MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




هل يمثل الرئيس بشار الأسد أمام المحكمة الجنائية الدولية؟

     

ذ محمد بوبوش

باحث في العلاقات الدولية

-جامعة محمد الأول-وجدة



أثارت الثورات الشعبية في العالم العربي و التي تطالب بالحرية أو احتجاجاً على سوء وتردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية  من مسائل قانونية، خاصة في ظل ما أحدثته  من دوي هائل في الأوساط الحقوقية، داخلياً ودولياً، واحتجاج العديد من الجهات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان، ومن بينها المجلس الدولي لحقوق الإنسان، بارتكاب أفعالاً خطيرة تشكل جرائم دولية وجنائية عديدة ارتكبها الحكام العرب في دول الربيع العربي ضد شعوبهم العزل لعل أهم هذه الجرائم وأخطرها قتل المتظاهرين  السلميين في المنطقة العربية ترقى لمرتبة الجرائم ضد الإنسانية    .  

كل شيء يدل على أن الانتفاضة الشعبية في مدن سوريا، تحولت إلى ثورة، وأن الثورة في تصاعدها آخذة في التحول إلى حرب أهلية، بل إلى «مسألة دولية». وهذا ما لم يحصل في الدول العربية الأخرى التي عصفت بها «نسائم» الربيع العربي.

لقد استمد النظام السوري من الفيتو الروسي - الصيني في مجلس الأمن، عزما للمضي في قمع الثورة الشعبية. ولا شيء في الأفق يدل على أن حلا تفاوضيا سلميا بين النظام والثائرين، وارد أو ممكن في الظروف الراهنة. كذلك أبواب الحل الدولي أو العربي هي شبه مغلقة.

لقد تحولت المسألة السورية من مجرد انتفاضة شعبية تطالب بالحرية والكرامة والديمقراطية، إلى قضية إقليمية وقومية ودولية. وهذه الأبعاد الجديدة التي اتخذتها، تزيدها تعقيدا، ولا تساعد على إيجاد مخارج منها أو حلول لها. ولكن أيا كان الحل السياسي فإنه يبقى أفضل من الحرب الأهلية التي تهدد بنقل المعركة إلى الأقطار المجاورة لسوريا، وإلى إشعال أكثر من فتنة طائفية ومذهبية في الشرق الأوسط.

 ما يميز الجرائم الإنسانية عن غيرها أنها تتبع سياسة دولة أو منظمة ضد السكان المدنيين مع العلم أن قتل شخص مدني واحد يمكن أن يشكل جريمة ضد الإنسانية إذا ارتكب ضمن هجوم واسع النطاق أومنهجي بخلاف الأفعال الإجرامية المرتكبة من قبل شخص ما ضد ضحية واحدة وبناء عليه يمكن محاكمة العديد من الرؤساء العرب عن الجرائم التي ارتكبوها ضد الثوار في كل دولة وأيضا يمكن محاكمة القادة الأمريكان بها جراء ما ارتكبوه من جرائم في أفغانستان والعراق, ويمكن محاكمة القادة الإسرائيليين بها جراء ماارتكبوه من جرائم ضد الشعب الفلسطيني.

إن الأساس القانوني للمسئولية الجنائية للقادة يتجلى في  كونهم يرتكبون جرائم ضد الإنسانية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة أي لا يرتكبونها بأنفسهم بل يأمرون أو يخططون أو يحرضون أو يسهمون بشكل أو بآخر في ارتكابها وتنطبق هذه الصورة على حالة الرئيس حسني مبارك والرئيس اليمني علي عبد الله صالح وآخرهم الرئيس السوري بشار الأسد .

وهناك صورة أخري للمسئولية الجنائية الدولية للقادة تتمثل في مسئوليتهم عن الجرائم الدولية المرتكبة من قبل مرءوسيهم والقائمة علي تقصير القادة في اتخاذ إجراء لمنع من يقوم بارتكاب الجريمة وهي قائمة علي الامتناع أو الإحجام الشخصي الإرادي عن إثبات فعل ايجابي ينتظره الشارع في ظل وجود واجب قانوني يلزمه بهذا الفعل ومن هناك فإن هذه المسئولية لا يمكن أن يفلت منها الرئيس بشار الأسد وأعوانه حيث تتوافر جميع شروطها في حقهم وبالتالي لابد بشدة محاكمة الرئيس مبارك أمام المحكمة الجنائية الدولية لان فرصة إفلاته من العقاب في ظل القانون الوطني واردة بعكس محاكمته أمام المحكمة الجنائية الدولية حيث فرصة إدانته أمامها واردة وبقوة.

ولابد من توافر أركان أساسية للجرائم ضد الإنسانية وهي تحديداً أن يتم ارتكابها بطريقة منهجية  أو في إطار هجوم واسع النطاق  ضد مجموعة من السكان المدنيين، سواء تم ذلك الهجوم من قِبل رجال السلطة من جنود وضباط أم من غيرهم من الميليشيات والجماعات المسلحة، أو أن يتم تنظيمها من خلال سياسة عامة – حكومية أو غير حكومية    - ويجب أن يكون الفاعل على علم بذلك الهجوم.

ويكون الهجوم "واسع النطاق" عندما يكون مكثفا، متواترا، ونفذ بشكل جماعى على درجة  ملحوظة من الخطورة. و يمكن  أيضاً استخلاص طبيعة الهجوم من أنه واسع النطاق بناء على عدد الضحايا.

     فقد قررت الدائرة التمهيدية الأولى فى قضية كاليكست مباروشيمانا، التابعة لحالة جمهورية الكونغو الديمقراطية، أن
قتل 384 مدنياً خلال هجوم قامت به القوات الديمقراطية لتحرير رواندا 
(FDLR )
يعد هجوماً واسع النطاق


وفي قرار لاحق ، صدر في قضية وليام روتو وآخرين، الخاصة بحالة جمهورية كينيا، اعتبرت الدائرة التمهيدية الثانية أن مقتل 240 من المدنيين كاف لاعتبار أن الهجوم ضد الجماعات الإثنية الكيكويو، والكامبا و الكيسى "واسع النطاق".

 أما عن منهجية الهجوم، فقد استقر قضاء المحكمة على أن هذا المصطلح يشير إلى الطبيعة المنظمة لأعمال العنف واستبعاد العشوائية  فى حدوثها:

 “The adjective ‘systematic’ refers to the ‘organised nature of the acts of violence and the improbability of their random occurrence’”.

  علاوة على ذلك، فالهجوم قد يعد منهجيا ، إذا استمر لفترة طويلة، وتكرر السلوك الإجرامى المماثل بصورة غير عرضية ، بل على أساس منتظم. ففى قضية الرئيس السوداني عمر حسن البشير، اعتبرت الدائرة التمهيدية الأولى أن الهجوم كان منهجياً ، لأنه استمر لمدة  تفوق الخمسة أعوام ، ولكون أفعال العنف التى ارتكبت فى سياقه، إلى حد كبير، ذات نمط مماثل.    

   وطبقاً للمادة 25 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية فإن الرئيس أو القائد الذي أصدر أمراً لارتكاب عمل غير قانوني مُجرم طبقاً لقانون المحكمة وتم تنفيذ هذا الأمر بواسطة تابعيه يكون مسئولاً عن تلك الأفعال كما لو كان قد ارتكبها هو بنفسه. كما أن الإغراء أو الحث على ارتكاب الجريمة أو تقديم العون أو التحريض أو المساعدة بأي شكل لغرض تيسير ارتكاب الجريمة أو غير ذلك من أشكال المساهمة الجنائية التي فصلتها المادة 25 من قانون المحكمة تجعل القائد أو الرئيس مسئولاً مسؤولية جنائية فردية (مباشرة) عن تلك الجريمة، وليس مجرد شريك على النحو المطبق بمعظم القوانين الوطنية في المنطقة العربية.

     وفيما يخص المسؤولية المفترضة للقادة والرؤساء". فإذا ارتكب المرءوس أو التابع وقائع فردية بدون علم القائد أو الرئيس، فإن الرئيس لا يكون مسئولاً إلا عن تقديم مرتكب الجريمة إلى السلطات المختصة للتحقيق معه ومحاكمته. أما إذا تم ارتكاب الأفعال الإجرامية من المرءوسين أو التابعين وفقاً لنمط سلوك يقوم على التعددية والتكرار وعلى نطاق واسع فيمكن أن تنعقد مسؤولية الرئيس عن تلك الجرائم. وقد استقرت قواعد القانون الدولي، في شأن الجرائم الجسيمة، على النحو الذي تأكد في العديد من الأحكام الصادرة عن المحاكم الوطنية والدولية، أن القائد العسكري أو الأمني يكون مسئولاً مسؤولية مفترضة عما يرتكبه الضباط أو العسكر الذين يعملون تحت إمرته حتى إذا لم يخطط أو يأمر هو شخصياً بارتكابها وذلك لامتناعه عن وقف ارتكابها أو إخفاقه في اتخاذ الإجراءات الضرورية والمعقولة لمنع ارتكابها.

وطبقاً لنص المادة 28 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، فإن المسؤولية الجنائية في حق القائد أو الرئيس (المسؤولية الرئاسية) عن أعمال مرءوسيه تنعقد عندما يتوفر العلم أو تتوافر الأسباب المؤدية لعلمه بأن المرءوس على وشك ارتكاب أفعال إجرامية أو أنه قد ارتكب بالفعل مثل تلك الأفعال إلا أن الرئيس فشل في اتخاذ الإجراءات الضرورية والمعقولة لمنع ارتكاب مثل هذه الأفعال أو لمعاقبة الجاني.   

      ومن الممكن أن يصبح رئيس الدولة مسئولاً بصفة شخصية عن الأفعال الخطيرة التي لا تشكل فقط خطأ دولي بل أيضاً عن الجرائم التي تسئ للنظام العام للمجتمع الدولي، ومن بينها الجرائم ضد الإنسانية. ويكون رئيس الدولة مسئولاً عن الجرائم الجسيمة إذا ثبت أنه شارك في التخطيط  لارتكابها أو أمر بها أو أصدر تعليماته بشأنها أو حرض عليها، أو علم بأنها سوف ترتكب ولم يحرك ساكناً ولهذا فقد نصت المادة السابعة من ميثاق نورمبرج على أن "الصفة الرسمية للمتهم كرئيس الدولة أو مسئول حكومي رسمي لن تعفيه من المسؤولية  أو تخفف العقاب عنه". كما أن   الجرائم الواردة بالنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، على سبيل المثال، هي جرائم خطيرة وذات طبيعة خاصة تقتضي الإعداد والتنظيم الذي قد يتم غالباً من ذوي الحيثيات السياسية وقادة الدولة.

    عند محاكمة الرئيس الصربي السابق سلوبودان ميلوسوڤتش، قضت المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة بأنه يكفي لإثبات مسئوليته أن يتم إثبات أنه كانت له سيطرة فعلية على أجهزة الدولة وعلى المساهمين في المشروع الإجرامي المشترك الذي ارتكبت من خلاله الجرائم، فضلاً عن علمه بارتكابها . هذا وقد ورد في قضاء المحاكم الجنائية الدولية، أنه ليس من اللازم أن يعلم رئيس الدولة بتفصيلات ما سوف يرتكب من جرائم، وإنما يكفي أن يتوافر لديه العلم بطبيعة تلك الجرائم، وبقبوله وقوعها .

قواعد القانون الدولي الجزائي ولأنظمة المحاكم الجزائية الدولية. فعلى الرغم من الحصانة الدبلوماسية التي يتمتع بها الرئيس (بموجب اتفاق فيينا الدولي)، والحصانة الجزائية العادية التي تؤكّد على حقه في الانتفاع منها القرارات المتخذة من قبل المعهد الدولي لحقوق الانسان (التابع للأمم المتحدة) في مؤتمره المنعقد في همبورغ عام 1891، ومؤتمره المنعقد في اكس أون بروفانس لعام 1954، ومؤتمره المنعقد في بال عام 1991، لا يتمتع رئيس الدولة، وان كان يمارس مهماته الرئاسية، وقت حصول المحاكمة أو عند صدور الحكم الجزائي بحقه، بأي حصانة جزائية في وجه المحاكم الجزائية الدولية . فهو، وفقا لقرار مؤتمر المعهد الدولي لحقوق الانسان، المنعقد في العام 2001 في فانكوفير يتمتع بحصانة جزائية عادية فيما خص الجرائم المنسوبة اليه أو المحكوم عليه بها والتي لا توصف بالجرائم الدولية. في هذه الحال، لا يمكن توقيفه أو القاء القبض عليه أو ملاحقته جزائيا أو تنفيذ حكم جزائي كان قد صدر بحقه من قبل، وعلى الدولة التي يتواجد على اراضيها (اي دولة) أن تؤّمن حمايته وأن تدعه يتمتع بحصانته الجزائية هذه. وهذا يعني أن حصانة الرئيس تقوم أمام قضاء دولة أخرى، وليس أمام المحاكم الجزائية الدولية. فالمادة 11 من القرار الصادر عن هذا المؤتمر الأخير تفيد بأن هذه الحصانة لا يصلح الدفع بها، ولا يمكن تطبيقها ازاء:

1- الموجبات المستقاة من ميثاق الأمم المتحدة.
2- الموجبات المنصوص عليها في المحاكم الجزائية الدولية الخاصة والمحكمة الجزائية الدولية الدائمة.

وتضيف المادة ذاتها بأن حصانة الرئيس الجزائية لا تحميه من المحاكمة أمام المحاكم الجزائية الدولية ولا يمكن الدفع بها في وجه اختصاص هذه المحاكم على أنواعها. كما لا يمكن الدفع بها لمنع تطبيق القواعد والأصول المتعلقة بمحاكمة الجرائم الدولية أي الجرائم التي تحمل اعتداء على الأمن والسلم الدوليين (الجرائم ضد الإنسانية، الإبادة الجماعية، جرائم الحرب والجرائم الإرهابية التي قرر مجلس الأمن أنها تحمل اعتداء على الأمن والسلم الدوليين كجريمة اغتيال الرئيس الحريري).

وفي السياق ذاته، نصت معاهدة فرساي الموقعة في عام 1919 على أن حصانة رؤساء الدول ليست حصانة مطلقة، وهي تسقط إذا ما وجّهت الى الرئيس القائم بوظائفه تهما بارتكاب جرائم دولية. كذلك فان أنظمة المحاكم الجزائية الدولية الخاصة، لاسيما المحكمة الجزائية الدولية الخاصة برواندا (م6 (4))، والمحكمة الجزائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة (م. 7 (4)) تنص على أن صفة رئيس الدولة لا تشكل أي عائق في وجه ملاحقة ومحاكمة الشخص، صاحب هذه الصفة وقت الملاحقة او قبلها، بجرائم ضد الإنسانية أو بجرائم حرب وإبادة جماعية. وهذا ما نصت عليه أيضا المادة 27 من نظام المحكمة الجنائية الدولية الدائمة المنشأة بموجب اتفاق روما الموقّع بتاريخ 17 يوليوز سنة 1998.

يشار أيضا إلى أن المشرع الفرنسي عدّل أحكام الدستور الفرنسي الذي يمنح الرئيس الفرنسي حصانة جزائية مطلقة اثناء قيامة بوظائفه، بشكل لا يمكن معه تطبيق هذه الحصانة في حال اسندت الى الرئيس جرائم تدخل في حقل اختصاص المحكمة الجنائية الدولية الدائمة (م 53-2 من الدستور الفرنسي). ولم تتمكّن الحكومة الفرنسية من المصادقة على اتفاقية روما الا بعد أن تم وضع حد لحصانة الرئيس بموجب المادة 53-2 الجديدة من الدستور الفرنسي، وذلك على أثر قرار المجلس الدستوري الفرنسي الصادر بتاريخ 22 يناير  1999 والذي قضى بضرورة تعديل الدستور لامكان المصادقة على اتفاق روما الذي أنشأ المحكمة الجنائية الدولية الدائمة.

وتؤكّد المادة الثالثة ( الفقرة الثانية) من نظام المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بلبنان على عدم الأخذ بالحصانات الرئاسية أمامها بنصها أنه " في ما يتعلق بعلاقة الرئيس بالمرؤوس، يتحمّل الرئيس المسؤولية الجنائية عن اي جريمة من الجرائم المنصوص عليها في المادة 2 من هذا النظام الأساسي والتي يرتكبها العاملون تحت سلطته وسيطرته الفعليتين، كنتيجة فشله في السيطرة على هؤلاء الأشخاص حيث:

أ- الرئيس، إما عرف، أو تجاهل معرفة معلومات أشارت بوضوح إلى أن العاملين تحت سلطته كانوا يرتكبون أو كانوا على وشك ارتكاب مثل هذه الجرائم.
ب- الجرائم متعلقة بنشاطات كانت تحت مسؤولية الرئيس الفعلية ورقابته ولم يتخذ (الرئيس) كل الإجراءات الضرورية والمعقولة التي تدخل ضمن اطار سلطته لمنع أو تفادي ارتكابهم الجريمة أو لرفع القضية للسلطات المعنية بهدف اجراء التحقيقات ومحاكمة المجرمين...".

وينتج من هذه الأحكام ان النظام الأساسي للمحكمة الجزائية الدولية الخاصة بلبنان لا يقيم اي اعتبار لحصانة الرؤساء، ليس فقط في حال تبيّن ضلوعهم مباشرة بارتكاب الجريمة الداخلة في اختصاص هذه المحكمة (جريمة اغتيال الرئيس الحريري) أو الجرائم الأخرى المرتبطة بها عن طريق التخطيط لها أو إعطاء الأوامر بارتكابها، وانما ايضا في حال تبيّن أنهم ارتكبوا عملا تقصيريا يكمن في عدم التدخل لمنع ارتكاب الجريمة أو الجرائم المذكورة اذا كانوا (أو كان) على علم بالتحضير لهذه الجرائم، أو اذا كانت الجرائم المرتكبة تتعلق بنشاطات الرئيس الفعلية وتقع تحت رقابته الفعلية، أو ايضا اذا لم يتخذ الرئيس أو (الرؤساء) كل الاجراءات اللازمة أو الضرورية والمعقولة التي تدخل ضمن سلطاتهم لمنع أو تفادي ارتكاب الجريمة أو لرفع القضية لسلطات التحقيق المختصة.

وللتأكيد على ان رؤساء الدول الذين توجّه اليهم تهم ارتكاب جرائم دولية لا يتمتعون ولا ينتفعون من اي حصانة قضائية جزائية أمام المحاكم الجزائية الدولية، يذكر أن كبير المدعين العامين في المحكمة الجنائية الدولية، لويس مورينو أوكامبو، كان قد طلب بتاريخ 14 يوليو/ تموز 2008 من غرفة ما قبل المحاكمة التابعة للمحكمة الجنائية الدولية الدائمة التي تنظر في جرائم الحرب والجنايات ضد الانسانية والابادة الجماعية المرتكبة في دارفور أن تصدر مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني عمر البشير تتضمن عشر تهم تتعلق بالإبادة الجماعية وبجرائم ضد الإنسانية وبجرائم حرب. وقالت منظمة العفو الدولية إن الإعلان شكَّل "خطوة مهمة نحو ضمان المساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان في السودان". وسيقوم قضاة غرفة ما قبل المحاكمة بتفحص طلب المدعي العام للمحكمة. وسيقررون ما إذا كانت هناك "مسوغات معقولة للاعتقاد" بأن الرئيس السوداني يمكن أن يكون قد ارتكب جرائم تتصل بالإبادة الجماعية أو جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية. وإذا ما كان توقيفه ضرورياً لضمان ظهوره في المحاكمة، أو لوقفه عن تعريض التحقيقات للخطر، أو لمنعه من ارتكاب المزيد من الجرائم، فمن الجائز اذا أن تصدر المحكمة مذكرة توقيف بحقه.

وبالتأسيس على كل ما ورد اعلاه تجوز الملاحقة الجزائية ضد رئيس اي دولة أمام قضاء جزائي دولي خاص أو امام المحكمة الجنائية الدولية الدائمة (اذا ما توفّرت شروط الملاحقة القانونية)، بجرائم دولية، وحتى اصدار مذكرة توقيف بحقه من دون ان تشكّل حصانة رؤساء الدول التي يتمتّع بها وفقا للقانون الدولي العام اي عائق في وجه الملاحقة أو التوقيف. ولهذا فاذا كان يجوز تنفيذ هذه الاجراءات الجزائية ضد رؤساء الدول أثناء قيامهم بوظائفهم الرئاسية، يكون من الممكن ايضا منطقيا وقانونيا ( ووفقا لأحكام القانون الدولي الانساني) تنفيذ الأحكام الصادرة بحقهم حتى في الوقت الذي يقومون فيه بمهماتهم أو بوظائفهم الرئاسية.

هذا من الناحية القانونية البحتة. أما من الناحية العملية، واذا لم تتمكن آليات المحكمة الجنائية الدولية (الأنتربول الدولي على سبيل المثال، أو التعاون الدولي الذي يقع على عاتق كل دولة عملا بالمادة 25 من ميثاق الأمم المتحدة) من تنفيذ الأحكام الصادرة عنها بحق الرئيس أو الرؤساء المعنيين المحكوم عليهم، فتحال القضية الى مجلس الأمن في الأمم المتحدة كون المحكمة الجزائية الدولية مؤسسة من مؤسسات الأمم المتحدة، منشأة بموجب الفصل السابع من ميثاق هذه المرجعية الدولية الأولى، ويقع تاليا على عاتق مجلس الأمن اتخاذ القرار المناسب في شأن تنفيذ الحكم الصادر عن المحكمة الدولية المختصة . وتكون من صلاحيات مجلس الأمن تطبيق عقوبات اقتصادية ومالية وسياسية (قطع العلاقات الديبلوماسية، وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها...، (م41) بحق الدولة المتخلفة عن تنفيذ الحكم المذكور عملا بالفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. كما يجوز لمجلس الأمن اللجوء الى استعمال القوة (م42) من أجل تنفيذ الحكم المشار اليه بحق الرئيس المتخلّف عن الامتثال لحيثياته الحكمية، اذا ما رأى أن التدابير المنصوص عليها في المادة 41 من ميثاق الأمم المتحدة لا تفي بالغرض أو ثبت له أنها غير فعّالة أو كافية. وفي هذه الحال بالذات يمكن أن تلعب السياسة دورا بارزا، ويخضع تاليا موضوع تنفيذ الحكم بحق الرئيس المحكوم عليه للتجاذبات والمساومات السياسية، وذلك بسبب الآلية المعتمدة لاتخاذ قرارات مجلس الأمن واستعمال حق النقض الفيتو، اذ ان اتخاذ القرار بتنفيذ الحكم يتطلب امتناع كل الدول الدائمي العضوية عن استعمال حق النقض الفيتو والحصول على غالبية تسعة اصوات من أعضائه.

    وعلى ذلك يمكن محاكمة رؤساء دول مصر وتونس واليمن على الجرائم التي ارتكبوها بحق شعوبهم سواء القتل أو الفساد المالي والسياسي طبقا للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لعام 2005م، واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة لعام 2000م، أمام القضاء الوطني أو القضاء الدولي الجنائي.

 لذلك فإن الاتفاقيات  ونصوص  الدساتير  التي تنص على حصانة رئيس تعتبر باطلة بطلانا مطلقا ولا يجوز الاخذ بها لأنها تخالف قاعدة من قواعد القانون الدولي، ولذلك فهي فى حكم القانون الدولي منعدمة أي لا يترتب عليها القانون الدولي أى آثار قانونية ولا حجة لها أمام القضاء الدولي والقضاء الوطني، لذلك ما يشترطه الرئيس اليمنى باطل ومنعدم ولا حجة له، وكذلك ما تفعله الولايات المتحدة من عقد اتفاقيات تنص على حصانة جنودها تأخذ نفس حكم العدم والبطلان المطلق.

ولابد من تحديث التشريعات الوطنية بشأن سياسات التجريم والعقاب وايجاد آليات قوية وفعالة لظاهرة الإفلات من العقوبة محليا ودوليا وتدريب القادة العسكريين في القوات المسلحة علي مبادئ القانون الجنائي الدولي والقانون الدولي الانساني ــ وضرورة ايجاد قوة تنفيذية متعددة الجنسيات لتنفيذ قرارات المحكمة الجنائية الدولية.

ولتفعيل آلية المحاكمة ضد النظام السوري، المطلوب أولا والآن هو قرار مجلس الأمن يعلن ثلاثة أمور هامة أولها أن النظام فقد الشرعية وان النظام ارتكب جرائم ضد الإنسانية وان النظام يجب أن يتنحى طوعا أو كرها. لتحقيق هذه الغاية على الولايات المتحدة أن تمارس ضغوط استثنائية على الصين وروسيا لإقناعهما بالتخلي عن دعم الحصان الخاسر في دمشق. ومن المعروف أن روسيا والصين هي من الدول التي لا تأبه للديمقراطية أو حقوق الإنسان ولكنهما ستخسران كثيرا إذا سقط النظام وحل محله نظام ديمقراطي جديد وسوف لا ينسى الشعب السوري من دعمه ومن دعم الجلاد.

ومن الجدير بالذكر انه في تموز2011 أثناء زيارته للعاصمة البريطانية قال السفير الأميركي المتجول
Stephen Rapp
المسؤول عن ملفات جرائم الحرب أن ما يحدث في سوريا يشكل جرائم ضد الإنسانية وأضاف أن النظام السوري يقتل المطالبين بالديمقراطية وهذا يشكل جريمة حرب بكل المقاييس (صحيفة الغارديان البريطانية 22 تموز). وقبل ذلك وحسب صحيفة الفانينشال تايمز قال وزير القوات المسلحة البريطاني نيكولاس هارفي (16 مايو أيار) أن هناك احتمالات كبيرة بأن تسعى المحكمة الجنائية الدولية  
International Criminal Court
للقبض على بشار وزمرته لتقديمهم للمحاكمة.

 وتعتبر ممارسات عصابات النظام انتهاكا صارخا للمادة 7 والمادة 8 من نصوص معاهدة تشكيل محكمة الجرائم الدولية. تلك المواد تغطي جرائم القتل المقصود والتعذيب والضرب المبرح والتجويع والاختطاف وأعمال الاضطهاد القمعي الجماعي التي يتم ارتكابها في إطار حملة هجوم منظمة وواسعة وومنهجة ضد المدنيين. القرار باستعمال قوارب بحرية عسكرية لقصف المدنيين في اللاذقية واستعمال الدبابات في الأحياء السكنية هي أدلة كافية لإدانة النظام وإثباتات قوية موثقة بصور ولايمكن دحضها.مما لا شك فيه أن النظام ارتكب ويرتكب جرائم بشعة ضد الإنسانية. كان أمام النظام خيارين الإصلاح أو القمع ولكن أغبياء دمشق اختاروا الحل القمعي وسيدفعوا ثمنا باهظا.

   وقد ذكرت فاتو بنسودا المدعية العامة الجديدة للمحكمة الجنائية الدولية يوم الاثنين 12 ديسمبر 2011 أن سورية ليست عضو في المحكمة، ولذلك لا يحق للمحكمة بدء التحقيق في الاتهامات بشأن ارتكاب جرائم جسيمة في هذه البلاد، الا بتفويض من مجلس الامن الدولي.

     واعتبرت  أن بدء التحقيق في الجرائم بسورية لا يمكن أن يحصل إلا عندما   يحيل مجلس الأمن  الملف السوري رسميا الى المحكمة الجنائية الدولية، كما حصل مع ملفي ليبيا والسودان".

وقد دعا ، ممثلو 144 منظمة غير حكومية دولية وعربية ، من أكثر 20 دولة،  مؤتمر "أصدقاء سوريا"، المنعقِد بتونس في 24 فبراير الجاري، للسعي من أجل التوصل إلى استراتيجية دولية لإنهاء انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا. فمع تنامي المخاوف من وقوع حرب أهلية في سوريا، يتعين على "أصدقاء سوريا" أن يقوموا بالضغط على كافة الجماعات المسئولة عن استخدام القوة غير القانوني ضد المدنيين لوقف أعمال العنف فورًا، كما ينبغي على كل الجماعات أن تحترم حقوق الإنسان وتتحاشى وقوع عنف طائفي.

وفي هذا الصدد، ندعو مؤتمر "أصدقاء سوريا" لتشكيل إجماع دولي حول الأزمة السورية، يدعم إنهاء انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم الدولية، وذلك استنادَا على قرار الجامعة العربية رقم 7446، وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 11207. وعلى وجه الخصوص، نحث المؤتمر على:

1. تجديد دعوة السلطات السورية، بالإجماع، إلى الالتزام ببروتوكول اتفاقية 19 ديسمبر الموقعة مع جامعة الدول العربية، وذلك بالإفراج الفوري عن كل المعتقلين منذ بداية الانتفاضة وحتى اليوم -بما في ذلك المدافعين عن حقوق الإنسان- وإنهاء استخدام وسائل التعذيب والاختفاء القسري، ووقف كل أشكال العنف، أياً كان مصدرها، في كل المدن والمناطق السكنية، وضمان عدم مهاجمة قوات الأمن السورية وشبيحة النظام للتظاهرات السلمية.

 2. الضغط من أجل تنفيذ العقوبات التي تم إقرارها ضد السلطات السورية، وضمان تبني بلدان أخرى لعقوبات مشابهة وتنفيذها، ضد السلطات والمنخرطين في انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم الدولية، بما في ذلك حظر تصدير السلاح.

 3. حث الحكومة السورية والجماعات المسلحة على تسهيل عمليات تقديم مساعدات الطوارئ المستقلة وغير المنحازة بما يلبى احتياجات الشعب السوري، وضمان إجلاء المصابين عن المناطق المعرضة للقصف، والدعوة إلى دخول فعلي للمنظمات الإنسانية، وكذلك الصحفيين، ومناصري حقوق الإنسان لمراقبة الوضع على الأرض. كذلك حماية النفاذ الآمن للمستشفيات المدنية وتقديم الرعاية الطبية بشكل ملائم يتسق مع القانون الدولي.

4. الضغط من أجل المحاسبة على الجرائم ضد الإنسانية، بما يتضمن الإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية عن طريق مجلس الأمن.

ومع تقديرنا الفائق للجهود المكثفة الجارية لمعالجة الأزمة السورية، فإننا نؤمن بأن المؤتمر المُنعقِد في تونس يجب أن يُمهِّد الطريق لإجماع دولي أكثر صلابة، قادر على دفع مجلس الأمن لتحرك فعال. فلقد دفع السوريون ثمنًا باهظًا، وإننا نناشدكم أن تحرصوا على أن يخطو المؤتمر خطوةً فعالة في سبيل إنهاء المزيد من الانتهاكات والجرائم.

خاتمة:

لقد كنا نعتقد أن مصادقة الدول العربية على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية هو نوع من الاهانة و الرضوخ،متعللين بكون الولايات المتحدة وحلفائها هم أول من يجب عليه المصادقة على النظام الأساسي للمحكمة وآخر من يتحدث عن العدالة الدولية بسبب سياسة الكيل بمكيالين وتسييس العدالة الجنائية الدولية.
لكن ما ارتكبه الحكام العرب من جرائم دولية وجنائية عديدة في دول الربيع العربي ضد شعوبهم العزل لعل أهم هذه الجرائم وأخطرها قتل المتظاهرين ، وقد حققت سوريا الرقم القياسي في هذا المجال جعلت مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان تطالب بإحالة الملف إلى  المحكمة الجنائية الدولية بسبب الجرائم المرتكبة من طرف نظام الأسد التي وصفت بجرائم ضد الإنسانية.
هل يمثل الرئيس بشار الأسد أمام  المحكمة الجنائية الدولية؟

النسخة الحاملة للهوامش و المجهزة للنسخ




الاحد 26 فبراير 2012
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter