بسم الله الرحمن الرحيم والسلام على أشرف المرسلين
يشرفني أن أقف في هذا اليوم المبارك أمام أعضاء اللجنة العلمية الموقرة لمناقشة موضوع الاستثمار الأجنبي في المغرب بين التنظيم القانوني والمقاربة التنموية.
إن السياق العام لهذا الموضوع، يندرج في إطار عقلانية التسيير العمومي 'الاقتصادي' الذي ما فتئ يطالب به كل المهتمين بالشأن الاقتصادي الدولي، إذ أصبحت تستحوذ على ألباب صناع القرار، الإلحاح على ضرورة وضع آليات تدبيرية جديدة من شأنها رفع الإنتاجية وتحسين القدرة التنافسية، كمفتاح لحل جل المشاكل التي تعاني منها مختلف الاقتصاديات، خاصة السائرة في طريق النمو، على مستوى المبادلات الدولية.
وبما أن مجهودات الدولة، مهما بلغ شأنها، تظل غير كافية وحدها لتحقيق التنمية المنشودة، خاصة وأنها لم تعد الفاعل الوحيد على الساحة، لذا كان من الضروري تعزيز القطاع الخاص الوطني والأجنبي، الذي اضطلع مؤخراً بدور هام في هذه العملية.
فسياسة الاقتصاد الحر أصبحت تطرح نفسها كمعطى واقعي يفرض تبني
استراتيجية تمكن من مواكبة التوجهات الدولية نحو الليبرالية الاقتصادية القائمة على تزايد الاعتماد المتبادل وسيادة الشركات عبر الوطنية.
والمغرب بمختلف مؤهلاته وطاقاته، وبالنظر للموقع الذي يحتله في ملتقى تيارات التبادل الكبرى، وكونه حلقة وصل بين القارة الأوربية والإفريقية، مرشح للتنمية السليمة إذا ما توفرت باقي الآليات لتحقيقها، والتي يبقى من أهمها الاستثمار الأجنبي، لما يؤدي إليه من تراكم لرؤوس الأموال، وتوفير مناصب للشغل، وتوزيع ديناميكية جديدة في المقاولات، وبالتالي المساهمة في التنمية الاقتصادية والبشرية.
فأمام أزمة المشاريع تبنى المغرب اختياراته السياسية والاقتصادية منذ الاستقلال على أساس مبدأ تشجيع الاستثمارات والليبرالية الاقتصادية. وقد شكل ذلك محوراً أساسياً في السياسات الاقتصادية للحكومات المتعاقبة، لتعرف استراتيجية التنمية بالتدريج، تطوراً ملحوظاً بالتوجه نحو تشجيع المبادرة الخاصة والاستثمار الأجنبي بما يتناسب والحفاظ على نوع من التناسق بين إكراهات التمويل وإبقاء القرار الاقتصادي في إطار المصلحة الوطنية.
وقد ارتكزت سياسة جذب الاستثمار الأجنبي بالمغرب، على معايير وآليات تحفيزية تشريعية وتنظيمية ومؤسساتية، تهدف إلى خلق مناخ ملائم للاستثمار ومتطلباته، ومواكب للمتغيرات الإقليمية والدولية في هذا المجال، قصد إرساء الضمانات الفعلية لحمايته.
واختيار هذا الموضوع، لا يفتح مجالاً للشك في الأهمية التي يطرحها على الصعيدين الوطني والدولي، بالنظر للدور المحوري للاستثمارات الأجنبية في تحقيق التنمية بالمغرب وفق ما أكدت عليه أغلب الخطب الملكية.
فالاهتمام المتزايد بملف الاستثمار، ينخرط ضمن سلوك منهجية جديدة في التعاطي مع الملفات الكبرى، ويأتي قانون الإطار رقم 18.95 والقوانين الأخرى ذات العلاقة، لتشكيل منعطف جديد للاستثمار، يفرض ضرورة وجود اقتصاد دينامي يأخذ بعين الاعتبار متطلبات الفاعلين الاقتصاديين ويواجه تعقد الميكانيزمات الإدارية والقانونية المعيقة.
ومما يزيد من حيوية هذا البحث، أنه إذا كان الأمل معقودا على تهيئ مناخ ملائم لتأسيس مشروعات اقتصادية منفتحة على العالم تباشرها شركات تجارية قوية، فإنه يكون من الضروري أن يصرف جهد كل الفاعلين القانونيين لإحاطة ذلك بسياج من الحماية الشكلية والموضوعية، وهو ما يوضح أهمية التأطير القانوني لمسايرة التطورات التي يعرفها المغرب في المجال الاقتصادي ودفع المستثمر الأجنبي لأن يقرر في مجال الاستثمار ومكانه، مما يساهم في تحقيق الإقلاع الاقتصادي.
وبالرغم من وجود دراسات مختلفة تناولت جانباً من هذا الموضوع، إلا أنها تبقى جزئية وعامة بالنسبة لموضوعنا، الذي يحاول التدقيق في حقائق الضمانات التي توفرها القوانين على مستوى النهوض بمناخ الأعمال والاستثمار الأجنبي خاصة، باعتباره أهم القضايا التي تعالج في إطار القانون الاقتصادي الدولي، ويتناول الإشكالات التي يعاني منها هذا القطاع والاقتراحات المساعدة.
كما تبرز أهمية هذه الدراسة في إبراز القيمة المضافة التي حققتها الترسانة التشريعية على مستوى جلب الاستثمار، وفي الوقوف على التقدم الذي تحققه على الصعيد التكنولوجي والاجتماعي، لتقييم مدى تفاعلها مع السياسة الاقتصادية للدولة، والتحديات التي تواجهها لتجاوز مرحلة التردد والانغلاق، والعمل على تحسين صورة المغرب على مستوى تحقيق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.
ومن ثم، فإن عملية اختيارنا للموضوع، جاءت استجابة للأهمية التي يطرحها على الصعيد النظري المتعلق بالقوانين والمؤسسات، والصعيد العملي المتعلق بالإحصاءات والعراقيل التي يواجهها الاستثمار وآثاره في كسب الرهانات التنموية.
والصعوبات التي اعترضتنا أثناء إعداد هذا البحث، هي صعوبات تواجه كل باحث عن العلم والحقيقة، وتتمثل أساساً في تشعب موضوعنا وتقاطعه مع مختلف المجالات القانونية والاقتصادية والاجتماعية، إلى جانب تضارب بعض الإحصاءات بين الأجهزة المتدخلة في مجال الاستثمار، وعدم توافر بنك للمعلومات والإحصائيات حول جميع الاستثمارات الأجنبية.
وقد تجسدت إشكالية البحث في تحليل تساؤل محوري يتمثل في مدى مساهمة الترسانة التشريعية للاستثمار في تأهيل الاقتصاد الوطني والرقي ببلادنا، وإلى أي حد يمكن اعتبار الضرورة الاستراتيجية للاستثمار مؤشرا ًقوياً على حصول تحول جذري في قضايا التنمية.
واستناداً إلى المضمون الذي تطرحه إشكالية البحث، يبدو أن المنهج الذي يفرض نفسه علينا للإحاطة بموضوع الدراسة، لا يرتكز على نوع واحد نظراً لقصوره على الإحاطة بموضوع متشعب تتقاطع فيه عدة حقول معرفية، ويتعلق الأمر بالمزاوجة بين المنهج التحليلي الوصفي تعمقا في النقد، وتفكيك ميكانيزمات اشتغال الدولة على جلب الاستثمار سعياً لتحقيق التنمية، إلى جانب المنهج الإحصائي لدراسة حصيلة الاستثمار بالمغرب وتحليلها، إضافة إلى اعتماد المنهج القانوني والمقارن لمقارنة الموضوع بتجارب دول أخرى.
وتعمقا في الموضوع، وقصد الإجابة على تساؤلاته، ارتأينا تقسيمه إلى قسمين، يرتكز التحليل في الأول على بلورة السياسة العامة للاستثمار كثروة وطنية، فنتيجة لاحتدام المنافسة بين مختلف الاقتصاديات، كان لزاماً على الدول، ومن ضمنها المغرب، وعلى ضوء اختياراته الاقتصادية، العمل على توفير مناخ ملائم للاستثمارات الخاصة، من خلال إجراءات همت بوجه خاص، اعتماد إطار قانوني منظم ومحفز للاستثمار في مختلف مجالات النشاط الاقتصادي، وإتاحته للحماية اللازمة للمستثمرين من خلال إحداث مؤسسات خاصة لدعم هذه الفئة، وكذا ملاءمة التشريعات المؤطرة للمناخ الاستثماري وقوانين الأعمال بما يتماشى ومتطلبات التنمية.
وقد قسمنا هذا القسم إلى فصلين، عالجنا في الأول رهانات الاستثمار بالمغرب، والتي يعتبر أبرزها تنظيم الإطار القانوني للاستثمار، لتقييم مدى فعاليته في تحقيق التوازن المأمول بين مصالح المستثمر ومصلحة المجتمع.
ويتضمن المبحث الأول قراءة في مدونات الاستثمار القطاعية انطلاقاً من محاولات التأسيس لسياسة التدبير القطاعي للاستثمار، للمرور إلى خيار الانفتاح على الاستثمار الأجنبي وتوسيع الاستفادة للقطاعات المختلفة.
لكن، وبالرغم من أهمية الحوافز المقررة في القوانين السابقة، ظهرت الحاجة إلى إعادة النظر في الإطار القانوني للاستثمارات، نظراً لما أبانه من محدودية على مستوى الأهداف المتوخاة منه، وخلق تمايز بين مختلف القطاعات في الامتيازات المخولة. وهو ما تأكد من خلال قانون الإطار رقم 18.95 لسنة 1995، الذي جاء لإتمام مسلسل التعديلات الاقتصادية العميقة الهادفة إلى تغيير طرق تدبير الشأن العام، وخاصة ضمان انفتاح أكبر على الخارج، ويترجم بذلك هذا الميثاق تحولاً أساسياً على مستوى سياسة الدولة في مجال تشجيع الاستثمارات الخاصة؛ إذ هدف إلى التأكيد على تخفيف العبء الضريبي المتعلق بشراء المعدات والأراضي اللازمة لإنجاز المشروع، كما نص على حرية تحويل المستثمر الأجنبي لأرباحه إلى الخارج وإمكانية اللجوء إلى التحكيم الدولي طبقاً لمقتضيات الاتفاقيات التي أبرمها المغرب في هذا المجال، لكن وبالرغم من كون الميثاق يشكل الإطار المرجعي المعتمد في الدولة لتدبير الاستثمار إلا أنه لم يأت بجميع الميكانيزمات الضرورية التي تتحمل كافة المشاكل التي يعرفها قطاع الاستثمار بالمغرب، كما أنه بالرغم من تضمنه لمقتضيات إدارية ومالية، غير أن الهيمنة ظلت للإجراءات الجبائية، كما لم يتضمن نوعية التدابير العملية والإجراءات الملموسة لإنعاش التشغيل.
وتبقى التحفيزات المقدمة في هذا المجال من شأنها التأكيد على اعتراف الدولة بان الاستثمار الخاص هو البديل لحل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية وتحقيق التنمية، وهو ما تأكد من خلال سياسة الحكومة في إطار اعتمادها على برامج تصب في تهييء المؤسسات والمناخ الإداري والجبائي، وهو ما دفعنا إلى تحليل هذه البرامج في المبحث الثاني، والذي خصصناه لموقع ميثاق الاستثمار من المساطر الإدارية والتحفيزات الجبائية، ذلك أن ملاءمة المحيط الإداري من الناحية التنظيمية أو الوظيفية لمتطلبات الاستثمار، تعد من الضرورات الأكيدة لتحقيق الإقلاع الاقتصادي، وله أهمية مركزية في تشجيع أو عرقلة الاستثمار، حيث يعتبر كل
من النظامين الإداري والجبائي من الإمكانيات التي تملكها الدولة في التأثير على حجم الاستثمار وتوجيهه نحو التنمية الاقتصادية والاجتماعية المنشودة.
وبالنظر إلى أن كل إصلاح، سواء همّ الجانب الجبائي أو الاستثماري لا يأخذ بعين الاعتبار المنظومة الإدارية، فإنه لا يعطي نظاما جيدا إلا على الورق، كما أن السياسة الجبائية هي أهم وسائل الدول النامية لجلب رؤوس الأموال الوطنية والأجنبية وتوجيهها نحو عمليات الاستثمار المنتج تحقيقا لأهداف التنمية المنشودة، حيث تكون العلاقة متكاملة بين الضريبة والتنمية الاقتصادية في إطار تنمية المتغيرات الاقتصادية.
وعلى هذا الأساس، فإن أهم مفارقة يمكن الوقوف عليها لتحليل دور الجباية في تشجيع الاستثمار، هو كيفية المطابقة بين اعتبارها موردا عليه أن يساهم في استيفاء التمويل اللازم وسد الحاجات التمويلية للاقتصاد، وبالتالي الحد من الاختناق الذي تعرفه المالية المغربية، مقابل مساهمتها في إنعاش الاستثمار ودفع الرأسمال إلى اقتحام تجارب إنتاجية جديدة.
و تقدير آثار هذه الحوافز في علاقاتها بقرار الاستثمار قد تحد من فعالياتها في جلب الاستثمار الأجنبي، وهو ما يشكل معيقا أمام تدفقه، فرغم أن البعد المالي هو أهم خصائص السياسة الجبائية، لكن في اعتقادنا يبقى وحده غير فعال كأداة لتشجيع الاستثمار، مما يستوجب استحضار عوامل أخرى مساعدة على حفز قرار الاستثمار، ويستدعي تبني توجهات جديدة في السياسة الجبائية.
ويبقى الرهان قائما على إصلاح بنية المقاولة وآليات عملها والأجهزة المتدخلة في تحفيز قرار الاستثمار ونزاعاته، وهو ما تطرقنا إليه في مقتضيات القسم الثاني من الأطروحة.
فسعيا لمساعدة المقاولات على تأهيل نفسها وإعادة هيكلة السوق بشكل عام، تدخل المشرع المغربي ليتدارك الموقف عن طريق تحسين وتحيين الإطار القانوني كاستبدال التشريعات المتجاوزة والمتقادمة التي لا تلائم ما يعرفه العالم المعاصر من سرعة وحداثة.
وقد اعتبر تأهيل المقاولات المغربية ومحيط الاقتصاد الوطني عموما الحل الأنجع لمواجهة منافسة المقاولات الأجنبية، لما له من دور مركزي في إحياء الاستثمار وخلق دينامية في النمو الاقتصادي والاجتماعي، ويبقى الرهان الحقيقي للمقاولات المغربية، هو القدرة على الانتقال بالاقتصاد الوطني من مرحلة الإصلاح الهيكلي إلى مرحلة منطقة التبادل الحر والعولمة.
والتركيز على تطوير بيئة الأعمال كجزء أساسي من عملية تحسين المناخ الاستثماري في المغرب يكمن في تطوير البنية التشريعية والإجرائية بما تضمن من تسهيلات وحوافز ، وإدخال مفهوم الجودة الشاملة في الإدارة والإنتاج سعياً للتنافسية العالمية، وفي عقد اتفاقيات ثنائية مع دول عربية وأجنبية وإنشاء مناطق حرة ومدن صناعية، و في توفير المعلومات لتكون في متناول المستثمرين، وتنمية الموارد البشرية ودعم القطاع الخاص كشريك للقطاع العام في العملية الاقتصادية.
ومع اتساع نطاق المعاملات التجارية الدولية والمحلية، كان من الأولويات إعادة النظر في الإطار القانوني المنظم للأعمال، تماشيا لما أصبحت تفرضه الاستراتيجية العامة للتنمية الاقتصادية.
وهو ما سار على نهجه المشرع المغربي إلى حد ما؛ إذ عمل على إدخال تعديلات على مختلف القوانين المرتبطة ببيئة الأعمال، حيث نجد من ضمنها قانون الشركات الذي يُعد المجال الأبرز الذي تتقولب فيه رؤوس الأموال في الوقت الحاضر. فوضوح مساطرها وشفافية وضعها المالي والإداري هي الضمان الحقيقي للمستثمرين، كما يحتاج المستثمر لقانون الملكية الصناعية قصد حماية خبراته التقنية والتكنولوجية، وكذا قانون المنافسة وحرية الأسعار نظراً لأهميته في منع الأعمال الضارة بالأعمال التجارية للمستثمرين، وقد كانت لمدونة الشغل أثراً هاماً في تحفيز الاستثمار على اعتبار أن علاقة المأجور بالمشغل ومقدار الأجر تعتبر أهم محددات الاستقرار الاستثماري.
فشفافية هذه المقتضيات كفيلة بدعم شفافية وضع المقاولة وربحيتها للمستثمر، وعلاوة على ما تقدم، فقد عرف نظام الصرف تحولاً كبيراً حين سمح بانتقال رؤوس الأموال والأرباح المحققة في المغرب دون تعقيدات، وترافق هذا مع النص على مجموعة من الإجراءات الجبائية والجمركية، هدفها رفع المنافسة للمقاولات العاملة في المغرب ــ أجنبية كانت أم وطنية ــ عن طريق وضع قانون جبائي موحد ليزيد معه تدفق رؤوس الأموال مع تدعيم هذه الامتيازات بتخفيض على عبور السلع عن طريق التخفيض الجمركي، أو عن طريق الترويج لمناطق المنافسة الحرة التي تخضع لنظام جمركي وضريبي مميز وجذاب للاستثمارات الأجنبية.
كما عملنا من خلال أطوار الدراسة على تأكيد الضمانات الفعلية للاستثمار من خلال الجهاز القضائي بمختلف أنواعه في حماية الاستثمار وكذا دور التحكيم كآلية جديدة لتسوية نزاعاته.
فلا مناص أنه لنجاح قرارات المستثمر، يتطلب الأمر منظومة قضائية متخصصة، لها من الدراية اللازمة للمشاكل المنبثقة من الأعمال التجارية والاستثمارية ما يضمن حماية المستثمر ودعم ثقته.
إلا أن الملاحظ هنا، هو عدم مجاراة الجهاز القضائي لجميع التطورات التي يعرفها العالم على المستوى التجاري، وخاصة على مستوى الاستثمار، مما جعل المشرع المغربي يعدل من هذا الاتجاه فيما يتعلق بمنازعات الاستثمار، ويتجه نحو الوسائل البديلة لحلها، سواء عن طريق التشريع الداخلي، أو عن طريق المصادقة على الاتفاقيات المَعْنية بهذا الشأن، وهنا وجدنا أن المشرع المغربي لم يصل إلى ذلك التلاؤم المنشود بين أحقية تطبيق القوانين الداخلية مع بعض الاتفاقيات الدولية.
وبالنظر لأهمية الاستثمار في عملية التنمية، وحتى نتمكن من معرفة انعكاس كل الآليات القانونية والتنظيمية على تطور الاستثمار بالمغرب أفردنا القسم الثاني لإعطاء رؤية حول المقاربة الجديدة لتدعيم الاستثمار قصد معرفة توجه الدولة نحو الرأسمال الأجنبي كخيار استراتيجي لتحقيق التنمية، وذلك من خلال فصل أول، عملنا فيه على رصد أهم الإصلاحات المنجزة لصالح الاقتصاد الوطني، وكذا رصيد الاستثمار الأجنبي لقياس حركيته على المستوى الدولي، والاتفاقيات التي أبرمت في هذا الصدد.
واستعرضت عينة من التجارب الدولية المهمة في جذب الاستثمار والمقارنة بها، لاستخلاص أهم النتائج التي يمكن أن تفيد صانعي قرار الاستثمار.
وفي إطار قياس النتائج التنموية لهذه الإستثمارات وآثارها، يمكن القول أن تطور هذه المشاريع وما توفره من موارد مالية وخبرة تقنية وتكنولوجية، يشكل عاملاً جوهرياً هاماً للإجابة على متطلبات التحديث الاقتصادي وتجاوز الاختلالات والإكراهات الاجتماعية، ليساهم بذلك في إنجاز العديد من المشاريع التنموية.
إلا أنه وبالرغم من تطور حجم هذه المشاريع، فإنه لم يصل إلى إحداث الدينامية التي يحتاجها الاقتصاد الوطني، ولم يصل بالمغرب إلى مصاف الدول الصاعدة على مستوى استقطاب الاستثمار الأجنبي، فخارج سياسة الخوصصة تبقى الاستثمارات الأجنبية قليلة، كما أنه على المستوى الاجتماعي لا يبدو أن ما تم تحصيله يساهم في إحداث التحول الذي يرغب فيه النظام السياسي.
ويعكس هذا الواقع، حدود التدابير المتخذة لجلب الاستثمار الأجنبي، ويكشف على أن هناك معيقات عدة، لازالت تحول دون ارتفاع حجم هذه الاستثمارات، كالافتقار إلى أساسيات البنية التحتية اللازمة لاستقطاب المشاريع، وكذا التدهور في أساليب التنظيم والإدارة، وضعف الأطر القانونية والقضائية التي تحول دون سيادة الأمن القانوني إلى جانب إهمال تنمية وتأهيل الموارد البشرية بالشكل اللازم، مما يحول دون ترسيخ الثقة لدى المستثمرين في بيئة الأعمال.
وهو ما دفعنا إلى تبني اقتراحات للتصدي لهذه المعيقات، من خلال الدعوة إلى الاهتمام بالجوانب الإدارية والعقارية والمالية، وكذا المؤسساتية المتعلقة بميثاق الاستثمار، خاصة في القطاعات الواحدة، كالصناعة الكيماوية والطاقة النفطية والتكنولوجيا الجديدة للإعلام، والسياحة، قصد التوفر على قاعدة صناعية تنافسية، وكذا جعل كلفة الطاقة بالنسبة للمقاولة الوطنية تماثل نظيرتها الدولية من حيث تخفيض الجبايات المفروضة على الطاقة، وفتح السوق المغربية لتحسين الإنتاجية والتنافسية البناءة، إلى جانب إذكاء ثقافة التوقع وتوفير بنية تحتية ملائمة ترقى لمستوى تطلعات التنمية.
وخلصنا إلى أن الإدارة المغربية شهدت مجموعة من الإصلاحات، عكستها الرؤية الإصلاحية التي التزمت بها السلطات العمومية، والتي تستلزم وضع برنامج متكامل يهدف إعادة تحديد دور الدولة في هذا المجال، ودعم انطلاق الاقتصاد الوطني، وضمان حقوق وحريات الأفراد والجماعات، وتدبير أمثل للمرافق والممتلكات العمومية، وفق نظام حكامة رشيدة كفيلة باستيعاب مختلف العوائق، وكذا تثمين الموارد البشرية والوسائل التقنية، وتبادل الخبرات الناجحة، قصد تشجيع الاستثمار، كما يتطلب الأمر وجود نظام قانوني ملائم لتطوير الاقتصاد المغربي، والارتقاء بالنشاط الاستثماري في الدولة إلى آفاق أرحب، تمكن المغرب من احتلال موقع ريادي إقيلميا وعالميا في هذا المجال، قصد الوصول للتنمية المنشودة.
كانت هذه أهم محاور هذا البحث المتواضع، أسأل الله السداد والرشاد.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته