تقديم
ينص الفصل 35 من دستور يوليوز 2011 على أن "حق الملكية مضمون، وللقانون وحده أن يحد من مداه واستعماله إذا دعت إلى ذلك ضرورة النمو الاقتصادي والاجتماعي، ولا يمكن نزع الملكية إلا في الأحوال وحسب الإجراءات المنصوص عليها في القانون".
إذن المشرع المغربي أحاط حق الملكية بحماية ورفع بها إلى مستوى التنصيص على ضمانها دستوريا وحرص على أداء وظيفتها الاجتماعية، لا تنزع إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض عادل، لذلك أحاط القانون عملية نزع الملكية للمصلحة العامة بعدة ضمانات تكفل حماية المصلحة الخاصة، أي مصلحة المالك الذي تنزع ملكيته إلى جانب هيمنة المصلحة العامة وتكمن ضمانات حماية المصلحة العامة أو الخاصة أمام الجهات الإدارية في إلزام نازع الملكية بإتباع المسطرة التي نص عليها قانون نزع الملكية[[1]]url:#_ftn1 ، وعدم السماح بنزع الملكية إلا في حدود هذا القانون وتحت المراقبة الإدارية أثناء هذه المسطرة[[2]]url:#_ftn2 .
و لم تعد سلطة القاضي الإداري مقتصرة على التأكد من صحة الوقائع التي دفعت بالإدارة إلى إصدار قرار نزع الملكية، بل تجاوزت ذلك إلى رقابة الموازنة و الترجيح بين المنفعة العامة التي يستهدفها القرار و المصالح التي يمس بها. ما يدفعنا إلى البحث عن تطبيقات نظرية الموازنة في الاجتهاد القضائي المغربي (فقرة أولى)، و كيفية تحديد التعويض عن نزع الملكية (فقرة ثانية).
الفقرة الأولى: تطبيقات نظرية الموازنة في الاجتهاد القضائي المغربي
إن تطور مفهوم المنفعة العامة واتساع نطاقه وازدياد الدور التدخلي للدولة دفع القاضي الإداري إلى إعادة النظر في رقابته التقليدية على قرارات إعلان المنفعة العامة وذلك بالأخذ بنظرية الموازنة، والوقوف عند النظرية من طرف القاضي يقتضي معرفة ما تحققه من مزايا وفوائد، وكذلك ما ترتب من أضرار واعتداءات خاصة عند عملية نزع الملكية من أجل المنفعة العامة إضافة إلى ما تستلزمه من نفقات وتكاليف مالية، مع الأخذ بعين الاعتبار الأضرار الاقتصادية والاجتماعية للمشروع، وإقامة موازنة بين هذه العناصر بحيث لا يمكن إقامة أي مشروع إذا جاءت الأضرار والأعباء المترتبة عليه مفرطة بالنسبة للمزايا والمصلحة التي يحققها[[3]]url:#_ftn3 .
لقد كانت ثمرة اجتهاد الفقه والقضاء في هذا الصدد الإعلان عن مبدأ الموازنة بين المزايا والسلبيات المترتبة على القرارات الإدارية، بحيث يتعين المقارنة بين المصالح المتعارضة للإدارة والخواص في نطاق المشروعية، فإذا انتهت الموازنة إلى ترجيح المزايا، أعلن القاضي عن مشروعية القرار، أما إذا كانت الأضرار والسلبيات هي الراجحة تعين الحكم بإلغاء القرار لعدم مشروعيته[[4]]url:#_ftn4 .
ويعتبر مجلس الدولة الفرنسي هو المنبت الأصلي لهاته النظرية، حيث كانت بداية هذه النظرية مع حكم مجلس الدولة الفرنسي الصادر في 28 ماي 1971 في قضية "المدينة الشرقية". وفي تعليق المفوض Braibant على هذا الحكم، فقد ذهب إلى تحديد مجموعة من الاعتبارات والمقومات التي لهما تأثير أو يجب أن تؤخذ محل الاعتبار عند تقدير الموازنة بين المنافع والأضرار، وأول هذه المقومات ما يتعلق بالكلفة المالية حيث يجب عند تقييم عملية إدارية ما الأخذ بعين الاعتبار القدرة المالية للجهة المنفذة للمشروع، فما يصلح للتنفيذ على مستوى مدينة اقتصادية كبرى أو جهة غنية قد لا يصلح لذلك على مستوى جماعة ذات موارد محدودة، وعلى أساس هذا المعيار ألغى مجلس الدولة الفرنسي قرارا إداريا بإحداث مطار في إحدى القرى حينما ورد أن القدرة المالية لهذه القرية لا تستطيع تحمل مصاريف هذا المشروع، فهذا الأخير من شأنه أن يسبب أضرارا للاقتصاد يفوق بكثير الفوائد التي قد تترتب على إنشاء المطار[[5]]url:#_ftn5 .
و من خلال ما جاء به قرار المجلس الأعلى[[6]]url:#_ftn6 بتاريخ 23 يناير 1997، يتبين أن نظرية الموازنة لم تجد لها بد من المرور بنفس مسلك مجلس الدولة الفرنسي، وذلك عن طريق قرارات نزع الملكية من أجل المنفعة العامة، بحيث كانت البداية مع صدور مرسوم يقضي بإعلان المنفعة العامة لأجل إنجاز تجزئة سكنية بسيدي العابد بعمالة الصخيرات تمارة، وبنزع ملكية القطع الأرضية اللازمة لهذا الغرض، ونشره بالجريدة الرسميةـ
وتقدمت شركة بونيفلار المتضررة من هذا القرار بطعن إلغاء المرسوم المذكور، ناعية عليه خرقه لقدسية الملكية المقررة دستوريا وعرقلة المبادرة الحرة للخواص، كما أن الغرض الحقيقي حسب الشركة المتضررة من نزع الملكية هو إحداث مساكن فاخرة، وفيلات مطلة على البحر لفائدة فئة معينة، في الوقت الذي تنوي فيه الشركة المالكة للأرض القيام بمشاريع اجتماعية واقتصادية مدعمة بوثائق وأدلة تثبت ذلك، وبعد هذا الطعن أصدرت الغرفة الإدارية قرارا تمهيديا عدد 81/23/01/97 لإجراء خبرة حول مجموعة من النقط أهمها تحديد نوع الأضرار التي ستتحملها الشركة الطاعنة من جراء نزع الملكية مقارنة مع المصالح التي يتوقع الحصول عليها من جراء تنفيذ مشروع الإدارة، وتحديد الفئات الاجتماعية التي تستفيد من نزع الملكية ونوع المنافع التي ستجنيها.
وكان الهدف من إجراء الخبرة هو الرغبة في الوقوف على طبيعة المنفعة المتوخاة من قرار نزع الملكية المطعون فيه، بعدما نازعت الطاعنة في ذلك وادعت بأن الغرض من نزع الملكية هو إحداث فيلات وسكن راق، والتبرير هو أن الإدارة وإن كانت تستقل بتحديد أغراض وعناصر المنفعة العامة المتوخاة انطلاقا من سلطتها التقديرية، وانطلاقا من مسؤوليتها التي تؤهلها لتحديد حاجياتها من الأراضي الواجب نزع ملكيتها موقعا ومساحة، فإن قضاء الإلغاء يفرض مع ذلك رقابته على مشروعية اختيار الإدارة وعلى دواعيه ومدى ما يمكن أن تترتب عنه من أضرار سواء بالنسبة للطرف المنزوعة ملكيته أو بالنسبة للمرفق العام الذي نزعت الملكية لفائدته[[7]]url:#_ftn7 .
وبذلك يكون المجلس الأعلى من خلال هذا القرار قد حاول الوقوف على الغرض الحقيقي الذي تستهدفه الإدارة من نزع الملكية. معترفا لنفسه بأحقيته في بسط رقابته لتمتد إلى سلطة الإدارة في اختيار العقارات المراد نزع ملكيتها ومتخذا من مبدأ الموازنة بين الفوائد التي سيحققها المشروع المزمع إنشاؤه والمصالح الخاصة التي سيمس بها معيارا لبحث مشروعية قرار النزع[[8]]url:#_ftn8 .
وكان القضاء الإداري المغربي أكثر وضوحا حين عبر اتجاهه الجديد في الرقابة على قرارات إعلان المنفعة العامة في قرار آخر صدر عنه بتاريخ 7 ماي 1997[[9]]url:#_ftn9 ، حيث إنه بموجب مرسوم 14 دجنبر 1994 ثم الإعلان عن المنفعة العامة الجديد لتحديد مجموعة من القطع الأرضية المزمع نزه ملكيتها من أجل إنجاز مشروع سيدي عبد الله بسلا، وتقدم المطالبون بمقال للطعن من أجل الشطط في استعمال السلطة أمام المجلس الأعلى عارضين أن نزع الملكية جاء مخالفا للمسطرة المنصوص عليها في ظهير 6 ماي 1982، وأضافوا بأنهم ينوون هم أنفسهم إقامة مشروع على الأرض المعنية، وقد أمر المجلس الأعلى بإجراء خبرة لتحديد طبيعة مشروع الإدارة وآثاره على المصلحة العامة بالمقارنة مع مصلحة مالكي الأرض[[10]]url:#_ftn10 وما جاء في هذا القرار: "إن الاتجاه في القضاء الإداري لا يكتفي بالنظر إلى تحقيق المنفعة العامة نظرة مجردة، وإنما تجاوز ذلك إلى النظر فيما يعود به القرار من فائدة تحقيق أكبر قدر من المصلحة العامة، وذلك عن طريق الموازنة بين الفوائد التي يحققها المشروع المزمع إنشاؤه والمصالح الخاصة التي يتسم بها، وبالتالي تقييم قرار نزع الملكية على ضوء مزاياه وسلبياته والمقارنة بين المصالح المتعارضة للإدارة والخواص المنزوعة ملكيتهم".
مما لا شك فيه أحدث القاضي بهذا التعليل منعطفا ذا أهمية قصوى في مجال نزع الملكية، وتبدو العبارة بمثابة قطيعة مع الاجتهاد القضائي التقليدي لكونها تحيل على اتجاه جديد وحديث في مجال القضاء الإداري، فقد خلص إلى أن الوقت قد حان لكي لا يقتصر على مراقبة ما إذا كانت شكليات بسيطة قد احترمت وأن يتبرأ من دوره الحقيقي كقاض ينظر في الطعون ضد تجاوز السلطة خاصة وأنه في هذا المجال لا يجب النظر إلى التجاوز كمجرد خرق للنصوص، بل كانحراف للفلسفة التي يستمد منها مفهوم نزع الملكية، وهنا تكمن أهمية القرار[[11]]url:#_ftn11 .
إن الاتجاه الحديث الذي خلص إليه القضاء الإداري في مراقبته لشرط المنفعة العامة قد لقي تقديرا كبيرا من طرف أساتذة الفقه الإداري وبالتالي أصبح تدخل الرقابة القضائية التي يمارسها القاضي الإداري، يتعدى إمكانية تكييف الوقائع فيما يمارسه من رقابة المشروعية على القرارات الإدارية الصادرة بموجب ما لها من سلطة تقديرية إلى آفاق جديدة تمارس فيها الملاءمة بشكل أوسع، وهو ما يمثل حماية حقيقية لحقوق وحريات المواطنين، هاته الحماية التي من دون شك تعد من أنبل وأسمى ما يهدف إليه كل مهتم بمجال القانون[[12]]url:#_ftn12 .
وبناء على ما سبق فإن "الإدارة ملزمة قبل الشروع في عملية نزع الملكية، بإنجاز دراسة شاملة للمشروع المراد إقامته، والإحاطة بجميع جوانبه المختلفة، واستحضار الإكراهات المالية التي يتطلبها تمويله، إضافة إلى استشراف جميع المعطيات المستقبلية والآنية المرتبطة بإنجازه، وبذلك قبل الإقدام على مباشرة مسطرة نزع ملكية العقارات اللازمة لتنفيذه، وكل ذلك في سبيل حماية مصالح الأفراد، وتجاوز الآثار السلبية التي قد تترتب على مباشرة هذه المسطرة. وما ينبثق عليها من قيود مجانية تطال هذه العقارات وتحد من حرية التصرف فيها من قبل مالكيها، والتي يتم التراجع عنها لأسباب قد يكون وراءها الاستخفاف والتقصير في دراسة جميع جوانب المشروع فالترخيصات المقررة للإدارة بواسطة التشريع ليست غاية في حد ذاتها، بل هي وسيلة ممنوحة لها لتفعيل الحياة العامة بأكثر إيجابية ممكنة"[[13]]url:#_ftn13 .
وفي كل الحالات فإن ممارسة الإدارة لحقها في نزع الملكية يقابله واجب أداء التعويض جبرا للضرر الذي لحق بصاحب الملكية.
الفقرة الثانية: تحديد التعويض عن نزع الملكية
نزع الملكية لأجل المنفعة العامة، لا يكون إلا مقابل تعويض عادل، وإذا كانت السلطة القضائية هي المكلفة بتحديد التعويض، فإنها لا تتمتع بحرية مطلقة في ذلك، فالمشرع قد صاغ عدة نصوص تحدد بعض القواعد التي أوجب على السلطة القضائية احترامها في تقدير هذا التعويض، وذلك حرصا من المشرع على عدم تبذير الأموال العامة، وكذلك للتوصل إلى تعويضات عادلة. وهو ما يقتضي المحافظة على المصلحة العامة وحماية حقوق الأفراد في آن واحد.
إن تحديد مبلغ التعويض في الحكم الصادر بنقل الملكية، يعد من الضمانات الحقيقية لحق الملكية، إلا أن السلطة القضائية المختصة بذلك لا تمتلك الحرية المطلقة في هذا الصدد بل يتعين عليها احترام النصوص التي تحدد بعض القواعد المنظمة لتقديم التعويض، كما يمكن لها أن تستعين برأي الخبراء المتخصصين إذا ظهر لها صعوبة في التقدير.
ويحدد التعويض عن نزع الملكية وفقا لما جاء في الفصل 20 من قانون 81-7 على أساس القواعد العامة التالية:
- أولا: يجب أن لا يشمل إلا الضرر الحال والمحقق الناشئ مباشرة عن نزع الملكية ولا يمكن أن يمتد إلى الضرر الغير المحقق أو غير المحتمل، بحيث لا يحقق البعض أرباحا على حساب الجماعة، ولا يقتصر الأمر على كون الضرر محققا وحالا وإنما يجب أن يكون ناتجا مباشرة عن عملية نزعه الملكية أو نزع الحق العيني، فالتعويض هنا لا يتعلق بفعل ضار، وإنما يتعلق بالتعويض عن نقل الملكية إلى السلطة العامة للمنفعة العامة، ولا يجوز أن يقدر القاضي[[14]]url:#_ftn14 التعويض إلا على أساس الاستعمال الفعلي للملك وليس على أساس استعماله المحتمل وهذا ما قررته الغرفة الإدارية لدى المجلس الأعلى في إحدى قراراتها.
- ثانيا: يحدد قدر التعويض حسب قيمة العقار يوم صدور قرار نزع الملكية ودون أن تراعي في تحديده هذه القيمة البناءات والأغراس والتحسينات المنجزة دون موافقة نازع الملكية منذ نشر أو تبليغ مقرر إعلان المنفعة العامة المعينة للأملاك المقرر نزع ملكيتها.
- ثالثا: يجب ألا يتجاوز التعويض المقدر بهذه الكيفية قيمة العقار يوم نشر مقرر التخلي أو تبليغ مقرر إعلان المنفعة العامة المعينة للأملاك التي ستنزع ملكيتها، ولا تراعي في تقديم هذه القيمة عناصر الزيادات بسبب المضاربات التي تظهر منذ صدور مقرر التصريح بالمنفعة العامة.
بحيث يمكن للقاضي أن يستعين بخبراء يلتجئ إليهم كلما ظهرت صعوبة في تحديد ثمن عادل للتعويض، والخبراء هم أهل فن في أمور خاصة ودقيقة، وذلك لما يتمتع به الخبير من دراية ومعرفة، لا تتوافر لدى عضو السلطة القضائية، وما دام الأمر يتعلق بحالة يراها القاضي أو المحقق غامضة نظرا لما يتطلب تقديرها وإثباتها من معرفة ودراية فنية وعملية، فقد أجاز له المشرع أن يستعين بالخبراء للاستفادة من آرائهم لما يتوفر لديهم من أهمية خاصة في توضيح ما صعب عليه تحديده وفهمه.
ويحدد الخبير مبلغ التعويض بناءا على مقارنة يقيمها بين ثمن الأرض موضوع الخبرة، وثمن الأراضي المجاورة في نفس المنطقة، والتي تطابقها في المواصفات، على أنه إذا لم يجد القاضي في تقدير الخبرة البيانات الكافية، يمكنه أن يأمر بتحقيق إضافي، أو بحضور الخبير أمامه لتقديم الإيضاحات والمعلومات اللازمة والغاية في ذلك حماية أكثر لكي لا تضيع حقوق الأفراد بالموازنة مع الحفاظ على المال العام. وهو ما يبيح للقاضي تعديله إذا تبين له عكس ذلك ومن القضايا التي قاما فيها المحكمة بتعديل ما توصلت إليه الخبرة قصد تحديد قيمة التعويض ما جاء في قرار المجلس الأعلى رقم 161 بتاريخ 13 مارس 2003[[16]]url:#_ftn16 :
"لكن حيث تبين من وثائق الملف أن الدعوى قدمت من طرف المالكين للعقار موضوع النزاع من أجل التعويض عن حرمانهم من استغلا له وفقدانهم له بعدما استولت الدولة عليه دون التقيد بمقتضيات مسطرة قانون نزع الملكية من أجل المنفعة العامة، لذلك فالمحكمة غير ملزم بتتبع الأطراف في مناحي أقوالهم والرد على ما لا أثر له على وجه الحكم، على أن الدعوة قدمت في إطار الفصل 79 من ق.ل.ع يجعل الدولة مسؤولة عن الأضرار الحاصلة للمدعين من جراء حرمانهم من استغلال عقارهم وفقدانهم لرقابته وللمحكمة كامل الصلاحية للبت في التعويض في هذا الإطار.
ومن جهة أخرى فإنه يتبين من الخبرة المعتمدة في احتساب التعويض أن الخبير عاين الأرض واطلع على عدة وثائق بالمحافظة العقارية والوكالة الحضرية بفاس وإدارة التسجيل والتمبر بفاس، للبحث عن الثمن الحقيقي للمتر المربع، وكذا التغييرات الطارئة عليه منذ 1993 إلى متم فبراير 2001، مؤكدا أن المساحة المستولى عليها هي 2381م2.
وأن الأرض تقع بطريق حي عين السمن بتجزئة بدر بالجماعة الحضرية أكدال. وأنه تبين للمحكمة أن الخبرة تتوفر على جميع العناصر اللازمة لتقدير التعويض صادقت عليها الملاحظة أن تقديرات الخبير تتسم بالمغالاة فخفضتها بما لها من سلطة في ذلك مصرحة أنها أخذت بعين الاعتبار موقع العقار ووضعيته ومساحته وتجهيزاته، فتكون بذلك قد عللت حكمها تعليلا سليما يناسب ما انتهت إليه وكان نما أثير بدون أساس".
وقد حدد المشرع وقت تحديد التعويض عن نزع الملكية بكل دقة[[17]]url:#_ftn17 وذلك في الفقرات الثانية والثالثة من الفصل 20 من الظهير المتعلق بنزع الملكية، ومن خلال دراسة المقتضيات الواردة في هذه الفقرات نستنتج ونجمل أسس التعويض التي تطرقنا إليها، أولا في البحث عن القيمة التي كانت للعقار أثناء صدور المرسوم المعلن للمنفعة العامة.
وأن يقدر التعويض دون اعتبار أي تحسين يدخل على الملك بغير موافقة من الإدارة، ولا يدخل في تقدير الزيادات التي تطرأ على العقارات نتيجة ارتفاع أثمنة العقارات المجاورة بعد الإعلان عن المشروع الذي ستنزع الملكية بسببه.
كما يجب ألا يتجاوز التعويض قيمة العقار يوم نشر القرار أو عند الاقتضاء يوم تبليغه، وقد روعي في مبادئ تقدير التعويض، التخفيف عن الإدارة قدر الإمكان وذلك بتحميل أصحاب العقار والحقوق العينية نصيبا من تكاليف المشروعات العامة التي تقوم بها الدولة لصالح الجميع، كما وضع في الاعتبار الزيادات التي تطرأ على العقارات المجاورة نتيجة تنفيذ مشروعات عامة.
كما يجب على القاضي المكلف أن يراعي التغييرات الطارئة على قيمة الأملاك الباقية في حوزة المالك، عندما تدخل على هذه القيمة أو تقلبات بسبب العمليات ذات المنفعة العامة، وأخذا بمبدأ يقضي لا ضرر ولا ضرار، فقد أوجب المشرع على قاضي الموضوع وهو بصدد تحديد التعويض الواجب دفعه للمنزوع ملكيته، أن يدخل في الاعتبار كل زيادة أو نقصان في قيمة الأجزاء المتبقية المملوكة للمنزوعة ملكيتهم بفعل هذا الإجراء[[18]]url:#_ftn18 .
ويخضع للتعويض ما زاد عن المساهمة المجانية في مجال الطرقات العمومية من قبل ملاكي القطع الأرضية: "وحيث يؤخذ من واقع النزاع ومستنداته أن جهة الإدارة المدعى عليها عمدت إلى حيازة العقار موضوع الدعوى دون استئذان القضاء في ذلك ومن غير اقتراح للتعويض المستحق بواسطة الجهة المختصة ومن ثم تعتبر غاصبة للعقار المدعى فيه.
ونفس الشيء صرحت به إدارية فاس في حكم لها بتاريخ 25/10/2011 جاء فيه : "حيث لئن كان الفصل 37 من القانون رقم 90-12 المتعلق بالتعمير ينص بما معناه أن مالك كل بقعة أرضية تصير أو تبقى مجاورة للطريق العامة الجماعية المقررة إحداثها ملزمة بالمساهمة مجانا في إنجازها إلى غاية مبلغ قيمة جزء من أرضه يعادل مستطيلا يكون عرضه عشرة أمتار وطوله مساويا واجهة الأرض الواقعة على الطريق المراد إحداثها بشكل لا يتعدى تلك المساهمة قيمة ربع تلك القطعة الأرضية، فإنه بتطبيق مقتضياته على واقع النزاع ومستنداته من خلال الخبرة المنجزة وبعد الأخذ بعين الاعتبار كلا من العنصر الثابت والمتغير المتعلقين باحتساب مساحة المساهمة المجانية في حدود الربع المحدد على ضوء ذلك 37.736 متر مربعا والتي تعتبر مستثناة من التعويض بحكم تطبيق مقتضيات المادة 37 من القانون 90-12 المتعلق بالتعمير لما يترتب على إحداث الطريق من رفع لقيمة متبقى أرضه مما يكون معه المدعى في ضوء ذلك محقا في تعويضه عن مساحة 62.368 متر مربعا التي ظلت مغتصبة من طرف جهة الإدارة المدعى عليها حيادا على قانون نزع الملكية .
ومما لا شك فيه، أنه متى كانت الملكية الفردية والمالك منفردا استفاد هذا الأخير من التعويض المحكوم به طبقا لمناب كل واحد منهم، ويتم ذلك وفقا لأحكام الإرث المضمنة في قانون الأحوال الشخصية، إن كانوا ورثة، وإن كانوا غير ورثة, فإن مقدار التعويض يحدد وفقا للسند المنشئ للشيوع"[[19]]url:#_ftn19 .
نخلص مما سبق أن المشرع أوجب للقاضي الإداري وهو بصدد تحديد التعويض أن يدخل في الاعتبار كل زيادة أو نقصان في قيمة الأجزاء المتبقية للمنزوعة ملكيتهم بفعل الإجراء المذكور إلا أنه من الصعب جدا تطبيق هذه المقتضيات في الواقع العملي حيث يصعب التأكد من وجود الزيادة في قيمة عقارها أو النقصان، لأن ذلك رهين بظروف مستقبلية.
كما أن المشرع أحسن فعلا حينما سكت عن تحديد معايير القيمة الحقيقية للتعويض، لأن الأصل التجاري مختلف الطبيعة.
الهوامش
- قانون 7- 81 المتعلق بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة. [1]
[[2]]url:#_ftnref2 - بوعبيد التراب، ظاهرة الاعتداء المادي و اشكالية نقل الملكية لفائدة الدولة، مجلة القضاء الإداري، الرباط، 2012، ص: 95.
[[3]]url:#_ftnref3 - أحمد أجعون، "تطورات رقابة المجل الأعلى على شرط المنفعة العامة في موضوع نزع الملكية"، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، دراسات، عدد مزدوج 38-39 سنة 2001، ص: 84.
[[5]]url:#_ftnref5 - عبد العزيز اليعقوبي، "تطور الرقابة على شرط المنفعة العامة في حالة نزع الملكية من خلال نظرية الموازنة"، مرجع سابق، ص: 112.
[[6]]url:#_ftnref6 - عصام بنجلون، "قضاء الإلغاء ومراقبة مشروعية المقرر المعلن عن المنفعة العامة"، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 24 يوليو-شتنبر، 1998، ص: 28.
[[7]]url:#_ftnref7 - الطاهر جبران، "قضاء الإلغاء ومراقبة مشروعية المقرر المعلن عن المنفعة العامة"، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 24، 1998، ص: 63.
[[8]]url:#_ftnref8 - أحمد أجعون، مرجع سابق، ص: 141.
[[9]]url:#_ftnref9 - المجلس الأعلى، قرار رقم 500 بتاريخ 7 ماي 1997، ملف إداري عدد 63/95، "قضية الأبيض"، منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى، العدد 51،2003 ص: 238.
[[10]]url:#_ftnref10 - حسن العفوي، "مسطرة نزع الملكية في التشريع المغربي"، مرجع سابق ص: 173.
[[11]]url:#_ftnref11 - نفس المرجع، ص: 174 .
[[12]]url:#_ftnref12 - حسن العفوي، مرجع سابق، ص: 176.
[[13]]url:#_ftnref13 - الدكتور أحمد بوعشيق، "الدليل العملي للاجتهاد القضائي"، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية"، سلسلة دلائل التسيير، عدد 16، 2004، ص: 296.
[[14]]url:#_ftnref14 - محمد القدوري، "مسطرة المطالبة بالتعويض عن نقل الملكية والإعتداء المادي في إطار قانون "7.81، مجلة الحقوق المغربية، الطبعة الأولى، 2011، ص:91.
[[15]]url:#_ftnref15 - المجلس الأعلى، قرار رقم 240 بتاريخ 6 مارس 1997، "الدولة المغربية ضد إيلي كوميل"، مجلة المحاماة، عدد 15، ص: 89.
[[16]]url:#_ftnref16 - المجلس الأعلى، قرار 161 بتاريخ 13 مارس 2003، الوكيل القضائي للمملكة ومن معه، ضد الكريم بن إدريس ومن معه، مجلة المعيار، عدد 35، ص: 166.
[[17]]url:#_ftnref17 - قرار المجلس الأعلى رقم 755 بتاريخ 11 يوليوز 2002، "وحيث إن المحكمة الإدارية لم تقم بالبحث في النقطة المتعلقة بتاريخ تشييد البناية التابعة للمكتب الوطني للبريد، مما استحال معه على المجلس الأعلى بسط رقابته"، بريد المغرب ضد الحبيب ناطق، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 50، ص: 203.
[[18]]url:#_ftnref18 - محمد القدوري، مرجع سابق، ص: 88.
[[19]]url:#_ftnref19 - المحكمة الإدارية بفاس ، حكم عدد 1244 بتاريخ 25 أكتوبر 2011، ملف عدد 30/06/2010، غير منشور.