تناقلت معظم و كـــالات الأنباء العاليمة و الفضائيات و مواقع التواصل الاجتماعي خبرا يدور حول قرار القضاء الفرنسي الصادر يوم الجمعة 62/8/2016 بتعليق قرار حظر البوركيني أو ما يعرف بلباس البحر الإسلامي ، المثير للجدل ، معتبرا أن قرار المنع الذي اتخذه عمدة مدينة Villeneuve-Loubet. يشكل “انتهاكا خطيرا للحريات” في غياب “مخاطر مثبتة” على النظام العام.
والواقع أن الدولة الفرنسية بمختلف مؤسساتها تمنع منذ مدة استعمال الرموز الدينية في الأماكن العامة حفاظا على النظام العام المبني على اللائكية آو العلمانية وقانون 1905 ، و لأن هذه الرموز - في نظر الدولة الفرنسية - لا تحترم الحياد ، بمعنى ان المرأة مثلا إذا لبست البوركيني أو البرقع أو الفولار الإسلامي أو الحجاب أو النقاب فهي تخرج عن حيادها وتعلن تعلقها وتمسكها بمذهب دين معين وهو الإسلام ، ولما كانت هذه الرموز تدل دلالة واضحة على اعتناق مستعملها لدين معين فهي أي الرموز غير حيادية وتخالف القانون الفرنسي ونظامه العام ، وتؤدي الى أسلمة فرنسا العلمانية ، ولهذا تجب محاربتها بكل هوادة .
لقد كافحت فرنسا من اجل عدم استعمال هذه الرموز الدينية وأساسا سترة الرأس أو الحجاب الإسلامي وكذلك البرقع في الأماكن العامة ولم تسثن من ذلك إلا البوركيني الإسلامي من اجل الاستحمام في الشاطئ العام وذلك لأسباب تتعلق بالنظام العام الذي يرى مجلس الدولة الفرنسي انه لم يقع المساس به من طرف الفرنسيات وغيرهن ممن يلبسن البوركيني ولهذا لم يتم منعه (قرار مجلس الدولة الفرنسي الجمعة 26 غشت 2016) لأن البوركيني بريئ من تهمة المس بالنظام العام وفق للتعليل القانوني لهذه المحكمة الموقرة اي مجلس الدولة الفرنسي
وإن كانت لهذا القرار تعليلات ضمنية و أسباب سياسية لم يفصح عنها مراعاة منه لمبدأ فصل السلط يمكن لكل ملاحظ ان يستنتجها وفقا لتحليله الشخصي ، و منها أساسا :
1 - جانب من علماء الاجتماع و النخبة المثقفة بفرنسا عبرت عن رأيها بعدم منع لباس البوركيني لأنه يدخل ضمن الحرية الشخصية للفرد
2 - فريق من الطبقة السياسية الحاكمة ( الحزب الاشتراكي الفرنسي ) عبر عن تحفظه أو رأيه بعدم منع لباس البوركيني لأنه يدخل ضمن الحرية الشخصية للفرد ولا يعادي اللائكية ولا النظام العام الفرنسي ( الوزيرة في التعليم نجاة بلقاسم ، وزيرة الصحة تورين ، ووزير الداخلية كازنوف ، ووزير الاقتصاد الرقمي ... الخ ) ، وان كان من الواجب محاربة البوركيني لأنه يمس بحقوق المرأة فلتكن هذه الحرب بوسائل أخرى غير منع البوركيني
3 - بل ان السيد وزير الداخلية بيرنار كازنوف خرج عن تحفظه وقال بصريح العبارة في حديث مع جريدة لاكروا يوم 29/8/2016 بان قانون منع البوركيني إذا ما صدر سيكون غير دستوري وغير ناجع
4 - احد زعماء اليمين الفرنسي وعمدة بوردو آلان جـــوبي قال بأنه لم يمنع البوركيني في مدينته لأنه لا يمس بالنظام العام ( تصريحه للتلفزة الفرنسية i ، (( إ )) ... صباح يوم 28/8/2016)
5 - أكثر من إعلامي ومثقف وسياسي فرنسي رآى في منع البوركيني من عمداء العديد من المدن الشاطئية الفرنسية بمثابة هدية مجانية وعلى
طبق من ذهب للمتشددين والمتطرفين الذين يعملون ضد مصلحة الدولة الفرنسية التي لم تندمل جراحها بعد الأحداث الدامية التي شهدتها كل من : مقر مجلة شارلي إيبدو ، و كاطبلان بباريس ، ونيس ، و تضاف إليها جراح الجارة بروكسيل أيضا ، تبذل فرنسا وغيرها من الدول المستهدفة أمنيا جهودا جبارة حتى لا تقع الكوارث الإرهابية من جديد ، ولكن بعض (( الاجتهادات )) لعمداء بعض المدن المحسوبة على اليمين واليمين المتطرف غالبا ، تتخذ قرارات انفعالية ومتسرعة وتهدد بنسف كل ما بنته فرنسا وغيرها من استراتيجيات أمنية لمكفافحة التطرف الديني والإرهاب بكافة أشكاله
6- العديد من الدول الغربية مثل أمريكا وألمانيا وبريطانيا و إيطاليا واللائحة طويلة لا ترى في لباس البوركيني مخالفة للقانون في بلدها ولا للنظام العام هناك ، وحدها فرنسا قررت منع البوركيني فوجدت نفسها معزولة عالميا ، وقامت ضدها الدنيا ولم تقعد إعلاميا فخسرت حرب الميدياتيك أي الاعلام ، و نسي الفرنسيون - وهم شعب ذكي - أن فرنسا في الواقع هي الأقرب إلى عقل وقلب دول شمال أفريقيا تاريخيا وجغرافيا من أمريكا وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا وكان عليها أن تكون أكثر تفهما لمشاكل وهموم المهاجرين المغاربة و الجزائريين والتوانسة على أرضها ، ومع الأسف لاقى هولاء تفهما من شعوب أمريكا وألمانيا وبريطانيا وايطاليا ولم يجدوه لدى جزء من شعب ودولة فرنسا ... ارض المساواة والأخوة و الحرية بحجة انها تعرضت لضربات قاسية من الإرهاب ، ولكن من من الدول الغربية لم يتعرض لضربات الإرهاب ومع ذلك لم يذهب المشرع او الإدارة في هذه الدول الأربع مثلا إلى حد أن يشهر سيف منع البوركيني أو الفولار الإسلامي في وجه من يلبسه ... حقا ، إنه يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر !
و قبل صدور قرار مجلس الدولة الفرنسي الجمعة يوم 26 غشت 2016 ، كم كان منظر رجال البوليس الفرنسي قاسيا وهم يحيطون بامرأة مسلمة تلبس البوركيني على شاطئ البحر وفرضوا عليها أن تطبق قرار العمدة بخلع البوركيني فورا ، وهو ما فعلته المسكينة تحت أنظار باقي المستحمين والمستحمات وهم يضحكون عليها تهكما وسخرية ، وما هي إلا ساعات أو أيام معدودة ويتدخل مجلس الدولة الفرنسي ليجمد قرار العمدة المطعون فيه ... لماذا كل هذه الحركات البهلوانية وكأننا في سيرك سياسي ... إنه العبث بعينه !
قد يقول قائل إن حكومة مانويل فالس الفرنسية سوف تقود هجوما مضادا ضد البوركيني لتقرر منعه نهائيا بنص تشريعي ، ولها ذلك ، لكن لاحظوا معي أن الإشكالية السياسية أي لباس البوركيني ستصبح وطنية وليست محلية فقط، وهنا ستتحمل حكومة فالس كامل مسؤوليتها السياسية ، لكن هل ستجرؤ على ذلك على بعد أشهر معدودة للانتخابات الرئاسية الفرنسية (2017) التي يدلي فيها الفرنسيون من أصل عربي ومغاربي بأصواتهم لصالح اليسار عادة وكانون سببا في الهزيمة المدوية لجوسبان وساركوزي ، ثم إن أعضاء حكومة فالس منقسمين على انفسهم كما سبقت الإشارة إلى ذلك ، ومنهم من يعارض قرارات بلدية لعمداء بعض المدن بحظر البوركيني وبالأحرى منعه بتشريع ، وأخيرا الرئيس هولاند يقع في الوسط يدلي بتصريحات شبه محايدة لهذا الطرف او ذاك ، ولهذا أتوقع أن يكون مشروع الوزير الأول الفرنسي مانويل فالس بحظر البوركيني بقانون في " المشمش " ، اي انه قد لا يصدر بنفس صيغة قرارات العمدة التي علقها مجلس الدولة الفرنسي ، او قد يصدر قانون في الواقع شريطة ان يحظى بالاجماع داخل الحكومة الفرنسية و ان يحترم الحرية الشخصية ولايمنع البوركيني إلا عند الضرورة أو عند المساس بالنظام العام ... وكل واحد يبقى على " خـــاطــرو " ولاغالب ولا مغلوب ، ... وهذه هي الديمقراطية
***
بعد منع الفولار الإسلامي ثم البوركيني ، هل ستوضع اللحية في قــفص الاتهام باعتبارها رمزا من الرموز الدينية ؟
يحكى أن الموظف x ... مسلم ، كـــان يشتــغل ببلــدة تـــرومبلاي - أون - فــرانس Tremblay - en - France وترك لحيته تكبر ، ونبهه إلى هذا الأمر مساعد عمدة المدينة ، و ذكره بأنه خرج عن حياده كموظف بالبلدية ،وتم تهديده بالفصل من الوظيفة والطرد من البلدية وفتح له ملف تأديبي بالبلدية ، ونفى محامي الموظف أن يكون موكله قد أظهر يوما معتقداته الدينية ، وصدق روايته عمدة المدينة السيد فرانسو آسنسي وهو من الحزب الشيوعي الفرنسي - لحسن الحظ - وقرر إغلاق الملف التأديبي ((لوفيكارو 7/9/2011)) .
إذا كانت اللحية ولا سيما في أماكن العمل محظورة باعتبارها من الرموز الدينية ويجب ان ينفذ فيها حكم مقص الحلاق بحلقها او حتى نتفها ، فكيف سنربط بينها وبين انتماء صاحبها الى دين معين ، بل حتى بعض اللائكيين ولاسيما المثقفين منهم كانت لهم لحية ، فماركس ، وفرود ، وفيكتور هيكو ، وإدكار بيزاني ، وجاك أتـــالي، وفيليب سيكان ، وغيرهم ... كانت لهم لحية بشكل او بآخر ، فهل كل من له لحية من هؤلاء باعتبارها من الرموز الدينية يجب عليه حلقها ، ام أن حلق اللحية قاصر على الموظف او الأجير المسلم ؟ ولماذا هذا التمييز ؟
على أهل الغرب ان يعلموا ان ملف الرموز الدينية بكافة أشكاله ملف معقد قانونيا وقضائيا وسياسيا واجتماعيا وله حساسية بالغة لا سيما في أوساط الجالية المسلمة المهاجرة بدول الغرب والقاطنة بضواحي المدن الكبرى ، همها الوحيد هو الاستقرار بهذه الدول والعيش بأمان وكرامة والاشتغال وكسب لقمة عيشها اليومي سواء بلحية او بدون لحية ، بسترة الرأس أو بدون سترة ، ولا علاقة لهذه الجالية بتصرفات بعض العناصر المحسوبة عليها ولكنها ظلت الطريق المستقيم لسبب ما ، فلماذا لا يتعايش أهل الغرب مع البوركيني كما نتعايش نحن مع الــمــيــنــي " جيب " ... عشرات الآلاف من " الميني " جيب تنزل من الطائرات بأرضية مطارات الدول العربية وتتسبب في حرج لبعض العرب والمسلمين ولكن احد منهم ألزم سائحات " الميني " جيب بارتداء الجلبية الطويلة حتى القدمين وليس سبب ذلك هو الطمع دولار أو أورو هولاء السياح ، بل لأن سبب ذلك مرده إلى ثقافة وحضارة العرب والأمازيغ والمسلمين ... لأنهم أناس متسامحون ويكرمون الضيف ...يستقبلون الضيف الأجنبي بلبسه الطويل او القصير ، لايهم ، ويفرحون به ويقدمون له الثمر والحليب وكؤوس الشاي بالنعناع ، هذا إذا لم يقض النهار و الليل عندهم حيث سيكون غذاؤه وعشاؤه طجين وكسكس ولن يطلب منه احد دفع فاتورة كل ذلك ... لان القضية اكبر من ميني او بوركيني او لحية ... إنها قضية مجتمع ، وكما قال وزير السياحة المغربي (جريدة اخبار اليوم 26/8/2016) " نحن في المغرب نتعايش مع الميني والبوركيني " ، من باب التسامح في نظرنا ، وقبل النظر الى محفظة نقود السائح الغربي وكم بها من العملة الصعبة اي الدوفيز ولربما انتبه مجلس الدولة الفرنسي أخيرا الى هذه الإشكالية ، التعايش والتسامح مع فئة من المهاجرين أو حشرهم في الزاوية باسم القانون والقضاء
ومن ثم فإن الرسائل التي قرأها البعض في قرار مجلس الدولة الفرنسي بتاريخ 26/8/2016 على إثر إلغائه لقرارات عمدة مدينة "
Villeneuve-Loubet " الذي منع لباس البوركيني الإسلامي ، تـــقول بان :
- بناء حضارة ،
- وتنظيم مجتمع ،
- وتأسيس ثقافة راقية ،
- وفرض نمط معين من اللباس على المواطنين وبشكل تعسفي ،
- وتقييد ممارسة الحريات الشخصية التي لا تمس بالنظام العام ،
... الخ ،
لا يكون بمراسيم أو بقرارات فوقية من سلطة إدارية متعصبة لها فوبيا إسلامية .
فهل قراءة هؤلاء الملاحظين والمتتبعين لقضايا الحريات الشخصية والديمقراطية التطبيقية وحقوق الإنسان وحوار الحضارات في محلها ؟
ليس لنا جواب آني لهذا السؤال ، ولكن لا يسعنا إلا نحيي قرار مجلس الدولة الفرنسي و استقلال و جرأة قضاته على تحدي ميول ورغبات اليمين المتطرف التي تتغذى عن باطل من الخوف من الإسلام أو ما يسمى من الفوبيا الإسلامية l’islamophobie ، ونقول بأعلى صوت ... يحيا العدل !
والواقع أن الدولة الفرنسية بمختلف مؤسساتها تمنع منذ مدة استعمال الرموز الدينية في الأماكن العامة حفاظا على النظام العام المبني على اللائكية آو العلمانية وقانون 1905 ، و لأن هذه الرموز - في نظر الدولة الفرنسية - لا تحترم الحياد ، بمعنى ان المرأة مثلا إذا لبست البوركيني أو البرقع أو الفولار الإسلامي أو الحجاب أو النقاب فهي تخرج عن حيادها وتعلن تعلقها وتمسكها بمذهب دين معين وهو الإسلام ، ولما كانت هذه الرموز تدل دلالة واضحة على اعتناق مستعملها لدين معين فهي أي الرموز غير حيادية وتخالف القانون الفرنسي ونظامه العام ، وتؤدي الى أسلمة فرنسا العلمانية ، ولهذا تجب محاربتها بكل هوادة .
لقد كافحت فرنسا من اجل عدم استعمال هذه الرموز الدينية وأساسا سترة الرأس أو الحجاب الإسلامي وكذلك البرقع في الأماكن العامة ولم تسثن من ذلك إلا البوركيني الإسلامي من اجل الاستحمام في الشاطئ العام وذلك لأسباب تتعلق بالنظام العام الذي يرى مجلس الدولة الفرنسي انه لم يقع المساس به من طرف الفرنسيات وغيرهن ممن يلبسن البوركيني ولهذا لم يتم منعه (قرار مجلس الدولة الفرنسي الجمعة 26 غشت 2016) لأن البوركيني بريئ من تهمة المس بالنظام العام وفق للتعليل القانوني لهذه المحكمة الموقرة اي مجلس الدولة الفرنسي
وإن كانت لهذا القرار تعليلات ضمنية و أسباب سياسية لم يفصح عنها مراعاة منه لمبدأ فصل السلط يمكن لكل ملاحظ ان يستنتجها وفقا لتحليله الشخصي ، و منها أساسا :
1 - جانب من علماء الاجتماع و النخبة المثقفة بفرنسا عبرت عن رأيها بعدم منع لباس البوركيني لأنه يدخل ضمن الحرية الشخصية للفرد
2 - فريق من الطبقة السياسية الحاكمة ( الحزب الاشتراكي الفرنسي ) عبر عن تحفظه أو رأيه بعدم منع لباس البوركيني لأنه يدخل ضمن الحرية الشخصية للفرد ولا يعادي اللائكية ولا النظام العام الفرنسي ( الوزيرة في التعليم نجاة بلقاسم ، وزيرة الصحة تورين ، ووزير الداخلية كازنوف ، ووزير الاقتصاد الرقمي ... الخ ) ، وان كان من الواجب محاربة البوركيني لأنه يمس بحقوق المرأة فلتكن هذه الحرب بوسائل أخرى غير منع البوركيني
3 - بل ان السيد وزير الداخلية بيرنار كازنوف خرج عن تحفظه وقال بصريح العبارة في حديث مع جريدة لاكروا يوم 29/8/2016 بان قانون منع البوركيني إذا ما صدر سيكون غير دستوري وغير ناجع
4 - احد زعماء اليمين الفرنسي وعمدة بوردو آلان جـــوبي قال بأنه لم يمنع البوركيني في مدينته لأنه لا يمس بالنظام العام ( تصريحه للتلفزة الفرنسية i ، (( إ )) ... صباح يوم 28/8/2016)
5 - أكثر من إعلامي ومثقف وسياسي فرنسي رآى في منع البوركيني من عمداء العديد من المدن الشاطئية الفرنسية بمثابة هدية مجانية وعلى
طبق من ذهب للمتشددين والمتطرفين الذين يعملون ضد مصلحة الدولة الفرنسية التي لم تندمل جراحها بعد الأحداث الدامية التي شهدتها كل من : مقر مجلة شارلي إيبدو ، و كاطبلان بباريس ، ونيس ، و تضاف إليها جراح الجارة بروكسيل أيضا ، تبذل فرنسا وغيرها من الدول المستهدفة أمنيا جهودا جبارة حتى لا تقع الكوارث الإرهابية من جديد ، ولكن بعض (( الاجتهادات )) لعمداء بعض المدن المحسوبة على اليمين واليمين المتطرف غالبا ، تتخذ قرارات انفعالية ومتسرعة وتهدد بنسف كل ما بنته فرنسا وغيرها من استراتيجيات أمنية لمكفافحة التطرف الديني والإرهاب بكافة أشكاله
6- العديد من الدول الغربية مثل أمريكا وألمانيا وبريطانيا و إيطاليا واللائحة طويلة لا ترى في لباس البوركيني مخالفة للقانون في بلدها ولا للنظام العام هناك ، وحدها فرنسا قررت منع البوركيني فوجدت نفسها معزولة عالميا ، وقامت ضدها الدنيا ولم تقعد إعلاميا فخسرت حرب الميدياتيك أي الاعلام ، و نسي الفرنسيون - وهم شعب ذكي - أن فرنسا في الواقع هي الأقرب إلى عقل وقلب دول شمال أفريقيا تاريخيا وجغرافيا من أمريكا وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا وكان عليها أن تكون أكثر تفهما لمشاكل وهموم المهاجرين المغاربة و الجزائريين والتوانسة على أرضها ، ومع الأسف لاقى هولاء تفهما من شعوب أمريكا وألمانيا وبريطانيا وايطاليا ولم يجدوه لدى جزء من شعب ودولة فرنسا ... ارض المساواة والأخوة و الحرية بحجة انها تعرضت لضربات قاسية من الإرهاب ، ولكن من من الدول الغربية لم يتعرض لضربات الإرهاب ومع ذلك لم يذهب المشرع او الإدارة في هذه الدول الأربع مثلا إلى حد أن يشهر سيف منع البوركيني أو الفولار الإسلامي في وجه من يلبسه ... حقا ، إنه يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر !
و قبل صدور قرار مجلس الدولة الفرنسي الجمعة يوم 26 غشت 2016 ، كم كان منظر رجال البوليس الفرنسي قاسيا وهم يحيطون بامرأة مسلمة تلبس البوركيني على شاطئ البحر وفرضوا عليها أن تطبق قرار العمدة بخلع البوركيني فورا ، وهو ما فعلته المسكينة تحت أنظار باقي المستحمين والمستحمات وهم يضحكون عليها تهكما وسخرية ، وما هي إلا ساعات أو أيام معدودة ويتدخل مجلس الدولة الفرنسي ليجمد قرار العمدة المطعون فيه ... لماذا كل هذه الحركات البهلوانية وكأننا في سيرك سياسي ... إنه العبث بعينه !
قد يقول قائل إن حكومة مانويل فالس الفرنسية سوف تقود هجوما مضادا ضد البوركيني لتقرر منعه نهائيا بنص تشريعي ، ولها ذلك ، لكن لاحظوا معي أن الإشكالية السياسية أي لباس البوركيني ستصبح وطنية وليست محلية فقط، وهنا ستتحمل حكومة فالس كامل مسؤوليتها السياسية ، لكن هل ستجرؤ على ذلك على بعد أشهر معدودة للانتخابات الرئاسية الفرنسية (2017) التي يدلي فيها الفرنسيون من أصل عربي ومغاربي بأصواتهم لصالح اليسار عادة وكانون سببا في الهزيمة المدوية لجوسبان وساركوزي ، ثم إن أعضاء حكومة فالس منقسمين على انفسهم كما سبقت الإشارة إلى ذلك ، ومنهم من يعارض قرارات بلدية لعمداء بعض المدن بحظر البوركيني وبالأحرى منعه بتشريع ، وأخيرا الرئيس هولاند يقع في الوسط يدلي بتصريحات شبه محايدة لهذا الطرف او ذاك ، ولهذا أتوقع أن يكون مشروع الوزير الأول الفرنسي مانويل فالس بحظر البوركيني بقانون في " المشمش " ، اي انه قد لا يصدر بنفس صيغة قرارات العمدة التي علقها مجلس الدولة الفرنسي ، او قد يصدر قانون في الواقع شريطة ان يحظى بالاجماع داخل الحكومة الفرنسية و ان يحترم الحرية الشخصية ولايمنع البوركيني إلا عند الضرورة أو عند المساس بالنظام العام ... وكل واحد يبقى على " خـــاطــرو " ولاغالب ولا مغلوب ، ... وهذه هي الديمقراطية
***
بعد منع الفولار الإسلامي ثم البوركيني ، هل ستوضع اللحية في قــفص الاتهام باعتبارها رمزا من الرموز الدينية ؟
يحكى أن الموظف x ... مسلم ، كـــان يشتــغل ببلــدة تـــرومبلاي - أون - فــرانس Tremblay - en - France وترك لحيته تكبر ، ونبهه إلى هذا الأمر مساعد عمدة المدينة ، و ذكره بأنه خرج عن حياده كموظف بالبلدية ،وتم تهديده بالفصل من الوظيفة والطرد من البلدية وفتح له ملف تأديبي بالبلدية ، ونفى محامي الموظف أن يكون موكله قد أظهر يوما معتقداته الدينية ، وصدق روايته عمدة المدينة السيد فرانسو آسنسي وهو من الحزب الشيوعي الفرنسي - لحسن الحظ - وقرر إغلاق الملف التأديبي ((لوفيكارو 7/9/2011)) .
إذا كانت اللحية ولا سيما في أماكن العمل محظورة باعتبارها من الرموز الدينية ويجب ان ينفذ فيها حكم مقص الحلاق بحلقها او حتى نتفها ، فكيف سنربط بينها وبين انتماء صاحبها الى دين معين ، بل حتى بعض اللائكيين ولاسيما المثقفين منهم كانت لهم لحية ، فماركس ، وفرود ، وفيكتور هيكو ، وإدكار بيزاني ، وجاك أتـــالي، وفيليب سيكان ، وغيرهم ... كانت لهم لحية بشكل او بآخر ، فهل كل من له لحية من هؤلاء باعتبارها من الرموز الدينية يجب عليه حلقها ، ام أن حلق اللحية قاصر على الموظف او الأجير المسلم ؟ ولماذا هذا التمييز ؟
على أهل الغرب ان يعلموا ان ملف الرموز الدينية بكافة أشكاله ملف معقد قانونيا وقضائيا وسياسيا واجتماعيا وله حساسية بالغة لا سيما في أوساط الجالية المسلمة المهاجرة بدول الغرب والقاطنة بضواحي المدن الكبرى ، همها الوحيد هو الاستقرار بهذه الدول والعيش بأمان وكرامة والاشتغال وكسب لقمة عيشها اليومي سواء بلحية او بدون لحية ، بسترة الرأس أو بدون سترة ، ولا علاقة لهذه الجالية بتصرفات بعض العناصر المحسوبة عليها ولكنها ظلت الطريق المستقيم لسبب ما ، فلماذا لا يتعايش أهل الغرب مع البوركيني كما نتعايش نحن مع الــمــيــنــي " جيب " ... عشرات الآلاف من " الميني " جيب تنزل من الطائرات بأرضية مطارات الدول العربية وتتسبب في حرج لبعض العرب والمسلمين ولكن احد منهم ألزم سائحات " الميني " جيب بارتداء الجلبية الطويلة حتى القدمين وليس سبب ذلك هو الطمع دولار أو أورو هولاء السياح ، بل لأن سبب ذلك مرده إلى ثقافة وحضارة العرب والأمازيغ والمسلمين ... لأنهم أناس متسامحون ويكرمون الضيف ...يستقبلون الضيف الأجنبي بلبسه الطويل او القصير ، لايهم ، ويفرحون به ويقدمون له الثمر والحليب وكؤوس الشاي بالنعناع ، هذا إذا لم يقض النهار و الليل عندهم حيث سيكون غذاؤه وعشاؤه طجين وكسكس ولن يطلب منه احد دفع فاتورة كل ذلك ... لان القضية اكبر من ميني او بوركيني او لحية ... إنها قضية مجتمع ، وكما قال وزير السياحة المغربي (جريدة اخبار اليوم 26/8/2016) " نحن في المغرب نتعايش مع الميني والبوركيني " ، من باب التسامح في نظرنا ، وقبل النظر الى محفظة نقود السائح الغربي وكم بها من العملة الصعبة اي الدوفيز ولربما انتبه مجلس الدولة الفرنسي أخيرا الى هذه الإشكالية ، التعايش والتسامح مع فئة من المهاجرين أو حشرهم في الزاوية باسم القانون والقضاء
ومن ثم فإن الرسائل التي قرأها البعض في قرار مجلس الدولة الفرنسي بتاريخ 26/8/2016 على إثر إلغائه لقرارات عمدة مدينة "
Villeneuve-Loubet " الذي منع لباس البوركيني الإسلامي ، تـــقول بان :
- بناء حضارة ،
- وتنظيم مجتمع ،
- وتأسيس ثقافة راقية ،
- وفرض نمط معين من اللباس على المواطنين وبشكل تعسفي ،
- وتقييد ممارسة الحريات الشخصية التي لا تمس بالنظام العام ،
... الخ ،
لا يكون بمراسيم أو بقرارات فوقية من سلطة إدارية متعصبة لها فوبيا إسلامية .
فهل قراءة هؤلاء الملاحظين والمتتبعين لقضايا الحريات الشخصية والديمقراطية التطبيقية وحقوق الإنسان وحوار الحضارات في محلها ؟
ليس لنا جواب آني لهذا السؤال ، ولكن لا يسعنا إلا نحيي قرار مجلس الدولة الفرنسي و استقلال و جرأة قضاته على تحدي ميول ورغبات اليمين المتطرف التي تتغذى عن باطل من الخوف من الإسلام أو ما يسمى من الفوبيا الإسلامية l’islamophobie ، ونقول بأعلى صوت ... يحيا العدل !