المفعول وغير مخالف للنصوص التي تعلوه مما يتعين معه رد ما أثير بشأنه من وسائل.
وحيث تبعا لذلك يكون إقدام وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر على إلغاء نتائج مباراة نظمت في إطار القانون رقم 01.00 بشأن تنظيم التعليم العالي رغم أن أحكامه لا تزال سارية المفعول قرارا مناقضا لمقتضيات المادة السادسة من القانون التنظيمي رقم 02/12 المتعلق بالتعيين في المناصب العليا وموسوما بعيب مخالفة القانون والحكم المستأنف بقضائه بإلغائه كان حكما صائبا وواجب التأييد.
لهذه الأسباب
قضت محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط في جلستها العلنية حضوريا وانتهائيا :
في الشكل : بقبول الاستئناف.
في الموضوع : بتأييد الحكم المستأنف.
وبه صدر القرار وتلي في الجلسة العلنية المنعقدة بالتاريخ المذكور أعلاه بقاعة الجلسات العادية بمحكمة الاستئناف الإدارية بالرباط وكانت الهيئة متركبة من :
- السيد عبد السلام نعناني : رئيسا ومقررا؛
- السيد حميد ولد البلاد : عضوا؛
- السيدة هدى السبيبي : عضوا؛
- بحضور المفوض الملكي للدفاع عن القانون والحق السيد إسماعيل زكير؛
- وبمساعدة كاتبة الضبط السيدة زهرة كرين.
ثانيا : التعليق على القرار الإستئنافي عدد 3492:
يشكل احترام مبدأ المشروعية قيدا هاما على جميع تصرفات الإدارة، بما فيها ما تصدره من قرارات إدارية التي يفترض فيها احترام المشروعية لما يتسم به تنفيذها من خطورة على حقوق الأفراد وحرياتهم العامة، الأمر الذي يخالف الغاية التي لأجلها منحت الإدارة سلطة إصدار القرار الإداري وهي تحقيق المصلحة العامة والتي يتنافى معها تحول ذلك القرار إلى وسيلة قهر للأفراد وسلب لحقوقهم.
وإذا صدر القرار الإداري مخالفا لقواعد المشروعية تصدى له القضاء الإداري في إطار دعوى الإلغاء لينزل به جزاء البطلان أو الإنعدام بعد توافر شروط شكلية وموضوعية لقبول تلك الدعوى.
لكن إذا كان الأمر كذلك بالنسبة لفحص مشروعية القرار الإداري الذي يتعين تقيده بضوابط هذه المشروعية فإن الأمر يفترض بداهة أن يكون الحكم القضائي بدوره منضبطا ومنسجما وقواعد المشروعية من الناحية الإجرائية ومن الناحية الموضوعية تحت طائلة إلغائه كذلك من طرف السلطة القضائية الأعلى درجة وتصديا الحكم من جديد بالقرار القضائي المناسب المتقيد بقواعد القانون ومبادئ العدالة والإنصاف، ويبقى للمعني بالأمر دائما حق طلب النقض أمام محكمة النقض التي تبت، طبقا للفصل 353 من قانون المسطرة المدنية، ما لم يصدر نص صريح بخلاف ذلك في :
1 - الطعن بالنقض ضد الأحكام الانتهائية التي تصدرها جميع محاكم المملكة؛
2 - الطعون الرامية إلى إلغاء المقررات الصادرة عن السلطات الإدارية للشطط في استعمال السلطة؛
3 - الطعون المقدمة ضد الأعمال و القرارات التي يتجاوز فيها القضاة سلطاتهم؛
4 - البت في تنازع الاختصاص بين محاكم لا توجد محكمة أعلى درجة مشتركة بينها غير المجلس الأعلى؛
5 - مخاصمة القضاة و المحاكم غير المجلس الأعلى؛
6 - الإحالة من أجل التشكك المشروع؛
7 - الإحالة من محكمة إلى أخرى من أجل الأمن العمومي أو لصالح حسن سير العدالة.
فإلى أي حد تقيد القرار رقم 3492 الصادر عن محكمة الإستئناف الإدارية بالرباط بتاريخ 21 يوليوز 2014 في الملف عدد 203/7205/14 - تأييدا للحكم عدد 2868 الصادر عن المحكمة الإدارية بالدار البيضاء بتاريخ 26 دجنبر 2013 في الملف رقم 306/7110/2012- بقواعد المشروعية ومبادئ العدالة والإنصاف ومراعاة الحقوق المكتسبة من طرف الغير الحسن النية ومبدأ استمرار واستقرار الأوضاع الإدارية المفترض لحسن تدبير المرفق العمومي خدمة للصالح العام ومصلحة المرتفقين ؟
للوقوف على مشروعية القرار المذكور من عدم مشروعيته يتعين استعراض بعض النقاط القانونية، كما يلي :
1- خرق الحكم الإبتدائي عدد 2868 ومعه القرار الإستئنافي رقم 3492 المؤيد له لمقتضيات الفصل 3 من قانون المسطرة المدنية :
يؤخذ من حيثيات القرار الإستئنافي موضوع التعليق أنه اعتمد حيثية يتيمة مفادها خرق قرار وزير التعليم العالي للقانون، والحال أن محتوى مقال الطعن المسجل بكتابة ضبط المحكمة الإدارية بالدار البيضاء بتاريخ 18 أكتوبر 2012 من طرف الطاعنين محمد الزرهوني ومحمد شادي إعتمد وسائل قانونية أخرى غير ما اعتمدته وحيثت به محكمة الإستئناف الإدارية قرارها، مما يكون معه أن المحكمة الإدارية - وبعدها محكمة الإستئناف الإدارية- قد بنت حكمها على وسيلة غير منصوص عليها في عريضة الطعن وهي وسيلة مخالفة القرار الإداري للقانون، مما تكون معه المحكمتين معا قد تجاوزتا حدود طلب الطاعنان وخرقتا مقتضيات الفصل 3 من قانون المسطرة المدنية الذي ينص صراحة على ما يلي : "يتعين على المحكمة أن تبت في حدود طلبات الأطراف ولا يسوغ لها أن تغير تلقائيا موضوع أو سبب هذه الطلبـات".
فشتان بين ضرب القرار الإداري المطعون فيه لمبدأ المساواة أمام القانون كمبدأ دستوري أكده الفصل 6 من دستور 2011 اعتبارا لكون القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة والجميع متساوون أمامه، وعيب مخالفة القرار الإداري للقانون كعيب من عيوب المشروعية وسبب من الأسباب الخمسة للطعن بالإلغاء في القرار الإداري المنصوص عليها في المادة 20 من القانون رقم 41-90 المحدث للمحاكم الإدارية، ويقصد به عدم احترام القرار الإداري للقواعد القانونية الملزمة بشكل عام وخروج الإدارة عن مقتضى قانوني معين وصريح.
وبذلك فعدم تمييز القرار الإستئنافي موضوع التعليق لحدود المفهومين وتكييفه المعيب لطلب الطاعنيين هو تجاوز لحدود ذلك الطلب، بعبارة الفصل 3 من قانون المسطرة المدنية التي تغل يد المحكمة في بتها في حدود الطلبات المقدمة إليها، مما تكون معه محكمة الإستئناف الإدارية قد خرقت قاعدة قانونية صريحة وثابتة منصوص عليها في الفصل المذكور، يجعل قرارها عرضة للطعن بالنقض.
2- عدم جواب القرار الإستئنافي رقم 3492 على دفع وزير التعليم العالي المتعلق بخرق الحكم للفصل 92 من دستور 1992 وخرقه لمبدأ المشروعية :
من الثابت فقها وقضاءا أن الدستور هو أسمى قانون، الذي يحدد القواعد الأساسية لشكل الدولة )بسيطة أم مركبة( ونظام الحكم )ملكي أم جمهوري( وشكل الحكومة )رئاسية أم برلمانية(، وينظم السلطات العامة فيها من حيث التكوين والاختصاص والعلاقات التي بين السلطات وحدود كل سلطة والواجبات والحقوق الأساسية للأفراد والجماعات ويضع الضمانات لها تجاه السلطة.
ويشمل اختصاصات السلطات الثلاث )التشريعية والقضائية والتنفيذية( وتلتزم به كل القوانين الأدنى مرتبة في الهرم التشريعي، فالقانون يجب أن يكون متوخيا للقواعد الدستورية وكذلك القوانين التنظيمية يجب أن تلتزم بالقانون الأسمى منها مرتبة إذا ما كان القانون نفسه متوخيا للقواعد الدستورية، وبعبارة أخرى تكون القوانين واللوائح غير شرعية إذا خالفت قاعدة دستورية واردة في الوثيقة الدستورية.
وبهذا المنطق الذي ينبني على مبدأ سمو الدستور الذي يعد من خصائص الدولة القانونية لأنه لا سبيل إلى تحقيق خضوع الدولة للقانون والتزام الجميع بقواعد عليا تحدد اختصاصاتهم وتحد من سلطاتهم ما لم تهيأ للنصوص الدستورية مكانة عليا تسمو على هؤلاء الحكام وتخضعهم لأحكامه، ولما كان مبدأ سمو الدستور يقتضي ضرورة التزام كل سلطة عامة عند قيامها بوضع النصوص التشريعية أو الأعمال القانونية الأخرى أن تراعي أحكام القواعد الأعلى مرتبة وإلا كانت مخالفة للمشروعية وحق البطلان على تصرفها.
وقد أعلن المبدأ لأول مرة في الدستور الأمريكي لعام 1787 ، حيث نصت المادة (6) منه على أن : )يكون هذا الدستور وقوانين الولايات المتحدة التي تصدر بموجبه، وجميع المعاهدات المبرمة أو التي ستبرم بموجب سلطة الولايات المتحدة، القانون الأعلى للبلاد، ويلزم بذلك القضاة في كل ولاية بغض النظر عما يناقض هذا في دستور أو قوانين أية ولاية(، وبعد الثورة الفرنسية ساد مبدأ سمو الدستور في الفقه الدستوري الأوربي، بل إمتد وشمل دساتير الدول الاشتراكية أيضاً وتبنته أيضا دساتير دول العالم الثالث.
وانسجاما مع هذا المبدأ السامي فإن تعيين العمداء في دستور سنة 1996 كان يتم بواسطة ظهير من جلالة الملك بعدما يقدم له وزير التعليم العالي 3 أسماء يتم اختيارهم وفقا للمادة 20 من القانون رقم 01.00 المشار إليه أعلاه، بينما في ظل دستور سنة 2011 لم يبق تعيين العمداء من مجال اختصاص جلالة الملك وإنما أصبح من اختصاص رئيس الحكومة الذي يتداول في ذلك التعيين طبقا للفصل 92 من دستور سنة 2011.
وبذلك يكون القرار الإستئنافي أعلاه قد جانب الصواب بخرقه مقتضيات الفصل 92 المذكور الواجب النفاذ والذي ألغى ضمنيا القانون الأدنى درجة )القانون رقم 01.00 ( لأن الدستور له أولوية التطبيق على كل القوانين، وغيب مقتضيات الدستور الجديد من أجل تطبيق قانون أدنى وهو بذلك التصرف يضع نفسه في خانة الخرق الجسيم لقواعد المشروعية لا سيما أن المحكمة لم تكلف نفسها عناء الجواب عن الدفع الجدي المثار بهذا الشأن من طرف السيد وزير التعليم العالي، الأمر الذي يجعل القرار الإستئنافي موضوع التعليق عرضة للنقض لمخالفته أحكام الدستور الواجب التطبيق.
3- إغفال القرار الإستئنافي رقم 3492 البت في مقال التدخل الإرادي في الدعوى المقدم من طرف المسمى إدريس العبادي :
تقدم المسمى إدريس العبادي بصفته أستاذا بكلية الحقوق المحمدية وبصفته شارك إلى جانب الطاعنين محمد الزرهوني ومحمد شادي في مباراة انتقاء ثلاثة مرشحين من أجل عرضهم على مجلس الحكومة لاختيار واحد منهم عميدا للكلية المذكورة تقدم بمقال رام إلى التدخل الإرادي في الدعوى القضائية موضوع القرار الإستئنافي محل التعليق وذلك بالجلسة العلنية المنعقدة بتاريخ 16 يونيو 2014 موقع من طرف محام مقبول للترافع لدى محكمة النقض هو نفسه دفاع الطاعنين الأصلين المذكورين، لكن محكمة الإستئناف الإدارية بالرباط في قرارها المذكور أغفلت البت في ذلك المقال والجواب عنه رغم استيفائه لجميع شروط قبوله القانونية معتبرة إياه كأنه والعدم سواء، بل وتجاهلت حتى الإشارة إلى إسم المتدخل إراديا في الدعوى في ديباجة القرار الإستئنافي، وذلك خرقا لمبادئ المحاكمة العادلة ومبدأ حق الدفاع المكفول دستوريا لجميع المتقاضين وكذلك خرقا لنصوص قانونية صريحة ولا سيما مقتضيات الفرع الثالث من قانون المسطرة المدنية المتعلق بالتدخل الإرادي ومواصلة الدعوى وخاصة منه الفصل 111 الذي ينص على أنه يقبل التدخل الإرادي ممن لهم مصلحة في الدعوى.
وبما أن المحكمة أقرت مصلحة الطاعنين محمد الزرهوني ومحمد شادي الذين شاركا معه في نفس المباراة وأغفلت البت في طلب زميلهم إدريس العبادي رغم عدم جاهزية القضية في تاريخ تقديمه تكون قد خرقت قواعد قانونية صريحة وواضحة وجعلت قرارها قابلا للنقض.
وتجدر الاشارة أن القرار الإستئنافي لم يعر اهتماما إلى أن الطاعنين في القرار الإداري الصادر عن السيد وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر قد شاركا في المباراة الثانية المنظمة بتاريخ 15 دجنبر 2012 تحت إشراف لجنة انتقاء جديدة والتي بموجبها تم انتقاؤهما وفق أحكام الفصل 92 من الدستور الجديد وهو ما يعتبر قبولا وإقرارا ضمنيا بشرعية القرار الاداري الملغى من طرف القضاء الاداري.
وفي انتظار مآل القرار الإستئنافي بإلغائه لخرقه الوسائل القانونية المسطرة في صدر تعليقنا هذا، أو صيرورته نهائيا، فلنا قراءة ثانية بخصوص إشكالات قانونية تتعلق بمراكز إدارية شملها الدستور ولم يشملها القرار المذكور.